حاولنا ألّا يصير الصمت قيداً، خاصّةً ونحن نواجه به دخانَ المحرقة الذي يلفُّ البيتَ، ورشقاتِ الدم التي تسكبها الشاشات.
ابتدأتُ ترجمة فصلٍ جديد من أسرار الغابة، وتهيّأَتْ لحياكةِ جوربٍ من الصوف.
في المسافة الفاصلة بين كتفينا، على الأريكة القلقة، كانت الزفرات تتشابك ورفيفُ الأجفان يتموّج؛ مثلما تتبادل الأشجار بجذورها إشاراتٍ عن جفاف التربة، أو دنوِّ عاصفةٍ، أو هجمةِ دخيل. مسافة تصرّ على الهبوط يوماً بعد يوم، رغم تناقُصِ المقيمِينَ ونُدرةِ الضيوف، لأنّ كائناتٍ غامضةً تَنخر الخشبَ؛ وتيّاراتٍ خفيّةً تفتق المخملَ. كم مرّةً عاتبْنا السقفَ ونحن نرمّمها بالمسامير ونحشوها بالقشّ. في عينيها يقينٌ أنّ النعيم زال، وفي نبضان صدغيَّ رهبةٌ من تابوتٍ سينغلق.
كان عليَّ أن ألتقيها قبل جفاف الأنهار، فأقتبسَ طواعيةَ اليدين للمخيّلة، وتَمضيَ القامة بين المتاهات مثل سهمٍ ليّنٍ خبير، ويتّقدَ الذهن من طلاقة المُحيّا.
ساعاتٌ، لا المسلّةُ تَضلُّ ولا الخيط ينعقد.
يغيب المعدن تحت الحبكات، ثم يَبْرز لامعاً مثلما يَعرض الطفل للشمس مهاراتِه الجديدة في الغوص والعوم. تكاد تُسْمَعُ من عناق اللونينِ همهماتُ راقصينِ حافيينِ في قاعةٍ خاوية.
لمن ستكون الغلبة؟ للناريِّ الملتفّ كلدغات الشهوة، أم للَّيْليِّ الحائم كفراشات الظنون؟
واضحٌ أنّ الأحمر سينفرش لباطنِ القَدم ويطوِّق الكاحلَ، أمّا الأسود فيكفيه أن يتقن ما نُذِر له: كُحْلاً يَحرس، وزنّاراً يغوي.
كلما تعثرتُ بمصطلح أو حيّرني لغزٌ من حياة الشجر، خرجتُ إلى الشرفة آملاً أن يعيْنني المشيُ على الاشتقاق، ويَكشفَ لي قمرُ الشتاءِ الصلةَ بين جَرْس الكلمة ومعناها، ويسجدَ الغيم هناك على جذوع السنديان المبقَّعة بدماء رُفقائي.
لا داعي للقياس! سبحان من أسرى بالضمير من الأنامل إلى الأهداب، فصارت النظرةُ ميزانَ ذهب.
لو لم تُزَمَّ كلُّ فردةٍ بوردة، لسكبتُ فيهما ما يسكبه حرّاس القلعة في أبواق النصر.
غداً سوف تضحك وهي تجرّبه أمام ابنتنا، متّخذةً من باب الشرفة المشمس مرآةً. ستتعالى ضحكاتهما عفواً، ولن أبوح بسرّ هذه الدغدغات.
-2-
في غيابه، أنبأَني البرْدُ أنّ الضوء نصالٌ في الظهر؛ والظلمةَ درعٌ مسموم.
نذرتُ، إنْ عاد، ألّا ألتمس من الموسيقى شيئاً غير النَّسيان.
رشيقٌ منعزل. أصغرُ من لهفة الواصل، وأكبر من كفِّ المودِّع. يحلّق مفرَداً بمساراتٍ قوسيّة منخفضة، كالرشقات التي تنثرها النافورة في باحةٍ مُطفأة. ويستقر منزوياً شِبهَ ساجد، لاهياً عن أي خطَر، منشغلاً بذاته. يسبل جناحيه في الفيء، ويموّج رأسَه في الشمس.
كلما مسَّه شعاعٌ أطلق صفراتٍ رنّانة يمتزج فيها مرَح العابثِ بتمتمة الزاهد، ويختلط عزمُ رافعِ الأعمدة بشجنِ التائهِ وسط الأنقاض. في إيقاعها المعدني السريع امتنانٌ للنهار، وفي صداها الحجري المترنّح رهبةُ من الليل. موجَزةٌ كرسائل اللَّهَب، كثيفةٌ كرشفة النبيذ، صريحةٌ كعتاب المطر للنافذة.
لا يلبث فوق الغصن غير دقائق، يقتات من قشر الزيتونة ما يعينه على الرحيل؛ وينهل من ضميرها ما يستدلّ به على خطّ الإياب.
لسوادِ إهابِه ونصوعِ عنقِه وتَراخي ذيلِه، أطلق عليه أبناء الريف الساحليّ اسمَ《 الرُّوَيْهِب 》تصغيراً يجمع بين الدلال والإجلال لاسم الراهب، وغبطةً لِما في حياة هذين الكائنين من خفّةٍ وغموضٍ وثقة.
أديْنُ له بقدرتي على احتمال لدغاتِ الضجر، والحذَرِ من نوايا الخريف، وتأويلِ رؤى الأمواج.
كم بيتاً تماسَكَ وصفا لأن صفراته شدّت الضلوعَ و مسّدت الرُكب وسكّنتْ رجفاتِ الشفاه!
يهبنا هذا الرنينُ اللمّاع يقيناً بأن صدوع أمسنا المهجور آيلةٌ للالتئام، وتقْنِعنا هذه البحّة اللّدنة أنّ رطوبة الملجأ شفاءٌ لحرقات الخدود من لفحات البادية.
-3-
أتمتِمُ باسمكَ، لأن كل الأشياء فقدتْ أسماءها.
لأن الزمان استدارَ كهيئته الأُولى مبهَماً لاهباً.
لا لكي أقوى على النوم. ما أكرمَ السَّهَرَ ووجهُكَ سقفي!
ما أوهى مطارقَ الليلِ على قامةٍ شَدَدْتَها.
نهارٌ أنّى أطلقتَني: الطفلُ الذي كان يحبو حول الساقية، وكلّما رأى صورتَه لَطَمَ الماءَ.
الشابُّ الذي أبى، قبل أن يَغرق صاحباه، أن يخوض في نهرٍ لا يَبِيْنُ قاعُه.
المنفيُّ اللاهث بين الإسفلت والشمس: خفيفاً كسنبلةً فرَّتْ بها قَطاةٌ من بين المناجل.
تحت القضبان معصوبَ العينين، يمسُّ حفيفُ هذه الحروفِ خدَّيَّ؛ يرنُّ الموج في عظامي وتُنثَرُ على رُكبتيّ رسائلُ الزبد.
عندي، بَدَلَ البستانِ الذي أحرقوه، أصيصٌ في الشبّاك. إذا غفوتُ قبل أن أسقيه، نبَّهتْني لصلاةِ الفجر حمامة.
-4-
أمطرتْ في الصيف، لأن الصفحات التي كُتبتْ شتاءً شابَها الدمُ.
شاءت الريح أن تطوِّقَ الغيومَ الناشئة من لهاثنا، وتردَّها إلى الأرض بَرَداً يحرق وهديراً يجرف.
توتَّرَ الحبل. سَرَتْ فيه ذبذباتٌ متصاعدة. بدا عازماً على الإفلات من المسمارَين، راغباً في اللحاق بالراحل أو الالتفافِ على عنقي.
