بواسطة أوس يعقوب | مايو 15, 2025 | Cost of War, News, بالعربية, تقارير, مقالات
تبرز قضية المقاتلين الأجانب المنتظمين في صفوف عدد من الفصائل المسلّحة الموجودة اليوم على الأراضي السورية، كأحد أبرز القضايا التي وُصفت بـ “الحساسة” في رد القيادة السورية الجديدة على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي في نفس الوقت من أبرز القضايا المختلف عليها على الصعيد المحلي والعربي والإقليمي والغربي، في ظل تعقيدات المشهد الأمني والسياسي السوري خلال الشهور الخمسة الأولى للسلطة الحاكمة برئاسة أحمد الشرع، خاصّة بعد مجازر الساحل التي وقعت بين السادس والعاشر من مارس/ آذار الماضي، والتي أعادت فتح العيون على ملف المقاتلين الأجانب، لا سيّما إثر ثبوت ضلوعهم مع فرق محلية -وصفت من قِبل السلطات السورية بـ “غير منضبطة”، بالوقوف خلف المجازر التي خلّفت أكثر من 1600 قتيل مدني غالبيتهم الساحقة من الأقلية العلوية، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وتحدّث “المرصد” الحقوقي (مقرّه في المملكة المتّحدة)، عن ارتكاب قوات الأمن العام ومجموعات رديفة لها مجازر وعمليات “إعدام ميدانية” بحق الأقلية العلوية، وقعت غالبيتها يومي 7 و8 مارس/ آذار.
وإزاء حساسية هذا الملف الذي يجب حله والبت به سريعاً، جراء وطأة الضغوط المحلية والإقليمية والدولية، التي تضع القيادة السورية الجديدة على محك الاختبار الجدّي لمدى قدرتها على التعامل مع الملفات الشائكة، سعينا في هذا المقال إلى معرفة إلى أي دول ينتمي المقاتلون الأجانب؟ وكم يبلغ عددهم؟ وأين يتوزعون داخل سوريا؟ وما هو مصيرهم مع تضارب الآراء بين الدعوة لدمجهم في المجتمع المحلي، ودعوات لرفض منحهم أي صفة رسمية داخل المؤسّسات الأمنية والعسكرية السورية؟ وكيف ترى الإدارة الجديدة في دمشق صيغة التجاوب مع تخفيف ورفع العقوبات الأميركية لإنعاش اقتصاد البلاد المنهار جراء الحرب التي استمرت لما يقرب من 14 عاماً، والتي فرضت خلالها الولايات المتّحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة على الأفراد والشركات وقطاعات كاملة من الاقتصاد السوري في محاولة للضغط على الرئيس السابق بشار الأسد؟
وفقاً لتقارير صحافية متعدّدة ومصادر بحثية ومنظّمات معنية بمتابعة ملف هجرة المتطرّفين، فإنّ نسبة المقاتلين الأجانب من مجموع مقاتلي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، التي سيطرت على زمام الحكم في البلاد بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تبلغ نحو 30%. وقد جاءت هذه النسبة المئوية على لسان زعيم (جبهة النصرة) في حينها عام 2015 خلال لقاء تلفزيوني، إذ قال أحمد الشرع، الذي كان يعرف بـ “أبي محمد الجولاني” حينها، إنّ “من بين المهاجرين أوروبيون وقلّة أميركية مع وفرة في الآسيويين وتواجد لشيشان وروس وعرب”، وتابع: “هؤلاء أناس مسلمون أحبّوا أن يناصروا أهلهم والإسلام، ولا ينازعون أحداً في ملك أو شيء، وهم يتقدّمون الصفوف الأولى ويقاتلون، وكل الساحة بكل فصائلها تشهد للمهاجرين في شجاعتهم وتقدّمهم”.
وبعد انتصار الثورة السورية، قال الشرع لوسائل إعلام عربية ودولية: إنّ “المقاتلين الأجانب كانوا ركيزة أساسية في النصر، ويجب مكافأتهم لقاء ما بذلوه”، وعليه أجرى خلال وقت مبكر من وصوله إلى الحكم تعيينات وترفيعات لضباط أجانب إلى مناصب عسكرية عليا، شملت رتب عقيد وعميد ولواء، أثارت استغراب وقلق السوريين والقوى الإقليمية والدولية على حدٍّ سواء.
تشير معلومات متقاطعة عن مصادر مطّلعة، أنّ من بين الذين نالوا رتباً عالية كل من “كلمن عبدل بشاري” (خطاب الألباني)، وهو ألباني الجنسية ويقود منذ أعوام “جماعة الألبان” في سوريا، و”ذو القرنين زنور البصر عبد الحميد”، المعروف باسم (عبدالله الداغستاني)، وهو قائد “جيش المهاجرين والأنصار”، والتركستاني “عبد العزيز داوود خدابردي”، والطاجيكي “مولان ترسون عبد الصمد”، والمصري “علاء محمد عبد الباقي”، والطبيب الأردني من أصل فلسطيني، “عبد الرحمن حسين الخطيب”، وكان يعرف سابقاً بلقب (أبو حسين الأردني)، الذي مُنح رتبة عميد، وفي ما بعد عهد إليه قيادة “فرقة الحرس الجمهوري السوري”، وهي فرقة ضاربة في الجيش السوري، عدداً وعتاداً، وإليها تُنسب مواجهات الحدود اللبنانية خلال الأسابيع الماضية. الخطيب طبيب تخرج في جامعة عمان واعتقل هناك بتهمة الانتماء لـ “التيار السلفي” قبل أن يغادر السجن ويتّجه إلى سوريا ملتحقاً بصفوف (جبهة النصرة) عام 2013.
علاوة على هؤلاء هناك التركي “عمر محمد جفشتي” الملقب بـ (مختار التركي)، الذي أسندت إليه مهمة قيادة “فرقة دمشق” أو ما يعرف بـ “حامية دمشق”، وهي فرقة عسكرية ضاربة أيضاً. و”جفشتي”، وعلى رغم أنّه مطلوب من الجانب التركي، فإنّه تولى دور الوسيط في ملفات عدّة بين “هيئة تحرير الشام” والقيادة التركية خلال أعوام الثورة السورية! وقد تولى أيضاً نحو خمسين شخصية أخرى من قيادات المقاتلين الأجانب مهام ومسؤوليات أقل في “غرفة العمليات العسكرية” لكن خروج أسماء التعيينات اللاحقة لـ “مؤتمر النصر” شكّل مزيجاً من صدمة وخيبة للسوريين بمختلف أطيافهم من جهة، ولأوساط المراقبين للشأن السوري من جهة ثانية، وللغرب الذي رأى بعض مسؤوليه في عدد من التعيينات تحدّياً للمجتمع الدولي، على قاعدة أنّ بعض من تسلّم المناصب الكبرى مدرج على لوائح العقوبات الأوروبية والأميركية، ومدان بمجازر حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية.
- خريطة تمدّد المقاتلين الأجانب في الأراضي السورية
نظراً إلى السرية الواسعة التي كانت تحيط بملف المقاتلين الأجانب في سوريا، فقد كان يصعب-ولا زال استخلاص أرقام دقيقة لعددهم، فيما ترجّح التقارير الصحافية أن يكون بالآلاف.
وبحسب تلك التقارير، يبرز عناصر الإيغور (تركستان) كأوسع وأكثر شريحة تشدّداً في صفوف المهاجرين، ومعظمهم منظّم في صفوف “هيئة تحرير الشام”، وترجّح مصادر مطّلعة أن يراوح عددهم ما بين 1500 و2000 مقاتل من دون إحصاء رسمي. ويتمركزون بصورة أساسية داخل مدن جسر الشغور في ريف إدلب وداخل جبلي التركمان والأكراد شرق محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا. وينشطون تحت اسم “الحزب الإسلامي التركستاني”، وحيالهم تبدي الصين تخوّفات وتهديدات ومواقف حاسمة لخصوصية ملفهم القومي في سياق محاربتها للإرهاب وخشيتها من إعادة تصديرهم.
وتضم كتيبة “فرقة الغرباء” بين 300 إلى 400 مقاتل من الطاجيك والأوزبك، واندمجت مع “هيئة تحرير الشام” عام 2017، وأسهمت معها في معاركها تحت مسمى “لواء عمر بن الخطاب”.
ويقدّر عدد كتائب “أجناد القوقاز” بالمئات، وهم من جنسيات شيشانية توزعوا بين كتيبتي “أجناد القوقاز” و”جند الشام”. كذلك هناك “ملحمة تاكتيكال” التي تضم مقاتلين إيغور شديدي التدريب والخبرة ويطلق عليهم اسم “العصائب الحمراء”.
وهناك تنظيم حراس الدين (فرع القاعدة) تأسّس عام 2018 من مقاتلين أتراك وعرب من تونس ومصر والأردن والمغرب وغيرها، وما زالت حتى اليوم تستهدف قوات التحالف الدولي تحركاتهم في مدينة إدلب، إضافة لمهاجرين تركمان وغيرهم تأسّسوا عام 2013 وانضموا إلى كتائب متفرقة، وجميعها شاركت في معركة “ردع العدوان” (التي بدأت في شمال سوريا ثم وصلت دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024)، والتي شاركت في إسقاط نظام بشار الأسد.
ومع الإطاحة بالأسد، تحرّرت تلك الكتائب جغرافياً وتمكّنت من الخروج جزئياً من ريفي إدلب وحلب والتمركز في جبهات أبعد على الخريطة السورية، فقد استقرّت كتائب أجنبية في ريف جبلة قرب اللاذقية، وفي مناطق متفرقة من اللاذقية وريفها وقرب قرية الحميدية جنوب محافظة طرطوس الساحلية، وفي مناطق مجاورة للعاصمة دمشق ومحافظتي حمص وحماة وسط البلاد، متّخذة من معسكرات لكتائب وألوية سابقة للجيش المنحل مقاراً لها، وجميعها تُنسب إليها الاستفزازات والانتهاكات وحالات القتل والخطف والسلب التي يتعرّض لها أبناء وبنات الطائفة العلوية بالدرجة الأولى، إضافة لوجودها المستمرّ في إدلب وحلب بصورة رئيسة.
من المطالب الأميركية الثمانية من القيادة السورية الجديدة لـ “بناء الثقة” بين البلدين، والبدء في تخفيف العقوبات وإعطاء رخصة لمدّة سنتين، مطلب ذو صلة مباشرة بملف المقاتلين الأجانب، وهو “تشكيل جيش مهني وعدم وضع أيّ من المقاتلين الأجانب في مناصب قيادية أو أمنية حساسة داخل أجهزة الدولة السورية”، وذلك بحسب ما جاء في رسالة تسلّمها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني من نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي، ناتاشا فرانشيسكي، في لقاء جمعهما على هامش “مؤتمر المانحين لسوريا” في بروكسل في 18 مارس/ آذار الماضي.
الردّ السوري على مطالب الإدارة الأميركية، جاء برسالة مكتوبة بعثت بها الخارجية السورية إلى واشنطن، قالت فيها إنّها طبقت معظم المطالب، لكنّ البعض الآخر يتطلّب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن، التي عكفت بدورها على دراسة ما ورد بالرسالة.
وتعهدت سوريا في رسالتها بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، كما تورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيماوية، ومنها تعزيز الاتصال بمنظّمة حظر الأسلحة الكيماوية. لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب والسماح لأميركا بشن ضربات لمكافحة الإرهاب.
بحسب وكالة “رويترز”، فقد أكدت الرسالة التي تم توجيهها في 14 أبريل/ نيسان المنصرم، أنّ المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنستاين لكنّ المسألة “تتطلّب جلسة مشاورات أوسع”.
