بواسطة Hekmat Shafi Al Assaad | مارس 7, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
حين اشتقتُ إليك
حين اشتقتُ إليكِ كتبتُ قصيدةً على الجدار
هدمتْها القذيفةُ
.وسالَ الدمُ من حروفها
حين اشتقتُ إليكِ بحثتُ عن أطفالٍ غير جياعٍ
.فلم أجدْ
حين اشتقتُ إليكِ صعدتُ إلى الجبال
ونظرتُ إلى المدن
.فلم أجدْها
حين اشتقتُ إليكِ أشعلتُ شمعةً
وفضحتُ تشرّدي الأخير.
حين اشتقتُ إليكِ لمستُ جثّةَ مقاتلٍ جانبي
.وشعرتُ به يبتسم
حين اشتقتُ إليكِ نسيتُ قصيدة “يطير الحمام.. يحطّ الحمام”
وتذكرتُ قصيدة “في البالِ أغنيةٌ يا أختُ عن بلدي“
فأحسَسْتُ بحَلْقي طعمَ العِتاب.
حين اشتقتُ إليكِ نزلتْ طيورٌ خضراءُ في حَنجرتي
.وماتتْ من قلّةِ الماءِ والخبزِ في هذا الحصار
.حين اشتقتُ إليكِ كانت الرصاصةٌ قد غيّرت اسمي
حين اشتقتُ إليكِ تنفّستُ هواءً نقيّاً
.وكأنني لستُ في ثلاجة الموتى
حين اشتقتُ إليكِ سمعتُ الملائكة يحصونَ أهل الجنّة
.ويكذّبون نشرة الأخبار
.حين اشتقتُ إليكِ كان الشعراءُ يلصقون “النعوات” على أعمدة الكهرباء
حين اشتقتُ إليكِ دخلتُ مغارةً
.ونمتُ بهدوء طفلٍ لم يعرفْ أنه على هذه الأرض
…إلخ
.ليست خيانةً أنْ أشتاقَ إليكِ في هذه اللحظات الأخيرة
* * *
بواسطة Tammam Talawi | مارس 7, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
كان هذا الشتاء غزير التوابيت
فتاةُ القرى
وهي تلمحُ بين التلال القطار البعيد
وأعوامَها وهي تعبرُ مثل ثلاثٍ وعشرين غيمةْ
تحدّثُ جارتها عن ذهابِ الجنود إلى الحرب تحت المطرْ
تقول لقد كان هذا الشتاء غزيرَ التوابيت
والأرضُ تزهرُ في كل يومٍ مئاتِ الضحايا
ولي عاشقٌ غاب من سنتين
ولكنه يتلفّظُ باسمي إذا ما اعتراهُ الرصاص
..فينجو
هو ابنُ ثلاثٍ وعشرين نجمةْ
يهاتفُني من قرى الآخرين
ويلمح بين التلال القطار البعيد..
فتاةُ القرى لا تقول لجارتها
إنّ عاشقها لا يهاتفُها منذ عام..
وجارتُها لا تقولُ لها إنها لمحتْ
نجمةً سقطتْ
.منذ عامٍ وراء التلال
* * *
لم يعد أحدٌ منذ عام وأكثر
لم يعُدْ أحدٌ منذ عامٍ وأكثرَ
:قيلَ لنا
“مرّ هذا الشتاءُ على أهلِنا قاسياً
والذي سوف يأتي به الصيف أقسى”
خرجنا سريعاً من الباب
بابِ المدينة
كانت خيوطُ الدماءِ تسيلُ على الجانبين
هبطْنا بأثقلِ أحزانِنا فوق أرضِ الهزائم
ثم انتظرنا
انتظرنا طويلاً وراء التلال
ومرّ الشتاءُ
ومرتْ بنا العرباتُ محمّلةً بالجنود
ذئابٌ رماديةٌ
ونساءٌ يضعنَ قلائدَ مسبوكةً من رصاصٍ
رأينا على صفحةِ النهرِ أجسادَنا وهي تطفو
وراياتِنا تتمزّقُ قبل المغيب
وقيل لنا لن نعود كما لم يعدْ أحدٌ منذ عامٍ وأكثرَ
لكننا كلما اهتـزّ من تحتِ أرجُلِنا الجسرُ
مدّ إلينا الشتاءُ حبالَ الحنينِ
وعُدنا إلى ضفّةِ الحزن..
