الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه العلامة الكبرى التي كرست سوريا كسيدةٍ في الأعمال التاريخية التي لا تشوب نصها ونطق حروفها وأدواتها شائبة، وكان ذلك واضحاً وجلياً في ثلاثية حاتم علي (صقر قريش–ربيع قرطبة–ملوك الطوائف).

أما في عام 2010، العام الذي سبق الحرب السورية مباشرة فقد أسدلت الستارة على النتاج الضخم والمشبع فنياً وحركياً وبصرياً وذهنياً مع مسلسل “لعنة الطين” للكاتب سامر رضوان صاحب “ابتسم أيها الجنرال” وثلاثية “الولادة من الخاصرة” للكاتب نفسه و”تخت شرقي” للكاتبة يم مشهدي وغيرهم.

في هذا العقد قدمت سوريا ثورةً في الدراما الاجتماعية التي تخطت ما عداها لتلامس شرائح المجتمع كله تاركةً خلفها سبلاً وأدوات وحكايات تنطلق من البيئة التي جاءت منها بأسلوب تنفيذ سلس ومباشر وبسيط كان كفيلاً بصنع النجوم، نجوم اليوم.

سادة الدراما

لا يزال السوريون يعتقدون أنّهم سادة الدراما، يقدمون هذه المعلومة في كل موسم رمضاني خلال العقد الفائت، ويقولون بلا تفكير بأنّهم قدموا دراما اجتاحت الوطن العربي وعلمته كيف تكون الصنعة. ولكن ماذا يعرف العرب من المحيط إلى الخليج عن الدراما السورية؟

يعرفون شيئاً واحداً (شبرية أبو شهاب) في باب الحارة، وتلك الطامة الكبرى التي أغرقت سوريا في فخّ التجهيل وأوصلت للسوريين معلوماتٍ مغلوطة عن أنّ أعمالاً كزمن العار وأحلام كبيرة وغيرهما كانت تجعل العربي يتسمر خلف الشاشة، والعربي لم يسمع أساساً بتلك الأعمال، إلا ما ندر.

صراع سوريٌّ – مصري

يتجه السوريون هذا العام في جلساتهم وعبر منتديات النقاش في مجموعات التواصل الاجتماعي بصورة غريبة لمناقشة ومقارنة الفرق بين الأعمال السورية والمصرية واضعين عشرات الملاحظات على الأخيرة موجهين انتقادهم اللاذع إلى مسلسل “الحشاشين” بطولة “كريم عبد العزيز” وإخراج “بيتر ميمي”.

ينطلق هجومهم من إشراك اللغة العربية الفصحى باللهجة المصرية في سياق العمل، لتبدأ مواجهة حامية الوطيس يبدو فيها المدافعون عن الإنتاج المصري أكثر من الرافضين له، ويبدو هذا منطقياً لبلدٍ يملك شركات إنتاج تحقق شرطاً فنياً عالي الجودة ويمكن لشركات بلدهم تقديم ما يحاكيه لولا أنّ مزيجاً من الاستسهال والمبالغة والاستعراض جمع بين شركات سوريا ومخرجيها وممثليها، على ما يقوله مهتمون بالمتابعة.

مصر قدمت هذا العام مسلسلات: الحشاشين – العتاولة – المعلم – الكبير أوي 8 – المداح – أشغال شاقه – بابا جه – أعلى نسبة مشاهدة – امبراطورية م – بيت الرفاعي – بدون سابق إنذار – جودر – كوبرا – حق عرب – خالد نور – رحيل – سر إلهي – صيد العقارب – صدفة – صلة رحم – عتبات البهجة – 100 راجل وغيرهم.

وباتت المسلسلات المصرية تبدو وكأنها تحلق وحيدة كما تفعل منذ عقود في فضاء الفن العربي متفهمةً أخيراً أنّ الجمهور لا يحتاج عملاً من ثلاثين حلقةً، وبأنّ 15 حلقة كافية وتزيد عن حاجته وتشبع ذائقته الفنية.

“بوجقة وردح”

حتى الآن لا يمكن فهم أدوات عمل الممثل السوري وثباتها في مكان اللا تطور، حيث يحافظ على مبالغات في الأداء والصياح والاستعراض تجاوزتها مدارس التمثيل، فاليوم يتجه هذه المضمار لإبكاء المشاهد بلقطة يبدو فيها البطل حزيناً بنظراته لا حزيناً لأنّه يصيح ويمزق ثيابه. وهنا يمكن فقط استحضار مشهد المصري “سيد رجب” في فيلم “وقفة رجالة” إذ استطاع إبكاء المشاهدين في صالات السينما دون أن يذرف دمعةً واحدة حين توفيت زوجته وشريكه عمره.

حتى نهاية الأسبوع الأول من رمضان كانت معظم الأعمال السورية تقوم على التنميط، واستنساخ منشورات الفيس بوك، وأحاديث الشارع الممجوجة، وما يقال عنه بالعامية الشامية “البوجقة والردح” من قبل ممثلين محترفين يفترض أنّهم قاماتٌ كبرى متناسين أنّ قسطنطين ستانيسلافسكي” صاحب فلسفة إعداد الممثل قد علمهم أهم قاعدةٍ جوهرية وهي: “تحدثوا للعين وليس للأذن، فالعين هي العضو الأكثر حساسية الذي يقود معنى الفكرة.”