كما ذكرت الرسالة أنّ ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي هو أنّ إصدار الرتب العسكرية تم تعليقه بعد الإعلان في وقت سابق عن ترقية عدد من الضباط الأجانب في مناصب عليا بالجيش السوري، في إشارة واضحة إلى تعيين ضباط أجانب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ولم تذكر الرسالة ما إذا كان قد تم تجريد هؤلاء الضباط الأجانب من الرتب التي حصلوا عليها، ولم تشر أيضاً إلى الخطوات التي سيتم اتّخاذها في المستقبل.
وذكرت الخارجية السورية في رسالتها أيضاً، أنّها تأمل في أن تؤدّي الإجراءات المتّخذة، التي وصفتها بأنّها “ضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.
وقالت المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن، دوروثي شيا، في 25 الشهر المنصرم، إنّ السلطات الجديدة في سوريا مسؤولة عن مكافحة الإرهاب، وعدم الاعتداء على دول الجوار، وإبعاد المقاتلين الأجانب.
“رويترز” نقلت عن مصدر مطّلع على نهج الحكومة السورية بهذا الشأن، عقب توجيه الرسالة للإدارة الأميركية، أنّ دمشق ستؤجل التعامل مع هذه القضية قدر الإمكان نظراً لأنّها ترى أنّ المقاتلين الذين ساعدوا في الإطاحة بنظام الأسد من غير السوريين يجب أن يعاملوا معاملة حسنة.
ورغم جهود دمشق المعلنة، لاحظ مراقبون وجود بعض الثغرات في رسالة الخارجية السورية، أبرزها عدم تقديم تفاصيل دقيقة بشأن خطط إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، أو آلية التعاون العملي مع واشنطن في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب. وتبقى هذه القضية وغيرها من القضايا العالقة بمثابة اختبارات حقيقية أمام أيّ تقدّم في المحادثات غير الرسمية بين الطرفين.
تحدّيات وعوائق متعدّدة تقف أمام القيادة السورية الجديدة، لجهة إعادة بناء جيش سوري وطني جامع يمثّل جميع السوريين بكافة طوائفه ودياناته وأعراقه، وقد جاء تعيين قائد الإدارة السياسية أحمد الشرع، للقائد العسكري لـ “هيئة تحرير الشام”، المهندس مرهف أبو قصرة، وهو من خارج المؤسّسة العسكرية، وزيراً للدفاع، بعد التشاور مع قادة فصائل المعارضة السورية، التي انضوت في عملية “ردع العدوان” دون بقية الفصائل، سواء في “الجيش الوطني”، أو في درعا والمنطقة الجنوبية، ما أثار حينها مخاوف من استئثار “تحرير الشام” بالسلطة، لا سيّما أنّها وضعت قياديين فيها، في مفاصل القرار السياسي والاقتصادي ولاحقاً العسكري، منذ تسلّمها السلطة في البلاد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.
منذ اليوم الأول لتسلّمه وزارة الدفاع وجد مرهف أبو قصرة نفسه في مواجهة ملفات عسكرية معقدة، لعلّ أبرزها ملف دمج عشرات الفصائل التي ينضوي أغلبها في “الجيش الوطني السوري”، الذي شكّلته تركيا قبل أعوام عدّة، في الجيش السوري الجديد للقضاء نهائياً على الفصائلية التي تُعدّ بمثابة قنبلة موقوتة سيؤدّي انفجارها إلى تأزيم الأوضاع الأمنية. وكذلك ملف استيعاب المقاتلين الأجانب في الجيش السوري المقبل، بالإضافة إلى تركة ثقيلة تركها النظام المخلوع الذي حوّل الجيش إلى مليشيات تقاتل من أجل بقاء بشار الأسد في السلطة لا أكثر.
باحثون عسكريون وضباط منشقّون عن جيش الأسد يرون، أنّ أهم التحدّيات التي ستواجه وزارة الدفاع السورية المقبلة، هي “إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه على أسس سليمة، خصوصاً أنّ القدرات والمقدرات التسليحية البرّية والبحرية والجوّية قد دمّرها الجيش الإسرائيلي بنسبة قد تصل إلى أكثر من 80%. وأنّه يجب دمج الفصائل في الجيش السوري بشكل مدروس جيداً، وأن يكون كاملاً، بحيث ينصهر الجميع في المؤسّسة المقبلة، ولا يكون دمجاً شكلياً بحيث تبقى بعض الفصائل بمسمّياتها الحالية ويكون ولاؤها لقائد الفصيل أو لقوى خارجية أو إقليمية”.
كما تبرز معضلة التعامل مع مصير صفّ الضباط والضباط المنشقّين عن جيش الأسد خلال سنوات الثورة، وإعادة الاعتبار لهم ومنحهم حقوقهم المادية والمعنوية المصادرة منذ بداية انشقاقهم، وترفيعهم إلى الرتب التي يستحقونها، ودمجهم في الجيش المزمع تشكيله من قِبل وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة.
بواسطة طارق علي | مايو 11, 2025 | Cost of War, News, Reports, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
مع بداية تواتر انشقاق الضباط والعناصر عن الجيش السوري النظامي عقب اندلاع ثورة آذار/مارس 2011، بدأ ينمو حلمٌ كبير لديهم بأنّ أمامهم فرصةً تاريخية لإعادة بناء مؤسسة عسكرية ذات عقيدة وطنية راسخة وجامعة وغير متورطة بسفك الدم السوري أو التغول على أفراده، مؤسسة تحمي حدود البلاد وأمنه وتحفظ وحدته وتقوم على سيادته واستقلاله ودرء محاولات الفتنة داخله وصدّ أي عدوان قد يحمله الخارج.
بذلك سلّم الضباط واستسلموا لأحلامهم تاركين خلف ظهورهم رتبهم العسكرية بما فيها من نجومٍ ونسورٍ، تاركين الامتيازات والأفضلية والقدرة على الترقي والصعود الإضافي في سلم التراتبية العسكرية بما يحمله من امتيازات إضافية. ذهبوا للمجهول في رهان على الحاضر المحمول على الوعي الشعبي الرافض لوجود الأسد في سني الثورة الأولى وتصاعد المعارك التي أبوا أن يكونوا جزءاً مشاركاً فيها ضدّ أبناء جلدتهم. انتظروا بعد ذلك، انتظروا كثيراً، حاربهم جيش النظام، حاربتهم النصرة، حاربهم داعش، حاربتهم مختلف الفصائل، حتى أنّ بعضها تخلى عن مواجهة النظام وتفرغ لمحو أثر الجيش الحر. ظلّوا صابرين ومحاولين المرابطة ما أمكن بانتظار فرجٍ كانوا أول من بشر به وأكثر من فرح به مع سقوط النظام السوري وبشار الأسد في فجر الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، لكنّ ما حصل بعد ذلك جاء مغايراً، مخالفاً، صادماً، وغير متوقع إطلاقاً بالنسبة لهم، فتحرير طال انتظاره عمد إلى تهميشهم بشكل فاضح لا يرقى لمكافأة ثوريين شرفاء في أحيانٍ كثيرة.
التفوق العقيدي الشرعي
كانت الصدمة الأولى لأولاد المدرسة العسكرية النظامية من المنشقين مع تركزهم في مناطق شمال سوريا عقب قضم النظام السابق للمناطق واحدةً تلو الأخرى، وهناك شاهدوا وشهدوا على عقيدة قتالية مختلفة تماماً عما عهدوه، عقيدة لم تكن وطنية خالصة، حتى أنّها لم تحظ بالشكل الحداثي لإنشاء الجيوش الوطنية، بل كان يغلب عليها الطابع الأيديولوجي المغلق والمعلق على مرجعية شرعية إسلامية صارمة وحازمة لها منظروها وقادتها ومعتنقوها.
على رأس تلك القوى كانت “هيئة تحرير الشام” التي تحولت من داعش إلى النصرة فالهيئة بحدود عام 2016 ضمن تحول براغماتي يحمل رسائل دولية عميقة، ورغم ذلك لم تتخل عن عقيدتها التعبوية القائمة على القول الشرعي: “المقاتل ذو القضية هو ذاك الذي يحمل السلاح في سبيل إقامة شرع الله، لا في سبيل القتال من أجل (وطن) محدود أو دفاعاً عن دولة محددة بعينها”.
وزير الداخلية الحالي: المنظّر الجهادي السابق
في خضم تلك الأحداث ومع موجة بروز الشرعيين والأمراء في الهيئة بدأ يظهر اسم أنس خطاب حاضراً بقوة في صفوف الهيئة داخل إدلب، أنس الذي بات وزير الداخلية السوري في الحكومة التي شكلها الشرع أواخر آذار/مارس الفائت، بعد أن كان تسلّم منصب مدير الاستخبارات العامة في الأشهر التي سبقت تشكيل الحكومة الانتقالية. وكان الرجل إياه صاحب الأساس المركزي في تشكيل تلك العقيدة الشرعية السابقة، انطلاقاً من وجهة نظرٍ تؤكد أن الوطنية بمفهومها الطبيعي المتعارف عليه تشكل طعنةً وخيانةً للإسلام، وفي هذا الإطار وضع واحداً من أشهر مؤلفاته البحثية الكثيرة حول الجهاد والدولة، والذي حمل اسم: “حكم الانتساب للجيوش والجماعات الوطنية“. وفيه يقول: “الانتساب إلى الجيوش الوطنية التي تخدم الأنظمة الظالمة، يعني الخروج عن طريق الجهاد في سبيل الله والاقتتال من أجل مصلحة الأوطان بدلاً من مصلحة الأمة الإسلامية”. خطاب يرى أن الجيوش النظامية التي تحارب من أجل “دول” و”أوطان” ليس لها مكان في الفكر الجهادي. ويؤكد في موضع آخر: “الوطنية مذهب مستورد من أعداء الإسلام، يهدف إلى صرف المسلمين عن الولاء لله ورسوله، وتفتيت وحدة الأمة الإسلامية.”
اعتبر أيضاً أنّ أي ارتباط بالجيوش الوطنية كفر. وقد قال في هذا السياق: “الانتماء إلى الجيوش الوطنية التي تخضع لأنظمة علمانية أو قومية يُعد خيانة لله ورسوله”.
إرث الثورة الثقيل
الرؤية التنظيرية الجهادية العابرة للحدود والقارات كانت الطعنة التي منعت الضباط المنشقين من تسلّم أي مناصب قيادية أو حتى إيجاد موطئ قدمٍ يعتد به داخل جسد الجماعات الجهادية في الشمال والشمال الغربي من الأراضي السورية (ريف حلب وإدلب). وبناء على ذلك تمّ إقصاؤهم عن المشهد العسكري الفاعل مع اتهامات طالت بعضهم بخيانة العقيدة القتالية نفسها، فتراجعوا نحو المخيمات ودول المهجر منفكين قسراً عن التفكير من جديد بإعادة بناء جيش وطن. أحد أولئك الضباط الذين انشقوا عام 2012 قال في حديث لـ “صالون سوريا” طالباً عدم الكشف عن اسمه: “لم يعد هناك قيمة لابن الأرض، صرنا محض لاجئين في بلد دافعنا عنه بمآقي العيون، اليوم لا مكان لنا أمام الأفكار العابرة للحدود”.
يخشى بعض الضباط المنشقين من تبعات انتقامية في حال ظهور تصريحاتهم بأسمائهم الحقيقية، لذا سيستعمل “صالون سوريا” اسماً مستعاراً وهو سامر لضابط منشق برتبة رائد قال: “نحن في عزلة عن مجريات الأحداث، لا أحد يريد إشراكنا، لم تعد هناك فرصة أو وقت أو إمكانية أو أمل في بناء جيش وطني ذي عقيدة قومية خالصة، الآن زمن الأجانب الذين يتولون القيادة، الأجانب القادمين من الأراضي البعيدة، هؤلاء إرث الثورة الثقيل، الثقيل عليها وعلى قادة البلد الحاليين”.
