الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور “الأم” الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري للرجل. باتت معظم الأمهات يكافحن وحيدات في ساحة الحياة من أجل لقمة العيش، فتحولن إلى نساء مثخنات بلوعة الفراق والقهر والحنين.

تخلت لينا (40 عاماً) منذ قرابة سبع سنوات عن لقب “الأم” بوصفه الدور الوحيد الذي كانت تمارسه قبل وفاة زوجها، غير أن ألقاباً كثيرة ألصقتها بها الحياة عنوة لتتنقل بين أدوار “الأب” تارة و”المعيل” تارة أخرى و”الأخ” و”المنقذ” في أحيان أخرى. تقول لينا عن تجربتها: “نسيت أنني أم منذ سنوات؛ تلك الأم التقليدية التي كانت تقوم بمهام الاعتناء بالأطفال والإشراف على طعامهم ودراستهم فقط دون الالتفات لأمور أخرى. دور الأب هو الطاغي حالياً، أعمل دوامين من أجل تأمين لقمة العيش.” تقر لينا أن وفاة زوجها حملتها مسؤوليات تفوق قدراتها الجسدية ووضعتها تحت ضغوط نفسية ومادية، خاصة أنه ترك خلفها لائحة من الديون غير المسددة. تشرح وضعها: “كان زوجي كثير الدين من أصدقائه، اعتاد أن يسدد شهرياً من عمله الإضافي في تعهدات البناء، لكنه لم ينته من تسديد ديونه كلها وأقوم أنا بالسداد”.

ليست فقط الأعباء المالية هي التي تؤرق كاهل لينا، بل هناك حمولة فائضة، ثمة شعور بالأمان تفتقده منذ وفاة زوجها، ففكرة غياب العنصر الذكوري في حياتها يشعرها بانعدام التوازن وفراغ كبير وتوضح مشاعرها: “افتقد شعور الأمان والسند الذي ضاع مني، أحتاج كتفاً اتكأ عليه كلما اختل توازني، كما يحتاج طفلاي هذا السند أكثر مني”.

وجدت نهال (30 عاماً) نفسها بين ليلة وضحاها أماً لأربعة أطفال، لطفلتها ذات الست سنوات، وأشقائها الثلاثة بعد وفاة والدتها، لتوزع عاطفة الأمومة بين الجميع بحصص عادلة، تقول: “توفيت والدتي مبكراً مخلفة وراءها أخوتي الذين مازالوا صغاراً، أعتني بهم وكأنهم أطفالي أسوة بابنتي، أحاول قدر الإمكان تعويضهم حرمان الأم كي لا يشعروا بالألم “.

تصالحت أحلام (50 عاماً) مع فكرة تحول زوجها من المعيل الأساسي إلى شخص غير منتج في المنزل بسبب مرض السكري الذي تلاه إجراء عملية قلب مفتوح، وبالتالي انتقلت جميع المهام إليها بدءاً من تأمين حاجيات البيت والإشراف على دراسة بناتها الثلاث، مروراً بالقيام بأعمال صيانة المنزل وتركيب أنبوبة الغاز، ناهيك عن عملها الصباحي كمدرسة في المرحلة الابتدائية، لتضاف إليها الدروس الخصوصية كمصدر دخل إضافي، تقول:”أشعر بأنني الرجل في البيت، وليس زوجي، كل شيء يقع على عاتقي لدرجة أنني فقدت شعوري بأنوثتي وأنه يجب الدلال والاعتناء بنفسي، لا وقت لدي لذلك، ضغوطات الحياة تثقل ظهري”.

قرار مصيري

أرغمت خلود (28 عاماً) على إيداع ابنها ذي الأعوام السبعة عند والدتها والسفر إلى أربيل بحثاً عن حياة أفضل لها ولطفلها بعد أن تخلى عنها زوجها وتنصل من مسؤوليته كأب. كلفها هذا القرار ساعات طويلة من الوحشة والدموع واللهفة لطفلها تحاول أن تبددها بمكالمة هاتفية يومياً. وتشرح قصتها: “لم يكن القرار سهلاً عليّ، بل ترددت كثيرا، لكن تركت عاطفتي جانباً واتخذت القرار بعد أن سدت الطرق كلها أمامي وتهرب طليقي من مسؤولياته المادية والعاطفية لابنه، لا فرص عمل هنا تكفي للعيش بكرامة.” تعمل خلود طباخة في أحد مطاعم أربيل ودخلها جيد لكنها تنتظر عدة أشهر إضافية كي تستطيع لم شمل ابنها بعد أن وافق والده على إذن السفر مقابل مبلغ مادي، وتعقب: “تفاوضت مع طليقي من أجل السماح لابني بالسفر معي، أتحضر لإحضاره إلى هنا مع أمي للعيش سويا”.

أمهات على قارعة الطريق

تتوقف يداك عن الجمع وأنت تحصي أعداد الأمهات الجالسات على قارعة الطريق وعتبة العوز والحسرة، تراهن في كل مكان وأنت تتجول في شوارع دمشق. تلتمس نظرات التعب التي تعلو الوجه الشاحب والابتسامة الخجولة لسيدة تركن كرسيها البلاستيكي في زاوية لمحل خضار تفرم حزم البقدونس وتقشر حبات الثوم لتشتريها صاحبات الأيادي الكسولة التي لا تمتد إلا لتناول الطعام أو تلوين الأظافر. تمشي عدة أمتار فتستوقفك أم بمنزلة طفلة تحمل رضيعتها التي لا تعلم كيف تربيها وتمد يدها لتناولها ثمن علبة حليب، ثم تعاود المشي لتناديك بائعة التين والزبيب المجفف  بعد أن أخذت طفلتها قيلولة قصيرة، وحين تدخل أحد محلات الألبسة المستعملة تجد سيدة تتسول سترة مطرية أنيقة تليق بابنتها وهي  ذاهبة إلى الجامعة. 

الاحتفال وحيدات

تغيرت الصورة النمطية للاحتفال بعيد “الأم” إذ فقدت رونقها الخاص وشرطها الحميمي، فتفرق الأبناء والبنات وبات لم الشمل حلماً تنتظره الكثير من الأمهات. بينما يضطر العديد من الأبناء ممن سافروا خارج البلاد إلى إعادة ترتيب أولوياتهم والتقليص من عدد الزيارات بسبب الكلفة المادية المترتبة عليهم، والاكتفاء بزيارة سنوية أو في بعض المناسبات الكبيرة كعيد الفطر والأضحى. هناك أمهات يحتفلن وحيدات وبعيدات عن حضن أبنائهن، ليكتفين بمكالمة “فيديو” وقبلات افتراضية لا تشبع صبوة الأم وتطفئ لهيب شوقها.

حتى الهدايا أخذت شكلاً مختلفاً عما ألفه السوريون، كانت في السابق ترتبط بقطعة ملابس من ماركة ممتازة أو هدية جماعية يتشاركها الأبناء لاقتناء قطعة ذهبية كانوا قد وفروا ثمنها طيلة الأشهر السابقة، أما الآن فقد صار طابعها فقيراً وملحاً يندرج تحت الاحتياجات الدوائية والجسدية والغذائية، كإحضار علبة دواء، أو جهاز لقياس الضغط، أو حذاء طبي يخفف عن الأم أوجاع الدوالي، وربما كنزة مستعملة مازلت محافظة على جودتها، أو وشاح مصنوع يدوياً لأمهات أخريات طرزنه بعرق جبينهن وأصابعهن الباردة لإطعام أولادهن.

