التشكيلية السوريّة يارا عيسى تستلهم الألم السوري

التشكيلية السوريّة يارا عيسى تستلهم الألم السوري

تعملُ التشكيلية السوريّة يارا عيسى (1989) من وحي الألم السوريّ، إنّها تُعيد إنتاج ذاكرة الحياة الضاربة بالحرب واللجوء، تُعيدها بصيغة إنسانيّة، كان لها أثر كبير على حياتها الشخصيّة، كما شعرنا من خلال حديثنا معها. فهي المُتخرجة من كلية الفنون الجميلة عام (2016) جامعة دمشق، والتي عاشت الأحداث السّورية بشكل جوهريّ عبر بوابة العمل الإغاثيّ الإنسانيّ، حتى أواخر العام 2018. واليوم في باريس ضجّت ذاكرتها بآلاف الصور عن سوريا وعن السّوريين وعن الأحداث الرهيبة التي عاشوها، والتي كانت هي جزءاً منها، لم يكن ثمّة طريقة لفهمها ومواجهتها على ما يبدو سوى بالفن.

بالنسبة لـيارا التي تجمّع تلك المرايا المكسورة في داخلها، هناك اقتراحات جديدة تقدمها للعالم، وهذا الحوار فيه محاولة مشتركة بيننا وبينها لقراءة أعمالها ومواكبة تجربتها التي تحضّر فيها حالياً لإطلاق أعمال فنية ضمن معرض مقبل في فرنسا:

هل تلخّصين لنا ما هي هذه التجربة؟ متى سوف تكتمل؟ ومتى من المحتمل أن تظهر للضوء؟ هل سيكون لها امتدادات على مستوى الأسلوب ومعالجة الفكرة؟

يارا: اسم التجربة التي أعمل عليها حالياً هي “الأزرق لم يعد آمناً بعد الآن” (The Blue is not save any more). من المحتمل أن تكتمل خلال هذا العام وأن تظهر قريباً للضوء. بعد البدء ها هنا، أشعر أنّني أكتشف عوالمَ وتقنيات أخرى، وبالتالي أعتقد أنّ هذه التجربة بالنسبة لي ماتزال غنية بالمساحات المليئة بالحرية على مستوى الفكرة.

شعرت أنّ الجسد في معظم أعمالك هنا يعيش في ضجيج مشّوش من التفاصيل، هناك مجموعة من الأجساد؛ هي لأشخاص بأعمار متفاوتة، على وجه التحديد: في أحد أعمالك يبدو بأنهم قد سجوا على بحر أو سماء أو أزرق ما تتركينه أمامنا لاحتمالات إنسانية تجعلنا نرى الأجساد كأنها ذكرى، ترى من هؤلاء؟ ولماذا يجتمعون بهذا الحزن؟ 

يارا: السّماء والبحر هما فسحتان مليئتان بالتناقضات؛ الأمل والموت، الحبّ والحرب، القُرب والبُعد، المنفى والوطن، الأمان والخوف، الوجود والعدم. كلّها تناقضات جمعتها تلك المساحات الزرقاء والتي منذ أن بدأت الحرب في سوريا عام (2011)، تحوّلت تلك المساحة إلى فضاءات غير آمنة للسوريين. اكتظت السّماء بالدخان، والبحر قام بابتلاع المئات. وصرنا نستطيع استشعار الخطر في أيّة جملة تتضمن كلمات كالبحر والسّماء، على الرغم من أن تلك المساحات الزرقاء كانت مدعاةً للسلام. أمّا فيما يتعلق بأعمار الشخوص التي تقدمها أغلب الأعمال، فقد حاولت أن أنقل جميع الفئات العمريّة من الأمان إلى العدم، فالحرب في مساحاتها لم ترحم حتّى الأطفال أو الرضّع.

إذاً، نحن أمام مواجهة فنيّة لأمكنةٍ غيّرت إلى حدٍّ ما دلالاتها بسبب الحرب في سوريا، هل نعتبر أنّك تقترحين المواجهة مع الذاكرة من أجل التحرّر من الألم الجمعيّ أم ماذا؟

يارا: يمكنك أن تعتبر هذه الأعمال توثيقاً للذاكرةِ العاطفيّةِ ضمن تشكيلاتٍ لونيّة وسياق عمل فنيّ مُتصل يسمح لنا بالتخيل والمشاهدة العاطفية عن بعد. وكأنّنا ننظر من السّماء إلى البحر، أو من البحر إلى السماء لنجد أنفسنا نخوض تلك التجربة العاطفيّة مع أبطال هذه الأعمال الذين لم يمتلكوا كثيراً من الخيارات؛ فإمّا الموت بفعل القنابل تحت السّماء أو الغرق في البحر طمعاً بالنجاة. إنّ هذه الشخوص والإيحاءات التعبيريّة؛ سواء في ملامح الوجوه أو في تعبيراتِ الجسد، ما هي إلا محاولة لإيصال التناقضات العاطفيّة والتي كوّنت بدورها هذا المزيج بين الحزن، والفرح، والأمل، والخيبة! سوف نرى هذه الحالات العاطفيّة تتوارى وتظهر لنا على اللوحة من خلال تداخل الألوان والخطوط، وانتهاكها في بعض الأحيان خصوصية الأزرق لتعطيه طاقة انفعاليّة وردَّ فعل قاسياً وعاطفياً، وانعكاسُ ردّ الفعل على الجمهور كما المرايا المكسورة المُعاد تشكيلها إذاً هو توثيق وانعكاس لعواطفنا نحن من عانينا من الحرب.

لاحظنا تقارباً في تكون بعض الأعمال لجهة التشكيل الأول لهويتها، والذي ما يلبث أن يقدم ذلك التشكيل انزياحاً لولادات غريبة في ذات العمل، إلى أيّة درجة نستطيع القول إنك تعودين لأعمالك تبعاً لظروف ما، من أجل وضع لمسة أخرى عليها.. ومتى تشعرين أن العمل قد تشكل تماماً؟

يارا: التقارب هو بسبب وحدة الحالة العاطفيّة التي تجمع هذه الأعمال، إنّها حالات عاطفية مستوحاة من معاناتنا كأناس من الحرب، ومستوحاة من تجربتي الشخصيّة على اعتبار أنّني بقيت في سوريا حتى منتصف عام (2019)، وقد كُنت على تماس مباشر مع الأحداث والنزاعات على الأرض، أضف إلى أن ذلك ينبع -أيضاً من كوني سورية في الدرجة الأولى وعملتُ مع المنظمات الحقوقيّة والإنسانيّة هناك. بالنسبة لنضوج العمل الفني، أعتقد أنّه يتطلب وقتاً وممارسة طويلة الأمد، وتلك الممارسة توحّد بين الحالة العاطفية من جهة، وحالة العمل من جهة أخرى، وفي كلّ مرة؛ دائماً أجد بأن هناك نتائج أفضل.