بين العقيدة الجهادية والولاء الوطني
بعد سقوط نظام بشار الأسد واجه النظام الجديد معضلة في التفاضل بين أصحاب العقيدة الوطنية التقليدية، وأصحاب العقيدة العابرة للحدود، فمالوا نحو الأخيرة نظراً لما أبدته من شراسة وولاء خلال سنوات الثورة. وقد عبر الشرع ذاته عن ذاك حين أشار مؤخراً في لقائه مع صحيفة “نيويورك تايمز” إلى إمكانية تجنيس بعض أولئك المقاتلين لما أبدوه من تواجد وثبات إلى جانب الثورة خلال مراحلها الطويلة. وفي هذه السياق، نجد أن خطاب في مؤلفاته لا يكتفي بانتقاد الوطنية، بل يذهب أبعد من ذلك عندما يشير إلى ما يراه تحريفًا للمفاهيم الإسلامية من خلال الانخراط في الجيوش النظامية، حيث يرى أنّ “من يقاتل في سبيل فكرة وطنية ليس أكثر من أداة في يد الطواغيت الذين يزعمون أنهم يدافعون عن حدود مصطنعة بين المسلمين”.
لا يمكن فصل الرؤية الجهادية للهيئة التي تمتلك بين جناحيها زهو 7500 مقاتل أجنبي عن السياق العام الذي جعل خطاب يؤكد في مؤلفه المذكور أنّ المنشقين غير قادرين على التمييز بين العقيدة الجهادية والولاء الوطني. وعليه، ومع تعيينات الانتصار التي قادتها “هيئة تحرير الشام” أصبح قائد الحرس الجمهوري أردنيًا من أصول سلفية جهادية، وقائد حامية دمشق (فرقة دمشق) تركيًا، مع ما يزيد عن 50 تعيينًا أجنبيًا في قيادة العمليات العسكرية. وترفيع عددٍ من الأجانب لرتب عسكرية عليا، فيما تضاءل دور الضباط السوريين الذين بقوا في المناصب الشكلية غير المؤثرة فعلياً أو الذين تم تهميشهم عملياً.
الأمر برمته لم يمكن مرتبطاً بمسألة بناء قوة قتالية وحسب، بل بما هو أبعد من ذلك لناحية الضمان الفكري والأيديولوجي المبني على الولاء الشرعي ما فوق الوطني، وذلك لأنّ “المجاهد الحق” لا يقاتل من أجد “الحدود” أو “الدولة” بل من أجل إقامة “شرع الله وحدوده”. ويجسد خطاب ذلك الاعتقاد في قوله ضمن مؤلفه في “حكم الانتساب للجيوش”: “القتال من أجل الوطن هو فكرة ضالة، والأمة لا تتحقق بالحدود المصطنعة التي يفرضها أعداء الإسلام”.
وما الشام إلّا بداية “الفتح المبين”
يبدو الواقع في سوريا اليوم زجاجياً للغاية، مهيأ للتحطم في أي ثانية أو مفترق، يعكس تحولاً خطيراً في بنية بناء ما بعد التحرير وسط سيل تساؤلات عن سوريا المستقبل مع الأخذ بعين الاعتبار الضغوط الأميركية المتنامية ذات الشروط الثمانية لرفع العقوبات الجزئي عن سوريا، ومن بين أبرزها تحييد الجهاديين وإبعادهم عن المشهد. ويزداد الأمر تعقيداً في الحين الذي يبدو فيه أن “الجيش الوطني الجديد” هو جيش يملك في حيز واسع منه عقيدةً جهادية إقصائية تتمثل في فصائل مرتبطة بوزارة الدفاع ولا تمتثل لأوامرها ولا تتوانى عن ارتكاب المجازر والانتهاكات. وأبرز مثال على ذلك المجازر التي ارتكبت ضد علويي الساحل ودروز الجنوب الحاضرة بقوة كملف يزيد الضغط على الحكم الانتقالي القائم حالياً بفعل الابتزاز السياسي الدولي. يضاف لكل ذلك أنّه لم يعد يمكن التعامي عن أنّ الجيش السوري الآن هو من لونٍ واحد، وفكرٍ واحد، وأيدولوجيات مقلقة، ايدولوجيات يمكن أن تكفّر الشرع ذاته لانفتاحه على الغرب في تحول براغماتي تحتاجه سوريا فعلاً، مع خلعه عباءة الماضي الجهادي ونفض غبارها وارتداء البزة الرسمية وتصريحه المتكرر أنّ الثورة انتهت وحان وقت بناء الدولة بالعقلية الجامعة لأبنائها، وهو ما لا يعيره الجهاديون أي انتباه ضمن مشروعهم الجهادي الواسع، فالتركتساني والإيغوري والشيشاني والعشرات الذين ينتمون إلى جنسيات أخرى لا تعنيهم تلك البنيوية الحتمية لإعداد مشروع صياغة شكل “دولة” إذ إنّ حلم “الخلافة” لا زال يطارد أحلامهم، وما الشام إلّا بداية “الفتح المبين” بناء على تواصل مباشر متعدد مع مقربين من أولئك المقاتلين.
الظاهر والباطن
ورغم الاعتراف الواسع ببراغماتية وانفتاح المستوى السياسي السوري الأعلى على القضايا المحلية والإقليمية والدولية من منظور دولة قائمة تسعى لكسب الشرعية، يبقى تحدي الخلفية الجهادية للمقاتلين الأجانب ماثلاً، وتبقى الأيديولوجية الداعمة لهذا التوجه والتي يؤكدها خطّاب ضمن المؤلف التنظيمي المذكور سلفاً قائلاً: “القتال من أجل الوطن هو فكرة ضالة، والأمة لا تتحقق بالحدود المصطنعة التي يفرضها أعداء الإسلام”.
وعليه، يرى الضباط المنشقون (وهم بحدود سبعة آلاف ويزيد عدا عن العناصر) أنّ هذا الموقف، إذا استمر في الهيمنة على القرار العسكري في سوريا ما بعد الأسد ولو من تحت الطاولة، أو في باطن الأفكار، فقد يُفضي إلى المزيد من العزلة السياسية والعسكرية، ويعرّض سوريا لخطر فقدان هويتها الوطنية الجامعة لصالح فكر جهادي لا يعترف بالحدود الجغرافية أو الوطنية.
لكلّ مرحلة خطابها
بناء على كل ما سبق، فإنّه لا يمكن التغاضي عن الآثار المستقبلية لهذا التوجه القاعدي في هرم السلطة التي قد تصبح ذاتها بوابة عبور نحو معركة داخلية–خارجية لا تعترف في لحظة بالحدود والجغرافية والمواثيق والأسس والمعاهدات والعيش المشترك أو التشاركي، وحينها يصير الاحتكام إلى المرجعيات الدينية المهيمنة أساساً لا يمكن تجاوزه، وسبيلاً مفروشاً بالزهور لنمو قوى كداعش من جديد. سوريا اليوم في ظلّ معادلة شديدة التجاذب بين جيش سابق جرى تسريحه بالكامل، وجيش من المنشقين تم الاستغناء عن خدماتهم ويرزحون تحت مظلومية كبرى تضحي بمستقبلهم السياسي والعسكري، وجيش جهادي لا يملك البذور الوطنية لرؤية سوريا الجديدة.
وفي هذا الإطار يقول الخبير الدبلوماسي ماهر سمارة لـ “صالون سوريا”: “سأكتفي بالقول إن الشرع محاط بالألغام كيفما اتجه، تفكيك الحاضنة الجهادية أمرٌ شبه مستحيل، الرئيس الجديد من خلال تحليل سياقات خطاباته ولقاءاته يبدو منفتحاً ومتمسكاً بمشروع شامل وجامع، ويحيط به على المستوى الأقرب في الدائرة الضيقة أشخاص يشاركونه التوجه، ومن أبرزهم الشيباني وزير الخارجية، وأبو قصرة وزير الدفاع، وخطاب وزير الداخلية نفسه رغم كل مؤلفاته الجهادية، ولكنّ الجميع الآن مؤمن أنّ لكل مرحلة خطابها ولكلّ زمانٍ دولة ورجال، فمرحلة إدلب وعزلتها كانت تفرض أسلوباً في التعاطي العقائدي المختلف تماماً عن حال حكم سوريا بأكملها حالياً، وهذا الدرس الأكبر الذي يجب التعويل عليه، فما بعد التحرير يجبّ ما قبله.”
بواسطة مفيد عيسى أحمد | مايو 7, 2025 | Cost of War, News, العربية, بالعربية, تقارير, غير مصنف, مقالات
في بداية عام 2017 أنهيت زيارة لقرية “كوكب” الواقعة في “ضهر الزوبة” في بانياس والتابعة لقرية البساتين، وكان لي أن أعود باتجاه طرطوس سالكاً طريقاً من اثنين: إما عبر قرية الزوبة ثم الخريبة وضهر صفرا، ثم الروضة؛ لأصل إلى الطريق السريع بين طرطوس واللاذقية، وإمّا عبر الطريق الثاني الذي ينحدر في قرية البساتين ليصل مباشرة إلى الطريق السريع، وهو طريق أقصر وأسهل من الطريق الأول لكنه مقلق ويلزمه الحذر كما قيل لي والسبب أن أهل البساتين “سنّة” وهم معارضون في أغلبهم.
في ذلك الوقت كان يبدو أن النظام في سورية قد انتصر وأن المعارضة بصفتها السنيّة الغالبة قد خاضت معركتها وهُزمت، لكن سكان القرى العلويين المحسوبين على النظام، ما زالوا يتجنبون الاحتكاك بهم.
سلكت طريق البساتين بناء على تطمين من كنت ضيفاً عندهم، فقد قال صاحب البيت: “عم، لن يتعرّض لك أحد، أهل البساتين طيبون، عشنا وإياهم دهراً ولم يتعرض أحد للآخر إلى أن حدث ما حدث” وهو بذلك يشير إلى ما جرى من قتل في قرى البساتين والبيضا، وقد أكّد لي أن أهل “كوكب ” لا علاقة لهم به، فالذي ارتكبه هم مجموعات قدمت من الشمال تابعة لـ”هلال الأسد” الذي قُتل فيما بعد في معركة شمال اللاذقية.
انحدرت في قرية البساتين، وبعد أن قطعت مسافة قصيرة توقّف رجل على يمين الطريق؛ قبل أن أصل إليه بخمسين متراً وحياني بطريقة لن أنساها أبداً، انحنى انحناءة خفيفة ورفع يده إلى محاذاة رأسه بما يشبه التحية العسكرية وغض بصره عني.
تكررت التحية أكثر من مرة مع أكثر من شخص وكلما سلكت ذلك الطريق. تلك التحية التي يمكن تسميتها تحية الخوف والانكسار، قد تركت في نفسي أثراً وأسفاً عميقاً، فقد أحزنتني وضايقتني، ذلك الضيق الذي يتأتى من ضيم لا ترضاه، لكن لا تملك حياله شيئاً.
لسنا بصدد الكلام عن أسباب المجزرة التي حدثت حينها والتي قيل إنها رد فعل عما اقترفه أهالي البيضا والبساتين بحق عسكريين ومدنيين تم قتلهم هرساً في معصرة زيتون، وعلى ما حدث في بانياس البلد، كقتل “عماد جنود” وهجوم جسر القوز على رتل الجيش.
لكن عليّ أن أذكر نقلاً عن شهود عيان أن ضحايا تلك المجزرة كان الكثير منهم من الأبرياء ومن مؤيدي النظام حينها أو من الحياديين الذين لم يكن لهم موقف سياسي معلن من النظام أو الحراك السياسي الذي اعتمل في سوريا ومنها بانياس، أولئك الذين اختاروا الاهتمام بحياتهم اليومية وعدم الانجرار إلى أي نشاط سياسي أو فعل راديكالي.