هذا خرابٌ عظيم
تجاعيدُ أحلامِنا باتتِ الآن أكثرَ عمقاً
وصارتْ ضفائرُ أشجارِ هذا الطريقِ رماديةٌ
لم يعُدْ أحدٌ
لم تلوّح لنا من وراءِ الجدارِ يدٌ
لم يصلْ طائرٌ
والخيولُ الثلاثون تلك التي انطلقتْ بالرجالِ الثلاثينَ
لم ينجُ منها صهيلٌ على الجرفِ
لكنّ ضوءً خفيفاً فقطْ
شعَّ في عتمةِ الليل..
قيل لنا إنّ نجماً هوى
قيل نبعٌ تفجّرَ
قيل حريقٌ خَبَا
..قيل سيفٌ أطاحَ برأس الملكْ
لم يكنْ غيرَ نصلٍ فقطْ
..شعَّ في عتمةِ الليل
.ثم سقطْ
* * *
بواسطة أسامة إسبر | مارس 6, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
ملف أعده لصالون سوريا: أسامة إسبر
رغم أن الحرب هدمت سوريا عمرانياً وفكّكتْها اجتماعياً لا يزال الشعر يمثل فضاء مشتركاً للسوريين، وهو يكتسب أهمية كبيرة، كونه فناً غير قابل للتوظيف، ويمثل اللغة في أرقى وأعلى أشكالها التعبيرية، كما أنه يلوِّن اللغة ويُغنيها بألوان الشعراء المختلفين، وبرؤيتهم وبنائهم للعلاقة بين اللغة وعوالم الواقع وأشيائها. والشعر، يضيءُ عتمات، ويقود أضواء فيها، تظلُّ تبحث عن الخفي، والذي يظل هارباً، ولهذا لا تُستنفد اللغة الشعرية، بل تظلُّ مقترنة بالمستقبل، لأنها غوصٌ فيه، واستكشافٌ له، ورحلة في تقلبات الذات.
وفي هذا الملفّ الذي يمثّل جانباً مميزاً، وليس شاملاً، من الشعر السوري الجديد، يتفرد الشعراء المشاركون، كلٌّ بلغته الخاصة ورؤيته المختلفة، في بناء قصيدة تعيش غير مستقرة، لا وطن لها، فلا المنفى بكل مغرياته يخلق الطمأنينية، ولا الأوطان. وهكذا، يعيش الشاعر في وطن بديل، هو وطن الفن، العالم الشعري الذي يبنيه ويوسعه، والذي هو نافذة للآخر كي ينظر إلى الأشياء بطريقة جديدة، كي يرى نفسه ومحيطه خارج نطاق السائد والمألوف، هذا هو عالم الشعر، وتلك هي مغرياته، وهنا تكمن فرادته، في أنه دوماً يولد مع كل قصيدة جديدة، ويتشكل في كل تجربة شعرية، وبالتالي فإن كل شاعر كوكب يدور في فلك الشعر، أحياناً تكون الإضاءة خفيفة وفي أحيان أخرى يشتدّ السطوع. وفي هذه المختارات التي ينشرها ”صالون سوريا“، ثمة رسالة عميقة، وهي أن ما يوحّد السوريين، يكمن في الإبداع، وفي أفق العلاقات الجديدة التي يبنيها الأدب والفن بين الذات والآخر، بين الروح المبدعة والروح المتلقية، في هذا التفاعل يولد الأمل، ويتوهّج ضوء الحضور.