ما المقصود “بأنك تجدين أن هناك دائماً نتائج أفضل في كل مرة”! هل تعنين مثلاً التعديلات التي تشعرين أنها لازمة لتكون النتيجة أفضل في لوحة جديدة لنفس الموضوعة، أم القصد هو أنه في كلّ عمل جديد تشعرين بأنّ نتيجة الفكر، ككل، أفضل، بما أنّ الموضوع مشترك في أفكار اللوحات حسب ما رأينا؟ 

يارا: الفن بالنسبة لي عمل تراكميّ، لا يوجد هناك نتيجة مُثلى، لأن العمل الفنيّ يسعى دائماً للكمال، والفنان يفني حياته في محاولة إنتاج عمل فنيّ أفضل أو أنضج.. إلخ، ليرتقي إلى الكمال، وهذه العملية هي من تُعطي الفنّ قيمته الخلّاقة، والإبداع الذي يرافق هذه المحاولات هو من يمنح هذه الأعمال رونقها الخاص، لأنّ هذه العملية تمنح الفنان خصوصيته وبصمته التي استمدها من هذه التجربة. أسعى مع كلّ عمل جديد إلى الارتقاء بالعمل والحصول على نتيجة أفضل لذلك أبذل في كلّ مرة جهداً مضاعفاً. وكلّ مرّة أشعر بأن العمل الفنيّ يأخذني إلى أماكن أعمق، لذلك أشعر دائماً أن هناك نتيجة أفضل. أتوقف عندما يجب أن أتوقف وأنهي العمل ليس لأنّه وصل لأفضل شكل، بل لأن هذه الخطوة انتهت.

لاحظنا أن هناك كائنات غريبة تشبه الأسماك أو لها أجساد حيوانات تمشي على أربع قوائم، وهي متداخلة بطريقة سوريالية مع بعضها في أحد أعمالك، هل يمكن أن يشرح الفنان فكرته إلى جانب عمله بجملة أو جملتين؟ هل هي ضرورة برأيك ولماذا؟ 

يارا: بالطبع، أعتقدأنّها ليست ضرورة، ولكن، هذا يعود إلى خصوصيّة العمل الفنيّة والهدف منه، لنبدأ من توقيع الفنان على اللّوحة، ووضعه لتاريخ العمل، وهذا يفيد في تحديد الحقبة الزمنيّة التي أتمّ بها الفنان هذا العمل. أو قد نرى أحياناً العديد من الأعمال التي تحمل عناوين تدلّ على الأحداث التي ترافقها، مثل تلك الأعمال الملحميّة للمعارك عبر التاريخ، أو تلك الأعمال التي تهدف إلى تسليط الضوء على قضايا إنسانية… إلخ، فخصوصية العمل الفني تختلف وأهدافه قد تكون مختلفة. برأيي الشخصي لا أفضّل الأعمال التي توضع بجانبها ملاحظات، أحبّ التأمل وأن أعيش تجربتي الشخصية مع العمل، دون أن ألجأ إلى الملاحظات المنوطة بجانبه، مع الأخذ بعين الاعتبار تجربة الفنان والخلاصة التي يطرحها أمامنا.

إذاً أنت تراهنين على المتلقي وعلى ثقافته في فهم الأعمال الفنية والتواصل معها وتتركين له حرية فهم العمل، ترى كيف تفكرين بهذا الجانب عندما ما تختارين موضوعاً راهناً لازال يتغير مثل الحدث السوريّ؛ خصوصاً وأنّك تتوجهين لمجتمع متنوع مثل المجتمع الفرنسي؟

يارا: ضمن هذه التجربة تحديداً أعتمد بصورة عامة على ذاكرة المتلقي، على وجه الخصوص المتلقي الذي لديه ذاكرة لجوء أو حرب، أو على أشخاص تهتم إنسانيتهم بهذه القضايا، أو لربما من يستطيع أن يشعر بهذه الانفعالات اللونية على اللوحة. أما فيما يتعلق بالأعمال الفنية القادمة؛ لربما سوف أتجه إلى مفاهيم أكثر شمولية كالخوف والدهشة والألم كي أستطيع أن أصل إلى العالم في كل مكان. لقد عانينا فعلياً من الحرب، ولكن الكوارث والحروب والنزاعات بكلّ أنواعها موجودة في كلّ مكان، لربما المفاهيم الأكثر شمولية هي الأقوى والأبقى والأكثر تأثيراً ولها شعور جمعيّ؛ تخاطب أكبر شريحة ممكنة من الناس، في المحصلة يرغب الفنان أن يعبّر عن ذاته!

سأختار المضحك فقط

سأختار المضحك فقط

لا بدَّ في مواقف الحزن القصوى، كمجمع عزاءٍ مثلاً، من وقوع حوادث مضحكة، لا يملك المرء فيها إلا أن يستسلم للضحك بعد مكابدة طويلة. للأسف، أو ربما لحسن الحظ، تنفلت الضحكة عاليًا في النهاية ويحدث ما كنا نخافه. الأمر ذاته في الحروب والأزمات الكبرى، خصوصًا في المرحلة التي تلي الحرب، لا بد لمواقف مشابهة من أن تحدث، أو بمعنى أدق، من أن تتوالد. وهل ثمة ما هو أحق من جراحنا الشخصية كي نضحك عليه!

بعد مضي نحو ثلاثة عشر عامًا على الحرب السورية، بكل ما جرّته على شعبها من تشرد وفقر واغتراب، لا تزال تتجلى إلى اليوم، مخلّفات تلك الأزمة بأشكالٍ عدّة. سأختار منها المضحك فقط، تخفيفًا عن الجميع، تاركةً لغيري الحديث عن القهر والأسى. علمًا أن ما سيُذكر مبكي في جوهره، على غرار ما قاله المتنبي: ” لا تحسبنّ رقصي بينكم طربًا، فالطير يرقص مذبوحًا من شدة الألمِ”.

دَعَوات مبتكرة

لا غريب أن المنتَج الأساس في الحروب كلها، مشردون يجوبون الطرقات ويفترشونها. إما ضاقت بهم السبل، أو استسهالًا، لا فرق، إلا أنهم يلجؤون إلى التسول طريقةً يكسبون بها لقمة العيش، ما جعل التمييز بين المحتاج وغيره أمرًا صعبًا. وفي غياب وجود إحصائيات رسمية لأعداد المتسولين في سورية، نعتمد على “حسّنا العالي” في تقدير العدد الآخذ في ازدياد، وفي كشف المتسول المحق من المتسول الكذّاب. ما أثار اهتمامي أكثر من العدد المهول، هو الأسلوب المبتكر للفت الانتباه. بات المتسول على علمٍ بدواخلك وأمنياتك، فهو في النهاية من الشعب، وإلى الشعب يعود. فإذ به يلعب على هذا الجانب، يدغدغ فيك رغباتك الدفينة وأسرارك الخفية التي لا تبوح بها حتى لنفسك.

منذ أيام، اقترب مني أحد أفراد هذه الجماعة، وأصرُّ على تسميتهم جماعة، لأني أكاد أجزم بوجود تنظيم سري لهم، يجتمعون ويتباحثون في شؤون المواطن ونقاط ضعفه والكلمات المفتاحية التي تحرك مشاعره. اقترب وقال: “الله يسفّرك”! نظرت إليه بذهول، كيف تحولت تلك الدعوات من “الله يخليلك أهلك” وما إلى ذلك، إلى “الله يسفّرك”!

