يوميات سورية: مواسم الحصرم

يوميات سورية: مواسم الحصرم

دمشق

وافق أمجد، الذي يعمل كـ”طورنجي” سيارات، على الالتحاق بالدراسة كطالب بالصف السابع رغم أن عمره تجاوز السابعة عشرة، فهو يدرك عدم إلمامه بالمعلومات الأساسية واللازمة للتقدم لامتحان الشهادة الإعدادية. وجد أمجد مكانه في صف دراسي بمركز تعليمي أعدته جمعية أهلية تراعي ظروف النازحين والمهجرين والمتسربين من التعليم، وتقدم لهم الدروس والمستلزمات المدرسية إضافة للحوافز لتشجيعهم على متابعة الدراسة.

الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسوريين كافة تلعب دوراً أيضاً في زيادة حركة التسرّب من المدارس، والتي يحاول الأهالي والتجار التحايل عليها للاستمرار، ففي مواسم المدارس تبيع العديد من البقاليات الدفاتر والأقلام بالدين دونما فائدة (ليتم دفع المبالغ لاحقاً)، كما أن السوريين باتوا خبراء بتدوير ما لديهم وما يحتاجونه بمهارة عالية، كأن يشتري الأهل علبة أدوات هندسية واحدة لكافة أبنائهم الطلاب، وكذلك علب التلوين والمساطر الرقمية أو الآلات الحاسبة وسواها من المستلزمات المدرسية غالية الثمن.

تقول خلود وهي معلمة رسم بمدرسة ابتدائية حكومية، بأنها سألت تلميذا عن علبة الألوان الخاصة به، فاستأذنها ليحضرها من أخيه في الصف الأعلى، لأنهما يتشاركان علبة تلوين واحدة . “أذكر أيضاً طفلاً جاء إلى المكتبة ليبيع علبة الألوان التي منحوه إياها مجاناً في نادي للنشاطات، ليشتري بثمنها علبة من قطع الجبنة الصفراء.” تروي خلود مضيفة، “كان بمتسعه المحافظة عليها للموسم المدرسي، لكن الجوع أولى بتدابير إسعافيه تضحي بعلبة الألوان مقابل لفافة جبنة تحولت إلى حلم عصي على التحقيق، فليس المهم الوصول إلى الموارد وتصريح أن مليون طفل حصلوا على علب تلوين مجانية، بل المهم هو قدرة الطفل على التحكم بهذه الموارد وضمان ديمومتها.”

لا يبدو هذا خارج السياق العام في سوريا، ففي بلد يعاني ثمانون بالمئة من أهله من الفقر، ويصل متوسط الأجور لأقل من ثمانين دولاراً شهريا، يبدو منطقياً أن تغدو الحقيبة المدرسية حلما مترفا، لكن إن تمكن الأهل من التحايل على ابنهم الأصغر بحمل حقيبة الابن الأكبر، ماذا سيفعلون بالممحاة؟ الدفتر؟ قلم الرصاص؟ الألوان وغيرها…

في موسم المدارس، نشرت المؤسسة السورية للتجارة والمعروفة سابقاً باسم “المؤسسة العامة الاستهلاكية” إعلاناً تقدم فيه عرضاً بمنح قرض مقداره خمسون ألف ليرة دون فوائد يتم دفعه بالتقسيط لمدة عشرة أشهر، أي بواقع خمسة آلاف ليرة شهريا. آثار هذا الإعلان ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة أهالي الطلاب، وركزت التعليقات على فداحة الواقع الاقتصادي للطلاب وذويهم والذي يضطرهم للتقدم لهكذا قرض. كما تم اتهام الجهات المسؤولة بتجاهل الحال الرث الذي وصله الوضع الاقتصادي السوري، ليس للطلاب والتلاميذ وذويهم فحسب وإنما لمجمل السوريين الذين يمضون أيامهم بصعوبة، محاولين سد احتياجاتهم الأساسية، بينما تقوم طبقة صغيرة منهم بالنهب وصرف الملايين بطريقة باذخة واستعراضية تثير السخط والحقد معا.

وإضافة لإظهار القرض للعمق الحقيقي للأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسوريين، فإنه يهدف لتسويق بضاعة مؤسسات السورية للتجارة، وكسر حالة الكساد التي تعاني منها نتيجة لضعف القوة الشرائية ونقص التسويق مما ينتج عنه العجز عن سداد رواتب وأجور العمالة الفائضة عن الحد في هذه المؤسسات، لذلك غالبا ما تلجأ تلك المؤسسات لعرض بعض مراكزها للاستثمار “الضمان” على تجار من خارج الوزارة وخاصة في منافذ بيع الخضار والبقالة التابعة للمؤسسة المذكورة. وغالباً ما تكون أسعار المواد فيها أعلى من السوق المحلية التي يتحكم تجارها بحركة خفض الأسعار حسب قوة العرض والطلب أو نقصهما.

ساهم هذا القرض أيضاً بزيادة صعوبة الوضع الإقتصادي على أصحاب المكتبات، يقول أبو أيمن وهو صاحب مكتبة معروفة في جرمانا الكثيفة السكان والطلاب “كان موسم المدارس العام الفائت خاسراً بامتياز.” فقد حرمه القرض  من الزبائن الطلاب من أبناء الموظفين والعاملين في الدولة. وامتنع تجار القرطاسية عن البيع بالتقسيط الأسبوعي نظرا لانخفاض سعر الدولار، وتخوفهم من ارتفاعات أو انخفاضات متتالية أو مفاجئة تغير من قيمة ما باعوه وتقلّص من قدرتهم على شراء المزيد، وتعويض المستودعات بما فقدته من استجرار كبير في الشهر الأول للعام الدراسي، والشهر الأول هو ذروة الموسم المكتبي والقرطاسية وملابس المدارس الموحدة. كما دفع التغير الحاصل بالقوة الشرائية العديد من أصحاب المحال والمكتبات لإغلاقها بشكل تام ونهائي.

