آراء من حمص: “أيام العداء والخلاف ولّت تلقائياً دون جهود”

آراء من حمص: “أيام العداء والخلاف ولّت تلقائياً دون جهود”

حين اندلعت الحرب السورية بمفهومها العسكري المباشر كانت حمص تتجهز لتأخذ دورها كمدينة سيطول حضورها على مسرح الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية تاركةً خلفها ما حصل في بانياس ومناطق أخرى كذكريات ليست غير ذات شأنٍ ولكنها جانبية إلى حدٍّ ما قياساً بمدينة كانت تحتضن تنوعاً مناطقياً وطائفياً متشعباً ومتعايشاً للغاية، ولكن في لحظة، بالضبط في لحظةٍ واحدة، انقلبت المدينة على بعضها مناطقياً ودينياً.

يوم اشتعل الفتيل

يتذكر كثر من أهالي حمص مفترقاً مهدّ لاشتعال المدينة بأكملها، كان ذلك المفترق يوم السابع عشر من نيسان 2011، أي بعد قرابة شهر بالضبط من اندلاع المظاهرات في درعا ومناطق أخرى. في ذلك اليوم هاجمت الأحياء بعضها، حرفياً ذلك ما حصل، أحياء بأسرها هاجمت أحياء أخرى لدواعٍ لا زالت حتى اليوم غير واضحةٍ وما من أحد قادرٍ على تفسيرها.

هجمات استخدمت فيها العصي والخناجر والسلاح الأبيض والفؤوس وبعض الأسلحة النارية من نوع “بومب أكشن” وبنادق الصيد. يومها سقط ضحايا في المدينة، تزامناً مع اعتصام حمص الكبير وحصار أحياء أخرى من أحياء مجاورةٍ لها، كان ذلك في الفترة التي تعرف بتولي فصائل الشرطة من كتائب “حفظ النظام” مسؤولية ضبط الأمور، قبل أن تتعسكر المدينة وتصبح بأكملها متخذةً شكل ساتر ترابي كبير يفصل بين خصمين.

المدينة المفصل في الحرب

لم تكن حمص عادية في أيّ لحظةٍ في تقرير مصير سوريا بأكملها كمدينة وسطى تقطع دمشق عن الساحل وحلب، فقد تم وصف حيّ بابا عمرو لوحده بعاصمة الثورة السورية. وفي تلك الفترة ذُكرت المدينة بالتصريحات الدولية المتواترة والمتخوفة من سيطرة الحكومة على حمص. فمثلاً تم ذكر أسماء أحياء المدينة بتصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية في حينه، وبالتحديد لا ينسى أهل حمص تصريحاتها عن “شارع الستين” المحوري في المدينة والذي كان يمثل خط تماس بين السكان المنقلبين على بعضهم.

لا يمكن تجميل سنوات الصراع

تاريخياً تعايشت تلك الفئات المتباينة في المدينة بمحبة وألفة وسلام دون أي حوادث أمنية تذكر، فتبادلوا المصالح والزيجات والعلاقات الاجتماعية والأسرية، لكن فجأة تغيّر كل شيء. لا يمكن تجميل ما حصل مهما حاول التاريخ ذلك، فالقتل عمّ المدينة، القتل الذي نفذه ساكنوها بحق بعضهم قبل وجود أي عمليات منظمة. والحديث هنا لا يخص مرحلة ما بعد اتضاح الجبهات، بل يتعلق بعائلات وأحياء حاصرت أخرى وكأنّ حرباً بينها عمرها مئات السنين لا زالت مشتعلة. ومجدداً لا زال الأمر لا يحمل أيّ مبررٍ وهذا ما سيتضح من خلال تبيان حال المدينة اليوم، وهو حال مشابه ومطابق لحال كل المدن السورية الأخرى، كدمشق وحلب واللاذقية وبانياس وغيرهم، إلا أنّ البقاء ضمن نموذج حمص يخدم الفكرة أكثر لشمولية واتساع ما حصل فيها.

ما حصل لا يكرره التاريخ كثيراً

كيف يبدو وضع حمص اليوم شباط/فبراير 2024؟

بدايةً لنعد قليلاً للوراءإلى تاريخ 2014 وهو عام خروج مسلحي حمص القديمة من المدينة بالكامل، بعيد سيطرة الحكومة على الأحياء كلها في حمص تباعاً باستثناء حي الوعر الذي لم يكن يشكل عبئاً رغم تأخر استرداده حتى آذار/مارس عام 2017، لكونه يقع أساساً في مكان غير متصل مباشرةً بالمدينة ولا يؤثر على طرق العبور الرئيسية فيها.

فعلياً منذ 2014 لم يبقَ داخل المدينة أجواء توتر تذكر، إذ انحصرت جبهات القتال في الوعر والريف الشمالي وبدأت التنظيمات المتطرفة تظهر وتتمدد باتجاه الريف الشرقي لحمص وبالتحديد في تدمر والمدن الشرقية والبادية، كل ذلك أتاح الوقت والفرصة الملائمة أمام المدنيين لاتخاذ قرارات تتعلق بمسؤولية بقائهم داخل المدينة.

من قرر المغادرة فقد غادرها مع دفعات التسويات، أما من قرر البقاء فقد أثبت بسرعة لا يمكن تصورها أنّه قادر أن يندمج بلمح البصر من جديد في مجتمع متكامل عماده ذات الناس الذين ينتمون لخلفيات طائفية ومذهبية متعددة، كان يبدو الأمر في حينه لمشاهد بعيد نوعاً من المجاملة أو الخوف أو حتى النفاق، فكيف لمتحاربي الأمس أن يتعانقوا بعد مئات آلاف المهجرين وآلاف المختطفين ومثلهم من الضحايا والجرحى؟، ولكنّ المدينة احتضنت بعضها بصورة لا يمكن أن يكررها التاريخ كثيراً.

أحياء على الحياد ولكنّها ليست بمنأى

يقول الحاج أبو ناصر والذي يعيش في حي كرم الشامي الحمصي خلال حديثه معي إنّ لحيّه خصوصية كبرى بسبب موقعه الهام قبالة جامعة المدينة وإطلالته على أحياء وطرق مهمة. ويوضح أن حيّه لم يشهد عمليات عسكرية، بيدَ أنّه شهد مظاهرات استمرت فترةً من الزمن ولكن يعيدة عن حواجز الجيش ومؤسسات الدولة.

يقول: “لم يكن كل أهل الحي رافضين للمظاهرات ولا كلهم قبلوا بها، كان هناك تخوف من اقتحام حيّنا وأن يلقى مصير أحياء أخرى، فاندثرت المظاهرات تباعاً ولم تعد هناك رغبة لدى شباننا حينها بالأمر، وربما هذا ما أبقانا أقرب للوساطة بين طرف وآخر إذ كان حيّنا معبراً آمناً للجميع دون تهديدات أمنية”.

وفي ذات الوقت يبدي الرجل أسفه أنّ المدينة تحولت لكانتونات منعتهم من الخروج من حيّهم في مرحلة معينة، وساءه انقطاعه عن رفاق له في أحياء أخرى، إما بسبب اندلاع اشتباكات لديهم، أو بسبب خلافات ايدولوجية منعت الزيارات يوم انقسمت المدينة على نفسها، مؤكداً أنّهم لم ينقطعوا عن التواصل هاتفياً، قبل أن تعود حمص كما كانت قبل الحرب تماماً.

