التعليم في  الرقة بعد طرد “داعش” منها

التعليم في الرقة بعد طرد “داعش” منها

في مدرسة عمر بن عبد العزيز بشارع النور غربي مدينة الرقة، يجلس تلاميذ تتراوح أعمارهم بين ٧ سنوات و١٥ سنة في الفصل الدراسي نفسه، بعد أن فتحت مدرستهم أبوابها أخيراً الشهر الجاري بجهود محلية من قبل متطوعي منظمة شباب أوكسجين. وأطلقت المنظمة مبادرة “التعليم لا يؤجل” بالمشاركة مع منظمات مدنية محلية، وبتنسيق مع لجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المدني لتحول بناءً مهجوراً تتكدس داخله أكوام من الأنقاض والركام خلال شهرين لمدرسة تستقبل طلاب المرحلة الأساسية.

وبعد تنظيفها وإصلاحها بمساعدة أهالي الحي، عاد التلاميذ إليها مجدداً يجلسون على مقاعد قديمة وصف دراسي لا باب فيه أو شباك إلا أن بناء المدرسة كان بحالة جيدة.  والتحق ٥٠٠ طالب بدوامهم المدرسي في السادس عشر من الشهر الجاري، عند إعلان لجنة التربية والتعليم بداية العام الدراسي الجديد، وذلك بعد أن حُرم أطفال الرقة من إكمال تحصيلهم العلمي أثناء سيطرة مقاتلي تنظيم داعش على مدينتهم بين يناير/كانون الأول ٢٠١٤ وأكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٧حيث تم طردهم من قبل قوات سورية الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.  

تلاميذ يتحدون ظروف الحرب

يدخل الطفل سليمان – ١٠ أعوام- لأول مرة في حياته للفصل المدرسي ويجلس على المقعد الدراسي مبتسماً، ويقول سليمان المتحدر من مدينة الرقة “كنت أحلم بأن أجلس قرب تلميذ على مقعد، وأحمل كتبي المدرسية وأكتب اسمي عليها.”

أما الطفلة سعاد- ١٢ عاماً-  والتي حُرمت من التعليم طوال السنوات الماضية، فجلست في المقعد الأمامي قرب طالبتين، ورغم ضيق المكان بدت علامات السعادة على وجهها لتقول: “هذا بيتي الثاني، فالحرب حرمتنا منه، وأنا أرغب بأن أصبح طبيبة في المستقبل لمعالجة المرضى.”

ولم يخفِ والد سليمان، محمود (٤٢ سنة)، خشيته على مستقبل ابنه بعدما دخلت الحرب عامها الثامن، ووصف حماسه للعودة للمدرسة قائلاً: “عادةً كان ابني يسهر معنا لوقت متأخر، لكن ما إن عرف بافتتاح المدرسة حتى نام الساعة ٩ مساء، واستيقظ مع بزوغ الفجر بنشاط وحماس.”

بينما أعربت والدة الطفلة سعاد وتدعى جواهر (٣٨ سنة) عن فرحتها بعودة ابنتها لإكمال تحصيلها العليمي قائلة: “أشعر بفرحة كبيرة كنت محرومة منها لسنوات، مشاهدة ابنتي تلبس زي المدرسة وتذهب برفقة صديقاتها إلى المدرسة لا تقدر بثمن.”

وحول داعش -خلال سيطرته على المدينة- المدارس والمجمعات التربوية الى مقرات عسكرية أو سجون سرية، من بينها مدرسة عمر بن عبد العزيز والتي تعرضت لشظايا غارة جوية أدت الى تدمير جزئي في بناء المدرسة بحسب ما يروي سكان الرقة.

ولإعادة المدارس لسابق عهدها قامت منظمة شباب أوكسجين بترميم المدرسة وتنظيفها بدعم مادي من برنامج “إنجاز” الممول من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن المدارس ليست جاهزة تماماً فهي مازالت تعاني من نقص في اللوازم التعليمية، وغياب دورات المياه ونقص في المقاعد الدراسية، إلا أن الطلاب يتحدون هذه الصعوبات ويلتزمون بالذهاب للمدرسة يومياً.

وعن تعويض سنوات الدراسة الفائتة للطلاب المتأخرين عن المدرسة يقول مدير المدرسة عيد المحمد (٥٤ سنة) “إن لجنة التربية والتعليم المؤلفة من أخصائيين تربويين، تقوم بإجراء سبر معلومات للطالب، ويتم تحديد المستوى بحسب هذه الاختبارات، ليوضع في الصف المناسب لعمره، نظراً لتوقف العملية التربوية لأربع دورات متتالية”، منوهاً الى توافد الأهالي لتسجيل أبنائهم وسط فرحة وسعادة. ويضيف: “المدرسة افتتحت بعد انقطاع طويل، ولم يتمكن بعد عدد من الأهالي العائدين حديثاً من تسجيل أبنائهم.”

وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبلغ مساحتها نحو ٢٧ ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها قبل ٢٠١١ نحو ١٠٠ ألف نسمة، ومنذ بداية الشهر الجاري وبعد عودة ثلث سكان المدينة هناك ١٢٥ ألف طالب مسجلون في قيود لجنة التربية والتعليم في الرقة؛ ارتاد نحو ١٠٠ ألف طالب منهم الصفوف الدراسية وجلسوا على مقاعدهم في ثاني أسبوع من العام الدراسي الجديد.

وأعربت جواهر (٤٣ سنة) من سكان حي الرميلة، عن سعادتها لرؤية ابنها أحمد البالغ من العمر (١٣ سنة) وهو يحمل حقيبته الدراسية مرة ثانية، ويذهب مع أصدقائه الى مدرسة عمر البحتري كل صباح، وتقول: “أحمد وأصدقاؤه كانوا يمضون معظم الوقت في ألعاب الحرب وتشكيل مجموعات مسلحة ويصنعون الحواجز العسكرية من أعواد الخشب”، مضيفةً: “كانت هذه الألعاب شغلهم الشاغل سابقاً، أما اليوم فيواظب أحمد على المدرسة وعند المساء يقوم بمراجعة وظائفه وينام مبكراً.”

الدمار، أبرز التحديات

“وافتتحت اللجنة ٢٨١ مدرسة في الرقة وبلداتها، منها ١٨ داخل المدينة يداوم فيها اليوم حوالي ٣٠ ألف طالب في ثاني أسبوع من العام الدراسي” كما يقول التربوي علي الشنان رئيس لجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني. ومجلس الرقة المدني هو المجلس المحلي المعني بإدارة شؤون المدينة بالتنسيق مع قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي.

وكانت مديرية التربية والتعليم في الحكومة السورية قد رفضت الاعتراف بالمدارس في الرقة بعد سيطرة قوات سورية الديمقراطية على مدينة الرقة في أكتوبر/تشرين الثاني العام الفائت، كما ترفض الاعتراف بالمدارس الخارجة عن سيطرة القوات النظامية الموالية للأسد وبذلك لم ترسل إليها أية لوازم تعليمية،

كما امتنعت عن إرسال الكتب والمناهج المقررة، إلا أن منظمة “اليونيسيف” التابعة للأمم المتحدة، ساعدت في فتح عدد من المدارس وقدمت الكتب والمقررات المدرسية، كما دعمت بعض المنظمات المدنية مالياً لتقوم بأعمال الصيانة والتنظيف.

وعن المنهاج المعتمد في مدارس الرقة، ذكر الشنان إنه المنهاج الحكومي الصادر عن مديرية التربية في دمشق، مشدداً: “قمنا بحذف كل الدروس التي تمجد الأشخاص والأحزاب، والتي تدعو إلى التطرف الديني”، في إشارة إلى دروس مادة القومية والتاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي تمجد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد وحزب البعث الحاكم.