تصويبٌ لا هجوم

ما يحصل الآن ليس هجوماً على الدراما السورية، بقدر ما هو محاولة تصويب للأخطاء التي تكررها كل عام، فالفرنسي المحتل حاضر على الدوام بعمل أو أكثر كل موسم، ودمشق القديمة حاضرة كما المعتاد، والفتيان الزعران وبنات الليل والراقصات حاضرات أيضاً، وكما كلّ عام يتغير اسم الكاتب وتظلّ خطوط الحبكة متشابهة.

لا يمكن القول هنا إنّ ذلك يعود لخطورة مقصّ الرقيب، فالجميع بات يدرك أنّ الرقابة على الدراما باتت أقل ممّا كانت عليه، وإنتاج عملٍ اجتماعي لا يحتاج مغامرةً أصلاً! ومن أنتج وعرض “غزلان في غابة الذئاب 2006” وثلاثية “الولادة من الخاصرة 2011-2012-2013” وغيرهم يدرك جيداً أنّ السقف يمكن أن يكون عالياً والدليل الأمثل مسلسل “الخربة – 2011” للكاتب “ممدوح حمادة” والمخرج “الليث حجو” بكل إسقاطاته السياسية الشديدة والذي عرض ولا زال على الشاشات المحلية بين وقت وآخر، إذ لا ينسى السوريون أنّ “بقرة معلم أكرم” أهم من كل شرائع وقوانين ودساتير وحياة الإنسان في بلدهم.

مقارنة ظالمة

في هذا العام حضرت سورية بجملة من المسلسلات التي تفاوتت الآراء حولها، وما قد يظلمها هو مقارنتها بأعمال أخرى صنعت خلال الحرب.اليوم ينكب جزء من السوريين على مشاهدة أعمال هذا الموسم كـ: ولاد بديعة – كسر عضم (السراديب) – مال القبان – تاج – وصايا الصبار-بيت أهلي – الوشم. وكما في كل عام عانت هذه الأعمال على قلتها من الشرط التسويقي القاسي في السوق الخليجي والذي كان أساس ازدهار الصنعة السورية مطلع الألفية الحالية.

ممثلٌ مرغم على التمثيل

تعتقد رقيّة ميمون الخريجة الجامعية أنّ أعمال هذا العام جاءت متدنية المستوى، وفي قسم كبير منها لا تناسب المشاهدة العائلية، معلّلة ذلك بكم التناول الواسع لمواضيع حساسة تتعلق بالجنس وفتيات الليل والرقص وما شابه ذلك.

تقول: “هناك كميّة لا تصدق من النكد والحزن والانحدار الفني على مستوى النص المجتر والمكرر، لنتذكر قليلاً مشاهد مرّت في تاريخ درامانا ثم لنقارن، مشهد بكاء خالد تاجا في التغريبة الفلسطينية، الحلقة الأخيرة من أسعد الوراق، الاغتصاب في زمن العار، اجتماع العائلة في أحلام كبيرة، مقتل كليب في الزير سالم، مشاهد الأصدقاء في تخت شرقي، الخازوق في إخوة التراب، كل ذلك كان قبل 2011، أما بعده فصرنا نحسّ أنّ الممثل يؤدي وظيفته مرغماً”.

فلسفة مريبة

فيما تتساءل ناهلة عويتي الطالبة الجامعية عن السرّ الذي يجعل كل الحوارات في المسلسلات السورية مغرقة في الفلسفة والسفسطائية والغرابة والابتعاد عن طبيعة المجتمع وتكوينه البسيط، دون أن تنسى استذكار مسلسل “تخت شرقي – إخراج رشا شربتجي 2010″، والذي قدم في حينه صورة أكثر قرباً من يوميات الناس في بلدهم هذا. وتعبر عن رأيها: “الراقصة لديها فلسفتها الأفلاطونية، عامل الصيانة، الطبيب، الدهّان، القاتل، الضابط، الجميع يملك فلسفة مريبة وكذلك الطفل الصغير، أليس هذا نقلاً غير مفهوم في مستوى الدراما من الإمتاع العائلي الترفيهي البسيط إلى دائرة الانعزال عن القضايا اليومية التي تخلق بيئة العمل الدرامي كما يقول صناعه؟”.

بين الواقع والامتنان والإعجاز

في خضم ذلك يرجو الشاب محمد محمد أن تعود الدراما لواقعها بعيداً عن المبالغة المهولة في ترتيب المنازل وديكورها، قائلاً: “نريد شيئاً يشبه حياتنا وبيوتنا الفقيرة لتعود الدراما ملكاً لنا”.

ومن بين تلك الآراء يظهر رأي الأكاديمي معين نصراني مغايراً  إذ يقول إنه ممتن أنّ الشركات لا زالت قادرة على أن تنتج أعمالاً في بلد حطمته الحرب، ويُشدد على فكرته: “13 عاماً من الحرب ولا زلنا ننتج فناً، هل من بلد آخر يستطيع فعل ذلك!”

