بواسطة Mohammad Saleh | مارس 8, 2018 | Cost of War, غير مصنف
أحاول قراءة الواقع من كل الزوايا التي أستطيع الرؤية منها ومستنداً إلى التاريخ (المدوّن والشفهي) ووقائعه من وجهات نظرٍ متعددة. قرأت الكثير عن حوادث تاريخية ومجازر شهدتها بلادنا وقد استُخدِمت بعض السرديات حول هذه المجازر بغرض التحريض الطائفي لاحقاً رغم أن جذر المجزرة الأصلية لم يكن يمتّ للطائفية بصلة. ورغم ذلك يتداول البعض هذه السرديات دون نقد بغرض التحريض الذي قد يُفضي إلى القتل ويتم إضافة تفاصيل مختلقة قد تطغى على جوهر وجذور الحدث نفسه.
فعلى سبيل المثال كنت أسمع عن مجزرةٍ ارتكبها الإسماعيليون بحق العلويين في بلدة القدموس (التابعة لمحافظة طرطوس) منذ بضع مئات من السنين، وبحسب المرويات فقد قتلوا خمسين من رجال الدين العلويين الذين تم رميهم في بئرٍ في قلعة القدموس. كانت الروايات أحياناً تزيد من قسوة المشهد عبر رواية تفاصيلٍ عن التمثيل بالقتلى وكأّنّ الرواة شهود عيانٍ لكنّ الصور المكثفة التي ينسجها الخيال تجعلك، إن كنت علوياً، متحفزاً لقتل كل اسماعيليٍ. أما واقع الحال فإنّ القصة وإن حدثت فعلاً إلا أنّ أسبابها ليست طائفية كما يتداول البعض مساهماً في بناء مظلومياته الخاصة. ربما كان الضحايا جميعاً من خارج المذهب العلوي أو ربما قتل بضعة أفراد والبقية كلهم من المذهب الإسماعيلي من أنصار ولي عهد قلعة القدموس الذي تم تهريبه وقتل أنصاره ليستتب المُلك (الإمارة ) لابن أمير القلعة، الذي أصدر أمراً بتعيين ابنه ولياً للعهد بدلاً من أخيه الذي هرب بعد قتل أنصاره في القلعة وكوّن أسرةً جديدةً من مذهبٍ آخر وأصبح علوياً.
كان “صالح” ولي عهد القلعة والجد الأكبر لعائلتي وأصبح أعرجاً جرّاء القفز من القلعة وبقيت ذكرى هذه الحادثة متداولة في عائلتنا. قد يقول قائل إنّ ولي العهد الفار كان علوياً قبل مغادرة القلعة، يبقَى ذلك مجرّد تكهناتٍ لا يمكن التحقق منها. والمغزى من هذه القصة، وغيرها من قصص المظلوميات المتداولة بين من يحسبون أنفسهم أبناء طوائف ومذاهب، أن أساس المجزرة كان صراعاً بين الأخوة على السلطة وليس على المذهب.
بدأت بهذه المقدمة الطويلة لأشير إلى توظيفٍ مشابه لحوادث، لا أساس أو دافع طائفي وراءها، وقعت في عدة مناطق بعد اندلاع الانتفاضة السورية وخلال الحرب الدائرة ويتم تداولها بغرض التحريض الطائفي ولحرف الأنظار بعيداً عن جذر الحدث، وقد عايشتُ بعض هذه الحوادث عن قرب.
في 8 شباط/فبراير من العام 2014، وأثناء المفاوضات على خروج المدنيين من حمص القديمة وإدخال المعونات لمن سيبقى تحت الحصار كانت هناك مطالبات بالكشف عن مصير المختطفين بالمناطق المحاصرة والذين تم اختطافهم على خلفية طائفية. انتهت المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بعد مخاض عسير وتم الاتفاق بموجبها على خروج المدنيين ممن يريدون الخروج وإدخال مساعدات غذائية لمن رفض الخروج. وبالفعل خرج الكثير من المدنيين وغالبيتهم من النساء والأطفال والعجزة وتم إدخال المساعدات تحت إشراف الأمم المتحدة، في هذه الأثناء تداعى الكثير من أهالي المخطوفين من أحياء الزهراء وعكرمة والنزهة للاعتصام ضد تنفيذ الاتفاق حتى يتم الكشف عن مصير أبنائهم المخطوفين.