يغفل القرض والمؤسسة أيضاً الجانب الإنساني  المرتبط بالتنمية، وهو حرية اختيار الدفاتر والأقلام والحقائب، وهو جانب ضروري لاكتساب شعور الرضا بالتعامل مع القلم والدفتر والممحاة، من أجل سلامة العملية التعليمية والتربوية. ففي منافذ بيع المؤسسة لا خيارات تذكر، كما سلة الإعانة، على الطالب وأهله شراء المتوفر جيداً كان أم سيئاً، مريحاً أم لا، لا خيار إذ عليك اختيار ما هو هنا ودفعة واحدة لكل ما يتوفر.

يقول البعض إن أجدادنا درسوا وهم يحملون كيساً من القماش “و أكبر بروة قلم الرصاص امتلكوها كانت بحجم الإصبع” متسائلين “لماذا كل هذا البطر الاستهلاكي؟”

إذن لماذا توزع المنظمات الأممية حقائب ملونة للطلاب بدلاً من أكياس طحين قماشية يحولها الأهل لحقائب؟ والموضوع هنا ليس للتندر، بل لتبيان حجم الهوة العميقة التي تصل حد الإدانة لكل من يبحث عن دعم وتطوير العملية التربوية والتعليمية شكلاً ومضموناً لتحقيق هدف التنمية في توسيع خيارات البشرية.

حاول البعض أن يوفر هذه الخيارات شخصياً، فبعض المغتربين أرسلوا مستلزمات مدرسية ملونة وأنيقة لأطفال قريتهم، كما قامت سيدة بإرسال مبلغ مائتي يورو كلفة مواد مدرسية لعشرة طلاب من مدينتها بعد أن وجهت دعوة على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لكافة المغتربين أو القادرين للمبادرة لسد عوز الأطفال الآخرين.

المشكلة قائمة إذن، ولن يحلها قرض أو تقسيط أو منح أو حقيبة توزع أو تصريح يعج بأرقام بلا روح وبلا أفق. زاد من المشكلة أن الدوام المدرسي تزامن مع موسم المونة وفصل الشتاء المُكلفة للأسر السورية المتوسطة الدخل. هذا عدا عن المدارس الخاصة وتكاليفها التي تصل وسطيا إلى الثلاثمائة ألف ليرة سنويا لستة أشهر من أيام الدراسة الفعلية، إضافة لمشكلة تأمين مواصلات لنقل الطلاب في المدارس العامة والخاصة والتي تتراوح كلفتها مابين الخمسة آلاف والعشرة آلاف شهرياً عدا عن سوء هذه الخدمة وفقدان عوامل الأمان وزج الطلاب  وبأعداد مرتفعة في مكان ضيق.

ونحن نحترف غش أنفسنا بأننا نحيا، وبأننا في وضع ممتاز، والرسالة ظاهرة من العنوان، الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون، حتى الحصرم ولد هذا العام محروقا ويابسا، بفعل المطر الحامضي الذي أحرق المواسم كلها، لتصير وجبة الحصرم علقما واخزا وأوهاما  خادعة.

“الإعلام السوري الحكومي “لشو التغيير؟

“الإعلام السوري الحكومي “لشو التغيير؟

في عالم التطور التقني والرقمي ومع اتساع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مازال الإعلام السوري الحكومي يحبو سعياً للتغير ومواكبة وسائل الإعلام المعاصرة، ورغم الجهود التي يبذلها في سبيل ذلك إلا أنه يبتعد يوماً بعد يوم عن إعادة بناء جسور الثقة التي هُدمت بينه وبين المتلقي المحلي منذ بداية الأزمة في سوريا.

تغييرات عديدة طالت وزارة الإعلام السورية أسوة بالتغيير الحكومي، ورغم تعاقب العديد من المسؤولين على إدارة الملف الإعلامي، إلا أن هذه التغييرات اقتصرت على تغيير الأشخاص وفشلت بإنعاش جثة الإعلام السوري التي رقدت في غياهب الزمن.

ومع التغيير الأخير لوزارة الإعلام، رفعت الوزارة شعارات “مكافحة الفساد الإعلامي” والامتناع عن توظيف من لا يمتلك الكفاءة الإعلامية والمهارات اللازمة للعمل بقطاع الإعلام، كما بدأت بتطبيق نظام “البصمة” لمراقبة حضور والتزام الموظفين، وأخيراً ابتكرت لجنة مختصة تقوم بمهمة “الدعم اللوجستي والتقييم الإداري”، تتبع هذه اللجنة لوزارة التنمية الإدارية . كما أدخلت الوزارة نظام العقوبات والذي ينص على فرض عقوبة تصل لخصم ٥٠٪ من أجر العاملين عند ارتكاب بعض المخالفات أثناء العمل، منها مثلاً التأخر عن موعد الاستراحة المحددة لشرب فنجان قهوة. ويطبق هذا القانون على كل العاملين في المؤسسة من الصحفيين وعاملي التنظيفات.

شغلت هذه التفاصيل الإدارية جوهر خطة التغيير للعمل الإعلامي الحكومي بدلاً من الاهتمام بتغيير المحتوى أو تطوير المضمون وإيصال رسالة إعلامية ترقى لحجم هموم ومتطلبات الشارع السوري. يضاف لهذا منع النقد سواء للحكومة أو للمسؤولين الذين سارعوا إلى تشريع قانون “الجريمة الإلكترونية” للاقتصاص من أي إعلامي تخوله نفسه الإبداء بأي نقد للعمل الحكومي أو فتح ملف فساد يطال شخصيات مسؤولة.