-6-
مَنَّيْتِني ب《 هناك》. خالَطَ بحّتَكِ لهاثٌ كخفقان اللّهب، وربّما أَتْبَعْتِ الكلمةَ بإيماءةٍ للأعلى، مثلما يلوّح الطفل لغيمةٍ ارتدَتْ وجهَ أُمِّه قبل أن تتمزق.
تقولين《 هناك》، كأننا محمولون على أجنحة لا ملفوفون بسلاسل؛ كأن السفر أغنيةٌ لا انسلاخ، كأن مطارق الوقت تصير حريراً في بعض الأمكنة.
وحقِّكِ ما سبحتُ في نهرٍ إلّا جفَّ، ما استندتُ إلى شجرةٍ إلّا أُحرِقتْ، ما سامرتُ كتاباً إلّا دِيْسَ.
لا أعرف غير《 هناك》 واحدة، وكلُّ ما《 هنا》 كدْحٌ لها وفرارٌ منها ونِزاعٌ عليها. تلك التي تُنسَج أفياؤها من حسراتنا، وتُرفَع قبابُها من ارتجافات الرُّكَب، وتنبثق ينابيعها من نيران الشفاه.
إنّ في يأسي قوّةً لا تتقنها إلّا الموسيقى. وقد عهدتُ إليها رَفعَ قواعدِ غدي. فكثيرٌ ممّا قُدِّرَ عليّ يَمُوج الآن تحت الجلد، يهدر في دمي، يرنُّ في العظام.
-7-
توقّعتُ من حديد الأعمدة أن يفقأ عيونَ سارقِيه، ويُنشِبَ في وجوههم وأيديهم براهينَ على بأسٍ أغرتنا به الكتب، وأرهبتنا منه الأسلحة.
أملتُ- على الأقلّ- أن يتناثر في العتمة كسهامٍ من الجمر إكراماً للنيران التي صهرَتْه، أو يتفتّتَ شظايا في باحات الكارثة وفاءً للظهور التي استندتْ إليه.
لا أنْ يلتوي ويتكوّم في الشاحنات كأكداس الحطب، ويتجرجرَ خلف العجلاتِ كأذيال قطيعٍ مفجوع.
هذا دليل على أن المواد التي أنشأْنا بها الأمسَ كانت غباراً. وإلى أن تُخرج لنا الأرض معدناً أعزَّ وأصلَب، سأنسج لي بيتاً من ضباب الأسئلة.
-8-
ابيضَّت الأجفان. كنتُ أظنها معصومةً، لا سيّما وهي بهذه الهشاشة والتبعثر والانطواء.
حتى لو كان القفل مجرَّدَ زخرفة، لا بدَّ من أن يحطّمه السارق: إمّا عند الدخول استقواءً على العتمة، أو عند المغادرة انتقاماً من خيبة المسعى.
-9-
صحيحٌ أن الولد طيرٌ، لكنّ الأب شجرة. عنيدان في المهبّ، طيِّعانِ إذا رنّت الأجراس.
لَيْلَ واكبكِ المطر، حمدتُ المُنشئَ على ما وُهِبْنا: طلاقة الجناحين، واستقامة الجذع.
فلا أثْنَتْكِ المسافةُ عن اللهفة ،
ولا زادني فراغُ العشِّ إلّا ابتكاراً الخفيف.
-10-
حالَما أهيّئُ حقيبةَ السفر، تضجُّ العصافير على الشرفة.
أحَدُها( ولا أعرف إن كان هو دائماً نفسَ العصفور) يلتصق بفجوةٍ رطبةٍ في الحائط، نافضاً جناحيه، صافراً بنزَق.
عصافيرُ أخرى تتناتفُ كسرةَ خبزٍ قُربَ الباب، مع أنّ الفتات منثور.
تتزاحم على دمعةٍ من مطر الليل، والنهرُ تحتنا.
تتراجفُ في ظلِّ الكرسيّ، والشمسُ غامرة.
تَكرَّرَ هذا المَشهد صباحاتٍ عديدة، حتى ظننتُ أنها تفتقد شيئاً في غيابي، أنها تدرك من حرارةِ زفراتي إلى أين أنوي، أنّ شِجارها استبطاءٌ وصَخَبَها رسالة.
-11-
لم يفاجئني سؤالكَ:《 من نحن؟》، بل ظنُّكَ أنّ لديَّ جواباً.
وددتُ لو أتْبَعتَ ميمَ الحيرةِ بالألِفِ الذاهلة كأجنحة اللّهَب، لا بهذه النُّونِ المطمَئنّة كقاع الهاوية!
نهاية ٢٠١٨، ترسم العناوين الرئيسية لملامح خمسة تطورات منتظرة في العام المقبل، هي: ملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي، وانعكاسات ذلك على مستقبل التفاهم الروسي – التركي حول إدلب، وآفاق العملية السياسية، وملفات الإعمار وعودة اللاجئين والنازحين و”التطبيع” العربي أو الغربي مع دمشق، ومصير “التموضع الإيراني” في سوريا.
الانسحاب الأميركي
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خصومه وحلفائه بقرار الانسحاب من سوريا. القرار اتخذ بعد اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي تنقل في العام المنصرم بين خانة الحليف والخصم في قاموس الرئيس ترمب. إردوغان الذي سعى كثيراً لحشد موقف أميركي لوقف دعم “وحدات حماية الشعب” الكردية، فاجأته سرعة ترمب. “انسحاب كامل وسريع”، وعلى تركيا استكمال المهمة في القضاء على ما تبقى من “داعش”. هذا ما أبلغه سيد البيت الأبيض إلى السلطان في ١٤ ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن قال له مغرداً على “تويتر” إن سوريا “كلها لك”، أي لإردوغان.
ذهب صدى مفاجأة ترمب. واستعجل كل طرف البحث فيما بعد ذلك. العنوان الرئيسي للتحركات كان الوصول إلى ترتيبات أمنية وعسكرية ما بعد الانسحاب. أميركا ستترك ثلث مساحة سوريا، أي شرق نهر الفرات، وقاعدة التنف، ومدينة منبج. هذه المناطق فيها: ٧٠ ألف مقاتل عربي وكردي، وفيها بقايا “داعش”، وخلايا نائمة، وبنية إدارية واقتصادية وحزبية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، وفيها بنية عشائرية عربية، ومربعان أمنيان في الحسكة والقامشلي، وزاوية الحدود السورية – العراقية – التركية، والزاوية السورية – العراقية، الأردنية، وفيها ٩٠ في المائة من النفط السوري الذي كان إنتاجه يبلغ ٣٦٠ ألف برميل قبل ٢٠١١، وفيها نصف الغاز السوري، ومعظم القطن والحبوب، والسدود السورية الثلاثة الكبرى. فيها أيضاً تمر الطريق البرية بين إيران والعراق وسوريا ولبنان. هذه الطريق حيوية لمصالح إيران ونفوذها وميليشياتها. باختصار: فيها “سوريا المفيدة اقتصادياً واستراتيجياً” التي تعيش عليها “سوريا المفيدة عسكرياً وسكانياً.”
هذه “الثروة” مصدر صراع وسباق وتنافس بين اللاعبين السوريين والإقليميين والدوليين. إيران لم تتوقف عن الحشد جنوب نهر الفرات. ودمشق لم تتوقف عن الطموح للعودة إلى الماضي. تركيا لم تتوقف عن الطموح لبناء منطقة نفوذ.