أخذت هذه الدعوة أشكالاً تحريضية على صفحات التواصل الاجتماعي بشكل مريب، فقد تداول بعض الناشطين (المعارضين) الخبر تحت عنوان “أهالي الأحياء الموالية يعتصمون ضد إدخال الغذاء إلى المحاصرين بحمص القديمة” في حين دعا بعض المؤيدين صراحةً بالموت للمحاصرين بناءً على دوافع طائفية، بينما انتفى العنوان الحقيقي لسبب الاعتصام وهو الكشف عن مصير المختطفين الذين تمت تصفيتهم وحرمانهم من الحياة وبنفس الوقت وُجد من يتهم الآخرين بأنهم يريدون منع الغذاء عن المحاصرين. هذا لا يعني أبدا عدم وجود مثل هؤلاء الذين يريدون منع دخول المساعدات إلى المحاصرين لاعتبارات شتى ولكن الجميع خرج تحت عنوان نريد معرفة مصير المفقودين وقد تم تغييب ذلك العنوان تماماً عن كل الصفحات والأخبار. كنتُ قد كتبت حول هذا التحريض والتشويه لحقيقة ما يحدث على صفحتي الشخصية السابقة على الفايسبوك (قبل إغلاقها إثر اعتقالي) بعد اتصالي مع بعض الناشطين الذين دعوا إلى الاعتصام. وقد سألت شابة اختُطف شقيقها واسمه حسن ادريس وأخبرتني عن أسباب تنظيم هذا الاعتصام وأكدت لي أنه “يوجد بعض من يستغل الاعتصام لهدفٍ آخر ولكننا سنخرج من أجل هدفٍ واحد ألا وهو معرفة مصير مخطوفينا.”
كنت قد حذرت وقتها وأنا أرى التهافت على التحريض الطائفي: “تريثوا وتبينوا ولا تهجموا كالمجانين حتى لا يصيبكم الندم. ما حدث مخجل أن يفعله كائن بشري، ولكن ردة الفعل كانت من نفس البضاعة وكلي أسف وأنا مكتئب لدرجة أنني فكرت بتسكير كل أنواع الاتصالات وقنوات التلفزيون. لن ننتصر إلا بالحب ومن يصدر الحقد سيرتد إليه.” لكنّ التشويه والكذب لم يتوقف.
بعد اتفاق الوعر (آذار/مارس 2017) تمت الدعوة مجدداً للاعتصام على طريق طرابلس من أجل الموضوع نفسه والمطالبة فقط بمصير المخطوفين، ولكن لم يتم الأمر ولم يعرف أحد من ذوي المخطوفين أية معلومة عن أبنائهم. ربما كانت السلطة راضية عن ذلك حتى لا يكون هناك مطلب من الطرف الآخر بالكشف عن المختفين في سجون النظام أيضاً. الذي يهمني من المثال الذي أوردته هنا، ومثله كثير، هو الآلية التي يتم من خلالها استغلال العنف والغضب من أجل التحريض الطائفي وفرض قراءة للحدث من زاوية واحدة وهي نفس الزاوية التي يتم من خلالها توصيف الصراع في سوريا كصراعٍ بين طوائف عبر إخفاء الأسباب الرئيسية لبعض الحوادث لأنها لا تخدم أجندته وهذه جريمة بحق المجتمع وأهالي الضحايا، ولكن يوجد دائماً من يلوي عنق الحقيقة ويعزو الحدث لشيء آخر.
عند انعدام الأمانة والتعتيم على حقيقة حدثٍ ما، فإنّ الناقل يُخفي شيئاً من القصة ويضيف ما يناسبه ليقدمه لهذا الطرف أو ذاك حتى لو تسبب الخبر في تشويه التاريخ وهدم الوطن والتحريض على القتل. يجري الآن توثيق الكثير من الحوادث التي حدثت بالسنين السبع الأخيرة ويمكن أن تجد وثائق لا تتعدى مصداقيتها أكثر من ذكر الواقعة، في حين تضلل تلك الوثائق الباحث عن حقيقة ما حدث فعلاً ويضيع السبب والفاعلين والشهود، وبرأيي هذه جريمة يرتكبها هؤلاء بحق السوريين. أن تخفي الكثير أو القليل من الوقائع لأنها لا تتفق مع قضيتك أو تعريفك للضحية والمجرم فأنت تسهم في استمرار الجريمة.
بواسطة Ibrahim Hamidi | مارس 7, 2018 | News, غير مصنف
أكد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس، أن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى لندن ستسفر عن نقل العلاقات إلى مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجة بين البلدين.
وقال جونسون إن المحادثات السعودية – البريطانية ستتناول تعزيز العلاقات الثنائية وملفات الشرق الأوسط، موضحاً: «نحن نعتقد ونفهم حق السعودية للدفاع عن أمنها». وأشار إلى أنه «ليس مقبولاً أبداً أن تُستخدم الصواريخ الحوثية الإيرانية ضد السعودية، ونريد أن نرى نهاية لها. ولندن توافق الرياض القلق من الدور الإيراني» في الشرق الأوسط.
وعن الملف السوري، قال جونسون: «ما قام به النظام السوري بالسلاح الكيماوي والكلور والسارين، مقرف. ويجب أن يحاسب على ذلك. وهذا أحد الأسباب. العديد من الناس الذين كانوا ينتقدون الرئيس دونالد ترمب أيدوه عندما قرر توجيه ضربات (على قاعدة الشعيرات) بعد الهجوم على خان شيخون» في أبريل (نيسان) العام الماضي.
وسئل عن تقارير تفيد بأن ترمب يبحث توجيه ضربات جديدة، فأجاب أن هناك تقارير من ان الأمر يناقش حالياً في واشنطن. وأوضح: «ليس هناك اقتراح محدد. هذا شيء افتراضي. لكن قرار ترمب الهجوم على قاعدة الشعيرات في أبريل العام الماضي، قرار صحيح».