لم يعد الخارج مفقوداً والعائد مولوداً

المهندس تامر حمدان الذي ينتمي لحي الزهراء في حمص، وقد فقد اثنين من إخوته خلال اندلاع جولات الخطف التي هيمنت على المدينة، يشرح كيف حوصر حيّهم لأكثر من عام من قبل تسعة أحياء تحيط بهم، ويقول عن تجربته: “كان الخارج مفقوداً والعائد إن عاد مولوداً، كان أقسى عامٍ يمكن أن تعيشه مجموعة من الناس مع سيل قنص وشلال قذائف لا يتوقف، معظم شهداء حيي استشهدوا داخله وهم نساء وأطفال، عدا عن الـذين كانوا على جبهات القتال، لم يكن أحد يريد أن يحصل هذا في المدينة التي تربى شعبها أنّهم إخوة”.

ويضيف: “ما حصل حصل، والغريب أنّه وكأنّه ما مرّ علينا، تلك الأحياء التي كانت تحاصرنا نقضي اليوم كل أوقاتنا فيها ومع أهلها الطيبين، وأصرّ الطيبين، تلك الحرب بدأت وانتهت دون أن نعلم لماذا، حمص اليوم وبآلاف الأدلة القاطعة تصالحت مع بعضها دون أحقاد وعادت الأمور لتسير كما قبل الحرب”.

يبتسم ويوضح فكرته بالإشارة: “من كان يتوقع يوماً أنني سأشتري غرضاً من الخالدية، وأنني سأسير في سوق الدبلان وأشتري الملابس من هناك، وأني سأشتري رأس غنمٍ من دير بعلبة، وبأني سأفتل كل المدينة وأحصل على ما أريد وأزور أصدقائي في جب الجندلي والبياضة وباب السباع وبأن الناس من تلك الأحياء ستزور الزهراء لتشتري ما تريد ولتزورنا بعد أن لم يبقَ في حمص متراسٌ واحدٌ يحجبنا عن بعض”.

لا إرهاب ولا شبيحة

تطلب فهم الجو العام في حمص وكيف تسير الحياة هناك البقاء فيها أياماً ليست بالقليلة، وعلى فترات، رُصدت خلالها آراء تكاد تكون متطابقة في طبيعتها المتسامحة، في مدينة نسيت الحرب مخلفةً جراحها وراء ظهرها، وصولاً لمقابلة عمال وموظفين يعملون في أحياء قبل سنوات كان مجرد ذكر اسمها يستفزهم ويشعرهم بالخطر.

بين أولئك العمال أبو ماجد الذي ينتمي سكناً وعيشاً إلى حي بابا عمرو الذي لم يغادره حتى وهو في أتون معركته الأشد، أبو ماجد يعمل اليوم في مطعم للوجبات السريعة في حي النزهة الذي كان يشكل خصماً لحيّه في الموقف السياسي والعسكري خلال الحرب.

أبو ماجد أوضح أنّ أيام العداء والخلاف ولّت تلقائياً دون جهود، وبأنّ في حيّه عمالٌ أيضاً من أحياء أخرى، وخلال عام عمله الثالث هذا لم يشعر لحظةً أنّه غير مرحب به وعلى حدّ تعبيره لم يعامل كـ “إرهابي” من قبل أهالي الحي، كما لم يعامل أهل حيّه بعض العاملين لديهم كـ “شبيحة”.

أطروحةٌ في العيش المشترك

في حمص حصل تصالح مجتمعي شعبي بين الأحياء ومعه عادت الخلطة الديمغرافية مناطقيا ودينيا (طائفياً ومذهبياً) بين الأحياء والقرى بعد حرب ضروس كانت تنذر بنهايات وحشية، فحتى ريفها الشمالي الذي كان يعد واحداً من أخطر بؤر التوتر حلّ به ما حلّ بأحياء المدينة من تصالح فعادت منطقة الحولة بقراها السبع ممراً لوسائل النقل التي تقل الناس بين المدينة وأرياف أخرى ممتدة حتى مدينة مصياف في ريف حماه والتي كان الوصول إليها عبر شمال حمص ممنوعاً بل حتى لم يكن هناك طريق يقود إلى ذلك الريف لشدة الاشتباكات في محيطه. وإلى جانب الحولة فتحت مناطق تلبيسة والرستن طرقها للعبور من حمص إلى حماه دون الاضطرار للالتفاف حول عشرات القرى تجنباً للرصاص والمخاطر والخطف.

مجدداً، الآن في شباط/فبراير 2024، عاد الناس للاختلاط والزيارات والعلاقات الاجتماعية والتبادلات التجارية وكأن كل من بقي قرر نسيان سنوات الحرب القاسية التي لم تخلف سوى الدم والدمار دون حلول جذرية سياسية فكان الحل بعودة الاندماج نحو الخلاص المعنوي والنفسي انطلاقاً من الترابط المجتمعي الذي يكمل بعضه في ظل استحالة عيش كل فئة منعزلة عن جوارها لتستحق حمص بكل جدارة أن تكون موضوع أطروحات أكاديمية تناقش العيش المشترك.

حول الحياة اليومية للسوريين في مدينة حمص

حول الحياة اليومية للسوريين في مدينة حمص

 صباحاً شوارع حمص معتمة وغارقة بالضباب.

ما زال الوقت مبكراً لتزدحم الطرقات بالناس والدخان والروائح التي تحاصر الأوكسجين في المدينة وتطرده فرائحة الحطب ومنذ الصباح تنسل إلى الجو وتغمر الأحياء.

 تحولت المدافئ بشكل جماعي من حرق المازوت إلى حرق الخشب وكل ما يخطر بالبال، الكرتون والأحذية والورق والثياب القديمة، يحرقون كل ما يمكنهم وكل ما يتيح لهم قليلاً من الدفء فهناك الحطب، النايلون والبلاستيك، الشحاطات وأغلفة الكتب والدفاتر وغيرها من البقايا والأشياء التالفة  وقطع الأبواب المحطمة لتصبح الرائحة واخزة ومنفرة بعد احتراق الدهان. في المساء يكون الوضع أسوأ حين يشتد البرد ولن تستطيع التمييز في الشارع بين الروائح المختلطة المقبولة منها والمقززة.

حطب بأنواع كثيرة، ولكل نوع سعره الخاص، الجذور والسيقان والأغصان. هناك من يشتري الحطب بالكيلو الواحد الذي لن يكفي المدفأة سوى ساعة أو اكثر. كما صار عادياً أن ترى باعة الحطب دون أن تسأل من أين؟

وفرت مدافئ الحطب استهلاك الغاز الذي لا تنتهي أزماته  فسيدات البيوت يطبخن عليها والعائلات غالباً ما تقوم بتسخين مياه الحمام عليها لعدم توفر المازوت والكهرباء.

 في الشتاء مع البرد والمطر تبدو الحياة أصعب إذ لا تنفصل معاناة تأمين الدفء عن ظروف المعاناة المستمرة على طول الفصول مع جنون الأسعار اليومي لكل المواد والتي لا تتناسب مع موارد الإنسان الذي ينحت يومياته بأظافره في قلب الصخر.