في الأيام القادمة سننشر المواد تباعاَ ونقوم بتفعيل روابطها:
١: كان هذا الشتاء غزير التوابيت
تمام التلاوي
٢: حين اشتقتُ إليك
حكمة شافي الأسعد
٣: ولو كان ورداً أقلّ
سُرى علّوش
٤: الغريب
عبد الكريم بدرخان
٥: تقطيع المشاهد بالاختناق
عمر الشيخ
٦: في البدء كانت السكين
صلاح إبراهيم الحسن
٧: لا يحزنني الموت
لينة عطفة
٨: قصائد
محمد شعبان
٩: فيلُولوجيا الأزهار
أمارجي
١٠: النساءُ الأوروبيّات
مناهل السَّهْوي
١١: رائحة البرتقال
ميس الريم قرفول
بواسطة سلوى زكزك | مارس 5, 2018 | Cost of War, غير مصنف
يومٌ ربيعي مشمس، عمالُ الترحيل ينقلون أكياس البحص والاسمنت من بيتٍ يُرمم في الطابق التاسع والحقيقة أنهما بيتان في الطابقين التاسع والعاشر اشتراهما شابٌ في مقتبل العمر ليحولهما إلى بيت واحد وفق نظام الدوبلكس. بحسبةٍ بسيطةٍ نعرف أنّ الثمن المدفوع لشراء المنزلين فقط تتجاوز المائة والخمسين مليون ليرة سورية!
يصيبنا الحكاك والقنوط ويغمرنا سؤال “من أين له هذا؟” وخاصةً في ظلّ هذه الحرب! فكيف إنّ تعرفنا إلى كلفة الهدم والربط والإكساء التي تجاوزت أسعار موادها العشرين ضعفاً. إنه مثال على انتهاكٍ صارخٍ لا للوضع المعيشي الصعب لعامة السوريين فحسب بل انتهاكٌ للقيم و للمنطق الأساسي للحرب القائم على التوفير والتقتير تحسباً للحظة رحيل ٍمفاجئ ٍأو خوفاً من إصابةٍ قد تلحق بالبيت جراء ظروف الحرب الدائرة.
عائلاتٌ سورية تسكن في الحدائق، تسوّر سياجها بالكرتون منعاً لوصول أيدي الزعران الذين يمدّون أصابعهم القذرة لقرص النساء والأطفال أو لسرقة ما تطوله أيديهم العابثة، وناطور الحديقة يُخفي مسكة الصنبور بين يديه ليمنع النساء والفتيات من الاستحمام، استحمامٌ يشبه لعبةً طفولية سرّها هو إغماض العينيين والدوران حول الذات والصابونة الكاوية سيئة الصنع تدور على الجسد من تحت الكنزة درئاً للعيون الكاشفة، تتوه اليدان الغضتان في الوصول إلى كافة تفاصيل الجسد المغمور بالقذارة والرطوبة والإهمال، ويتحول غسل الشعر إلى مهمة صعبة تتوقف في لحظة عدوانيةٍ عندما يقطع ناطور الحديقة المياه فيبقى الشعر غارقا بالصابون الجاف، قاسياً وباهتاً وأقرب للبياض بفعل الترسبات القلوية على شعرٍ لم يدفأ يوماً ولم يغمره ترفُ التغلغل لمشطٍ نظيفٍ ومريح.
***
براءة طفلةٍ صغيرةٍ لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، يمنحها أحدهم قطعة شوكولا وفي اللحظة الفاصلة ما بين منحٍ وإمساكٍ تسقط قطعة الشوكولا على الرصيف الساخن فما كان من براءة إلا الاستلقاء ولعق الشوكولا الذائبة من على الرصيف مباشرة.
أعرف أن أسئلةً مثل “ما جدوى الحمل والولادة وجلب أطفالٍ جددٍ ينضمون للشقاء” والاسم الساخر “براءة” في زحمة الحرب هي أسئلةٌ وجودية ذات معنى لكنها بلا فائدة، فارغة مثل طبول الحرب الجاعرة.