واليوم، بعد مضي ثمانية أشهر على التغييرات الأخيرة في وزارة الإعلام، أطل الإعلام السوري الحكومي بهوية بصرية جديدة. استهدف هذا التغيير الشكل فقط وقد “فشل” بحسب ما وصفه العديد من المشاهدين والعاملين في مجال الإعلام والصورة البصرية، ولم  يلق هذا التغيير صدى إيجابياً لدى المتلقي السوري، الذي أعرض عن متابعة إعلامه المحلي منذ انتشار “الفيس بوك”.

يعود هذا الإعراض لأن الإعلام المحلي فقد مصداقيته خلال الأزمة، وهو يصم آذانه عمن يخالف وجهة نظره أو يوجه له انتقاداً في مكان ما، وبالتالي فإن أي تغيير “للشكل” لا قيمة له مادامت العقليات الإدارية القائمة على الإعلام السوري ثابتة ولم تتقبل لغاية اليوم محاورة من يخالف آراءها رغم الحرب التي تعرضت لها سوريا، علماً أن عقلية المجتمع السوري تغيرت وهناك شريحة من السوريين في الداخل والخارج أصبحت قادرة على تقبل الرأي الآخر ومحاورته بعيداً عن مظاهر العنف والسلاح والإقصاء.

لكن الإعلام السوري المحلي عبر جميع وسائله وقنواته يصر على الاستمرار بعملية التطهير وإقصاء الآخر، حتى إن كان الاختلاف سطحياً كلون صبغة شعره، وهو ما حدث عندما منعت  قناة “الإخبارية ” إحدى الضيفات من الظهور على شاشتها بسبب لون شعرها غير المعتاد.

من المفترض أن تكون الهوية البصرية للإعلام شعاراً يترسخ في أذهان المتلقي فنياً ومهنياً ينطبع في ذاكرة المتلقي خاصة “اللوغو” الذي يمنح كل وسيلة إعلامية هوية فريدة تميزها عن غيرها، ومن المتعارف عليه أن هذا الشعار ثابت لا يمكن تغييره، لكن تجربة الإعلام السوري فريدة من نوعها فمثلاً “قناة الإخبارية السورية” ومنذ انطلاقتها لغاية اليوم غيرت شعاراتها وهويتها البصرية أكثر من ثلاث مرات واليوم وصل هذا التغيير للتلفزيون السوري وقنواته الفضائية، ليصبح لها “لوغو” موحد بألوان مختلفة.

ويشبه هذا اللوغو إلى حد كبير قطعة الكعك الحلو “البتيفور” وهو بعيد كل البعد عن الياسمين الدمشقي، حتى أن بعض المشاهدين ترحموا على لوغو “السيف الدمشقي” الذي ميز انطلاقة التلفزيون السوري.

أثبتت الانطلاقة الجديدة للإعلام السوري فشلها في تحقيق التميّز وإبداع أفكار وبرامج خلاقة قادرة على محاكاة الشارع السوري، ولن نقول العربي أو العالمي، لأن النجاح يبدأ من الداخل وهذا أمر فشل فيه الإعلام السوري الرسمي العام منه والخاص. وبالرغم من العدد القليل للقنوات التلفزيونية السورية إلا أن كل تغيير يجري في وزارة الإعلام، يلغي معه إنجازات السابقين، مثل ما حدث مع “قناة التلاقي” التي أغلقت بزعم قلّة المواد المالية، وقد يتبين لاحقاً بطلان هذه الإدعاءات، وبأن إغلاقها كان قراراً مبنياً على الأهواء والمزاجيات الشخصية.

إعلام حافل بالاستنساخ والتقليد، عاجز عن صناعة رؤيته الخاصة، وقد برهن مع الوقت بأن الخلل لا يتمثل بالكفاءات والمواهب السورية، التي تألقت في منابر الإعلام العربي، وإنما يكمن بالعقلية التي تدير الإعلام السوري والتي آخر صيحاتها استنساخ ما يعرف “بميثاق الشرف الإعلامي”.

أليس الأجدر قبل الغوص بمواثيق الشرف أن تعمل وزارة الإعلام على خلق منابر إعلامية وطنية حرة شاملة لجميع مكونات الشعب السوري بكافة أطيافه، وانتماءاته السياسية والفكرية والثقافية؟

هل يملك الإعلام السوري المحلي الجرأة لاستضافة معارضين وطنيين عبر شاشاته الإعلامية؟ وهل يجرؤ على توجيه نقد بناء لأي مسؤول، بدءاً من القائمين على إدارة الإعلام؟

ماذا عن الإنصات لما يقوله العاملون في أروقة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عن الإدارة الجديدة التي أقصت الكوادر القوية واستبدلتها بالموالين والمؤيدين للقائمين على الإدارة الإعلامية؟

أعتقد أن التغيير الحقيقي يبدأ من المضمون والمحتوى وتقبل الآخر دون الاقتصاص منه ومعاقبته، لكن بما أن الإعلام السوري الحكومي لا يمتلك هذه الذهنية فالتعليق المناسب على الرؤية البصرية الجديدة “لشو التغيير؟” هي أن التشويه البصري لا يصنع إعلاماً.

محافظة إدلب… بين حملتين

محافظة إدلب… بين حملتين

تستخدم روسيا ”جبهة النصرة“ كـ”حصان طروادة“ الذي يمكّنها من السيطرة على مناطق المعارضة السورية عندما تريد، رغم رعايتها لاتفاقيات خفض التصعيد.