ولاحظ جونسون أن الغارة الأميركية على «مرتزقة» روس قرب دير الزور أدت إلى «مقتل 195 منهم. وهذا أكبر عدد رأيته من الروس الذين قتلوا من قبل الأميركيين طوال حياتي»، ما يعني أن الروس يخسرون. وأضاف أن ما يحصل في غوطة دمشق «مأساة وأمر شائن… لكن لا نستطيع إرسال إشارات إلى الناس الذين يعانون أننا سنأتي لمساعدتهم ولا ننفذ وعودنا. الخيارات التي لدينا محدودة». وزاد: «فرصة التدخل العسكري حصلت في 2013 ولم نأخذها، ونحن نعيش تداعيات ذلك إلى الآن».
وهنا نص الحديث الذي جرى في مكتب جونسون في الخارجية البريطانية مساء أمس:
– أنت ذاهب بعد قليل لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المطار؟ وهذه أول زيارة لولي العهد إلى دولة أجنبية بعد مصر؟
– نعم إنني ذاهب لاستقبال ولي العهد السعودي في المطار. وإنني فخور بصفتي وزيرا للخارجية البريطانية وأيضاً الحكومة البريطانية فخورة بذلك. وهذه شهادة لعمق العلاقة التاريخية التي تعود إلى أمد بعيد من زمن (رئيس الوزراء الراحل) ونستون تشرشل وجد الأمير محمد. بريطانيا كانت منخرطة بدفء مع السعودية. شراكة عميقة بين البلدين. وحان الوقت كي نضع الأساس للانتقال إلى مرحلة جديدة.
– ما هي هذه المرحلة؟
– مرحلة نؤسس فيها مجلساً للشراكة الاستراتيجية الذي يعقد أول اجتماعاته غداً (اليوم). لو نظرت إلى الأمير محمد، فإنه يغيّر بلده والحديث في كل مكان عن هذا الأمر. وهذا أمر واقع. أطلق برنامجاً للإصلاح نعتقد أنه مشجع ويسير في الاتجاه الصحيح. هناك تقدم يحصل وممكن أن يحصل، لكن نعتقد في بريطانيا أنه مشجع وأن هناك انسجاماً عظيماً بيننا وبين السعودية. لدينا مجالات لتعزيز التعاون، حيث إن اقتصادي البلدين قويان ولدينا أهم الجامعات ونظام تعليم قوي ومركز علمي لتقنية المعلومات في بريطانيا. وإننا نرى ما يقوم به الأمير محمد برؤيته ونقل السعودية بعيداً من النفط والذهاب إلى اقتصاد المعلومات والذكاء الاصطناعي والمدينة الجديدة «نيوم» التي سيقيمها.
نعتقد أنه يمكننا التعاون في هذا المجال وإقامة شراكة في الثقافة والصحة والنقل والتكنولوجيا والتعليم في كل المجالات السياسية أيضا. سنتحدث، والحكومة ستتحدث مع الأمير محمد حول أفكاره لنرى ما يمكن القيام به لبناء شراكة ليس فقط للمستقبل القريب، بل إقامة بنية تحتية بيننا تستمر لوقت طويل وأجيال قادمة.
-كيف ترى الإصلاحات في السعودية من حيث السرعة والعمق؟
– أعتقد أن الشعب البريطاني يحتاج الى معرفة وفهم ما يقوم به الأمير محمد. أن تقود النساء السيارات، هذا أمر عظيم. بالنسبة للبعض يراه خطوة صغيرة، لكن في السعودية هي خطوة كبيرة. هناك أيضا في السعودية، انفتاح على الموسيقى والسينما. ما نشعر به وبقوة أن هذا يحصل في بلد عظيم وقيادي في العالم الإسلامي، وهذا بداية لتغيير في كل العالم الإسلامي. لذلك، فإننا معجبون بقوة بما يقوم به الأمير محمد، ونريد الانخراط بما يحصل، وفهمه ودعمه.
– ماذا عن التبادل التجاري؟
– سأخبرك قصة. عندما ذهبت للقاء الأمير محمد قبل أسابيع، غادرت من مطار هيثرو. كانت هناك امرأة شابة مشت معي إلى الطائرة، وقالت لي إنها من السعودية وهي لم تذهب لعشرين سنة، لكنها تذهب الآن وللمرة الأولى (منذ سنوات طويلة) لأنها سعيدة جداً بأنها باتت قادرة على حضور مباراة كرة قدم. هذا شيء صحيح. إن الأمور تتغير بوضوح. ويجب علينا أن نكون جزءاً من ذلك ونشجعه.
– تجارياً، هل يمكن بالفعل رفع مستوى الاستثمارات السعودية في بريطانيا إلى مائة مليار دولار أميركي خلال عشر سنوات؟
– نأمل بذلك. هناك استثمارات في أميركا بقيمة 400 مليار دولار أميركي. نحن أفضل من أميركا وآمالنا كبيرة. لذلك، نحن نأمل في الحصول على استثمارات سعودية.