من سوء حظ معين أنّ جواب سؤاله جاء سريعاً من صديقه الواقف قربه، إذ قال بعفوية: “الرحابنة فعلوا ذلك في حرب لبنان”.

ثمّة نجوم من ذهب

لم يكن غريباً أنّ معظم من التقينا بهم لم يبدوا حماساً للأعمال الدرامية السورية، وهذا طبيعي ومفهوم، فالكثير من الناس في سوريا يملكون قدرةً تحليليةً على تمييز المنتج الرديء من السيء وإجراء مقارناتٍ تأخذهم دائماً نحو طلب الأفضل في ظلّ واقعٍ فعلي يسيطر عليه الاستسهال في معظم مناحيه. إلا أنّ ذلك بطبيعة الحال لا يمكن تعميمه، ففي سوريا نجوم من ذهبٍ قادرون على المنافسة شرقاً وغرباً، ولكنّ هؤلاء النجوم يخضعون لشروط مركبة، فإما شرط إنتاجي سيء، أو أجور قليلة، أو أدوار سيئة يضطرون للقبول بها لئلا يختفوا عن الشاشة. تلك وغيرها عوامل جعلت ولا زالت من الدراما السورية منكسرةً حزينةً لا ترضي صناعها قبل جمهورها.

“هداك المسلسل”: آراء سوريي الداخل بمسلسل ابتسم أيها الجنرال

“هداك المسلسل”: آراء سوريي الداخل بمسلسل ابتسم أيها الجنرال

“العمل مهم جداً، وعلى الصعيد الدرامي جيد للغاية، استمتعت به فعلاً، ثم هل يعقل أن يكتب سامر رضوان عملاً يخلو من رسائل ومضامين عميقة! هناك ملاحظات لا شك، لكنّ هذا العمل دخل المحظور، وبالمناسبة أصرح لأصدقائي هنا في دمشق بشكل طبيعي أني تابعت العمل (ابتسم أيها الجنرال)، ولكن حين أصرح للإعلام ربما يجب أن استخدم اسماً مستعاراً.” يضحك المهندس جمال في نهاية حديثه، مؤكداً مجدداً أنّ الأمر لا يستحق كل هذا الإخفاء والتستر، واصفاً الأمر بأنّه ليس اتجاراً بالمخدرات، وما هو إلّا محض عمل درامي، ولكن من نوع خاص للغاية، على حد تعبيره، عمل يخرق المحظور ويؤسس لفن جديد غير مسبوق.

وفي معرض حديثه يقول: “أليست بداية كل حلقة تقول إنّ جميع شخصيات المسلسل وأحداثه من وحي خيال الكاتب! وإنّ أي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هو من قبيل المصادفة! لذلك علينا ألّا نحمل الأمر أكثر من حجمه، ولكن المشكلة في أولئك الذي نخزتهم مسلة المواقف والمبادئ والقضايا والشعارات، فراحوا يعيبون علينا مشاهدته، مبتعدين أكثر نحو تخويننا في مرات”.

وحول ذلك يروي جمال موقفاً حصل بينه وبين زميله في العمل: “كنا نتحدث في المكتب بشكل طبيعي عن أعمال رمضان هذا العام، وفي سياق الحديث أبديت إعجابي بالعمل وإسقاطاته (الرهيبة)، فما كان من أحد زملائي إلّا أن انتفض واصفاً العمل بالكاذب والرجعي والمؤامراتي والمكائدي متهماً إيايّ ببيع القضية ودم الشهداء. حقيقةً لم أفهم المقاربة، ما علاقة الدماء والقضية بعمل درامي تشويقي ليس توثيقياً وغير مألوف على المستوى العربي!”. ويوضح جمال أنه بهدوء امتص غضب زميله خشيةً أن يكون من أولئك الذين يكتبون تقاريرَ أمنية وقال له: “رويدك، العمل كلّه خيالي، لا شيء فيه حقيقي، نتابعه لنتسلى فقط، ولنشاهد عن قرب كواليس المؤسسات العليا كما صورها خيال الكاتب. وبعد ذلك صرت أكثر حذراً حين أحدث أحداً بما أتابعه من مسلسلات رمضانية، تخيل، حتى المسلسلات صارت تخضع لميزان القضية، ونحن كما تعلم، قضايانا في هذا الشرق أكبر من تعداد سكانه”.

بورتريه

مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” عمل سوري من إنتاج شركة ميتافورا وإخراج عروة محمد وتأليف سامر رضوان صاحب التجارب البارزة في الدراما السورية، وعلى رأسها أعمال مثل دقيقة صمت ولعنة الطين والولادة من الخاصرة، وكلّها أعمال أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع السوري حين عُرضت. والمسلسل  من بطولة نخبة من الممثلين السوريين المقيمين في الخارج، ومنهم: مكسيم خليل، عبد الحكيم قطيفان، غطفان غنوم، ريم علي، عزة البحرة، مازن الناطور، سوسن أرشيد.