أحد شهود العيان روى لي أن أحد أهالي البساتين كان يعمل على جرار في حراثة الأرض في قرية “كوكب” أوقف جراره ليعود إلى البساتين، حاول من روى لي (وهو علوي) وأشخاص آخرون منعه من العودة وإبقاءه لحمايته، لكنه أصر على العودة وهو يقول: “لم أفعل شيئاً ولست ضد الدولة، ولا يمكنني أن أترك أهلي.” ترك جراره وذهب ولم يعد أبداً.
وروى لي آخرون أنه تم إرسال تحذير من أهالي قرية كوكب “العلوية” إلى أهل البساتين والبيضا بأن هجوماً على وشك أن يقع على القريتين لا علاقة لهم به، وعليهم أن يكونوا حذرين.
تجاوب مع التحذير من تورّط في أعمال دموية ومظاهرات وهربوا، وبقي من لم يرتكب شيئاً لظنهم أنه لن يطالهم سوء، وهم من صاروا ضحايا.
قِيل الكثير عما حدث في سياق هياج جمعي يحدث عادة في مثل هذه الظروف، حيث لم يتم التمييز بين البريء والمذنب، فالكل مذنبون في نظر القتلة، المرأة التي التجأت إلى خم الدجاج لتختبئ مع أولادها وقُتلت، شيخ الجامع صاحب الموقف المعتدل الرصين، معلم المدرسة المنفتح…
هذا الهياج نفسه هو الذي حكم ما جرى في المذابح الأخيرة التي ارتكبت بحق العلويين في بانياس وجبلة واللاذقية، وفي حمص وقرى حماه وغيرها، مع فارق لا بد من ذكره وهو الدافع ومعطيات المرحلة.
ارتكبت تلك المذابح وما زالت بسبب مباشر هو تذرّع من ارتكبها بمحاولة انقلاب قام بها كل من “غيّاث دلا” و”مقداد فتيحة” كقادة لفلول النظام البائد. والمفارقة أن تحدث تلك المحاولة في قرية تبعد عن العاصمة ثلاثمائة كيلومتر، وقد ادعى من قال بذلك أنّ تلك المحاولة كانت تضم قسد والدروز، غير أنه بعد يومين من المذبحة تم توقيع اتفاق بين الشرع وعبدي، ومن غير المعقول أن يتم توقيع اتفاق في ظرف كهذا، ووضع سياسي حاد ومصيري حيث أحد الطرفين يسعى لإنهاء الآخر بهذه السرعة.
السبب غير المباشر والأقرب للواقع؛ هو الرغبة بالثأر والانتقام ممن يُعتبر حاضنة للنظام البائد، والحاضنة المقصودة هنا طائفية وليست سياسية، تلك الرغبة المخبوءة كالجمر تحت الرماد والتي تنفخ عليها من وقت إلى آخر أحداث وتداعيات خاصة في سنوات الحراك السياسي الأخيرة التي أزكت التناقضات السياسية وجعلتها أكثر حدة وبلبوس طائفي واضح.
بخصوص ذلك نُشرت بعض الخرائط شاهدت إحداها على شاشة إحدى الفضائيات العربية في عام 2011 وقد كتب على منطقة الساحل السوري “Killing zone“ منطقة القتل، وهذا يؤكد ما كان مبيتاً للمنطقة الساحلية.
التخطيط لما ارتكب في هذه المجازر كان واضحاً رغم التسويق الإعلامي لها بأنها أتت نتيجة “فزعة”، وهذه الكلمة بالذات تحمل معنى تراحمياً اجتماعياً يشي بطبيعة من استخدمها وتجاوب معها، كأنهم فعلوا ذلك لدرء خطر محدق داهم وهي سمة غالبة في المجتمعات البدوية.
الأكثر تأثيراً كانت الدعوة إلى الجهاد ذات البعد الديني التكليفي- فرض عين- وقد انطلقت من مآذن الجوامع في عدة مدن سورية، وتمّ بثّ هذه الدعوة وصور للتجمعات التي تآلفت تجاوباً معها بشكل مباشر على قناة الجزيرة، بالصوت والصورة، فتعالت صيحات وشعارات صريحة وبحماس واندفاع شديد تدعو إلى ذبح العلوية والقضاء عليهم.
المذابح التي ارتكبت ووثقت كانت دموية مفرطة وقاسية جداً، وفق شهادات لمن بقي حياً كان القتل يتم بعد سؤال الضحية “أنت شو؟”، رغم أنهم يعرفون انتمائهم الطائفي، لكن للسؤال هنا بعداً آخر هو الإذلال والتشفي قبل القتل.
روت زوجة المهندس “نبيل حبيب” أنهم دخلوا المنزل وسألوا زوجها بأسلوب فظ: “شو دينك؟” أجاب: “أنا مسلم.” أردفوا: “مسلم شو؟”
أجاب: “مسلم…” وصمت، ردوا بعنف: “مسلم سني أم علوي؟”
قال بهدوء: “علوي…”
ضربوه بأخمص البندقية وصرخوا: “إلى السطح.. اطلع عالسطح يا خنزير،” حيث حدثت المقتلة له ولجيرانه.
ضحايا المجازر كانوا أبرياء، تم انتقاؤهم من كوادر علمية واجتماعية وفق معلومات وتوجيهات حددت مكانهم وانتماءهم، وكأن القتل كان محملاً على الخريطة، إضافة إلى القتل العشوائي، فأول من قتلوا عجوزاً عمره ستة وثمانون عاماً، تصادف أن وجد في طريقهم، “قرب كراجات السرافيس”.
الصحافية ثناء عليان روت كيف قتلوا زوجها، فقد كتبت تنعيه على صفحتها “زوجي لم يكن فلولاً ولم يقاتل أحداً.. دقو الباب ولما فتح سألوه: أنت علوي أم سني؟ وبناء على جوابه تم قتله بدم بارد بعد أن أخذوا سيارته وموبايلي وموبايله… رحمة الله عليه رحمة واسعة..”
المفارقة أنه تم قتل امرأة خنقاً لجأت إلى خم الدجاج كما حدث في البيضا، ولكن في قرية “بصيرة الجرد” على أطراف جرد صافيتا.
في خضم ذلك الهياج الذي نتج عنه القتل وحرق المنازل والسيارات والتنكيل بالضرب وغيره، لا بد من ذكر ما هو إيجابي؛ المتمثل بمبادرة عائلات سنيّة لحماية المستهدفين العلويين. والغريب أن هناك عناصر من الفصائل الذين قدموا مع من ارتكب المذابح عملوا على نجاة عدد من الأهالي العلويين، وهناك حالات توثق ذلك، فمثلاً أحد عناصر الفصائل نقل بسياراته عائلات من القصور ساحة الذبح إلى مساكن المصفاة، وآخر حمى بناية بأكملها بالإدعاء أن ليس فيها أحد، وحوادث أخرى. توثق ترحيل أهالي خلسة.
حادثة لها دلالاتها المختلفة روتها تلك الأم التي وضعت مولودها قبل أوانه وكان لا بد له من حاضنة في مشفى بانياس الوطني، وهي من قرية علوية، اقتربت منها ممرضة سنيّة وقالت لها: “لا تقولي إنك علوية، سيقتلونك ويقتلوا الطفل، قولي إنك سنيّة.” ومضت لتجلب لها حجاباً وضعته على رأسها. هذا يوضّح فرقاً واضحاً وهو أن الهياج الطائفي وصل إلى حد الرغبة في إفناء الآخر “العلوي” والغريب والمؤسف أنه شمل الطبقة المثقفة والأكاديمية، فكيف لطبيب أن يأمر أو يتسبب بقتل طفل!
خلال أربعة عشر سنة حدثت مجازر كثيرة بحق العلويين والسنّة، لكن لم يستشر الهياج الطائفي كما حدث في مجازر العلويين الأخيرة، إلى درجة بدا وكأن الأمر غريزي موزع بين غريزة القتل وغريزة المحافظة على البقاء..منذ أيام شاهدت نفس التحية؛ تحية الانكسار والخوف التي رأيتها سابقاً وأنا أعبر قرية البساتين، لكن هذه المرة رأيتها على الحواجز، يؤديها من يعبر من العلويين.
بواسطة وداد سلوم | أبريل 27, 2025 | Culture, News, Reports, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
لا يختلف اثنان حول دور الإعلام سواء في السلم أو في الحرب، ومدى استخدامه في تأجيج الصراعات والنزاعات وتغطية الحروب والأحداث المصيرية للشعوب. تتراوح شدة تأثيره من مكان لآخر وتعتمد على قدرة العاملين فيه والتزامهم بالمهنية ويتأثر ذلك بعوامل كثيرة كطبيعة الصراع القائم من جهة ودعم الأطراف المتصارعة من قوى عالمية قد تكون متحكمة بوسائل التأثير الالكترونية من جهة أخرى. ولهذا تم دوماً استهداف الصحافيين في الحروب وكلنا يتذكر الصحافيين الفلسطينيين الذين قضوا بالقصف مرة تلو أخرى في حرب غزة حيث قتل أكثر من 183 صحفياً في عام واحد بعضهم أثناء عمله وبعضهم مع عائلاتهم.
كما تم تعديل خوارزميات الإنستغرام بعد حرب غزة لتشديد الرقابة على المنشورات التي تتحدث عن إبادة الفلسطينيين/ات، وهذا ما فعلته شركة “ميتا” في الفيس بوك إذ قامت بمحاصرة وصول الصوت الفلسطيني وتقديم الحرب للعالم على أنها حرب عادلة لتحرير المختطفين اليهود.
غياب الإعلام في سوريا
منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول تم إغلاق القنوات التلفزيونية والإذاعات الرسمية والخاصة مما ترك فراغاً واضحاً وجعل الناس تسعى للوصول إلى الخبر عبر مصادر تنوعت بين الوكالات الخارجية، مع قلة مراسليها في الأنحاء السورية، أو شبكة العلاقات الاجتماعية الخاصة أو وسائل التواصل الاجتماعي، أي تحت تأثير ما يسمى بالإعلام المجتمعي والتي تظهر في حالات مماثلة عبر جماعات مؤثرة (صفحات عامة) مع الانتباه أنها من أطراف مختلفة المواقف ومتنوعة الاتجاهات ولهذا قد تكون مضللة وليست مهنية سواء من حيث التحيز أو لأن بعضها خارج البلاد يفتقر إلى الدقة في نقل المعلومة، أو عبر أشخاص مهتمين ومعروفين يحظون بمتابعين كثر سواء كانوا موثوقين أو لا، كصفحات بعض الاعلاميين السابقين أو الجدد، دون الانتباه إلى المهنية التي كانت تتأرجح على الدوام بكل ما تحمل من مخاطر. ظهر ذلك واضحاً بالنظر إلى مواقف وردود أفعال الناس التي وقعت تحت ضغط التجييش والضخ الطائفي الضمني أو العلني في وقت تم تداول الدعاية للمظلومية بالتبادل مرة تلو أخرى بين مكونات المجتمع السوري وطوائفه. وتم التحريض عبر رجال الدين على المنابر غير مرة للتعبئة الطائفية.
لا نستطيع إنكار دور هذه الوسائل في التلاعب بالرأي العام والخاص والتأثير على شرائح المجتمع عبر البث المتواصل للمعلومة دون أي تدقيق أو إثبات، وكحالات انفعالية بعيدة عن المهنية والمسؤولية تستجر ردود أفعال متوالية.
لم يدرك أي من هؤلاء الذين يمارسون الصحافة المجتمعية خطورة الكلمة في الواقع السوري المنقسم منذ عشرات السنين على يد نظام الأسد الذي زرع الطائفية وسقاها ليحفظ استمراره على مبدأ فرق تسد ومنذ 2011 عمد على زرع الخوف من الآخر محولاً الحراك من سياسي إلى طائفي.
