واقع التعقيدات الدولية في الشمال السوري

واقع التعقيدات الدولية في الشمال السوري

ج١

أطلق حاجز لقوات النظام السوري قرب بلدة معان (في ريف حماه الشمالي)، خمس قذائف نحو مناطق سيطرة المعارضة القريبة بداية شهر آب/أغسطس ٢٠١٨، سقطت ثلاث منها في مزارع مدينة مورك الشرقية،  واثنتان على أطراف المدينة، بعد مرورهما فوق نقطة المراقبة التركية المتمركزة شرق المدينة تماماً. في اليوم نفسه دار حديث محلي عن احتجاج تركي شديد اللهجة لدى القيادة الروسية، نتج عنه استبدال قيادة وعناصر الحاجز في بلدة معان، ليتوقف القصف بعدها على المنطقة.

بعد ذلك بأسبوع بدأ الطيران الحربي السوري بقصف وسط محافظة إدلب ومحيطها الجنوبي، كخان شيخون والتمانعة والتح، وبعض مناطق ريف حلب الغربي، كأورم الكبرى وكفرناها وخان العسل. استهدف القصف منازل المدنيين موقعاً العشرات من الضحايا، لكن هذا التصعيد لم يخرج تركيا عن صمتها، مما يطرح العديد من الأسئلة والكثير من إشارات الاستفهام حول الدور التركي والاتفاق التركي ـالروسي، البعيد عن متناول الإعلام والصحافة والمعارضة.

في غضون ذلك، أعلنت خمسة فصائل من المعارضة السورية العاملة في محافظة إدلب وامتدادها في بيان لها عن تشكيل نواة لجيش الثورة القادم، وذلك بتوجيهِ ودعمٍ مادي وعسكري وسياسي تركي بحسب النقيب ناجي أبو حذيفة، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، في حواره المنشور على صحيفة القدس العربي .

ويضم هذا الجيش الجبهة الوطنية للتحرير (وهي نواة البداية للتجمع الجديد الذي يحمل نفس الاسم، حيث تشكل في مرحلة سابقة في ٢٨ أيار/مايو الماضي وضم ١١ فصيلا معارضا)، وجبهة تحرير سوريا (التي تشكلت في ١٨ شباط/فبراير الماضي إثر اندماج حركتي أحرار الشام الإسلامية ونور الدين زنكي)، وألوية صقور الشام، وجيش الأحرار، وتجمع دمشق.

ويهدف التشكيل الجديد إلى “قتال النظام السوري وصدّ الهجمات، ومقاومة تهديدات اقتحام إدلب والمناطق المحررة  بحسب الناطق الرسمي للجبهة في حديثه السابق. إضافةً إلى ذلك، يبدو أنّ الجبهة الجديدة بقوامها الذي تجاوز ٧٠ ألف مقاتل، تحمل تهديداً لهيئة تحرير الشام في آخر معاقلها في محافظة إدلب، حيث رفضت  هذه الأخيرة- ـبحسب وسائل الإعلام ـ طلباً تركيا يُفضي إلى حلها وتسليم سلاحها الثقيل ثم الاندماج في “الجبهة الوطنية للتحرير” المُشكّلة حديثاً.

وتداولت الصحافة المحلية رد رئيس المجلس القضائي في هيئة تحرير الشام مظهر الويس على هذا بقوله “الذين يتحدثون عن حل الهيئة لنفسها، عليهم أن يحلّوا الأوهام والوساوس في عقلهم المريض،” مضيفاً “سلاحنا خط أحمر، والأيدي التي تمتد إليه ستُقطع … وقرار الهيئة بيد أبنائها الصادقين.”

كما أكدت العديد من التقارير الإعلامية عدم جدية تركيا في حل الهيئة أو تسليم سلاحها الثقيل لاعتبارات تتعلق بالرؤية التركية للحل في الشمال السوري، مع ذلك، تتزايد وتيرة الاغتيالات لمقاتلين وقادة أجانب متواجدين في محافظة إدلب وريفها بشكل يومي.

وبالعودة لشهر تمّوز/يونيو الماضي، صدرت عدة تصريحات من القيادة الروسية حول “تطهير إدلب” من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) والدور التركي لتحقيق ذلك، وتزامن هذا مع ادعاءات روسية يومية بالتصدي لهجمات طائرات بدون طيار على قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري. قالت وزارة الدفاع الروسية إن مصدرها هو محافظة إدلب وفصائل المعارضة التي تسيطر عليها.

ولقراءة أدق لمصير المنطقة، لا يمكن الإكتفاء بتوصيف وضعها الحالي، وإنما يتوجب تسليط الضوء عليها من زاوية مصالح الدول المتحكمة في القرار السوري في الشمال. في جولة ”أستانا ٤“ في الرابع من أيار/مايو ٢٠١٧، أعلنت الدول الضامنة لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران) عن توصلها إلى اتفاق يقضي بإنشاء مناطق خفض تصعيد في كل من محافظة إدلب وأجزاء متاخمة من محافظات اللاذقية وحماه وحلب، ومناطق من شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، إضافة لمناطق معيّنة من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، ونص البيان الختامي للمفاوضات على تحديد مناطق خفض التصعيد في سوريا كتدبير مؤقت يمتد لستة أشهر ستمدد تلقائياً بناء على توافق الضامنين.

ورسمت المفاوضات في جولة ”أستانا ٦“ في ١٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٧ حدود مناطق خفض التصعيد التي أعلن عنها سابقاً، خاصة منطقة إدلب التي كانت محط الخلافات، حيث تم الاتفاق على نشر قوات تركية في ١٢ نقطة مراقبة تركية من جانب مناطق سيطرة فصائل المعارضة في محافظة إدلب وامتدادها، فيما انتشرت قوات مراقبة روسية وإيرانية من جانب سيطرة النظام السوري.

توزعت النقاط التركية وفقاً للآتي: ثلاث منها على امتداد خط إدلب ـعفرين في جبل سلوى، وجبل سمعان، وجبل عقيل، ونقطة أخرى على جبل عناق بالقرب من مدينة عندان شمال حلب، وخمس نقاط موزعة على خط شاقولي، يبدأ من غرب مدينة حلب وصولاً إلى ريف حماه الشمالي، أو على امتداد سكة حديد الحجاز (في منطقة الراشدين جنوب غرب مدينة حلب)، وفي منطقة العيس شرق ايكاردا، وفي تل طوقان شمال بلدة سكيك، وفي صرمان شرق مدينة جرجناز، وفي مزارع مدينة مورك الشرقية في الريف الحموي الشمالي. إضافة لنقطة في شمال قلعة المضيق في منطقة الغاب، ونقطة على جبل اشتبرق جنوب غرب مدينة جسر الشغور، وأخرى على جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي. في المقابل انتشرت  اعتباراً من ١٢ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٧. إحدى عشر نقطة مراقبة روسية وسبع نقاط مراقبة ايرانية موزَّعة على الحد الفاصل لمنطقة خفض التصعيد تلك، مقابل النقاط التركية.