ظهر هذا واضحاً في كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبان مباحثات إطلاق مناطق خفض التصعيد، حين قال “إنّ محاربة التنظيمات الإرهابية مثل داعش أو جبهة النصرة، ستتواصل رغم احتمال إقرار المناطق الآمنة.” ويستند كلام الرئيس بوتين على إجماع المجموعة الدولية لدعم سوريا ISSG وما تم ذُكِره في خارطة الطريق الناتجة عن اجتماعات فيينا وجاء فيه “إن تنظيم داعش وجبهة النصرة المصنّفتين في القوائم الارهابية من قبل مجلس الامن، والمتفق على تصنيفها من قبل المشاركين، يجب أن تُهزما.”

وإذا كان العام ٢٠١٧ هو عام وقف القتال بين قوات النظام وفصائل المعارضة بعد إبرام اتفاقيات خفض التصعيد، فلا ريب أن العام ٢٠١٨ هو عام استعادة السيطرة على تلك المناطق بحجة “مكافحة الإرهاب” المتمثل في تواجد عناصر جبهة النصرة أو بعض جيوب داعش الصغيرة المتبقية.

وقد حصل ذلك فعلاً في الغوطة الشرقية ثم جبال القلمون الشرقي، وبعدها في جنوب دمشق ومخيم اليرموك، ثم شمال حمص، ومؤخراً في درعا والقنيطرة، واليوم يتحضّر النظام ومن معه لأجل محافظة إدلب، حيث المعقل الرئيسي لهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” ومن يشبهها من فصائل مرتبطة بتنظيم القاعدة. لكن الحملة على إدلب ليست الأولى، فقد سبقته أخرى.

الحملة العسكرية الأولى على محافظة إدلب

بدأت مع نهاية عام ٢٠١٧ بتمهيد من القصف الجوي على مناطق شرق وجنوب المحافظة وبعض مدنها الرئيسية في الوسط (سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون) بالإضافة إلى مطار “أبو الظهور” العسكري، وبعد أيام استطاعت قوات العقيد سهيل الحسن اقتحام الناحية الجنوبية الشرقية للمحافظة عند قرية ”أبو دالي“ ثم ”الخوين“ لتتقدم بعدها نحو الشمال باتجاه مطار أبو الظهور.

وفي السادس من يناير/كانون الثاني ٢٠١٨، صرّحت وزارة الدفاع الروسية بأن قاعدتها الجوية في مطار حميميم، وقاعدتها البحرية في طرطوس، تعرضتا لهجوم هو الأول من نوعه بواسطة ١٣ طائرة من دون طيار مزودة بقنابل يدوية الصنع، وقد تم التصدي للهجوم وإفشاله. ورغم عدم إعلان أي طرف لمسؤوليته عن الهجوم، إلا أن وزارة الدفاع الروسية قالت إن الطائرات المسيّرة انطلقت من جنوب غرب منطقة خفض التصعيد في إدلب.

بعد أربعة أيام، وصلت قوات النظام إلى مشارف مطار أبو الظهور العسكري بعد أن سيطرت على العديد من البلدات والقرى في تلك المنطقة. وفي تلك الأثناء طالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو روسيا وإيران، بصفتهما ضامنين للتسوية السورية، بوقف زحف قوات الجيش السوري على منطقة وقف التصعيد في محافظة إدلب.

بعدها بيوم، أطلقت فصائل المعارضة بالتعاون مع الكتائب الاسلامية معركتين منفصلتين في محافظة إدلب، حملت الأولى اسم “رد الطغيان” وأطلقتها فصائل (فيلق الشام، جيش النصر، جيش إدلب الحر، جيش النخبة) لاستعادة ماسيطرت عليه قوات النظام في ريفي حماة وإدلب. أما المعركة الثانية فقد حملت اسم “إن الله على نصرهم لقدير” وأطلقتها الفصائل الإسلامية (أحرار الشام، جيش الأحرار، نور الدين الزنكي) وأعلن عن انطلاقتها “الحزب الإسلامي التركستاني” وهي تستهدف صد هجوم قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي.

استطاعت غرفة عمليات ”رد الطغيان“ أن تستعيد بعض القرى، وكان من اللافت استخدام فيلق الشام لآليات ومدرعات عسكرية تركية في الهجوم، كما ظهر في الصور التي نشرها على صفحاته الرسمية، ولكن ما لبثت قوات النظام أن استعادت العديد من تلك القرى والبلدات التي خسرتها من جديد. والجدير ملاحظته هو غياب “هيئة تحرير الشام” عن غرفة عمليات “إن الله على نصرهم لقدير” في محاولة منها لعدم الظهور الإعلامي وتكريس فكرة أن الجيش السوري يهاجم قوات المعارضة المعتدلة بذريعة مكافحة الإرهاب كما أشار وزير خارجة تركيا سابقاً.

في العشرين من يناير/كانون الثاني ٢٠١٨ ، بدأت عملية “غصن الزيتون” التركية في مدينة عفرين شمال حلب، بينما فتحت قوات النظام معركة جانبية مع جيب متبق من تنظيم داعش يتمركز جنوب شرق مطار أبو الظهور العسكري، ومع نهاية الشهر اكتملت عملية السيطرة على المطار بما فيها المناطق المحيطة به شرقاً وشمالاً.

مع بداية شهر فبراير/شباط بدأت قوات النظام محاولتها للتمدد نحو وسط إدلب مع قصف عنيف طال مدن سراقب ومعرة النعمان، ليدخل في السادس من الشهر نحو ٨٠ دبابة تركية وآلية ثقيلة وهندسية وحاملة جند إلى ”تل العيس“ شرق ايكاردا، لإقامة نقطة مراقبة تركية بحسب اتفاق استانة ٦ لأجل تثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة. جاء هذا بعد اتصالات روسية تركية مكثفة، وتلاه إقامة نقطة مراقبة أخرى جنوباً في ”تل طوقان“ بالقرب من مطار ”أبو الظهور“ العسكري الذي بات تحت سيطرة الجيش السوري.