آراء من حمص: “أيام العداء والخلاف ولّت تلقائياً دون جهود”

آراء من حمص: “أيام العداء والخلاف ولّت تلقائياً دون جهود”

حين اندلعت الحرب السورية بمفهومها العسكري المباشر كانت حمص تتجهز لتأخذ دورها كمدينة سيطول حضورها على مسرح الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية تاركةً خلفها ما حصل في بانياس ومناطق أخرى كذكريات ليست غير ذات شأنٍ ولكنها جانبية إلى حدٍّ ما قياساً بمدينة كانت تحتضن تنوعاً مناطقياً وطائفياً متشعباً ومتعايشاً للغاية، ولكن في لحظة، بالضبط في لحظةٍ واحدة، انقلبت المدينة على بعضها مناطقياً ودينياً.

يوم اشتعل الفتيل

يتذكر كثر من أهالي حمص مفترقاً مهدّ لاشتعال المدينة بأكملها، كان ذلك المفترق يوم السابع عشر من نيسان 2011، أي بعد قرابة شهر بالضبط من اندلاع المظاهرات في درعا ومناطق أخرى. في ذلك اليوم هاجمت الأحياء بعضها، حرفياً ذلك ما حصل، أحياء بأسرها هاجمت أحياء أخرى لدواعٍ لا زالت حتى اليوم غير واضحةٍ وما من أحد قادرٍ على تفسيرها.

هجمات استخدمت فيها العصي والخناجر والسلاح الأبيض والفؤوس وبعض الأسلحة النارية من نوع “بومب أكشن” وبنادق الصيد. يومها سقط ضحايا في المدينة، تزامناً مع اعتصام حمص الكبير وحصار أحياء أخرى من أحياء مجاورةٍ لها، كان ذلك في الفترة التي تعرف بتولي فصائل الشرطة من كتائب “حفظ النظام” مسؤولية ضبط الأمور، قبل أن تتعسكر المدينة وتصبح بأكملها متخذةً شكل ساتر ترابي كبير يفصل بين خصمين.

المدينة المفصل في الحرب

لم تكن حمص عادية في أيّ لحظةٍ في تقرير مصير سوريا بأكملها كمدينة وسطى تقطع دمشق عن الساحل وحلب، فقد تم وصف حيّ بابا عمرو لوحده بعاصمة الثورة السورية. وفي تلك الفترة ذُكرت المدينة بالتصريحات الدولية المتواترة والمتخوفة من سيطرة الحكومة على حمص. فمثلاً تم ذكر أسماء أحياء المدينة بتصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية في حينه، وبالتحديد لا ينسى أهل حمص تصريحاتها عن “شارع الستين” المحوري في المدينة والذي كان يمثل خط تماس بين السكان المنقلبين على بعضهم.

لا يمكن تجميل سنوات الصراع

تاريخياً تعايشت تلك الفئات المتباينة في المدينة بمحبة وألفة وسلام دون أي حوادث أمنية تذكر، فتبادلوا المصالح والزيجات والعلاقات الاجتماعية والأسرية، لكن فجأة تغيّر كل شيء. لا يمكن تجميل ما حصل مهما حاول التاريخ ذلك، فالقتل عمّ المدينة، القتل الذي نفذه ساكنوها بحق بعضهم قبل وجود أي عمليات منظمة. والحديث هنا لا يخص مرحلة ما بعد اتضاح الجبهات، بل يتعلق بعائلات وأحياء حاصرت أخرى وكأنّ حرباً بينها عمرها مئات السنين لا زالت مشتعلة. ومجدداً لا زال الأمر لا يحمل أيّ مبررٍ وهذا ما سيتضح من خلال تبيان حال المدينة اليوم، وهو حال مشابه ومطابق لحال كل المدن السورية الأخرى، كدمشق وحلب واللاذقية وبانياس وغيرهم، إلا أنّ البقاء ضمن نموذج حمص يخدم الفكرة أكثر لشمولية واتساع ما حصل فيها.

ما حصل لا يكرره التاريخ كثيراً

كيف يبدو وضع حمص اليوم شباط/فبراير 2024؟

بدايةً لنعد قليلاً للوراءإلى تاريخ 2014 وهو عام خروج مسلحي حمص القديمة من المدينة بالكامل، بعيد سيطرة الحكومة على الأحياء كلها في حمص تباعاً باستثناء حي الوعر الذي لم يكن يشكل عبئاً رغم تأخر استرداده حتى آذار/مارس عام 2017، لكونه يقع أساساً في مكان غير متصل مباشرةً بالمدينة ولا يؤثر على طرق العبور الرئيسية فيها.

فعلياً منذ 2014 لم يبقَ داخل المدينة أجواء توتر تذكر، إذ انحصرت جبهات القتال في الوعر والريف الشمالي وبدأت التنظيمات المتطرفة تظهر وتتمدد باتجاه الريف الشرقي لحمص وبالتحديد في تدمر والمدن الشرقية والبادية، كل ذلك أتاح الوقت والفرصة الملائمة أمام المدنيين لاتخاذ قرارات تتعلق بمسؤولية بقائهم داخل المدينة.

من قرر المغادرة فقد غادرها مع دفعات التسويات، أما من قرر البقاء فقد أثبت بسرعة لا يمكن تصورها أنّه قادر أن يندمج بلمح البصر من جديد في مجتمع متكامل عماده ذات الناس الذين ينتمون لخلفيات طائفية ومذهبية متعددة، كان يبدو الأمر في حينه لمشاهد بعيد نوعاً من المجاملة أو الخوف أو حتى النفاق، فكيف لمتحاربي الأمس أن يتعانقوا بعد مئات آلاف المهجرين وآلاف المختطفين ومثلهم من الضحايا والجرحى؟، ولكنّ المدينة احتضنت بعضها بصورة لا يمكن أن يكررها التاريخ كثيراً.

أحياء على الحياد ولكنّها ليست بمنأى

يقول الحاج أبو ناصر والذي يعيش في حي كرم الشامي الحمصي خلال حديثه معي إنّ لحيّه خصوصية كبرى بسبب موقعه الهام قبالة جامعة المدينة وإطلالته على أحياء وطرق مهمة. ويوضح أن حيّه لم يشهد عمليات عسكرية، بيدَ أنّه شهد مظاهرات استمرت فترةً من الزمن ولكن يعيدة عن حواجز الجيش ومؤسسات الدولة.

يقول: “لم يكن كل أهل الحي رافضين للمظاهرات ولا كلهم قبلوا بها، كان هناك تخوف من اقتحام حيّنا وأن يلقى مصير أحياء أخرى، فاندثرت المظاهرات تباعاً ولم تعد هناك رغبة لدى شباننا حينها بالأمر، وربما هذا ما أبقانا أقرب للوساطة بين طرف وآخر إذ كان حيّنا معبراً آمناً للجميع دون تهديدات أمنية”.