لا شك في أن مصير هذه المنطقة سيكون حيوياً في عام ٢٠١٩، وسيحكم قسماً كبيراً من أشهر العام. مصالح تركيا: القضاء على أي كيان كردي، وملاحقة “حزب العمال الكردستاني”، وإقامة شريط أمني بعمق ٢٠ – ٣٠ كيلومتراً. مصالح دمشق في الإبقاء على سيادة سوريا ومصادر الاقتصاد. مصالح روسيا في الوصول إلى ترتيبات لا تزعج تركيا وتربط دمشق وأنقرة. مصالح أميركا في القضاء على “داعش” وتقليص نفوذ إيران. مصالح إيران في منع استخدام هذه المنطقة ضدها؛ لكن الإبقاء على النفوذ.
مصير إدلب
لا يمكن بحث مصير شمال شرقي سوريا عن شمالها الغربي: إدلب. هذه المنطقة شمال الريف الغربي لحلب، الريف الشرقي للاذقية، الريف الشمالي لحماة. أحد العناوين الرئيسية لعام ٢٠١٨، كان مصير إدلب. إذ إنه بعد سيطرة الحكومة على جنوب سوريا وجنوبها الغربي وغوطة دمشق ربيع العام المنصرم، بدأت تحشد على ريف إدلب؛ لكن تهديدات أميركية وغربية، والتصعيد الدولي والإنساني، دفعت إلى ترتيب الأرضية لعقد صفقة روسية – تركية خاصة بإدلب.
يجب عدم تقليل انعكاس المساعي التركية – الروسية لتطوير العلاقات الثنائية (محطة نووية، وتبادل تجاري، وخط غاز، وصواريخ “إس 400″…) على وصول الطرفين إلى اتفاق سوتشي في سبتمبر (أيلول) الماضي حول إدلب. أي وقف الهجوم العسكري السوري، وإقامة منطقة عازلة بين المعارضة والحكومة، وتحييد الإرهابيين وإخراجهم منها، إضافة إلى تعزيز تركيا لنقاط المراقبة الـ١٢ التابعة لها. بذلك، ضمت إدلب إلى منطقتي النفوذ التابعتين لأنقرة: “درع الفرات” بين الباب وجرابلس، و”غصن الزيتون” في عفرين. تشكل هذه المناطق نحو ١٠ في المائة من مساحة سوريا.
الخطة الروسية، كانت تمر بثلاث مراحل: السيطرة على جنوب إدلب، أي خان شيخون ومعرة النعمان وغرب إدلب، أي جسر الشغور. المرحلة الثانية، هي السيطرة على الطريقين الرئيسيتين بين اللاذقية وحلب، وبين دمشق وحلب. المرحلة الثالثة، شمال طريق اللاذقية – حلب.
التفاهم الروسي – التركي لم يقضِ على الخطة؛ بل أدى إلى البحث عن تنفيذها ببطء، ومن دون عمل عسكري واسع. كما أن الهدف من التفاهم روسياً كان إبقاء تركيا في الإطار الروسي والابتعاد عن أميركا. لكن اتصال ترمب – إردوغان، والتفاهم على تزامن الخروج الأميركي مع الدخول التركي، سينعكسان على مصير إدلب، وعلى الحرارة بين موسكو وأنقرة. هذا أحد العناوين السورية في عام ٢٠١٩.
آفاق الحل السياسي
عُرف عام ٢٠١٨ بأنه عام مسار سوتشي – آستانة. بدأ في يناير (كانون الثاني) باستضافة سوتشي مؤتمر الحوار الوطني السوري. صدر منه بيان تضمن تشكيل لجنة دستورية برعاية دولية. أي بات الإصلاح الدستوري بمنصة سوتشي – آستانة، مدخلاً لتطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤. تطلب الأمر سنة كاملة للوصول إلى قائمة للجنة الدستورية، قائمة لم تنطبق عليها معايير بيان سوتشي ذاته.
أيضاً، في العام المنصرم عاد الأميركيون إلى العملية السياسية. مع تسلم السفير جيمس جيفري الملف السوري، وجون بولتون منصب مستشار الأمني القومي منتصف العام.
عاد الأميركيون إلى المسار السوري: الوجود الأميركي شرق الفرات كان يرمي إلى هزيمة “داعش” وتقليص نفوذ إيران، ومساعدة وزير الخارجية مايك بومبيو للوصول إلى حل سياسي بموجب القرار ٢٢٥٤. الأميركيون قرروا المغادرة قبل الوصول إلى حل سياسي. بالتالي، فقدوا نفوذاً للضغط نحو التسوية.
التغيير الآخر، يتعلق بمغادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا منصبه. اعترف في آخر إيجاز له بأنه “فشل” في تشكيل اللجنة الدستورية. سيتسلم السفير النرويجي غير بيدرسون منصب المبعوث الدولي الجديد. حاول الروس والأتراك والإيرانيون خلال لقائهم الأخير في جنيف قبل أسبوعين، الإبقاء على روح ومسار الإصلاح الدستوري؛ لكن لا شك في أن بيدرسون سيبحث عن مداخل جديدة للحل السياسي، وتنفيذ القرار ٢٢٥٤.
لا يمكن توقع أي حراك للمبعوث الجديد قبل ثلاثة أشهر من تسلمه المنصب. ولا يمكن توقع تحركه قبل معركة آفاق الميدان العسكري شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي، ومدى انسحاب أميركا عسكرياً ودبلوماسياً من سوريا.
الإعمار والتطبيع
الدول الغربية وعدد من الدول العربية كانت تربط المساهمة في إعمار سوريا بالوصول إلى “انتقال سياسي” أو “حل سياسي ذي صدقية” في سوريا. وهناك من يربط ذلك بخروج إيران وميليشياتها. كلفة الإعمار تقدر بـ٣٠٠ -٤٠٠ مليار دولار أميركي. هذا يشمل أيضاً الـ٦٠ في المائة من مناطق نفوذ الحكومة وروسيا وإيران. يتحجج البعض أن ملف الإعمار قد يكون أساسياً في إضعاف إيران. يمكن الوصول بالسلام والإعمار إلى ما كان يرمي إليه الصراع على النفوذ. وبات يطرح حالياً موضوع عودة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية.
لا شك أن القمة الاقتصادية العربية في بيروت، في نهاية يناير المقبل، ستشهد طرح الموضوع، وإجراء مشاورات لاتخاذ قرار في شأن تجميد عضوية دمشق قبل سبع سنوات. إلى الآن، ليس هناك إجماع بين الدول العربية على عودة دمشق؛ لكن لا بد من ملاحظة أن الشهر الأخير في العام المنصرم، شهد زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، وزيارة رئيس مجلس الأمن الوطني علي مملوك إلى القاهرة.
وتواكب ذلك جهود موسكو، التي تضغط لإعادة دمشق الى الجامعة، لإعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار وإقناع دول أوروبية بالمساهمة في الإعمار لمساعدة عودة السوريين. وسيكون مؤتمر المانحين في بروكسيل في ابريل (نيسان) مناسبة لاستكشاف موقف الدول الأوروبية المنقسمة حول سوريا وغيرها.
مصير نفوذ إيران
في سبتمبر الماضي، سقطت طائرة روسية بنيران الدفاع الجوي السوري، الذي حاول ضرب طائرة إسرائيلية كانت بحماية أميركية ترمي ضرب مصالح إيران في سوريا. حادثة صغيرة، انخرطت فيها خمس دول: أكبر دولتين في العالم، ودولتان إقليميتان، وسوريا.
العام الماضي، شهد حرباً خفية بين إسرائيل وإيران في سوريا. شهد أيضاً شن إسرائيل أكبر غارات على مواقع إيرانية. أيضاً شهد لعب روسيا دور الوسيط لإبعاد إيران وميليشياتها وقواعدها عن الجولان والأردن. شهد أيضاً عودة القوات الدولية لفك الاشتباك (أندوف) إلى الجولان، ونشر روسيا منظومة صواريخ “إس 300” لتضاف إلى منظومتين أخريين: “إس 400″، و”إس 300”.