مرة أخرى قالت لي إحداهن: “الله يبعتلك نصيبك عَ ألمانيا أو عَ دبي” ما كان مني سوى أن أضحك أمام هذه الابتزازات العاطفية. وللصدفة كان صديقي المغترب معي، وحين جاء دوره في الدعوات، لم تفلح معه دعوة “الله يسفّرك” التي سبق وتحققت. واعترف لها، لسوء حظه، أنه في زيارة. طمعت الأخت بمال المغترب الذي كان، لكنها لم تحصّل في النهاية سوى خمسة آلاف ليرة سورية، متأففة أن ما نالته أقل من نصف دولار!

زواج بيرفع الراس

من تداعيات الحروب أيضا، كثرة الزيجات. ولكن هل كل الزيجات زيجات! اختلفت معايير الزوج المثالي مع تفاقم الأزمة. لدرجة أصبحت فيها المزية الأساسية للزوج، اغترابه. وكلما كانت سنوات اغترابه أكثر، كلما كان أفضل، إذ إنه سيحمل جنسية البلد الحاضن، أي على مبدأ النبيذ المعتق.

الاسم لا يهم، وكذلك العمر والحالة الاجتماعية والمهنة، هذه أمور ثانوية نسأل عنها لاحقًا، لدرجة بتنا نقول: “زوّجنا البنت ع ألمانيا” أو “الشب كتير أكابر، ما عاد نذكر من أي عيلة، بس عَ كندا”.

ليت الأمور توقفت عند هذا الحد. صار معيار تقييم نجاح الأنثى في العلاقات، المسافة التي تقطعها كي تلتقي بالزوج. وكأننا في ماراثون، الفائزة ليست الأسرع، إذ ليس من خط نهاية نصل إليه ونقطع الشريط، بل من تبتعد أكثر. وبذلك، توفَّر للفتيات أسلوب مفاخرة جديد، إذ قالت لي إحداهن: “والله إجاني عريس ع هولندا، حركيلنا حالك، مانك شاطرة”.

ومنذ ذلك الوقت، وأنا أبحث عن الحركات التي فعلتها تلك المحظوظات المسافرات القاطعات مسافات، دون جدوى. انتسبت مؤخرًا إلى نادي رياضي، علّني أزيد من لياقتي وأدخل السباق. لكنّي أخاف أن أتحمس كعادتي، فأستمر في الركض وأصل إلى القطب الجنوبي. لا أعتقد أن ثمة مغتربين هناك!

الألمانية هي اللغة الأم

سألت صديقي عن زميلٍ لنا إن كان يتعلّم الألمانية حقًا! أجابني: “شو الغريب؟ أبو حسن الخضرجي عنا بالحارة عم يتعلم ألماني”. أينما تحركت وكيفما التفتت، في المقهى والشارع والسينما وحتى في أثناء نومك، هناك من يتعلم الألمانية. باتت لغة العصر. قد يبدو الأمر مبهجًا ومدعاة فخر. لغة جديدة تعني ثقافة جديدة. لكن الأمر ليس كذلك أبدًا.

حين كنت في معهد اللغة الألمانية منذ سنتين، اقتصر تعلّم بعضهن اللغة على الأساسيات، بحجة أن “لَمْ الشمل” لا يتطلّب أعلى من المستوى الأدنى! تفاجأت بجرأة بعضهن. اللغة صعبة وليست أمرًا يؤخذ استسهالًا. ستقولون لي: تعلمتِ اللغة إذًا!

وهنا موضوع آخر، أصبح تعلُّم اللغة محط شك، وخصوصا بالنسبة للفتاة. إذ يوحي بوجود عريس محتمَل، أما الدراسة سعيًا خلف فرصةٍ ما، لهو أمر مستبعد! يبدو أنه مستبعد حقًا. دليل أنني في سوريا الآن أكتب ما أكتبه وبلغتي الأم التي أحب.

اقتصاد ملون جديد

مع انهيار العملة السورية، انهار الشعب والبلد. بينما ازدهر المغترب وأبو المغترب وأم المغترب وأخوات المغترب! غدت حياة كل هؤلاء معلّقة إلى سعر الأحمر والأخضر. يأملون أن ترتفع قيمته دون اكتراث لقيمة الليرة، إضافة إلى أن هبوطه لن يسهم في خفض أسعار السلع التي تعرف طريقًا واحدًا فقط، لا تسلك سواه، صعودًا وبسرعة قياسية.

أُضيف إلى طابور البنزين والخبز، وصفد البيض في المؤسسة الاستهلاكية، طابورٌ آخر، هو طابور الحوالات المالية، عدا عن تلك الطوابير الخامسة المخفية في الأزقة وعتمة الطرقات.

ولدت كذلك شيفرة جديدة بين أبناء الشعب، إذ نقول: “بدك تبيع أو تشتري، بندورة ولا خيار؟” في إشارة إلى العملات الصعبة. حتى انقلب الأمر الذي بدأ مزحة، أزمة وجودية. فالخيار والبندورة في الواقع، يحتاجان إلى قرض كي تبتاعهما!

تحويل الأزمات إلى نكات

يقال إنه متى كَثُر الكلام المضحك وقت الكوارث فإنها كارثة أكبر. لكن ما الذي نملكه أمام هذه الكوميديا البشرية سوى أن نضحك! هل تنفع الشكوى! إذًا لا بد من تحويل أزماتنا إلى نكات، والأكثر من ذلك توثيقها. فهي إرثنا المتجدد والمتحوّل بتحولنا. قد تكون هذه المواقف المضحكة المبكية، في جزءٍ منها، من يوميات المواطن السوري عامةً، ويومياتي أنا، ابنة اللاذقية خاصةً، أو لنقل ابنة “الحفرة السعيدة” كما يسميها أحد مثقفي اللاذقية. حتى مثقفونا باتوا يضحَكون ويُضحِكون. “الحفرة السعيدة”! يبدو أننا في حفرة فعلًا، ضحكنا أم بكينا، سيرتد الصدى ويصم آذاننا عن سماع أصوات العالم، ويحجب ضوضاءنا عنه.

ارتفاع تكاليف التربية ترهق مربي الأغنام في سورية

ارتفاع تكاليف التربية ترهق مربي الأغنام في سورية

يواجه مربو الثروة الحيوانية عموماً، والأغنام على وجه الخصوص تحديات تهدد مصدر رزقهم نتيجة ارتفاع تكاليف التربية مثل الأعلاف والأدوية البيطرية، إلى جانب الجفاف؛ العدو الأخطر على الزراعة والثروة الحيوانية في البلاد.

يقول علي وهو مربي أغنام (عواس) في بلدة أبو الظهور بريف إدلب: “يزداد استهلاك الخروف للأعلاف كلما كبر، وبالتالي تكاليف تربيته الممتدة إلى 4 سنوات حتى يصبح كبشاً (فحل الضأن) أو نعجة”. ويضيف: “نُسّخر الأراضي للرعي في أوقات الحصاد، ومن لا يملك قطعة أرض هنا، يستأجر واحدة حسب الحاجة”.

تشكل الأعلاف عبئاً ثقيلاً على صغار المربين ممن يملكون بين 10 و15 رأساً؛ لذا يستعين بعضهم بالشعير أو بالخبز اليابس. ويصل سعر طن أعلاف النخالة أو خليط من عدة أنواع بين 4 و5 مليون ليرة سورية في الأسواق، بحسب ما يشتريه المربون.

ولا تتوقف مصاعب التربية على توفر الغذاء؛ بل يشكو مربو الأغنام في المنطقة قلة اللقاحات الأولية، وارتفاع ثمن الأدوية البيطرية الأجنبية حسب كل نوع وصعوبة تأمينها.