المسلسل الذي اصطلح سوريو الداخل على تسميته “هداك المسلسل” كنوع من المواربة في مكان، والتندر في مكان آخر، يتناول قصة عائلة تحكم بلداً افتراضياً اسمه “الفرات”. وفي تلك العائلة يخوض رئيس البلاد وأخوه الضابط صراعاً عنيفاً في محاولة كلٍّ منهما أن يحوز السيطرة الكاملة على البلد الذي يتم تقديمه في كثير من المشاهد كمزرعة شخصية لتلك الأسرة التي تكون كل شخصياتها مستعدة لإحراقها في سبيل انتزاع السيطرة التامة عليها.

عرض العمل على شاشتي العربي الجديد، وتلفزيون سوريا “المعارض”، في حين أحجمت معظم القنوات عن شراء حقوق بثه بحسب مصادر خاصة لـ “صالون سوريا” رغم عرض الجهة المنتجة العمل على أكثر من جهة، ليظل التلفزيون العربي الذي يبث من قطر ممسكاً بزمام مبادرة العرض الأول متمسكاً بموقفه من حتمية العرض.

وإبان عرض العمل، صرح زيد العظم (محامٍ سوري معارض مقيم في فرنسا وعضو في حزب النهضة الفرنسي الذي يرأسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون) أنّه جرى تحريف المسلسل بعد أن خرج كنص من يد المؤلف، وبحسب العظم فإنّ النص الذي شاهده الناس على الشاشة ليس النص الأصلي، بل هو نسخة معدلة وملطفة.

ويؤكد العظم وفق معلوماته أنّ العمل الأولي سمى الجمهورية موضع النقاش الدرامي بدولة “العرين” وليس دولة “الفرات”، ورئيس الجمهورية “بشر” وليس “فرات”.

حرب المحاور

وبالعودة لـ “هداك المسلسل” فتكفي كتابة كلمة “هداك” على محرك البحث الشهير “غوغل” حتى تنهال النتائج المتتالية عن “ابتسم أيها الجنرال”، فالعمل باسمه الجديد سرعان ما صار بلغة السوشال ميديا “تريند”.

الأمر لم يتوقف عند حدود رغبة المشاهد وقناعته بما يرى، فانبرت منابر لتشرح للمشاهد ما عليه التفكير به خلال مشاهدته للعمل، أحد التلفزيونات قال في تقرير له إنّ شوارع دمشق خلال شهر رمضان تفرغ من المارة في الساعة العاشرة مساء لأنّ الجميع يذهبون لمنازلهم لمشاهدة المسلسل، وحقيقة هذه الرؤية الشمولية غير منطقية، فمن المعلوم أن لا كهرباء في البلاد أصلاً، والعمل بطبيعة الحال متاح على يوتيوب دون حقوق ملكية، ويمكن مشاهدته في أي وقت، ويكمل التلفزيون في أحد تقاريره أنّ العائلات السورية في الداخل تجتمع بعد الحلقة لتناقش مضامينها.

ومن جهة أخرى، نشرت إحدى الصحف اللبنانية المعروفة مقالة نالت فيه من العمل واصفةً ما يقدمه بالأحداث البطيئة والخطاب السياسي الساذج مكيلةً له مختلف ما هو معروف من الاتهامات الذي تستهدفه كعمل مقللةً من شأنه حتى كادت تساويه ككل بتلك اللوحات البسيطة التي يعرضها الفيس بوك لمتابعيه بغرض التسلية ليس إلّا.

أنا أشاهده

يُبدي خريج إدارة الأعمال عبد الناصر استغرابه من كثر الأخذ والرد حول مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” ويشرح موقفه: “لماذا عليّ أن أخفي مشاهدتي للعمل؟، أليس من فيه سوريون؟، أليس لهذه الحرب مواقيت ستنتهي بها ونتصالح جميعا مع تبويسة شوارب، علينا أن نتغاضى كثيراً، ثم هل تعتقد أنّ أجهزة المخابرات لا تتابعه؟، يا سيدي، المخابرات ليست كلها كما تسوقه الروايات المتواترة، ففيها ما فيها من أناس عاديين، ولست في معرض الدفاع عن أحد، أنا لست مهتماً أصلاً، ولكنّه عمل درامي وكفى، وقالوا ألف مرة إنّه محض خيال، ماذا عليهم أن يفعلوا أكثر؟”

وحين سألنا الحقوقي فايز عيتوني إن كان شاهد “هداك المسلسل”، ضحك مطولاً وأجاب: “تماماً، هو هداك المسلسل، كدنا ننسى اسمه الأصلي، وفي اسمه الجديد تندر كبير وسخرية من الواقع الذي نعيشه ومقاربة كوميدية سوداء لحالنا”. ويكمل: “لنكن واضحين، في مكان ما هذا عن العمل متنفس جيد، ففيه ما فيه من خرق لخطوط حمراء في سوريا، ولدى العرب عامةً، خطوط لم يحدث أن خرقت، فما من عمل تناول كواليس صراع عائلة تحكم بلداً عربياً، فالعمل بحد ذاته جديد ويكتسب أهميته من جرأة الطرح، بمعزل عن موقفنا السياسي، وبالمناسبة أنا لا أتفق مع ذلك الخط السياسي، ولكنّ شيئاً من الفضول جعلني أشاهد كل حلقاته”.