وأكد الشنان عدم حصول لجنة التربية والتعليم ومجلس الرقة المدني على أي دعم من الحكومة السورية لإعادة افتتاح المدارس وعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، قائلاً: “لا يوجد أي تنسيق بيننا وبين وزارة التربية في حكومة النظام، مجلس الرقة وبالتنسيق مع مجلس سورية الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي تولى مهمة إعادة طلاب الرقة لمقاعدهم الدراسية.”

وبحسب رئيس لجنة التربية والتعليم، تم تفعيل جميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي من الأول للصف الخامس، إلى جانب تفعيل مرحلة التعليم الإعدادية والتي ستبدأ بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني . وانتهت اللجنة من ترميم وتنظيف ست مدارس ثانوية بالتعاون مع منظمات مدنية، لكن العمل مايزال جارياً لاستقبال الطلاب وتسجيلهم في المرحلة الثانوية.

وعن أبرز التحديات التي تواجه العملية التربوية في الرقة، ذكر الشنان بأنها تنحصر في حجم الدمار الذي تعرضت له المدارس جراء العمليات القتالية الدائرة في محيطها، وقال: “يضاف لها نقص تجهيزات المدارس وغياب دورات المياه، ونقص الأبواب والنوافذ كل هذه الأمور تشكل معوقات وتحديات نحاول جاهدين إصلاحها وتجاوزها.”

“التعليم لا يؤجل”

أطلقت منظمة “شباب أوكسجين” بالتعاون مع منظمات مدنية محلية، مبادرة “التعليم لا يؤجل”، للمساهمة في عمليات ترميم وتنظيف مدارس الرقة وريفها، وقال بشار الكراف مدير المنظمة: “بعد الإعلان عن العام الدراسي الجديد، وجدنا إقبالاً كبيراً من الأهالي لتسجيل أبنائهم، وبما أننا نعلم أن معظم المدارس نالها الخراب والدمار، قررنا المبادرة للمساهمة في عمليات التنظيف.” وقد تضررت معظم مدراس الرقة إما جزئياً أو تدمرت تدميراً كاملاً  لتخرج من الخدمة نهائياً، كما انتشرت فيها الألغام ومخلفات الحرب التي لم تنفجر.

وأشار الكراف إلى تعاون إدارة المدرسة والكادر التدريسي والأهالي الذين شكلوا فرق تنظيف للمساعدة في أعمال النظافة والترميم، وقد بلغ عدد الطلاب المستفيدين من مبادرة “التعليم لا يؤجل” سبعة آلاف طالب بحسب الكراف، وتضع المنظمات المدنية العاملة في المبادرة خطة ليصل العدد إلى عشرة آلاف طالب.

وإلى جانب منظمة “شباب أوكسجين”؛ تلقت منظمة “وفاق” الدعم من برنامج “إنجاز”، وافتتحت مدرسة في مخيم عين عيسى للنازحين، و مدرسة مزرعة حطين والأسدية بريف الرقة، كما تولت منظمة “نما لتشجيع ودعم التطور الديمقراطي” مهمة تنظيف مدرستي السلام والكواكبي للتعليم الأساسي داخل الرقة بجهود فردية من قبل متطوعي المنظمة. وكذلك شاركت منظمة “رؤية” وجمعية “نساء للسلام،” ومنظمة “نداء”، ومنظمة “وقاية”، وجهات مدينة محلية أخرى من الرقة في المبادرة، في تنظيف ١٢ مدرسة موزعة في داخل أحياء الرقة وإزالة الأنقاض والركام منها.

وفي المناطق التي دُمّرت مدارسها بالكامل تم تحويل بعض المنازل لمدارس كما يروي سعدون (٤٥ سنة) الذي يسكن في حي الدرعية غربي مدينة الرقة، “لم يبق من مدرسة المنطقة سوى الأطلال، لذا قام مجلس الرقة ولجنة التربية باستئجار ثلاثة منازل، وحولوها لمدرسة أخذت تستقبل الطلاب في ثلاثة أفواج، دوام صباحي وثاني عند فترة الظهر وآخر مسائي نظراً لكثرة الأعداد.”

وتقول هند محمد مديرة جمعية نساء للسلام في حديث لـصالون سورية أن عدد المستفيدين “بلغ ١٢٠٠ تلميذ والحملة تتم بالتعاون والتنسيق مع منظمات مدنية من جهة، ولجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني من جهة ثانية.”

وبدأت حملة “التعليم لا يؤجل” مع بداية العام الدراسي الجديد، وأطلقت المنظمات المدنية هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم #بمشاركتنا-مدارسنا- أجمل .

مدارس بألوان الفرات

بدورها، أكدت ميادة الشيخ إبراهيم الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المحلي، أن اللجنة نجحت في افتتاح ١٨ مدرسة من أصل ٣٢ داخل أحياء الرقة، وقالت في حديثها لـ”صالون سورية” بأن: “أعمال النظافة تمت بالتنسيق مع فرق إزالة الألغام، نجحنا بافتتاح المدارس بعد تأمينها وترميمها وتنظيفها، وعادت للخدمة وتستقبل الطلاب من جديد.”

ولفتت الشيخ إبراهيم إلى أن لجنة التربية قامت بافتتاح ١٢ مركزاً تدريبياً لتأهيل الكادر التدريسي، “الكادر خضع لدورات تأهيل للتعرف على كيفية تدريس الوسائل والطرائق الحديثة في العملية التربوية، ومواجهة التحديات والعقبات بعد ٣ سنوات من حكم تنظيم داعش” كما تقول.

وتروي المدرسة وفاء (٣٧ سنة) كيف قام عناصر داعش بتغيير ألوان المدارس وكسوها بالسواد، وقالت: “أول خطوة يجب إعادة طلاء المدارس بألوان فاتحة وزاهية تعكس روح أهالي الرقّة الحقيقيّة.” و بقيت المعلمة وفاء المتحدرة من الرقة، تدرّس في مدارس المدينة قرابة ١٠ سنوات، قبل نزوحها صيف العام الماضي وعودتها بعد انتهاء العمليات القتالية.

واليوم بدأت وفاء دوامها في مدرسة البحتري في حي الرميلة، كما تعمل إلى جانب الكادر التدريسي على تهيئة نفسها لكيفية التعامل مع الطلاّب الذين عاشوا في ظلّ حكم (داعش)، وتقول “التوحّش والإجرام كانا سمتي حكم داعش وأثرا على جيل الأطفال، سأعمل بكلّ طاقاتي لاستيعاب هذا الجيل، وتغيير سلوكه نحو الأفضل، لأن أفكارهم هدامة.”

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

واقع التعليم في سوريا مُزْرٍ ومأساوي، فقد دُمرت البنية التحتية للتعليم وشُرِّد الطلاب أو تسربوا، وهاجر من هاجر وبقيت آلاف المدارس المدمرة والتي لم تُرمَّم بعد شاهداً على حجم المأساة التي حلت بالتعليم.

فرض تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نصوصه المدرسية وأخضع المدرسين لدورات تدريبية حين كان يحتل الرقة، وفرضت تركيا لغتها في مناطق درع الفرات، في خطوة اعتبرها البعض تمهيداً للتتريك والضم فيما اعتبرها البعض الآخر حلاً أنعش التعليم.

كما أُدخلت اللغة الروسية في التعليم في المناطق الحكومية وصارت الكردية لغة المناهج في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. ورأى البعض في هذا رسائل سياسية واضحة تعكس الواقع القائم في سوريا. وفي جنوب سوريا، توصل الأهالي إلى حلول تتماشى مع الواقع المرير فيما انتقل الميسورون إلى مناطق أخرى من أجل أولادهم.

وكي نلقي الضوء على التعليم وما حدث له نتيجة للحرب المدمرة التي دارت رحاها في سوريا، قمنا في صالون سوريا بإعداد طاولة مستديرة حول واقع التعليم في جميع المناطق السورية، كي نقدم صورة عن واقع التعليم والحلول التي لجأ إليها السوريون والسياسات التي تتحكم بالعملية التعليمية وكل ما يتعلق بهذا الموضوع.