فصل الربيع

يمد الغطاء الأخضر النباتي في فصل الربيع الخراف بالغذاء، في حين يُقدم لها في الأيام العادية شعير وخبز وتبن في حال عدم توفر الأعلاف؛ بينما يزداد استهلاك العلف في فصل الشتاء لقلة الرعي، كما يتحدث الرعاة في ريف إدلب.

ويتشابه الأمر في ريف دمشق من حيث استثمار هذا الفصل في الرعي، وينوه المربي أحمد (معضمية الشام) إلى أن الرعي في المناطق الزراعية يعد حلاً في فصل الربيع على وجه الخصوص، حيث ينتشر الغطاء الأخضر، ويفضل بعض المربين استئجار أراض لكن بنسبة قليلة، لأن الراعي يرعى الأغنام في مناطق متعددة.

مصاعب متعددة

يربي أحمد أغنام “العواس”، وأخرى مستوردة من العراق. يعاني المربي من زيادة تكاليف التربية سنوياً بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، إلى جانب تصاعد تكاليف الدواء بالتزامن مع انتشار بعض الأمراض في هذه الفترة من العام. يقول المربي: “يحتاج الخروف حتى يزداد وزنه، ويصبح بعمر سنة إلى أكثر من 200 ألف ليرة شهرياً بشكل وسطي”.

وتعد “العواس” من أهم عروق الأغنام في الشرق الأوسط، ويتحمل الظروف البيئية القاسية، ويمكن أن يحقق معدلات إنتاجية جيدة عند تحسن الظروف البيئية من تغذية ورعاية في مناطق التربية التقليدية، بحسب الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية السورية.

ويعتمد أحمد على أنواع مختلفة من الأعلاف وبدائلها، مثل مادة التبن التي يبلغ سعر الكيلو الواحد منها ألف ليرة سورية، وهناك الشعير وقشور الفول والبازلاء اليابسة، ويصل ثمن الكيلو منها إلى 2500 ليرة، ومن الأنواع الأخرى خلاطات العلف التي قد تحوي نشاء وطحيناً ومادة النخالة بسعر سبعة آلاف للكيلو الواحد.

يقول أحمد: “أجلب هذه الأعلاف من القطاع الخاص، لأن مؤسسة الأعلاف الحكومية في مدينتنا توقفت عن العمل منذ عام 2011”. ومن جهة ثانية، يلجأ الراعي إلى بقايا الطعام والخضار.

يلخص أحمد مصاعب التربية بالحاجة إلى مكان أولاً، حيث تنتشر هذه الأماكن ضمن المناطق السكنية. من جهة أخرى، يصعب الذهاب نحو الأراضي الزراعية البعيدة نتيجة الخوف من السرقة، ومن المشكلات صعوبة توفير الأعلاف وارتفاع أسعارها، وأخيراً تعرض الأغنام إلى أمراض كثيرة، وعدم توفر الدواء اللازم لذلك بشكل دائم، أو توفره بسعر مرتفع.

ثروة في مهب الأزمة

بلغ العدد الكلي للأغنام في عام 2007 نحو 23 مليون رأس، ثم انحدر في 2017 إلى أقل من 14 مليون رأس، ليرتفع مجدداً إلى ما يقارب 17 مليوناً (تقديرات) في عام 2021، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة.

وفي آذار الماضي، قدر مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة محمد خير اللحام نسبة انخفاض الثروة الحيوانية بـ 30% من قطيع الأغنام، وفقاً لصحيفة (تشرين) المحلية. ويذكر اللحام أن الإنتاج الحيواني يسهم بنسبة 36٪ من إجمالي الناتج الزراعي الذي يسهم بدوره بنسبة 39٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وتعرّضت سورية إلى موجات جفاف متتالية، وفي 2022، أشارت المهندسة رويدة النهار مدير السلامة البيئية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة إلى أن البلاد تعاني من آثار تغير المناخ، حيث تواجه أسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاماً نتيجة انحباس الأمطار في معظم المناطق، بحسب صحيفة (البعث) المحلية.

 وسمح مجلس الوزراء على مدار السنوات السابقة بتصدير ذكور أغنام العواس والماعز الجبلي ضمن مدد محددة، وذلك وفق الشروط الصحية والفنية المحددة من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

يعيشُ اليوم آلاف السوريين في قبرص خوفاً اجتماعياً من فقدان فرصة العيش في الجزيرة، بسبب التحريض الذي يتعرض له المهاجرون السوريون الواصلون حديثاً إلى قبرص، والذين أعُيد معظمهم إلى لبنان بعد قرار مفاجئ اتخذته قبرص بخصوصهم.

“خلال الثلاثة أشهر الماضية، كان السوريون يصلون عبر البحر إلى قبرص من لبنان كلّ يوم تقريباً” هذا ما قاله رئيس جمهورية قبرص “نيكوس خريستودوليدس” خلال حوار منذ أيام مع “شبكة المحررين الألمانية (RND).

 كما أكد أنّ “المهاجرين اليوم في قبرص يشكلون 7% من عدد سكان الجزيرة” وأضاف: “لم نعد قادرين على استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، إنّها مسألة أمن قومي، ولذلك أخبرت الاتحاد الأوروبي بقراري حول تعليق طلبات اللجوء للسوريين في قبرص”.

وكان “خريستودوليدس” قد علّق دراسة طلبات اللجوء للسوريين في الجزيرة المتوسطية ليلة 13 نيسان/ أبريل 2024، وجاء هذا التحرك ضمن إطار الحملة الإعلامية التي شنتها السلطات الرسمية على المهاجرين السوريين الواصلين حديثاً عبر البحر، والذين تدفقوا بكميات كبيرة مقارنة مع الأشهر الفائتة، حيث أعاد خفر السواحل القبرصيّ بالتعاون مع السلطات اللبنانيّة، منذ أيام، حوالي خمسة قوارب تقلّ نحو 400 مهاجر سوريّ.

“خريستوذوليذس” قال: “إن هذا القرار مؤقت بانتظار إعادة تقييم وضع النظام السوريّ لإيجاد مناطق آمنة يمكن إعادة المهاجرين إليها” على حد تعبيره.

وأكدت منظمات حقوقية أن قبرص نفّذت خلال العام 2023 نحو (11 ألف) عملية إعادة قسرية وطوعية للمهاجرين.

وبحسب الإجراءات المعلنة، سيتمكن المهاجرون السوريون الجدد من تقديم طلباتهم، ولكن لن يتم دراستها، وسيتم بعد ذلك نقلهم إلى مراكز الاستقبال وتُقدَّم لهم مساعدات عينية؛ وهي الغذاء والإقامة، ولكن دون أوراق رسمية للإقامة. لن يحق لأولئك الذين يختارون مغادرة مركز الاستقبال الحصول على أي مزايا. بالإضافة إلى ذلك، لن يكون لهم الحق في الحصول على عمل خلال الأشهر التسعة الأولى من وصولهم.

واعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول 2023، توجب على طالبي اللجوء الانتظار تسعة أشهر (بدلًا من شهر واحد) بعد تقديم طلب اللجوء قبل السماح لهم بالعمل. وأعرب في حينها مجلس اللاجئين القبرصي عن قلقه بأن ذلك من شأنه الدفع بالمزيد من الناس إلى العمل غير النظامي والعوز.

وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن “أعداداً متزايدة من طالبي اللجوء معرضون لخطر التشرد”، مشيرة إلى عدم كفاية الدعم الاجتماعي المقدم لهم.

وكان حزب فولت “Volt” القبرصي قد حذر من قرار الحكومة الأخير بتعليق فحص طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين السوريين، واتهم الحزب في بيانه الحكومة بتغيير سياستها لكسر الصورة النمطية لها “دون أي تغيير جوهري”، وجاء في البيان أن “تعليق فحص الطلبات لن يكون بأي حال من الأحوال رادعاً لتدفق الهجرة من سوريا ولبنان”، مشيراً إلى أن “تعليق طلبات السوريين سيزيد الضغط على نظام إدارة اللجوء المثقل بالفعل، وسيتم وضع نصف طلبات اللجوء في الدِرج، لتواجهها خدمة اللجوء بعد بضعة أشهر، وفي ذلك الوقت سيكون العدد الإجمالي للطلبات المعلقة قد ازداد مرة أخرى بشكل كبير” بحسب البيان.

وقالت الحقوقية “كورينا ذروسيوتو” من مجلس اللاجئين القبرصي، وهو منظمة غير حكومية، للصحفيين: “إن هذا القرار لا يستند على أي أسس قانونية لاستبعاد جنسية معينة من طلبات اللجوء”. وأوضحت أنه تمت تجربة إجراء مماثل أثناء إدارة الرئيس القبرصي السابق “نيكوس أناستاسيادس”، لكنه فشل في تحقيق أي نتائج. وأضافت أن “هذا الإجراء تمت تجربته أيضاً عام 2022، في ظل الحكومة السابقة، ولم يأتِ بنتائج، كما أنه لم يقلل من وصول المواطنين السوريين”.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية؛ زار وفد قبرصيّ رسميّ، لبنان، لمناقشة سُبل التصدي لخط الهجرة البحريّة والذي ينطلق من السواحل اللبنانية عادة- نحو سواحل قبرص، ونتج عن ذلك تنسيق سريع في سبل الإعادة القسرية لقوارب المهاجرين السوريين.

وبحسب إحصائيات مفوضية اللجوء في الأمم المتحدة – قبرص حتى أيلول – سبتمبر 2023، فقد تقدم نحو (3357) سورياً بطلبات لجوء إلى قبرص، في وقت كان هناك نحو (9477) طلباً للجوء إلى قبرص معلقاً حتى عام 2022.

وأكدت السلطات الرسمية أن قرار رئيس جمهورية قبرص بتعليق دراسة طلبات اللجوء للسوريين، سيكون ساري المفعول على الطلبات التي قُدّمت خلال الـ 18 شهراً الماضية!

ويوم الجمعة 19 نيسان/ أبريل 2024، اكتشف رادار جمهورية قبرص البحري، قاربين في المياه قبالة “كيب جريكو” وعلى متنهما (141) شخصاً؛ (92) رجلاً و (12) امرأة و(25) طفلاً و (12) قاصراً دون ذويهم. تم استقبال الأشخاص الـ 138، وهم لاجئون من سوريا، ورجل من لبنان، ورجل وامرأة من فلسطين، من قبل سفينتين تابعتين لشرطة الموانئ والبحرية وتم نقلهم إلى ميناء لارنكا حيث تم تسجيل تفاصيلهم. قالوا إنهم بدأوا رحلتهم في 11 أبريل/ نيسان 2024، من لبنان بعد أن دفعوا في السابق ما بين 3000 و3500 دولار أمريكي لشخص مجهول، وتم نقلهم إلى مركز “بورنارا” لإيواء المهاجرين المؤقت في “كوكينوتريميثيا”. وكان قد وصل منذ 31 آذار / مارس حتى منتصف نيسان/ أبريل نحو (17) قاربًا يحملون (949) مهاجراً إلى قبرص، معظمهم من السوريين.

وفي تصريحات لوزارة الداخلية القبرصية، فإن هناك نحو 10000 طلب معلق، وقد تم تنفيذ قرار الحكومة القبرصية استناداً إلى “آلية أوروبية يتم تفعليها في حالات التدفق المتزايد للمهاجرين غير الشرعيين”. وفي تقرير سابق، أشارت الوزارة إلى انخفاض طلبات اللجوء وزيادة عمليات مغادرة المهاجرين خلال العام 2023.  وبحسب البيانات، انخفض إجمالي عدد الوافدين في عام 2023 بنسبة 50% مقارنة بعام 2022. وعلى وجه الخصوص انخفض عدد الوافدين من الخط الأخضر وزاد عدد الوافدين عن طريق البحر بنسبة 355%. وبلغت طلبات اللجوء عام 2022 (21565) ومنها (4088) طلباً لسوريين. بينما عام 2023 بلغ عدد طلبات اللجوء (11617) وعدد طلبات السوريين (6148) طلباً.

وكانت المحكمة الإدارية للحماية الدولية قد تلقت (8377) قضية طعن بقرارات للاجئين، وبنحو (12300) طلب استئناف تتعلق بأجانب عُلّقت طلبات لجوئهم. وقد تمت معالجة (9818) قضية أمام المحكمة المذكورة، ولم تنجح إلا في خمسة وأربعين قضية، أي بنسبة 0.46%.

ويشار إلى أنه منذ عام 2020 إلى عام 2023، تم تسجيل زيادة بنسبة 472% في الطعون أمام المحكمة الإدارية للحماية الدولية. ومع ذلك، فقد تبين أنه في الفترة من 2022 إلى 2023، تم تسجيل انخفاض بنسبة 9٪ في الطعون. 76% من الطعون المسجلة تتعلق بمتقدمين من بلدان آمنة.

وتشير إحصائيات موقع “Eurostat” إلى أن عدد طلبات اللجوء المعلقة في قبرص حتى نهاية شهر كانون الثاني / يناير 2024 وصلت إلى (31615) طلباً، وقد تقدم خلال عام 2023 نحو (6155) سوريا بطلب لجوء في قبرص.

ومن بين هؤلاء الواصلين “عبد الكريم. ن” الذي لا يخفي تخوّفه من الترحيل رغم أنه “يعمل بالأسود” ولم يحصل بعد على أوراق تخوّله العمل والإقامة، فهو مثل آلاف الواصلين خلال العامين الماضيين “لم يأته الردّ على طلب المقابلة من أجل اللجوء” بحسب ما قاله.

فيما تحاول “دعاء. م” العمل من بيتها في بيع الأطعمة السورية عبر فيسبوك، وهي تعيل أبناءها الأربعة بعد أن قُتل زوجها في سوريا بريف دمشق عام 2014، وتؤكد: “لقد وصلت منذ خمسة عشر شهراً، وأعيش اليوم في لارنكا، ويذهب أولادي إلى المدرسة لأن أعمارهم ما بين 8 سنوات و15 سنة، لكنهم دون أوراق رسمية، ربما سوف يحصلون عليها فيما بعد بحكم اندماجهم في المجتمع، كما يحدث مع معظم الأبناء الذين يأتون مع عائلاتهم ثم يُنتزعون تدريجياً عبر المدرسة والعادات والتقاليد هنا، ليكونوا جزءاً من المجتمع المحلي. هذا لا يخيفني، ولكني أخشى ألا أستطيع إكمال الانتظار بعد تعليق طلبات اللجوء والعيش دون أوراق”.