إبعاد إيران ١٠٠ كيلومتر عن الجنوب، كان قسماً من المطالب – التفاهمات. و”إخراجها من سوريا” كان أحد أهداف الوجود الأميركي. لذلك، فإن العام المقبل سيشهد كثيراً من الأخذ والعطاء عن نفوذ إيران العسكري والاقتصادي والميليشياوي. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال بعد قرار ترمب الانسحاب، إنه سيواصل ضرب مصالح إيران. إيران تسعى إلى التمدد شرق الفرات. روسيا تسعى إلى الاستحواذ على القرار السوري، بما في ذلك من إيران. طهران المحاصرة بعقوبات وتهديدات أميركا، تعاند موسكو، وتستخدم سوريا مسرحاً للتفاهم والتقاتل.
ومع قرب العام من نهايته، اتهمت روسيا اسرائيل بـ “انتهاك صارخ لسيادة سوريا”، بعدما اتهمت دمشق تل ابيب باطلاق صواريخ قرب العاصمة السورية، فيما قال الجيش الاسرائيلي إنه تصدى لصاروخ مضاد للطيران أطلق من سوريا.
كما استمرت حشود تركيا وحلفائها وحشود دمشق وانصارها باتجاه مدينة منبج وشرق الفرات، بالتزامن مع ماراثون دبلوماسي.
لا شك في أن الانسحاب الأميركي خلط الأوراق، وأطلق سباقاً بين اللاعبين الخارجيين والمحليين في ٢٠١٩، لملء الفراغ وتحقيق مكاسب استراتيجية تقوي الموقف التفاوضي، عند البحث عن ترتيبات، والجلوس إلى طاولة صوغ سوريا الجديدة.
يسلط الفيديو الضوء على تجربة عمر العقباني (عازف عود) وبشار سريوي (عازف غيتار) في السويداء والتحديات التي يواجهونها لمتابعة مشاريعهم الفنية في ظل الحرب.
سمعت عنود للمرة الأولى تعليقات ولديها خلف وضرغام المعجبين بداعش، “زلم وشجعان مخلصين” قالا وهما يشاهدان مقطع فيديو لمسلحي التنظيم يرجمون سيدة حتى الموت في ريف حماة بتهمة الزنا.
ولكن نزلت عليها الصدمة “كالصاعقة” منتصف آب/أغسطس ٢٠١٥ بعد اختفائهما. تقول الأرملة الخمسينية المنحدرة من ريف مدينة “تل حميس” “بدايةً ظننتُ أنهما خُطفا، وبعد شهر علمتُ من ابن عمهما أنهما توجها إلى مدينة الرقة وانضما رسمياً لصفوف التنظيم الإرهابي.”
أسر بعد ذلك ابنها ضرغام على يد وحدات حماية الشعب، وفجر خلف نفسه في عملية إرهابية في دير الزور العام الفائت، لتتزوج أرملته من مقاتل آخر، مما اضطر عنود لتحمل مسؤولية إعالة أحفادها الأربعة، فعملت كبائعة ألبسة متجولة بين حارات المدينة.
أما سعاد (اسم مستعار لمعلمة من الشدادي في ريف الحسكة) فقد شاهدت جثتي ولديها اليافعين غيث وليث في هاتفها النقال، إثر مقتلهما بغارة جوية للتحالف الدولي على معاقل تنظيم داعش في الرقة قبل عامين.
وكانت سعاد فرّت مع عائلتها من الشدادي للعيش في الحسكة قبل أكثر من ثلاث سنوات، بعد سيطرة التنظيم عليها وانتابتها الشكوك قبلاً بانتماء ولديها للتنظيم، إثر تعنيفهما لشقيقتهما الوحيدة إسراء، وإجبارها على ارتداء العباءة والخمار الأسود “برقع”. وتقول سعاد “قام أيضاً غيث وليث بمنع إسراء من الذهاب إلى المدرسة ونعتاها بالمرتدة والخارجة عن الدين؛ في حين أمضيا معظم وقتهما على الإنترنت حتى ساعات متأخرة من الليل.”
دفعت هذه التغييرات السلوكية سعاد وزوجها إلى مراقبة الولدين، والبحث في هواتفهما النقالة كلما سنحت لهما الفرصة لقراءة رسائلهما الخاصة، وقد شاهدا فيهما العديد من مقاطع فيديو لذبح وقتل وحرق مارسها متطرفو داعش.
تروي سعاد أنها في إحدى المرات “قرأت رسالة شخص كنى نفسه بأبي همام على حسابه على تويتر يعد غيث (١٦ عاماَ) بتأمين دخوله وشقيقه ليث (١٥ عاماً) إلى دولة الخلافة.” دفع خوف سعاد على ولديها من الانضمام للتنظيم إلى استدانة مبلغ ٢٥ ألف دولار من شقيقها لدفع تكاليف تسفيرهما لألمانيا وحمايتهما من دعاية التنظيم.
تقول سعاد “استدلينا أنا وزوجي على مهرب للبشر تكفل في إيصالهما من القامشلي إلى تركيا فروسيا وصولاً لألمانيا، فشقيقي المقيم هناك منذ عشر سنوات كان سيستقبلهما، وبالفعل وصلا من تركيا إلى روسيا لكنهما رجعا إلى تركيا مجدداً وعبرا إلى الرقة، حيث قتلا بعد تسعة أشهر من وصولهما للمدينة، لقد فات الأوان وفشلتُ في إبعاد شبح داعش عن طريق ولدي والنهاية كانت كارثية علينا.”
الأئمة المتشددون
ازدادت شكوك دانيال محمد بتوجهات صديق طفولته وابن عمه محمد المتطرفة، في كل مرة يرسل له فيها عبر تطبيق الواتس أب مقاطع يوتيوب لخطباء داعش، وهم يعدون بحياة وردية ما بعد الموت و”بحور عين تنتظر من يفجر نفسه في الكفار أعداء الخلافة.”
إلى أن أيقن دانيال أخيراً أن ابن عمه الذي فر من الخدمة الإلزامية منتصف آذار ٢٠١١ وسافر إلى مدينة غازي عنتاب التركية، قد تشرب من فكر داعش ويسعى إلى جره هو الآخر لمستنقع التطرف.
يقول دانيال “في كل مرة كنتُ أسأل محمد عن سبب تحدثه العربية الفصحى بدل لهجتنا العامية كان يبتسم ويقول لأنها لغة أهل الجنة.” وعن كيفية وصول داعش لابن عمه يضيف دانيال “لدى داعش منصات عملاقة على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد ضحاياه. ونجح عبرها في استقطاب آلاف الشباب، ومنهم ابن عمي الذي انقطعت أخباره عني لفترة أشهر، ومن ثم تفاجأت بخبر مقتله منشوراً مع صورة له على إحدى الصفحات التي يديرها التنظيم.”
ويعتقد دانيال أن العديد من الشباب انساقوا خلف بعض الأئمة المتشددين الذين شوهوا أفكارهم “عندما يتواصلون معهم عبر الشبكة العنكبوتية، يُصبح من السهل إعطاؤهم جرعة كراهية واحدة عن مجتمعهم ومزيداً من التطرف، ليصبحوا جاهزين لتبرير عمليات قتل وذبح أفراد في مجتمع يرونه كَافراً بسبب خطاب الأئمة المتشددين. أعتقد لو أنه تمت مراقبتهم منذ البداية لما أفرز المجتمع كل تلك النماذج غير السوية في تفكيرها.”