وفي ذات الوقت يبدي الرجل أسفه أنّ المدينة تحولت لكانتونات منعتهم من الخروج من حيّهم في مرحلة معينة، وساءه انقطاعه عن رفاق له في أحياء أخرى، إما بسبب اندلاع اشتباكات لديهم، أو بسبب خلافات ايدولوجية منعت الزيارات يوم انقسمت المدينة على نفسها، مؤكداً أنّهم لم ينقطعوا عن التواصل هاتفياً، قبل أن تعود حمص كما كانت قبل الحرب تماماً.

لم يعد الخارج مفقوداً والعائد مولوداً

المهندس تامر حمدان الذي ينتمي لحي الزهراء في حمص، وقد فقد اثنين من إخوته خلال اندلاع جولات الخطف التي هيمنت على المدينة، يشرح كيف حوصر حيّهم لأكثر من عام من قبل تسعة أحياء تحيط بهم، ويقول عن تجربته: “كان الخارج مفقوداً والعائد إن عاد مولوداً، كان أقسى عامٍ يمكن أن تعيشه مجموعة من الناس مع سيل قنص وشلال قذائف لا يتوقف، معظم شهداء حيي استشهدوا داخله وهم نساء وأطفال، عدا عن الـذين كانوا على جبهات القتال، لم يكن أحد يريد أن يحصل هذا في المدينة التي تربى شعبها أنّهم إخوة”.

ويضيف: “ما حصل حصل، والغريب أنّه وكأنّه ما مرّ علينا، تلك الأحياء التي كانت تحاصرنا نقضي اليوم كل أوقاتنا فيها ومع أهلها الطيبين، وأصرّ الطيبين، تلك الحرب بدأت وانتهت دون أن نعلم لماذا، حمص اليوم وبآلاف الأدلة القاطعة تصالحت مع بعضها دون أحقاد وعادت الأمور لتسير كما قبل الحرب”.

يبتسم ويوضح فكرته بالإشارة: “من كان يتوقع يوماً أنني سأشتري غرضاً من الخالدية، وأنني سأسير في سوق الدبلان وأشتري الملابس من هناك، وأني سأشتري رأس غنمٍ من دير بعلبة، وبأني سأفتل كل المدينة وأحصل على ما أريد وأزور أصدقائي في جب الجندلي والبياضة وباب السباع وبأن الناس من تلك الأحياء ستزور الزهراء لتشتري ما تريد ولتزورنا بعد أن لم يبقَ في حمص متراسٌ واحدٌ يحجبنا عن بعض”.

لا إرهاب ولا شبيحة

تطلب فهم الجو العام في حمص وكيف تسير الحياة هناك البقاء فيها أياماً ليست بالقليلة، وعلى فترات، رُصدت خلالها آراء تكاد تكون متطابقة في طبيعتها المتسامحة، في مدينة نسيت الحرب مخلفةً جراحها وراء ظهرها، وصولاً لمقابلة عمال وموظفين يعملون في أحياء قبل سنوات كان مجرد ذكر اسمها يستفزهم ويشعرهم بالخطر.

بين أولئك العمال أبو ماجد الذي ينتمي سكناً وعيشاً إلى حي بابا عمرو الذي لم يغادره حتى وهو في أتون معركته الأشد، أبو ماجد يعمل اليوم في مطعم للوجبات السريعة في حي النزهة الذي كان يشكل خصماً لحيّه في الموقف السياسي والعسكري خلال الحرب.

أبو ماجد أوضح أنّ أيام العداء والخلاف ولّت تلقائياً دون جهود، وبأنّ في حيّه عمالٌ أيضاً من أحياء أخرى، وخلال عام عمله الثالث هذا لم يشعر لحظةً أنّه غير مرحب به وعلى حدّ تعبيره لم يعامل كـ “إرهابي” من قبل أهالي الحي، كما لم يعامل أهل حيّه بعض العاملين لديهم كـ “شبيحة”.

أطروحةٌ في العيش المشترك

في حمص حصل تصالح مجتمعي شعبي بين الأحياء ومعه عادت الخلطة الديمغرافية مناطقيا ودينيا (طائفياً ومذهبياً) بين الأحياء والقرى بعد حرب ضروس كانت تنذر بنهايات وحشية، فحتى ريفها الشمالي الذي كان يعد واحداً من أخطر بؤر التوتر حلّ به ما حلّ بأحياء المدينة من تصالح فعادت منطقة الحولة بقراها السبع ممراً لوسائل النقل التي تقل الناس بين المدينة وأرياف أخرى ممتدة حتى مدينة مصياف في ريف حماه والتي كان الوصول إليها عبر شمال حمص ممنوعاً بل حتى لم يكن هناك طريق يقود إلى ذلك الريف لشدة الاشتباكات في محيطه. وإلى جانب الحولة فتحت مناطق تلبيسة والرستن طرقها للعبور من حمص إلى حماه دون الاضطرار للالتفاف حول عشرات القرى تجنباً للرصاص والمخاطر والخطف.

مجدداً، الآن في شباط/فبراير 2024، عاد الناس للاختلاط والزيارات والعلاقات الاجتماعية والتبادلات التجارية وكأن كل من بقي قرر نسيان سنوات الحرب القاسية التي لم تخلف سوى الدم والدمار دون حلول جذرية سياسية فكان الحل بعودة الاندماج نحو الخلاص المعنوي والنفسي انطلاقاً من الترابط المجتمعي الذي يكمل بعضه في ظل استحالة عيش كل فئة منعزلة عن جوارها لتستحق حمص بكل جدارة أن تكون موضوع أطروحات أكاديمية تناقش العيش المشترك.

حول الحياة اليومية للسوريين في مدينة حمص

حول الحياة اليومية للسوريين في مدينة حمص

 صباحاً شوارع حمص معتمة وغارقة بالضباب.

ما زال الوقت مبكراً لتزدحم الطرقات بالناس والدخان والروائح التي تحاصر الأوكسجين في المدينة وتطرده فرائحة الحطب ومنذ الصباح تنسل إلى الجو وتغمر الأحياء.

 تحولت المدافئ بشكل جماعي من حرق المازوت إلى حرق الخشب وكل ما يخطر بالبال، الكرتون والأحذية والورق والثياب القديمة، يحرقون كل ما يمكنهم وكل ما يتيح لهم قليلاً من الدفء فهناك الحطب، النايلون والبلاستيك، الشحاطات وأغلفة الكتب والدفاتر وغيرها من البقايا والأشياء التالفة  وقطع الأبواب المحطمة لتصبح الرائحة واخزة ومنفرة بعد احتراق الدهان. في المساء يكون الوضع أسوأ حين يشتد البرد ولن تستطيع التمييز في الشارع بين الروائح المختلطة المقبولة منها والمقززة.