كما يدعو صالون سوريا الكتاب والباحثين والصحفيين السوريين إلى المساهمة في مناقشة هذا الموضوع وطرح التصورات والآراء حول كيفية النهوض بالتعليم في ظل الواقع المتردي الناجم عن الحرب، وأن يدلوا برأيهم في ما يجب فعله في هذا المفصل التاريخي الخطير في تاريخ سوريا الحديث من أجل إنقاذ التعليم والذي يعني إنقاذ المجتمع السوري من السقوط في هاوية التخلف والجهل.

سينشر صالون سوريا المساهمات التي تصله تباعاً ويقوم بتفعيل الروابط.

التعليم في مدينة الرقة السورية بعد طرد داعش منها
كمال شيخو

الحياة تعود لمدارس درع الفرات بعد جمودها لسنوات
هادية المنصور

واقع التعليم في الجزيرة السورية
كمال شيخو

التعليم مازال في غيبوبة في الجنوب السوري
رياض الزين

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية
حمد المحاميد

تدهور قطاع التعليم في مخيمات الشمال السوري
سونيا العلي

تأثير الحرب على التعليم الحكومي
عامر فياض

شروط دمشق لتشكيل لجنة الدستور

شروط دمشق لتشكيل لجنة الدستور

أظهرت رسالتان بعث بهما وزير الخارجية السوري وليد المعلم ومندوب الحكومة السورية في نيويورك بشار الجعفري إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومجلس الأمن الدولي، حصلت «الشرق الأوسط» على نصهما، اتهام دمشق المبعوث الدولي المستقيل ستيفان دي ميستورا بـ«حرق المراحل» و«الوصاية» على السوريين خلال السعي إلى «تشكيل» اللجنة الدستورية وخصوصاً القائمة الثالثة، إضافة إلى تمسك دمشق بأربعة شروط لتشكيل اللجنة بينها «عدم فرض أي جدول زمني» أو نتائج عمل اللجنة.

وكان دي ميستورا اجتمع مع ممثلي الدول «الضامنة» الثلاث (روسيا، إيران، تركيا) وممثلي دول «المجموعة الصغيرة» وتضم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن في جنيف، حيث جرى الاتفاق على قائمة ممثلي الحكومة السورية (50 مرشحا) والمعارضة (50 مرشحا) للجنة الدستورية بموجب قرار مجلس الأمن 2254. لكن لم يتم التفاهم على القائمة الثالثة التي وضعها دي ميستورا من المستقلين وممثلي المجتمع المدني (50 مرشحا).

ورفضت دمشق لفترة طويلة لقاء دي ميستورا. لكن لقاء المعلم – غوتيريش على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي وبجهود روسية أدت إلى ترتيب زيارة للمبعوث الدولي إلى دمشق ولقاء المعلم في 24 الشهر الماضي.

اذ أعلن البيان الرسمي السوري على تمسك المعلم خلال لقائه دي ميستورا بـ«مبدأ السيادة الوطنية» في تشكيل اللجنة الدستورية، قدم المبعوث الدولي بيانا إلى أعضاء مجلس الأمن في 26 الشهر الماضي. وقال: «وزير الخارجية السوري أكد بقوة على مبدأي سیادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعدم التدخل في شؤونها. وأكد على أن الدستور السوري یعتبر مسألة سیادة وطنیة بالغة الحساسیة». وأضاف أنه فيما يتعلق بنتائج مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي بداية العام الذي أطلق عملية تشكيل اللجنة الدستورية «أشار الوزیر المعلم إلى نتائج أخرى غیر تلك التي عممها الاتحاد الروسي على هذا المجلس. وقال إنه من الممكن لحكومة سوریة أن تأخذ «بعض عناصر» النتائج التي عممتها روسیا وأن «توفق» بینها وبین «النتائج» الأخرى التي تفضلها الحكومة وأن الاختلافات الرئیسیة في هذا الخصوص تتعلق، بشكل أساسي، بدور الأمم المتحدة».

خلال التحضير لمؤتمر سوتشي، أسفرت اتصالات مكثفة بين غوتيريش ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن موافقة الأخير على إيفاد دي ميستورا لحضور المؤتمر بعد التفاهم على نقاط ملزمة، شملت أن يقتصر المؤتمر على اجتماع واحد ولا يسفر عن تشكيل لجان محددة، ولا خطوات تتعدى إقرار بيان اتفق عليه غوتيريش ولافروف وإقرار المبادئ السياسية الـ12 التي سبق أن صاغها دي ميستورا في جنيف. وبالفعل التزم لافروف مسودة البيان، ونصت على: «تشكيل لجنة دستورية من حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد واسع من المعارضة السورية لصوغ إصلاحات دستورية كمساهمة في العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، انسجاماً مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254. ستضم اللجنة الدستورية على الأقل ممثلي الحكومة والمعارضة وممثلي الحوار السوري – السوري في جنيف وخبراء سوريين وممثلي المجتمع المدني والمستقلين وقادة العشائر والنساء. وهناك اهتمام خاص لضمان تمثيل للمكونات الطائفية والدينية. وأن الاتفاق النهائي (على اللجنة) يجب أن يتم عبر عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة، بما يشمل المهمات والمرجعيات والصلاحيات وقواعد العمل ومعايير اختيار أعضاء اللجنة».

لكن دي ميستورا أبلغ مجلس الأمن في رسالة خطية في 26 الشهر الماضي: «فیما یتعلق بالتفاهم الذي تم التوصل إليه بین روسیا والأمم المتحدة قبل مؤتمر سوتشي – وهو الذي تطرقت إليه بالتحدید عندما قدمت إحاطتي لكم في 17 أكتوبر (تشرين الأول)– فإن الوزیر المعلم لم یر أنه متسق مع مبدأي السیادة وعدم التدخل. ولم یقبل المعلم أساساً بدور للأمم المتحدة بشكل عام فیما یتعلق بتحدید أو اختیار قائمة الثلث الأوسط». وتابع: «أشار المعلم إلى نتائج أخرى غیر تلك التي عممها الاتحاد الروسي على هذا المجلس. وقال إنه من الممكن لحكومة سوریا أن تأخذ «بعض عناصر» النتائج التي عممتها روسیا وأن «توفق» بینها وبین «النتائج» الأخرى التي تفضلها الحكومة- وأن الاختلافات الرئیسیة في هذا الخصوص تتعلق، بشكل أساسي، بدور الأمم المتحدة». وتابع: «بل إن المعلم أشار إلى أن حكومتي سوریا وروسیا قد اتفقتا مؤخرا على أن ضامني آستانة الثلاثة والحكومة السوریة سیعدون مقترحاً بشأن قائمة الثلث الأوسط من خلال مشاورات فیما بینهم وسیقدمونها للأمم المتحدة لتیسیره».

أربعة شروط

ردت دمشق بإرسال رسالتين واحدة من الجعفري إلى مجلس الأمن والثانية من المعلم إلى غوتيريش تضمنت ذات المضمون التنفيذي عدا أن الثانية تضمنت الإشارة الشخصية إلى لقاء المعلم – غوتيريش في نيويورك الذي كان «مفيدا ويمكن البناء عليه لتحقيق تقدم في تشكيل اللجنة الدستورية» ما مهد لزيارة دي ميستورا إلى دمشق لـ«تبادل الآراء في هذا الخصوص».

وجاء في الرسالة الخطية: «للأسف بينما كنا نسعى إلى معالجة الأمور في شكل رسمي ومدروس من دون القفز على الواقع أو حرق للمراحل، كان المبعوث الدولي في عجلة من أمره واعتبر أن اللقاء (المعلم – دي ميستورا) هو لقاء الفرصة الأخيرة… الأمر الذي أكده باستعجاله بإحاطة مجلس الأمن».

