عيادات الكترونية لتأمين المعاينات الطبية للسوريين مجاناً

عيادات الكترونية لتأمين المعاينات الطبية للسوريين مجاناً

باتت زيارة الطبيب رفاهية لا مكان لها في الوقت الراهن بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد؛ فبالتزامن مع تضاعف نفقات تشخيص الأمراض وأجور المعاينات الطبية التي وصلت عند بعض الأطباء إلى ما يعادل نصف راتب موظف حكومي، ارتفعت أيضاً أسعار الأدوية في الفترة الأخيرة إلى ما يقارب 500 %.

وفي نفس الوقت، ظهرت الكثير من المبادرات الطبية من قبل أطباء سوريين متطوعين من مختلف الاختصاصات على مواقع التواصل الاجتماعي وميدانياً، الغاية منها تقديم الاستشارة الطبية بصورة مجانية  وتوفير العلاج  لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الناس. ومن هذه المبادرات مجموعة “صحتك نعمة”، منصة “سماعة حكيم”، ومبادرة “عقمها”، “Med Dose”منصة المجتمع الطبي.

مجوعة “صحتك نعمة”

قرر مجموعة من الأطباء إنشاء مجموعة “صحتك نعمة” وهي مجموعة مغلقة تضم حوالي 46 ألف متابع ومجموعة كبيرة من الأطباء المشرفين من مختلف الاختصاصات الطبية “جلدية، عامة، هضمية، صدرية، عينية، أطفال، بولية، نسائية، جراحية وغيرها من الاختصاصات”. تهدف المجموعة لتوفير الاستشارة الطبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مجانية.

ويتم إرسال الحالة المرضية عبر منشور ومن ثم تتم الإجابة عليه من قبل الطبيب المختص. وكمثال على ذلك يقوم أحد الأعضاء بإرسال صورة تظهر البقع البنية التي ظهرت بصورة مفاجئة على الجلد ويطلب استشارة طبيب الجلدية، ليجيب أحد الأطباء المشرفين ويسأله عن الأعراض المرافقة لذلك ومن ثم يصف الدواء المناسب.

وعن الدور الإيجابي لهذه المجموعات، تصف ريم (26 عاماً وهي خريجة كلية التربية وتقيم في دمشق) تجربتها الإيجابية حيث وجدت من خلال المجموعة علاج لعدة مشاكل صحية تعرضت لها موضحة: “أغلب الناس أصبحت لا تستطيع الذهاب ومراجعة العيادات بسبب الفقر الذي يعم البلاد، فمن حوالي شهر كنت أعاني من التهاب في عيني اليسرى مع ظهور بقعة حمراء على بياض العين وألم، فقمت بنشر منشور شرح الحالة وما أشعر به مع إرفاق صورة لعيني، وعلى أساس ذلك قام الطبيب بتشخيص الحالة ووصف الدواء، والحمد لله في اليوم الثالث من تناول الدواء تحسنت.” وتضيف: “من فترة يومين سألت عن مشكلة جلدية لوالدتي المريضة وبدوره الطبيب المختص وصف لي الدواء المناسب وأيضاً استفدت كثيراً.”

من خلال تصفح المجموعة سوف تجد كم الجهد المبذول من قبل الأطباء لمساعدة الناس على علاج حالتهم بشكل مجاني وفي بعض الأحيان تأمين الدواء بصورة مجانية أيضاً.

وفي حال أراد المريض إرسال رسالة خاصة والاحتفاظ بسرية الحالة وخاصة إذا كانت تتضمن صوراً محرجة غير مناسب نشرها يمكن طلب الاستشارة عبر تطبيق خاص لذلك.

منصة المجتمع الطبي “Med Dose”

هي مجموعة مفتوحة تعرف عن نفسها كمنصة تهدف للنهضة بالمنظومة الصحية والطبية، وتشارك أحدث المعلومات الطبية حول العالم وتسعى لنشر الثقافة الطبية في المجتمع. تشترط المجموعة من الأطباء من المشرفين إرفاق المعلومات المنشورة بمصدر طبي موثوق مع إضافة اسم الطبيب أو الصيدلاني. وتضم المجموعة حوالي 72 ألف عضو بالإضافة إلى مجموعة من الأطباء المشرفين من مختلف الاختصاصات. تقوم المجموعة أيضاً بنشر تجارب الأطباء والصيادلة مع المرضى الذين يعانون من أمراض مختلفة وتزويد المتابع بالمعلومات الطبية الصحيحة ونفي الشائعات والمعلومات الخاطئة.

وكان الطبيب “محمد عمران” (أخصائي بالجراحة العظمية والتنظيرية وأحد الأطباء المشرفين في المنصة) قد نشر منشوراً رحب من خلاله بالمرضى في عيادته ومعاينتهم بصورة مجانية يوم الخميس من كل أسبوع  لمن لا يستطيع دفع المعاينة وأرفقه بعنوان العيادة ورقم الهاتف.

و تنشر المنصة في جانب آخر من نشاطها منشورات عن الحالات التي تحتاج لمساعدة مادية لتأمين تكلفة العلاج مثل مرضى السرطان أو مرضى كورونا بهدف جمع التبرعات اللازمة لتزويد المرضى المحتاجين بالأدوية والمعدات الطبية ضمن الظروف الصعبة من ارتفاع الأسعار التي طالت أسطوانات الأوكسجين والمواد الطبية بشكل جنوني وأدت إلى استغلال البعض لحاجة الناس لزيادة الاحتكار والأرباح.