في الثالث عشر من شهر فبراير/شباط ٢٠١٨ تم القضاء نهائياً على جيب تنظيم داعش شرق محافظة إدلب، وبدأت قوات العقيد سهيل الحسن في الانتقال إلى تخوم الغوطة الشرقية في ريف العاصمة دمشق، بعد أن بسطت سيطرتها على كامل شرق المحافظة أو ما يعرف بشرق خط حديد الحجاز.

وبعد خمسة أيام، أعلنت حركة ”أحرار الشام الإسلامية“ وحركة ”نور الدين الزنكي“ اندماجهما ضمن تشكيل واحد تحت اسم “جبهة تحرير سوريا“، وبعد يومين فقط من إعلان الاندماج، شنّ الفصيل الجديد هجمات متفرقة على مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” وسط وجنوب إدلب، ونجم عن هذا الهجوم سيطرة  الجبهة الجديدة على مواقع للهيئة في بلدة “ترملا” في ريف إدلب الجنوبي، وعلى مدينة “أريحا” وعدة بلدات صغيرة بعد انسحاب مقاتلي الهيئة منها، إضافة إلى سيطرة “جبهة تحرير سوريا” مع فصيل “جيش العزة” على معبر بلدة مورِك التجاري، وبعد أقل من أسبوعين توقفت المعارك بين المجموعتين.

الحملة العسكرية الثانية

بعد أن سيطر النظام السوري بمساعدة حلفائه الروس على كافة مناطق وجيوب المعارضة في وسط وجنوب سوريا، بدأ الحشد الإعلامي نحو إدلب حيث أكد الرئيس الأسد في مقابلة لوسائل إعلام روسية بأن ”إدلب هي الهدف التالي للجيش السوري“ في ٢٦ يونيو/تموز ٢٠١٨.

وبعد أربعة أيام، أفاد ممثل قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، بإسقاط مجموعة من الطائرات المسيرة بدون طيار مجهولة الهوية بالقرب من القاعدة، لتتوالى بعدها البيانات عن عدة هجمات جميعها استهدفت مطار حميميم وانطلقت من مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب.

ترافق ذلك مع معركة من نوع آخر، عبر وسائل التواصل الإجتماعي، حيث انتشرت صور لأشخاص يحملون قصاصات ورقية كتب عليها ”استخبارات النمر“ – نسبة للعقيد سهيل الحسن الملقب بالنمر- في مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب.

ومع انتشار هذه الصور، إضافة لإشاعات عن محاولات عقد مصالحات وتسويات يقودها الأهالي وبعض الوجهاء في المنطقة، قامت هيئة تحرير الشام بالعديد من المداهمات والإعتقالات بتهمة التواصل مع النظام أو مركز المصالحة في حميميم.

في الأول من أغسطس/آب ٢٠١٨، أعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير وجبهة تحرير سوريا وألوية صقور الشام وجيش الأحرار وتجمّع دمشق” عن توحدهم تحت مسمى “الجبهة الوطنية للتحرير” (المشكلة سابقاً من توحد ١١ فصيل تحت المسمى نفسه) وذلك بتوجيهِ ودعم مادي وعسكري وسياسي تركي، بحسب المتحدث الرسمي باسم الجبهة الجديدة.

وبعد أسبوع من هذا خرجت مظاهرة في مدينة معرة النعمان تدعو للحماية التركية رفعت فيها الأعلام التركية والشعارات المؤيدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

في العاشر من الشهر ذاته، بدأ النظام السوري حملة قصف شديدة على المحافظة، استهدفت مدينة خان شيخون والتمانعة وسكيك والتح في الجنوب، إضافة إلى بلدتي كفرزيتا واللطامنة في ريف حماه الشمالي، وأيضاً استهدف بلدات أورم الكبرى وكفرناها وخان العسل في ريف حلب الغربي، ليتركز القصف بعدها على مناطق ريف محافظة ادلب الجنوبية وعلى سهل الغاب في ريف حماه الغربي، ثم يتوقف مع منتصف الشهر. أثناء ذلك، أُعلن عن وصول قوات العميد سهيل الحسن إلى سهل الغاب وتمركزها في المنطقة، مع تواجد حشود عسكرية أخرى من الناحية الشرقية للمحافظة.  

نشرت إثر ذلك المجالس المحلية في ريفي حماة الشمالي والشرقي، وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، بياناً مشتركاً عبرت خلاله عن رفضها دخول قوات النظام السوري وحليفه الروسي إلى منطقة خفض التصعيد الأخيرة، مقابل جعل المنطقة تحت إشراف تركي مباشر. في مقابل ذلك، بدأ حراك دبلوماسي في أنقرة وموسكو وبعض الدول المنخرطة خلف مصالحها في الشمال السوري.

ففي منتصف أغسطس/آب ٢٠١٨، عُقد مؤتمر صحفي لوزيري الخارجية التركي والروسي في أنقرة في إطار الإجتماع العاشر لسفراء ومندوبي تركيا الدائمين لدى المنظمات الدولية، قال فيه الوزير جاويش أوغلو ”إن قصف كل إدلب والمدنيين بذريعة وجود إرهابيين يعني القيام بمجزرة“ مؤكدًا “نأمل إيجاد حل لإدلب في سوريا بالتعاون مع روسيا.”

واعتبر الوزير التركي أنه ينبغي تحديد “الإرهابيين” ومحاربتهم، ولا يصح شن حرب شاملة على إدلب وقصفها بشكل عشوائي، في الوقت نفسه أشار إلى صعوبة ضمان الأمن في إدلب في ظل وجود “إرهابيين.”