وتابع: «الاقتراح الذي قدمناه للمبعوث الخاص أن يتم العمل مع ضامني آستانة في شأن إعداد القائمة الثالثة بالتنسيق معنا ومع الأمم المتحدة هو اقتراح عملي ونابع من حقيقة أن فكرة تشكيل لجنة لمناقشة الدستور جاءت بعد اتفاق السوريين في مؤتمر سوتشي ضمن سياق تفاهمات مسار آستانة الذي كنا وما زلنا جزءا منه. بالتالي لا يمكن تقليل أو تجاهل دور الدول الضامنة»، إضافة إلى قولها إنه بالنسبة إلى دور مبعوث الأمم المتحدة «نرحب بدور كميسر لأعمال اللجنة، لكن لا يمكن أن يكون طرفا ثالثا على قدم المساواة مع الحكومة والمعارضة… ونعتقد أن يمكن أن يلعب دورا في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف وتسيير وضع هذه القائمة بالتنسيق مع الدول الضامنة والأطراف السورية المعنية».

وأكدت الرسالة على مبادئ أربعة يجب التمسك بها خلال تشكيل اللجنة الدستورية، وهي: «أولا، ضرورة الالتزام القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها أرضا وشعبا وأن لا مكان للإرهاب على الأراضي السورية. ثانيا، يجب أن تتم العملية كلها بقيادة سورية وملكية سورية وعلى أساس أن الشعب السوري صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبله من دون تدخل خارجي ذلك انطلاقا من أن الدستور وما يتصل به شأن سيادة بحت يقرره السوريون بأنفسهم. بالتالي لا يمكن القبول بأي فكرة تشكل تدخلا في الشؤون الداخلية السورية أو قد تؤدي إلى ذلك. ثالثا، يجب عدم فرض أي شروط مسبقة أو استنتاجات مسبقة في شأن عمل اللجنة والتوصيات التي تقررها. اللجنة هي سيدة نفسها التي تقرر ما يصدر عنها وليس أي دولة وليس أي طرف مثل المجموعة الصغيرة التي حددت في شكل مسبق نتائج عملها (لجنة الدستور). رابعا، يجب عدم فرض جداول زمنية أو مهل مصطنعة فيما يخص اللجنة… بل يجب أن تكون خطواتنا مدروسة وأن تشبع نقاشا لأن الدستور سيحدد مستقبل سوريا لأجيال قادمة. لذلك يجب عدم الاستعجال».

وكان المعلم شرح لدى ميستورا بالتفصيل تاريخ الدستور السوري الموجود من 70 سنة ووجود إطار دستوري في البلاد، إضافة إلى رفض دمشق أن يقوم المبعوث الدولي بـ«الوصاية» على السوريين مقابل قبول دوره «ميسرا» لتشكيل اللجنة وعملها. وخرج دي مستورا، الذي كان قدم استقالته قبل ذلك، محبطاً وسط اعتقاده أنه ليس هناك أي أفق لتشكيل اللجنة برعاية الأمم المتحدة وأن المسار الأقرب للتنفيذ هو تشكيل لجنة عبر مسار آستانة – سوتشي.

وفي نهاية الشهر الماضي، عقدت القمة الروسية – التركية – الألمانية – الفرنسية في إسطنبول. وحاولت فرنسا وألمانيا عبر التزامهما مع «المجموعة الصغيرة» وضع جدول زمني اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة في جنيف قبل نهاية الشهر، في حين أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى صعوبة الضغط على دمشق «بموضوع سيادي». الحل الوسط كان الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية «قبل نهاية العام إذا سمحت الظروف». لم يكن لافروف مرتاحا لهذا الالتزام، الذي قد يصبح «فخاً». لكنه سمح لفرنسا وألمانيا في مواجهة ضغوط واشنطن خلال اجتماع «المجموعة الصغيرة» في لندن الاثنين الماضي وعدم السعي إلى وضع جدول زمني.
عليه، قام ألكسندر لافرينيف مبعوث الرئيس الروسي بجولة إلى دمشق وطهران في اليومين الماضيين على أمل وفاء بوتين بتعهداته أمام القمة الرباعية لتشكيل القائمة الثالثة واللجنة الدستورية قبل نهاية العام.

ونقلت صحيفة «الوطن» المقربة من دمشق عن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن دمشق «وكما تعاونت مع المبعوثين الخاصين السابقين، ستتعاون مع المبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون، شرط أن يبتعد عن أساليب من سبقه وأن يعلن ولاءه لوحدة أرض وشعب سوريا، وألا يقف إلى جانب الإرهابيين كما وقف سلفه».

كان غوتيريش أبلغ مجلس الأمن تعيين بيدرسون خلفا لدي ميستورا الذي يقدم في 17 الشهر الجاري إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن قبل تنحيه نهاية الشهر.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

سوريا في أسبوع، ٥ تشرين الثاني

سوريا في أسبوع، ٥ تشرين الثاني

المبعوث الرابع: بيدرسن
٣١ تشرين الأول/أكتوبر
رويترز

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لمجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء إن الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسن سيكون مبعوث الأمم المتحدة الجديد في سوريا. ويشغل بيدرسن حالياً سفير النرويج لدى الصين، وبحسب رويترز فقد حصل على موافقة غير رسمية من الأعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس وهم روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

وقال جوتيريش “عند اتخاذ هذا القرار، قمت بالتشاور على نطاق واسع، بما في ذلك مع حكومة الجمهورية العربية السورية… السيد بيدرسن سيدعم الأطراف السورية من خلال تسهيل التوصل إلى حل سياسي شامل ويعتد به يلبي التطلعات الديمقراطية للشعب السوري.”

وسيحل بيدرسن محل ستافان دي ميستورا الذي سيتنحى عن منصبه في نهاية نوفمبر تشرين الثاني، في الوقت الذي استعادت فيه الحكومة السورية، بدعم من إيران وروسيا، معظم البلاد ولا يزال فيه الاتفاق السياسي بعيد المنال.

ويأتي تعيين بيدرسن كرابع مبعوث للأمم المتحدة لسوريا بعد كوفي عنان والأخضر الابراهيمي ودميستورا، ولم يكتب النجاح لأي منهم في تحقيق خرق باتجاه الوصول إلى حل سياسي للنزاع. وتقتصر جهود الأمم المتحدة في الوقت الراهن على محاولة تشكيل لجنة لإعادة كتابة دستور سوريا.

ونقلت الصحيفة عن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن دمشق “وكما تعاونت مع المبعوثين الخاصين السابقين، ستتعاون مع المبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون، بشرط أن يبتعد عن أساليب من سبقه وأن يعلن ولاءه لوحدة أرض وشعب سوريا، وألا يقف إلى جانب الإرهابيين كما وقف سلفه.”

داعش من جديد
٢-٤ تشرين الثاني/نوفمبر
رويترز

عاد تنظيم داعش إلى الواجهة في المنطقة، حيث تبنى التنظيم عدة أعمال ارهابية حيث تبنى التنظيم الهجوم يوم الجمعة على حافلتين لمدنيين أقباط قرب دير الأنبا صموئيل المعترف في مصر مما أدى لمقتل سبعة وإصابة ١٨ آخرين.  كما تبنى التنظيم الهجوم على زوار شيعة في العراق يوم الثلاثاء مما أدى لمقتل ثلاث زائرات شيعيات قرب مدينة خانقين الواقعة في شمال شرق العراق.