حطب بأنواع كثيرة، ولكل نوع سعره الخاص، الجذور والسيقان والأغصان. هناك من يشتري الحطب بالكيلو الواحد الذي لن يكفي المدفأة سوى ساعة أو اكثر. كما صار عادياً أن ترى باعة الحطب دون أن تسأل من أين؟

وفرت مدافئ الحطب استهلاك الغاز الذي لا تنتهي أزماته  فسيدات البيوت يطبخن عليها والعائلات غالباً ما تقوم بتسخين مياه الحمام عليها لعدم توفر المازوت والكهرباء.

 في الشتاء مع البرد والمطر تبدو الحياة أصعب إذ لا تنفصل معاناة تأمين الدفء عن ظروف المعاناة المستمرة على طول الفصول مع جنون الأسعار اليومي لكل المواد والتي لا تتناسب مع موارد الإنسان الذي ينحت يومياته بأظافره في قلب الصخر.

 تقول إحدى السيدات: ”اختصرنا عدد الوجبات وفي كثير من الأيام نكتفي بالحواضر دون طبخ  بينما اللحوم صارت من الماضي، وكثير من السلع والمواد الغذائية كالفواكه وغيرها“.

يبحث الناس عن وسائل لتأمين وتحسين العيش فلا يمكن الاعتماد على الراتب ولجأ الكثير منهم لاستبدال البيوت ببيعها وشراء أصغر منها أو تغيير المنطقة إلى مناطق الضواحي للاحتفاظ بوفر مالي لفتح مشروع صغير لهذا سترى أن المحلات التجارية تتكاثر ولكنها جميعا تحت ضغط التضخم وتغير الأسعار غير المأمون. بالمقابل ارتفع إيجار البيوت بشكل لا يوصف .

البعض باع وسائل استثمار وفشل بتحسين الوضع إذ باغته ارتفاع الأسعار المفاجئ وحرمه القدرة على تحسين الوضع كما حدث في السيارات.

الاعتماد على المؤونة التي تعد جزءاً من طقوس مجتمعنا للتعامل مع تغيرات الفصول تراجع أمام صعوبة توفيرها في موسمها بسبب الغلاء وعدم توفر ظروف الاحتفاظ بها كانقطاع الكهرباء

يقول أحدهم: ”أعمل 14 ساعة يومياً، وهذا لا يكفي. انقطعت السلات الغذائية والمعونات ولا يمكن أن نتجاوز الشهر بـ 350 ألف ليرة فقط هي أجري الشهري. يساعدنا بذلك أن  الأولاد ما زالوا صغاراً. في حالات المرض نلجأ للدين الذي نحاول جاهدين الابتعاد عنه لعدم إمكانية رده، لكن لا بد منه في المرض حيث يشكل الدواء عبئاً ثقيلاً بعد أن قفزت أسعاره قفزات لا نستوعبها. الكثير من الناس لا يذهبون للطبيب في حالات المرض العادي كالكريب والرشح ويقاومون بالأعشاب فقط وهناك من يحتمل أكثر من هذه الأمراض“.

تشكل المواصلات عبئاً آخر إذ تلتهم الكثير من الراتب الشهري، وأما التعليم الجامعي فأسعار النوتات صار أيضاً يحتاج إلى دخل إضافي.

 تقول احدى السيدات وهي أم لتوأم: “أما القهر فهو كيف ستمنح طفلاً في الابتدائية مصروفه اليومي وسعر البسكويتة الواحدة لا يقل عن 2000 ليرة؟”

يتردد البعض باستلام المازوت حين يتوفر بعد غلاء سعره. في العام الماضي كثير من الأسر لم تستلمه فالحطب يبقى أرخص رغم رائحته وما يسببه من أمراض. في الطريق إلى خارج المدينة كل يوم، وحين نصل  أول جسر نرى الغابة الصغيرة  وقد  نقصت شجرة، الشجرة التي تبتعد عن الطريق العام قليلاً، التي كانت تنمو دوماً خجولة لا تلفت النظر، وكل يوم سندرك أن  الأشجار التي تسند خصر الجسر تنقص فرداً جديداً. إلا أن بقايا الجذوع بقيت قائمة فوق التراب كشواهد قبور ومبعثرة كأنها جنود سقطوا في معركة.

  ستنتبه فوراً لهذا النقص، فالأشياء التي تكمل المشهد لا نثمن وجودها إلا حين نفتقدها إذ تترك نقصاً ما في مشهد ألفته العيون وسيترك غيابه عيباً ندركه بسرعة. ثم ستنسى ذلك حين تختفي الغابة كليا، كأنها لم تكن يوما. وعلى طول الطريق ستجد أن الأشجار نقصت بطريقة مواربة كأن من قطعها ترك بعضها ليخفي ما غاب ولا أعرف ما المعيار في اختياره.

 هذا العام لاحظ الجميع أن الأعياد لم تترافق بزينة كثيرة. شكلت حرب غزة جزءاً مهما في ذلك،  لكن السبب الرئيس هو أن الجزء الأكبر من الناس بدأ بتقليص النفقات  دون تردد. ويطوف في ذاكرتي ذاك اليوم الذي يبدو الآن  بعيداً جداً حين قررنا الحصول على شجرة طبيعية لعيد الميلاد ليفرح الأطفال بها وبتزيينها. كان من الصعب الحصول عليها فالثلج قد تساقط وكان ذلك غير قانونيا، اكتفينا بغصن جميل، أحضرناه فبدا كغابة مزينة في منزلنا. أتذكر تلك اللحظة التي عشناها بسعادة بالغة و رفاهية روحية. لم تعد الأشجار تدخل إلى المنازل كغابة فرح  أو زينة للأيام التي نتوخاها في العيد، بل تدخل ميتة ومحطمة، كهذه الأيام والسنوات، ولتحترق رغم أنها لا زالت تشكل  ثروة لأملٍ بالدفء.

٤

أتذكر الآن  ما قرأته في رواية عداء الطائرة الورقية لخالد الحسيني حين يعود البطل إلى افغانستان ويجد مدينته قاحلة بلا شجرة واحدة مستغرباً ذلك، ليكتشف ان السكان قد اقتلعوا كل الأشجار للتدفئة، احترقت الأشجار ليتدفأ البشر لكنها بقيت مقيمة في ذاكرة الكاتب .

بعد سنوات طويلة من الحرب ومن معاناة البشر لا يعود بالإمكان النظر للشجر المقطوع بشاعرية  فالمهم الإنسان، المهم أن هناك أطفالاً وعوائل تتدفأ فهناك حرفياً عوائل لن تستطيع حتى شراء الحطب.

 ارتفعت أسعار زيت الزيتون بشكل صارخ وصار معتادا أن ترى من يشتري الزيت بما يكفي لطبخة واحدة أو وجبة واحدة، إلى جانب التضخم هناك هبوط الكميات بسبب الحرائق التي نالت الأشجار في مناطق كثيرة. ستشاهد من يشتري مقدار كأس الشاي زيتاً حتى أنه لا يكفي لإتمام الطبخة، الزيت الذي قد يكون عند بعض العائلات وجبة وحيدة مع الملح فيغمس الأولاد الخبز به  لعدم توفر الحواضر للعشاء.