ملايين المستخدمين
سخَّر تنظيم داعش الشبكة الرقمية لبث وتجنيد الشباب اليافع في صفوفه لسهولة استخدامها وسرعة انتشار وسائل الإعلام الجديد بين الشرائح الشبابية بحسب مؤيد كريم، الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي وتقنية المعلومات، ويشير كريم إلى أن سرعة تطور الإنترنت أدى إلى تغير النظرة حول خطورة الإرهاب الإلكتروني من أعمال القرصنة التي تطال مواقع لمؤسسات حكومية وإعلامية ضخمة؛ إلى القلق من استخدام التنظيمات المتشددة لشبكات التواصل الاجتماعي لتجنيد الشبان واليافعين، لاسيما وأن عدد مستخدمي “الفيسبوك” من العرب قد تخطى الـ ٩٠ مليون مستخدم. ويقول كريم إن “عناصر التنظيم يلجؤون للترويج لأفكارهم المتشددة عبر أجهزتهم المحمولة وهواتفهم الذكية التي يصعب رصدها”، موضحاً أن “داعش يشن هجمات نفسية ضد من يعتبرهم أعداءه، من خلال نشره لأفلام مُرعبة لإعدام ونحر رؤوس رهائن وأسرى لديه”.
أما أكثر وسيلة تواصل اجتماعي يعتمد عليها داعش في حربه الإلكترونية، فهي موقع “تويتر” بحسب كريم، فهو يوفر خاصية العمومية والتدوين المباشر الذي يُتيح بث التغريدات لعدد هائل من مستخدميه. ووفقاً لكريم فقد تجاوز تعداد الحسابات النشطة على توتير العام الفائت ٢٧٠ مليون مستخدم، ويُقدر نشر أكثر من ٤٠٠ مليون تغريدة يومياً.
“أحفاد الرسول”، “دار الخلافة”، و”زهرة المقدس” جميعها حسابات تُصدر الإرهاب عبر منصات التواصل، لتحصل على أكبر عدد من المتابعين الشباب كما بينت الصحفية التونسية “زهور المشرقي” في مستهل حديثها. وتشير المشرقي إلى دراسة حديثة كشفت عن امتلاك تنظيم داعش لسبع أذرع إعلامية، ومنها “الفرقان”، و”الاعتصام”، و”مكاتب الولايات”، وإذاعة “البيان”، ومجلة “دابق” إضافة لـ٢٩٠ ألف صفحة على الإعلام الاجتماعي لاسيما “تويتر “و”الفيسبوك.” تهدف جميعها بشكل رئيسي للترويج والتسويق لفكر التنظيم حول العالم “لتجنيد أكبر عدد من الشباب لاسيما المتشدد في أفكاره من كل أنحاء العالم” بحسب الدراسة.
المسلمون والخبراء النفسيون…للدعاية
ولإدراك التنظيم لأهمية الدعاية الإلكترونية، أصدر استراتيجية تتناول سبل جعل المسلمين يعملون كنشطاء دعائيين لديها على الإنترنت، وهدفت الوثيقة المؤلفة من ٥٥ صفحة إلى جذب المسلمين وإغرائهم للترويج للتنظيم في نشر رسالته العنيفة المتشددة في العالم الرقمي والتي تحدثت إحدى فقراتها: “الأسلحة الإعلامية يمكن أن تكون في الواقع أكثر فعالية من القنابل الذرية.”
و أوصى باحثون من كلية “كينغر كوليدج” البريطانية في تقرير لهم بعد ترجمة الوثيقة على مواجهة سعي التنظيم إنابة المسلمين عنه كدعاة ومروجين، من خلال تزويد المجندين المحتملين من الشباب المسلم ممن يبحثون عن هدف لأنفسهم في غرف الدردشة برسائل إيجابية تلبي احتياجاتهم وتمنع تطرفهم.
يشير آرام حسن (استشاري الصدمات النفسية ومدير مركز “كوتم” في ألمانيا) إلى دراسات وإحصاءات أثبتت نجاح التنظيم في حربه الإلكترونية والتي فاقت نجاحاته في حروبه الميدانية التي خاضها في سورية والعراق.
ويتحدث حسن عن توظيف داعش لخبراء نفسيين يستخدمهم في مساعيه لتجنيد عناصره الجدد، “لديهم خبرة، تظهر جلية في إصداراتهم الإعلامية المقروءة والمرئية التي يخرجونها باحترافية عالية، ناهيك عن اللغة المستخدمة وتحكمهم في طبقات الصوت والمؤثرات. كل هذا يدل على خبرة وعلم واحتراف” يقول حسن.
وعن آليات التعامل مع هذه الدعاية يشير حسن إلى أن إيقاف تأثير التنظيم على الشباب يمكن حله على مستوى الأفراد، والحكومات، والمؤسسات الدولية من خلال إنشاء مراكز لمكافحة التطرف، وتوعية مستخدمي الشبكة العنكبوتية بخطورة هذه التنظيمات للحد من تأثيرها على عقول الشباب.
تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كبار مستشاريه للأمن القومي وفاجأ القادة العسكريين الأمريكيين على الأرض وصدم أعضاء الكونجرس وحلفاءه بقراره سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو قرار يقلب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط رأسا على عقب.
ودافع ترامب يوم الخميس عن قراره المفاجئ إعلان النصر على تنظيم داعش في سوريا وسحب القوات الأمريكية بالكامل منها وسط انتقادات من بعض الجمهوريين ومخاوف الحلفاء وبعض القادة العسكريين الأمريكيين. وقال ترامب في سلسلة تغريدات نشرها على تويتر إنه يفي بتعهد قطعه أثناء حملته الانتخابية في عام ٢٠١٦ بالخروج من سوريا. وكتب يقول إن الولايات المتحدة تقوم بعمل دول أخرى، منها روسيا وإيران، دون مقابل يذكر مكرراً عنصراً أساسياً في سياسته الخارجية وهو أنه يسعى لوقف استغلال الولايات المتحدة. وأضاف “هل تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبح شرطي الشرق الأوسط، وألا تحصل على شيء سوى بذل الأرواح الغالية وإنفاق تريليونات الدولارات لحماية آخرين لا يقدرون، في معظم الأحيان، ما نقوم به؟ هل نريد أن نظل هناك للأبد؟ حان الوقت أخيراً لأن يحارب آخرون.”
وقال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة ستنهي على الأرجح كذلك حملتها الجوية على المتشددين في سوريا عندما تسحب قواتها. وعارض وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس القرار وأعلن فجأة يوم الخميس استقالته بعد اجتماع مع الرئيس. وفي خطاب صريح إلى ترامب، أكد ماتيس الجنرال المتقاعد بمشاة البحرية أهمية “إبداء الاحترام” للحلفاء الذين عبروا عن الدهشة والقلق بشأن قرار الرئيس.
وانضم ديمقراطيون إلى أعضاء جمهوريين بالكونجرس في دعوة الرئيس الجمهوري إلى العدول عن نهجه، قائلين إن الانسحاب سيقوي قبضة روسيا وإيران في سوريا ويمكن تنظيم داعش من الظهور مجدداً. كما دعا السناتور الجمهوري لينزي جراهام يوم الجمعة إلى عقد جلسة عاجلة لمجلس الشيوخ الأمريكي لبحث قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا والذي دفع وزير الدفاع جيم ماتيس للاستقالة.
وقوض القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسحب قوات بلاده البالغ قوامها نحو ٢٠٠٠ عسكري من سوريا، ركيزة أساسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ويقول منتقدون إن هذا سيصعب التوصل لحل دبلوماسي لإنهاء النزاع في سوريا المستعر منذ أكثر من سبعة أعوام.