كما تبنى التنظيم تفجير سيارة ملغومة قرب موقع عسكري في مدينة الرقة السورية يوم الأحد، وقالت قوات الأمن في الرقة إن مدنيا قتل وأصيب عدة أشخاص منهم مدنيون ومسلحون.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية شنت هجوماً معاكساً ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا، وذلك بعد هجوم لداعش واستعادته لأراض من القوات المدعومة من الولايات المتحدة. وشن تنظيم داعش هذا الهجوم في محافظة دير الزور قرب الحدود مع العراق يوم الجمعة. وعزز مقاتلون شيعة عراقيون صفوفهم على الحدود رداً على ذلك وقال الجيش العراقي إنه مستعد للتصدي لأي محاولة للمتشددين لعبور الحدود.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن نحو ٧٠ من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية قُتلوا في الهجوم الذي شنه التنظيم تحت ستار عاصفة رملية وشارك فيه مفجرون انتحاريون ونساء. وقالت قوات سوريا الديمقراطية إنها فقدت ١٤ من مقاتليها. وقال متحدث باسم قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إن تنظيم الدولة الإسلامية تمكن من استعادة بعض الأرض لكن قوات سوريا الديمقراطية “ستعود بدعم من التحالف.”

وقال الكولونيل شون رايان المتحدث باسم قوات التحالف بحسب رويترز “هذه المعركة أخذ وعطاء في بعض الأحيان مثل أغلب المعارك العسكرية، ولقد قلنا منذ البداية إن هذا سيكون صراعاً صعباً.”

وقال مارك لوكوك مسؤول المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة لمجلس الأمن الدولي يوم الاثنين إن ما يصل إلى ١٥ ألف شخص ما زالوا موجودين داخل المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم وإن القتال أدى إلى نزوح نحو سبعة آلاف شخص في الأسابيع الأخيرة من هجين وهي آخر معقل رئيسي للتنظيم في سوريا على الضفة الشرقية لنهر الفرات.

وقالت قوات الحشد الشعبي العراقية، يوم السبت إنها عززت صفوفها على الحدود السورية، وذلك بعد تراجع قوات سوريا الديمقراطية على يد تنظيم الدولة الإسلامية. وأكد العميد يحيى رسول المتحدث باسم الجيش العراقي أن قوات الحشد الشعبي، التي تم دمجها بشكل رسمي في قوات الأمن في وقت سابق هذا العام، عززت صفوفها على الحدود.

وقال المركز الإعلامي لوزارة الداخلية إن طائرات هليكوبتر أسقطت منشورات على القوات العراقية والقبائل تحذرهم من محاولات من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية لعبور الحدود انسحابا من المواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية.

وفي يوم الأربعاء قالت قوات الحشد الشعبي الشيعية العراقية إنها قتلت اثنين من قياديي تنظيم الدولة الإسلامية أمرا بشن هجوم الأسبوع الماضي على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة على الحدود بين العراق وسوريا.

المساعدات تصل الركبان
٣ تشرين الثاني/نوفمبر
رويترز

قال عضو بالمجلس المحلي لمخيم الركبان للاجئين في سوريا إن قافلة إغاثة تابعة للأمم المتحدة وصلت يوم السبت إلى المخيم المجاور للحدود مع الأردن. وقالت الأمم المتحدة إنها أرسلت أطعمة وإمدادات تتعلق بالصحة العامة ومساعدات أخرى لنحو ٥٠ ألف شخص في مخيم الركبان وهي منطقة خاضعة لسيطرة مسلحي المعارضة في عملية من المتوقع أن تستمر ما بين ثلاثة وأربعة أيام.

وقال بيان للأمم المتحدة إن الهلال الأحمر العربي السوري يشارك أيضاً في القافلة التي تتضمن أيضاً حملة تطعيم عاجلة لعشرة آلاف طفل ضد الحصبة وشلل الأطفال وأمراض أخرى. وقال علي الزعتري الممثل المقيم للأمم المتحدة ومنسق المساعدات في سوريا “بينما يمثل تسليم هذه المساعدات التي تمس الحاجة إليها إنجازا مهما يتعين إيجاد حل طويل الأمد للمدنيين الكثر المقيمين في (مخيم) الركبان.”

تركيا في كل التفاصيل
٣٠ تشرين الأول/أكتوبر، ١-٢ تشرين الثاني/نوفمبر
رويترز

تتعدد التصريحات التركية والمبادرات والتحركات الميدانية التركية في الشأن السوري خاصة في شمال البلاد، حيث يصرح المسؤولون الأتراك حول تفاصيل اتفاق إدلب ومنبج وتتضمن الخطابات إعلان قرب شن عمليات عسكرية واسعة جديدة، مما يظهر توسع الدور المحتمل التركي في مستقبل سوريا بالإضافة إلى الدور المحوري للطرف الروسي.

وقال مكتب الرئاسة التركية إن الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب بحثا الوضع في منبج وإدلب في شمال سوريا في اتصال يوم الخميس وأكدا على عزمهما تعزيز العلاقات بين البلدين. وبدأت القوات التركية والأمريكية دوريات مشتركة يوم الخميس في منطقة منبج التي كانت مصدر خلاف بين الجانبين في السنوات القليلة الماضية بعد أن سيطرت قوات كردية على أجزاء منها في هجوم مدعوم من الولايات المتحدة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية عام ٢٠١٦.

بالمقابل قالت قوات سوريا الديمقراطية يوم الجمعة إن القوات الأمريكية بدأت تسيير دوريات على الحدود السورية مع تركيا لتهدئة حدة التوتر بعد تهديدات من أنقرة، وقال متحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إن التحالف يقوم بزيارات عسكرية منتظمة للمنطقة ولم يزد من دورياته هناك.

قصفت القوات التركية مواقع في شمال سوريا هذا الأسبوع تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تدربها وتسلحها واشنطن. وردت قوات سوريا الديمقراطية، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية السورية، بإطلاق النار وتعهدت بالرد على أي هجمات أخرى.

وحذرت أنقرة مرارا من أنها ستشن هجوما عبر الحدود شرقي نهر الفرات في سوريا إذا أخفق الجيش الأمريكي في ضمان انسحاب وحدات حماية الشعب. حيث تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء بسحق المسلحين الأكراد السوريين شرقي الفرات.

وقالت القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية إن الهجمات التركية أدت لوقف هجومها على متشددي الدولة الإسلامية في منطقة دير الزور شرق البلاد. وقال الكولونيل شون ريان المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يوم الخميس في تصريحات عبر البريد الإلكتروني إن تعليق العمليات لا يزال ساريا فيما تتواصل المحادثات بشأن الموقف.

قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يوم الخميس إن ٢٦٠ ألف سوري في المجمل عادوا إلى منطقة في شمال سوريا حيث نفذت تركيا عملية عبر الحدود حملت اسم “درع الفرات”. وذلك “نتيجة أعمال البنية التحتية والأمن والاستقرار الذي حققته القوات المسلحة التركية في المنطقة.”

وتستضيف تركيا أكثر من ٣.٥ مليون لاجئ سوري هربوا من الصراع في بلدهم. ويعتبرهم بعض الأتراك عبئا على الاقتصاد وخطرا على الوظائف.

رفضت تركيا يوم الثلاثاء اتهامات وجهتها الحكومة السورية لها بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق لإقامة منطقة منزوعة السلاح في محيط منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة إذ قالت أنقرة إن تنفيذ الاتفاق يسير وفق الخطة.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قمة رباعية بشأن سوريا مع تركيا وألمانيا وفرنسا يوم السبت إن أنقرة تفي بالتزاماتها في إدلب التي تمثل هي ومناطق مجاورة لها آخر معقل للمعارضة المناهضة للأسد. لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال في تصريحات نشرت في وقت متأخر يوم الاثنين إن تركيا غير راغبة فيما يبدو في تنفيذ الاتفاق. ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) عن المعلم قوله في دمشق “لا يزال الإرهابيون متواجدين بأسلحتهم الثقيلة في هذه المنطقة وهذا مؤشر على عدم رغبة تركيا بتنفيذ التزاماتها وبالتالي ما زالت مدينة إدلب تحت سيطرة الإرهاب المدعوم من تركيا والغرب.”

وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن تركيا تفعل ما بوسعها للالتزام بالتعهدات الصعبة في إدلب لكن “لا يسير كل شيء وفقا لما هو مخطط.” وأضاف أن روسيا لا ترى أن الاتفاق مهدد بالفشل.