وتشير “دعاء. م” في حديثها معنا أنها تقدمت منذ سنة بطلب لخدمة اللجوء في العاصمة القبرصية نيقوسيا، ولكنها ماتزال تنتظر رغم أن طلبها وُضع مع آلاف الطلبات في الدِرج ليذهب إلى الأرشيف حتى إشعار آخر.

ويعاني “علي ناصر” الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، من تشوّه في فمه نتيجة حادثة صعق كهربائي في الطفولة، وهو قد وصل إلى قبرص منذ أربعة أشهر فقط، ويعمل كصانع في محل للحلاقة، ولكنه لا يملك أوراقاً، يقول: “وصلت إلى قبرص وحدي، وأهلي ما يزالون في إدلب، ولكني بحاجة للمال، أعمل عند حلاق عربي هنا وأستطيع أن أتنكر كواحد من الزبائن إذا جاءت السلطات للتأكد من أوراقي، لأنه لا يحق لي العمل دون قرار من خدمة اللجوء بالموافقة على منحي حق الحماية الثانوية وكرت الإقامة”.

ولا تقدم قبرص أية امتيازات تُذكَر لتأهيل اللاجئين (…) ومعظم من يصل إليها يطمح بالحصول على أوراق ليكمل رحلته إلى دول أكبر مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا لكن، قبرص في جميع الأحوال نادراً ما تمنح السوريين حق اللجوء “الكامل” مع “وثيقة السفر” وهذا ما يجعل اللاجئين السوريين يزدادون فيها، لأن مشكلتها الجوهرية هي منحهم إقامة بقصد العمل والسكن وهي لا تؤهلهم للسفر إلى أوروبا إلا باستخدام جوازات سفرهم السورية وهذا أمر شبه مستحيل بسبب تعقيدات التأشيرة والفيزا، وبمعنى أدق؛ يعيش اللاجئون السوريون في قبرص ضمن سجن كبير نسبياً، أما الآن، حتى هذا السجن بات اليوم مهدداً بالتضييق بعد قرار تعليق طلبات اللجوء والضغط على السوريين دوناً عن غيرهم!

لا بد من الإشارة أخيراً إلى أن قراراً مررته الحكومة القبرصية في نهاية العام الماضي ينص على تعديلات في قواعد التجنيس والتي بحسب منظمات حقوقية قد تم إقراراها دون استشارة المجتمع المدني إلى تشديد متطلبات الإقامة، وذلك عبر إدخال شرط “الدخول غير الشرعي إلى قبرص” كمعيار للحكم على “حسن سلوك” مقدم الطلب، الأمر الذي سوف يؤثر فيما بعد على اللاجئين والمستفيدين من الحماية الثانوية والأشخاص ذوي الإعاقة بخصوص استحالة حصولهم على الجنسية القبرصية، كما أن الأطفال المولودين من أبوين لاجئين سوف يواجهون احتمال انعدام الجنسية.

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة.

في جولة لنا على عدد من المحلات والمولات المتخصصة ببيع الألبسة في أسواق دمشق مثل شارع الحمراء ومنطقة الصالحية والحميدية، لاحظنا ارتفاع الأسعار عموماً بالنظر إلى موسم العام الماضي، وبالطبع فإن الأسعار تختلف حسب عدة معايير، منها: الجودة والتصميم وسنة الإنتاج.

تضخم جامح!

في أحد مولات شارع الحمراء، وصل ثمن بنطال (جينز) لطفل بعمر ست سنوات إلى ما بين 440 و465 ألف ليرة سورية؛ بينما انخفض سعر بعض البنطلونات المخزنة من العام الماضي إلى 200 ألف ليرة سورية، أما البلوزة الربيعية فبلغ سعرها 75 ألف ليرة سورية، وثمن بنطال (كتان) 95 ألف ليرة سورية في حين بلغ ثمن قميص صيفي لطفلة بعمر 12 سنة في أحد محلات الصالحية 100 ألف ليرة سورية، وسعر بنطال (جينز) 325 ألف ليرة سورية. وبلغ سعر طقم لطفل (12 سنة) مؤلف من بنطال وقميص (كتان) وكنزة قطنية 550 ألف ليرة سورية، كذلك اقترب ثمن بدلة (توينز) من حدود 350 ألف ليرة سورية.

وفي محل آخر في منطقة الصالحية أيضاً، تفاوت ثمن الفساتين (قماش مارشميلو) بين 225 و275 ألف ليرة سورية، وقارب سعر طقم (جينز) مكون من بنطال مع سترة وبلوزة 450 ألف ليرة سورية، وكان سعر البلوزة الربيعية لوحدها 90 ألف ليرة سورية.

وتبدي إحدى عاملات بيع الملابس-في حديث معنا استغرابها من أسعار ألبسة الأطفال التي وصلت إلى حدود مرتفعة بالمقارنة مع سلم الرواتب والأجور في القطاعين الخاص والعام إجمالاً.

ويقول أحد الباعة في منطقة الصالحية: “إن حركة الأسواق متوسطة، لكن عمليات الشراء الفعلية ضعيفة نسبياً، بينما ارتفعت الأسعار أكثر من 100% بالمقارنة مع الموسم الفائت، وهي بالتأكيد لا تنسجم مع دخول المواطنين/المواطنات”.

وتختلف أسعار أحذية الأطفال ما بين محل وآخر وبحسب جودتها وموقع المحل والسوق، حيث بلغ سعر أحدها 200 ألف ليرة سورية.

الأسواق الشعبية!

قصدت سامية (أم لطفلين وموظفة في قطاع الصحة الحكومي) محلات سوق الحميدية بقصد شراء كسوة العيد لطفلتها (5 سنوات)، وعادة ما تكون الأسعار هنا منخفضة قليلاً، ويمتاز سوق الحميدية بحركة نشطة؛ بيد أن الأمر قد لا يرتبط بحركة ما قبل عيد الفطر فقط، حيث يشهد هذا الوسط التجاري ازدحاماً متكرراً؛ إذ يعد مقصداً لتلبية حاجات الأسرة المتنوعة.

ورصدت سامية سعر حذاء بين 150 و80 ألف ليرة سورية، وهي أحذية من تصفيات السنة الماضية، وأقل ثمناً من أحذية العام الحالي، وتكمن المشكلة في أن القطع معدودة وبمقاسات محددة، ولذلك يتوجب عليها التفتيش بين عدة محلات قبل أن تجد طلبها.

وسامت سامية في السوق أيضاً فستاناً بسعر ما بين 350 و400 ألف ليرة سورية. ويختلف السعر تبعاً لجودة القماش والتصميم، حيث يرتفع سعر الفستان الصيفي مع سترة وقبعة إلى500 ألف ليرة، وينخفض إلى 200 ألف ليرة سورية، تعقّب سامية: “لكن السعر المتدني يرتبط بنوعية قماش أكثر رداءة”.

مليون ليرة لكسوة واحدة!

تضيف سامية في حديثها معنا: “إن سعر الكسوة الكاملة لولد واحد تتجاوز مليون ليرة على الأقل، لذلك قسّطت عمليات الشراء على دفعات؛ كلما توفر لدي بعض المال، فاشتريت حذاء وبنطالاً لطفلي”.