هرطقة

من وجهة نظر الشاب منتصر زايد فإنّ العمل “هرطقة” قائلاً: “هل نختفي وراء إصبعنا؟، العمل واضح لمن هو موجه، وواضح من هم المستهدفون، حتى لو ظلّ صناعه يقولون لمئة عام إنّه عمل خيالي، الاستهداف لسوريا ومؤسساتها وصمودها وشعبها واضح، وتسميته بـ (هداك المسلسل) لن تمحو عنه عار نهشه في جسد البلد”.

أما بالنسبة لعمار متيناوي الطالب في كلية الصيدلة فإنّ العمل واضح الأهداف والرسائل، يقول: “العمل مليء بالإسقاطات، ولكن انظر من حولنا، في الشارع والسوشال ميديا، الناس بجرأة تقول إنّها تشاهده، هذه الحرب كسرت الكثير من الخطوط الحمراء، وقد لا أكون معجباً بكمية الإسقاطات تلك، ولكنّه عمل ينبغي مشاهدته لأسباب عدة، ولكن ما يجعلني أقلق هو أنّ النوايا فيه بالتأكيد ليست مثالية، وهذا بحدّ ذاته مشكلة، ولكنّه بالمحصلة يبقى (هداك المسلسل) الذي لا أحد يريد قول اسمه”.

الكوميديا السوداء

شبان آخرون التقاهم “صالون سوريا” أبدوا امتعاضهم من العمل متهمين إياه بذر الرماد في العيون وتقديم صورة مبالغ بها عن الحال في بلادهم. في مقابل كثر يتابعونه ويهتمون به. وفي موقف الطرفين هذا انقسام آخر يضاف ليوميات السوريين المشبعة بالانقسام، ولكنّه هذه المرة في البيئة الحاضنة للسلطة نفسها. وفعلاً نسبة مشاهدة العمل مرتفعة، ومردّ ذلك عوامل كثيرة، الإعجاب بالمضمون إحداها، والفضول كذلك، وحتى القهر والعدمية ساهما في رفع نسبة المشاهدة، فالناس في هذه الظروف ناقمةٌ على الهواء الذي حولها، فأمام الجوع المقيم في البطون، تسقط الكثير من المعادلات، ويظلّ الحديث عن مشاهدة “هداك المسلسل” مشروعاً ولكن بالطريقة السورية، الطريقة التي تقارب الوجع بالكوميديا السوداء.

ظلّ الجنرال (مكسيم خليل) عابساً حتى آخر مشهد في المسلسل حين قتل شريك نضاله بالسم، تاركاً الباب موارباً على جملة من الاحتمالات المفتوحة التي تركت للسوريين هامشاً غير مسبوق بالتصور والإسقاط والاستدلال، فهل كانت تلك فعلاً رواية عن عائلة حكمت بلداً عربياً؟، هل كانت رواية عن رئيس حالي أم رئيس سابق؟، هل بابتسامة الجنرال تلك تنفس السوريون واستعادوا شيئاً من خفايا الماضي التي كانوا يتهامسون حولها سراً خلال عقود! والأهم –بحسب كثر- كيف لم تحجب السلطة في سوريا العمل عبر المنصات التي كانت تنقله؟، هل ما حصل هو شيء من تلك السياسة التي سمحت للماغوط يوماً أن يقول على لسان دريد لحام ما كان يشكل أكثر تابوهات السياسة إيلاماً للسلطة فداء (للتنفيس) عن شعب غاضب!

الدراما السورية: صرخة رسخت الذعر

الدراما السورية: صرخة رسخت الذعر

صحيح أن الدراما السورية انطلقت وحققت انتشاراً ونجاحاً في السنوات الأخيرة، وخاض العديد من المخرجين السوريين مواضيع جريئة وتبدو للوهلة الأولى متجاوزة للخطوط الحمراء وأولها طبعاً الأجهزة الأمنية في سوريا. لكن ثمة رسالة لكل عمل فني وإبداعي. فأية رسالة أوصلتها تلك الأعمال الدرامية الجريئة والناجحة جداً للجمهور السوري والعربي. سأعطي مثالاً عن مسلسل تم إنتاجه في 2018 (أي بعد الثورة السورية)، وهو مسلسل (ترجمان الأشواق) بطولة ممثلين مبدعين غسان مسعود (الذي مثل في أفلام هوليودية وأصبح نجماً عالمياً) والممثل المبدع عباس النوري. قصة المسلسل  تحكي عن سجين سياسي (عباس النوري) هرب من سوريا إلى أميركا وبقي فيها عشرين عاماً، ويأتيه خبر أن ابنته الوحيدة ذات العشرين ربيعاً خُطفت، وهو لا يعرف ابنته لأنه حين هرب من سوريا إلى أميركا كانت طفلة صغيرة. ويبدأ صراعاً شرساً في نفسه حول كيفية العودة إلى سوريا (وهو السجين السياسي الهارب منها) وضرورة عودته للبحث عن ابنته المخطوفة. ويقرر أخيراً العودة إلى دمشق كي يبحث عن الخاطفين لابنته الوحيدة، وما أن يصل إلى دمشق حتى يتم إستدعاؤه إلى أحد الفروع الأمنية، ولا أحد من أسرته  (أمه العجوز وأخته وصهره) ولا أصدقاؤه (غسان مسعود الذي يعمل طبيباً جراحاً في المسلسل) وغيرهم من المعارف والأصدقاء، لا أحد يعرف أي فرع مخابراتي استدعى السجين السياسي السابق الذي تبين أنه شيوعي لأن مكتبته تضم كتباً عن لينين. وتبدأ حالة من الهيجان والهستيريا عند كل فرد من أسرة السجين السياسي وعند أصدقائه في الترجي والتذلل لشخصيات ذات مناصب عالية في الدولة ومعظمهم ضباط فقط ليعرفوا في أي فرع من فروع أمن الدولة احتجز إبنهم. حالة مُروعة من القلق الذي يصل حد الذعر تصيب أهل السجين السياسي وهم يبحثون عنه في فروع الأمن. ونجد السجين السياسي وهو مترجم مهم ومؤلف كتب جالساً بكل ذل أمام المحقق في أحد فروع المخابرات يسأله المحقق عن رأيه بما يجري في سوريا، فيلتزم الصمت، ويسأله إن كانت له علاقة بتنظيمات معادية للنظام السوري، ثم يطلب منه أن يكتب على ورقة كل تفاصيل حياته وبالتفصيل الدقيق، فيقول له السجين السياسي السابق: لكنكم تعرفون تفاصيل حياتي تماماً فلماذا أكتبها؟