سماعة حكيم

تعد هذه المنصة من المنصات الطبية الأشهر التي تقدم الاستشارة الطبية ويتابعها 412 ألف متابع. وبالإضافة إلى تقديم المعلومة الطبية، تنشر المنصة مقالات العلمية وأخبار أحدث التطورات الطبية. يدير هذه المجموعات فريق طبي تطوعي مكون من طلاب كلية الطب البشري وأطباء أخصائيين من مختلف القطاعات الطبية. يبلغ عدد المشرفين 150 طبيباً من مختلف المحافظات السورية. كما يهدف الفريق إلى دعم المبادرات الطبية ونشر الأخبار المتعلقة بالمشافي ونقل المعلومة الطبية الصحيحة في ظل انتشار المعلومات الطبية الخاطئة.

وأطلق مؤخراً الفريق تطبيق “سماعة حكيم” حيث يستطيع المريض طلب استشارة من طبيب مختص استناداً للأعراض الذي يشعر بها المريض ثم يتلقى أسئلة يمكن الإجابة عليها بشكل فردي، للحصول على تشخيص مشتبه به بناءً على إجابات المريض حول الأعراض التي يعانيها، وتزويده بالمعلومات الفردية التي يمكن أن يحتاجها ومراجعة الطبيب بشكل مباشر إذا استدعى الأمر. والهدف من التطبيق حسب القائمين على المجموعة هو تقديم الاستشارة الطبية مجاناً.

مبادرة “عقمها”

وهي المبادرة الأبرز في سوريا لمواجهة انتشار فايروس كورونا والتي بدأ نشاطها مع بداية انتشار فيروس كورونا في البلاد في آذار/ مارس من العام الماضي ٢٠٢٠. تسعى هذه المبادرة لتقديم الدعم الطبي والتوعية للناس من خلال شبكة من المتطوعين والمتبرعين، عبر نشر معلومات التوعية الصحية وتقديم الدعم الطبي الميداني.

بدأت الفكرة من خلال مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي واكتسبت شهرة واسعة في دمشق ومحيطها حيث وصل عدد متابعيها إلى ما يزيد عن 273500 عضوً. تضم المجموعة 11 مشرفاً و50 متطوعاً و20 طبيباً. وتقدم خدمة طبية هاتفية 24 ساعة، حيث يتوفر أطباء للإجابة الفورية على المرضى بما يتعلق بأعراض فيروس كورونا سواء بتقديم الاستشارة الطبية اللازمة أو تأمين طبيب يقوم بزيارة منزلية للمريض المحتاج بصورة مجانية. إضافة إلى ذلك يقوم الفريق بتأمين اسطوانات الأوكسجين للعالم المحتاجة وذلك وفق تقييم الأطباء المتواجد بالفريق، كما يتم تأمين فريق تعقيم لتعقيم المنازل التي كان لديها مصابون بفايروس كورونا.

تقدم المبادرة خدماتها عبر الساعة عبر شبكة من متطوعيها من مختلف الاختصاصات بإمكانيات محدودة وباستخدام ما توفر من تقنيات طبية بسيطة، وينوه الفريق بشكل مستمر أن الخدمات جميعها تقدم بصورة مجانية.

اللقاح والبحث عن طريقة توزيع شاملة

اللقاح والبحث عن طريقة توزيع شاملة

تساءلت منظمة “هيومان رايتس واتش – منظمة مراقبة حقوق الإنسان” في تقرير أصدرته في شهر شباط/فبراير، عن مصير اللقاح الذي يفترض أن يصل إلى سوريا، اللقاح المضاد لفايروس covid 19. ولخصت المنظمة تقريرها بعبارة: “ينبغي توسيع نطاق الوصول العادل إلى لقاح (كورونا)”، لتلحقه بجملة: “انعدام الوصول، والبنية التحتية التالفة، والتحيّز يهددون الحملة”.

تقرير المنظمة تضمن مخاوف من عدم إمكانية حصول الجميع على اللقاح، على قاعدة أنّه من حق كل شخص الحصول عليه، باعتبار أنّ الملف يخضع لاعتباري الطب والدواء، ومكافحة الوباء ضمن أطر الخطة الدولية العامة، بمعزل عن تفاصيل إضافية حاول التقرير عدم ذكرها بصورة مباشرة، على اعتبار أن جماعات كـ”النصرة”-و”تحرير الشام”، تسيطر على معظم إدلب وهي مصنفة على لائحة الإرهاب العالمي، فضلاً عن فصائل “درع الفرات” التي تعمل مع الجيش التركي في الشمال.

ما ورد في تقرير المنظمة يخلق تشابكاً في المعطيات والآليات والاستراتيجية الدوائية؛ فهناك على الساحة لاعبون دوليون في الإطارين العسكري والسياسي، ما يخلق التساؤل حول الشمال، فهل تركيا هي من تكفلت من خلف الستار طبياً بملف “درع الفرات” أولاً، وإدلب، ثانياً، على اعتبار أنّ ممثلة الصحة العالمية في دمشق أشارت بعدم إمكانية وجود اتفاقيات ثنائية مباشرة! وماذا عن مصير الأكراد تالياً والدور الذي قد تلعبه دمشق! وكل ذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار أن موسكو تكفلت بمناطق سيطرة الحكومة السورية!

روسيا تمد سوريا بسبوتنيك VI

سجلت سوريا إلى جانب فلسطين والجزائر وتونس والإمارات، طلبها إلى موسكو بالحصول على لقاح “سبوتنيك” المعتمد منذ شهر آب/أغسطس من العام الفائت.