كما ذكرت وكالة إنترفاكس للأنباء أن وزارة الخارجية الروسية اتهمت يوم الخميس مسلحي جبهة النصرة بمحافظة إدلب السورية بمحاولة تخريب المبادرة الروسية التركية لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في المحافظة التي تسيطر عليها المعارضة. ونقلت الوكالة عن ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الوزارة قولها “لا يزال هناك مسلحون من النصرة في إدلب لا يتوقفون عن محاولاتهم تخريب تنفيذ مذكرة التفاهم التي اتفقت عليها روسيا وتركيا.”

وأكد الزعماء في القمة الرباعية يوم السبت على أهمية التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في سوريا وقالوا إن لجنة وضع دستور جديد لسوريا ينبغي أن تجتمع بحلول نهاية العام. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام أعضاء في حزب العدالة والتنمية الحاكم يوم الثلاثاء إن تركيا ستضمن لعب دور دولي أنشط في إدلب بعد القمة.

وفي سياق متصل قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ثمانية أشخاص على الأقل قتلوا يوم الجمعة عندما تعرضت محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة لقصف من جانب القوات الحكومية في أكبر عدد من القتلى يسقط خلال يوم واحد منذ إقامة منطقة منزوعة السلاح باتفاق روسي تركي حول المنطقة. وقال المرصد إن الأشخاص الثمانية قتلوا في بلدة جرجناز التي تقع على الطرف الداخلي للمنطقة منزوعة السلاح التي يتراوح عمقها بين ١٥ و٢٠ كيلومترا والتي تم الاتفاق عليها في سبتمبر أيلول.

صحة السوريين النفسية
٣٠ تشرين الأول
عنب بلدي

أصدرت شركة التأمين الصحي العامة في ألمانيا إحصائية عن الوضع النفسي والحالة الصحية للأشخاص الباحثين عن الحماية في ألمانيا. وبحسب الدراسة، التي نشرتها صحيفة  تاغس شبيغل في عددها الصادر الثلاثاء ٣٠ من تشرين الأول، فإن ما يزيد على ٦٠٠ ألف لاجئ وطالب لجوء في ألمانيا تعرضوا لصدمة نفسية واحدة على الأقل، فيما تعرض٥٨% من هؤلاء إلى صدمات نفسية متكررة.  وأظهرت الدراسة أن السوريين والعراقيين والأفغان هم الأكثر ضررًا على المستوى النفسي، نتيجة لتجارب الحرب التي عاشوها في بلادهم بالإضافة إلى معاناة رحلة اللجوء قبيل وصولهم إلى ألمانيا.

وبحسب الدراسة فإن ثلاثة من أصل أربعة لاجئين سوريين وعراقيين وأفغان متضررون نفسيًا وجسديًا ويعانون من صدمة أو أكثر، مشيرة إلى أن ٧٥% منهم قالوا إنهم تعرضوا للعنف الجسدي أو النفسي. أما عن الإصابات الحربية المباشرة من قبل مسلحين، تشير الدراسة إلى أن ٤٠% من اللاجئين الذين يعانون من صدمات نفسية، كان تعرضهم لهجمات مسلحة هو السبب في تدهور وضعهم النفسي، فيما أصيب ثلثهم بصدمة نفسية لأسباب لها علاقة بالاختطاف، و٢٠% منهم بسبب تعرضهم للتعذيب. وتقول الدراسة إن ٦% من اللاجئين المصابين بصدمات نفسية تعرضوا لأنهم ضحايا اغتصاب، و١٦% منهم كانوا شهودًا على عمليات قتل وعنف جنسي وتعذيب.

مذكرات “اعتقال” فرنسية
٥ تشرين الثاني /نوفمبر

أصدرت فرنسا مذكرات توقيف دولية بحق ثلاثة مسؤولين سوريين كبار في الاستخبارات في قضية تتعلق بمقتل فرنسيين-سوريين اثنين كما أفادت مصادر قضائية الاثنين.

وقالت المصادر إن المذكرات التي تستهدف رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك واثنين آخرين صدرت بتهمة “التواطؤ في أعمال تعذيب” و”التواطؤ في جرائم ضد الانسانية” و”التواطؤ في جرائم حرب.”

وصدرت مذكرات التوقيف في ٨ تشرين الاول/أكتوبر لكن تم إعلانها الاثنين بحسب الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان. والمسؤولان الآخران هما اللواء جميل حسن رئيس إدارة المخابرات الجوية السورية واللواء عبد السلام محمود المكلف التحقيق في إدارة المخابرات الجوية في سجن المزة العسكري في دمشق.

والمسؤولون الثلاثة مطلوبون بما يتصل بقضية اختفاء مازن وباتريك دباغ وهما أب وابنه أوقفا في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٣ وفقد أثرهما بعد اعتقالهما في سجن المزة بحسب الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان.

العنف الأسري وآثار الحرب في محافظة إدلب

العنف الأسري وآثار الحرب في محافظة إدلب

لم تعد ليلى (٣١عاماً) من ريف إدلب تطيق العيش مع زوجها الذي يعنفها باستمرار، لذا قررت أخيراً مغادرة المنزل والتوجه للعيش مع أهلها، واتخذت ليلى هذا القرار بعد الكثير من التردد والتحمل والصبر على أذية زوجها لها.

تروي ليلى ما حصل لها فتقول: “تعرضت إلى كل أنواع العنف من قبل زوجي، فهو يصفعني وينهرني باستمرار أمام أولادي، وكثيراً ما بقيت حبيسة المنزل لأيام، حتى لا يلاحظ أحدهم آثار الضرب على وجهي”، وحاولت ليلى مراراً إخفاء مأساتها و عدم الكشف عما تتعرض له من عنف منزلي من أجل أبنائها، ولئلا تخسرهم.

وفي قصة مشابهة، تحملت آلاء (٢٦عاماً) من مدينة ادلب هيمنة الثقافة الذكورية، وخشيت من التبليغ عن العنف الممارس ضدها بسبب الضغوطات المجتمعية، حيث تحملت جنون زوجها ومزاجه الصعب حتى لا يقال عنها كلمة “مطلقة” وعن ذلك تتحدث قائلة: “كان زوجي يعنفني بشدة من ضرب وإهانات وكلما تحدثت إلى أهلي عن وضعي المأساوي طلبوا أن أكبح مشاعري وأقبل مصيري المرير، لأن المجتمع لا يرحم المطلقة، ولا تتوقف ألسنة الناس عن الخوض في الحديث عنها. “تبين آلاء بأن زوجها استغل سكوتها المتكرر عن كل ما يفعله بها ليصل به الأمر أخيراً إلى طعنها بسكين في بطنها، قبل أن يقوم بإسعافها إلى أحد المشافي والفرار هارباً، واضطر الأطباء لاستئصال الطحال وجزء من الأمعاء من جسدها، لتعيش بقية حياتها طريحة المرض بعد أن كادت تفقد حياتها.

ولا تقتصر معاناة السوريات على عنف الزوج فحسب، فبين أب صارم ومجتمع مجحف وقوانين تحرم المرأة الكثير من الحقوق، عانت خديجة (١٥ عاماً) من إحدى قرى ريف إدلب من العنف الأسري بسبب والدها الذي أجبرها على ترك المدرسة والزواج في سن مبكرة وعن ذلك تقول: “اضطررت لتوديع عالمي الطفولي وترك تعليمي لأجبر على الزواج من رجل يكبرني بعشر سنوات، لأن أبي يردد دوماً أنه ليس للمرأة في الحياة سوى منزل زوجها.”