  حين احترقت أشجار قريتنا كان الرماد يغطي الأرض، المعنى الحقيقي  لعبارة عن بكرة أبيها. رغم ذلك نجت  شجرات متفرقة على السفح كانت تبدو وحدها وسط الرماد مثل طفل مذنب، يخونها الانتصاب، وتكاد الريح التي تبعثر رماد أخوتها، تنيخها للأرض.

 قد تحمل النجاة عبء جرم الشهادة، وقد تصبح النجاة ذنباً ممضاً كجرح  لا يشفى إلا بعودة الحياة  للبقية.

أينما التقيت بالناس سترى كيف بات التوتر سمة عامة. تقول ف .ر:” كل شيء نطبق عليه التقنين إلا التوتر والعصبية والغضب الدائم، الصوت العالي صار طبيعياً، ونبرة الاستفزاز والهدوء عملة نادرة تسرب العنف إلى الأطفال نتيجة ما يعانونه ويرونه من الأهل. فالجو الأسري دوماً مشحون وتتعقد الأمور أكثر بغياب الأب الذي يعمل ساعات طويلة. وكذلك  في البيوت التي تسكنها عدة عائلات نتيجة التهجير وريثما يتمكنون من العودة لبيوتهم مما يحرم أي أسرة خصوصيتها وحميميتها وقدرتها على التفاهم “.

سيرى المراقب أن النساء اللواتي يمارسن رياضة المشي يتجهن إلى أطراف الأحياء  لجمع النباتات البرية التي ستكون وجبة شهية بدون ثمن كالخبيزة أو الهندباء، وهناك نساء يحصلن عليها من الحدائق العامة بلا تردد.

تقول م.ر إن راتب زوجها لا يكفي حتماً فتلجأ للعمل في البساتين القريبة كقطاف ورق العنب أو عناقيده أو زهور القبار قبل أن تتفتح . وهو ما انتشر  في القرى بشكل كبير والضواحي: جمع زهور القبار لصالح التجار حيث يباع بالكيلو لتصديره للخارج. أعمال موسمية مجهدة ومتعبة لا بد من ذلك للاستمرار وأي عمل سيكون مساعداً فهناك الكثير من العائلات ليس لديها أحد في الخارج ليرسل حوالات تعينها على الظروف.

لم يعد أحد يفكر بالتوفير فكل ما يحصل عليه هو قوت يومه والسؤال الكبير كيف تدبر الأسرة أمورها في هذه الأيام ستكون الإجابة عليه من الصعوبة بمكان، لأن الوضع يفوق التخيل.  

الدولار ومعضلة الحياة اليومية في سوريا

الدولار ومعضلة الحياة اليومية في سوريا

“نشتري عبوة المياه على تسعيرة الدولار في بلد المياه الجوفية، ونقبض رواتبنا الشهرية بالليرة السورية، وحين نذكر كلمة دولار ولو في محادثة فيس بوك نتعرض للمحاسبة، أليس هذا عجب العجاب!”

بهذه الكلمات الغاضبة تلخص المهندسة سما الحلبي معاناة السوريين مع تسعير يومياتهم على مقاس العملة الخضراء في معادلة رياضية–اقتصادية عجيبة لا يمكن معها تفسير تسعير جرزة البقدونس المزروعة في سهول الغاب بالدولار وصولاً للمنازل مروراً بكل ما يخطر ولا يخطر على البال.

“مصروف الشهر”

لم يعد خافياً على أحد–إلّا الحكومة على ما يبدو أنّ نسق الحياة اليومية للمواطنين يسير على إيقاع بورصة التجار المحسوبين عليها والذين تنكرهم واصفةً إياهم بالمضاربين والمتلاعبين بالعملة. ومن نافلة القول أنّ العملة الوطنية هي عماد الأمن القومي، فكيف يستوي ذلك سوى في مشهد اقتصادي يمتلك من الغرائبية ما يجعله جنائزياً على جيوب المواطنين الحالمين القابضين على الجمر بيد والقابضين مصروف شهرهم باليد الأخرى.

كلمة “مصروف الشهر” ليست محض تعبير مجازي في سياق مقال صحفي، بل هي نكتة سوداء اجترها السوريون واصفين ما تمنحهم إياه الحكومة شهرياً بـ “المصروف أو الخرجية”. وحقيقةً الأمر كذلك فعلاً، فحين يكون متوسط المرتب الحكومي نحو 15 دولار شهرياً فتلك معضلةٌ تسقط حكومات، يقول سوريون على الدوام.

بيدٍ من حديد

في وقت يهيمن فيه الدولار على كل تعاملات السوق تجرم الحكومة والقانون السوريان بأشد العقوبات أي شكل من أشكال التعامل به على صعيد التداول وضمناً إتمام عمليات البيع والشراء بعد أن صار شراء سيارة يحتاج لأكياس كثيرة من العملة المحلية التي كادت تصير بلا قيمة. في القانون السوري تصل عقوبة استخدام الدولار لسبع سنوات من السجن ويمكن تشديدها لعشرين سنة في حالة وجود قطع مالية مزيفة.

تجاهل القانون، في تورية غير مفهومة أو على الأقل غير مشروحة للعوام، أن كل شيء في حياة السوريين يسير وفق تسعيرة الدولار في السوق السوداء، السوق السوداء ذاتها التي تسعّر الحكومة بموجبها بشكل نسبي أسعار بعض الأساسيات كحال المشتقات النفطية.

فرضت الهيمنة الدولارية على الناس في معاملاتهم اليومية استخدام تلك العملة لإتمام عمليات البيع والشراء في مجازفة عالية المستوى تقودهم إلى السجن في حال وشى أحد بالبائع أو المشتري أو لو تم القبض عليهما في أي حال من الأحوال أو لو اختلف الطرفان لسبب ما.

قانون يعاقب ولا يحمي

فؤاد اسم مستعار لشاب وقع ضحية التعامل بالدولار الذي لا يمكن تأطيره قانونياً، حيث واجه مشكلة في تحصيل بقية ثمن سيارته التي باعها بالدولار لشخص آخر، يقول لـ “صالون سوريا”: “بعت السيارة بالدولار لأنّ ثمنها سيملأ حقائب كثيرة بالليرة السورية، ولأنّ عملتنا تفقد قيمتها بشكل ساعي، لذا عمدت كما يفعل الجميع للبيع بالدولار وبشكل سري بيني وبين المشتري الذي لم يكن لديه مشكلة، وبالفعل اتفقنا على الثمن ودفع لي ثمنها على أن يبقى ألف دولار لحين فراغها النهائي”.

ويضيف: “بالفعل فرغتها له لاحقاً وطلب مني التريث بضعة أيام حتى يرسل لي ما تبقى من المبلغ، ولكني شعرت أنّه يماطل، ثمّ في النهاية ما كان منه إلا أن قال لي: ليس لك شيء عندي، اشتكِ للشرطة لو شئت”.

فعلياً لا يستطيع فؤاد التشكي لأنّه سيسجن هو أولاً قبل أن يسجن الطرف الآخر، وهذا ما استغله المشتري، وقد استشار فؤاد الكثير من المحامين حسب قوله، لكنّ الجميع أشار إليه بذات النتيجة وهي أنّ الحبس مصيره نتيجة تعامله بالدولار في الشراء والمبيع، لذا اختار السكوت وتناسي ما جرى له كحل قسري وحيد.