ويمكن للمُطّلع أن يقسّم منطقة خفض التصعيد تلك إلى ثلاث مناطق، بحسب سيطرة فصائل المعارضة، ومن ناحية التغذية الإدارية، وهي:

١- منطقة ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها تركيا بشكل كامل مع الفصائل التابعة والموالية لها في عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وتقوم الحكومة التركية بتمويلها وتنظيمها إدارياً وفق الرؤية التركية، إلى جانب بعض المنظمات السورية المعارضة والدولية.

٢- منطقة محافظة إدلب وامتدادها في ريف حماة الشمالي وقليل من ريف اللاذقية الشمالي الغربي، والتي تسيطر عليها كتائب المعارضة التابعة لتركيا، بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل المقربة منها، وتلك المنطقة تعمل إدارياً بدعم منظمات إنسانية سورية معارضة ودولية مع مزاحمة حكومة الإنقاذ (التي تتبع هيئة تحرير الشام) في مناطق سيطرة الهيئة.

٣- منطقة وسط بين المنطقتين، في ريف حلب الغربي، والتي تسيطر عليها فصائل معارضة صغيرة محلية (ليست إسلامية) ولكنها قريبة من حركة نور الدين الزنكي ومتعاونة معها، ومن الناحية الإدارية تقوم العديد من المنظمات الإنسانية السورية المعارضة والدولية بدعم مؤسسات المنطقة ومجالسها المحلية وتدريبها.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن عدد سكان إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، تجاوز ٢.٦٥ مليون نسمة، بينهم ١.١٦ مليون مُهجّر داخلياً.

سلة غذائية مجانية” لا تبني سوريا”

سلة غذائية مجانية” لا تبني سوريا”

تحلم موسكو بأن تستعيد إمبراطوريتها في العالم وتسعى لإعادة مكانتها ودورها الأساسي في تحقيق التوازنات العالمية، لكن هذا ليس بالأمر السهل. سياسياً ربما حققت روسيا جزءاً من هذا الحلم التاريخي، لكن غاب عن ذهنها بأن التحقيق الفعلي له يحتاج لأموال ومشاريع إنتاجية.

في الملف السوري لعبت موسكو دوراً إيجابياً لصالح النظام السوري، وهذا الدور ما كانت لتنجح به دون وجود اتفاق دولي مبطن سمح لها بأن تلعبه، بهدف إغراقها بالصراعات والحروب وإلهائها عن تطوير بيتها الداخلي وتنمية اقتصادها وتعزيز قوتها الاقتصادية.

في الوقت نفسه اتجهت الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن، لاستعادة هيبتها في الداخل والخارج وتوجيه البوصلة تجاه مشاريع واتفاقيات عسكرية واقتصادية مع دول يدر التعاون معها الأرباح، فالعقلية الترامبية لا تكترث بالتحالفات السياسية بقدر اهتمامها بالفوائد الاقتصادية.

موسكو التي أخذت على عاتقها حل الصراع في سوريا، نجدها اليوم تعمل وفق آلية الوسيط الذي ينسق بين الأطراف المتنازعة سورياً وعالمياً، ورغم صعوبة الوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف، إلا أن موسكو لا تدع مناسبة أو مؤتمر يمر دون التذكير بمسألة التعاون لإعادة إعمار سوريا.  كما تحاول روسيا فرض مسألة إعادة الإعمار على الدول التي شاركت في النزاع السوري، بعد أن أصبحت تقدر كلفة هذه العملية بحوالي ٤٠٠ مليار دولار وفق أحدث التقارير الاقتصادية.

لا يستطيع حلفاء سوريا وحدهم “موسكو-طهران-بكين” تغطية هذا الرقم الضخم لإعادة الاعمار، خاصة بعد فرض واشنطن عقوباتها الأخيرة على إيران وروسيا، ونزاعها التجاري مع الصين. وبالتالي فإن عملية إعادة الإعمار تحتاج لمساهمة دولية من قبل المؤسسات المالية الدولية “صندوق النقد الدولي” و “البنك الدولي” إضافة للدول الغربية التي ترفض المشاركة في أي عمليات لإعادة الإعمار تسبق التوصل لعملية انتقال سياسية.

من يتابع تطورات المشهد في سوريا يدرك أن سوريا تتجه إلى مرحلة أخطر وأعقد من الحرب التي خاضتها، والتي دفع السوريون خلالها فاتورة باهظة الثمن، إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية التنموية منها والمعيشية.

هذه المؤشرات تؤكد أن ما تقوم به موسكو لإعادة النازحين السوريين إلى وطنهم لن يكون بالأمر اليسير، فالداخل السوري يعاني من أزمات معيشية خانقة. والسؤال من سيساعد السوريين القادمين من الخارج بعد أن فقدوا كل ما يملكونه من مأوى وعمل؟

ربما تعتقد موسكو أن توزيع السلل الغذائية التي تقدمها المنظمات والهيئات الدولية هو الحل، فإذا كانت المساعدات الإنسانية هي الطرح الذي تقدمه موسكو للدول الغربية فهذا مؤشر على فشلها في تحقيق حلمها التاريخي الذي استنزفت فيه مقدراتها العسكرية والاقتصادية دون فائدة. فإعادة الإنتاج وبناء المجتمع بعد انتهاء الحرب لا يقوم على “سلة غذائية مجانية”، وهذا الأمر فشلت فيه كبرى الدول والمنظمات الدولية التي قدمت المساعدات الإنسانية في العديد من الدول الافريقية التي خاضت صراعات ونزاعات عنيفة، ومازالت رحى الصراع المعيشي والاقتصادي تدور في طواحين تلك الدول.

من جهة أخرى إذا ساد الاعتقاد بأن ما حدث في سوريا يمكن حلّه بتقديم سلل غذائية مجانية ومساعدات طبية، فهذا يعني بأن كل السوريين خسروا حلمهم بالعيش في سوريا التي قاتلوا وقتلوا من أجلها.

من جهة المؤيدين للنظام السوري، يحلم الغالبية بأن تتكفل بهم الحكومة السورية وأن تعالج أزماتهم المعيشية والاقتصادية بطريقة تكون على مستوى التضحيات التي قدموها خلال الحرب، لكن الحقيقة تقول بأن النظام السوري خسر خلال الحرب موارده التنموية التي كانت تشكل رافعة الاقتصاد السوري، واليوم تواجه الحكومة السورية مطالب السوريين المؤيدين لها بحقنهم بإبر التخدير.

أما عن النازحين المضطرين للعودة لسوريا، وأولئك الراغبين بالرجوع بدافع شخصي نتيجة الفشل بالاندماج في الدول التي احتضنتهم أو ربما نتيجة التعامل غير الإنساني الذي واجهوه في بعض الدول، فهؤلاء خسارتهم مضاعفة لأنهم خسروا حلمهم بالرجوع إلى سوريا التي رغبوا بها قبل رحيلهم، وخسروا سكنهم ورزقهم ووظائفهم التي سيعانون الكثير لاستعادة جزء منها. والخسارة الأفجع، هي إعادة دمجهم بنسيج المجتمع السوري الذي شوهته الحرب وباعدت بين جميع أطيافه.