– وشركة «أرامكو» قد تدرج في سوق لندن المالية؟
– دعنا نرَ. يجب أن ننتظر ونرى، إن شاء الله. نأمل ونعمل لتحقيق ذلك. لكن لا أستطيع الذهاب إلى تفاصيل الاستثمارات التجارية. يجب أن نترك ذلك لولي العهد.
– هناك جدول أعمال مكثف للزيارة ولقاءات رفيعة المستوى واستثنائية مع الملكة إليزابيث والأمير تشارلز ورئيسة الوزراء تيريزا ماي وقادة من بقية المؤسسات البريطانية والروحية. ما الرسالة من ذلك؟
– أهمية ذلك عظيمة. إن الأمير محمد رجل إصلاح ولديه رؤية معتدلة للإسلام. وهي تظهر أن لديه رغبة بالاستماع إلى جميع الديانات وأنه رجل تسامح واحترام متبادل. هذا أمر عظيم بالفعل.
– بالنسبة إلى الشؤون الخارجية، ماذا عن اليمن؟ ما المطروح على جدول الأعمال؟
– بصراحة، نحن نعتقد ونفهم حق السعودية للدفاع عن أمنها والرغبة في حماية نفسها، ونفهم أن الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، وأن هناك قراراً دولياً يطلب دستوراً، وأن هناك تحالفاً يريد تحقيق ذلك (إعادة الشرعية). نفهم ذلك ونرى أن الحل سياسي في اليمن. يجب أن يكون هناك تقدم سياسي، ونحن في حاجة لرؤية نهاية لصواريخ الحوثيين.
– كيف يمكن وقف صواريخ الحوثيين؟
– يجب أن تكون هناك عملية سياسية وعمل لوقف هذه الصواريخ. ولا بد من محادثات بين الأطراف وآمل في تحقيق تقدم لعقد صفقة لتسوية سياسية تقبل بعض الدور للحوثيين في الحكومة اليمنية وتطلق برنامج استثمار في اليمن الفقير. وهناك شيء ضروري هو وقف اللاعبين الآخرين العسكريين. لا بد من دستور جديد في اليمن. وهذه الفكرة تلقى بعض الاهتمام.
– ماذا عن دور إيران في ذلك ودعم الحوثيين؟
– ليس مقبولاً أبدا أن الصواريخ الإيرانية تستخدم ضد السعودية. نريد أن نرى نهاية لهذه الصواريخ.
– كيف… وهناك دول عربية قلقة من دور إيراني الإقليمي؟
– نحن نوافق على ذلك. نريد رؤية الدور الإيراني في اليمن مضبوطاً. وهناك طريقة لتحقيق ذلك، مع دعم الحل السياسي.
– ماذا عن سوريا؟ هل تتفقون مع الرياض إزاء الملف السوري؟
– سوريا مأساة كبرى. أعتقد أننا نتفق مع أصدقائنا السعوديين في الرغبة القوية بإطلاق المفاوضات السلمية في جنيف وبداية عملية سياسية. ما يحصل في الغوطة الشرقية لدمشق أمر شائن. آمل في أن الروس والأسد سيقتنعون بأنهم لن يربحوا الحرب بهذه الطريقة. إنهم يزرعون الحقد لأجيال وأجيال. إنها مأساة وسيكون مستحيلاً أن يحصلوا على قبول الشعب السوري بعد كل ما حصل. يجب أن تكون هناك عملية (سياسية) وانخراط المعارضة السورية لمناقشة الوصول إلى حل سياسي لسوريا. هذا رأي بريطانيا. أعتقد أن ما قام به النظام السوري بالسلاح الكيماوي والكلور والسارين، مقرف. ويجب أن يحاسب على ذلك. وهذا أحد الأسباب، كثير من الناس الذين كانوا ينتقدون الرئيس دونالد ترمب أيدوه عندما قرر توجيه ضربات (على قاعدة الشعيرات) بعد الهجوم على خان شيخون (في ادلب).
– هناك تقارير أن ترمب يناقش حاليا توجيه ضربات أخرى؟
– هناك تقارير ان الأمر يناقش حالياً.
– ما موقف بريطانيا من ذلك؟
– ليس هناك اقتراحات محددة. هذا شيء افتراضي، لكن قرار ترمب بالهجوم على قاعدة الشعيرات في أبريل (نيسان) العام الماضي، قرار صحيح.
– يبدو أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يراهن على الانخراط مع الروس؟
– يجب الانخراط مع الروس الذين يريدون الخروج (من سوريا). وإذا هم يريدون تمويل إعادة الأعمار، يجب أن ينخرطوا في العملية السياسية.
– هل تعتقد أن الرهان على الانخراط مع الروس صحيح وسيحقق نتائج؟
– أعتقد أنه يجب أن نحاول. الروس صار لهم في سوريا وقت طويل. شاهدنا قبل أسابيع أنه في دير الزور مات كثير من الروس يعملون مع شركة مرتزقة. نحو 195 قتلوا. هذا أكبر عدد من الروس الذين قتلوا من قبل الأميركيين اراه طوال حياتي. أيضا، يخسر الروس وهناك كلفة لهم في سوريا. وليس هناك حل بالسلوك الروسي الحالي. الأسد يسيطر على نصف الأراضي السورية وعلى 75 في المائة من الناس، لكنه لا يريح قلوب السوريين وعقولهم. كثير من السوريين سيواصلون المقاومة. الروس يفهمون ذلك وعليهم أن يدفعوا نحو تحقيق حل سياسي.