 تقول إحدى السيدات: ”اختصرنا عدد الوجبات وفي كثير من الأيام نكتفي بالحواضر دون طبخ  بينما اللحوم صارت من الماضي، وكثير من السلع والمواد الغذائية كالفواكه وغيرها“.

يبحث الناس عن وسائل لتأمين وتحسين العيش فلا يمكن الاعتماد على الراتب ولجأ الكثير منهم لاستبدال البيوت ببيعها وشراء أصغر منها أو تغيير المنطقة إلى مناطق الضواحي للاحتفاظ بوفر مالي لفتح مشروع صغير لهذا سترى أن المحلات التجارية تتكاثر ولكنها جميعا تحت ضغط التضخم وتغير الأسعار غير المأمون. بالمقابل ارتفع إيجار البيوت بشكل لا يوصف .

البعض باع وسائل استثمار وفشل بتحسين الوضع إذ باغته ارتفاع الأسعار المفاجئ وحرمه القدرة على تحسين الوضع كما حدث في السيارات.

الاعتماد على المؤونة التي تعد جزءاً من طقوس مجتمعنا للتعامل مع تغيرات الفصول تراجع أمام صعوبة توفيرها في موسمها بسبب الغلاء وعدم توفر ظروف الاحتفاظ بها كانقطاع الكهرباء

يقول أحدهم: ”أعمل 14 ساعة يومياً، وهذا لا يكفي. انقطعت السلات الغذائية والمعونات ولا يمكن أن نتجاوز الشهر بـ 350 ألف ليرة فقط هي أجري الشهري. يساعدنا بذلك أن  الأولاد ما زالوا صغاراً. في حالات المرض نلجأ للدين الذي نحاول جاهدين الابتعاد عنه لعدم إمكانية رده، لكن لا بد منه في المرض حيث يشكل الدواء عبئاً ثقيلاً بعد أن قفزت أسعاره قفزات لا نستوعبها. الكثير من الناس لا يذهبون للطبيب في حالات المرض العادي كالكريب والرشح ويقاومون بالأعشاب فقط وهناك من يحتمل أكثر من هذه الأمراض“.

تشكل المواصلات عبئاً آخر إذ تلتهم الكثير من الراتب الشهري، وأما التعليم الجامعي فأسعار النوتات صار أيضاً يحتاج إلى دخل إضافي.

 تقول احدى السيدات وهي أم لتوأم: “أما القهر فهو كيف ستمنح طفلاً في الابتدائية مصروفه اليومي وسعر البسكويتة الواحدة لا يقل عن 2000 ليرة؟”

يتردد البعض باستلام المازوت حين يتوفر بعد غلاء سعره. في العام الماضي كثير من الأسر لم تستلمه فالحطب يبقى أرخص رغم رائحته وما يسببه من أمراض. في الطريق إلى خارج المدينة كل يوم، وحين نصل  أول جسر نرى الغابة الصغيرة  وقد  نقصت شجرة، الشجرة التي تبتعد عن الطريق العام قليلاً، التي كانت تنمو دوماً خجولة لا تلفت النظر، وكل يوم سندرك أن  الأشجار التي تسند خصر الجسر تنقص فرداً جديداً. إلا أن بقايا الجذوع بقيت قائمة فوق التراب كشواهد قبور ومبعثرة كأنها جنود سقطوا في معركة.

  ستنتبه فوراً لهذا النقص، فالأشياء التي تكمل المشهد لا نثمن وجودها إلا حين نفتقدها إذ تترك نقصاً ما في مشهد ألفته العيون وسيترك غيابه عيباً ندركه بسرعة. ثم ستنسى ذلك حين تختفي الغابة كليا، كأنها لم تكن يوما. وعلى طول الطريق ستجد أن الأشجار نقصت بطريقة مواربة كأن من قطعها ترك بعضها ليخفي ما غاب ولا أعرف ما المعيار في اختياره.

 هذا العام لاحظ الجميع أن الأعياد لم تترافق بزينة كثيرة. شكلت حرب غزة جزءاً مهما في ذلك،  لكن السبب الرئيس هو أن الجزء الأكبر من الناس بدأ بتقليص النفقات  دون تردد. ويطوف في ذاكرتي ذاك اليوم الذي يبدو الآن  بعيداً جداً حين قررنا الحصول على شجرة طبيعية لعيد الميلاد ليفرح الأطفال بها وبتزيينها. كان من الصعب الحصول عليها فالثلج قد تساقط وكان ذلك غير قانونيا، اكتفينا بغصن جميل، أحضرناه فبدا كغابة مزينة في منزلنا. أتذكر تلك اللحظة التي عشناها بسعادة بالغة و رفاهية روحية. لم تعد الأشجار تدخل إلى المنازل كغابة فرح  أو زينة للأيام التي نتوخاها في العيد، بل تدخل ميتة ومحطمة، كهذه الأيام والسنوات، ولتحترق رغم أنها لا زالت تشكل  ثروة لأملٍ بالدفء.

٤

أتذكر الآن  ما قرأته في رواية عداء الطائرة الورقية لخالد الحسيني حين يعود البطل إلى افغانستان ويجد مدينته قاحلة بلا شجرة واحدة مستغرباً ذلك، ليكتشف ان السكان قد اقتلعوا كل الأشجار للتدفئة، احترقت الأشجار ليتدفأ البشر لكنها بقيت مقيمة في ذاكرة الكاتب .

بعد سنوات طويلة من الحرب ومن معاناة البشر لا يعود بالإمكان النظر للشجر المقطوع بشاعرية  فالمهم الإنسان، المهم أن هناك أطفالاً وعوائل تتدفأ فهناك حرفياً عوائل لن تستطيع حتى شراء الحطب.

 ارتفعت أسعار زيت الزيتون بشكل صارخ وصار معتادا أن ترى من يشتري الزيت بما يكفي لطبخة واحدة أو وجبة واحدة، إلى جانب التضخم هناك هبوط الكميات بسبب الحرائق التي نالت الأشجار في مناطق كثيرة. ستشاهد من يشتري مقدار كأس الشاي زيتاً حتى أنه لا يكفي لإتمام الطبخة، الزيت الذي قد يكون عند بعض العائلات وجبة وحيدة مع الملح فيغمس الأولاد الخبز به  لعدم توفر الحواضر للعشاء.

  حين احترقت أشجار قريتنا كان الرماد يغطي الأرض، المعنى الحقيقي  لعبارة عن بكرة أبيها. رغم ذلك نجت  شجرات متفرقة على السفح كانت تبدو وحدها وسط الرماد مثل طفل مذنب، يخونها الانتصاب، وتكاد الريح التي تبعثر رماد أخوتها، تنيخها للأرض.

 قد تحمل النجاة عبء جرم الشهادة، وقد تصبح النجاة ذنباً ممضاً كجرح  لا يشفى إلا بعودة الحياة  للبقية.