في الخامس والعشرين من شباط/فبراير الفائت تحدث وزير الصحة السوري “حسن غباش” عن أنّ بلاده طلبت من إحدى الدول الصديقة لقاحاً ليتم تطعيم السكان به، وجاء تصريح الوزير بعد ثلاثة أيام من إعلان مواقع صحفية روسية أن دمشق سجلت طلبها بالحصول على اللقاح. أضاف الوزير في تصريحه لوكالة الأنباء السورية أن التطعيم سيبدأ للكوادر التي تقف في الخطوط الأمامية، مشيراً أنه بحسب دراسات أثبتت أنه هناك 6.7 هي إصابات في حالات لا عرضية، وأنّ نسبة الإصابات بين الكوادر الطبية بلغت 3.6، ما يعطي انطباعاً حول مدى الانتشار بين العاملين في المجال الصحي من المعتنين بمرضى covid19.

وكانت قد أُجريت في دمشق دراسة استهدفت العاملين في القطاع الصحي بصورة مسحية شاملة، وخلصت الدراسة بالاستناد إلى معطيات البروتوكول العالمي أنّ تطعيم العاملين هو أولوية مرحلية، سيما أولئك الذين تخطوا 55 عاماً، فضلاً عن ذوي الأمراض المزمنة.

وأشارت مصادر مطلعة أنّ الحديث العام عن أرقام الإصابات وما تؤكده الوزارة مراراً لا يعتمد على الشروط المنطقية في ظل النقص الكبير في عدد المسحات، وبالتالي عدم منهجية البحث في المسح العام على مختلف الشرائح، إلا أنّ المسح للكوادر الطبية يبدو دقيقاً، بسبب حصر عدد العاملين والمستشفيات ومعرفة الواقع الصحي من ناحية القوى العاملة. وفي إطار متصل يتحدث مواطنون عن مخاوفهم من الانتقائية في توزيع اللقاح، في مرحلة ما بعد تطعيم الكوادر المستهدفة.

“أسترازينكا” الإنكليزي للشمال الغربي

تقدمت مناطق الشمال الغربي في سوريا، الخارجة عن سيطرة الحكومة، بطلب رسمي إلى مبادرة “كوفاكس”، التابعة لبرنامج “الصحة العالمي”، للحصول على لقاح covid19، بعد أن كانت قد سجلت مناطق إدلب تراجعاً ملحوظاً في تسجيل إصابات كورونا خلال الأسابيع الفائتة، في انتظار وصول لقاح “أكسفورد-أسترازينكا” الإنكليزي، في الأيام المقبلة.

و أجرت مناطق الشمال الغربي تنسيقاً حثيثاً مع كل من اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية للحصول على اللقاح، ولا زالت بانتظار الترتيب البروتوكولي مع مبادرة “كوفاكس”، بحسب تقارير صحفية. وسيستهدف اللقاح إدلب وريف حلب الشمالي، على أن يتم التطعيم على ثلاث دفعات، الأولى تستهدف نحو 20% من السكان على أربع دفعات أو أقل، وكذلك الحال فإنّ الأولوية ستكون للعاملين في القطاع الصحي وكبار العمر، وقد يصل عدد الجرعات إلى نحو مليوني جرعة، تكفي نحو 900 إلى 950 ألف نسمة.

ومن جانبها ترى دمشق أنّ العدد مبالغ به في إدلب، وترفع تساؤلاً حول إمكانية أنّ يكون التواصل شرعياً مع اليونيسيف ومنظمة الصحة على اعتبار أن النصرة تبسط سيطرتها بالقوة على الشمال الغربي.

وأشار مصدر مطلع في تصريح لنا أن اللقاح يجب أن يكون متاحاً لجميع المدنيين، وأنّ دمشق لن تدخر جهداً في حماية رعاياها، وتؤكد موقفها ذلك من خلال فتحها المستمر للمعابر لخروج العائلات والأفراد من مناطق سيطرة الفصائل إلى مناطق سيطرة الحكومة. وأضاف المصدر أنه: “بطبيعة الحال لا مشكلة لدينا مع أحد من سكان سوريا، بل إنّ السلطات مستعدة لاحتضان الجميع، وهذا ما نعول عليه منذ بداية الحرب، إذ لا مكان للأحقاد الشخصية في الملف السوري، وهذا يتضح من معاملتنا للهاربين من مناطق سيطرة المسلحين”.

“قسد” دون لقاح حتى الآن

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية الكردية المعروفة بـ”قسد” على مناطق شمال، وشمال غرب سوريا، وتنتظر بدورها أي فرصةٍ للحصول على اللقاح، في ظل ضبابية تامةً للمشهد الدوائي المستقبلي هناك، ويتضح من التحركات الكردية أنّها تعول بالدرجة الأولى في الحصول عليه عبر مخاطبة منظمة الصحة العالمية، وفي هذا الحال فمن الممكن أن يمر اللقاح عبر دمشق، وهو الأمر الذي ما زال قيد المتابعة.

أكدت الدكتورة أكجمال ماجتيموفا (ممثلة منظمة الصحة العالمية في دمشق) في مقابلة سابقة مع “رويترز” أنها تأمل أن تبدأ حملة التلقيح في أبريل (نيسان)، لكنها نبهت أن الأمر قد يستغرق وقتاً أطول اعتماداً على عدة عوامل وامور مجهولة حالياً.

وأكدت ماجتيموفا في حديثها أنّ أي إمدادات لعدد أكبر من اللقاحات الآمنة والفعالة التي تستطيع سوريا الحصول عليها ستعتمد على اتفاقات ثنائية وليس لمنظمة الصحة العالمية أي دور في هكذا نوع من الاتفاقات.