إن المساعدات التي تنتظرها موسكو من الدول الإقليمية وتحلم بالحصول عليها، لن تكون قادرة على حل مشكلة السوريين، ولن تتمكن من إعادة إعمار سوريا. ولنا كسوريين في العراق خير دليل على ذلك، حيث أشارت التقديرات الأخيرة لوزارة التخطيط العراقية بأن العراق يحتاج إلى ٨٨.٢ مليار دولار لتنفيذ مشاريع إعادة إعمار ما دمرته الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ورغم المناشدات لم يحصل العراق سوى على مبلغ ٣٠ مليار دولار منها، قدمتها ٧٦ دولة ومنظمة إقليمية ودولية ومحلية كانت مشاركة بمؤتمر إعادة إعمار العراق الذي استضافته الكويت بالشهر الثاني من العام الحالي. من ضمنها ٤٠٠ مليون دولار قدمتها أوروبا للعراق على شكل مساعدات إنسانية، علماً أن العراق بلد غني بالنفط.

من هنا تدرك الدول الغربية بأن نهج روسيا لحل الصراعات يقتصر فقط على تجميد النزاعات والحروب لا إنهائها، وذلك عبر التسويات والمصالحات، وهذه الآلية كانت واضحة في العديد من النزاعات التي عملت موسكو على معالجتها قبلاً في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا واليوم في سوريا.

فرضت روسيا تسويات سياسية ومصالحات أوقفت الصراع في سوريا، ولكنها فشلت في معالجة الأسباب الأساسية وإيجاد حلول تضمن استقرار المنطقة، وما لم يتم معالجة هذه الأسباب فإن أقصى ما يمكن أن يحققه هذا النهج هو “سلام هش.” بإمكان أية دولة قوية عسكرياُ قمع الصراعات لبعض الوقت، لكن من يضمن ألا تتفجر مرة أخرى بمجرد تغير موازين القوة؟

يتطلب حل الأزمة في سوريا بشكل دائم التزامًا ماليًا جديًا، وهو أمر تفتقر إليه روسيا، خاصة بعد فرض واشنطن عقوباتها الاقتصادية عليه، عدا عن الوضع الاقتصادي الداخلي لموسكو الذي استنزف نتيجة تدخلاتها بأوكرانيا وسوريا، لذلك يستحيل عليها تمويل عملية إعادة إعمار أو تقديم خطة مارشال لسوريا، رغم أنها سعت للحفاظ على مصالحها الخاصة من خلال إنشاء قواعد عسكرية لها في طرطوس، إضافة لحصولها على مشاريع الطاقة في سوريا والتي تضمن لها استعادة بعض ما خسرته في الحرب السورية، مقابل اختصار الوجع السوري “بسلل غذائية مجانية.”

ثلاث اولويات اميركية في سوريا

ثلاث اولويات اميركية في سوريا

باستكمال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعيين فريقها المختص بسوريا، بات موقف واشنطن أكثر وضوحاً من هذا الملف لتحقيق ثلاث أولويات: هزيمة «داعش» ومنع عودة ظهور التنظيم شمال شرقي سوريا، وتقليص النفوذ الإيراني، والعمل مع موسكو بالحوار والضغط للوصول إلى حل سياسي وفق القرار «2254». وهناك مقترحات خطية لخبراء أميركيين بينهم المبعوث الجديد إلى سوريا، تضمن إقامة «حظر جوي وبري» شرق سوريا لتحقيق هذه الأهداف.

وتتقاطع اهتمامات إدارة ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «احتواء إيران» في سوريا، الأمر الذي سيكون حاضراً في لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، في جنيف، الخميس، بعد عودة بولتون من إسرائيل.

لكن موسكو لا تزال تسير وحيدة في مسارات أخرى متنافسة مع مفاوضات جنيف: إذ يزور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو موسكو الجمعة، لبحث مصير إدلب وعزل «جبهة النصرة» قبل القمة الروسية – التركية – الإيرانية في طهران يومي 7 و8 الشهر المقبل على أن تجري مشاورات إضافية لعقد القمة الروسية – التركية – الألمانية – الفرنسية بعد ذلك وقبل مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من سبتمبر (أيلول) المقبل.

ويتوقع أن تصب جميع هذه الاتصالات في بلورة أرضية دولية – إقليمية تسمح للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بالمضي قدماً في تشكيل اللجنة الدستورية، واستضافة لقاء لممثلي الدول الثلاث الضامنة لعملية آستانة (روسيا، إيران، تركيا) في جنيف، الشهر المقبل.

ذلك المسار، الذي لا تزال واشنطن تنظر إليه بشكوك وتنأى بنفسها عنه، الأمر الذي برز في لقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ودي ميستورا في واشنطن الأسبوع الماضي، عندما رفض الجانب الأميركي أي إسهام في إعمار سوريا (المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق) قبل تحقيق اختراق سياسي بموجب مسار جنيف.

موقف بومبيو كان منسجماً مع التغييرات التي حصلت في الفريق الأميركي للملف السوري – الإيراني. إذ إنه بعد مشاورات طويلة، حسم إدارة ترمب ملف التعيينات. مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي جويل روبان الذي جرى تداول اسمه سابقاً مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، عين نائب مساعد وزير الخارجية لينضم إلى مسؤول الشرق الأوسط في الخارجية ديفيد شينكر بدلاً من ديفيد ساترفيلد الذي ينتظر تثبيته سفيراً في أنقرة.

والمفاجأة كانت بتعيين السفير الأميركي الأسبق في بغداد وأنقرة جيمس جيفري ممثلاً لوزير الخارجية لـ«الانخراط» في سوريا.
شينكر وجيفري وآخرون سينضمون إلى الإدارة، جاءوا من «معهد واشنطن للشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية. واللافت أن تعيينهم تزامن مع تسمية فريق أميركي خاص بـ«العمل في شأن إيران». كما أن تعيين جيفري نص على أن جزءاً من مهمته العمل على «تقليص النفوذ الإيراني»، إضافة إلى منع ظهور «داعش» بعد هزيمة التحالف الدولي لهذا التنظيم المتوقعة في نهاية العام الحالي.

وإذ يقول محللون عارفون بالمبعوث الأميركي الجديد إن جيفري معروف بمعاداته لإيران، وإن موقفه كان واضحاً من ذلك، عندما كان سفيراً في بغداد بين 2007 و2008 وعبر بوضوح عن رفضه الانسحاب الأميركي من العراق، ما يجعله يقف على الضفة الأخرى من المبعوث الأميركي في التحالف الدولي ضد «داعش» بريت ماغورك.

وإذ تأتي هذه التعيينات وسط الجدل في شأن البقاء الأميركي شرق سوريا وترجيح كفة استمرار الوجود العسكري شرق نهر الفرات بمعنى أو آخر، خصوصاً بعد إقناع حلفاء واشنطن الرئيس ترمب بـ«ضرورة عدم تكرار خطأ سلفه باراك أوباما بالانسحاب من العراق في 2011». وإذ أوقفت إدارة ترمب مساعداتها البالغة 230 مليون دولار لشمال شرقي سوريا، فإن أعضاء دول التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش» وفروا 300 مليون دولار لدعم الاستقرار والتنمية في هذه المنطقة التي تشكل ثلث مساحة سوريا (185 ألف كيلومتر مربع).