ألقت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسرة السورية خلال سنوات الحرب بظلالها على علاقة أفراد الأسرة مع بعضهم، وأدت لتنامي ظاهرة العنف الأسري وتنوعت أشكاله من الإهمال والتوبيخ إلى الضرب والتعذيب. وقد ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة تعنيف المرأة والطفل في المجتمع السوري بسبب عوامل نفسية وموروثات اجتماعية إضافة إلى الضغوط المعيشية المرتبطة بالحرب والتبدلات الثقافية والاجتماعية. ويتم العنف الأسري عبر ممارسات عديدة كالاعتداء الجسدي مثل الصفع والضرب والتهديدات بواسطة السلاح والاعتداء الجنسي، كما يشتمل على الإساءة النفسية كالتخويف والاضطهاد والإيذاء الاقتصادي كالحرمان من الأموال والغذاء والاحتياجات الأساسية والرعاية الصحية والعمل.

تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة ريم الكرزي (٤١عاماً) من معرة النعمان “يعد العنف الأسري من أخطر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة، وخصوصاً أنه يحصل عادة في المنزل وهو المكان الذي يفترض أنه الحيز الأكثر أماناً بالنسبة لها، وهو يؤثر سلباً على حياتها وصحتها الجسدية والنفسية، ولكن في ظل الثقافة المجتمعية السائدة يظل العنف ضد المرأة أمراً عائلياً بحتاً، ولا يتم التبليغ عن معظم حالاته، وفي حال تم ذلك غالباً ما يفلت الجاني من العقاب.”

الأطفال أيضاً لا يسلمون من التعنيف الأسري، الذي ازدادت شدته وقسوته مع ظروف الحرب الضاغطة التي خلفت آثار سلبية إضافية على نفسية الأطفال وشخصياتهم وتأخرهم الدراسي.

فمثلاً يتحدث الطفل وليد (١٠ سنوات) من ريف إدلب بحزن عميق عن معاملة والده السيئة له وخاصة بعد انفصاله عن أمه وزواجه من أخرى تكره وليد وتعامله بقسوة فيقول: “انفصل أبي عن أمي منذ سنتين وتزوج كل منهما، وكنت من نصيب والدي الذي يضربني ويسيء معاملتي، وليست معاملة زوجته لي بأفضل حال منه.”

أما الطفل كامل (١٢ عاماً) من ريف إدلب فيعيش في كنف عمه بعد وفاة والديه في الحرب، ويشكو من سوء المعاملة قائلاً: “عمي لا يحبني ويعاملني معاملة سيئة تختلف عن معاملته لأولاده، كما أجبرني على ترك المدرسة لأتوجه نحو العمل لمساعدته في إعالة الأسرة، فأصبحت أعمل في ورشة لتصليح الدراجات النارية، لكنني أعمل لساعات طويلة بأجر زهيد، كما أتعرض باستمرار للضرب والتوبيخ من قبل صاحب الورشة، فهو يستغل كوني صغيراً ويتيماً وغير قادر على المطالبة بحقوقي.”

ويتعرض الأطفال للعنف الأسري في ظروف النزوح بشكل خاص، حيث يُسبب الخوف وانعدام الأمان للكثير من الآباء والأمهات اضطرابات نفسية ينقلونها إلى أطفالهم بالتعنيف الجسدي أو اللفظي. وينقل الأطفال أيضاً فيما بينهم هذه المشاعر السلبية فتغلب العدوانية على صفاتهم، وهي التي تشكل أحد أسوأ انعكاسات العنف الذي يمارس ضدهم.

يتحدث عبيدة أبو زيد (٣٩عاماً) وهو أخصائي صحة مجتمعية وأحد المسؤولين عن مركز للتأهيل النفسي بريف إدلب عن خطر العنف ضد الأطفال قائلاً: “لا بد أن يحصل الطفل خلال مرحلة الطفولة على كافة حقوقه، ويجب الابتعاد عن العنف في معاملته، فالعنف ضد الطفل سواء بشكل معلن أو غير معلن يهدد أمنه وسلامته، وسوف يبقى راسخاً في ذهنه مدى الحياة، ويتسبب له بمشاكل عديدة وأزمات نفسية كالعدوانية والاكتئاب والانطواء على الذات.” ويشير أبو زيد إلى ضرورة القيام بحملات توعية للأهل لتعريفهم بالعنف الأسري وخطورته على أطفالهم، إضافة إلى إخضاع الأطفال لدورات علاج نفسي للتخفيف من معاناتهم.

وعن أساليب علاج الأطفال الذين وقعوا ضحية العنف الأسري، فيبين أبو زيد أن العمل مع الأطفال يتم وفق نوعين من الجلسات: جلسات جماعية تتضمن ألعاباً تفاعلية وإرشادات عامة حول السلوكيات الصحيحة، إضافة إلى جلسات فردية، تقوم على تقديم الإرشادات والتوجيهات الضرورية لتعديل أي سلوك خاطئ لدى الطفل، وتزرع فيه الطمأنينة والأمل، وخاصة أن أعوام العنف وإراقة الدماء في سوريا أدت إلى أزمة في الصحة العقلية بين أطفال سوريا سيستمر تأثيرها لعشرات السنين. إذ يعاني الأطفال على نحو متزايد من الخوف أو الغضب وخاصة من فقدوا أقرباءهم أو تعرضت منازلهم للقصف أو تعرضوا للإصابة، حيث تظهر عليهم أعراض اضطراب شديد في المشاعر ويفتقرون إلى الدعم النفسي.

وأطلق العديد من الناشطين والحقوقيين صرخاتهم للحد من ظاهرة العنف الأسري، والمطالبة بالعدالة والمساواة التي كانت من أولى مطالب المحتجين منذ انطلاقة الثورة السورية. فقد حاربت الشابة آلاء الخضر (١٨ عاماً) العنف الأسري بطريقتها الخاصة، حيث خصصت معرضها الذي أقيم في مدينة الباب بريف حلب الشمالي في شهر يوليو/حزيران من العام الحالي لموضوع العنف الأسري وعن ذلك تتحدث قائلة: “ضم المعرض ١٢ لوحة رسمتها بأسلوب تعبيري، لتظهر أشكالاً مختلفة من العنف الأسري، وبخاصة الممارس ضد الأطفال والنساء.”
وعن سبب اختيارها لهذا الموضوع تضيف الخضر: “رأيت العديد من الحالات المتعلقة بالعنف الأسري سواء الجسدي أو اللفظي، لذلك أردت تناول هذا الموضوع الذي يؤثر بشكل سلبي على المجتمع من خلال لوحات بسيطة فنياً وتقنياً، ولكنها في الوقت نفسه تحمل الكثير من الدلالات والأفكار.”

وأصبحت حقوق المرأة والطفل في ظل الحرب السورية عبئاً ثقيلاً على آذان الكثيرين، لكن ظروف الحرب القاسية وآثارها السلبية على الصحة النفسية والجسدية لأفراد الأسرة تستوجب الانتباه لقضية العنف الأسري وتشكيل آليات لمحاولة التخفيف من هذه الظاهرة ومساعدة ضحايا هذا النوع من العنف على الشفاء والاندماج بالمجتمع، فمحاربة العنف الأسري يساهم بتعافي كافة المجتمع.

مجرد اشتياق

مجرد اشتياق

بناء جديد يُشَيَّد، غبار ورياح متربة وعويل شاحنات تنقل الصخر والرمل، أزيز آلات الحفر يصمُّ الآذان والرؤوس متعبة حتى حدود الإنهاك. تبدو المنطقة حديثة البناء جميلة من بعيد، أضواؤها تشع ملونة وساطعة، والأبنية العالية تشرف على عدة طرق، يكتشف الساكن عبر الشرفات المنيفة طرقات تحرّض على الاستكشاف أو على الخوض في مجاهلها.

لكن للحقيقة وجهاً آخر، الوحدة تعشش عميقاً في البيوت المغلقة على سكان وحيدين، متقدمين في العمر، أو مصابين بداء الرحيل أو النسيان.