أكثر من عشر حلقات في بداية المسلسل تصور تسلط الأجهزة الأمنية في حياة السوري والرهاب الذي يحسه تجاهها، لدرجة يصبح موضوع المسلسل ليس بحث الأب عن خاطفي ابنته بل الخوف لدرجة الشلل والذعر من سطوة الأجهزة الأمنية على حياة السوريين، والسيناريو المُتقن والتصوير الآسر لممارسات الأجهزة الأمنية، على مدى أكثر من عشر حلقات نرى أقرباء السجين السياسي وأصدقاءه يدورون مُروعين من مسؤول إلى مسؤول فقط ليعرفوا في أي فرع أمني هو! يحضرني الكثير من المسلسلات التي ناقشت سطوة الأجهزة الأمنية في سوريا مثل مسلسل (غزلان في غابة من الذئاب) للمخرجة المبدعة رشا شربتجي حيث حكت بالتفصيل وبمصداقية عالية عن ممارسات (يعرفها بالتفصيل كل أهالي اللاذقية تحديداً) عن أحد الشخصيات من رأس النظام الذي روع أهل اللاذقية بممارساته السادية المجنونة كأن يطلب من مجموعة رجال كهول وعجائز في مقهى أن ينبطحوا تحت الطاولات ثم يقوم بإطلاق النار في الهواء وهو يضحك ضحكاً هستيرياً، أو يختار أجمل فتيات اللاذقية ليصبحن عشيقاته ويقتحم بيوت أهلهن في منتصف الليل ليطلب لقاء الصبية التي يريدها عشيقة. وأدت ممارساته إلى هرب العديد من العائلات في اللاذقية خارج سوريا خوفاً على بناتها من الجنون والسلطة المطلقة لأحد أهم شخصيات النظام الذي لا يجرؤ أحد على محاسبته. أبدعت المخرجة رشا شربتجي في هذا المسلسل وشعر أهل اللاذقية بالنشوة كما لو أنهم ينتقمون بطريقة ما من السافل المجرم الذي أذلهم والذي اشترى شهادة الحقوق وفتح مكتب محاماة. الكثير من المسلسلات والحلقات التلفزيونية خاصة (بقعة ضوء) وتحديداً الحلقات التي كان يعدها ويكتبها المخرج الوطني الراقي ياسر العظمة الذي أبدع في عرض حلقات ساخرة وجريئة حول ممارسات الأجهزة الأمنية وسطوتها وصلاحياتها المطلقة في الهيمنة على حياة الناس. ولا أنسى في أحد الجلسات التي ضمت العديد من الشخصيات الأدبية والفنية وكان أحد أهم ضباط الأمن في سوريا في الجلسة (لأنه أخ أحد المثقفين)، أذكر أنه اعترف متباهياً أنه كان هو شخصياً من يعذب المعارض عارف دليلة. وكان في الجلسة أحد أهم المثقفين الذين أخرسهم هذا الاعتراف الوقح كأنه صفعة، خاصة أن معظم هؤلاء كان قد سُجن لسنوات طويلة بتهم عديدة كالانتماء إلى رابطة العمل الشيوعي أو غيرها.