فكانت مقاطع الفيديو الكثيرة تنتشر على السوشال ميديا دون توقف حاملة خطاب العنف ومثيرة زوابع الرعب والحقن الطائفي خاصة بعد مواجهات الساحل وما اعقبها من مجازر انتقامية. كانت عدة فيديوهات مليئة بالدم والعنف والحقد الطائفي إذ لم يتورع مرتكبو المجازر عن التصوير باستخفاف بالمشاعر الإنسانية.
تجارب مماثلة
بالعودة إلى تجارب شعوب مماثلة للواقع السوري تحضر فوراً تجربة رواندا إلى الذهن إذ كان لوسائل الإعلام أثر مهم وكبير في التحريض على الإبادة الجماعية حسب قول الصحافي آلان ميلي الذي عاصر ذلك في حديثه عن أثر الإعلام فيما حدث هناك. ويقول أحد مرتكبي الإبادة معترفاً: “تحولتُ إلى إنسان متوحش من الدعاية التي كنا نسمعها في الإذاعة. كنا نقتل بحماسة وجنون كأننا نقتل الصراصير أو الثعابين”. نسب لهذه الإذاعة الدور الكبير في التحريض على أعمال العنف والقتل إذ ذكر انها كانت تسوق للإبادة بأقوال مثل: (هؤلاء القوم قذرون، أو علينا أن نبيدهم–يجب التخلص منهم–هؤلاء الصراصير متى سيرحلون؟ وشاعت في الإذاعة أغنية كلماتها: علينا ان نبيد الصراصير، لو أبدناهم سنكون المنتصرين). لقد حول الإعلام الكلمة إلى سكين أو منجل وهي الأدوات التي كانت تقتل الناس بوحشية ودون رحمة.
وحين بدأت المفاوضات لم يتم تغطيتها وإيصال أخبار تقدمها للناس، بل تم التعتيم عليها مما ترك أعمال العنف والكراهية مستمرة أثناء ذلك. بعض الصحف كانت تنشر صور لأحد أطراف الصراع على هيئة ثعابين. إن نزع الصفة الإنسانية عن الطرف الآخر يسهل تقبل فكرة القيام بقتله إذ يستبعد الإثم جراء القتل في اللاشعور لدى الفرد، بل يبرر عملية القتل على أنها فعل مقدس.
قامت المحكمة الجنائية الدولية بإصدار حكم على أربعة وثلاثين شخصاً لتورطهم في الإبادة الجماعية والمثير في ذلك أن بينهم صحفيين هما حسن نجيزي من جريدة كانجورا وهو أول من وصف التوتسي بالصراصير. والثاني فرديناند ناهيمانا، مذيع في راديو وتلفزيون التلال الألف الحرة (RTLM) والذي قام بالتحريض علناً على القتل.
وأمام الدور السلبي لهذا الإعلام قامت منظمة مراسلون بلا حدود وبمساعدة الأمم المتحدة وحكومة سويسرا بإنشاء راديو أجاتاشيا بهدف مساعدة الروانديين لتلقي المعلومات الصحيحة ومواجهة الدعاية التي تبثها إذاعة RTLM لتعميق الصراع وبث الكراهية، وهي المحاولة الدولية الأولى لتحييد وسائل الإعلام الذي بدأ بعد ذلك بأخذ دوره النبيل لنشر ثقافة السلام والحوار وقبول الآخر بتعزيز النقاط المشتركة بين السكان على اختلافهم وبث قصص التعايش الإيجابية والتأكيد على التنوع والحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة.
الحاجة الملحة للإعلام الرسمي والمستقل الحر
لا يعاني السوريون\ات فقط من فقدان الثقة في نقل الخبر ومزاجية الأشخاص الذين ينقلونه حسب خلفيتهم السياسية والطائفية وغيرها من الانتماءات التي فرضت وجودها بعد سنوات الأزمة السورية وعمل السلطة البائدة بضخ الأحقاد والخوف من الآخر، بل أيضاً من كثرة الإشاعات حتى فقدان التمييز بين الحقيقة والوهم ومن لغة الخطاب التي تعمق الشرخ الاجتماعي بين الناس دون أن تمتلك مشروعاً داعماً للمرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد كالمطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية عبر السلطات. فهي لا تتورع عن العنف اللفظي بوسم طائفة أو مجموعة بألفاظ مهينة، بينما تحفل صفحات المثقفين على الإنترنت بالشجار وتبادل التهم، والغرق في الخلافات والانجرار لسلطة اللحظة سواء الفرح بسقوط النظام أو الانتقام الشخصي لمعاناة طويلة جراء ما كرسه النظام من قمع واضطهاد، إذ راجت الحالة الانتقامية خلال الفترة الماضية وراجت عبارة (وين كنتو من 14 سنة؟). واللافت للانتباه هو عدم دقة هذه الادعاءات فمثلاُ هناك من قال هذه العبارة لرغيد الططري الذي قضى 42 عاما في سجون الأسد. يسود عدم التبصر بتحديد العدو وهذا كان واضحاً حين استهدف الانتقام في الساحل بسبب الانتماء الطائفي عدداً من معارضي الأسد الأب والابن والذين قضوا زهرة أعمارهم في السجون الأسدية.
ساهم الإعلام المجتمعي عدم المسؤولية في حمل الأمانة المهنية بتشكيل الدافع لدى الكثيرين وظهور حالة الاندفاع والهياج. وعلى سبيل المثال استخدم هكذا إعلام العنف اللفظي الذي تجلى بإطلاق الأحكام على فئة كاملة ووصفها بالحيوانات (الخنازير) وذلك لتسهيل الإساءة لها وإسقاط صفة الإنسانية عنها، وبالتالي الحط من قدرها وتسهيل القتل والعنف بحقها، كما حدث حين أطلق النظام الساقط صفة الإرهابيين على كل من عارض الأسد.
هل سننتظر يوماً محاكمة هؤلاء الإعلاميين الذين يفتقرون للمسؤولية، وهل ننتظر إطلاق القنوات الرسمية للإعلام والسماح للمحطات الخاصة البدء بالنشاط خاصة تلك التي لها تاريخ في الذاكرة الشعبية السورية ويمكن أن تكون جامعا للشعب ومهدئاً فهي على الأقل كانت دوماً قادرة على أن تجمع السوريين على روتين الحياة اليومية كفيروز الصباح.
لا يقل عن أهمية إطلاق الإعلام الرسمي أهمية الإعلام المستقل الحر والذي ينتظر منه العمل على تكوين الوعي المجتمعي القادر على تحرير الفرد من تأثير الدعاية والضخ المستمر للضغينة والتحريض، وذلك بتكوين وعي ذاتي مسؤول يضع المصلحة الوطنية أولاً ويؤسس لثقافة الحوار واللاعنف حتى لا نكون تلاميذَ للنظام الساقط في إدارة الراهن.
بواسطة حنة حدّاد | أبريل 19, 2025 | News, Reports, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
سقط نظام الأسد الدكتاتوري المتوحش في 8 كانون الأول، وهرب الأسد إلى موسكو، بعد استعصاء سياسي وعسكري طويل رفض فيه الأسد الابن التنازل عن حكم البلاد، بعد تحويل البلاد لحلبة صراع دموية ما أدى إلى تدمير البلاد بالكامل وتشريد ما يقارب ثلث من عدد سكانها، وارتكاب عدد من المجازر الموثقة بحق المدنيين الأبرياء والمعتقلين السياسيين يندى لها جبين الإنسانية، ورغم أن عملية السقوط واجتياح قوات هيئة تحرير الشام البلاد من الشمال ووصولها الى دمشق بتفاهمات سياسية مع تركيا، لم تُحدِث خسائر كبيرة في الأرواح يوم السقوط، رغم حالة الهلع التي أصابت معظم المواطنين، لأنها لم تلقَ إي مقاومة، وكأن هناك اتفاقات مبرمة على التسليم. ورغم تخوف معظم الأقليات من المرحلة القادمة إلا أنهم باركوا للحكم الجديد بعد محاولته طمأنتهم، إلا أن حوادث الخطف والقتل والإهانات والإذلال على أساس طائفي بدأت بشكل عشوائي مستهدفة الأقلية العلوية التي ينتمي لها رأس النظام السابق، منذ الأيام التالية لسقوطه، لكن هذا ترافق مع خوف وصمت وتكتم من الجميع خاصة في القرى البعيدة عن مراكز المدن، إذ سُجلت حوالي 600 حالة خطف وقتل خارج القانون على أساس طائفي قبل حدوث المجازر الكبيرة التي بدأت في 6 آذار واستمرت خلال 7و8و9 آذار بعد إعلان النفير العام، وذهب ضحيتها عدد كبير من الأبرياء المدنيين. لم يتمكن أحد من إحصاء عدد الضحايا الذي وثق منه حتى الآن 2161 حالة حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لكن هذا العدد غير حقيقي ولا يتناسب مع عدد المفقودين، لأن عدداً كبيراً من الضحايا رمي في البحر لتأكله الأسماك لإخفائه، وعدد آخر تم دفنه في مقابر جماعية.
بدأت المجازر بعد عملية نفذتها مجموعة من عناصر النظام السابق كرد فعل على عمليات القتل العشوائي والإهانات الطائفية التي تعرض لها عدد من أبناء الأقلية العلوية، إذ تعرض عدد من عناصر الأمن العام التابع للسلطة الجديدة لكمين قتل خلاله 140 عنصراً، أُعِدَ له من قبل رجل أعمال مقيم في روسيا مع مجموعة من عناصر النظام السابق، ما أدى لرد فعل عنيف من قبل السلطة الجديدة وبدء حملة عسكرية انتقامية ضخمة قامت بها الفصائل المتشددة ومنها فصائل تابعة لوزارة الدفاع الجديدة مع إعلان النفير العام حيث انضم لمؤازرتها عدد كبير من الأشخاص من معظم المناطق السورية وشاركوا بالقتال. ذهب ضحية هذه الحملة عدد كبير من المدنيين الأبرياء في عدد من قرى الساحل السوري، ولا تزال عمليات الخطف والقتل على أساس طائفي مستمرة حتى اليوم لكن بشكل متفرق وعشوائي، رغم الإعلان عن انتهاء الحملة العسكرية بعد المجازر المرتكبة بعدة أيام.
نحاول في هذا التحقيق تقديم شهادات عدد من الناجيات من المجازر، من بعض القرى التي تعرضت لهذه المأساة.
تنويه: استخدمنا أسماء مستعارة حفاظاً على أمن الناجيات، كما أبقينا اللغة كما هي من دون تدخل أو تصحيح نحوي.
الشير
السيدة (شام) 45 عاماً، زوجة وأم وأخت (أطفالي لا ينامون من الرعب)
تقول السيدة: أخذوا ابن الجيران منذ 10 شباط واليوم أفرجوا عنه، في 27آذار، يعمل بياع في كولبا، احتجزوه وقاموا بتعذيبه، وأجبروه على حلق شواربه، وعلى قراءة القرآن والصلاة على طريقتهم، أخذوه في الليل عن حاجز، الخطف على الحواجز لايزال مستمرا حتى اليوم، خطف البنات والشباب وسرقة السيارات منذ سقوط النظام وحتى وقوع المجازر، الفتيات اللواتي خطفن لم يعرف مصيرهن بعد. خطفت بنات من قلب المدينة. يقولون أخذوهم سبايا. سرحوا العمال والعساكر وكل الرجال قعدوا في البيوت بدون عمل. أنا كنت أشتغل بمعمل وتزوجت من شاب في هذه القرية وأقمت بعد الزواج بقريته، منذ سقوط النظام تذهب النساء للعمل بينما يلازم الرجال البيوت خوفاً على حياتهم، وهرباً من الإذلال الذي يتعرضون له على الرغم من أنهم أجروا تسوية وضع، كل هذا جعل الناس تضوج. ثلاثة أشهر بدون رواتب، والجميع يعاني من فقر شديد، أخي (ع) كان يسكن بمساكن مخصصة للعسكر أيام النظام السابق، وكان يملك بيتاً في قرى الأسد، طردوه من منزله بالمساكن العسكرية ولم يسمحوا له بالإقامة في منزله الذي يملكه في قرى الأسد لأنهم لا يريدون علوية هناك، ثم انتقل إلى اللاذقية.