شهادات أطباء متضاربة حول أداء المستشفيات خلال جائحة كوفيد-١٩

شهادات أطباء متضاربة حول أداء المستشفيات خلال جائحة كوفيد-١٩

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

في منتصف شهر آذار/2020 أعلنت وزارة الصحة السورية عن  أول حالة إصابة بفيروس كوفيد 19، تعود لشخص قادم من خارج البلاد، وسط إجراءات صارمة للوقاية من انتشار الفيروس المستجد. هذه الإجراءات هي ذاتها أصبحت موضع شك وقلة ثقة تحكمان الشارع السوري، خاصة في ظل بلاد خرجت للتو من حرب امتدت لـ 9 سنوات، خلفت وراءها رضوضاً في الجسم الطبي واستنزفت طاقته، بدءاً من هجرة العديد من الكفاءات الطبية وصولاً إلى تدمير الكثير من المشافي والمستوصفات والبنى التحتية، لتأتي بعدها العقوبات الأمريكية لتشد الخناق على عنق الاقتصاد السوري مما حال دون استيراد جملة من الأدوية والمواد الخام الداخلة في الصناعات الدوائية.

هناك شبه إجماع لدى السوريين على عدم كفاءة وجاهزية المستشفيات العامة للتعاطي مع فيروس كورونا. وفي هذا الإطار قمتُ باجراء لقاءات مع عدة أطباء تحدثوا بشكل متضارب حول إجراءات التعقيم ونقص الأدوية والأطباء ومستوى الجاهزية وفق مشاهداتهم اليومية خلال فترة الجائحة. وتقول سهيل (طبيبة ـ 28 عاما ) التي فضلت عدم الكشف عن اسم المشفى الحكومي الذي تعمل فيه: “في بداية الجائحة كان الاهتمام ملحوظاً ومكثفاً، إذ كانت المستشفى تخضع للتعقيم اليومي والمستمر كل أربع ساعات، وجميع الأطباء والممرضين كانوا متحمسين ويلتزمون بالكمامات والقفازات مع تبديلها باستمرار، كما كان يمنع على المرضى الدخول بدون وضع الكمامة”. غير أن هذا الاهتمام خف تدريجياً نتيجة إصابة الأطباء والمرضى معاً بالملل وفقدان الحماس وسلموا أمرهم للعناية الإلهية، بالإضافة الى ترديدهم الجملة المعتادة: “لقد أصبنا بالفيروس ونجونا منه، لدينا مناعة لأشهر عديدة”، وفقاً لكلام الطبيبة.

 تشير الطبيبة إلى مرور المستشفى بفترة من الفترات بمرحلة نقص في أعداد الكمامات، ما دفع الأطباء إلى شرائها على نفقتهم الخاصة، إذ تقول: “واجهت المستشفى نقصاً حاداً بكمامات نوع N95 كما كان يتم احتكارها من قبل الإداريين الذين هم أقل احتكاكاً مع المرضى، فيما وزعت الكمامات نوع 95 الأقل حماية على الأطباء ويسمح لنا بواحدة فقط مع أنه يتوجب علينا تبديلها كل 4 ساعات، وعندما اعترضنا على ذلك، كانوا يجيبون أن السبب هو وجود طلب كبير على الكمامات يقابلها عراقيل باستلام الكمامات جراء العقوبات الاقتصادية على البلاد”. أضافت أنها مرة  سمعت إدارة المستشفى تقدم النصح بالمواظبة على الكمامات العادية والاكتفاء بها حالياً، لتستخدم الكمامات الأعلى حماية عند ذروة الجائحة والحالات الطارئة، وذلك حسب كلامها.

ولا تنكر سهيل وجود تعقيم على الدوام في المستشفى التي تعمل فيها، حيث يتم تغيير ملاءات السرير وتنظيف أعمدته وذلك عقب تخريج  كل مريض(كورونا)، إلى جانب رمي كل الأدوات التي استعملها في القمامة. أما متابعة حالة المريض من قبل الأطباء فهذا أمر “نسبي”، إذ تقول: “هناك أطباء أنانيون كانوا يخشون على أنفسهم التقاط العدوى متجنبين الاحتكاك الكثير بالمصاب، فيكتفون بالاطمئنان عليه مرة واحدة يومياً، إلا إذا ساءت حالته، بالمقابل، يوجد أطباء يطمئنون على المريض كل ساعتين ومتأهبين طوال 24 ساعة”.

عانت معظم المستشفيات الحكومية لبرهة من الزمن من نقص في أدوية الالتهاب وفيتامين سي ودال الضروريين لرفع مناعة الجسم والكمامات والشاس المعقم وسيرومات (مَصل) طبية، إلى جانب أسطوانات أكسجين بمأخذين للهواء.

تتحدث نهاد عن تجربتها كطبيبة في مواجهة فيروس “كورونا” في مستشفى عام رفضتأيضاً الكشف عن اسمها، حيث تبدأ الشابة بالكوادر الطبية والضغط الشديد عليها، لاسيما في فترات الذروة التي شهدتها سوريا، وتقول: “في شهر 12 عام 2020، كانت الموجة الثالثةقد بدأت، فكنتُ وثلاثة أطباء في قسم العزل نواجه مشقات كبيرة من ناحية ارتفاع عدد المرضى مقابل عدد الأطباء، حيث كان لكل طبيب 5 مرضى وأكثر يتولى الإشراف عليهم، وهذا ضغط كبير علينا”، لافتة إلى قيام المستشفى في كثير من الأحيان باستدعاء أطباء من أقسام أخرى لتفادي حصول نقص في قسم عزل مرضى كورونا.