– ماذا عن الغوطة الشرقية، هل تعتقد أنه بالإمكان إنقاذ الغوطة بالتمني؟ تمني أن يتوقف الروس؟
– لا. أبداً، لا. لكن لا نستطيع إرسال إشارات إلى الناس الذين يعانون بأننا سنأتي لمساعدتهم ولا ننفذ وعودنا. قمنا بذلك سابقا. الآن، الخيارات التي لدينا محدودة. الناس في الغرب مرعوبون ومتعاطفون مع ما يحصل ومع المعاناة ومأساة الناس (في الغوطة). لكن لا بد من القول إن فرصة التدخل العسكري حصلت في 2013 ولم نأخذها، ونحن نعيش تداعيات ذلك حتى الآن. يمكن أن نقوم بضربات محددة، كما حصل في الشعيرات، لمساعدة الناس. المأساة هي أنه سيكون أسوأ أن نعد الناس الذين يعانون بأننا يمكن أن نقدم حلاً سحرياً عسكرياً، لكن في الواقع لا أرى ذلك (ممكناً).
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Hekmat Shafi Al Assaad | مارس 7, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
حين اشتقتُ إليك
حين اشتقتُ إليكِ كتبتُ قصيدةً على الجدار
هدمتْها القذيفةُ
.وسالَ الدمُ من حروفها
حين اشتقتُ إليكِ بحثتُ عن أطفالٍ غير جياعٍ
.فلم أجدْ
حين اشتقتُ إليكِ صعدتُ إلى الجبال
ونظرتُ إلى المدن
.فلم أجدْها
حين اشتقتُ إليكِ أشعلتُ شمعةً
وفضحتُ تشرّدي الأخير.
حين اشتقتُ إليكِ لمستُ جثّةَ مقاتلٍ جانبي
.وشعرتُ به يبتسم
حين اشتقتُ إليكِ نسيتُ قصيدة “يطير الحمام.. يحطّ الحمام”
وتذكرتُ قصيدة “في البالِ أغنيةٌ يا أختُ عن بلدي“
فأحسَسْتُ بحَلْقي طعمَ العِتاب.
حين اشتقتُ إليكِ نزلتْ طيورٌ خضراءُ في حَنجرتي
.وماتتْ من قلّةِ الماءِ والخبزِ في هذا الحصار
.حين اشتقتُ إليكِ كانت الرصاصةٌ قد غيّرت اسمي
حين اشتقتُ إليكِ تنفّستُ هواءً نقيّاً
.وكأنني لستُ في ثلاجة الموتى
حين اشتقتُ إليكِ سمعتُ الملائكة يحصونَ أهل الجنّة
.ويكذّبون نشرة الأخبار
.حين اشتقتُ إليكِ كان الشعراءُ يلصقون “النعوات” على أعمدة الكهرباء
حين اشتقتُ إليكِ دخلتُ مغارةً
.ونمتُ بهدوء طفلٍ لم يعرفْ أنه على هذه الأرض
…إلخ
.ليست خيانةً أنْ أشتاقَ إليكِ في هذه اللحظات الأخيرة
* * *
بواسطة Tammam Talawi | مارس 7, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
كان هذا الشتاء غزير التوابيت
فتاةُ القرى
وهي تلمحُ بين التلال القطار البعيد
وأعوامَها وهي تعبرُ مثل ثلاثٍ وعشرين غيمةْ
تحدّثُ جارتها عن ذهابِ الجنود إلى الحرب تحت المطرْ
تقول لقد كان هذا الشتاء غزيرَ التوابيت
والأرضُ تزهرُ في كل يومٍ مئاتِ الضحايا
ولي عاشقٌ غاب من سنتين
ولكنه يتلفّظُ باسمي إذا ما اعتراهُ الرصاص
..فينجو
هو ابنُ ثلاثٍ وعشرين نجمةْ
يهاتفُني من قرى الآخرين
ويلمح بين التلال القطار البعيد..
فتاةُ القرى لا تقول لجارتها
إنّ عاشقها لا يهاتفُها منذ عام..