***
أمام أحد مطاعم الشاورما ذاتِ الاسم العريق والأسعار المرتفعة جداً، يُقدم أحد الزبائن بقايا وجبتين طلبهما ولم يكملهما لقطةٍ تموءُ جائعةً. في المكان طفلان مشرّدان والجوع ينتهك أحشاءهما، يحاول أحدهما سحب الوجبة من بين مخالب القطة التي لا تبدي أية مقاومة، لكنّ الرجل الشهم الحريص على صحة القطط والحيوانات الغارق في سفالته يصرخُ بالطفل ويطردهُ ويعيد تثبيت الوجبة بين مخالب القطة في حالة عطف إنساني تنتمي لهمجية محدثي النعمة وزارعي الحقد تفاضل بين طفلين جائعين وقطة، لحظة تنمُّر همجية تماثل شتائم الرجل نفسه وهو يصرخ بعامل النظافة الذي تجرأ وأوقف عربته خلف سيارة ذاك المتوحش، سيارة دفع رباعي حديثة جداً تُوقظ سؤال “من أين لك هذا؟” فكيف الحال إذاً بسيارةٍ موديل 2017 في بلدٍ يكتوي بنار الحصار وتوقف الاستيراد اللذين طالا حتى الأدوية.
***
في حافلةٍ صغيرةٍ للنقل تجتمع نساءٌ مختلفاتٍ في تفاصيلٍ ظاهرية لا أكثر، تقول سيدةٌ لصديقتها وبصوت عالٍ: “هدول مو من عنا.” اختلافٌ في نوع المعاطف، حداثتها، اختلافٌ ما بين لونٍ ناصعٍ ولامعٍ وما بين لونٍ باهتٍ وحائلٍ للسترات، عرواتُ الأزرار متسعة تضم أزراراً مختلفة اللون والشكل. الحجابات شبه ذائبة من شدة رقتها ومنكشة الخيوط بمواجهة أزرارٍ لامعةٍ، متناسقةٍ ومشدودةٍ، بمواجهة حجاباتٍ مماثلةٍ للملابس في ألوانها، جديدة وسميكة ولامعة.
بالفعل لم يكذب إحساس تلك المرأة ولاخبرتها، فأهل الحي “الراقي” يعرفون بعضهم من وجوههم، من ملابسهم، من صدى كلماتهم ومن جوالاتهم الباذخة. النسوة “المختلفات” واللواتي تجرّأن على مشاركة الغنيات المنكِرات لقسوة الحرب وآثارها المدمرة هنّ بالفعل لسن من ذات الحي! هنّ من اللواتي يسكنّ مراكز الإيواء الثلاثة التي امتلأت بالمهجرّين قسرياً ذات ساعة رحيلٍ أو تهجيرٍ أو هربٍ، لا فرق.
ذات يوم وحين قرروا إغلاق تلك المراكز وزّع سكانها أرقام هواتفهم/نّ على كافة الركاب علّهم/نّ يحظون ببيت للآجار تتشاركه أكثر من عائلة، ولم يكن أمام البعض سوى اللجوء إلى الحدائق وعبثها وهمجيتها، أما البعض الآخرون فقد استأجروا بعيداً بيوتاً على الهيكل من دون إكساء أو نوافذ أو أبواب، والمطبخ والحمام مجرّد برميلٍ أزرقٍ بلاستيكي كبير موصول في أسفله صنبور ضخم ومتوحش.
***
نسوةٌ رباتُ أسرٍ ومعيلاتٍ يوقفن سيارة للأجرة لتقلّهن إلى بيوتهنّ مع صناديق مواد الإعانة الممنوحة لهن. يشترط السائق عليهن عبوة زيتٍ ذات الليتر من كلّ سيدةٍ لمسافةٍ لا تكلفه أكثر من خمسمائة ليرة، لكنه يسطو على رزقهن ويكسب ألفين وثمانمائة ليرة، هي أسعار عبوات الزيت حسب سعر السوق. تمتثل النسوة لابتزاز السائق ويدفعن بصمت مستكين.