أينما التقيت بالناس سترى كيف بات التوتر سمة عامة. تقول ف .ر:” كل شيء نطبق عليه التقنين إلا التوتر والعصبية والغضب الدائم، الصوت العالي صار طبيعياً، ونبرة الاستفزاز والهدوء عملة نادرة تسرب العنف إلى الأطفال نتيجة ما يعانونه ويرونه من الأهل. فالجو الأسري دوماً مشحون وتتعقد الأمور أكثر بغياب الأب الذي يعمل ساعات طويلة. وكذلك  في البيوت التي تسكنها عدة عائلات نتيجة التهجير وريثما يتمكنون من العودة لبيوتهم مما يحرم أي أسرة خصوصيتها وحميميتها وقدرتها على التفاهم “.

سيرى المراقب أن النساء اللواتي يمارسن رياضة المشي يتجهن إلى أطراف الأحياء  لجمع النباتات البرية التي ستكون وجبة شهية بدون ثمن كالخبيزة أو الهندباء، وهناك نساء يحصلن عليها من الحدائق العامة بلا تردد.

تقول م.ر إن راتب زوجها لا يكفي حتماً فتلجأ للعمل في البساتين القريبة كقطاف ورق العنب أو عناقيده أو زهور القبار قبل أن تتفتح . وهو ما انتشر  في القرى بشكل كبير والضواحي: جمع زهور القبار لصالح التجار حيث يباع بالكيلو لتصديره للخارج. أعمال موسمية مجهدة ومتعبة لا بد من ذلك للاستمرار وأي عمل سيكون مساعداً فهناك الكثير من العائلات ليس لديها أحد في الخارج ليرسل حوالات تعينها على الظروف.

لم يعد أحد يفكر بالتوفير فكل ما يحصل عليه هو قوت يومه والسؤال الكبير كيف تدبر الأسرة أمورها في هذه الأيام ستكون الإجابة عليه من الصعوبة بمكان، لأن الوضع يفوق التخيل.  

الأعياد في زحمة الحرب: الاحتفال من أجل البقاء

الأعياد في زحمة الحرب: الاحتفال من أجل البقاء

لم تنته الحرب، والرصاص تحوّل إلى تفصيل جزئي في زوايا الذاكرة، الإنهاك المعيشي هو السمة الأبرز، لكن روائح الحنطة المسلوقة المزينة بالقرفة تفوح من بعض البيوت. إنها الوجبة الساحرة والملهمة لطقس احتفالي بمناسبة عيد البربارة، أو عيد الحنطة كما تحب الغالبية تسميته، لذلك يحتفل السوريون بعيد البربارة بالحنطة المسلوقة مع القرفة واليانسون ومحلاة بالسكر أو بالدبس أو مطبوخة مع اللحم وخاصة لحم الدجاج. إنها مظاهر احتفالية لكنها تعيد الكرة إلى ملعبها الأول منذ سنوات طويلة وبعيدة جداً، لتشابه الأحوال الاقتصادية، حين كان للاحتفالات توظيف غذائي أهم من الديني، لدرجة أن عيد البربارة مثلاً يتحول إلى طقس غذائي بحت، كما يتحول يوم الأحد إلى موعد أسبوعي لأكل اللحم. حتى أن القصابين لا يقومون بعملية الذبح إلا مساء الأحد أو في صباحه.

لم تنته الحرب، وفي تفاصيل العيش تدور رحى حرب أكثر سطوة وشمولاً، إنها حرب الخوف من الجوع والتردي الواسع للقوة الشرائية للسكان، لكن الغالبية مصرة على الاحتفالات على الرغم من استنكاف البعض عن إضاءة أشجار الميلاد أو تركيبها، حتى أن البعض استغنى نهائيا عن الاحتفال بالأعياد. إلا أن بضعة أشجار تبدو واضحة على بعض الشرفات وخلف زجاج واجهات البيوت، عدا عن وجودها في واجهات أو زوايا المحال التجارية في غالبية الأسواق والأحياء المزدانة بالأضواء رغم شح الكهرباء. تبدو أشجار الميلاد وكأنها قد تحولت لفعل يعاند الحرب ويصر على البقاء ولو بأضواء باهتة ومتناوبة تخضع لساعات التقنين الطويلة والمعتمة، كما يلاحظ احتواء الواجهات التجارية على ملابس أو معروضات بألوان محددة ترتبط بأعياد الميلاد كالأحمر والأخضر والذهبي، بل ويمكن وبكل وضوح ملاحظة أشجار ميلاد عملاقة موضوعة في ساحات الأحياء والقرى وبعض المناطق التي قررت إعلان المظاهر الاحتفالية رغم كل الخراب. هناك تنتصب أشجار بكامل زينتها لكنها غير مضاءة أبداً بلون أخضر داكن كئيب وبزينة باهتة لا يزورها الضوء إلا لماماً، لكنها تبقى مساحة متفردة ليجتمع حولها الأطفال أو أفراد العائلات لالتقاط الصور التذكارية، والصورة تصير صفعة مدوية في مواجهة كل هذا الخراب.

 اللافت في احتفالات هذا العام هو التحضيرات المسبقة لاحتفالات غنائية واسعة، ويبلغ التزامن حده الأقصى في الإعلان عن حفلات ميلادية لكورالات كبيرة العدد وفي نفس التوقيت في طرطوس وحمص مثلاً في الثاني عشر من شهر كانون الأول\شهر الميلاد.

أوجد السوريون والسوريات مساحات احتفالية رغم كل الضيق، لم يتوقفوا يوماً عن الغناء ولا عن عزف الموسيقا ولاعن تشكيل الكورالات والجوقات الاحتفالية التي تستعيد الإرث الجميل لأغان تراثية أو لأغاني فيروز المشهورة والمحببة. وكذلك الأغاني الميلادية والأغاني الاحتفالية بالسنة الجديدة، وكأن شيئاً لم ينقطع أبداً، وكأن خيوط الحياة السعيدة ما زالت مرتبطة ببعضها بوشائج إبداعية والأهم أنها جماعية ومعلنة ومشرعة أمام الجميع.

 من زاوية معتمة في بيته يراقب جواد حركة العابرين في الشوارع المظلمة، يلتمع ضوء شجرة ميلاد على زاوية مقابلة، تراوده فكرة طريفة، سيذهب إلى ذاك المنزل وبيده هدية لطفل المغارة، المسيح، هدية عبارة عن حبة حلوى كمعايدة له بعيد الميلاد أو بيوم ميلاده، وربما يكتب له رسالة مختصرة جداً قائلاً له، كن معنا، فقلوبنا تحتاج دفء المحبة ونحن نحتاج السلام والراحة.

 ينتظر السوريون الأعياد ليكونوا على مواعيد لشراء الملابس والأحذية وربما وجبات الطعام المميزة اللازمة لهم والتي يؤجلونها لأوقات الأعياد فتصير فرحتهم بها مضاعفة، فرحة تلبية الاحتياجات وفرحة استقبال الأعياد بملابس جديدة وأنيقة تفرح الصدور وتدعم القلوب المنتظرة للحظات فرح حقيقية.