تقول السيدة (شام) هناك رؤوس كبيرة تعمل هنا في الضيع حاولت إعطاء سلاح ونقود لبعض الشبان قبل المجازر بساعات، لكن معظم الشبان رفضوا حمل السلاح، لم نسمع أن هناك حركة. لا نعرف من دبر هذا الأمر، هناك (رجل غريبة تعمل في المنطقة)، تعدت على طائفتنا لتقوم بالمجازر الطائفية قبل المجزرة 7آذار مساء الخميس وصباح الجمعة 8آذار امتدت ولم تنته عمليات القتل. قبل ذلك كنت أخرج للعمل أنا وزوجي أنا أذهب للمعمل وزوجي يذهب للبيع في سوق الخضار وكنت أترك أطفالنا لوحدهم في البيت.
يوم الخميس كنا سهرانين أتى أخ زوجي، وهو ساكن بالبلد مع زوجته وابنه عمره عام ونصف بعد الإفطار ذهبت أنا وزوجي وأولادنا لبيت عمي وسهرنا مع بيت أهل زوجي وأخ زوجي وابنة عمه وأولادهم وأخ زوجي الثالث كان معنا بالبيت. كنا جميعنا سهرانين، ثم سمعنا طرقاً على الباب. أتى شاب من الضيعة وطلب الحديث مع الشباب خارج المنزل، وقال لهم نحن نقوم بوضع حواجز حماية للضيعة وطلب منهم أن ينضموا له وأن يقدم لهم سلاح، لكن الشباب الثلاثة رفضوا لأنهم يعملون بالخضرة ولا يريدون مشاكل دخلوا وأغلقوا الباب بعد ساعة تماماً خرج صوت رصاص كثيف ولم نعد نعرف من أين يأتي الرصاص. نزل المسلحون من أوستراد الخرافي الذي يصل أريحا باللاذقية ومن جهة أوستراد الحفة.
مساء الخميس سمعنا إطلاق رصاص كثيف وصراخاً، لم نعرف ما يحدث ولم يجرؤ أحد على الخروج من المنزل. رش رصاص أسلحة ثقيلة دوشكا على الطرقات وكنا نسمع صراخ شباب اشتباكات ثم هدأ الوضع، عند طلوع الفجر كان هدوء من الساعة 6 للساعة 7ونصف، ثم بدأ اطلاق نار كثيف من مدخل القرية. هجموا. صار الضرب على بيوتنا بالأسلحة الثقيلة، حبسنا حالنا بزاوية الصالون. ضرب وصراخ آخر طلبت من أطفالي قراءة الشهادة لأننا عرفنا أنهم أتوا لقتلنا، دقوا الباب، اقترب زوجي ليفتح لهم لكنهم أطلقوا النار عليه من خلف الباب، وكانوا يصرخون (هاتوا شهداءنا يا كلاب). قال زوجي (لا يوجد لدينا شهداء أو سلاح) ثم صرخوا فينا، طلعوا كلكم لبرا رجال ونساء طلبوا من زوجي وابني الصغير وأخوات زوجي يروحوا على الساحة وراح بعضهم. قلت للمسلح دخيلكم بوس أجريكم ابني صغير كتير رجعوه عمره 14 سنة بس رجعوه، ما ردوا علي. واحد من المسلحين رش رصاص فوقنا وتحتنا بقيت أنا وبنت عمي وسلفتني وابنها عمرو سنة ونص وعمي قلو رجاع لمحلك حجي، رجع، حط السلاح براس بنتي وقال بدنا الذهب والمصاري قلتلوا ما في عنا دهب، قامت سلفتي بإعطائه كل شيء معها مصاري، وسرق أربع موبايلات منا ومصاري. لكنهم أرجعوا لي ابني. أغلقنا بابنا وقعدنا نسمع صراخ وضرب ولم نعرف ماذا يحدث في الخارج. مر يوم الجمعة رعب كبير والسبت والأحد لم يهدأ الرصاص. الأحد الصبح سألنا عن الشباب، الناس قالوا لنا أن الطريق ممتلئ بالجثث. في الصباح أتى أخي وقال لعمي بسلامة راسك الأخوة الثلاثة قتلوا. من حارتنا قتل 17شاباً وكل عائلة دفنت شبابها في قبر واحد، عندما حاولت النسوة الاقتراب من جثث أولادهن أطلقوا النار باتجاههن. ثم سمح لنا بدفن موتانا وكانوا يقولون (قبروا فطايسكم بهدوء)، الحارة جميعها ساعدت لسحب الشهداء ودفنهم، أطلقوا رصاص كثيف خلف بيتنا وأطلقوا هاون على البيوت نزل في أرض، لكن لم يتأذ أحد من الهاون طلعوا لفوق الطريق من الجمعة للأحد لسحبنا الجثث عن الطريق ودفناها، وصاروا يجيبوا سيارات من إدلب فيها نسوان ليتعرفوا على الشباب.
كانوا عاملين حواجز حماية للضيعة، لا أحد يعرف من دبر هذا الأمر، لم يعرف أهل القرية هل هي حواجز حماية أم مداهمة، لأن من كان مشترك بالعملية من أهل الضيعة هرّبَ أهله وعائلاته من القرية ثم بدأوا الضرب فيهم، أرسلت الهيئة مؤزارة فصائل الحمزات والعمشات وغيرهم وفعلوا ما فعلوه بالبيوت، ثلاث أيام متتالية بقوا يهجموا على بيوت الضيعة. أهانوا النساء وشتموهن وتهجموا عليهن، وسرقوا البيوت كلها وحرقوا عدداً كبيراً من البيوت والمحلات والسيارات، ثم أتى الأمن العام وأخرجهم من القرية. قيل لنا أن الأمن العام يقوم بتحقيقات الآن ويلاحق المطلوبين، لكننا متأكدون أن هناك أحد غريب وراء هذا الأمر، وللأسف الأمن العام أيضاً يقوم بتخويفنا، يوجهوا السلاح على الأطفال والنساء ثم يطلقون الرصاص في الهواء، ويعملوا حواجز حتى لا تأتي الفصائل. نحن نريد أن نعرف لماذا من يحكم سوريا لا يقدر على التحكم بالفصائل منذ يوم إسرائيل ضربت الفصائل في منطقة اسمها العصافيري نقلوهم لمنطقة اسمها سقوبين يهاجمون البيوت للسرقة، الأمن العام لا يسمح لهم، ابن عمي استشهد وثلاثة من أخوته، نريد حكم قوي يعيد الأمان للناس، الأطفال يعيشون برهاب ورعب كبير، أطفالي لا ينامون، بعد قتل والدهم لا أجرؤ على الذهاب للعمل وتركهم، هناك أم قتلوا ابنها عندما نادته ياعلي فقط لأن اسم ابنها علي قتلوه أمام أمه، منذ سقوط النظام ونحن نتعرض للإذلال وللشتائم الطائفية.
تقول السيدة: بعض الضيع التي حدثت فيها المجازر المختارية، الشلفاطية، الشير، صنوبر جبلة، وضيع بانياس وجبلة وطرطوس وبرابشبو، لكن في ريف اللاذقية صنوبر جبلة كانت الضحايا أكثر. تتابع السيدة في المختارية ساق المسلحون النساء والأطفال والرجال إلى ساحة وقتلوهم.
أخي وزوجته (عمر الزوجة 37) كانا في قرية صنوبر جبلة في بيت حماه وكان هناك أخ زوجته وصديقه كانوا ثلاثة شبان وبينما كان أخي و زوجته في غرفة بالبيت دخل عليهم المسلحون وهم يطلقون النار عندما رأهما المسلح وهو يطلق النار قال لزوجة أخي ابقي هنا سوف نأخذك سبية خرج المسلح من الغرفة شدت زوجة أخي من سترته وقالت له دعنا نهرب الآن قبل ان يعود لكن عندها سقط جسد زوجها بجانبها اذ لم تكن تعرف أنه تلقى رصاصه في رأسه اختبأت في اقصى زاوية تحت سرير بقيت مختبأة لساعات حتى تأكدت أنهم غادروا عندما خرجت من مخبأها شاهدت أخوها وصديقه مقتولين.
عندما سألنا السيدة عن وضع الأطفال أجابت الخوف والرعب تغلب على الحزن في الأسابيع الأولى ثم بدأ الأطفال يفتقدون والدهم وخالهم، الأطفال لا ينامون من الرعب.
خاصة أن قوى الأمن العام أتت لتحمي القرية لكن حتى هم يخيفون الأهالي بإطلاق الرصاص أمام الأطفال والنساء على الأوسترادات لا نريد شيء غير الأمن والأمان.
قيل لنا إن الفصيل الذي قام بالمجزرة ذهب لكن هناك فصيل آخر متمركز في قرية سقوبين هناك سيدة بيتها قريب من ثكنتهم تركت منزلها وانتقلت إلى قرية أخرى خوفاً منهم لم يعد أحد.
قبل أن تحدث المجزرة كان هناك رجال أقاموا حواجز وقتلوا عناصر من الأمن العام الحواجز من شهر هناك من دفع أموال ليتم قتل العلويين لا نعرف.
سقوبين قرية مختلطة فيها علوية وسنة وأدالبة وحلبية قاموا بسرقة الناس هناك وقتلوا العلوية فقط منهم. بالنسبة لي ولعائتي لا نريد الحرب نريد الأمان فقط لا نريد الطائفية أنا أعمل مع زملاء من السنة وعلاقتي بهم جيدة جدا أتوا وقاموا بواجب العزاء. كنا رضيانين بالنظام الجديد حتى بدأ التحريض من خارج سوريا .
الرميلة
تقول السيدة (أم علاء) اخذو ا أولاد أختي المقيمة في الرميلة بجبلة أخذوا ابنها الأول قبل شهرين والثاني كان يعمل في الأرض، أخذوه منذ يومين، ولا نعلم عنهما أي شي منذ ذلك الحين أما أختي الثانية فقد قاموا بحرق منزلها ومنزل أولادها الثلاثة وقاموا بسرقة بيت ابنة أختي.
الشير
أم محمد: ولدي أرسل لي قبلة الوداع.
تقول السيدة (أم محمد) العمر 41 سنة استشهد زوجي وعمره 50 سنة وهو مزارع وابني طالب جامعي كان سيتخرج من الجامعة عمره 23سنة كان يدرس الحقوق وسلفي استشهد وعمره 47 سنة وكان صاحب دكان.
هجموا علينا من الصبح 7آذار يوم الجمعة أول فصيل دخل إلى القرية وهو يصرخ يا علوية يا خنازير وين السلاح فتح لهم زوجي. كان زوجي وابني وسلفي في البيت.
أتى فصيل ثاني أخذ أجهزة الموبايل وسرق وهو يصرخ يا علوية يا خنازير انزلوا زوجي وسلفي وابني ثم عاد ابني وهو يبكي وقال لي ماما بدهم مفاتيح سيارتنا سألته لماذا يبكي قال ضربوا بابا على رأسه بكعب البارودة ورأسه ينزف دم انزلونا أنا وسلفتي وهم عم يطلقوا الرصاص بين أرجلنا أخذوا سيارتنا ووضعوا زوجي وابني وسلفي فيها وانطلقوا بين البساتين ولدي أرسل لي قبلة من السيارة وهو يودعني، بقيت أبحث عنهم يومين كاملين، ثم جاء فصيل ثالث كبير قلت لهم أريد أن أبحث عن زوجي وابني وسلفي ابني أخدوا ثيابه قلي خلي النسوان يساعدوك بدفنهم بلا صوت وعند البيت هون رجعنا وقت قلي فيكي تدفني ممنوع يطلع صوت وإلا رح نرميهم بالبحر لأن السمك جوعان بالبحر. عمي عم زوجي قتلوه مع أولاده الثلاثة واحد دكتور وتنين مهندسين قتلوهم جميعاً.