كما تأتي التعيينات في وقت تعمل موسكو وواشنطن على ترتيبات «تضمن أمن إسرائيل» بموجب تفاهم ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي. ترجم ذلك، بعودة القوات الحكومية السورية إلى الجولان وتفعيل اتفاق فك الاشتباك وحصول إسرائيل على «تفويض من بوتين بضرب البنية التحتية لإيران في سوريا ومنع قيام جبهة ثانية في الجولان (بعد جنوب لبنان) لـ(حزب الله) وإيران»، بحسب مسؤول غربي.

إجراءات محددة وتوصيات

وتبدو أفكار واشنطن حالياً واضحة في ورقة أعدَّها مجموعة خبراء بينهم المبعوث الأميركي الجديد لسوريا في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» في 11 من الشهر الماضي، خصوصاً أن التوصيات التي ظهرت فيها كانت بين أسباب اختيار جيفري لمنصبه.

وجاء في التوصيات التي رفعت إلى الإدارة، بعنوان «نحو سياسة جديدة في سوريا»، أنه «من شأن فرض عقوبات ومنطقة حظر جوي وبري شمال شرقي سوريا حرمان نظام الأسد والقوات الإيرانية من الحصول على إمدادات، الأمر الذي سيثير غضب السنة المحليين ويدفع نحو عودة تنظيم (داعش)».

ومن شأن وجود مثل هذه المنطقة بجانب فرض عقوبات فرض تكاليف كبيرة على نظام الأسد عبر حرمانه من الأموال والدخول اللازمة لضمان فرضه سيطرته وإبقائه على شبكات الولاء التي يعتمد عليها نفوذه.

كما «سيؤدي هذا الأمر بدوره إلى خلق أعباء مالية على كاهل إيران وروسيا في خضم جهودهما للإبقاء على نظام الأسد. في الوقت نفسه ستتراجع قدرة طهران على توفير تكاليف هذا الدعم الذي تقدمه للنظام السوري بسبب السياسة الأميركية الساعية لفرض الحد الأقصى من الضغوط عليها. من ناحية أخرى فإن الحملة الإسرائيلية لمنع إيران من بناء بنية تحتية لها داخل سوريا تحمل مخاطر تهديد المكاسب العسكرية التي نالها النظام السوري بصعوبة.

وهنا تظهر معضلة أمام موسكو: هل ينبغي أن تلتزم بجهود ذات تكلفة متزايدة للإبقاء على الأسد في السلطة، وهو مسار يحمل مخاطرة اشتعال حرب بين إسرائيل وإيران، أم عليها العمل مع الولايات المتحدة للتخلص من الأسد والحفاظ على المكاسب الروسية في سوريا».
وخلصت الورقة إلى التوصيات الآتية:

– الحيلولة دون عودة ظهور «داعش» ومنع إيران من بناء هيكل عسكري واستخباراتي دائم في سوريا ومنطقة الهلال الخصيب بوجه عام.

– منع القوات الإيرانية والأخرى التابعة للأسد من الدخول إلى شمال شرقي سوريا بعد هزيمة «داعش»، وفرض منطقة حظر جوي وبري في شمال وشرق نهر الفرات باستخدام القوة الجوية ووجود عسكري صغير على الأرض.

– الإبقاء على منطقة حظر جوي وبري حتى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برقم 2254 والساعي لإقرار حكومة سورية مستقلة دون مشاركة الأسد والقوات المدعومة من إيران الداعمة لحكمه.

– دعم الجهود الإسرائيلية لخلق شقاق بين إيران وروسيا والأسد بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع عسكرية إيرانية.

– تشديد العقوبات ضد البنوك التي تصدر اعتمادات لنظام الأسد، ومن يوفرون الموارد لوكلاء إيران داخل سوريا والنظام السوري الذين ييسرون الاستثمارات الإيرانية في سوريا.

– معاونة حلفاء الولايات المتحدة داخل شمال شرقي سوريا على إيجاد أسواق بديلة للنفط والصادرات الزراعية التي يبيعونها حاليا للنظام (تضم منطقة شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية 90 في المائة من النفط السوري و45 في المائة من الغاز وأكبر ثلاثة سدود ومعظم المنتجات الزراعية خصوصا القطن).

– العمل مع تركيا في منبج وغيرها من المناطق لخلق نفوذ ضد الروس».

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

سوريا في أسبوع، ٢٠ آب

سوريا في أسبوع، ٢٠ آب

كارثة إدلب المحتملة
١٦- ١٩  آب/أغسطس

دعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، خلال لقائها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تجنب حدوث أزمة إنسانية في شمالي سوريا. ونقلت وكالة “فرانس برس” عن ميركل قولها، خلال لقائها مع بوتين في العاصمة برلين، أمس السبت ١٨ من آب، إن “من الضروري تجنب حدوث أزمة إنسانية في إدلب السورية والمنطقة المحيطة بها.”

وأكدت ميركل على أن ألمانيا وروسيا تتحملان مسؤولية إيجاد حل لوقف القتال في سوريا. ونوهت إلى أنها ناقشت مع بوتين مسألة الإصلاحات الدستورية والانتخابات المحتملة، في لقائهما السابق في سوتشي، في أيار الماضي.

بدوره جدد بوتين دعوته لدول الاتحاد الأوروبي لدعم مشروع إعادة الإعمار في سوريا، معللًا بملايين اللاجئين الموزعين في الدول الأوروبية ولبنان والأردن وتركيا، ومشددًا على ضرورة عودتهم إلى بلادهم. (عنب بلدي)

وتعددت التصريحات التي تشير إلى قرب وقوع معركة إدلب حيث أعلنت “غرفة عمليات ريف حلب الجنوبي” عدة قرى في الريف الجنوبي لحلب “مناطق عسكرية”، مطالبة السكان بإخلائها. وفي بيان نشرته غرفة العمليات يوم الخميس ١٦ آب، قالت إن المناطق تشمل القرى المحاذية والمتداخلة على خطوط المعارك مع النظام السوري، وهي: جزرايا، زمار، العثمانية، جديدة طلافح، حوير العيس، تل باجر، بانص، و برنة. وطالب البيان السكان بإخلاء القرى المذكورة وأخذ التدابير اللازمة خلال ٤٨ ساعة، وذلك “حرصًا على أرواحهم.” (عنب بلدي)

أمريكا تمول الاستقرار عبر الحلفاء
١٧ آب/أغسطس

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تقليص المساعدات الخارجية، بما فيها المخصصة لإعادة الاستقرار إلى المناطق التي لم تعد خاضعة لداعش.

بالمقابل تحض الحلفاء على زيادة تمويل إعادة الاستقرار، حيث أشارت الإدارة الأمريكية يوم الجمعة إنها ضمنت الحصول على ٣٠٠ مليون دولار من شركائها في التحالف للمساعدة في تحقيق الاستقرار، منها ١٠٠ مليون دولار تعهدت السعودية بتقديمها كما تعهدت الإمارات بتقديم مساهمة في التمويل الجديد قدرها ٥٠ مليون دولار، بالإضافة إلى تعهد كل من أستراليا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وتايوان والكويت وألمانيا وفرنسا بتقديم أموال.