 لكن العيد هذا العام أجبر وعد على بيع خاتم زواجها، وهو القطعة الذهبية الوحيدة التي أبقتها الحرب لها. فور بيعها لخاتمها اشترت حذاء لابنها الأصغر، الذي انتظر طويلاً وهي تؤمله بأنها ستشتري له ما يريده. والحقيقة أنه لا يريد شيئاً بدافع الاقتناء أو الاشتهاء أو مجرد الرغبة، بل يحتاج الكثير من الأساسيات بدءاً من الملابس الداخلية وصولاً إلى معطف مناسب وكاف لرد البرد القارس في مواجهة غياب التدفئة بكافة أشكالها، كما اشترت بعض المؤونة للمنزل الخالي بكل ما في الكلمة من معنى من كل مقومات الاحتياج وخاصة زيت الزيتون والسكر والأرز ومواد التنظيف، عدا عن ضرورة دفع بعض الفواتير اللازمة والمتأخرة.

هنا تبدو الإشارة ضرورية جداً إلى أن ابن وعد عضو في فريق الكشاف العائد لإحدى الكنائس التي تحتفل بعيد الميلاد. إنه يحتاج حذاءً جديداً ليس فقط لأن حذاءه مهترئ، بل من أجل الاحتفال بمظهر لائق ويناسب العيد ولا يخدش حاله المهترئ مشاعر وعيون المحتفلين الذين يؤدي الفتى الألحان لهم. سيكون هناك في الطريق ليعزف الألحان الكورالية والميلادية الاحتفالية ليسعد الناس المحتفلة بالأعياد، ليتذوقوا نكهة العيد السعيد ولكي يقول الجميع إن العيد قد مر من هنا، لكن ثمة أم عرفنا قصتها بالصدفة تروي أنها باعت خاتم زواجها من أجل حذاء العيد لابنها.

 لم تنته الحرب، وكل الأعياد وأشجار الميلاد عاجزة عن تدفئة قدمي طفل يعزف الموسيقا احتفالاً بالعيد لإسعاد الناس وبقائهم في مواجهة الخراب.

 لم تنته الحرب ولن تنتهي الأعياد والأشجار باقية ما بقيَ الناس والزينة والأضواء والألوان والموسيقا والأغاني ستبقى امتداداً للذاكرة ولقوة الوجود، لكن الرسائل ليست في عناوينها دوماً، بل في مضامينها المضمرة والساطعة في حزنها وعجزها، في الحكايات التي تدور وراء الأبواب من أجل تلبية الحاجات الأساسية، في خواتم الزواج المباعة على وعد بالانفراج والكرامة والأمان. وربما ستبقى على موعد مع ابتسامة طفل يجدد حذاءه المهترئ، الذي أصرت أمه على أن يحتفل وأن يشارك الناس ألحانه الاحتفالية بحذاء جديد، طالما كانت وستبقى أحذية الأطفال وصمة عار على جبين الحروب، طالما سيكون حضور الأطفال والموسيقا والأغاني والحكايات صفعة على وجوه الحرب، المتعددة التي بات لزاماً أن تتوقف.

 على الأرض السلام وفي الناس المسرة.

غزّة وأطفال سورية: حربٌ في الذاكرة

غزّة وأطفال سورية: حربٌ في الذاكرة

تتسمّر ليا ذات الاثنا عشر عاماً أمام التلفاز وتبكي رافضةً الطعام وهي تئن كأنّما جرحٌ بدأ ينخز عليها، تضع يدها على قدمها المبتورة وتتذكر ذلك اليوم جيداً عندما قُصف بيتهم في كفربطنا، تتذكر نفسها عندما كانت طفلة الثلاث سنوات، تلعب أمام منزلهم، وإذ بحجارةٍ تتكوّم عليها، دون أن تسمع أي صوت لثلاثة أيامٍ بعدها، يومها حملها عمّها وأسعفوا والدها الذي فارق الحياة بعد أيام، واستيقظت لترى نفسها دون قدم وآلام بقيت لشهور.  تذكر أمها ما حدث وتؤكّد أن ما يحدث في غزة اليوم يعيد إليهم أيام الحزن التي لم تلغها حياتهم الجديدة في مصر.

وتصف فاطمة وجوه أبنائها بعمر الستة عشر والرابعة عشر، وهم يطالبونها بالكفّ عن متابعة أخبار غزّة فهذه الصور قد رأوها سابقاً في باب عمرو، بل يسبقون الحدث ليكرروا مع المذيع دماء هنا وهناك وأصواتٌ لأنين يسمعونه إلى اليوم في مناماتهم، تعود مشاعر وقصص الحرب بكلّ تفاصيلها رغم مواظبتهم لدى الأخصائيين النفسيين في منظمة الهلال الأحمر في حمص بعد نزوحهم إلى مناطق أخرى وعودتهم إلى دارٍ أعادوا ترميمه لكنه لم يعد كما كان، كما لم يعودوا كما كانوا.

توقفت ليليان عن متابعة أخبار غزة من اليوم الرابع فهي لا تريد أبداً إعادة الذكرى أمام أبنائها الذين بالكاد توقفت آثار الحرب السورية عنهم، فهم من سكان جرمانا محيط دمشق، كانت القذائف تمطرهم وأكثر من مرة كادت القذيفة أن تنهي حياة أحد أفراد العائلة، ففي إحدى الليالِ وقعت القذيفة وهدمت جزء من البيت وهربوا ليلتجئوا عند أحد أقربائهم، ومن وقتها لم يتوقف طفلاها عن التبول اللاإرادي، جرّاء الهلع الذي أصابهم، إلى أن بلغا الخامسة عشر من العمر، وبعد مواظبتهم لدى أخصائيين في مركز الراعي الصالح بدمشق.

هذه الصور والمشاهد يتحدث عنا الآباء والأمهات، والشباب والشابات لتعود ذكرياتهم المؤلمة إليهم وإلى أبنائهم، مشاهد لم تفارقهم لكنها كانت مختبئة في مكان ما في الذاكرة، أعادتها الحرب في غزة.

الآثار النفسية للحروب والصراعات

“تمتدّ آلام الحرب لسنوات طويلة قد لا تنتهي بجيل واحد، فوقف الأعمال العسكرية لا يعني وقف الآثار النفسية لتلك العمليات”

هكذا تصف سماح القادري آثار الحرب على الأطفال لتؤكّد من خلال عملها لسنوات طويلة لدى مركز لحماية النساء والأطفال من العنف في دمشق، أن معاينتها لأطفال عاشوا الخوف والجزع حتى دون فقد أحد أفراد العائلة، سيؤثر حتماً لسنوات على حياتهم و طريقة تفكيرهم.

وما يحدث في غزّة اليوم يعيد تلك المشاهد بتفاصيلها المرعبة، ويؤثّر على الأطفال الذين سمعوا حكايات الكبار،والبالغين الذين عانوا تلك الحرب في طفولتهم، لترتكس بعض المشكلات، وقد تواصلت مع حالة تتحدث عنها القادري:”عادت نوبات الهلع لصبي عمره الآن أربعة عشر عاماً فقد والديه في الحرب السورية، وعاش وحيداً دون عائلة ومكث فترة في ميتم إلى أن توصّل إليه أحد أقربائه وضمه إلى أسرته، تلك السنوات لم تمحِ الحزن والألم وماكان مختبئاً في ذاكرته وجسده، واليوم يداوم في العيادة لتظهر حوادث قد شاهدها ولم يذكرها قبل الآن”

“إنّها الندوب التي لن نشفى منها أبداً وخاصّة من كان طفلاً وستعود دوماً إن لم نعيش بأمان ويعيش أبناؤنا دون هاجس عودة الحرب مرة أخرى” بهذه العبارة أيضاً عرّفت الأخصائية الاجتماعية بديعة دلول آثار الحرب على الأطفال والكبار، لتؤكّد أنّ آثارها على الأطفال أشدّ وطأةً وهذا ما عاينته بنفسها أثناء متابعتها لحالات مؤلمة من أطفال فقدوا أجزاء من جسدهم وأفراداً من عائلتهم وكثيراً من أمانهم.