وجارتُها لا تقولُ لها إنها لمحتْ
نجمةً سقطتْ
.منذ عامٍ وراء التلال
* * *
لم يعد أحدٌ منذ عام وأكثر
لم يعُدْ أحدٌ منذ عامٍ وأكثرَ
:قيلَ لنا
“مرّ هذا الشتاءُ على أهلِنا قاسياً
والذي سوف يأتي به الصيف أقسى”
خرجنا سريعاً من الباب
بابِ المدينة
كانت خيوطُ الدماءِ تسيلُ على الجانبين
هبطْنا بأثقلِ أحزانِنا فوق أرضِ الهزائم
ثم انتظرنا
انتظرنا طويلاً وراء التلال
ومرّ الشتاءُ
ومرتْ بنا العرباتُ محمّلةً بالجنود
ذئابٌ رماديةٌ
ونساءٌ يضعنَ قلائدَ مسبوكةً من رصاصٍ
رأينا على صفحةِ النهرِ أجسادَنا وهي تطفو
وراياتِنا تتمزّقُ قبل المغيب
وقيل لنا لن نعود كما لم يعدْ أحدٌ منذ عامٍ وأكثرَ
لكننا كلما اهتـزّ من تحتِ أرجُلِنا الجسرُ
مدّ إلينا الشتاءُ حبالَ الحنينِ
وعُدنا إلى ضفّةِ الحزن..
هذا خرابٌ عظيم
تجاعيدُ أحلامِنا باتتِ الآن أكثرَ عمقاً
وصارتْ ضفائرُ أشجارِ هذا الطريقِ رماديةٌ
لم يعُدْ أحدٌ
لم تلوّح لنا من وراءِ الجدارِ يدٌ
لم يصلْ طائرٌ
والخيولُ الثلاثون تلك التي انطلقتْ بالرجالِ الثلاثينَ
لم ينجُ منها صهيلٌ على الجرفِ
لكنّ ضوءً خفيفاً فقطْ
شعَّ في عتمةِ الليل..
قيل لنا إنّ نجماً هوى
قيل نبعٌ تفجّرَ
قيل حريقٌ خَبَا
..قيل سيفٌ أطاحَ برأس الملكْ
لم يكنْ غيرَ نصلٍ فقطْ
..شعَّ في عتمةِ الليل
.ثم سقطْ
* * *
بواسطة أسامة إسبر | مارس 6, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
ملف أعده لصالون سوريا: أسامة إسبر
رغم أن الحرب هدمت سوريا عمرانياً وفكّكتْها اجتماعياً لا يزال الشعر يمثل فضاء مشتركاً للسوريين، وهو يكتسب أهمية كبيرة، كونه فناً غير قابل للتوظيف، ويمثل اللغة في أرقى وأعلى أشكالها التعبيرية، كما أنه يلوِّن اللغة ويُغنيها بألوان الشعراء المختلفين، وبرؤيتهم وبنائهم للعلاقة بين اللغة وعوالم الواقع وأشيائها. والشعر، يضيءُ عتمات، ويقود أضواء فيها، تظلُّ تبحث عن الخفي، والذي يظل هارباً، ولهذا لا تُستنفد اللغة الشعرية، بل تظلُّ مقترنة بالمستقبل، لأنها غوصٌ فيه، واستكشافٌ له، ورحلة في تقلبات الذات.
وفي هذا الملفّ الذي يمثّل جانباً مميزاً، وليس شاملاً، من الشعر السوري الجديد، يتفرد الشعراء المشاركون، كلٌّ بلغته الخاصة ورؤيته المختلفة، في بناء قصيدة تعيش غير مستقرة، لا وطن لها، فلا المنفى بكل مغرياته يخلق الطمأنينية، ولا الأوطان. وهكذا، يعيش الشاعر في وطن بديل، هو وطن الفن، العالم الشعري الذي يبنيه ويوسعه، والذي هو نافذة للآخر كي ينظر إلى الأشياء بطريقة جديدة، كي يرى نفسه ومحيطه خارج نطاق السائد والمألوف، هذا هو عالم الشعر، وتلك هي مغرياته، وهنا تكمن فرادته، في أنه دوماً يولد مع كل قصيدة جديدة، ويتشكل في كل تجربة شعرية، وبالتالي فإن كل شاعر كوكب يدور في فلك الشعر، أحياناً تكون الإضاءة خفيفة وفي أحيان أخرى يشتدّ السطوع. وفي هذه المختارات التي ينشرها ”صالون سوريا“، ثمة رسالة عميقة، وهي أن ما يوحّد السوريين، يكمن في الإبداع، وفي أفق العلاقات الجديدة التي يبنيها الأدب والفن بين الذات والآخر، بين الروح المبدعة والروح المتلقية، في هذا التفاعل يولد الأمل، ويتوهّج ضوء الحضور.
في الأيام القادمة سننشر المواد تباعاَ ونقوم بتفعيل روابطها:
١: كان هذا الشتاء غزير التوابيت
تمام التلاوي
٢: حين اشتقتُ إليك
حكمة شافي الأسعد
٣: ولو كان ورداً أقلّ
سُرى علّوش
٤: الغريب
عبد الكريم بدرخان
٥: تقطيع المشاهد بالاختناق
عمر الشيخ
٦: في البدء كانت السكين
صلاح إبراهيم الحسن
٧: لا يحزنني الموت
لينة عطفة
٨: قصائد
محمد شعبان
٩: فيلُولوجيا الأزهار
أمارجي
١٠: النساءُ الأوروبيّات
مناهل السَّهْوي
١١: رائحة البرتقال
ميس الريم قرفول
بواسطة سلوى زكزك | مارس 5, 2018 | Cost of War, غير مصنف
يومٌ ربيعي مشمس، عمالُ الترحيل ينقلون أكياس البحص والاسمنت من بيتٍ يُرمم في الطابق التاسع والحقيقة أنهما بيتان في الطابقين التاسع والعاشر اشتراهما شابٌ في مقتبل العمر ليحولهما إلى بيت واحد وفق نظام الدوبلكس. بحسبةٍ بسيطةٍ نعرف أنّ الثمن المدفوع لشراء المنزلين فقط تتجاوز المائة والخمسين مليون ليرة سورية!