بالأمس عاكس الحظ رمزية، المرأة السبعينية، الأرملة دونما التي بلا أطفال. أولاد. ولم يجب العاملون في البقالية على اتصالها، ليحضروا لها بطاريات  من القياس الصغير لجهاز قياس الضغط، تحاملت على ثقل حركتها، بخفها الصيفي الخفيف عبرت درج البناء نحو البقالية القريبة جداً، ليفاجئها تركس صغير ينقل الرمل، صرخت مذعورة، كادت أن تتعثر، تجمد الدم في عروقها وتيبست قدماها في موقع الحادث.

نزل السائق بعد توقف مفاجئ وصوت الفرامل قد هز أركان المكان وطيف شجاعة هاربة مرتسم على وجهه: “حمداً على سلامتك يا خالة”. لم تجب! بانزعاج قالت له :شو مو شايف قدامك!؟”، حان دوره ليلعب لعبة الصمت، حاول اقتيادها نحو الرصيف، سألته عن معلمه لتشكوه إليه، واصل صمته، ليحاول بعض الحاضرين التخفيف من تعقيد المشهد بتهنئة السيدة رمزية بالسلامة أو بتقديم تقرير فني مقتضب وسريع يشرح الحالة الفنية للتركس البطيء وثقيل الحركة وغير المهدد لسلامتها أصلاً. لكنها واصلت صراخها والرعب يدب بأوصالها، مكررة عبارة: “أنا وحيدة! وحيدة وليس لدي من يسقيني حبة دواء.”

 فجأة حضر المهندس المشرف، هنأ رمزية على سلامتها باستخفاف إداري متأصل، فزجرته قائلة: “سأشتكي عليك وعليه معاً!” تدخل ناطور البناء، وقال لرمزية :”السائق درويش ومعلّم  لن يؤذي أحداً مهما حدث”، ونطق العبارة السحرية”: إنه ابن حارتك، من الشاغور!”

ضحكت وتبدلت ملامح وجهها وهدأ اضطراب قلبها، تبدلت لهجتها وشاب كلامها حنان نادر وعميق  نسيته من زمن بعيد، وقالت للسائق بود فائق: “الله يسامحك يا خالتي كنت روحتني!”

لمجرد ذكر الشاغور اسم حارتها، فاض الشوق وسال حتى امتصه الطريق والشرفات وتحول المشهد من قاس واتهامي إلى جلسة تعارف تفصيلية. أسئلة متكررة من رمزية، عن أسماء أشخاص، أماكن، نكهات، تواريخ، قصص، ألوان، والسائق عاجز عن الرد بسبب تلاحق الأسئلة وبسبب  تقلص الزمن الفارق ما بين فرصته في الإجابة والرد وما بين أسئلة رمزية، بالكاد يهم بالرد لتلاحقه بسؤال جديد.

بقرار حاسم قطعت السيدة رمزية سيل أسئلتها وطلبت من فتى البقالية الذي كان حاضراً في حلقة التعارف الغنية إحضار البطاريات إلى بيتها الذي سبقته إليه. عاد الفتى  من بيت رمزية وبيده إبريق شاي ثقيل ومحلى وعدد من الكؤوس الزجاجية وسلمها للسائق قائلاً له: “السيدة رمزية أرسلت لك إبريق الشاي حلوان سلامتها.”

بشوق للنكهة المعتقة وبترحاب عائلي يخفف من وطأة الحادث، شرب السائق وزملاء العمل وفتى البقالية الشاي، وأصر السائق على إعادة الإبريق لرمزية بنفسه، مبادرة أسعدتها جدا، ولما عرفت أنه مازال يعيش في بيت أهله القديم في حي الشاغور مسقط رأسها، سألته عن فرن الخبز وعن محل بيع الفول والمسبحة. أعلمها بأن كل شيء مازال على حاله، إلا باختلاف بسيط وهو أن الأبناء استلموا مكان الآباء الذين ماتوا أو توقفوا عن العمل بسبب المرض.

في الصباح التالي وقبل مباشرته لعمله، رن السائق جرس باب بيت رمزية، وأعطاها الخبز والمسبحة التي طلبت منه إحضارها من حارتها الحبيبة.

تحول السائق إلى ساعي بريد ما بين رمزية وحارتها، كيلو طحينة من المعمل المشهور، علبة من الراحة الطرية والممسكة، شال من الصوف هدية من رمزية لزوجة السائق، ثم كنزة صوفية لابنة قريبة لها، إلى أن قررت رمزية زيارة حارتها وبمرافقة السائق، خاصة وأنها لا تقوى على الزيارة بمفردها. إضافة إلى أن رمزية قد تتوه في تفاصيل التغيرات الطارئة على المدينة من حواجز ومن تغيير أو تحويلات للطرق وخاصة الفرعية منها و في مداخل الحارات الصغيرة.

زيارة أعادت ربط رمزية بالحياة، طافت بحارتها مشياً على قدميها وهي العاجزة عن السير لأمتار قليلة، جالت على كل الدكاكين وسألت أصحابها عن أهلهم، توقفت طويلاً عند باب بيت أهلها القديم والمباع  منذ سنين طوال، بكت الغائبين والراحلين والهاجرين والمُهجرين واللاجئين والمتناسين لرمزية أو المتعالين على الروابط العائلية، نادت ونادت وتمنت الدخول، ولم تدخل، حتى أنها لم تقرع الباب أبداً.

تشتت تفاصيل وحدة رمزية الملازمة لها سنين طوال، والسائق يزورها كل صباح محضراً لها ما تطلبه منه في اليوم السابق، زارتها زوجته وأخته، وعندما رافقه ابنه الصغير في أول يوم بالعطلة المدرسية تناول الأب والابن طعام الغداء في منزل رمزية.

التوت مفاصل الغربة وانتعشت ذاكرة الحاضر اليومية بتفاصيل التحضير الاحتفالي لحضور طاغ، فرح ووفي. وتغير مزاج رمزية وازدادت طلباتها اليومية، لم تعد تطلب شيئاً من البقالية القريبة في حيها الموحش حيث تسكن، كررت مراراً عبارة من يعرف طريق النبع لا يذهب إلى الساقية.

من على شرفة منزلها تعرفت رمزية إلى حمولة الشاحنات، آلاف من أكياس الاسمنت وجبالة ضخمة وخزانات ماء معدنية تستقر على الرصيف المقابل، لقد انتهت أعمال الحفر إذن! لم تنم يومها، في الصباح سألت السائق وهو يعطيها مرطبان مخلل الفليفلة البلدية الذي حضرته قريبة رمزية لها: “ألا تعرف قيادة جبالة؟” ضحك، وبدا مضطراً لإعلامها بأن عمله سينتهي بعد يومين وعليه مباشرة العمل في ورشة أخرى وفي مكان آخر بعيد جداً عن بيت رمزية. صمتت، أغلقت الباب، وفي الداخل بكت بحرقة وكأنها تتعرف إلى وحدتها من جديد.

كانت تؤمل نفسها بأن يستلم السائق عملاً جديداًعلى الجبالة، فتبقى على تواصل معه، ومع الحارة القديمة العائدة إليها من خلف أسوار النسيان، مع رائحة الأهل وحكايات كل يوم لكن لأسماء جديدة وبتفاصيل أحدث وأكثر غنى وألفة، لكن عبثاً، هو سائق تركس موظف ولا شيء بوسعه  فعله أو تغييره ليبقى هنا. يومان كاملان والسائق يسأل رمزية عن قائمة حاجيات الغد، وهي تكتفي بعبارة: “لا شيء، شكراً.”

في اليوم الأخير لعمله في الحي الموحش حيث تسكن السيدة رمزية، رنّ السائق جرس باب البيت ليودع رمزية، لم تجب، عاود رن الجرس مراراً وتكراراً، ضرب بيده على الباب الخشبي، دونما أي رد. كان قلقاً جداً، واعتراه خوفٌ مبهمٌ، نادى الناطور، وكان لديه الجواب، رمزية في دار المسنين منذ مساء الأمس…