بعد يومين زار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، موسكو والتقيا بنظيريهما الروسيين، وفي ٢٤ أغسطس/آب ٢٠١٨، عُقد مؤتمر صحفي في موسكو بين وزيري خارجية كلاً من روسيا وتركيا، أوضح فيها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن الحل العسكري في إدلب سيؤدي إلى كارثة إنسانية، ودعا أوغلو إلى “الفصل بين المدنيين والمعارضة والإرهابيين الذين يشكلون تهديداً لسوريا وتركيا والدول الأوروبية” في غضون ذلك صرّح السفير السوري لدى روسيا، بأن وزير الخارجية وليد المعلم سيقوم بزيارة رسمية إلى موسكو أواخر شهر أغسطس/آب.

وسنشهد في الأسابيع المقبلة اجتماعين مهمين جداً حول الوضع في سوريا، سيجمع الأول زعماء الدول الضامنة لمؤتمر أستانا، روسيا وتركيا وإيران، والمزمع عقده في طهران، والثاني يجمع قادة تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا في السابع من سبتمبر/أيلول في استنبول، وذلك لأجل بحث المسائل الإقليمية بما فيها النزاع في سوريا.

وتشير المعطيات لأن الحملة العسكرية الثانية على إدلب سوف تكون محسومة سياسياً قبل أن تدخل في أي مواجهة عسكرية، ربما في وضع مشابه لما حدث في درعا والقنيطرة جنوب سوريا، ولكن تبقى نقطة الاختلاف بين روسيا وتركيا في الشمال بشأن شرق الفرات كنقطة للمساومة والضغط، والتي من الممكن أن تُعطي تركيا بعضاً مما تريد على حساب دخول قوات النظام إلى جنوب محافظة إدلب وامتدادها في شمال حماة.

إن ما يجمع تركيا وروسيا أكبر مما يفرقهما، سواء داخل سوريا أو خارجها، وخاصة نظرتهما المشتركة للتواجد الأمريكي شرق الفرات، ولكن تبقى هناك أطماع تركية واضحة في مناطق الشمال السوري (مناطق درع الفرات وغصن الزيتون حتى الآن)، بعد أن حولتها إلى منطقة إدارية وعسكرية تابعة بالكامل للإدارة وللإرادة التركية.

فيديو: حانوت أبو آشور  مائة عام على قيد الحياة

فيديو: حانوت أبو آشور مائة عام على قيد الحياة

أبو آشور “أفرام يونان” الحفيد الذي ورث دكان جده الترابي القديم عن والده في سوق القامشلي الشعبي الذي يعود بناؤه إلى قرن تقريباً. مارس يونان صنعة جده ووالده في بيع الغرابيل والحبال وأدوات الزراعة  والبناء ومزاولة مهنة نجارة الخشب. يستخدم أبو آشور الأدوات ذاتها التي استخدمها جده ووالده .كالطاولة والسلم الخشبي والمقشرة اليدوية.

حافظ المحل على شكله القديم من الداخل بسقفه الخشبي والعلية الصغيرة التي استخدمت كمستودع لتخزين البضاعة. بقايا طلاء الكلس مازالت بادية على جدرانه الحانوت مازال يوصد ببابه الخشبي  وقفله القديم الذي صنعه الجد . يمقت أفرام فكرة هدم حانوته القديم وبناء آخر حديث فهو يعتبره إرثاً يعبق  بذكريات طفولته وشبابه وكنزاً ورثه وسيورثه لأبنائه وأحفاده.

القامشلي، صالون سوريا
اعداد: لامار اركندي
تصوير ومونتاج: جوان تحلو

A Potential Opportunity Regarding the Golan Heights

A Potential Opportunity Regarding the Golan Heights

He rocked back in his chair, looked up at the ceiling, closed his eyes, spread open his arms, and exclaimed in a triumphant tone, “I would be a hero.”  This is how Syrian President Bashar al-Assad responded in the fall of 2008 to a question I asked him in a one-on-one meeting about engineering the return of the Israeli-occupied Golan Heights.  It was one of those authentic moments that was unscripted.  Creating the comfort level necessary for Assad to respond in this fashion took years of meetings.

His response was not surprising.  The Golan Heights is an emotional issue with Syrians.  Ever since it was occupied by Israel in the 1967 Arab-Israeli war, its return has been ingrained in most Syrians as the sine qua non of Syrian policy.  I have witnessed Syrians, especially the older generation, from cabinet level ministers to cab drivers burst into tears in front of me when discussing the issue. They fail to recognize that it was the radical wing of their Baathist government at the time that was partly responsible for generating the tensions that ignited the conflict.

Nevertheless, a UN-monitored ceasefire between Israel and Syria in the Golan, brokered by the United States in 1974, became one of the success stories of UN peacekeeping, as nary a shot was fired in either direction across the border until the Syrian civil war broke out in 2011. However, this ceasefire did not prevent Israel and Syria from fighting each other by proxy, primarily in Lebanon.  Despite this, there have been multiple occasions since the early 1990s Madrid peace process in which Syria and Israel have come tantalizingly close to a peace agreement.

Assad’s response to me was interesting in another way. It came within the context of our discussion of a potential quid pro quo, i.e. with the return of the Golan, the Syrian government would significantly degrade, if not totally abandon, its relationship with Iran, including Hizbullah in Lebanon.  This was something at the time that Assad was seriously willing to consider. He understood the purely strategic nature of the Syrian-Iranian alliance forged by his father, one that provided strategic depth for Syria following the signing of the Egyptian-Israeli peace treaty in 1979.  Otherwise, the two governments are practically polar opposites: one is a Persian Islamic republic and the other has been at the vanguard of secular Arab nationalism, which is the DNA of the ruling Baath party.