تحدي آخر واجه المستشفى عموماً، والطبيبة خاصة، هو التدهور المفاجئ لحالة المريض، ما يتطلب مهارة عالية في “التنبيب” وهو إجراء يتطلب مهارة عالية يتم من خلاله تأمين مجرى هوائي عبر إدخال أنبوب من الحنجرة إلى رئة المريض قبل وضعه واختيار إعدادات جهاز التنفس الاصطناعي المناسبة له، وتتابع حديثها: “أمر مرعب بالنسبة لنا كأطباء مواجهةمرض جديد ومجهول ومتحول، لا نعرف عنه شيئاً، خاصة في بلد كسورية ينتمي للبلدان النامية والتي خرجت  منهكة من حرب طويلة، فاختيار الإعدادات المناسبة وفقاً لحالة كل مريض ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى خبرة ودقة عاليتين”.

“لقد أصبنا بالفيروس ولا داعي للتعقيم الشديد”، هذا هو المبدأ السائد لدى العديد من الأطباء في غالبية المستشفيات الحكومية وربما الخاصة أيضاً، وتقول الطبيبة جورجيت التي تعمل في إحداها متحفظة عن ذكر الاسم: “انطلاقاً من أن الجسم البشري أصيب بالعدوى، ويحتوي على أجسام مضادة تحميه لأشهر قادمة، فلا ضرورة للمغالاة في إجراءات التعقيم بالرغم من توفرها، هذا هو ما يفكر به العديد من الأطباء هنا”. وعن وضع التعقيم في المستشفى، تجيب الطبيبة بأنه: “سابقاً كانت الاجراءات صارمة وتتسم بالالتزام، لكنها الآن أصبحت عادية، لا تليق بوضع وبائي، كأننا في أيام طبيعية، وأصبح يُسمح بزيارة المصابين في قسم العزل والاختلاط معهم في الآونة الأخيرة”.

هذا الواقع  الخدمي الطبي ليس معمماً بالضرورة، بل مازال شديد الصرامة لغاية الآن بالرغم من مرور عام على انتشار فيروس “كورونا”، إذ ينفي الطبيب باسل حصول إهمال وتقصير في المستشفى الذي يعمل فيه يومياً ويقول عن تجربته: “مازالت إدارة المستشفى تعاقب الكادر الطبي من غير الملتزمين بأساليب الوقاية، ويمنع منعا باتاً على الأطباء ممن يدخلون قسم العزل الاحتكاك مع زملائهم وعليهم التقيد بكافة وسائل التعقيم وعدم السماح للمصابين بمخالطة ذويهم وأقربائهم قبل شفائهم كلياً”.

كورونا: تفصيلٌ صغيرٌ في يوميات السوريين

كورونا: تفصيلٌ صغيرٌ في يوميات السوريين

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

على الرغم من التقارير والأخبار اليومية عن فيروس كورونا وانعكاساته المباشرة على حياة كل البشر، لازال هناك الكثير من الأسئلة العالقة دون إجاباتٍ حتى هذه اللحظة، ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بالوقت اللازم للخلاص من هذا المرض والسيطرة عليه فهل سيبقى بيننا للأبد كما فيروس الرشح مثلاً أم أنه سيختفي بعد فترة ؟ كذلك الأسئلة الكثيرة التي رافقت الإعلان عن إيجاد لقاح للفيروس سواءٌ بما يتعلق بفاعلية اللقاح أو آثاره الجانبية أو ما يشاع حوله من نظريات المؤامرة المنتشرة، وغيرها الكثير من الأسئلة المفتوحة التي حولت المرض من حالة طارئة ومؤقتة إلى واقع قائم ودائم. ومن هنا فإنّ العلاقة ما بين الإنسان والمرض أخذت شكلاً أكثر وضوحاً وواقعيةً إذ أصبح التعامل مع الفيروس مواجهةً لا تخلو من أبعاد وجودية وفلسفية سواء من ناحية فهم المرض والتعامل معه أو من ناحية ما حمله من تغييراتٍ جذرية في علاقات البشر ونظم حياتهم الموجودة وأنماط عملهم وما نتج عن ذلك من ضرورة إيجاد لغة ومفاهيم جديدة تعبر بنا إلى ما بعد الفيروس كخطوة ربما تكون الأهم لنا كبشر لنرى الحياة على هذا الكوكب من زاوية جديدة. وربما يصحُ القول “أنّ ما قبل كورنا ليس كما بعده أبداً”، ليس لأن هناك أشياء جديدة فحسب بل لأن الجائحة قد وضعت كل الأسئلة المؤجلة في الواجهة وبات هناك اليوم الكثير من الوقت للتأمل والتفكير فيها، بدءاً من كيفية التعامل مع المرض والنتائج الكارثية التي خلفها في كل نواحي الحياة ووصولاً لإعادة النظر بالسياسات التي تتبعها الدول وشروط الأولوية فيها، ما دفع الكثيرين لاعتبار أن جائحة كورونا قد تكون بداية التغيير نحو نظام عالمي جديد.