وأبلغ مسؤولون أمريكيون رويترز شريطة عدم الكشف عن أسمائهم أن القادة العسكريين الأمريكيين على الأرض يشعرون بالقلق من تأثير الانسحاب السريع وإنهم فوجئوا بقرار سحب القوات. كما قال مسؤول أمريكي لرويترز إن الولايات المتحدة تقوم بإجلاء كل موظفي وزارة الخارجية من سوريا خلال ٢٤ ساعة، وذلك بعدما قال البيت الأبيض إنه بدأ سحب القوات الأمريكية. وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة تعتزم سحب القوات من سوريا بمجرد اكتمال المراحل الأخيرة من آخر عملية ضد تنظيم داعش، وأن من المتوقع أن يكون الإطار الزمني لسحب القوات من سوريا بين ٦٠ و١٠٠ يوم.
وكان الرئيس الأمريكي قد ذكر في يوم الأحد أنه تحدث مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان عن “انسحاب بطيء ومنسق للغاية” للقوات الأمريكية من سوريا، وأضاف ترامب أنه وأردوغان بحثا أيضاً التبادل التجاري “الواسع النطاق” بين الولايات المتحدة وتركيا بعد توتر علاقات العضوين بحلف شمال الأطلسي خلال الصيف.
وفي تطمينات للحكومة العراقية، قال مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يوم السبت إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أكد لعبد المهدي أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بقتال تنظيم داعش في العراق ومناطق أخرى رغم انسحاب قواتها المزمع من سوريا.
تركيا تتأهب ٢٠-٢٣ كانون الأول/ديسمبر رويترز
أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ترحيباً “حذراً ” بقرار واشنطن سحب قواتها من الأراضي السورية وقال إن بلاده سترجئ عملية عسكرية ضد المسلحين الأكراد بشمال شرق سوريا. وذكرت رويترز أن تركيا بدأت تعزيز مواقعها على جانبي الحدود مع سوريا يوم الأحد، بينما اتفقت أنقرة وواشنطن على تنسيق الانسحاب الأمريكي من سوريا. يأتي تصاعد النشاط العسكري بعد يومين من إعلان أردوغان أن بلاده ستؤجل عملية عسكرية مزمعة ضد وحدات حماية الشعب الكردية شرقي نهر الفرات في شمال سوريا بعد أن قررت الولايات المتحدة سحب قواتها. وقال أردوغان “أرجأنا عمليتنا العسكرية ضد (المقاتلين الأكراد) في شرقي نهر الفرات حتى نرى على الأرض نتيجة القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا” مؤكداً أنها ليست “فترة انتظار مفتوحة.”
وكانت الرئاسة التركية قد أعلنت أن الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب اتفقا يوم الأحد على التنسيق بين البلدين لمنع حدوث أي فراغ في السلطة مع انسحاب الولايات المتحدة من سوريا. وأضافت أن أردوغان عبر في اتصال هاتفي مع ترامب عن رضاه بالخطوات التي اتخذتها واشنطن بشأن محاربة الإرهاب في سوريا وعن استعداده لتقديم أي شكل من أشكال الدعم.
وكان الرئيس التركي قد قال يوم الجمعة إن بلاده ستتولى المعركة ضد تنظيم داعش في سوريا مع سحب الولايات المتحدة قواتها من هناك، في أحدث تغير تسبب فيه التحول المفاجئ في سياسة واشنطن.
روسيا ترحب ١٩-٢٢ كانون الأول/ديسمبر رويترز
قال الكرملين يوم الجمعة إنه لا يفهم ما هي الخطوات التالية التي ستتخذها الولايات المتحدة في سوريا وإن اتخاذ القرارات بشكل متخبط لا يمكن التنبؤ به يسبب حالة من عدم الارتياح في الشؤون الدولية. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن موسكو تريد مزيداً من المعلومات عن الانسحاب المزمع للقوات الأمريكية من سوريا الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب بصورة غير متوقعة هذا الأسبوع.
وفي موسكو، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه متفق إلى حد بعيد مع ترامب على أن تنظيم داعش قد انهزم لكنه أضاف أن هناك خطراً أن يعيد التنظيم تجميع صفوفه. وعبر أيضاً عن تشككه فيما يعنيه إعلان ترامب عملياً، وقال إن موسكو لم ترصد أي مؤشر على انسحاب القوات الأمريكية التي تعتبر موسكو وجودها في سوريا غير قانوني.
كما نقلت وكالة تاس للأنباء عن وزارة الخارجية الروسية قولها يوم الأربعاء إن قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا يساعد على التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة هناك. ونسبت تاس أيضا إلى الوزارة قولها إن مبادرة لتشكيل لجنة دستورية سورية ستكلل بالنجاح مع انسحاب القوات الأمريكية.
أما إيران فقالت على لسان بهرام قاسمي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا كان “خطأ وغير منطقي ومصدر توتر” في أول رد فعل على الانسحاب المزمع للقوات الأمريكية الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب.
الأكراد يخسرون ١٩-٢٣ كانون الأول/ديسمبر رويترز
بعد أن كانوا من بين أكبر الرابحين في الحرب السورية، سيصبح الأكراد أكبر الخاسرين من قرار الولايات المتحدة سحب قواتها التي ساعدتهم في المعركة ضد متشددي تنظيم داعش وفي ردع أنقرة ودمشق. وبمساعدة الولايات المتحدة، انتزعت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد السيطرة على مساحات كبيرة من شمال وشرق سوريا من أيدي تنظيم داعش، لكنها تحذر من أن المتشددين لا يزالون يشكلون خطراً حتى رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هزيمتهم.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تتصدرها وحدات حماية الشعب يوم الجمعة إنها ستضطر لسحب مقاتليها من المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية لحماية أراضيها في حال وقوع هجوم تركي. وقالت إلهام أحمد الرئيسة المشاركة لمجلس سوريا الديمقراطية يوم الجمعة إن القوات التي يقودها الأكراد في شمال سوريا قد لا تتمكن من مواصلة احتجاز سجناء تنظيم داعش إذا خرج الوضع في المنطقة عن السيطرة بعد انسحاب الولايات المتحدة.
كما قال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي يوم الجمعة إن قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة ستضطر لسحب مقاتليها من المعركة ضد تنظيم داعش لحماية حدودها في حال وقوع هجوم تركي.
وقال مسؤول بقصر الإليزيه إن مسؤولين بالرئاسة الفرنسية اجتمعوا مع ممثلين لقوات سوريا في باريس يوم الجمعة وأكدوا لهم دعم فرنسا. وشمل وفد قوات سوريا الديمقراطية إلهام أحمد ورياض درار. وقال مسؤول الإليزيه “نقل المستشارون رسالة دعم وتضامن وشرحوا لهم المحادثات التي أجرتها فرنسا مع السلطات الأمريكية لمواصلة الحرب ضد داعش.”
وقالت قوات سوريا الديمقراطية، التي تقاتل التنظيم منذ نحو ثلاث سنوات بدعم من الولايات المتحدة، إن سحب كل القوات الأمريكية سيترك السوريين “بين مخالب القوى والجهات المعادية” التي تقاتل للسيطرة على الأراضي في الحرب المستمرة منذ نحو سبع سنوات.