“تترك الحرب جراحاً خفية لا تمحى بسهولة في قلوب ونفوس الأطفال الأبرياء، الذين ولدوا في رحم المعاناة وذاقوا أشكال القهر والفقر والرعب، علاوة عن الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم خلال الحرب، أو من تعرّضوا للاِعتداء والاِستغلال” تتابع بديعة وتؤكّد أن عدداً من الأطفال الذين لم يبلغوا الثمانية عشرة من العمر وبعضهم في الثالثة عشرة بدأوا يتوافدوا إلى مراكز متابعة الأطفال في الهلال الأحمر والمنظمات في الكنائس والأديرة في سرية.

الحقوق المهدورة في يوم الطفل العالمي

تعدد كاتي غيث وهي مرشدة تربوية في مدرسة خاصة: ” المشاكل النفسية التي يصاب بها الطفل إثر تداعيات الحرب وتقول عنها لا تحصى لكن يمكن ذكر بعضها من مثل: الشعور الدائم بالخوف والقلق والاِكتئاب، تأخّر النمو العقلي والبدني والعاطفي، صعوبة الاِندماج في المجتمع والعجز عن بناء روابط عاطفية مع الآخرين، الاِضطرابات السلوكية وردود الفعل العِدائية.

وعودة الحروب أوالخوف من عودتها تشكل هاجساً لدى البالغين والأهل والأطفال وخاصة ما يحدث في غزة من مثل اِضطرابات ما بعد الصدمة، اِضطرابات في الطعام والنوم والذاكرة، عودة الاِكتئاب والقلق واليأس من المستقبل.، اللجوء إلى التدخين أو المخدرات أو المشروبات الكحولية.

الشعور الدائم بالغضب وجلد الذات.

وهذا حديث الأطفال في المدرس مع هاجس وخوف من عودة الحرب إلى سورية.

أما عن حقوقهم فهي تذكرها بمناسة عيد الطفل العالمي ومصادقة سورية ومعظم دول العالم على اتفاقية حقوق الطفل وحمايته في النزاعات المسلّحة وتشدد على حاجتهم الأساسية إلى الرعاية والحماية والبيئة الآمنة وتقول:

” إنهم بعد الحرب ينتبهون إلى فقدهم كامل حقوقهم وللأمان والرعاية والصحة والتعليم، كلّ هذا يؤثر على حياتهم وعندما تعاد الصور ستعود مرةّ أخرى أمام أعينهم المأساة بكاملها بل قد تؤثر بشكل أقوى من السابق ارتكاسات أشد تأثيراً من الحدث المباشر نفسه، إعادة الذكريات المؤلمة والشعور بأن كل شيء قد يعود كما كان خلال الحرب، وخاصة مع مؤشرات يلتقطها الأطفال لدى الكبار بأنهم ليسوا بأمان. لذلك يجب التعامل مع الطفل بصراحة وتوضيح ما يحدث وتهيئته نفسياً لفهم الحرب وتأثيرها.

ويبقى السؤال الدائم، هل ستتحقق اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها سورية ومعظم دول العالم وتعاهدت على حماية الأطفال واللاجئين في النزاعات المسلّحة؟ وهل سيعيش أطفالنا بأمان كأطفال العالم، أم أننا سنبقى رهينة الصراعات وسيبقى أطفالنا في خطر كل الانتهاكات.

هذا ما يعيشه أطفال سورية وأطفال غزّة وفلسطين.

غزة وتاريخ طويل من المجازر الإسرائيلية والحروب

غزة وتاريخ طويل من المجازر الإسرائيلية والحروب

وحدهم مع الموت يتحركون في رقعة محصورة بينما تمطر الصواريخ على رؤوسهم، يتقدم الموت منهم يتراجعون خطوات من هول اللحظة يستندون إلى الجدار الأخير(المجهول)، كما كان يحدث في حلبات المصارعة الرومانية حين كانوا يحبسون شخصاً مع وحش مفترس، وحش بري وجائع، يدور حوله لينقض في لحظة ضائعة من الانتباه والزمن، مثله متروكون ليصارعوا بأيديهم ـ التي لا تكاد تحجب العين عن المصيرـ كل هذه البربرية. بينما يحتل العالم المدرجات ليتفرج، بعضهم يصرخ: اقتلوه، وبعضهم يقول: لا لكن النتيجة ليست سوى هذا التوحش الذي قد لا يترك أحداً يفلت منه.

بنت إسرائيل حاجزاً حديديا  بطول 40 ميلاً على طول القطاع، بعمق تحت الأرض يصل إلى 25 مترا وفوق الأرض ل 6 أمتار، مزوداً بأجهزة استشعار تحت الأرض وفوقها لاكتشاف الحفر لبناء الأنفاق. تحول القطاع إلى سجن كبير مع توسيع المنطقة العسكرية حوله وإخضاع المعابر إلى مراقبة دقيقة. يقال إن تكلفة بنائه كانت حوالي ملياري دولار، صار القطاع تحت نظرها كاملاً لكن ما حدث ان حماس اخترقته! هكذا جن جنون الوحش، الذي ربما ينتظر سبباً للهجوم، وبدأ بتحطيم كل شيء في هذه الرقعة الصغيرة.

 لم تكن المرة الأولى بل هي حلقة في سلسلة اعتداءات متواصلة لها نفس القوة الفتاكة.

صور الجثث بأحجامها التي تنتظر الدفن، أحجام الأكفان البيضاء والملونة أكثرها صغير، هذا يعني الأطفال، الجثث التي قصفت مرات ومرات ولم يصل إليها أحد، الضحايا الذين تركوا دون أن ينتشلوا، كتابة أسماء الأطفال على أجسادهم وهم أحياء للتعرف على الجثامين حين الموت، كأنهم أضاحي ستقدم. الدمار، المجازر  والمقابر الجماعية، نزوح الناجين حتى الآن وإلى أين؟ ومن يعرف ؟ عن ماذا يمكن ان نتحدث؟.

لم يتوقف القصف منذ أربعين يوماً وأكثر على قطاع غزة الذي يعتبر أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان حيث يعيش حوالي 2,5مليون على مساحة 365 كم بمعدل أكثر من 6000 شخص في الكم المربع الواحد، وهذا يخلق أزمة اقتصادية خانقة لقلة الموارد وكثرة السكان، سمي القطاع  نسبة لأكبر مدينة فيه بينما يضم حوالي 44 تجمعاً سكنياً منها رفح وخان يونس وجباليا ودير البلح وبيت لاهيا وبيت حانون وبني سهيلا وخزاعة وعبسان الكبيرة وعبسان الجديدة وحي الزيتون والشاطيء وغيرها.