ومن الصحيح القول أيضاً أنّ كل ما سبق قد لا يعني للسوريين شيئاً، فكورونا ليس سوى مجرد تفصيلٍ صغيرٍ في واقعٍ معيشيٍ يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. خلال دوامها اليومي تضطر سلمى (40عاماً، موظفة في قطاعٍ حكومي) أن ترتدي الكمامة لتعبرَ فقط من الباب الرئيسي، وتخبرنا بأنه “ممنوع الدخول إلى العمل بدون لبس الكمامة، فالحراس على الباب الرئيسي يجبرون الموظفين والمراجعين أن يرتدوا الكمامة عند الدخول، ليس قناعةً منهم بضرورة ذلك ولكن لأن الباب مراقب بكاميرات موصولة بمكتب المدير العام والتعليمات صارمة حيال ذلك حيث وُضعت في كل مكان من العمل. لكنّ المضحك والمزعج أيضاً في الموضوع أنّ الجميع حال دخولهم من الباب وعبور الكاميرات يخلعون الكمامات ويدسونها في جيوبهم ضاربين بعرض الحائط كل التعليمات الصحية بضرورة التباعد ولبس الكمامات والتعقيم وكذلك الأمر بالنسبة للمراجعين أيضاً. إضافة لذلك يوجد بسطة على الشارع بالقرب من الباب الرئيسي تبيع الكمامات لمن نسي أن يحضر كمامته بمختلف أشكالها وألوانها، كمامات جديدة وحتى مستعملة أيضاً، والطريف بالقصة أنّ البسطة ذاتها التي تبيع المراجعين تعود وتشتري الكمامة منهم بنصف ثمنها إذا أرادوا أن يبيعوها عند خروجهم”.

وتضيف سلمى “في مشهدٍ يبعث على الحزن والأسف أيضاً طلبت معلمة ابنتي من الطلاب في الصف الثالث الابتدائي أن يرسموا لوحاتٍ تعبر عن كورونا للمشاركة في مسابقة حول ذلك، في الوقت التي تكتظ فيه قاعات التدريس والصفوف بأكثر من أربعين طالباً يجلسون كل ثلاثة منهم في مقعد وكما الحال في دوائر الدولة كذلك في المدارس وبين الطلاب، فالهدف الأساسي من الالتزام بالقواعد هو الخوف من العقوبة وتجنبها فقط، فالمهم أن يقف الطلاب في الاجتماع الصباحي في الأماكن المخصصة لكل واحد منهم والتي رسمت بعناية على أرضية الباحة بالإضافة لارتداء الكمامة أمام المدرسين والإدارة”.

إلى جانب الاستهتار بقواعد التباعد الاجتماعي وطرق الوقاية من جهة، والعجز بسبب الفقر وحاجة ملايين السوريين للعمل اليومي من جهة أخرى، فإنّ البيانات التي تنشرها وزارة الصحة السورية والتي تقوم بتحديثها دورياً، تعوزها الشفافية والدقة، خاصةً وأنّ العديد من المصابين لا يمتلكون تكاليف الفحص وبالتالي فإنهم غير ممثلين بالإحصاءات، ولا سبيل للتحقق من أسباب الوفاة والتي وصلت إلى 929  حالة وفاة فقط بسبب الكورونا بحسب الإحصاءات الرسمية (الصورة رقم ١).

الصورة رقم (١): الإحصاءات الرسمية لحالات الإصابة بفيروس الكورونا بحسب وزارة الصحة السورية

ويدور الحديث اليوم عن مشاوراتٍ ومراسلاتٍ تجريها الحكومة السورية لجلب لقاحات كورنا لكن حتى الآن بقي اللقاح مجهول المصدر في الوقت الذي يرجح فيه اللقاح الصيني أو الروسي مع استبعاد الأمريكي، ولم يُعرف حتى اليوم فيما إذا كانت الحكومة ستدفع ثمن اللقاحات أو ستأخذها كمساعداتٍ من الدول الداعمة. لكن ما فتح أبواب الإشاعات بين عامة الناس تلك التسريبات عن عدد اللقاحات التي ممكن أن تصل إلى سوريا والتي يُرجح أنها بحدود المليوني لقاح، وهنا بدأت التكهنات والتعليقات حول الموضوع فبرأي محمد (بائع أحذية، 38 عاماً)”سيفتح اللقاح باباً جديداً للفساد والربح، يُضاف إلى القائمة الطويلة في البلد وسنرى الكثير من المحسوبية في توزيع اللقاح، بحيث لن يتم إعطاؤه حسب الأولويات الطبية بل لمن يدفع أكثر أو ممن لديه معارف وأصدقاء يدعمونه”

يضرب محمد مثالاً يؤكد رأيه عن حادثة جرت معه في مستشفى البيروني بدمشق أثناء مرافقته لوالده لأخذ جرعة الدواء الكيماوي كونه مصاباً بسرطان الأمعاء. يقول محمد “سمعت الممرضات في المشفى يتكلمون نقلاً عن أحد الأطباء المشهورين قوله بأنّ هناك احتمالاً بأن يُستثنى مرضى السرطان من أخذ اللقاح بحجة أنّ الكميات محدودة ولا أمل كبير لديهم في الشفاء بحيث تبقى الأولوية للأصحاء، ما دفعني لمقاطعة الممرضات بغضبٍ كبيرٍ، فسواء كان الكلام صحيحاً أو مجرد إشاعة فالمنطق المبني عليه بشع للغاية ولا يمكن تحمل طرحه أو الحديث فيه لما فيه من فوقية واستعلاء وتجني أيضاً، علماً أن مرضى السرطان هم أحوج الناس للقاح كونهم مصنفين ضمن الفئات الأعلى خطورة في شدة الإصابة إذا ما حدثت وقد تؤدي بنسب كبيرة إلى وفاتهم”.