حفاظ على المدخرات

ارتباط أسعار كل شيء في حياة السوريين بالعملة الصعبة خلق حالةً من التحدي الجماعي الشعبي للحكومة والقانون، حتى أنّ كمية الدولار المتوافرة في السوق باتت ملحوظةً، وحتى أنّ كثيرين من السوريين من أصحاب المهن الخاصة أو مصادر الرزق المتعددة يعمدون بصورة متواصلة لتحويل ما يجنونه من أموال إلى العملة الصعبة أو الذهب كخيار بديل.

وفي هذا الإطار يوضح الصناعي مازن ملوح لـ “صالون سوريا” وجهة النظر العامة قائلاً: “لنقل مثلاً إن سعر سيارة من نوع كيا ريو كان نحو 50 مليوناً العام الماضي، واليوم سعرها حوالي 200 مليون، هذا أوضح مثال عن الانهيار، اليوم ثمنها 200 مليون ولو حصل لك ظرف ولم تشترها فوراً فإنك ستشتريها بعد شهر بـ 210 أو 220 مليون أو أكثر، لذلك الناس تحوّل أموالها للذهب أو الدولار، الأمر ليس تجارة لمعظمهم، بل هو حفاظ على قيمة مدخراتهم بالمقام الأول”.

الادخار دون الاتجار

ومن جانب آخر ثمة أشخاص يخافون قوانين تجريم التعامل تلك، لكنهم يعرفون كيف يلتفون عليها، فلا يبيعون أغراضهم (منازل – عقارات – سيارات – موبايلات وغيرهم) بالدولار ولكنهم يسعرونها به ويقبضون الثمن بالعملة المحلية المقابلة له ثم يبدلونها بالدولار من جديد (سراً) وعبر وسطاء موثوقين من قبلهم.

كل ذلك لئلا يقع عليهم جرم التعامل بالدولار ومن الضروري الإشارة أن الحيازة بقصد الادخار الشخصي مسموحة، أي أن يكون لدى الشخص أيّ مبلغ كان من الدولار ومهما كبر فالأمر مسموح، لكن على أن يظل داخل منزله دون أن يخرج منه دولاراً واحداً للخارج.

يُستدل على ذلك بوضوح من خلال عمل الضابطة الشرطية التي يتم إبلاغها بقضايا سرقة منازل ويكون من ضمن المسروقات مبالغ مالية بالعملة الصعبة، فتكون الضابطة معنية في حال إلقاء القبض على اللصوص بإعادة تلك المبالغ لأصحابها دون مصادرتها ما لم يثبت أنّها خضعت للتداول بأي شكل.

ولإتمام الحيازة يجب أن تكون تلك المبالغ قد تم الحصول عليها عبر تبديلها من المصارف الحكومية المرخصة أصولاً وهو ما لا ينتهجه الناس لأنّ قيمة الدولار مثلاً في تسعيرة المصرف المركزي 11 ألف بينما وصلت قيمته في السوق السوداء أواسط آب/أغسطس المنصرم إلى نحو 16 ألف ليرة سورية، إلا أنّ ذلك أيضاً لا يشكل فرقاً كبيراً بعد أن تصير الأموال ضمن منزل الحائز فمن الصعب إثبات مصدرها، ليصير التوجه إلى التنبيه بعدم التداول بها لتسري عليه قانونية الحيازة الشخصية بقصد الادخار دون الإتجار.

المهم في القضية هو عدم ضبط عملية التداول خلال حصولها، أو عدم وجود فواتير مكتوبة باليد تثبت التعامل بالدولار، أو عدم القبض على الشخص خلال لحظة تصريف المبلغ، فيما يكفي وجود اعترافات متطابقة على المصّرف لأشخاص متعددين لإلقاء القبض عليه.

“أنبياء” الاقتصاد الجدد

مراراً، قررت الحكومة مجاراة السوق السوداء على قاعدة أنها الأحق بجمع الدولار الذي بحوزة مواطنيها. نسبياً لم تنجح، فقد انتصرت السوق السوداء عليها مجدداً، في علاقة تبادلية شائكة ليست ببعض رموزها أكثر من شريكة في لعبة التدوير تلك، هذه اتهامات يسوقها الناس معبرين عنها في غير مكان.

فالحكومة تضرب الصرافين غير الشرعيين، تطارد عمليات التبادل التجاري، تصادر العملة الأجنبية من الأسواق، لكنّها، مع كل ما فعلته، لم تستطع أن تؤثر في مجتمع بات لا يثق بعملته.

وفي ظل كل تلك الفوضى النقدية التي تعيشها سوريا ثمة سوريون لا يعرفون كيف هو شكل الدولار حتى، لكنهم يشترون قرص الفلافل على تسعيرة الورقة الخضراء وعلى مزاج “أنبياء” الاقتصاد الجدد الذين يحاصرون السوريّ في غرفة نومه حتى كادوا يفرضون عليه ضرائب الإنجاب.

الأعياد في زحمة الحرب: الاحتفال من أجل البقاء

الأعياد في زحمة الحرب: الاحتفال من أجل البقاء

لم تنته الحرب، والرصاص تحوّل إلى تفصيل جزئي في زوايا الذاكرة، الإنهاك المعيشي هو السمة الأبرز، لكن روائح الحنطة المسلوقة المزينة بالقرفة تفوح من بعض البيوت. إنها الوجبة الساحرة والملهمة لطقس احتفالي بمناسبة عيد البربارة، أو عيد الحنطة كما تحب الغالبية تسميته، لذلك يحتفل السوريون بعيد البربارة بالحنطة المسلوقة مع القرفة واليانسون ومحلاة بالسكر أو بالدبس أو مطبوخة مع اللحم وخاصة لحم الدجاج. إنها مظاهر احتفالية لكنها تعيد الكرة إلى ملعبها الأول منذ سنوات طويلة وبعيدة جداً، لتشابه الأحوال الاقتصادية، حين كان للاحتفالات توظيف غذائي أهم من الديني، لدرجة أن عيد البربارة مثلاً يتحول إلى طقس غذائي بحت، كما يتحول يوم الأحد إلى موعد أسبوعي لأكل اللحم. حتى أن القصابين لا يقومون بعملية الذبح إلا مساء الأحد أو في صباحه.