Even if Assad was truly serious about that grand bargain back then, this sort of quid pro quo will be significantly more difficult today. Along with the Russians, Iran and Hizbullah have been the most active supporters of Assad in the civil war, without whom the Syrian regime would probably no longer exist. Naturally, as Assad has improved his position, Israeli concerns in the conflict have shifted from wondering what chaos would ensue on its border should the Syrian regime fall to attempting to minimize the Iranian presence as much as possible. The Israelis have been intensely negotiating with Moscow, the new power broker in Syria, in an attempt to get the Russians to reduce Assad’s reliance on Iran, all the while forcefully making their point by carrying out military strikes against Iranian and Hizbullah positions in the country. This is, to say the least, a volatile situation.

Under these circumstances, it is understandable that Israel would not want to even consider negotiations with Damascus regarding the Golan.  Why would it do so in such a strategically ambiguous environment and with a regime that is still, despite recent success, not entirely secure in power?  After all, Israel captured the Golan in 1967 in order to prevent Syria from enjoying the strategic high ground and to gain control of tributaries that feed into the Jordan River, the life blood of Israel.  As such, some Israeli officials, wanting to hold on to this territory indefinitely, have been urging the Trump administration, fresh off of its recognition of Jerusalem as Israel’s capital, to recognize Israeli sovereignty over the Golan, something Israel did in 1981.

This would be a mistake on many levels.  First, many fear that with a US imprimatur, Israel could be encouraged to annex the West Bank and East Jerusalem, thus closing what little chance remains for a two-state solution with the Palestinians. Secondly, it would set an unhealthy precedent by which countries unilaterally absorb occupied territory without negotiation or international consent.  Finally, and perhaps most importantly, it would obviate the possibility of a peace accord with Syria for the foreseeable future.  This could be an opportunity lost.  For Assad, standing over a fractured and bleeding country, getting the Golan Heights back would be just the sort of slam dunk victory he needs in order to begin to rebuild his legitimacy with the Syrian people.  With its “better the devil you know” mentality, Israel appears to have accepted Assad in power.  Currently, it is allowing Syrian troops to re-establish authority along their side of the Golan.  Going even further than that, returning the Golan under tight and reversible conditions could provide Damascus with the wherewithal for that which the Israelis most want: security.

The current ruling class in Syria is probably the last one where the loss of the Golan so completely framed their weltanschauung—and they are not getting any younger.  On the other hand, the majority of the Syrian population is less than thirty years old. For them the civil war will forever rule their political psychology.  And this generation, steeped in social media and the use of proxy servers, cannot be as brainwashed by government-controlled media or educational fiat as Syrians were in the past.  The Golan could be seen by this younger generation as a bygone and misdirected obsession of their parents. Other things, such as the material and emotional rebuilding of the country, may be more important to them.

If a return of the Golan is delayed too much longer, any likely deal will be less generous to the Syrians.  In turn, Assad will not be able to generate the internal support necessary to reduce the Iranian footprint.  As much as the Russians might try, if diminishing Iran’s presence is not led by the Syrian government, it is unlikely to happen.  Before the civil war, Assad showed on numerous occasions a willingness to counter Iran on important issues.  It will be harder to do so now, which is why he needs lightning to strike.  Assad’s views on this are worth exploring for both the Israelis and Americans.  Certainly, any Syrian-Israeli agreement would asymmetrically demilitarize the Golan area in Israel’s favor, the parameters of which were agreed upon in the 1990s. With Assad remaining in power, this new approach to Syria could be a risk worth taking for Israel, but it can only do so if the Golan is there for the giving.

السوريون والانطلاقة الجديدة لقنواتهم

السوريون والانطلاقة الجديدة لقنواتهم

ثمانية وخمسون عاماً من البث، وما زال التلفزيون السوري يبحث عن هويته، التي غيرها أربع مرات منذ افتتاحه في ٢٣ تموز/يوليو عام ١٩٦٠.

مصادر رسمية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية قالت “إن الهيئة قررت تغيير الهوية البصرية القديمة للقنوات التلفزيونية بعد تلقيها العديد من الانتقادات لعدم وجود معاني ودلالة للوغو السابق، البوابة الدمشقية” وإن وزير الإعلام السوري عماد سارة اختار اللوغو الجديد وهو الوردة الدمشقية، من مجموعة اقتراحات قدمت له.

وكان الوزير سارة وعد في مقابلة له مع طلاب كلية الإعلام في جامعة دمشق، بتغييرات نوعية على مستوى الشكل والمضمون في القنوات السورية، قائلا: “إن الرؤية البصرية تأخر إنجازها بسبب الحرب الدائرة في البلاد”، منوهاً بالانفتاح الكبير للوزارة على كلية الإعلام آملاً أن يغذي طلابها وسائل الإعلام “بدماء جديدة لتغيير الرؤية القديمة” بحسب تعبيره. وتضم القنوات السورية كلاً من الفضائية والإخبارية ودراما والتربوية ونور الشام وسوريانا.

وطلبت وزارة الإعلام من كلية الإعلام ترشيح عدد من الطلبة المتميزين للعمل كمذيعين ومذيعات ضمن الهيئة مع الانطلاقة الجديدة، لكن مصدراً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أكد أنه لم يتم قبول أي من الأسماء المرشحة، حيث تم اختيار مجموعة أخرى دون معايير واضحة، دُربّت لمدرة شهرين فقط لتكون وجه الانطلاقة الجديدة.

سارة نفسه اعترف في حواره مع طلاب كلية الإعلام بوجود “الواسطة”، لكنها برأيه “تنعدم عند وجود التميز والاجتهاد والمثابرة”، أما عن سبب رفض الترشيحات التي جاءت من الكلية فهي بحسب المصدر “لأن الانطلاقة الجديدة بحاجة لمذيعات جميلات وأنيقات المظهر وذكيات إضافة إلى كونهن صغيرات السن وهي مواصفات لم تتوفر بطالبات الإعلام.”