 يبقى إنكار كورونا المشكلة الأكبر حتى الآن، فعلى الرغم من مضي عامِ على تفشي الوباء في كل مكان والوفيات الكثيرة التي سببها، لا يزال قسمٌ كبيرٌ يعتبرون الأمر “مجرد إشاعات وأوهام ليس أكثر وأنّ ما يجري هي مؤامرة عالمية لبسط السيطرة والنفوذ والتأثير في الاقتصاد والسياسة وتكريس هيمنة الدول الرأسمالية على العالم” على حدّ تعبير سامر ( موظف سائق في شركة خاصة، 46 عاماً) فهو مقتنع بما يقول ويؤكد بأنّ الكثير من الوفيات لأشخاص يعرفهم سجلت بسبب كورونا بينما الحقيقة أنها حدثت بسبب مرضٍ آخر، لذا فهو لن يقبل بأخذ اللقاح أبداً.

نتيجةً لذلك فقد علت الكثير من الأصوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بجعل اللقاح إلزامياً على الجميع وتوفيره مجاناً وإلا فلا نفع من أي إجراءاتٍ للتغلب على المرض.

ومن جهةٍ أخرى يُحاول السوريون التعايش مع حالة المرض واعتباره من “أهل البيت” بحسب رأي سعيد (صاحب دكان صغير، 56 عاماً) حيث يرصد من أمام دكانه ما يحمله له الشارع من قصصٍ وحكاياتٍ، ومن تلك القصص يقول سعيد “أمام المحل هناك سيارتا أجرة تنتظران الزبائن وقد خرج السائقان من داخل سيارتهما متفحصين وجوه المارة، وإذ بفتاتين تفتحان باب إحدى السيارتين وتهمان بالصعود، فما كان من السائق الآخر إلا أن صاح  مازحاً بالفتاتين إياكما الصعود إلى السيارة لأنّ زميله مصاب بكورونا، ما جعل الصبيتين تصدقان الأمر في البداية وتتراجعان قبل أن ينفجر السائق ضاحكاً ساخراً من صديقه”.

وعن حادثةٍ أخرى يتابع سعيد سرد قصصه “بعض الباعة القريبين مني استغلوا هلع الناس بالمرض، فأصحاب محلات الألبسة وضعوا عروضاً وهدايا لكل من يشتري وهي عبارة عن جوز قفازات وكمامة بالإضافة لوضع علبة معقم كبيرة بمدخل المحلل لتعقيم أيدي الزبائن، ووصل الأمر لوضع إعلانات مكتوبة على الواجهة تحت عنوان (تنزيلات كورونا، أو عروض كورونا)، بينما بائع بسطة الخضرة القريب يصيح بأعلى صوته (ليمون وبرتقال للكورونا، قرب يا حباب على فيتامين سي) “

أخيراً يبدو أن كورونا قد أصبح حقاً من أهل البيت، فلم تعد الإرشادات الطبية بالتباعد والتعقيم والكمامات هي وحدها من يحدد كيفية التعامل مع الجائحة بل أصبح للناس طرقهم في التأقلم مع المرض واستيعابه ومجاراة مستجداته، لذا فلا عجب أن نرى بعض الأشخاص وقد ارتدوا الكمامات في يوم وخلعوها في يوم آخر أو عانقوا وصافحوا في مكانٍ وامتنعوا في آخر وكأنّ الكورونا تأتي وتذهب على هواهم، يبقى القول في النهاية أن ما حملته هذه الجائحة من تغيرات ربما لن يبقى محصوراً بما نعرفه اليوم بل قد يتعدى ذلك إلى مفاصل جديدة في قادم الأيام.