وقال ديفيد ساترفيلد القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي إنه لن يكون هناك تمويل دولي لإعادة إعمار سوريا إلى أن تبدأ عملية سياسية “ذات مصداقية ولا رجعة فيها” لإنهاء الصراع السوري. وأضاف “لن يكون هناك مساعدات لسوريا باتفاق دولي إلا إذا أكدت الأمم المتحدة، أن عملية سياسية ذات مصداقية ولا رجعة فيها بدأت.” (رويترز)

الروس وإعادة اللاجئين
١٤-١٧ آب/أغسطس

في إطار الاهتمام الروسي بملف عودة اللاجئين السوريين قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الثلاثاء إن موقف الغرب من اللاجئين السوريين فاجأ موسكو وإن الظروف قائمة لبدء عودة اللاجئين إلى ديارهم.

وكان لافروف يتحدث بعد أن أجرى محادثات مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو. وفي سياق متصل نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن وزارة الدفاع قولها إن الوزير سيرجي شويجو بحث مسألة عودة اللاجئين السوريين لبلادهم مع نظيره التركي خلوصي أكار خلال محادثات في موسكو يوم الجمعة. (رويترز)

وصرحت وزارة الخارجية الروسية يوم الاثنين الماضي أنه “من المقرر في المستقبل القريب” عقد قمة رباعية بشأن سوريا بين زعماء روسيا وفرنسا وتركيا وألمانيا.

دي ميستورا وإعادة الإعمار
١٦ آب/أغسطس

أكد المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على ضرورة تقديم الحل السياسي على مشروع إعادة الإعمار في سوريا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية، هيذر نويرت، اليوم الخميس ١٦ من آب، إن دي مستورا وبومبيو، ناقشا خلال لقائهما أمس، ضرورة إيجاد حل سياسي في سوريا من جميع الأطراف، ومنع نشوء أزمة إنسانية في إدلب.

واعتبر الطرفان أن الحديث حول إعادة البناء في سوريا “سابق لأوانه”، في إشارة للعمل على مسار الحل السياسي وإجراء انتخابات نزيهة ضمن إطار قرارات مجلس الأمن الدولي، قبل الضغط لعودة اللاجئين إلى بلادهم. وحول عودة اللاجئين، قال بومبيو إن أي عودة للاجئين إلى سوريا يجب أن تكون آمنة وتحت مظلة الأمم المتحدة.  كما ناقش دي ميستورا وبومبيو التقدم الذي يتم إحرازه في اللجنة الدستورية، بعد تسليم المعارضة والنظام مرشحيهما للجنة. (عنب بلدي)

العراق يقصف داعش في سوريا
١٦ آب/أغسطس

قال الجيش العراقي في بيان يوم الخميس إن الطائرات العراقية قصفت تجمعاً لأعضاء في داعش داخل سوريا وقتلت عددا منهم كانوا يخططون لشن هجمات عبر الحدود .حيث تم استهداف “غرفة عمليات” كان أعضاء التنظيم يجتمعون بها.

وألحق العراق هزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يحتل في وقت ما ثلث مساحة البلاد، لكنه لا يزال يشكل تهديدا على طول الحدود مع سوريا. وقال بيان الجيش “بحسب المعلومات الاستخبارية كان هؤلاء الإرهابيون الذين تم قتلهم يخططون لعمليات إجرامية بالأحزمة الناسفة لاستهداف الأبرياء خلال الأيام القليلة المقبلة داخل العراق.” (رويترز)

الأكراد يفاوضون
١٤ آب/أغسطس

 قال رياض درار رئيس مجلس سوريا الديمقراطية، يوم الثلاثاء إن المجلس زار دمشق الأسبوع الماضي لإجراء جولة ثانية من المحادثات مع الحكومة.

وكان وفد يشمل أفراداً من قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة وتسيطر على نحو ربع سوريا قد أجرى محادثات مع دمشق هذا الشهر في زيارته الأولى المعلنة للعاصمة. وتلقي الزيارات الضوء على الجهود التي تبذلها السلطات بقيادة الأكراد لفتح قنوات جديدة مع الحكومة السورية في إطار سعيها للتفاوض من أجل اتفاق سياسي يحفظ لهم الحكم الذاتي داخل سوريا.

وقال درار إن المجلس أجرى محادثات جديدة تناولت اللامركزية والدستور. وأضاف إن الحوار تضمن اقتراحاً من دمشق بأن تشارك المنطقة التي تحظى فعليا بالحكم الذاتي في الانتخابات المحلية التي تجرى الشهر المقبل. وأكد أن مجلس سوريا الديمقراطية يصر على الاحتفاظ بهيكله الحاكم والحكم الذاتي في أي انتخابات مستقبلية. وأضاف درار أن مسؤولي الحكومة السورية طرحوا العديد من الأمور التي يرى مجلس سوريا الديمقراطية أنها سابقة لأوانها. وقال “نحن بحاجة للاتفاق على قضايا خدمية أولا ويمكن أن تُبعث الثقة بيننا.” (رويترز)

إيران مستمرة في سياستها
١٣-١٥ آب/أغسطس

قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لقناة الجزيرة القطرية إن بلاده لن تكبح نفوذها في الشرق الأوسط رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة على طهران للحد من أنشطتها في المنطقة. ونقلت الجزيرة يوم الاثنين الماضي عن ظريف قوله “لن تغير إيران سياساتها في المنطقة بسبب العقوبات والتهديدات الأمريكية.” (رويترز)

وتحمل سياسة إيران في سوريا جوانب اقتصادية إلى جانب السياسية والعسكرية، حيث اتفقت وزارة الإسكان والأشغال العامة في الحكومة السورية مع شركات إيرانية على تنفيذ وحدات سكنية ضمن مشاريعها للإسكان.

ووفق ما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “ارنا”، الأربعاء ١٥ من آب، فإن وفدًا اقتصاديًا إيرانيًا توصل إلى اتفاق مع وزارة الإسكان على تنفيذ ٣٠ ألف وحدة سكينة من مشاريع المؤسسة العامة للإسكان. وبحسب الاتفاق، فإن المشاريع ستنفذ في كل من دمشق وحلب وحمص، على أن يشرف القطاع الإيراني الخاص على إنشائها.

واتفق الطرفان على تشكيل فريق من المقاولين الإيرانيين للاطلاع على عمل قطاع المقاولات السورية، وفق ما ذكرت الوكالة الإيرانية، مشيرة إلى أن وزير الإسكان السوري، حسين عرنوس، تعهد للشركات الإيرانية بتقديم التسهيلات اللازمة. (عنب بلدي)

سوريا تصدر الكهرباء!
١٣ آب/أغسطس

أعلن وزير المالية اللبناني، علي حسن خليل، موافقته على استجرار الطاقة من سوريا، في ١٣ من آب، وأكد أن “سوريا عرضت على لبنان استجرار الطاقة بأسعار مقبولة، وكان هناك وفد سوري برئاسة وزير الطاقة منذ أسبوعين وقدم لنا عرضًا أقل من البواخر، أو حتى المعامل، وإمكانية أن تصل التغذية إلى ٣٥٠ ميغا واط.” يأتي هذا التصريح في ظل الخسائر الكبرى التي مني بها قطاع الكهرباء في سوريا والحاجات الضخمة للطاقة الكهربائية المطلوبة في المستقبل القريب (عنب بلدي).