وقوات سوريا الديمقراطية في المراحل الأخيرة من حملة لاستعادة أراض سيطر عليها تنظيم داعش. غير أنهم يواجهون تهديداً بتوغل عسكري من جانب تركيا التي تعتبر مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، الذين يهيمنون على قوات سوريا الديمقراطية، منظمة إرهابية، فضلاً عن احتمال تقدم قوات سورية، تدعمها روسيا وإيران، تعهدت باستعادة سيطرة النظام على كل البلاد. وقالت قوات سوريا الديمقراطية إن المعركة ضد داعش بلغت مرحلة حاسمة تتطلب المزيد من الدعم وليس انسحاباً أمريكياً متعجلاً الذي قد يهدد “بانتعاش” تنظيم داعش وسيؤدي إلى “خلق فراغ سياسي وعسكري في المنطقة.”
أوروبا آخر العارفين ١٩-٢٣ كانون الأول/ديسمبر رويترز
عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأحد عن أسفه الشديد إزاء قرار نظيره الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا. وأثار هذا التغير الكبير في سياسة واشنطن حيال الشرق الأوسط قلق حلفائها. وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي يوم الجمعة إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخذ “قراراً فادحاً للغاية” بسحب القوات الأمريكية من سوريا. وقالت لا نتفق مع التحليل بأنه تم القضاء على تنظيم داعش.
وحذرت فرنسا وألمانيا، شريكتا الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، من أن التغيير في نهج واشنطن يهدد بتقويض المعركة ضد التنظيم الذي سيطر على مساحات كبيرة في العراق وسوريا في ٢٠١٤ و٢٠١٥ لكنه لم يعد يسيطر سوى على قطاع صغير من الأراضي في سوريا.
كما قال متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية في مؤتمر صحفي يوم الجمعة إن قرار الولايات المتحدة المفاجئ بشأن الانسحاب من سوريا ليس له أي تأثير مباشر على تفويض ألمانيا في المعركة ضد تنظيم داعش. وقالت متحدثة باسم الحكومة الألمانية إنه كان سيكون من المفيد لو تشاورت الولايات المتحدة مع حكومات أخرى قبل أن تقرر سحب قواتها من سوريا.
قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس يوم الخميس إن قرار الولايات المتحدة المفاجئ الانسحاب من سوريا يدعو للدهشة ويهدد بالإضرار بمحاربة تنظيم داعش.
وقال الوزير بوزارة الدفاع البريطانية توبياس إلوود يوم الأربعاء إنه يختلف بشدة مع ترامب مضيفا أن داعش “تحولت إلى أشكال أخرى من التطرف، والتهديد لا يزال قائماً بقوة.”
وداعش تعاود الهجوم ١٩-٢١ كانون الأول/ديسمبر رويترز
قال مصطفى بالي مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية إن تنظيم الدولة الإسلامية شن هجوماً يوم الجمعة على مواقع القوات في منطقة هجين في جنوب شرق سوريا وإن التحالف بقيادة الولايات المتحدة شن ضربات جوية في المنطقة.
وقال بالي على تويتر “تشن داعش هجوماً ضخماً، اشتباكات عنيفة تجري هناك… حررت قواتنا ٣٥ بالمئة فقط من هجين.” وذكر أن التنظيم استخدم سيارات مفخخة وعشرات المتشددين في الهجوم قرب قرية أبو خاصر في منطقة هجين بجنوب شرق سوريا حيث تحارب قوات سوريا الديمقراطية والتحالف للقضاء على آخر جيب لداعش شرقي نهر الفرات.
من جهة أخرى قال المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الأربعاء إن تنظيم الدولة الإسلامية أعدم نحو ٧٠٠ سجين في غضون شهرين تقريباً بشرق سوريا. وأضاف المرصد، أن السجناء كانوا بين ١٣٥٠ فرداً بين مدنيين ومقاتلين يحتجزهم التنظيم في منطقة قرب الحدود العراقية. وقال مظلوم كوباني القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية لرويترز الأسبوع الماضي إن ما زال هناك خمسة آلاف على الأقل من مقاتلي داعش في الجيب وبينهم كثير من الأجانب الذين يبدو أنهم مستعدون للقتال حتى الموت.
اللجنة الدستورية تتعثر ١٩ كانون الأول/ديسمبر رويترز
فشلت روسيا وإيران وتركيا، وهي الدول الداعمة للأطراف الرئيسية في النزاع السوري، يوم الثلاثاء في الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية السورية المدعومة من الأمم المتحدة. لكنها دعت لاجتماع للجنة في أوائل العام المقبل لإطلاق عملية سلام قابلة للتطبيق. وفي بيان مشترك تلاه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستافان دي ميستورا، قالوا إن المبادرة الجديدة ينبغي أن يحكمها “إدراك للحلول الوسط والحوار البناء.”
وكان الوزراء يأملون في توقيع مقترح مشترك بشأن هذه اللجنة، التي قد تمهد لإجراء انتخابات، ثم كسب تأييد الأمم المتحدة لهذا المقترح. لكن البيان الثلاثي لم يذكر تشكيل اللجنة وأشار إلى استمرار الخلاف على قوائم المرشحين. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لوسائل الإعلام الرسمية التركية إن الدول الثلاث قدمت “إسهامات مهمة” فيما يتعلق بتأسيس اللجنة وناقشت الأسماء المرشحة لعضويتها.
وقال دي ميستورا في مؤتمر صحفي منفصل إن الدول الثلاث لم تتفق بعد على تشكيل اللجنة الدستورية السورية. وعلى مدى أعوام لم يكتب النجاح لمحاولات إنهاء الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وشردت نحو نصف السكان. وأضاف “أعتقد أنه لا يزال ينبغي عمل المزيد في الجهود الماراثونية لضمان التوصل إلى الاتفاق اللازم لتشكيل لجنة دستورية موثوقة ومتزنة وتمثل كل الأطراف وذات رئاسة متوازنة… يتم تأسيسها تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف.”
يوم الخميس في التاسع عشر من كانون الأول/ ديسمبر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسمياً عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، وذلك بعد ساعات من تصريح مسؤولين أمريكيين بأن الولايات المتحدة “تبحث سحباً كاملاً لقواتها من سوريا“. وقال ترامب في تسجيل فيديو بُثّ على حسابه في تويتر “الوقت قد حان لعودة الجنود الأمريكيين من سوريا، بعد سنوات على قتالهم تنظيم داعش”، معللاً ذلك بهزيمة داعش واستعادة الأرض منها، كما رد ترامب على انتقادات قرار الانسحاب المفاجئ قائلاً “هذا هو التوقيت الصحيح لمثل هذا القرار”.
وترافق هذا الإعلان مع موافقة واشنطن على إمكانية بيع مجموعات صواريخ “باتريوت” المضادة للصواريخ إلى تركيا، في الوقت الذي تحشد فيه تركيا قواتها وفصائل المعارضة السورية الموالية لها تحضيراً لمعركة عسكرية جديدة ضد ”وحدات حماية الشعب“ الكردية داخل الأراضي السورية، ورغم أن موعد و مكان تلك العملية لم يُحدد للآن، إلا أن مصادر عدّة أكدت استهداف مدينة ”تل أبيض“ الحدودية مع تركيا، والواقعة شمال مدينة الرقة وتتبعها إدارياً.
وهذا القرار الأمريكي ليس الأول من نوعه، فالإدارة الأمريكية الحالية والسابقة دأبت على ترديد هذا الكلام حتى أصبح مشكوكاً فيه، إلا أن هذا لا يغيّر حقيقة أن التصريح وحده قد يؤدي إلى أحداث جديدة حتى لو لم يتم تطبيقه. ففي تموز/يوليو الماضي قاد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته سحب قواته من شمال شرقي سوريا بعد القضاء على ”داعش“ إلى عقد لقاء بين ”مجلس سوريا الديمقراطية“ والنظام السوري في دمشق، والذي نتج عنه تشكيل لجان بين الطرفين لحل القضايا العالقة، لكن ما لبث أن تعطلت الزيارات والتفاهمات بعد عدول واشنطن عن سحب قواتها من سوريا، بعد تغييرات جديدة في الإدارة الأمريكية، وربما كانت أوضح صورة لهذا التغيير حدوث اشتباك بين دورية أمن تابعة للنظام السوري مع قوات الأسايش في مدينة القامشلي في مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، والذي راح ضحيته ١١ عنصراً من قوات الأمن السوري.
