تدريباتنا

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

بواسطة | أبريل 16, 2024

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة.

في جولة لنا على عدد من المحلات والمولات المتخصصة ببيع الألبسة في أسواق دمشق مثل شارع الحمراء ومنطقة الصالحية والحميدية، لاحظنا ارتفاع الأسعار عموماً بالنظر إلى موسم العام الماضي، وبالطبع فإن الأسعار تختلف حسب عدة معايير، منها: الجودة والتصميم وسنة الإنتاج.

تضخم جامح!

في أحد مولات شارع الحمراء، وصل ثمن بنطال (جينز) لطفل بعمر ست سنوات إلى ما بين 440 و465 ألف ليرة سورية؛ بينما انخفض سعر بعض البنطلونات المخزنة من العام الماضي إلى 200 ألف ليرة سورية، أما البلوزة الربيعية فبلغ سعرها 75 ألف ليرة سورية، وثمن بنطال (كتان) 95 ألف ليرة سورية في حين بلغ ثمن قميص صيفي لطفلة بعمر 12 سنة في أحد محلات الصالحية 100 ألف ليرة سورية، وسعر بنطال (جينز) 325 ألف ليرة سورية. وبلغ سعر طقم لطفل (12 سنة) مؤلف من بنطال وقميص (كتان) وكنزة قطنية 550 ألف ليرة سورية، كذلك اقترب ثمن بدلة (توينز) من حدود 350 ألف ليرة سورية.

وفي محل آخر في منطقة الصالحية أيضاً، تفاوت ثمن الفساتين (قماش مارشميلو) بين 225 و275 ألف ليرة سورية، وقارب سعر طقم (جينز) مكون من بنطال مع سترة وبلوزة 450 ألف ليرة سورية، وكان سعر البلوزة الربيعية لوحدها 90 ألف ليرة سورية.

وتبدي إحدى عاملات بيع الملابس-في حديث معنا استغرابها من أسعار ألبسة الأطفال التي وصلت إلى حدود مرتفعة بالمقارنة مع سلم الرواتب والأجور في القطاعين الخاص والعام إجمالاً.

ويقول أحد الباعة في منطقة الصالحية: “إن حركة الأسواق متوسطة، لكن عمليات الشراء الفعلية ضعيفة نسبياً، بينما ارتفعت الأسعار أكثر من 100% بالمقارنة مع الموسم الفائت، وهي بالتأكيد لا تنسجم مع دخول المواطنين/المواطنات”.

وتختلف أسعار أحذية الأطفال ما بين محل وآخر وبحسب جودتها وموقع المحل والسوق، حيث بلغ سعر أحدها 200 ألف ليرة سورية.

الأسواق الشعبية!

قصدت سامية (أم لطفلين وموظفة في قطاع الصحة الحكومي) محلات سوق الحميدية بقصد شراء كسوة العيد لطفلتها (5 سنوات)، وعادة ما تكون الأسعار هنا منخفضة قليلاً، ويمتاز سوق الحميدية بحركة نشطة؛ بيد أن الأمر قد لا يرتبط بحركة ما قبل عيد الفطر فقط، حيث يشهد هذا الوسط التجاري ازدحاماً متكرراً؛ إذ يعد مقصداً لتلبية حاجات الأسرة المتنوعة.

ورصدت سامية سعر حذاء بين 150 و80 ألف ليرة سورية، وهي أحذية من تصفيات السنة الماضية، وأقل ثمناً من أحذية العام الحالي، وتكمن المشكلة في أن القطع معدودة وبمقاسات محددة، ولذلك يتوجب عليها التفتيش بين عدة محلات قبل أن تجد طلبها.

وسامت سامية في السوق أيضاً فستاناً بسعر ما بين 350 و400 ألف ليرة سورية. ويختلف السعر تبعاً لجودة القماش والتصميم، حيث يرتفع سعر الفستان الصيفي مع سترة وقبعة إلى500 ألف ليرة، وينخفض إلى 200 ألف ليرة سورية، تعقّب سامية: “لكن السعر المتدني يرتبط بنوعية قماش أكثر رداءة”.