ضريبة على الذهب أم على الوطن؟

ضريبة على الذهب أم على الوطن؟

قالت الهيئة العامة للضرائب والرسوم إن الجمعية الحرفيّة للصياغة وصنع المجوهرات بدمشق قد تنصّلت من تسديد رسوم الإنفاق الاستهلاكي المستحقة لهيئة الضرائب بموجب اتفاق تمّ العمل به حتى ٣٠/٠٦/٢٠١٨، مع تعديل الرسم الشهري المتفق عليه كل ستة أشهر، إلا أن الجمعية حاولت في الفترة الأخيرة استخدام كل الوسائل من أجل عدم تسديد المستحق لهيئة الضرائب والرسوم.

وهذا الخلاف بدأ يَرشَح إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ناقلًا عن الطرفين تصريحات مبهمة، لا توضّح جوهر الخلاف بينهما، ولا حتى تأثيره على الدولة السورية والسوريين عامة، لذا أردنا لهذه المقالة أن تحاول إحاطة القارئ بأكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل حول هذا الموضوع.

رسم الإنفاق الاستهلاكي

تمّ فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على مبيعات الذهب بموجب أحكام المرسوم التشريعي رقم ١٨/ لعام ١٩٨٧، وبمعدل قدره (١٠%) ثم صدر المرسوم التشريعي رقم ٦١/ لعام ٢٠٠٤ القاضي باستيفاء رسم الإنفاق الاستهلاكي بمعدل ١٠% على الحلي الذهبية الخاصة، ومعدل ١٥% على الحلى الذهبية الأخرى والمجوهرات، وهذه الضريبة بقيت حبيسة الأوراق الرسمية لوزارة المالية، فلم يتمّ جبايتها لعدة أسباب منها فساد الجباة وتلقيهم الرشوة، وتهرّب التجار من تحصيلها من زبائنهم الملزمين بدفعها؛ وذلك كخدمة مجانية لهم؛ لتشجيعهم على الشراء، وأحيانا مقابل دفع الزبائن رسومًا بسيطة للتاجر لا تصل لمقدار الضريبة المتوجبة عليهم، إضافة للتهرّب الضريبي للتاجر، والذي كان يتم على مستوى الدولة ككل.

وبعدها صدر المرسوم التشريعي رقم/١١/ لعام ٢٠١٥، الذي خفض رسم الإنفاق الاستهلاكي ٥% بهدف التشجيع على الالتزام بدفعه، لكنه لم يُنفّذ بسبب اعتراض الصّاغة عليه؛ نتيجة إصابة السوق بالركود. هذا أدى إلى وضع آلية بديلة، بحيث يتم تقدير الضريبة على كل صائغ على حدة، لتعود وزارة المالية إلى تفعيل ضريبة الرسم الاستهلاكي خلال العام الجاري، فارضة ٥.٧٥% على كل غرام ذهب، شاملًا الرسم المالي، وإعادة الإعمار، وقد جاء هذا (بحسب تصريح الوزارة) نتيجة فشل مفاوضات من جمعيات الصّاغة لأجل الحصول على الضريبة. ويتم استيفاء ضريبة الرسم الاستهلاكي الجديدة من قبل عناصر من الدوائر المالية الذين يتواجدون عند الوسم من أجل بيان كمية الذهب المدموغ في الجمعيات المعتمدة، وبالتالي استيفاء الرسم.

سبب الضريبة

لماذا هذا الاهتمام بهذه الضريبة الآن؟ ولماذا يرفض التجار دفعها طالما أنهم لن يدفعوها من أرباحهم؟

توسّع نشاط هذا القطاع خلال السنوات الثماني السابقة، مستفيدًا من الاضطرابات في سعر الدولار، وتوقّف عجلة الاقتصاد في سوريا نتيجة الحرب، فقد غدا الذهب أكثر استقرارًا في سوريا، وملاذًا للادّخار، والحفاظ على قيمة الثروة، والعملة الخفية للتبادل التجاري، حيث يستعمل الدولار الذهبي (الدولار المقيم للأونصة الذهبية) أساسًا في تقييم تسعير الأعمال.

لذلك ليس غريبا أن تتّسم السياسات الاقتصادية للحكومة المرتبطة بهذا القطاع بالمرونة والسرعة، والتغاضي عن الكثير من التعدّيات في جوانبه؛ للمحافظة على الحياة التجارية في سوريا، وإن كانت بالحد الأدنى.

فقد سُمح باستيراد الذهب منذ العام ٢٠١٤ برسوم لا تتعدى ١٠٠ دولار على الكيلو غرام منه، وبتمويل من القطع الأجنبي لدى المصرف المركزي، كما سمح بتصديره، وقد استخدم تصدير الذهب كطريقة لتهريب الأموال المضمونة إلى الخارج، وطريقة لسداد الالتزامات المالية على التجار، والتي كانت تعاني من الضغط لإيجاد الدولار، وارتفاع تكاليف تحويله، حيث أن القرار سَمح بتصدير الذهب مع تعهد بإعادته. كان الضامن عبارة عن تعهّدٍ كتابيّ قبل التصدير، ودفع تأمين ٥%  فقط من قيمة المواد المصدرة! وهذه النسبة هي أقل حتى من تكاليف الحوالة المالية العادية بين المحافظات السورية نفسها، وخاصة إذا عرفنا أن أكثر سوق تم تصدير الذهب إليه هو الإمارات.

كان لهذا التساهل في سوق الذهب ما يبرره، بحسب النظام، فقد كان الذهب يدفع بالناس إلى ضخّ مدخراتهم بهذا السوق مقابل الحصول عليه للحفاظ على قيمة المدخرات. وبالتالي كان السوق يحصل على السيولة اللازمة، سواء من العملة السورية أو الدولار، وخاصة أن السوق في تلك الفترة عانى انكماشاً بسبب انخفاض السيولة فيه، وهذه الزيادة في الكتلة النقدية مضمونة القيمة باعتبار أن المعادن الثمينة تدعم وضع الاحتياطيّات النقدية.

لكن نتيجة ضعف سيطرة النظام على السوق، وانتشار الفوضى بالسلاح، والجهات المتداخلة في الشأن الاقتصادي؛ كلّ ذلك جعل الذهب وما يمثله من قيمة خارج سيطرة حكومة النظام، ولكن يبدو أنه مع اقتراب إعلان النظام عن سيطرته على سوريا ومنافذها الحدودية فالأمر يتطلب منه ضبط السوق من خلال السيولة (وهي التي جفّت بحسب تعبير صندوق النقد الدولي) مرورًا بإعادة تشكيل الاحتياطيات النقدية التي يشكّل الذهب عمودها الفقري، إلى إعادة الاعتراف بالعملة السورية كوسيلة للتبادل الداخلي، أو الخارجي.