السؤال الوحيد الأهم الذي يطرح نفسه: ما تأثير هذه الدراما التلفزيونية السورية الناجحة جداً جماهيرياً وذات الحرفية والفنية العالية والتي تبدو أنها تنتقد بجرأة عالية متجاوزة الخطوط الحمراء والأجهزة الأمنية وسطوتها وكيف يعيش الناس مُروعين من سطوة الأجهزة الأمنية! في الواقع هذه المسلسلات ورغم أنها ساعدت الناس كي تنفس عن آلامها وإحساسها بالظلم والقهر وكأنها كانت صرختها المكبوتة لسنوات طويلة، لكن في حقيقة الأمر فإن كل هذه المسلسلات رسخت في وعي الناس ولا وعيهم حقيقة السلطة المطلقة لأجهزة الأمن، وبأنه لن يحصل أي تغيير على أرض الواقع؛ وبأن الاستبداد يتكاثر؛ وبأن شخصية السادي المجرم (كبطل مسلسل المخرجة رشا شربتجي في مسلسل غابة من الذئاب) قد ناب عنه ما هو أوحش منه وأكثر إجراماً ووحشية، وكان من هرم النظام وفوق القوانين، وهو من خطط لخطف العديد من الشبان الأثرياء وطلب فديه بالملايين عنهم. ودفع أهالي المخطوفين الملايين بصمت وذل ولم يجرؤ أي منهم بتقديم شكوى ضد المجرم مطلق الصلاحيات. وأحد الشبان الأثرياء المخطوفين كان من معارفي وكان في الـ 37 من عمره، وحين حرره المجرم من الخطف بعد أن دفع أهله 60 مليون ليرة سورية للخاطف الخارج عن القانون، زرته لأقول له الحمد لله على سلامتك. وطول ساعة قضيتها عنده في البيت لم ينطق بكلمة واحدة هو وزوجته وكل سؤال كنت أسأله له أو لزوجته كان جوابهما الوحيد: “يكثر خير الله”! أي ذل وذعر يعيشه الإنسان السوري الذي لا يجرؤ أن يقول كلمة واحدة حتى بعد أن دفع الملايين لتحريره من عصابة الخطف التي يقودها شخص لا يجرؤ أي قاضي على محاسبته. وهذا المواطن المسحوق الذي يعرف سلفاً أن لا جدوى من التقدم بشكوى بحق الخاطفين، بل كل ما يمكنه قوله: “يكثر خير الله”.

للأسف هذه الأعمال الدرامية السورية خاصة تلك التي انتقدت بفنية عالية ومصداقية عالية ممارسات وتسلط الأجهزة الأمنية في سوريا على حياة الناس، لم يكن لها أي تأثير على أرض الواقع، فتسلط الأجهزة الأمنية ما زال كما هو، بل أزعم بأن هذه الأعمال الدرامية التي سمحت بشيء من التنفيس وفشة الخلق للمواطن السوري من ممارسات الأجهزة الأمنية فإنها في الواقع رسخت في لاوعيه المزيد من الخوف والذعر من فروع المخابرات مُطلقة الصلاحيات. ولأن لا شيء يتغير على أرض الواقع. بالتأكيد لا أنكر أن الكثير من التنظيمات الإرهابية والسلفية مارسات ممارسات وحشية بحق الشعب السوري وخاصة الناشطين منه وخطفت وقتلت وتوحشت، وأن جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية أوغلت في أعمال الإجرام بحق الشعب السوري وبدعم من دول إقليمية عديدة. لكن ما أردت إلقاء الضوء عليه هو تلك الأعمال الدرامية السورية التي حققت نجاحاً لافتاً وشعبية كبيرة لدى الإنسان السوري المُروع من سطوة الأجهزة الأمنية. فهذه الأعمال تظل كمزهرية للزينة فقط، وسط خراب كبير في سوريا هدم الحجر وكبرياء البشر وإحساسهم بكرامتهم وعزة نفسهم.

وبما أن شهر رمضان الفضيل حل أماناً وفرحاً في نفوس الكثيرين، وبما أن هناك ازدحام كبير في عرض المسلسلات الخاصة برمضان (أي التي تُعرض عرضاً أولياً في رمضان)؛ فقد سمح لي فقر الحياة في سورية والفضول في معرفة الجديد والقديم الذي تعرضه هذه المسلسلات المُخصصة للشهر الفضيل. فقد رُوعت حقاً من التدني الفكري والفني لمعظم هذه المسلسلات وأحب أن أذكر بضع نقاط أساسية فيما يخص الدراما الرمضانية:

أولاً: هناك (وكل سنة في شهر رمضان) ما يُسمى مسلسلات أو دراما النجوم كما لو أن هناك قاعدة أن يكون لكل نجم مسلسل خاص به ويقوم ببطولته (كما لو أنهم يُفصلون بدله للممثل) فمثلاً كل سنة وعلى مدار سنوات من دراما رمضان يجب أن يكون هناك مسلسل بطولة الممثلة يسرى ومسلسل آخر بطولة عادل إمام. ومسلسل أو أكثر بطولة عابد فهد ( لذي كرر عدة أدوار كضابط أمني متوحش حتى حفظ الدور ظهراً عن قلب)، وكذلك الممثل جمال سليمان الذي يجب أن يكون له بطولة مطلقة في مسلسلات رمضان. كذلك في الدراما اللبنانية ثمة ترسيخ لنجوم معينين مثل كارين رزق الله وشوقي أبي شقرا. لا أقلل من القيمة الفنية لهؤلاء المبدعين النجوم لكن صدقاً الناس أصابها الملل منهم، خاصة أن الأدوار تُفصل على شخصيتهم أي يتم إبتكار أحداث وكتابة سيناريو حسب رغبة النجم. وغالباً ما يختارون أن يكون دورهم مثالياً وأخلاقياً كما لو أنهم واعظون ومبشرون للخير والفضيلة. أما مواضيع المسلسلات بشكل عام فهي بحالة قطيعة تامة مع واقع الناس وظروف حياتهم. الكثير من المسلسلات تكون القصة فيها الخيانة الزوجية (مثل مسلسل بردانه أنا اللبناني وأولاد آدم لمكسيم خليل، ومسلسل ليالينا 80 المصري وغيره)، وكأن موضوع الخيانة الزوجية هو أزمة الناس في العالم العربي (الذين – كما أعتقد نسوا الجنس وجنسهم) وأصبحوا لاهثين وراء رغيف الخبز ومهددين بالموت جوعاً. ومن الضروري الإشارة إلى عدة مسلسلات سعودية كُتب عنها كثيراً وحضرت بعض حلقاتها وأنا مذهولة وهي تروج علناً للتطبيع مع إسرائيل. وللأسف لم تتعرض تلك المسلسلات للنقد الجاد بل ثمة تواطؤ على التغاضي عنها. معظم مواضيع هذه المسلسلات هزيلة وغير مقنعة ومُفتعلة وتعتمد على الإطالة وتكرار المشاهد لغاية أن يكمل المسلسل 30 حلقة. لا يوجد مسلس عالج موضوع البطالة في العالم العربي وهجرة الشباب اليائس من إيجاد وظيفة في وطنه ولا ظاهرة انتحار الشباب يأساً (كما حصل في تونس وفي لبنان مثلاً)، ولم يتجرأ أي مسلسل أن يشير بشجاعة وصراحة إلى فساد الطبقة الحاكمة، بل دوماً هناك فاسد كبير وناهب للمال العام وعادة يكون تاجر مخدرات ويتمكن غالباً من شراء براءته برشوة القضاء؛ أما هذا الفاسد فلا أحد يعلم من يدعمه وواضح أن كل الطبقة السياسية تدعمه وفي كل العالم العربي (كلون يعني كلون)، لكن لا أحد يجرؤ على المس بشخص النائب أو الوزير (في كل بلدان العالم العربي) وفضح الـ(كلون يعني كلون). مواضيع رمضان هذا العام تُثير الخجل لضعفها الفني والفكري وانفصالها عن الواقع.

ثانياً: من الضروري أن نشير إلى شكل النجمات أو الممثلات أو تجاوزاً الحسناوات، المبالغة في عمليات التجميل وخاصة نفخ الشفاه والخدود ووشم الحواجب بطريقة معينة حيث يبدو الحاجب كخط عريض بعرض الإصبع معيب، كذلك المبالغة في حقن البوتوكس الذي يشل العضلات فيفقد الوجه قدرته التعبيرية. صدقاً لم أعرف مثلاً الممثلة الجميلة (رواد عليو التي لعبت دور عفوفة في ضيعة ضايعة وكانت جميلة جداً وجمالها طبيعي) بعد أن غيرت كل ملامح وجهها من نفخ شفتين وخدود ووشم حاجبيها. صدقاً لم أعرفها، صارت كما يسمونهم في فرنسا (دمية كولاجين) وغيرها من الممثلات اللاتي أصبحن صورة نمطية واحدة لمفهوم الإثارة والجمال ولا أعرف من يحدده! منظر نيكول سابا الجميلة أساساً أصبح مُنفراً بعد حقن شفتيها، كذلك ملكة جمال لبنان سابقاً نادين نجيم أستغرب لماذا حقنت شفتيها وغيرهن كثيرات. كما أن المبالغة في إظهار المفاتن بالثياب الضيقة جداً والفساتين القصيرة والشورت وغيره غريب عن بيئة مجتمعاتنا المحافظة. واضح أن غاية المنتج والمخرج جذب أكبر عدد من المشاهدة عن طريق إغواء وإغراء المشاهد بالممثلات الحسناوات. أستغرب هذا الاستهتار والخيانة للفن الراقي والمقنع للمشاهد فميريل ستريب الحاصلة على أربع أوسكارات لم تقم بحقن نقطة بوتوكس في وجهها وفي مقابلة معها قالت: “أنا أعبر بملامح وجهي، كل خط في وجهي يعبر”. كذلك صرح جورج كلوني الممثل العالمي أنه ممنوع على الممثل تغيير ملامح وجهه لأنها أداته في إيصال الانفعالات والأحاسيس للمشاهد. بينما نجد نجمات مثل نبيلة عبيد وناديا الجندي وبوسي ويسرى وغيرهن بوجوه من كولاجين، ملامح جامدة ولا يوجد خط واحد في وجوههن المنفوخة وقد فقدن القدرة على التعبير. للأسف سقطت معظم الممثلات الشابات في العالم العربي بفخ التجميل، ما يعكس ضغط المجتمع على النساء وإحساسهن بعدم الثقة بجمالهن لدرجة تشعر فيها أجمل نساء المجتمع على شاشات تلفازنا بالضغط لاجراء عمليات تجميل قد لا تمنحهن الثقة التي حرمهن منها المجتمع.

ثالثاً: وأخيراً يؤسفني وأستغرب لماذا تغيب معظم البرامج الهامة الثقافية والاجتماعية الهامة والراقية والتي تعني حقاً بوجع المواطن في شهر رمضان الحالي! هل ثمة تعارض بين حشد التسلية في شهر رمضان والثقافة الأصيلة الجادة!