مليون ليرة لكسوة واحدة!

تضيف سامية في حديثها معنا: “إن سعر الكسوة الكاملة لولد واحد تتجاوز مليون ليرة على الأقل، لذلك قسّطت عمليات الشراء على دفعات؛ كلما توفر لدي بعض المال، فاشتريت حذاء وبنطالاً لطفلي”.

قررت سامية تأجيل مسألة شراء الفستان لطفلتها إلى حين تخمين أسعار الألبسة الأوروبية المستوردة (البالة)، فهي برأيها تحمل الأسعار ذاتها، لكنها بجودة وقماش أفضل.

وفي محافظة حمص، وجدت سهى أن أسعار الألبسة أقل من مثيلتها في دمشق، حيث اشترت طقماً (جينز) مؤلفاً من بنطال وبلوزة وسترة بمبلغ 250 ألف ليرة سورية، والأهم برأيها “إسعاد الأطفال بالحد الأدنى”.

حوالات وسلف مالية

يكتفي قسم من المواطنين/المواطنات بمشاهدة البضائع فقط بدون إتمام عمليات الشراء مع تصدر الغذاء سلم الاحتياجات الأساسية كما يصفون، وعلى الرغم من ذلك، نشطت حركة الناس بالتوازي مع اقتراب عيد الفطر، مع العلم أن جزءاً من العائلات يعتمد على الحوالات الخارجية التي يرسلها الأفراد لذويهم وأقاربهم لسد احتياجاتهم، وتسهم بعض الجمعيات الخيرية العاملة في دمشق وريفها في توزيع كسوة العيد لعدد محدود من العائلات، لكنها لا تغطي إلا جزءاً صغيراً من حجم الاحتياجات الفعلي مع توسع رقعة الفقر.

ويشار إلى أن مصرفاً سورياً فتح الباب مؤخراً للحصول على سلفة مالية بقيمة مليون ليرة سورية فقط، خاصة بالموظفين/الموظفات بهدف تأمين “مستلزمات العيد”، ولمدة سداد تمتد حتى 12 شهراً، لكن السلفة لا تكفي إلا لتجهيز طفل واحد ضمن الحد الأدنى في حال قررت العائلة التغاضي عن الاحتياجات الضرورية.

الإنفاق على الألبسة!

مع انتهاء الربع الأول من عام 2024، ارتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وفقاً لـ”مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة”، إلى نحو 12.5 مليون ليرة سورية (أما الحد الأدنى فقد وصل إلى 7,812,417 ليرة سورية).

بحسب صحيفة (قاسيون) المحلية، ارتفعت تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية الأخرى التي تشكل 40% من مجموع تكاليف المعيشة (مثل السكن والمواصلات والتعليم واللباس والصحة وأدوات منزلية واتصالات… وغيره) من 3,013,906 في نهاية أيلول إلى 3,124,967 ليرة سورية في نهاية آذار 2024؛ أي أنها ارتفعت بمقدار 3.7% خلال ثلاثة شهور.

ولا يتناسب حجم الإنفاق العام للأسرة مع الدخل الشهري، حيث يبلغ وسطي الرواتب والأجور في القطاع العام حوالي 300 ألف ليرة سورية (21 دولاراً أمريكياً).

تدهور الليرة والأجور معاً

حدد مصرف سورية المركزي في نشرة الحوالات والصرافة (28/3/2024) سعر شراء الدولار الأمريكي بمبلغ 13,400 ليرة سورية، وتصدر هذه النشرة بغرض التصريف النقدي وشراء الحوالات الخارجية، كما حدد سعر وسطي شراء ومبيع الدولار في نشرة السوق الرسمية بمبلغ 12,562 ليرة سورية. من جهة أخرى، انخفضت قيمة الليرة في السوق الموازية إلى أكثر من 14,000 ليرة سورية مقابل كل دولار أمريكي، وبالتالي أثّر تدهور العملة المحلية بشكل حاد في قدرة المواطنين/المواطنات الشرائية على تأمين احتياجاتهم الأساسية، ومنها الألبسة التي باتت تتصف بالموسمية.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

تدريباتنا