رحنا جبناهم أول شي لأنهم أقرب، جبناهم الأربعة، نقلناهم بعربات الليمون على أرضنا حطيناهم بالأرض والفصيل موجه السلاح علينا رحنا لنجيب زوجي وسلفي وابني كان في رتل كبير هاجم ثلاثة سيارات كبار فيهم نساء مجاهدات منقبات أتين لعند العناصر وقلن لهم اقتلوا النساء والأطفال ما تتركوا أحد حياً.
ما قدرت جيب سلفي وزوجي وابني ليوم 9 الشهر لأن كان في منع تجول ضربوهم كتير للساعة عشرة جابلنا ياهم أخي، كمان رتل جديد هجم تالت يوم قالولنا أنهم العمشات صرخوا علينا النسوان على الحيط وهم عم يقوسوا اخدوا الرجال الذين أتوا لمساعدتنا نزلوهم مسافة كبيرة. قال أخي لهم معي أمر من الهيئة بدفن الجثث قالوا بترجع بلا صوت بتدفنهم مع ثلاث نساء فقط هون بيت عم زوجي النساء والأطفال تركوا الضيعة كم يوم أنا ما طلعت من بيتي بقيت أنا وسلفتي ضلينا بالبيت وضلوا عناصر الرتل عم يراقبونا كل الوقت منشان ماحدا يصور ضلو يقوسوا على الشابيك آخر شي بلغونا أنو الأمن العام وصل. نفسهم كل الفصائل لابسين نفس اللبس اللباس العسكري واللباس الأسود.
كان معهم هاون و23 سرقوا كل شيء استشهد 65 رجل وشباب صغار بعمر 14 -15-18 عاماً ابن خالي ابنه طالب بكالوريا قتلوهم عائلة كبيرة مكونة من تسعة أشخاص قتلوهم وأخدوهم معهم كي يرمونهم بالبحر العائلة من بيت مرتكوش وعاطف الشيخ قتلوه وأخدوا جثمانه أخذوا كل السيارات بالقرية والسيارات التي لم يأخذوها دمروها تدميراً كاملاً سرقوا كل شي وحرقوا عدد كبير من البيوت.
أيضاً كان هناك مصابين ماتوا لأنهم لم يسمحوا للهلال الأحمر بالدخول إلى القرية وعمي أخو أبي وحيد قتلوه وقتلوا ابنه الوحيد لأن أخاه كان قد استشهد في الحرب و هو قتلوه قبل أن يسافر بعدة أيام حصل على الفيزا وكان سيسافر، وصهر عمي زوج ابنته قتلوه أيضاً وقتلوهم، كان مع المسلحين واحد من الصليبة، أطلقوا النار على ابنة عمي فقال لهم أنا أسعفها على المستشفى وبعد أن قام بتشغيل السيارة و تقدم بها قليلا عاد وقتل أبوها وزوجها وأخوها الوحيد، أطلق عليهم الرصاص، وهي أخذها إلى المشفى واحتجزها وقلها إذا بدك ضلي بأمان لازم تعيشي سنية ومع السنة لأن العلوية خنازير، لكن بعد ما طلع من المشفى أتت طبيبة سنية بالمشفى وساعدتها لتوصلها لعيلة سنية هربوها خارج المشفى وقت رجع يسأل عنها قالوا هربت من المشفى بالليل لا نعرف أين ذهبت، تتابع السيدة أم محمد تقول من تقلوا زوجي وابني وسلفي من أهل البلد من الصليبة والسكنتوري في فيديو الهم وهنن عم يعذوبهم ويقتلوهم زوجي قالوا له عوي قال لهم فشرتم نحن ما منعوي.
الزوبار
تقول السيدة (دانة )50 عاما من قرية الزوبار: من أهل زوجي استشهد 14 شخص من زوبار التي تقع على طريق حلب، بعضهم استشهد خارج القرية.
وتقول السيدة (شيرين) 40 عاماً من الزوبار: دخل فصيل إلى القرية يوم 7 آذار الساعة 8 والربع صباحاً جمعوا شباب القرية كلهم في الساحة وبدأوا بتعذيبهم وأطلقوا النار على أرجلهم أثناء التعذيب وبقوا تحت التعذيب من الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الخامسة من بعد الظهر أصيب عدد كبير من الشباب وسيدة أسعفناهم بعد خروج الفصيل إلى المستشفى، من عائلتي خرج ثلاثة شهداء. وتقول السيد هناك 8 شهداء من القرية بينهم طفل في الثانية عشر من عمره.
وعندما سألنا مختار قرية الزوبار ماذا تريدون أو ماذا تحتاجون أجاب أنهم لايريدون شيء غير الأمان على الرغم من فقرهم الشديد وحاجتهم الماسة لمعظم ضروريات الحياة.
أسقبله
في قرية أسقبلة تحدثت زوجة شابة اسمها نايلة لصالون سوريا قائلة: إنها بقيت مختبئة في الأحراش الجبلية ثلاثة أيام هي وأطفالها الصغار وعدد كبير من النساء والأطفال ومعظم أهالي الضيعة فعلوا الشيء نفسه هرباً من الفصائل، وتقول إن قريتها بقيت خمسة أيام بلا ماء أو كهرباء او اتصالات، استشهد من قريتنا 10 شهداء منهم عائلة كاملة كانت تقيم في حي القصور في مدينة بانياس، وهي زوج وزوجته وابنه الشاب وأخ الزوجة.
برابشبو
تقول السيدة (هالة) من قرية برابشبو: حدثت المجزرة لدينا يوم الأحد 9 آذار لدينا 45 شهيد وعدد كبير من المصابين، لقد هربت في الأحراش عندما عرفت أنهم قادمون وتمكنت من إنقاذ نفسي، لكن والدي كبير في السن وعاجز لم يتمكن من القدوم معي.
تقول هناك 500بيت في القرية، يوجد 27بيت محروق منها وعدد كبير من البيوت خُرِبت وبحاجة لإصلاحات كبيرة، والماء منذ أكثر من 25 يوم مقطوعة، لأن مضخة المياه سرقت، لكن أولاد الحلال يقدمون لنا ماء بالصهاريج لأن مواسير المياه خُرِبت وحُطِمت، القرية في حالة فقر شديد كل شيء محطم نحتاج إلى أغذية وأدوية وحليب للأطفال.
المختارية
تقول سيدة من المختارية هناك 250 شهيد دفن منهم عند استشهادهم 168شهيد، ولايزال هناك عدد كبير من الجرحى.
ملاحظة:
العدد الأكبر من الأشخاص المقتولين هم من الذكور. بعض القرى قُتِلَ معظم ذكورها، لم يوفر القتلة النساء والأطفال والعجائز. للأسف يحصل اليوم ما كان يحصل أيام النظام السابق، لا يسلم جثمان مفقود في مشافي الساحل إلا بعد توقيع الأهل على وثيقة تقول إن من قتله هم فلول النظام.
ملاحظة هامة أخرى
عدد من الناجين وأهالي الشهداء تحدثوا عن سرقة الأوراق الثبوتية لأهلهم المقتولين، من هويات وجوازات سفر ودفاتر عائلة وسندات ملكية.
بين الأمس واليوم
سبق وتعرض عدد من قرى ريف اللاذقية لمجازر في 4 أغسطس عندما قامت المعارضة السورية في ريف اللاذقية بعمليات إعدام ميداني وإطلاق نار عشوائي واتخاذ رهائن من النساء والأطفال. وبحسب تقرير هيومن رايتس قتل 190 مدنياً بينهم 57سيدة وما لا يقل عن 18 طفلاً و14 رجلاً مسناً الأدلة تشير إلى أن هؤلاء قتلوا في اليوم الأول للعملية وهو 4آب أول أيام عيد الفطر من عام 2013.ما عرف لاحقاً بآب الأسود.
اليوم معظم أهل الساحل لا يشعرون بالأمان، وهم قلقون على مستقبل أبنائهم وبناتهن حيث تعرضت خمسون سيدة للخطف حتى الأن بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
بواسطة رانيا كرباج | أبريل 14, 2025 | Cost of War, News, Reports, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
حين نتأمّل المشهد السوري بعد عدّة شهورٍ من التحرير، ألا يبدو واضِحاً أنّ الاستبدادَ مُنتَجٌ محلّي الصنع، و ليسَ بحاجةٍ إلى داعمينَ عرب أو أجانب؟ لقد كبّرناهُ كلّ شبرٍ بندرٍ، إلى أن تعملَقَ و التهمَنا، هل تراه صنيعة نصف قرنٍ من الديكتاتورية التي جثمت على الصدور واستبدّت بالناس ومنعتهم من التنفس خارج سرديّتها، أم أنّه صنيعة نظام اجتماعي قبلي أبوي مرتبط بثقافة منطقتنا؟ أو ربّما الأصح الإثنَينِ معاً.
يُقالُ إنّ كلمة مُستبدّ باليونانية “ديسبوت” مُشتقّة من “ديسبوتيس” التي تعني ربّ الأسرة، أو سيّد المنزل، يبدو أنّه بالنسبة لليونان الاستبداد نظام اجتماعي يُربّى في البيت ثمّ ينطلق ليتحوّل إلى نظامٍ سياسيّ حيث الحاكم يُمارس سلطتَهُ الأحاديّة الاستبداديّة على منوالِ ربّ البيت، الفرقُ أنّ الأخير ربما يحمل في قلبِهِ تجاهَ أهلِ بيتِه بعضَ الشفقة، بحسب اليونان كذلك، فإنّ بذرة الخنوع تُسقى في البيت، حيث الاستسلام المُطلَق لسلطة الأب الواحد، يشكّل العائق الأكبر أمامَ نمو و تبلور شخصية أبنائه, هذا التبلور بحاجة إلى حريّة الإصغاء إلى الذات, و حرية التعبير عن الذات, وصولاً إلى حرية المُعارضة، أمّا الكبت الذي يفرضُهُ نظام اجتماعي يضيّق الخِناق على كل من يحاول أن يتنفّس خارج مفاهيمِه، فإنّه يؤدي إلى تربية شخصيات ضعيفة سوف تُماهي في المستقبل بين سلطة الأبّ و رجل الدين و الحاكم، وصولاً إلى سلطةِ الربّ المُتعالي، فإما أن تختارَ الخضوعَ المُطلَق، أو التمرّد والغضب المُدمّر، وإلى ما هنالكَ من التشوّهات.