لماذا كل هذه المقاومة لضريبة ٥.٧٥%؟

تشهد علاقة الود بين حكومة النظام وقطاع الذهب (بمستورديه، ومصدّريه، ومستهلكيه، وصاغته) إشكالًا بعد فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على دمغة الذهب بنسبة ٥.٧٥%.

حيث التعليمات الجديدة تقوم على استيفاء الضريبة عند الوسم من قبل الجباة، ومن الصّاغة مباشرة، والذين يُترك لهم الخيار بعد ذلك لجبايتها من الزبائن أو لا! والجباة عددهم اثنان لكل جمعية من الجمعيات الثلاث (دمشق، وحلب، وحماة): يعملون فقط ٤ أيام بدل ٦ أيام والتي كانت متوفرة من قبل للجمعيات للوسم؛ مما يعني ضغطًا قد لا يؤدي لوسم كافة الكمية التي يطلبها السوق، وهذا يعني ضغطًا على السوق من الناحية التقنية، خاصة إذا علمنا أنّ هناك ٢٤٠٠ حرفيٍّ فقط في دمشق.

أما من الناحية العملية فإن الرسم ٥.٧٥% يعني أن كل كيلو غرام من الذهب سيكون عليه ضريبة بقيمة ٩٠٠ ألف ليرة سورية، أي ٢٠٤٦ دولاراً، على أساس أنّ سعر الدولار ٤٤٠ ليرة سورية، فالمواطن كان يدفع حوالي ٣٠٠ ليرة سورية عن كل غرام ذهب، ومع تطبيق نسبة رسم الإنفاق الاستهلاكي الجديد سيرتفع المبلغ إلى قرابة ٩٠٠ ليرة سورية.

السوق وفرض الأمر الواقع

وهذا الأمر يُفقِد الذهب بريقه كعملة بديلة بتسعير الأعمال؛ وبالتالي دخول هذه الأسواق في حالة فوضى جديدة، كما حدث عامي ٢٠١٢-٢٠١٣ إضافة إلى أن الذهب سيتم تهريبه إلى الخارج، وليس الذهب فقط، بل الحرفيّين أيضًا، الذين يُتوقَّع أن تغلق أعمالهم، كما سيزيد الطلب على الدولار من جديد؛ ليرتفع سعره، مما يعني أنّ تكلفة الحياة في سوريا أو إعمارها ستزيد.

رفضت السوق فرض الحكومة عليها لرسم إنفاق ٥.٧٥%، حيث بدأ الرد بإعلان الصّاغة بأن عمليات البيع في السوق قد توقفت نهائيًا، والمبيعات وصلت للصفر؛ نتيجة رسم الإنفاق، بذريعة توقُّف الطلب، أما خطوة التصعيد التالية فكانت إعلان الصّاغة على لسان رئيس الجمعية غسّان جزماتي بأن الجمعية قد توقّفت بشكل شبه كامل عن دمغ أي قطعة ذهبية؛ وذلك لأن السوق قد فرضت أمرًا واقعًا جديدًا، حيث أصبح في سوق الذهب سعران: سعر رسمي مع رسم الإنفاق الاستهلاكي، وسعر سوق أخفض منه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصّاغة لا يقومون بعمليات الدمغ؛ لرفضهم دفع الرسم الجديد، وبالتالي فإنهم يبيعون ذهبًا بشكل غير رسمي، ودون أن يدفعوا رسم الإنفاق، أي بطريقة غير شرعية عملياً (احتيالاً)؛ لتُوْلد سوق سوداء للذهب، مما يعني التهرب الضريبي، كدمغ سلسلة ذهبية تزن ٣ غرامات ونقل القفل فيما بعد إلى قطع ذهبية ذات أوزان أكبر، واعتماد الصّاغة على شراء الذهب المدموغ سابقا.

كل هذا يعني أنّ خطة حكومة النظام فشلت في جباية نقدية تحسّن من قدرتها على تمويل الميزانية العامة للحكومة، من جهة، أو المساهمة في إعادة الإعمار من جهة أخرى، على اعتبار أن حجم الجباية المتوقع من دمشق وحدها يقدّر بحوالى ٢٠٧٣.٦٠٠ مليون ليرة، لكن الحقيقة أن التهرب كان قد بدأ منذ الإعلان عن فرض الضريبة، أمّا الحكومة فقد ردّت على لسان وزير ماليّتها مؤكدة “استمرار فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي.”

يذكر أنّ وزارة المالية لم تستشر البنك المركزي المسؤول عن السياسات النقدية، ولا هو صرّح عن موقفه من الضريبة، وكأنّ البلد باتت رهينة المواقف الفردية، وهذا الأمر لن يشجّع المستثمرين في الدخول في عملية إعادة الإعمار التي أَعتقدُ أنها ستطول في ضوء تخبّطات عشوائية، حتى مساهمة الذهب في السوق النقدية ستتوقف، وهي التي تعاني الآن من انكماشٍ حادٍّ بعد أن فقدت أهمّ مورد لها من العملات التي تأتي من المنظمات الإغاثية للمعارضة.

يوميات سورية: معرض الكتاب السوري ٢٠١٨

يوميات سورية: معرض الكتاب السوري ٢٠١٨

يدخل عروسان لمعرض الكتاب السوري، يتبعان الازدحام ظناً أنّ احتفالية ما تقام في الداخل، يتبختر العريس بطقم عرسه الأسود وقميصه الأبيض ذي الياقة المصفرة من التعرق، أما العروس فترتدي طقماً سكري اللون بتنورةٍ ضيقةٍ وطويلة وتنتعل حذاء صيفياً ألماسي اللون بكعبٍ عال، تتعثر على الأدراج، تتمسك بعريسها. يكاد الازدحام وملابس العروسين الثقيلة يخنقانهما، فتطلب منه المغادرة، وعندما تهبط أول درجة تسقط أرضاً ويسقط حذاؤها في البركة الضئيلة الملاصقة للدرج. لا يتعاطف الزوار معها، يهمس البعض بصوت مرتفع “شو جاية تعمل هون؟” يتكثف التناقض الواقعي بين القراءة واحتفالات شعبية مرجوة من عامة الناس!

فتح معرض الكتاب السوري  أبوابه للدورة الثلاثين تحت شعار “مجتمع يقرأ مجتمع يرتقي” وذلك اعتباراً من الواحد والثلاثين من تموز وحتى العاشر من آب هذا العام، بمشاركة مائتي دار نشر، مائة وعشرون منها سورية والثمانون هي دور نشر عربية وعلى الأخص لبنانية ومصرية إضافة إلى دار المدى العراقي.

تميز المعرض بكثافة في المعروضات وتأمين عدد سخي من العاملين في أجنحته المختلفة المكتظة بالكتب والمتسوقين أو المتفرجين، عائلات بأكملها تطلع وتسأل وتشتري. الأغلفة الصقيلة والملونة، العناوين الجذابة والمألوفة والمأمولة، كلها عوامل جذب.