في البيت يتبادلن المحتويات، أولاد فلانة لا يأكلن البرغل، وفلانة وأمها وأم زوجها مصاباتٍ بالسكري فيمنحن الأرز مقابل البرغل. تقول آية: “أحلم بأن أطلب طبخة محدّدة وأن تلبي أمي، نحن نأكل على هوى كرتونة الإعانة وعندما تنتهي موادها نقترض من بعضنا. لا جديد يؤكل. وحبة الفواكه حلم وحبة البندورة للطبخ فقط لأنها تُشترى مهترئة لأنها الأرخص والأقل سعراً.”
***
على الطريق المهندم والأنيق تتبادل سيدتان أطراف الحديث عن حميةٍ ناجعةٍ لجسدٍ رشيقٍ، وعن مدرّب الجِم (أو نادي اللياقة). يصرف شباب مقتدرون أو محدثو النعمة أموالاً طائلة على مكملاتٍ غذائية وفيتامينات تنفخ العضلات وتجعل قيمتهم أعلى في سوقٍ لا قيمة للرجال ولا للحيوات فيه، سوق الحرب .
النساء يتمشين ببيجاماتٍ رياضية باهظة الثمن وأحذيةٍ رياضية ٍمريحة، يُنشطن الأجساد الرخوة والمرفهة. على الرصيف المقابل نسوةٌ خرجنَ منذ الفجر لتعملن في منازل المتريضات اللواتي لايقبلن أي تأخير أو تجاهل لتفاصيل العمل المنزلي الذي يجب أن يكون متقناً ولامعاً/ تقول المشغّلة للشغالة: “أعطيك دم قلبي وأنت تراوغين!”
***
تعجّ مراكز التعليم المرممة بالطلاب الذين هجروا المدرسة بسبب الحرب، أو بسبب غياب الوثائق الشخصية، أو بحكم أنهم صاروا معيلين لذويهم. يتعلمون فكّ الخط ويطمحون لمجرد إغفاءة مطمئنة على مقعد دافئ.
هي المدينة تحيا على فوارق تأصلت بحكم الحرب. إن كان بوسع المتعبين وثقيلي الأحمال الحلم، فالعودة إلى بيوتهم هي الأساس وهي المشتهى والمنتهى. تحلم سيدة برعاية أصص أزهارها واحتساء فنجان قهوة بفناجينها التي أبقتها هناك على رجاء العودة سريعاً إلى شرفتها وبيتها.
ظلال الرحيل والنزوح أوضح وأعمق من مجرد ظل مرادف للحرب، هي وجه المدينة الآخر، هي تفاصيل الحرب على أجساد البشر وعقولهم، على أسمائهم وأسماء عائلاتهم والراحلين والمسافرين والمجانين منهم والعقلاء رغماً عنهم كي يلوذ بهم من يحتاجهم.
كل شيء ممتزج بنقيضه، يتنافران ويعتركان وإن بصمت، لكنه صمت الجمر الذي سيحرق الأخضر واليابس كل صباح في ليل الحرب الطويل… هنا دمشق.
بواسطة Syria in a Week Editors | مارس 5, 2018 | Media Roundups, Syria in a Week, غير مصنف
“ممر انساني” بلا عبور
٢٧ شباط (فبراير)
أعلنت موسكو تطبيق الهدنة الإنسانية في الغوطة الشرقية المحاصرة الثلثاء ٢٧ شباط (فبراير)، لكن لم يسجل خلالها خروج مدنيين عبر المعبر المحدد لذلك شمال شرقي دمشق.