حالياً، بعد الإعلان الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته سحب قواته من سوريا، ومع حشود كبيرة للجيش التركي والموالين له من فصائل المعارضة السورية، هل يعود الأكراد للتفاوض مع دمشق من جديد؟
مشكلة الأكراد بأنهم يذهبون للتفاوض مع دمشق (أو يُدفعون للتفاوض) وهم في أضعف حالاتهم، ويمتنعون عن التفاوض معها عندما يكونون بموقف القوي المدعوم، وفي هذا دلالة على ضعف الرؤية وعدم قراءة الأحداث السابقة واللاحقة بشكل واضح، فالدول تتفاوض فيما بينها لأجل مصالحها، والبقية أجندة يمكن الاستغناء عنها ولا ملامة في ذلك.
لقد جرّبت التنظيمات الكردية في العراق وفي سوريا حظوظها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك فعلت تنظيمات المعارضة السورية منذ بداية الحراك المسلح في سوريا، وكانت النتيجة مخيبة للآمال على المدى البعيد لكل من عوّل على الدعم الأمريكي.
وقد نتج عن هذا مؤخراً، تسليم مناطق المعارضة التي كانت تحت الحماية الأمريكية في درعا والجنوب السوري مقابل أمن إسرائيل الذي تعهدت بحمايته موسكو نيابة عن النظام السوري والإيراني، وكذلك الاستفتاء الكردي الذي دعت إليه كردستان العراق وقادها لمواجهة مسلحة خسرتها أمام الجيش العراقي.
بالنسبة للمعارضة السورية فبعد رفضها القاطع للجلوس على طاولة المفاوضات مع النظام السوري، عندما كانت في أفضل حالاتها مقابل ضعف واضح للجيش السوري والقوات الموالية له، عادت للتفاوض معه مُرغمة، عندما انقلبت الأمور بعد تدخل روسيا عسكرياً لمساندة النظام السوري في نهاية أيلول/سبتمبر ٢٠١٥، فبعد أن كانت تشترط الحوار لتسليم السلطة، أصبحت تفاوض لأجل مقاعد في اللجنة الدستورية.
ورغم هذا، يبدو أن الأكراد والمعارضة السورية لم يستفيدوا من تجاربهم السابقة ولا من تجارب الآخرين، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع نتائج جيدة طالما كانت الاستراتيجية نفسها بدون تغيير، صحيح بأن وحدات الحماية الكردية كان لها دور بارز ومهم جداً في القضاء على تنظيم داعش في سوريا، ولكن المهمة قد أُنجزت ومصالح أمريكا مع روسيا وتركيا أكبر بكثير من مصالحها مع ”مجلس سوريا الديمقراطية“، وأيضاً لن تقلق أمريكا على حماية قواعدها العسكرية في الحسكة شمال شرق سوريا، كما لم تقلق على قاعدتها العسكرية في منطقة التنف جنوب شرق سوريا.
من ناحية أخرى، لم تكن غاية واشنطن من إعلانات الانسحاب المكررة دفع الأكراد أو المعارضة السورية إلى حضن النظام السوري، هي تفكر بمصالحها وفي الوقت نفسه، تُرسل رسائل متعددة لتركيا وروسيا وحلفائها الخليجيين، فتركيا حليف أساسي في حلف الناتو، وأمنها القومي مُهدد كلما زاد استقلال الأكراد عن دمشق، وكذلك الحال بالنسبة للعراق، ويشاطرهما الرأي كل من النظام السوري وإيران. ففي اجتماع طهران الأخير في السابع من أيلول/ سبتمبر وقفت إيران مع تركيا معارضة توجه حليفتها روسيا التي كانت تريد حل مشكلة إدلب قبل حل مشكلة شرق الفرات، أما بالنسبة للخليجيين فهم مهتمون بخروج إيران من سوريا وإضعاف نفوذها، وكان الرئيس ترامب قد قال سابقاً ”إذا كانت السعودية تريد بقاء القوات الأمريكية في سوريا فعليها دفع فاتورة بقائها“ وذلك رداً على تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمجلة “تايم” الأمريكية، والتي قال فيها إنه يدعم بقاء القوات الأمريكية في سوريا على المدى المتوسط، موضحا، أن “وجود قوات أمريكية في سوريا، من شأنه الحد من طموحات إيران في توسيع نفوذها“.
أما بالنسبة لروسيا، فهي قبلت على مضض فكرة تركيا وإيران حول ”شرق الفرات أولاً“ بعد تعهد تركيا بعمل ترتيبات جديدة في إدلب، وأيضاً تريد الإسراع قدر الإمكان لحل مشكلة الأكراد شرق الفرات لتتوجه بعدها نحو إدلب والشمال السوري، وتبدأ بعد ذلك مرحلة إعادة الإعمار في سوريا بعد دستور جديد وانتخابات رئاسية برعاية أممية، وأيضاً تدرك روسيا بأن حل مشكلة الأكراد في سوريا هو حل سياسي ينتج عن تفاوض الأكراد مع دمشق، وبالتالي لا حل عسكري إلا عندما يرفض الأكراد مقترحات روسيا لدخول الجيش السوري لأماكن سيطرة قوات الحماية الكردية كما حدث في مدينة عفرين، حين سمحت روسيا لتركيا بدخول المدينة والسيطرة عليها.
مفاتيح الحل شرق الفرات بين أيدي ثلاث دول كبرى، أمريكا وروسيا وتركيا، ويبدو أنهم جميعاً متفقون ومتناغمون لفكرة الحل شرقي الفرات، وبالتالي سوف نكون أمام خيارات كنا قد مررنا بها سابقاً: إما دخول الجيش السوري إلى الشريط الحدودي الممتد من تل أبيض إلى منبج وفرض سيطرته عليها، ثم دخول ”مجلس سوريا الديمقراطية“ في جلسات تفاوض مع النظام السوري، أو ستكون هناك مواجهة غير متكافئة بين قوات الحماية الكردية مع الجيش التركي وقوات المعارضة السورية الموالية له، والتي سوف تنتج مقايضة مناطق بين روسيا وتركيا كما جرت العادة في مثل هذه الحالات، أو تتراجع الإدارة الأمريكية عن قرار سحب قواتها من سوريا وتساند الأكراد في وجه تركيا وحلفائها، وهذا أمر مستبعد، خاصة مع صدور تقارير إعلامية تفيد بأن القوات الأمريكية والفرنسية بدأت بالانسحاب من شرقي مدينة منبج، ومن مواقعها في قرية العاشق بضواحي مدينة تل أبيض وعين عيسى بريف الرقة.
وبهذا يجد الأكراد أنفسهم مجدداً أمام النظام السوري الذي يتعامل مع مطالبهم”باستعلاء“ واضح كما حدث في اجتماع دمشق في تموز/ يوليو الماضي، فالنظام السوري لن يعطي الأكراد – خاصة في هذا الوضع الذي أصبح إلى صالحه – إلا ما أعطاهم إياه سابقاً، مجالس محلية شبه مستقلة إدارياً وفق قانون الإدارة المحلية الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم ١٠٧ في تاريخ ٢٤ آب/أغسطس من العام ٢٠١١.