لم تنته الحرب، وفي تفاصيل العيش تدور رحى حرب أكثر سطوة وشمولاً، إنها حرب الخوف من الجوع والتردي الواسع للقوة الشرائية للسكان، لكن الغالبية مصرة على الاحتفالات على الرغم من استنكاف البعض عن إضاءة أشجار الميلاد أو تركيبها، حتى أن البعض استغنى نهائيا عن الاحتفال بالأعياد. إلا أن بضعة أشجار تبدو واضحة على بعض الشرفات وخلف زجاج واجهات البيوت، عدا عن وجودها في واجهات أو زوايا المحال التجارية في غالبية الأسواق والأحياء المزدانة بالأضواء رغم شح الكهرباء. تبدو أشجار الميلاد وكأنها قد تحولت لفعل يعاند الحرب ويصر على البقاء ولو بأضواء باهتة ومتناوبة تخضع لساعات التقنين الطويلة والمعتمة، كما يلاحظ احتواء الواجهات التجارية على ملابس أو معروضات بألوان محددة ترتبط بأعياد الميلاد كالأحمر والأخضر والذهبي، بل ويمكن وبكل وضوح ملاحظة أشجار ميلاد عملاقة موضوعة في ساحات الأحياء والقرى وبعض المناطق التي قررت إعلان المظاهر الاحتفالية رغم كل الخراب. هناك تنتصب أشجار بكامل زينتها لكنها غير مضاءة أبداً بلون أخضر داكن كئيب وبزينة باهتة لا يزورها الضوء إلا لماماً، لكنها تبقى مساحة متفردة ليجتمع حولها الأطفال أو أفراد العائلات لالتقاط الصور التذكارية، والصورة تصير صفعة مدوية في مواجهة كل هذا الخراب.

 اللافت في احتفالات هذا العام هو التحضيرات المسبقة لاحتفالات غنائية واسعة، ويبلغ التزامن حده الأقصى في الإعلان عن حفلات ميلادية لكورالات كبيرة العدد وفي نفس التوقيت في طرطوس وحمص مثلاً في الثاني عشر من شهر كانون الأول\شهر الميلاد.

أوجد السوريون والسوريات مساحات احتفالية رغم كل الضيق، لم يتوقفوا يوماً عن الغناء ولا عن عزف الموسيقا ولاعن تشكيل الكورالات والجوقات الاحتفالية التي تستعيد الإرث الجميل لأغان تراثية أو لأغاني فيروز المشهورة والمحببة. وكذلك الأغاني الميلادية والأغاني الاحتفالية بالسنة الجديدة، وكأن شيئاً لم ينقطع أبداً، وكأن خيوط الحياة السعيدة ما زالت مرتبطة ببعضها بوشائج إبداعية والأهم أنها جماعية ومعلنة ومشرعة أمام الجميع.

 من زاوية معتمة في بيته يراقب جواد حركة العابرين في الشوارع المظلمة، يلتمع ضوء شجرة ميلاد على زاوية مقابلة، تراوده فكرة طريفة، سيذهب إلى ذاك المنزل وبيده هدية لطفل المغارة، المسيح، هدية عبارة عن حبة حلوى كمعايدة له بعيد الميلاد أو بيوم ميلاده، وربما يكتب له رسالة مختصرة جداً قائلاً له، كن معنا، فقلوبنا تحتاج دفء المحبة ونحن نحتاج السلام والراحة.

 ينتظر السوريون الأعياد ليكونوا على مواعيد لشراء الملابس والأحذية وربما وجبات الطعام المميزة اللازمة لهم والتي يؤجلونها لأوقات الأعياد فتصير فرحتهم بها مضاعفة، فرحة تلبية الاحتياجات وفرحة استقبال الأعياد بملابس جديدة وأنيقة تفرح الصدور وتدعم القلوب المنتظرة للحظات فرح حقيقية.

 لكن العيد هذا العام أجبر وعد على بيع خاتم زواجها، وهو القطعة الذهبية الوحيدة التي أبقتها الحرب لها. فور بيعها لخاتمها اشترت حذاء لابنها الأصغر، الذي انتظر طويلاً وهي تؤمله بأنها ستشتري له ما يريده. والحقيقة أنه لا يريد شيئاً بدافع الاقتناء أو الاشتهاء أو مجرد الرغبة، بل يحتاج الكثير من الأساسيات بدءاً من الملابس الداخلية وصولاً إلى معطف مناسب وكاف لرد البرد القارس في مواجهة غياب التدفئة بكافة أشكالها، كما اشترت بعض المؤونة للمنزل الخالي بكل ما في الكلمة من معنى من كل مقومات الاحتياج وخاصة زيت الزيتون والسكر والأرز ومواد التنظيف، عدا عن ضرورة دفع بعض الفواتير اللازمة والمتأخرة.

هنا تبدو الإشارة ضرورية جداً إلى أن ابن وعد عضو في فريق الكشاف العائد لإحدى الكنائس التي تحتفل بعيد الميلاد. إنه يحتاج حذاءً جديداً ليس فقط لأن حذاءه مهترئ، بل من أجل الاحتفال بمظهر لائق ويناسب العيد ولا يخدش حاله المهترئ مشاعر وعيون المحتفلين الذين يؤدي الفتى الألحان لهم. سيكون هناك في الطريق ليعزف الألحان الكورالية والميلادية الاحتفالية ليسعد الناس المحتفلة بالأعياد، ليتذوقوا نكهة العيد السعيد ولكي يقول الجميع إن العيد قد مر من هنا، لكن ثمة أم عرفنا قصتها بالصدفة تروي أنها باعت خاتم زواجها من أجل حذاء العيد لابنها.

 لم تنته الحرب، وكل الأعياد وأشجار الميلاد عاجزة عن تدفئة قدمي طفل يعزف الموسيقا احتفالاً بالعيد لإسعاد الناس وبقائهم في مواجهة الخراب.

 لم تنته الحرب ولن تنتهي الأعياد والأشجار باقية ما بقيَ الناس والزينة والأضواء والألوان والموسيقا والأغاني ستبقى امتداداً للذاكرة ولقوة الوجود، لكن الرسائل ليست في عناوينها دوماً، بل في مضامينها المضمرة والساطعة في حزنها وعجزها، في الحكايات التي تدور وراء الأبواب من أجل تلبية الحاجات الأساسية، في خواتم الزواج المباعة على وعد بالانفراج والكرامة والأمان. وربما ستبقى على موعد مع ابتسامة طفل يجدد حذاءه المهترئ، الذي أصرت أمه على أن يحتفل وأن يشارك الناس ألحانه الاحتفالية بحذاء جديد، طالما كانت وستبقى أحذية الأطفال وصمة عار على جبين الحروب، طالما سيكون حضور الأطفال والموسيقا والأغاني والحكايات صفعة على وجوه الحرب، المتعددة التي بات لزاماً أن تتوقف.

 على الأرض السلام وفي الناس المسرة.

“الميت لا يجر ميتاً”: عن تباين مواقف السوريين والسوريات من حرب غزة

“الميت لا يجر ميتاً”: عن تباين مواقف السوريين والسوريات من حرب غزة

يعرف السوريون\ات الحرب جيداً، اختبروها بكل عنفها، واختبروا كل أشكال القتل والتغييب والتدمير والجوع والنزوح واللجوء والموت داخل سوريا وخارجها. ماتوا على الحدود وفي البحر وفي بلدان الشتات الممتد. يعرف السوريون فلسطين جيداً، يعرفون شعبها ومعنى الحروب الطويلة والإصرار على حق البقاء أحياء على أراضيهم والتمسك بحق العودة.

ولكن معرفة الحرب لاتكفي للجمها. وإن كان لدماء الضحايا وخاصة المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة قول بليغ وصريح دونما إفصاح: “يجب وقف هذه الحرب وفوراً.”