ويُفتح خلال الهدنة التي بدأ تطبيقها الثلاثاء “ممر إنساني” عند معبر الوافدين الواقع شمال شرقي مدينة دوما، لخروج المدنيين. إلا أنه لم يسجل خروج أي مدنيين خلال خمسة أيام. وشاهد مراسلون عند المعبر ضباطاً وجنوداً روساً موجودين مع عناصر الجيش النظامي السوري. وحضر متطوعو الهلال الأحمر العربي السوري مع سيارتي إسعاف. وعند نقطة للجيش، علقت على أحد الجدران صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب صورة الرئيس السوري بشار الأسد. وبدا المعبر خالياً تماماً من أي حركة للمدنيين في وقت لم يسمع دوي قذائف أو قصف من المنطقة المحاصرة في الغوطة.
وأكد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عدم خروج مدنيين عبر معبر الوافدين منذ بدء تطبيق الهدنة الروسية الثلاثاء، باستثناء مواطنين باكستانيين خرجا الأربعاء بموجب مفاوضات منفصلة تولتها السفارة الباكستانية في دمشق. وتبادلت دمشق وموسكو من جهة والمعارضة من جهة ثانية الاتهامات في شأن قصف “الممر الانساني.”
عودة إلى “الكيماوي”
٢٨ شباط (فبراير)
سربت وسائل إعلام مختلفة بينها “نيويورك تايمز” و “الشرق الاوسط” وثائق تشير إلى تزويد كوريا الشمالية النظام السوري معدات يمكن استعمالها في صنع أسلحة كيماوية. وأظهرت الوثائق استمرار التعاون بعد صدور القرار الدولي 2118 للتخلص من الترسانة الكيماوية للنظام.
وخصص التقرير المؤلَّف من مئات الصفحات، أكثر من ١٥ فقرة للتعاملات المحظورة بموجب القرارات الدولية بين بيونغ يانغ ودمشق. وقال، إن هناك “أكثر من ٤٠ شحنة غير مبلَّغ عنها من كوريا الشمالية إلى سوريا بين ٢٠١٢ و٢٠١٧ من كيانات تصنفها دول أعضاء في الأمم المتحدة شركات واجهات لمجلس البحوث العلمية في سوريا في جمرايا.”
وقالت هيثر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، إن حكومة كوريا الشمالية “أصبحت أكثر يأساً، وتبحث عن وسائل مختلفة لتمويل نظامها الإجرامي.”
وفي مؤتمر نزع السلاح الذي يقام تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، قال السفير الأميركي لشؤون نزع الأسلحة روبرت وود: “زعم روسيا أن نظام الأسد تخلص من مخزوناته الكيماوية عبثي تماماً، ولا يصدق ببساطة”، في وقت قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن النظام تخلص من الترسانة الكيماوية.
بوتين يستعرض أسلحته “المجربة” في سوريا
١ آذار (مارس)
استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابه السنوي أمس أمام الهيئة الاشتراكية الروسية لاستعراض أسلحته وترسانته الصاروخية والنووية قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في ١٨ الشهر الجاري.
وقال بوتين إن موسكو جربت بنجاح نحو ٨٠ من طرازات الصواريخ المتطورة في سوريا. وزاد أن “العالم كله رأى قدراتنا وبات يعرف أسماء الصواريخ والتقنيات الروسية الأخرى التي نفذت مهمات مهمة.”
كما كشف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن اثنتين من أحدث المقاتلات الروسية من الجيل الخامس “سوخوي 57” نفذتا “برنامج اختبار قتالي ناجح في سوريا.” وقال شويغو: “بالفعل كانتا هناك لفترة قصيرة، فقط ليومين. وخلال هذا الوقت نفذتا برنامج الاختبار، بما في ذلك اختبار قتالي مباشر. وبوسعي القول إن الاختبار جرى بنجاح وعادت الطائرتان إلى الوطن قبل أسبوع.”
في المقابل، شن مساعد سكرتير مجلس الأمن الروسي لشؤون الأمن الدولي ألكسندر فينيديكتوف هجوماً على اميركا. وقال: “وجود ٢٠ قاعدة عسكرية أميركية في منطقة سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية شرق سوريا يشكل مثالا واضحا على العقبات التي يشكلها التدخل الخارجي.”