لكن المفاجأة كانت بعدم ظهور أي ممن تم تدريبهم خلال الشهرين الماضيين، حيث جرى استبدالهم أيضا بأخريات قبل يوم واحد فقط من الانطلاقة الجديدة، وذلك بقرار من مدير البرامج الصباحية الجديد عماد الجندلي.

إذا تم رفض ترشيحات كلية الإعلام، ثم المجموعة المدربة ليستعاض عنهم بخمس صبايا “سوبر موديل” بحسب وصف زملاء لهن، اختارهن الجندلي. عُرف من المذيعات المختارات، جيدا الخالدي شقيقة مذيعة قناة سما الفضائية جودي الخالدي التي كانت موجودة إلى جانب الجندلي خلال تقديمه لبرنامج “آخر كلام” على الفضائية السورية، وقد تلقى البرنامج سابقاً نقداً سلبيا لمضمونه وطريقة تقديمه.

الإنطلاقة همشّت العديد من العاملين الأساسيين الذين لم يعلم بعضهم بالإنطلاقة الجديدة حتى شاهدوها كما الجمهور على الهواء مباشرة، فيما استبعدت أسماء عديدة من العمل دون تبرير.

رهف إحدى المعدات في برنامج “صباح الخير” على الفضائية السورية والتي فضلت عدم ذكر اسمها، تقول”إنها استبعدت من فريق إعداد البرنامج قبل ساعات فقط من انطلاقة التلفزيون الجديدة إلى جانب أسماء كثيرة من العاملين القدامى، لصالح أشخاص جدد لم تعرف صفتهم أو الشهادات التي يحملوها بعد، فالهيئة لم تعلن عن أي مسابقة لتوظيف عاملين في التلفزيون، الذي يعاني من تخمة في كادره البشري أصلا.”

وخارج التلفزيون، ترافقت الانطلاقة الجديدة للفضائيات السورية  مع حملة تهكم وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن الرؤية اقتصرت على الشكل دون المضمون، فيما رأى آخرون أن التغييرات كانت “غير موفقة”. كالمخرج السينمائي المهند كلثوم والذي كتب على صفحته في الفيسبوك “بيخطرلي هالدورة البرامجيه كانت عم تتأخر…لأنو هالتلفزيون بلش بسن اليأس” كذلك اختلف المعلقون على تشبيه الشعار الجديد بين “كعك العيد ـ البتيفور”، و “الخسة” أكثر من كونه وردة.

الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي محمد برافي علق على انطلاقة التلفزيون الجديدة بمنشوره “ما هذه الانطلاقة المثيرة، وما هذه الدقة اللي عم تصوروا فيها بموبايل نوكيا، الله يفرج.”

أما الصحفي المتقاعد أبو محمد فقال “إن التغييرات الأخيرة هي عادة درج عليها المسؤولون السوريون في الأعوام الأخيرة، فمع كل إدارة أو وزير جديد يشلح التلفزيون هويته البصرية ليبني هوية جديدة لا تعبر عنه بقدر ما تعبر عن المدير الجديد.”

ويضيف أبو محمد “لوغو القناة الفضائية عادة ما يعبر عن هويتها وسياستها وفرادتها وتميزها عن مثيلاتها، حيث تنفرد كل قناة بشعار خاص بها معبرًا عن معلم بارز أو هوية وطنية متعارف عليها في الدولة، وحتى الآن يبدو الإعلام السوري محتارا في اختيار ما يمثله بين السيف الدمشقي أو الأزهار و البوابات الدمشقية”، يضحك مستدركاً  “لكن المشترك بين كل المسؤولين السابقين هو أنهم اختاروا رمزاً دمشقيا للتعبير عن هوية القنوات التي من المفترض أنها تمثل سوريا كلها!”

من جهة أخرى، عبر البعض عن إعجابهم بالرؤية الجديدة، كالصحفي السوري حيدر مصطفى المقيم في لبنان، قائلاً “أول مرة بحياتي بستمتع لهي الدرجة بمشاهدة التلفزيون السوري، وجوه جديدة مميزة، وبرنامج الصباح على السورية صار بينحضر وبقوة، برافو للكل، ومتل ما مننتقد الخطأ واجب نقول كلمة حق، معالي الوزير عماد سارة عمل اللي ما حدا عمله قبله، عم يقدر يرجع لشاشتنا الوطنية ألقها، برافو كبيرة ويعطيه العافية.”

بدورها اعتبرت الدكتورة في كلية الإعلام نهلة عيسى أن التغييرات الجديدة خطوة أولى  لتحسين الصورة البصرية للإعلام المرئي آملة أن تتبعها خطوات أخرى لتحسين المضمون الإخباري والإعلامي، وأيضاً تحسين أداء المذيعين والمحاورين “بهدف خلق منظومة إعلامية متكاملة متناغمة على كافة المستويات” بحسب ما قالته مضيفة “مشوار الألف ميل دائماً يبدأ بخطوة” وذلك خلال لقائها وزير الإعلام عماد سارة الذي رد عليها مازحا إنه اختار تاريخ عيد ميلادها ليكون موعدا للانطلاقة البصرية الجديدة للإعلام المرئي السوري.

ثمانية وخمسون عاماً مرت على انطلاق شارة التلفزيون السوري من قمة جبل قاسيون، لينطلق من جديد مع عاملين جدد في ٢٧ آب/أغسطس عام ٢٠١٨، ومع كل وزير جديد يحاول التلفزيون مصالحة جمهوره الذي انشق عنه منذ تسعينات القرن الماضي لصالح الفضائيات اللبنانية والعربية الأخرى، فهل يقبل المشاهد السوري العودة إلى حضن الفضائية السورية بعد أن رفعت شعار الوردة الدمشقية؟