يروى أن أول خلية فدائية تأسست في القطاع كانت على يد جابر النباهين وهو راعي غنم انتزع اليهود أرضه وأغنامه وقاموا بتهجيره إلى خارج الحدود حيث أصبح يعيش في خيمة اللاجئين وينتظر في طابور طويل صدقات الأمم المتحدة  ووكالة غوث ليطعم أطفاله الفتات بينما ومن خلال الأسلاك الشائكة كان يرى أرضه وأغنامه فأخذ يتسلل من الأسلاك إلى أرضه ويقطف من محاصيله ويحصد من قمحه ويأخذ بعض الأغنام ليطعم أولاده ومن معه في خيم اللجوء تغلب جابر البدوي البسيط على كل الألغام التي كان يضعها اليهود في طريقه بل حتى كان يجلب بعضها ويفككه ليستعمله كمنفضة سجائر مما أثار جنون الإسرائيليين فقاموا باقتحام خيمته وحين لم يجدوه قتلوا زوجته وأولاده مما جعله يصمم على الثأر فكانت أول خلية فدائية هناك. هل يجيب ذلك على من يلوم الفلسطيني مهما كانت تسمية الفصيل الذي ينتمي إليه على أي فعل مقاوم؟

لم تتوقف أخبار المجازر التي تقوم بها إسرائيل على القطاع من قصف الأحياء السكنية وامتداد القصف إلى المشافي وإلى سيارات الإسعاف والمدارس حيث يلجأ السكان  وأرتال الناس النازحين من مكان إلى آخر في تغريبة جديدة فأكثر السكان هم أصلا نازحون من مناطق فلسطينية أخرى. لم تتورع إسرائيل عن قصفهم في رحيلهم المؤلم والذي لا يمكن تسميته إلا بالإبادة المقصودة.

 وهذا حقيقة ليس جديداً على إسرائيل فهل لنا أن ننسى مجازرها التي لم تتوقف يوماً. فهي كدولة تقوم على الاستيطان أي إخلاء فلسطين من سكانها، حيث ادعوا أنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. وبعد تهجير القسم الأكبر من الفلسطينيين  إلى خارج فلسطين لم تتورع عن قتل ما تبقى. ومن أجل ذلك كانت عصابات الهاغاناه والأرغون وشتيرين والاتسل التي بدأت بالقتل الجماعي للناس منذ 1937 و كانت المجزرة البداية في سوق الخضار في القدس حيث ألقى أحد أفراد عصابة الاتسل الصهيونية قنبلة على مدخل السوق ثم تتابعت المجازر التي كانت  تحدث تحت أعين الانتداب البريطاني كما في مجزرة العباسية حيث قام جنود الانتداب بتطويق البلدة وترك الجزء الشمالي ليهرب منه المنفذون. شكلت المجازر أسلوباً لترهيب السكان وحملهم على الهجرة وترك بيوتهم وأراضيهم. ففي الحسينية التي كان عدد سكانها 32شخصاً تم قتل 30 منهم!

 فالإبادة سياسة إسرائيل. منذ البداية كانوا يهاجمون القرى الصغيرة والعزلاء بعدد كبير وعتاد كامل ترافقهم المدرعات ولعل  مذبحة دير ياسين وكفر قاسم  هي الأكثر شهرة و التي شهدت أساليبَ وحشية إذ تم فيها ليس فقط القتل بإطلاق الرصاص بل أيضاً تم قتل الأطفال واغتصاب النساء والفتيات الصغيرات قبل قتلهن وبقر بطون الحوامل وقتل الأجنة وقطع الأطراف والآذان  لسرقة الذهب من أساور وأقراط، وكذلك مجزرة الطنطورة جنوب حيفا.

كان مجموع المجازر عام 1948 فقط 42 مجزرة.  ليتطور عدد الضحايا الذي كان بالعشرات إلى المئات ثم الآلاف بلا رادع خلال الأعوام التالية وكانوا من الوحشية بما لا يمكن وصفه حيث كثيراً ما كانوا يستخدمون السواطير والفؤوس والرشاشات  على السكان المدنيين والنائمين. ولن تعوزنا الأمثلة للتدليل على ذلك فالتاريخ يزخر بها. في عام 1994 فتح اليهودي باروخ غولدشتاين النار على المصلين حين خروجهم من المسجد الابراهيمي في الخليل فقتل 30 رجلا بدم بارد، حوادث تضاف للحروب التي كانت تشنها على القطاع كل حين وتستمر بالقصف أياماً كثيرة. لم يميز الاحتلال بين طفل وشاب ومسن وامرأة حامل أو فتاة صغيرة ولم يتورع المستوطنون عن القيام بالقتل الوحشي كقتل الطفل حلمي شوشه من بيت لحم الذي كان عائدا من مدرسته حين اعترضه مستوطن صهيوني فقام بضربه وركله على رأسه بالأقدام وعقب البندقية  حتى الموت ثم قام بالدعس على رأسه بعد موته. هذه حوادث ليست فردية. إنها تستمر ولا يختلف سوى أسماء الأطفال والضحايا فمن ينسى محمد الدرة أيضاً؟

لم يتوقف الإسرائيليون عند قتل البشر في فلسطين بل قاموا بهدم القرى وتجريف الأراضي والأشجار لمحو الوجود الفلسطيني من الجغرافيا إذ تم تدمير عام 1948  أكثر من 400 قرية فلسطينية إلى هدم البيوت المستمر والذي وصل إلى أرقام خيالية وفي عام 1997 تم قلع 900 شجرة زيتون من قرية شعاب غانم وحدها.  تذكر الروائية الفلسطينية عدنية شبلي في روايتها تفصيل ثانوي التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية  وهي تقارن بين خريطتين واحدة فلسطينية وأخرى اسرائيلية لنفس المنطقة أن منطقة واسعة كانت تضم عشرات القرى الفلسطينية اندثرت ويقوم مكانها الآن منتزه واسع يسمى منتزه كندا هذا عدا عن تغيير أسماء القرى المتبقية. إنها سياسة طمس الهوية والوجود الفلسطيني وفي نفس الإطار تأتي قضية تهويد القدس وقصة حي الشيخ جراح.

يقول الدكتور أحمد شوقي الفنجري المصري الذي كان يعمل في مستشفيات قطاع غزة إبان إلحاق القطاع بمصر في الخمسينيات من القرن الماضي وذلك في كتابه إسرائيل كما عرفتها، أن إسرائيل كانت تقوم بقصف البيوت فإن نزلت قذيفة تنتظر برهة من الزمن تسمح بوصول المسعفين وتجمع الأهالي بقصد الإنقاذ لتعود وتقصف مرة أخرى فتصبح حصيلة الموت أكبر، وبمقارنة ذلك مع شهادة الدكتور مادس جلبرت في كتاب (عيون من غزة) الذي ألفه مع الدكتور ايريك فوسا عن حرب عام 2008 حيث كانا في مشفى الشفاء وشهود عيان على ما يحدث هناك، نلاحظ كيف ازداد أسلوب الإسرائيليين وحشية ووقاحة بمرور الوقت، وهذا مثال واحد، إذ  قامت القوات البرية الاسرائيلية في توغلها البري بجمع عائلة كاملة أي حوالي مئة شخص مدني أعزل في بناية واحدة ثم تم قصفها على رؤوسهم دون رحمة.