كورونا وطلاب الشهادات الثانوية العامة والإعدادية

كورونا وطلاب الشهادات الثانوية العامة والإعدادية

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات

مع تزايد أعداد المصابين بفايروس كورونا المستجد في سوريا، وارتفاع عدد الإصابات من 124 إصابة إلى 312 إصابة خلال شهر واحد، رغم فرض الحجر الصحي على منطقة “جديدة الفضل” التابعة لمحافظة القنيطرة بعد منطقة رأس المعرة في ريف دمشق. هذا الارتفاع تزامن مع بدء امتحانات الشهادة الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي، وكان توقيت عزل “جديدة الفضل” مربكاً للأهالي والطلاب، حيث استيقظ معظم الأهالي صباح اليوم الأول للامتحانات على قرار العزل الصحي، الذي اتخذ في وقت متأخر من مساء اليوم الذي سبقه، وصدور قرار آخر يتعلق بتأجيل امتحانات التعليم الأساسي في المنطقة ذاتها، ومتابعة سير العملية الامتحانية لطلاب الشهادة الثانوية بتعليمات جديدة تتناسب مع وضع البلدة المعزولة. لم تتسنَّ للطلاب معرفة أماكن المراكز الامتحانية التي سيمتحنون بها، في السياق ذاته تم الإعلان عن وصول 107 طالب وطالبة قادمين من لبنان وتم وضعهم في مراكز الحجر الصحي الخاصة بهم، وأيضاً في مراكز امتحانيه خاصة لكي لا يكون هناك أي اختلاط مع المتواجدين داخل القطر، كما تم أخذ عينات عشوائية لفحص الكورونا وظهرت نتائج جميعها سلبية.
كانت وزارة التربية في سوريا قد اتخذت إجراءات احترازية لمنع انتشار الفايروس منها تعليق الدوام في المدارس والمعاهد التابعة للوزارة من 14 آذار 2020، وإنهاء العام الدراسي في 26 نيسان 2020، وتعديل وقت الامتحانات ليكون بعد شهر من موعد الامتحانات في السنوات السابقة. وقبل يومين من بدء الامتحانات أعلنت وزارة التربية حزمة من الإجراءات الوقائية لمواجهة جائحة كورونا التي سوف تتخذها بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية لضمان سلامة وحماية الطلاب من انتقال العدوى أثناء سير العملية الإمتحانية، فقد صرح وزير التربية في مؤتمر الصحفي أنه تم اتخاذ أقصى ما يمكن “لحماية الطلبة” وتأمين 25 طن من الكلور والمعقمات وإعطاء التوجيهات بتعقيم المراكز قبل وبعد كل مادة، وضمان التباعد الجسدي، كما أنه تم إدراج أسئلة اختيارية لأول مرة حسب تعبيره وذلك لمراعاة الظروف غير المنتظمة في الحصول على المادة العلمية التي مر بها الطلاب بسبب جائحة كورونا.
إلا أن طلاب الشهادة الثانوية فوجئوا عند تقديمهم للمادة الأولى أن ما تم الترويج له ليس إلا خطابات إعلامية، وحسب “ميراي حداد” طالبة في الثانوية العامة التي تشارك تفاصيل تجربتها: “لم يكن هناك أي نوع من التعقيم في المدرسة، الغبار يغطي جميع الأمكنة في القاعات، فمن الواضح أن المكان لم ينظف أبدا ولا حتى بالحدود الدنيا للنظافة، كما تم منع الطلاب من ارتداء الكمامات بحجة أنها وسيلة تساعد على الغش”. وأضافت: “التعقيم ربما فقط للأماكن التي سيتم التصوير فيها”. من جانبها “مروى” طالبة بكالوريا فرع الأدبي قالت: “لم تراع أياً من الشروط الوقائية المطلوبة من أجل الحماية من الكورونا، فمثلاً التباعد الجسدي يوجد في القاعة 20 طالبة والمقاعد متراصة، أيضاً شرب الماء من نفس الزجاجة لكل الطلاب وهو سبب رئيسي لانتشار العدوى، فلما يتم منع الطلاب من اصطحاب قارورة المياه الخاصة بكل طالب، يضطر الطلاب جميعهم لشرب من نفس الكوب المتوافر في القاعة».
بينما الطالبة “دعاء” أبدت استغرابها من نشر لائحة تعليمات كتب عليها منع اصطحاب الطلاب علبة “التاتش” لتعقيم الأيدي أو الكمامات متسائلة “ما لغاية من ذلك؟”، وشكت والدتها من حالة الفوضى وعدم اتباع الإجراءات الاحترازية في الطرقات والمواصلات العامة والازدحام في كل مكان، حتى أن أهالي الطلاب أعدادهم كبيرة مما شكل ازدحاماً أكبر أمام المراكز الامتحانية فحالة الفوضى عامة، ولم تراع في أي مكان.
وتوضح هنادي وهي مديرة مركز امتحاني، التعليمات الرسمية فتقول: “في هذا العام اختلف النظام التعليمي بسبب جائحة كورونا، فقد تم تعطيل الطلاب قبل شهر تقريباً عن نهاية العام الدراسي وبالتالي حذف ما يقارب من ربع المطلوب من المنهاج الدراسي في الفصل الثاني، وأيضاً تم إلغاء الدورة التكميلية للطلاب، ونعمل قدر المستطاع على تخفيف الاختلاط، كما تم زيادة عدد الأيام بين المادة والأخرى ليتثنى للطلاب الدراسة بشكل أكبر، وبالنسبة لدخول الطلاب سيسمح لهم بالدخول وإجراء الامتحان مهما كانت الأعراض إلا في حالة واحدة إذا أجرى مسحة لدى وزارة الصحة وتبين أنه مصاب”. وتضيف: “تم وضع خطة طوارئ في حال حدوث أي طارئ، لدينا غرفة عزل في حال حدوث شك بأعراض كورونا، أيضاً هناك مركز في منطقة “العدوي” لنقل الطلاب في مثل تلك الحالات.”
من جانبه “علاء” (طالب في الثانوية العامة فرع العلمي)، فقد وصف الإجراءات الوقائية المتخذة بسخرية وأضاف بأن القاعات بدت كأنها مهجورة والغبار في كل مكان، هذا غير الأخطاء الواردة في الأسئلة، فقد كان هناك خطأ في سؤالين بمادة الفيزياء. مما أربك جميع الطلاب حتى المتفوقين منهم. وكانت قد أثارت الأخطاء الواردة في الأسئلة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد اشتكى عدد من طلاب شهادة التعلم الثانوي (العلمي) من وجود خطأ في السؤال الأول الخيار رقم أربعة من مادة الفيزياء الذي لم يتم فيه تحديد جهة التيار، ليتسنى للطلاب الإجابة.
وبلغ عدد الطلاب المسجلين للامتحانات العامة في هذا العام 557445 طالباً وطالبة موزعين على ما يزيد من 5 آلاف مركز امتحاني بزيادة عن العام الماضي بحوالي 11895 طالب وطالبة.
من جانبها تقول منى رئيسة مركز امتحاني: “المواد الوقائية والمعقمات اللازمة متوفرة والكادر متوفر ولكن لا يتم التعقيم بشكل صحيح، لأن وزارة التربية لم توفر عاملين مختصين للتعقيم وتركت الأمر للمستخدمين الذي يرفضون تنفيذ المهمة الموكلة إليهم لقلة وعيهم لأهمية الأمر، بالإضافة لعدم الإدراك للحجم الحقيقي للخطورة الواقعة على الطلاب في حال انتشار المرض.” بينما أبدى الكثير من الأهالي والمراقبين تخوفهم من تزايد حالات الإصابة بفايروس كورونا خاصة بعد قرارات الحجر الصحي على أكثر من بلدة وتزايد الحالات في سوريا والاضطرار إلى تعليق الامتحانات وعدم إكمالها لمنع انتشار الجائحة.