قررت سامية تأجيل مسألة شراء الفستان لطفلتها إلى حين تخمين أسعار الألبسة الأوروبية المستوردة (البالة)، فهي برأيها تحمل الأسعار ذاتها، لكنها بجودة وقماش أفضل.

وفي محافظة حمص، وجدت سهى أن أسعار الألبسة أقل من مثيلتها في دمشق، حيث اشترت طقماً (جينز) مؤلفاً من بنطال وبلوزة وسترة بمبلغ 250 ألف ليرة سورية، والأهم برأيها “إسعاد الأطفال بالحد الأدنى”.

حوالات وسلف مالية

يكتفي قسم من المواطنين/المواطنات بمشاهدة البضائع فقط بدون إتمام عمليات الشراء مع تصدر الغذاء سلم الاحتياجات الأساسية كما يصفون، وعلى الرغم من ذلك، نشطت حركة الناس بالتوازي مع اقتراب عيد الفطر، مع العلم أن جزءاً من العائلات يعتمد على الحوالات الخارجية التي يرسلها الأفراد لذويهم وأقاربهم لسد احتياجاتهم، وتسهم بعض الجمعيات الخيرية العاملة في دمشق وريفها في توزيع كسوة العيد لعدد محدود من العائلات، لكنها لا تغطي إلا جزءاً صغيراً من حجم الاحتياجات الفعلي مع توسع رقعة الفقر.

ويشار إلى أن مصرفاً سورياً فتح الباب مؤخراً للحصول على سلفة مالية بقيمة مليون ليرة سورية فقط، خاصة بالموظفين/الموظفات بهدف تأمين “مستلزمات العيد”، ولمدة سداد تمتد حتى 12 شهراً، لكن السلفة لا تكفي إلا لتجهيز طفل واحد ضمن الحد الأدنى في حال قررت العائلة التغاضي عن الاحتياجات الضرورية.

الإنفاق على الألبسة!

مع انتهاء الربع الأول من عام 2024، ارتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وفقاً لـ”مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة”، إلى نحو 12.5 مليون ليرة سورية (أما الحد الأدنى فقد وصل إلى 7,812,417 ليرة سورية).

بحسب صحيفة (قاسيون) المحلية، ارتفعت تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية الأخرى التي تشكل 40% من مجموع تكاليف المعيشة (مثل السكن والمواصلات والتعليم واللباس والصحة وأدوات منزلية واتصالات… وغيره) من 3,013,906 في نهاية أيلول إلى 3,124,967 ليرة سورية في نهاية آذار 2024؛ أي أنها ارتفعت بمقدار 3.7% خلال ثلاثة شهور.

ولا يتناسب حجم الإنفاق العام للأسرة مع الدخل الشهري، حيث يبلغ وسطي الرواتب والأجور في القطاع العام حوالي 300 ألف ليرة سورية (21 دولاراً أمريكياً).

تدهور الليرة والأجور معاً

حدد مصرف سورية المركزي في نشرة الحوالات والصرافة (28/3/2024) سعر شراء الدولار الأمريكي بمبلغ 13,400 ليرة سورية، وتصدر هذه النشرة بغرض التصريف النقدي وشراء الحوالات الخارجية، كما حدد سعر وسطي شراء ومبيع الدولار في نشرة السوق الرسمية بمبلغ 12,562 ليرة سورية. من جهة أخرى، انخفضت قيمة الليرة في السوق الموازية إلى أكثر من 14,000 ليرة سورية مقابل كل دولار أمريكي، وبالتالي أثّر تدهور العملة المحلية بشكل حاد في قدرة المواطنين/المواطنات الشرائية على تأمين احتياجاتهم الأساسية، ومنها الألبسة التي باتت تتصف بالموسمية.

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها “سِكبة رمضان” التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون طعامهم من خلالها، وتحظى برمزية إنسانية خاصة، إذ يتم من خلالها إطعام الكثير من المحتاجين دون أن يشعروا أن في الأمر شفقة أو صدقة، كما أنها تربي الأطفال في العائلة على قيم المحبة والتضامن والكرم. وقد اعتادت معظم العائلات  السورية، فيما مضى، أن تطهو كمياتٍ إضافية من الطعام، كي ترسل إلى أقاربها وجيرانها سكبة رمضان، وكانت، على اختلاف مستوياتها المعيشية، تتفنَّن في تحضير الأطباق الرمضانية التي تُزيّن مائدة الإفطار، كالكبب والمشاوي والشوربات والسلطات والفتات والمحاشي واليبرق والحلويات والعصائر وغيرها.

اليوم ومع تردي الواقع المعيشي والاقتصادي في عموم البلاد، باتت عادة “السكبة” تغيب عن طقوس رمضان، كغياب معظم الأطباق الرمضانية التقليدية عن موائد كثيرٍ من الناس، الذين أصبحوا  يكتفون بتحضير طبقٍ واحدٍ أو طبقين بسيطين في أحسن الأحوال، وإن استطاعوا فسيكتفون بشراء بعض الحلويات الشعبية الرخيصة،  كالمعروك والمشبك والناعم، بعد أن أصبحت النابلسية والمدلوقة والقطايف وغيرها من الحلويات الرمضانية حكراً على الأغنياء، كحال مختلف أنواع التمور والمشروبات الرمضانية التقليدية (التمرهندي والعرقسوس ومنقوع قمر الدين وغيرها) التي باتت أيضاً تغيب عن موائد الفقراء، بعد ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وهو ما أدى إلى تراجع عدد البسطات الشعبية، التي اعتادت أن تبيعها في الشوارع ضمن طقوسٍ رمضانية خاصة.

“في السابق كنت أرسل إلى جيراني سكبة الكبب أو المحاشي أو الشاكرية أو أي طبق يحتوي على اللحوم، أما اليوم فقد بت أخجل من إرسال سكبة فول أخضر أو شوربة عدس أو برغل أو معكرونة أو أرز مع بعض حبوب البازيلاء، فالأطباق التي نحضرها اليوم أصبحت بسيطة وفقيرة وخالية من اللحوم والدسم، وبالكاد تكفينا”. هذا ما تقوله أم أيمن (64 عام/ ربة منزل) التي توقفت هذا العام عن إرسال سكبة رمضان لجيرانها، وتضيف: “بتنا عاجزين عن تحضير أبسط أنواع الحلويات المنزلية، وحُرمنا من معظم الأطباق الرمضانية التي اعتدنا تحضيرها لسنوات طويلة. ولكي نذكر أنفسنا بطعمها صرت أحتال على الواقع المعيشي المؤلم فأطهو طبق الشاكرية بدون لحمة، مع إضافة بعض البصل والبطاطا إلى اللبن، وأحشو الكوسا ببعض الأرز والبندورة، وأقوم بتحضير كبة البندورة أو كبة البطاطا المسلوقة، التي تخلو من اللحمة والمكسرات وتُقدم نيئة دون قلي أو شوي”.