يصيبنا الحكاك والقنوط ويغمرنا سؤال “من أين له هذا؟” وخاصةً في ظلّ هذه الحرب! فكيف إنّ تعرفنا إلى كلفة الهدم والربط والإكساء التي تجاوزت أسعار موادها العشرين ضعفاً. إنه مثال على انتهاكٍ صارخٍ لا للوضع المعيشي الصعب لعامة السوريين فحسب بل انتهاكٌ للقيم و للمنطق الأساسي للحرب القائم على التوفير والتقتير تحسباً للحظة رحيل ٍمفاجئ ٍأو خوفاً من إصابةٍ قد تلحق بالبيت جراء ظروف الحرب الدائرة.
عائلاتٌ سورية تسكن في الحدائق، تسوّر سياجها بالكرتون منعاً لوصول أيدي الزعران الذين يمدّون أصابعهم القذرة لقرص النساء والأطفال أو لسرقة ما تطوله أيديهم العابثة، وناطور الحديقة يُخفي مسكة الصنبور بين يديه ليمنع النساء والفتيات من الاستحمام، استحمامٌ يشبه لعبةً طفولية سرّها هو إغماض العينيين والدوران حول الذات والصابونة الكاوية سيئة الصنع تدور على الجسد من تحت الكنزة درئاً للعيون الكاشفة، تتوه اليدان الغضتان في الوصول إلى كافة تفاصيل الجسد المغمور بالقذارة والرطوبة والإهمال، ويتحول غسل الشعر إلى مهمة صعبة تتوقف في لحظة عدوانيةٍ عندما يقطع ناطور الحديقة المياه فيبقى الشعر غارقا بالصابون الجاف، قاسياً وباهتاً وأقرب للبياض بفعل الترسبات القلوية على شعرٍ لم يدفأ يوماً ولم يغمره ترفُ التغلغل لمشطٍ نظيفٍ ومريح.
***
براءة طفلةٍ صغيرةٍ لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، يمنحها أحدهم قطعة شوكولا وفي اللحظة الفاصلة ما بين منحٍ وإمساكٍ تسقط قطعة الشوكولا على الرصيف الساخن فما كان من براءة إلا الاستلقاء ولعق الشوكولا الذائبة من على الرصيف مباشرة.
أعرف أن أسئلةً مثل “ما جدوى الحمل والولادة وجلب أطفالٍ جددٍ ينضمون للشقاء” والاسم الساخر “براءة” في زحمة الحرب هي أسئلةٌ وجودية ذات معنى لكنها بلا فائدة، فارغة مثل طبول الحرب الجاعرة.
***
أمام أحد مطاعم الشاورما ذاتِ الاسم العريق والأسعار المرتفعة جداً، يُقدم أحد الزبائن بقايا وجبتين طلبهما ولم يكملهما لقطةٍ تموءُ جائعةً. في المكان طفلان مشرّدان والجوع ينتهك أحشاءهما، يحاول أحدهما سحب الوجبة من بين مخالب القطة التي لا تبدي أية مقاومة، لكنّ الرجل الشهم الحريص على صحة القطط والحيوانات الغارق في سفالته يصرخُ بالطفل ويطردهُ ويعيد تثبيت الوجبة بين مخالب القطة في حالة عطف إنساني تنتمي لهمجية محدثي النعمة وزارعي الحقد تفاضل بين طفلين جائعين وقطة، لحظة تنمُّر همجية تماثل شتائم الرجل نفسه وهو يصرخ بعامل النظافة الذي تجرأ وأوقف عربته خلف سيارة ذاك المتوحش، سيارة دفع رباعي حديثة جداً تُوقظ سؤال “من أين لك هذا؟” فكيف الحال إذاً بسيارةٍ موديل 2017 في بلدٍ يكتوي بنار الحصار وتوقف الاستيراد اللذين طالا حتى الأدوية.
***
في حافلةٍ صغيرةٍ للنقل تجتمع نساءٌ مختلفاتٍ في تفاصيلٍ ظاهرية لا أكثر، تقول سيدةٌ لصديقتها وبصوت عالٍ: “هدول مو من عنا.” اختلافٌ في نوع المعاطف، حداثتها، اختلافٌ ما بين لونٍ ناصعٍ ولامعٍ وما بين لونٍ باهتٍ وحائلٍ للسترات، عرواتُ الأزرار متسعة تضم أزراراً مختلفة اللون والشكل. الحجابات شبه ذائبة من شدة رقتها ومنكشة الخيوط بمواجهة أزرارٍ لامعةٍ، متناسقةٍ ومشدودةٍ، بمواجهة حجاباتٍ مماثلةٍ للملابس في ألوانها، جديدة وسميكة ولامعة.