يمكن القول إنه ثمة تبدل شبه عام وخاصة في سورية في الموقف من الحروب، لم تعد الغالبية تراها حلاً ولا وسيلة لتثبيت الحقوق أو استعادتها، ومن كان يخاف متردداً في إعلان مسؤولية مشرعي القتل والتدمير عن دم الضحايا، بات يعلن موقفه بعالي الصوت، وإن شابَ ذلك بعض التردد خشية ردات فعل أولي الأمر.

ترددت عائشة في إعلان رفضها لحماس مع أنها افتتنت بطريقة الاختراق الفلسطيني، كان ثمة إبهار ينتصر لإرث طويل من الظلم والتمييز وهضم الحقوق الأساسية ونكرانها. يحيا السوريون كما جلّ أبناء منطقتهم في خضم هزائم داخلية وإقليمية. لا يملكون قرار الحرب ولا قرار السلم، ويعيشون في مواجهة ركون وصمت ممتد وضعيف، صمت مرتهن للأقوى ومتلاعب به.

 تخاف عائشة إعلان موقفها في بيئتها الضيقة لأنهم سيخونونها، سيعدونها ضد القضية الفلسطينية وضد أشقائها الفلسطينيين. حاولت أن تطرح وبشكل موارب فكرة الحوار، فكرة أننا تعبنا من حرب الاستنزاف الطويلة والتي تُقدم كمبررات لترك بلادنا ساحة حرب مستمرة، لكنها فشلت، لم تجدِ نفعاً كل محاولاتها لفصل حق المدنيين بالحياة والحماية عن التحكم بقرار المدنيين ومصادرته ضمناً وعلناً تحت شعارات كرهتها الشعوب وتحاول الهرب منها. لكن لا فكاك أبداً، كل طرف يعتبر المدنيين ملعبه، مساحة لصراعاته، ومداً بشرياً يحق له التصرف به، بل وإهداره، تصرخ عائشة لقد دفعنا طويلاً أثمان حروب بالوكالة يراق فيها دمنا وتهدر حيواتنا.

في الحقيقة يبدو أن اختلاف المواقف لم يكن يخص الموقف من الضحايا المدنيين أبداً، فالمواقف هنا حاسمة ضد الحرب وضد المعتدين وضد كل أشكال وأدوات القتل الهمجية والمنفلتة من كل الضوابط الإنسانية والأخلاقية، مواقف متضامنة مع المدنيين العزل حتى درجة التشارك في ذات السردية. يعرف السوريون\ات جيداً معنى هدم البيوت والنزوح واللجوء إلى المدارس والجوامع والشوارع، تقول سوسن: “عندما أرى الصور أستعيد رائحة البارود وغبار الهدم وتداهمني شراسة الخوف من كل شيء، لا شيء مجهول في ظل تغول مرعب يهدف إلى الإبادة دون أي رادع أو تردد أو التزام. لكن الرعب متجدد والموت عام مع أنه متعدد ومتنوع الأشكال.” وأضافت سوسن بأنها لم تعد قادرة على النوم منذ السابع من أكتوبر، خاصة بعد حادثة خسارة المراسل الصحفي وائل الدحدوح لأفراد من عائلته حيث لجأوا لأماكن وصفت بأنها آمنة، حادثة مأساوية ومثلها الكثير من الحوادث التي حفرت عميقاً في وجدان السوريين والسوريات وحرمتهم من النوم ومن راحة البال أيضاً، في ظل احتمالات حرب مفتوحة قد تطال سوريا أيضاً، لم يعد أحد قادراً على تقبل الحرب ولا استعادة أحداثها وتفاصيلها.

يرفض السوريون والسوريات الحرب وأي امتداد لها، لا قدرة  لهم على تحمّل خسارات مرهونة ومفروضة من قبل الأقوى.

يصرخ السوريون\ات “لماذا تركت أهل غزة وحدهم يا الله!” وهم يعلمون أن الخسارات المتعاظمة والواسعة لن تغير الصورة العامة للمشهد الدامي ولا الوقع القاسي والتمييزي الظالم في أصله، بل ستترك ندباً غائرة لمئات السنين القادمة. بات الجميع يخاف من شدة العنف المتصاعد والمتسلسل والقاتل لأي أمل بالسلام والعيش الكريم والحفاظ على الحقوق وخاصة الحق بالحياة.

من جهتها، سخرت نهاد بمرارة فائقة من بعض الدعوات التي وجهت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفتح معبر رفح لإجلاء الأجانب والجرحى والمرضى، أو لتأمين خط إنترنيت خاص لغزة لمتابعة ما يجري عن كثب ولإيصال الحقائق وعدم ترك أهل غزة في العتمة والصمت المطبق. يعرف الجميع أن النداءات الشعبية في بلاد لا يتم فيها احترام رأي شعوبها لن تصل أسماع أحد. لن يسمع أحد من المتنفذين أوأصحاب القرار أو المسؤولين أو القتلة، أصوات التضامن والمتضامنين في بلاد تسودها تقاليد ثابتة ومبرمة في إسكات كافة الأصوات المناهضة لتغول طرف ضد طرف أو للمطالبة بالحقوق المشروعة.

ثمة سبب آخر لاستنكاف السوريين والسوريات عن إعلان التضامن، رغم كل الخيبة والصدمة التي ألمت بهم من هول ما يحدث لأشقائهم وخاصة المدنيين العزّل، هم متعبون جداً، يتجلى نضالهم الحقيقي على أفران الخبز وفي الأسواق لتأمين الحد الأدنى من العيش وفي الشوارع البائسة بانتظار وسائل نقل لن تأتي أبداً، وإن وصلت ستصل بأسوأ حال وأرذل شكل. تقول لينا: “الميت لا يجر ميتاً، ونحن موتى على قيد الحياة، لابل يترجى بعض السوريين الموت باعتباره حسن الخاتمة والمنفذ الوحيد للراحة الأبدية والخلاص النهائي من ظلمة العيش وقساوته وانغلاق كل أبواب الانفراج.”

الدم ليس وجهة نظر، والسوريون والسوريات مجروحو الكرامة، لم يتضامن معهم أحد في موتهم، تركوا لوحدهم وفقدوا كل أشكال التضامن، ضاعت خارطة التضامن. من الصعب جداً أن ينسى الغرقى تنكر الآخرين لهم، وفاقد التضامن لا يعطيه ويعجز عن التضامن مع سواه.

يمكن اعتبار تغيّر مواقف السوريين والسوريات وتباين ردود أفعالهم محصلة طبيعية لسلسلة كاملة من التهميش والانزواء عن الشأن العام. الدم ليس وجهة نظر مطلقاً، لكن الموتى لا يمكنهم نقل الموتى الآخرين إلى المقابر. بلاد تحولت إلى قبر كبير، بلاد الأكفان أوطاني، وأهل غزة يُبادون بتعنت وهمجية غير مسبوقة يتحمل مسؤوليتها الجميع، والنأي بالنفس عن الإدانة مجزرة جديدة ومستمرة، وأشد أنواع القتل فتكاً هو الصمت، ومن يملك المقدرة على الفكاك من وصمة وعقدة الصمت قد يكون هو الناجي الوحيد.