وإلى جانب عادة “السكبة” باتت طقوس العزائم بين الأقارب والأصدقاء والجيران تغيب عن شهر رمضان، بعد أن كانوا في السابق يتسابقون إلى دعوات بعضهم على موائد الإفطار والسحور، العامرة بأطيب وأشهى الأطباق الرمضانية، ضمن طقسٍ احتفالي فريد، كان يقوي أواصر العلاقات الاجتماعية ويضفي أجواء المحبة والبهجة على شهر رمضان، فاليوم باتت معظم العائلات عاجزة حتى عن دعوة أحدٍ لزيارةٍ عادية قد لا تكلفها سوى ضيافةٍ بسيطة، وذلك بعد أن تحول 90% من الناس إلى فقراء، وانعدمت قدرتهم الشرائية في ظل انخفاض مستويات الدخل، بشكلٍ يدعو للحزن، وارتفاع أسعار جميع السلع والمواد الغذائية إلى مستوياتٍ خيالية، فعلى سبيل المثال، بلغ سعر كيلو هبرة الخاروف 225 ألف ليرة (أكثر من نصف راتب موظف حكومي)، وكيلو هبرة العجل 150 ألف ليرة، ووصل سعر كيلو قطع الفروج إلى ما بين 60 و80 ألف ليرة، فيما تخطت أسعار معظم أنواع الخضار والفاكهة (بطاطا، بندورة، خيار، كوسا، باذنجان، تفاح، برتقال) حاجز العشرة آلاف ليرة للكيلو الواحد، ووصل سعر كيلو الفليفلة والثوم والموز إلى أكثر من عشرين ألف ليرة. وبالنظر لما سبق باتت تكلفة عزيمةٍ لخمسةٍ أشخاص على إفطارٍ رمضاني تقليدي قد تتجاوز راتب موظفٍ حكومي.   

لمَّة العائلة والأقارب

تعتبر عادة اجتماع العائلة  الكبيرة، في منزل الجد أو الأب، من أبرز عادات رمضان المتوارثة منذ عشرات السنين، حيث يلتقي الأخوة والأبناء والأحفاد، ليتشاركوا في تحضير أطباق الطعام والحلويات، وليجتمعوا حول مائدة الإفطار الحافلة بأجواء المحبة والفرح والألفة. لكن تلك العادة، كغيرها من العادات، فقدت بريقها وبات حضورها ينحسر بشكلٍ كبير خلال السنوات الأخيرة، نتيجة ما فرضته ظروف الحرب وتبعاتها، والتي أدت إلى تقطع أوصال العلاقات العائلية، وتَشَتُّت كثيرٍ من العائلات، نتيجة النزوح والهجرة إلى خارج البلاد، وتباعد المسافات وصعوبة التواصل حتى بين من يعيشون ضمن المدينة الواحدة، وذلك في ظل تفاقم أزمة الموصلات وارتفاع تعرفة النقل وأسعار المحروقات. وفي ظل ذلك الواقع لم يبق سبيلٌ لاجتماع كثيرٍ من العائلات إلا من خلال التواصل الافتراضي، عبر الواتساب والماسنجر وبعض وسائل الاتصال المتاحة، كحال عائلة الموظف المتقاعد أبو أحمد (67 عام) الذي يصف لنا شعوره خلال تناول الإفطار :”منذ طفولتي اعتدت خلال شهر رمضان على طقس الإفطار الجماعي مع الأهل والأقارب، ومن ثم مع زوجتي وأبنائي وزوجاتهم وأطفالهم فيما بعد، لكنني اليوم بتُّ أنا وزوجتي نتناول إفطارنا وحيدين، بعد أن هاجر أبناؤنا الثلاثة وعائلاتهم إلى خارج البلاد، وبات من الصعب لقاء أقاربي، فمن بقي منهم في البلاد، يقيم في محافظة أخرى”. ويضيف: “لم أتصور نفسي في يومٍ من الأيام، أنا الرجل الاجتماعي المُحب لطقوس العزائم واجتماعات العائلة، أن أجلس إلى مائدة الإفطار دون إخوتي وأبنائي وأحفادي الذين أتصل بهم يومياً خلال موعد الإفطار والسحور، عَلّي أشعر ببعض الألفة وأتجنب شيئاً من الشعور بالغصَّة التي ترافقني مع كل لقمة طعام أتناولها”.

طقوس مشاهدة التلفاز

اعتادت العائلة السورية خلال رمضان أن تمضي معظم وقتها، وخاصة بين فترتي الإفطار والسحور، أمام التلفاز لمتابعة مسلسلات الدراما السورية والعربية، التي كان يتم انتظارها طيلة العام، وبعض البرامج الاجتماعية والدينية والترفيهية وبرامج المسابقات والطبخ وغيرها، لكن ذلك الطقس الرمضاني بات اليوم يختفي  نتيجة الانقطاع الطويل للكهرباء، التي جعلت التلفزيونات في  معظم بيوت الناس عاطلة عن العمل، لتحرمهم حتى من  مشاهدة حلقةٍ كاملة من أي مسلسلٍ من مسلسلات الدراما السورية التي يُفاخر صُناعها اليوم بتفوقها عربياً وبأنها عادت إلى ألقها، ناسين أن جمهورها الحقيقي محروم من متابعتها. وفي محاولة للتمسك بتلك العادة الرمضانية، بات بعض الناس يلجؤون لمتابعة بعض المسلسلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا في حال تمكنوا من تحمل تكاليف الإشتراك بباقات الإنترنت، وفي حال ساعدتهم سرعته على تحميل الحلقات، وهو ما يضطرهم للاكتفاء بمتابعة  مسلسلٍ أو اثنين، من بين عشرات المسلسلات المعروضة، ولمشاهدة حلقاتها بجودةٍ منخفضة، وبشكلٍ متقطعٍ ومتباعد، بحسب توفرها على مواقع التواصل، إذ كثيراً ما يتم حذفها قبل أن يتمكنوا من مشاهدتها.

عمل الخير بات أمراً صعباً

فيما مضى كانت تنشط  خلال شهر رمضان الكثير من الجمعيات الإنسانية والخيرية، التي يدعمها فاعلو الخير وبعض التجار والأثرياء، لتوزع الوجبات الرمضانية على الفقراء والمحتاجين خلال موعد الإفطار، سواء في الشوارع والجوامع، أو ضمن خيام الإفطار، أو من خلال زيارة بعض البيوت، لكن نشاط تلك الجمعيات انحسر اليوم بشكل كبير ليقتصر، وبشكل خجولٍ، على توزيع الماء والتمر وبعض الوجبات الخفيفة على بعض الناس في عددٍ محدود من الجوامع، وذلك نتيجة صعوبة جمع التبرعات وتراجع نسبة المتبرعين الذين تحول الكثير منهم إلى فقراء، حالهم كحال كثيرٍ من العائلات الميسورة، التي كانت في السابق تجمع كمياتٍ كبيرة من الأطعمة في علبٍ خاصة ليتم توزيعها على الفقراء في الشوارع والحدائق ومختلف الأماكن، بل أن بعض العائلات الفقيرة كانت تجمع ما فاض عنها من طعام الإفطار لتقوم بتوزيعه أيضاً، فيما كان الكثير من اللحامين و البقالين وبائعي الخضار والفاكهة وغيرهم يوزعون الكثير من الأطعمة والمواد الغذائية على عابري السبيل كنوع من أنواع الصدقة، لكن تلك العادات الإنسانية والخيرية باتت تغيب عن شهر رمضان بعد أن أصبح عمل الخير أمراً صعباً لا يستطيع معظم الناس إليه سبيلا.