بالعودة إلى القاموس العربي الإسلامي، نجد أنّ الاستبداد لم يحمل في طيّاتِه مفهوماً سلبيّاً، وهو إنّما يشيرُ إلى الحزم والعدل في تطبيقِ القانون، حتى إنّ المُفكّر وعالم الدين المصري الإسلامي “محمد عبده ” ذهبَ إلى أنّ الشرق بحاجةٍ إلى ما يسمّى ب” المُستبدّ العادل” القادر على إصلاحِهِ و تهيئَتهِ من أجلِ مرحلةٍ أكثر ديمقراطيّة، لكن هل هذا يعني أنّنا غير قادرين على العيش خارج مظلّة النظام الأبوي التراتُبي، حيث لا سلطةَ فوقَ رأسكَ، و عليك أن تكونَ سيّداً حرّاً يتحمّل مسؤولية هذه الحريّة. ربما رسّخ مفهوم الخلافة في الإسلام السلطة المطلقة للحاكم، على اعتبار أن الخليفة يستمدّ شرعيّته من الله مباشرةً، لكن لبعض المؤولين رؤية مختلفة فيما يخص فكرة الخلافة في القرآن الكريمِ, فالإنسان هو خليفة الله على الأرض، وهبهُ حقّ التصرّف بها حسبَ إرشاداتهِ و أوامرهِ، الإسلام من هذا المقام لا يحصر الخلافة بفردٍ أو طبقة، بل يحيلها إلى جميع أفرادِ المجتمع، كلّ بحسب موقعِه، بالتالي فإنّ أفراد المجتمع الإسلامي كلّهم خلفاء وشركاء في تسيير دفّة بلادهم، لا بدّ أن نتساءل هنا: هل الطبع القبليّ الأبوي غلب التطبّع الذي جاءت به الرسالة المحمّديّة؟ أم أنّ الفهم السطحي لها ساعد على ترسيخ المفاهيم المتوارثة؟ لقد بشّرتنا مقولة “ارفَعْ راسَك فوق أنتَ سوري حرّ ” ببداية حقبة جديدة في سوريا تقوم على احترامِ الإنسانِ بعيداً عن التصنيفات و التراتبيّات الاجتماعية والسياسية والدينية، لكن تحوّل شريحة كبيرة من الثورة المطلقة إلى الموالاة العمياء للحكّام الجدُد لا يبشّرُ بالخير، إذ يبرهن على حاجتِنا اللاواعية إلى حاكمٍ جديدٍ تتماهى صورَتهُ مع الأبّ كي نشعرَ بالأمان.
على النقيضِ من ذلك، يذهب عبد الرحمن الكواكبي في كتابهِ “طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد” إلى أنّ الإنسان مأمورٌ بمقاومةِ الظلم و مجابهتِهِ، لأنّه من غير الجائز أن يقبلَ المؤمنُ بعبوديّةٍ لغير الله، و إذا ارتضى لنفسهِ بالذلّ و قبلَ بالظلم دون أن يثورَ عليه، فإنّ عقابَهُ لا يقلّ عمّن مارس الطغيان وذلكَ استناداً إلى قوله تعالى “و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار”.
المُلفت كذلك في التجربة السورية، هو تخوين الطبقة الرمادية، تلك التي صمتَت لأسبابٍ متعدّدة، كذلك الطبقة التي كانت علاقتها بالحاكم بعد التحرير معتدلة، بانتظار أن تحكم على الأفعال و ليس الأقوال، وكأنّ خيانة الحاكم الرمز تحيلُنا إلى خيانة الأب و بالتالي الربّ. من الملاحظِ كذلك غياب أو تغييب العقل النقدي عندما يكون الحاكم من نفس طائفةِ المحكوم، فالأخير يكون أقدر على حمايته, إذ إنّه أقرب إلى الربّ الذي خلقه، لكن أليس من الأجدى أن يكون الولاء للوطنِ بتاريخه و جغرافيّته وتنوّعه ومصالحه الكبرى والصغرى، أليسَ تدمير المدن والقرى والبُنى التحتيّة والجيش والمؤسّسات والاقتصاد وكرامة الإنسان السوري، هو أعظم خيانة!
قد يكون للحاكم المُستبدّ دورٌ في تزييف الولاءات والأولويات، و قد تقومُ بهذه المُهمّة قوى أخرى، صاحبة مصلحة في خلط الأوراق وذرّ الفتن، أمّا تشويه التاريخ فهو الخطوة الأهم من أجلِ إنتاجِ شعبٍ بلا جذور، وبالتالي بلا هوية، يسهل تحويل ولائهِ وانتمائهِ الطبيعي إلى وطنِه، إلى ولاء و انتماء مُطلق إلى حاكم واحد، على منوال الإله الواحد، كما تسهل شرذمتُهُ وزجّه في حروب و صراعات طائفية ومحليّة، هنا تتلاقى مصالح الاستبداد والاستعمار، أما غياب خطاب وطني جامِع، يوحّد السوريين حول تاريخ وجغرافيا وثقافة مُشتركة، هوبالتأكيد مسؤولية النظام الحاكم، والذي أدى ربما إلى غلبة الخطاب الديني أوالطائفي، طالما تمّ إخصاء انتمائنا الأوسع لأرضنا، سوف نتعلّق بالتالي بانتماءات طائفية ومناطقيّة وقبليّة أضيق.
لقد انقسم السوريون بعد اندلاعِ الثورة إلى موالينَ للنظام ومُعارضينَ أو ثوّار. كان تعنّت رأسِ الحكم سبباً لاقتِتالِهم أربعة عشر عاماً، ارتُكبَت خلالها الفظائع على الأرض السوريّة، أمّا اليوم بعد سقوط السبب الرئيسي للمقتَلة، تشهدُ البلاد شرارة صراع وتقسيم على أساس طائفي، تمخّضت عنه مأساة الساحل السوري، حيث تعاملت السلطة القائمة بنفس عقلية السلطة البائدة، من حيث القضاء على ما تعتبره البيئة الحاضنة لأي تمرّد بما فيها من مدنيين وأبرياء. يذهب البعض إلى أنّ زوال رأس الاستبداد الذي كان يعتمد على القمع في تثبيتِ حكمِهِ أدى إلى الانفلات وظهور التشوّهات التي كان عليه أن يعالجَها عوضاً عن كبتِها، و هذا صحيح من ناحية لكن من ناحية أخرى من غير المجدي إنكار الأيادي الخبيثة والمصالح الخفيّة التي عبثت بالأرض السورية، فكل حديث عن الاستبداد لا يأخذ بعين الاعتبار الاستعمار هو رؤية قاصرة. قد يكون الاستبداد أداة الاستعمار، و قد يكون لكلّ منهما أجندة مُختلفة لكنّهما في المبدأ متّفقان و لديهما أعداء مشتركون هم الشعوب و الأوطان.
يتحدّث عبد الرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد” عن الاستبداد والدين، الاستبداد و العلم، الاستبداد والمجد و المال و الأخلاق و التربية و الترقّي، إلخ. ربّما ناهضَ الكواكبي الإستبداد و فضحَ أساليبَهُ في استعبادِ الشعوب لكنّ المُفكّر والفقيه الحنفي وأحد روّأد النهضة العربيّة كان يقارع في الحقيقة الاستعمار العثماني الذي مارسَ سياسة القهر و تشويه الهوية على شعوب المنطقة، أيّ أنّه قارعَ استعماراً مُستبدّاً، و أيّ قدرٍ أسوأ من أن تقع المنطقة تحت قبضة طغيانِه المزدوجة، وإن تغيّر اللاعبونَ على أرضِنا فإنّ قيدَنا واحد.
لقد لاحظنا كيف قامَ الثوار بتكسيرِ تماثيلِ المُستبدّين مُعلنين بداية حقبة جديدة عنوانها “الحرية”، هناكَ رغبة لاواعية في التحرّر من التراتبيّة الاجتماعية الأبوية التي أحالتنا إلى عبيد لكن تلك الرغبة بالتحرّر تظلّ غير فاعلة طالما أنّها تعيد بناء نفس النظام الاجتماعي والسياسي لكن برموز ورؤوسٍ جديدة, فالتحرّر من رأس الإستبداد يستوجب التحرّر من ثقافةِ الإستبداد, ليعودَ الناسُ متساوون في الحقوق و الواجبات بغضّ النظر عن موقعهم في تراتبيّة السلطة.
أمّا الحرية بفهومِها الأعمق فلا تقومُ إلا إذا كانت بوصلتَها الأخلاق، بمعنى أدقّ، السمو بالأخلاق. يفقد النضال من أجلِ التحرّر قيمتَهُ ومشروعيّتهُ عندما يعيدُ إنتاجَ عقلية سجّانيه، علماً بأنّ المستبد سيلجأ بكلّ الوسائل إلى توريطِ مُعارضيه، إنّها طريقتهُ الوحيدة من أجل الدفاع عن نفسهِ، فهو لا يملكُ أن يحارب من يحمل قيَماً و مبادئ أخلاقية أعلى إلّا إذا جرّه إلى مستنقع الشرّ الذي يسبحُ فيه.
قادَ نلسون مانديلا نضالَ شعبهِ ضدّ التمييز العنصري لكنه بعد ربعِ قرنٍ من السجن أعلنَ وقف الكفاح المُسلّح ودخل في مفاوضات مع رئيس جنوب أفريقيا الأبيض ويليام ديكلبرك. لقد اختار مانديلا النضال من أجلِ الحرية بكل ما تقتَضيه الرحلة من آلام، وثّقها في كتابه “رحلتي الطويلة في طريق الحريّة”، ربّما مقولتَهُ الشهيرة تلخّص هذه التجربة: ” حينما خرجتُ من السجن كانت مُهمّتي هي تحرير الظالم و المظلوم، تحوّلت مهمّتي لحرية كل الناس، بيضاً و سوداً، فقد كنتُ أعلمُ أنّه لابدّ من تحرير الظالم من الكراهيةِ والتحيّز و ضيق الأفق.” الحرّ الحقيقي إذن هو من يحرّر الآخر كي يتمكّن من شقّ طريقه بقوّته وإرادته الحرّة، وليس من يقرّر عنه، أمّا مقولة “من يحرّر يقرّر” التي تداولَها السوريون إبان التحرير فهي مقولة مسطّحة و تنقض نفسها بنفسها.
تنبّأ الكاتب و الصحافي والسياسي السوري ميشيل كيلو أنّ سوريا بعد سقوط الإستبداد ستمرّ بثلاثةِ مراحل إلى أن تصل إلىَ الديمقراطية: المرحلة الأولى ستكون وطنية جامعة مهمّتها اجتثاث الاستبداد من السياسة والمجتمع والتربية والاقتصاد والنفوس، ثمّ مرحلة تنظيم المجتمع على أسس ديمقراطي، و تغيير طبيعة المؤسّسات لتعملَ بالقانون. كي نصلَ إلى النظام الديمقراطي بحسب ميشيل كيلو، نحن بحاجةٍ إلى حلّ مشكلة الطائفية، وإخراج العنف من المجال العام، و التوزيع العادل للدخل الوطني، كما أنّنا بحاجةٍ إلى لملمة مجتمع تمزّقه القوميات. لمّح ميشيل كيلو إلى الفيدرالية ولم يستبعد قيام دولة إسلامية. بحسب ميشيل كيلو، والذي هو أحد مُنظّري الثورة السورية، علينا أن نبدأ باجتثاث ثقافة الاستبداد. أعتقد أنّه التحدّي الأصعب، و ما لم نعبر هذه المرحلة بنجاح سوف نستمرّ بإنتاج أنظمة سياسية على صورة ومثال النظام الاجتماعي المُمسك بخناقِنا. لقد افترض ميشيل كيلو أنّ التغيير سيبدأ من رأس الهرم، أي السلطة الحاكمة، ليطال كافة مناحي الحياة، مُفترضاً أن من سيصل إلى الحكم في سوريا هم ثوّار أحرار، و سيوصلون سوريا إلى برّ الحرية المنشودة.
من المعروف أنّ الثورة في سوريا قامت ضدّ نظامٍ استبدّ بشعبهِ وقتله واستأثرَ بالسلطة مما جرّ البلادَ إلى بحر الدمِ والتدخلات الخارجية والفصائل الأجنبية والتقسيم لذا فإنّ التحدي الأكبر الذي يواجه السلطة القائمة اليوم هو قدرتَها على الخروجِ من وصمة الاستبداد التي تلاحق هذه البلاد، و هذا لن يتمّ إلا عندما تتحرّر من نظرتِها الأحادية للمعضلة السورية، عن طريق إشراك كافة الأطياف السورية و تبنّي وجهات النظر والمظلوميات المختلفة من أجلِ ايجاد سردية سورية تلمّ الشمل الممزّق و تعيد بناء دولة المواطنة التي تمثّل آلام وتطلّعات كل الفسيفساء السوري المتداخل والمتكامل في آن واحد معاً.