بالفعل لم يكذب إحساس تلك المرأة ولاخبرتها، فأهل الحي “الراقي” يعرفون بعضهم من وجوههم، من ملابسهم، من صدى كلماتهم ومن جوالاتهم الباذخة. النسوة “المختلفات” واللواتي تجرّأن على مشاركة الغنيات المنكِرات لقسوة الحرب وآثارها المدمرة هنّ بالفعل لسن من ذات الحي! هنّ من اللواتي يسكنّ مراكز الإيواء الثلاثة التي امتلأت بالمهجرّين قسرياً ذات ساعة رحيلٍ أو تهجيرٍ أو هربٍ، لا فرق.
ذات يوم وحين قرروا إغلاق تلك المراكز وزّع سكانها أرقام هواتفهم/نّ على كافة الركاب علّهم/نّ يحظون ببيت للآجار تتشاركه أكثر من عائلة، ولم يكن أمام البعض سوى اللجوء إلى الحدائق وعبثها وهمجيتها، أما البعض الآخرون فقد استأجروا بعيداً بيوتاً على الهيكل من دون إكساء أو نوافذ أو أبواب، والمطبخ والحمام مجرّد برميلٍ أزرقٍ بلاستيكي كبير موصول في أسفله صنبور ضخم ومتوحش.
***
نسوةٌ رباتُ أسرٍ ومعيلاتٍ يوقفن سيارة للأجرة لتقلّهن إلى بيوتهنّ مع صناديق مواد الإعانة الممنوحة لهن. يشترط السائق عليهن عبوة زيتٍ ذات الليتر من كلّ سيدةٍ لمسافةٍ لا تكلفه أكثر من خمسمائة ليرة، لكنه يسطو على رزقهن ويكسب ألفين وثمانمائة ليرة، هي أسعار عبوات الزيت حسب سعر السوق. تمتثل النسوة لابتزاز السائق ويدفعن بصمت مستكين.
في البيت يتبادلن المحتويات، أولاد فلانة لا يأكلن البرغل، وفلانة وأمها وأم زوجها مصاباتٍ بالسكري فيمنحن الأرز مقابل البرغل. تقول آية: “أحلم بأن أطلب طبخة محدّدة وأن تلبي أمي، نحن نأكل على هوى كرتونة الإعانة وعندما تنتهي موادها نقترض من بعضنا. لا جديد يؤكل. وحبة الفواكه حلم وحبة البندورة للطبخ فقط لأنها تُشترى مهترئة لأنها الأرخص والأقل سعراً.”
***
على الطريق المهندم والأنيق تتبادل سيدتان أطراف الحديث عن حميةٍ ناجعةٍ لجسدٍ رشيقٍ، وعن مدرّب الجِم (أو نادي اللياقة). يصرف شباب مقتدرون أو محدثو النعمة أموالاً طائلة على مكملاتٍ غذائية وفيتامينات تنفخ العضلات وتجعل قيمتهم أعلى في سوقٍ لا قيمة للرجال ولا للحيوات فيه، سوق الحرب .
النساء يتمشين ببيجاماتٍ رياضية باهظة الثمن وأحذيةٍ رياضية ٍمريحة، يُنشطن الأجساد الرخوة والمرفهة. على الرصيف المقابل نسوةٌ خرجنَ منذ الفجر لتعملن في منازل المتريضات اللواتي لايقبلن أي تأخير أو تجاهل لتفاصيل العمل المنزلي الذي يجب أن يكون متقناً ولامعاً/ تقول المشغّلة للشغالة: “أعطيك دم قلبي وأنت تراوغين!”
***
تعجّ مراكز التعليم المرممة بالطلاب الذين هجروا المدرسة بسبب الحرب، أو بسبب غياب الوثائق الشخصية، أو بحكم أنهم صاروا معيلين لذويهم. يتعلمون فكّ الخط ويطمحون لمجرد إغفاءة مطمئنة على مقعد دافئ.
هي المدينة تحيا على فوارق تأصلت بحكم الحرب. إن كان بوسع المتعبين وثقيلي الأحمال الحلم، فالعودة إلى بيوتهم هي الأساس وهي المشتهى والمنتهى. تحلم سيدة برعاية أصص أزهارها واحتساء فنجان قهوة بفناجينها التي أبقتها هناك على رجاء العودة سريعاً إلى شرفتها وبيتها.
ظلال الرحيل والنزوح أوضح وأعمق من مجرد ظل مرادف للحرب، هي وجه المدينة الآخر، هي تفاصيل الحرب على أجساد البشر وعقولهم، على أسمائهم وأسماء عائلاتهم والراحلين والمسافرين والمجانين منهم والعقلاء رغماً عنهم كي يلوذ بهم من يحتاجهم.
كل شيء ممتزج بنقيضه، يتنافران ويعتركان وإن بصمت، لكنه صمت الجمر الذي سيحرق الأخضر واليابس كل صباح في ليل الحرب الطويل… هنا دمشق.