ورغم أن المعرض يشهد حضوراً شعبياً مقبولاً مقارنةً بالمواسم الأربعة الماضية، إلا أنها لا توازي أبداً الحضور الكبير المعهود في سنوات ما قبل الحرب.

خصص المعرض هذا العام جناحاً كاملاً لدور نشر كتب الأطفال الذي تختلف محتوياته مابين قصص قديمة معروفة عناوينها ومعاد طباعتها، إضافة لوسائل الإيضاح والألعاب التعليمية وغير التعليمية مثل الكرات ولوحات الوجوه الترويجية الضاحكة أو العابسة الخشبية والدارجة على صفحات الفيس بوك.

تقترب سيدة مع طفلها للقسم تسأل عن سعر وجهٍ خشبيٍ مبتسم، وعندما تجد سعره مرتفعاً تطلب من البائعة استعارته للحظات ريثما تتمكن من التقاط صورة لطفلتها وهي تضع القناع على وجهها، وترتسم خلف الابتسامة الخشبية أخرى طفولية أحلى وأكثر دفئاً. اللافت في أجنحة  كتب الأطفال، القصص المصورة باللغة الأجنبية، وهي مرتفعة الثمن لكن الإقبال عليها كثير بسبب جودة الصنع والأغلفة الفنية المميزة وبساطة الكلمات ووضوح الصورة.

تبدو الغلبة في المعرض للكتاب الديني عرضاً وتسويقاً وحضوراً وعدداً من ناحية دور النشر، وإن خالف اسم الدار محتواه.

قرب رف يعرض العديد من هذه الكتب يقف رجل خمسيني بدشداشة بيضاء كشيخ لكن دونما عمامة أو قبعة الصلاة الصغيرة، وحوله طلابه أو مريدوه، يشرح لهم بعض المعلومات عن كتاب أو واقعة مذكورة فيه. وأمامه معلمة تتجمع طالباتها حولها ويتفرقن ليشترين ما تشير إليه معلمتهن، يفرحن بحضورها وبإشارتها ويلبين اقتراحاتها بحفاوة وتقدير.

من دور نشر هذه الكتب دينية “دار العارف” و”مؤمنون بلا حدود” و “دار المعارف الحكمية”، وعن معنى هذه الكلمة قال البائع إنها اشتقاق من الحكمة، كما توزع دار نشر مسيحية وبالمجان كيساً يحتوي إنجيلاً وخمسة كتبٍ و CD  لفيلمٍ دينيٍ عن القديس بولس واسمه “دمشق تتكلم”، والتوزيع اختياري بناءً على الزي والمظهر العام طبعاً وليس للجميع.

يقول أحد الزائرين أنه لمس توفراً سخياً للكتب الفلسفية وكتب العلمانية ونقد الخطاب الديني، ويعزو ذلك “لتراجع مساحة الكتاب الديني”، رغم أن التوفر النوعي لا يعني تراجعاً نوعياً.

في قسم الروايات يفتقد المعرض للكُتاب السوريين، لا أسماء إلا لعادل محمود في مجموعة رواياته القديمة وروايته الأحدث “قطعة جحيم لهذه الجنة”، أحدهم يهمس قائلاً بأنهم قد منعوا رواية الكاتب الروائي خليل صويلح “اختبار الندم” قبل ساعات من افتتاح المعرض!

الجمهور هنا مختلف، بسبابته يقول أنه يمتلك كل ماهو معروض لأنه قديم. فتراجع الكتابة والطباعة و سوق الكتب إضافة لتمويل الرواية يجعل من الروايات المترجمة الطاغية بين المعروضات، ويبلغ سعر بعض الروايات المترجمة الجديدة ما بين ثلاثة وخمسة آلاف ليرة. يقوم العديد من المشترين بمفاصلة العارض لتخفيض السعر، يستنجد بمدير دار النشر أو صاحبها فتثمر جهود المفاوضات  لتخفيض مبلغ خمسمائة ليرة كحدٍ أقصى، ويقول البائع إنهم يبيعون أصلاً بخصم يفوق الثلاثين بالمائة. يتقدم المشتري ليدفع الثمن المقرر ويمشي.

تطلب زوجة شراء كتاب ملون للطبخ، يرفض الزوج مستبدلاً الكتاب المرتفع الثمن بكتابٍ عن مراضاة الزوجة، تبتسم الزوجة بخفر وتبتسم الليرات الباقية في جيب الزوج.

فقد تراجع في المعرض أيضاً عدد كتب الطبخ والموضة والأبراج. فهي مكلفة طباعياً وتسويقها متعثّر لقلة السيولة، لكن الكتب الاحتيالية الساذجة مثل “كيف تراضي زوجتك” أو “أقرب الحلول للرضا عن الذات” أو “الخديعة الكبرى” مازالت تحتل وبثقة العديد من الرفوف.

أما عن كتب المعلوماتية والبرمجيات فعدد الدور المختصة لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، ورغبةً بالتسويق توافرت الأقراص المدمجة CD التعليمية بكثرة خاصة لأنها مستنسخة وبالتالي فإنّ أسعارها أقل من أسعارالكتب ذاتها.

يتعامل العديد من الزائرين مع المعرض كفسحة ترفيهية، يشترون البوظة والبسكوت والعصائر ويجلسون على الأدراج يتسامرون ويراقبون الآخرين، مترفعين عن شراء الكتب، حتى عندما يطالب بها الأبناء تحت ذريعة ارتفاع أثمانها وأن مصيرها للقمامة.

يبدو الحاضر الأكبر في رحاب المعرض الهاتف الجوال، صور سيلفي في أماكن متفرقة وخاصة تحت اللافتات التي تحتوي أسماء دور النشر، صور جماعية وعائلية واتصالات يبحث الحضور عن بعضهم عبرها، “أنا عند الدرج الأول!”، “أنا عند الc20”. وهكذا يدور الوقت وتدور عجلة الفسحة والحياة والصورة شاهدة على أنهم زاروا معرض الكتاب لكنهم لم يجدوا الوقت لقراءة ما فيه.

السمة الأبرز لمعرض الكتاب لهذا العام أيضاً هي ارتباط الكتاب بالعملية التسويقية، حتى على صعيد الإعلانات، “حسومات تصل إلى سبعين بالمائة!”، “اشتري كتابين والثالث هدية!”، حتى أن بعض الدور تجرأت ووضعت لافتات رقمية تحدد سعراً ثابتاً لكل الكتب في زاوية محددة، وتبدأ الأسعار من الثلاثمائة وحتى الستمائة ليرة، لدرجةٍ تظن وكأنك في سوق الرخص على الأحذية أو على  المنتجات الاستهلاكية اليومية والعادية.

كما أن الأكياس التي تحمل شعار المعرض وتاريخه مفقودة، بعض دور النشر تضع كتبها بأكياس من معارض سابقة مثل “معرض أبوظبي الدولي للكتب” أو “معرض مسقط الدولي للكتاب”، وبعض الدور يسلمونك الكتاب دونما كيس أو يبادرون دون استئذانك لوضعه في كيس تحمله، وربما لو طلبت كيساً لاعتذر قائلاً:  “ما بتوفي.”