كانت المستشفيات هدفاً دائماً للقصف

 يحدثنا الدكتور الفنجري في كتابه إسرائيل كما عرفتها  عن قصف المستشفيات التي كانت تزدحم بالمصابين ويورد أسماء المستشفيات آنذاك وكيف تم قصفها على رؤوس المرضى والمصابين حتى أنه يقول إن المشافي في غزة إبان الاحتلال الثلاثي قد خلت من المرضى ذلك لأنهم قد غادروها خوفاً من سلوك إسرائيل الذي خبروه غير مرة في قصف المشافي على رأس من فيها، وهذا ما تمارسه الآن.

ويذكر الدكتور الفنجري حين كان يعمل في مشفى خان يونس كيف دخل الجنود على المشفى وقتلوا كل من فيه. حتى القطط لم تنج. قتلوا كل جريح وكل مريض وكل من في محيط المشفى انتقاماً من البلدة. يقول لقد كانوا يقتلون الشباب والأطفال أو يصيبونهم  بعاهات دائمة حتى لا يتمكنوا من محاربتهم حين يكبرون. ويذكر لنا كيف قام الجنود الإسرائيليون باعتقال شباب ورجال وأطفال غزة من عمر 12 عاماً لعمر الستين ونقلهم إلى صحراء النقب حيث لا ماء ولا طعام وهناك قسموهم إلى مجموعات وخيم مكتظة وكان هو بينهم لكن عمله كطبيب مع المنظمات الدولية أنقذه حينها، ثم لم يعد يعرف عنهم أحد شيئاً، وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة عام 1957، كان السكان فرحين و يتأملون رجوع أولادهم، يومها هطل مطر غزير وأحدث سيولاً كثيرة فلاحظ البدو أنها تحمل إلى وادي غزة  بعض الأشلاء ليكتشف السكان كيف جرف السيل الجثث المتعفنة لأولادهم المقتولين بينما كانوا ينتظرون عودتهم. بحث الأهالي بين الأشلاء المتعفنة و المحطمة الجماجم والأضلاع والأطراف ليتعرفوا على أولادهم وقد اختفت الملامح منها بمرور الزمن عليها. اختفى يومها رجال عائلات عديدة.

تمر في الذاكرة حروب متكررة أعلنتها إسرائيل على غزة عدواناً إثر عدوان وكم استخدمت خلالها القصف بالأسلحة المحرمة دولياً كقنابل الدايم التي استخدمتها في حربها2014 وهي اختصار لمتفجرات المعدن الخاملة والكثيفة وتؤدي إلى قتل الضحايا عبر بتر الأطراف بما يشبه عمل المنشار الآلي ومن ينجو سيعاني من احتمال الإصابة بالسرطان لاحتوائها على التنغستن وقد استخدمتها بعد إضافة مكعبات حديدية للبودرة المتفجرة وذلك لتضمن إصابات أعلى ومحققة وحين تنفجر القنبلة يذوب التنغستن وتصاب الضحية بغيمة منه تمزق الأنسجة الى قطع وتحرق الجسد أما الأبعد عن القنبلة فتتقطع أطرافه وتتفتت العضلات. والفوسفور الأبيض الذي يسبب حرق الجسد فلا يتبقى منه إلا العظام وآثار حروقه طويلة الأمد التي استخدمتها في عدوان 2008 حيث تم تسجيل إطلاق 200 قذيفة مدفعية من الفوسفور الأبيض حسب هيومن رايتس كما لوحظ  على أجساد الضحايا استخدام إسرائيل لليورانيوم المخفف في نفس العدوان. وعلى مدار سنوات كانت تفعل ذلك دون أن تهتم للرأي العام العالمي أو للشجب، وهو ما تفعله في عدوانها اليوم فقد سجلت مقاطع الفيديو استخدامها للفوسفور البيض فوق ميناء غزة وموقعين ريفيين على طول الحدود الفلسطينية اللبنانية. كل هذه الأسلحة المحرمة دولياً وفق البروتوكول الثالث الذي بدا العمل به منذ عام 1983 وهو يحرم استخدام الأسلحة المصممة لإحداث حروق أو إشعال النار في الأشياء كما استخدمت القنابل الفراغية والعنقودية  المصنفة ضمن أسلحة الدمار الشامل.

لم تهتم للرأي العام العالمي ولا الشعبي رغم أننا نشهد اليوم أنه تحرك بشكل غير مسبوق.

 ورغم ذلك من المؤلم اليوم أن نسجل أيضاً وفاة مرضى العناية المركزة في مشفى الشفاء جميعاً لانعدام الوقود الذي يشغل الأجهزة والأطفال الخدج في الحاضنات، قبل اقتحامه.

يتحدث الدكتور ايريك فوسا في كتاب (عيون من غزة) عن مشاهداته في مشفى الشفاء إبان حرب 2008عن أطفال مزقت أشلاؤهم بصواريخ موجهة، أطفال قتلوا برصاص في الرأس من مسافات قريبة، المدارس التي قصفت بمن فيها من أطفال. يقول إنهم يرون كل فلسطيني إرهابياً، يقولون عنهم حيوانات كما فعل الأمريكيون بالهنود الحمر. وكما فعلت الدعاية النازية في ثلاثينيات القرن الماضي حين وصفتهم بالحيوانات الضارة المؤذية التي يجب التخلص منها. يقول: “نزع الصفة الإنسانية هو شرط مسبق لمهاجمة الأهداف المدنية بهذا الحجم الذي فعلته إسرائيل.”

بينما منعت وكالات الأنباء العالمية عن الدخول للتصوير ونقل الصورة الحقيقية للمجزرة الكبيرة والتي تستمر اليوم دون خجل.

خطفت إسرائيل إيخمان من البرازيل وعدداً من القادة النازيين الذين أفلتوا من المحاكمة كمجرمي حرب وأتت بهم إلى إسرائيل وحاكمتهم ثم قتلتهم بعد 40 عاماً على الحرب العالمية الثانية.

هل سننتظر يوماً يمثل فيه مجرمو إسرائيل لمحاكمة عادلة!

وهم الذين تفوقوا على مجرمي النازية في وحشية الفعل للأسف؛ إذ كان النازيون يقودون الأسرى إلى غرف الغاز بعد إعطائهم صابونة، ليخيل إليهم أنهم ذاهبون إلى الحمام، إسرائيل لم يساورها لحظة أن تلجأ للتمويه لتخفيف حدة النهاية للضحايا فكثير من الأسرى قيدوا ودهسوا بالدبابات حتى صارت أجسادهم مطحونة ومختلطة بالتراب.

يكتب أنيس غنيمة الشاعر الفلسطيني في غزة الناجي حتى الآن: “سيقطع النت وستقطع الاتصالات وستبدأ مرحلة جديدة من الإبادة، قدرتنا على اللوم قد نفذت أيضاً كما التحمل. الله أعلم من سيبقى يتكلم ومن سينسى عموماً لا تنسوا الاعتناء بحيواناتكم الأليفة.”

إنها صفعة على وجه العالم العاجز عن كبح الوحش المصاب بلوثة الحقد والجنون.

“الحياة تستمر ونحن في طريقنا إلى الجحيم”.