وبعد يومين، قال ألكسندر فومين، نائب وزير الدفاع الروسي، أن الولايات المتحدة تستخدم منطقة التنف في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية “محمية طبيعية للإرهاب.” وقال فومين، في حديث لقناة “روسيا – 24”: “لا يمكن ألا يقلقنا وجود المنطقة الآمنة بقطر ٥٥ كيلومترا قرب بلدة التنف الواقعة على الحدود السورية – العراقية، حيث سيّجت عمليا هناك محمية للإرهابيين.”
ضغط أميركي على روسيا
٢ آذار (مارس)
أجرى الرئيس الاميركي دونالد ترامب اتصالين هاتفيين مع المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ذلك في أرفع انخراط أميركي بالشأن السوري. هناك هدفان للاتصالين: الأول، الضغط على روسيا لالتزام القرار 2401 لوقف النار. الثاني، المحاسبة على استخدام الكيماوي.
وأعلنت المستشارية الالمانية على وجوب “محاسبة” النظام السوري على الهجمات وعمليات القصف على المدنيين في الغوطة الشرقية. وجاء في البيان أن ميركل وترامب اعتبرا خلال مكالمة هاتفية جرت الخميس أن “النظام السوري يجب أن يحاسب على التدهور المتواصل للوضع الإنساني في الغوطة الشرقية، وهذا ينطبق على استخدام نظام (الرئيس بشار) الأسد أسلحة كيماوية كما على الهجمات على المدنيين وتجميد المساعدة الإنسانية.”
وتنتقد باريس واشنطن بسبب تراجع الرئيس السابق باراك اوباما عن ضرب النظام بعد هجوم كيماوي على الغوطة في نهاية ٢٠١٣.
وتنفي دمشق استخدام الكيماوي وتتهم المعارضة بـ “فبركة” هجمات لتبرير هجمات محتملة من الغرب.
تزامن اتصالا ترامب مع وصول حاملات طائرات اميركية الى البحر المتوسط للمشاركة في مناورات مع اسرائيل. كما تزامنت مع طرح اميركا مشروع قرار في مجلس الأمن لتشكيل لجنة تحقيق بالسلاح الكيماوي السوري والمحاسبة على استخدامه.
“تقطيع الأوصال” في الغوطة
٣ آذار (مارس)
حققت قوات النظام السبت ٣ آذار تقدماً اضافياً في شرق وجنوب شرق الغوطة الشرقية قرب دمشق في محاولة لفصل مناطق سيطرة هذه المجموعات بعضها عن البعض الآخر.
وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إن قوات النظام تمكنت من السيطرة على بلدتي الشيفونية وأوتايا في شرق وجنوب شرق المنطقة المحاصرة، بعدما تعرضتا في الأيام الاخيرة لغارات وقصف مدفعي كثيف. وكثفت قوات النظام وحلفاؤها هجماتها ما مكنها من السيطرة على قريتي حوش الظواهرة وحوش الزريقية بالإضافة إلى قاعدتين عسكريتين سابقتين.
وكانت هذه المناطق تحت سيطرة “جيش الإسلام” أكبر فصائل الغوطة الشرقية. وقال الناطق باسم “جيش الإسلام” حمزة بيرقدار في بيان أن قوات النظام تتبع “سياسة الأرض المحروقة” مؤكداً انسحاب المقاتلين من نقاطهم في حوش الظواهرة والشيفونية كونها “مكشوفة أمام القصف الهستيري.”
وتحاول قوات النظام التقدم “لعزل كل من منطقتي المرج (جنوب شرق) ودوما (شمالا) التي تضم العدد الأكبر من المدنيين، عن بقية البلدات في غرب الغوطة الشرقية المحاصرة.” ومنذ بدء قوات النظام حملتها على الغوطة الشرقية المحاصرة، قتل أكثر من ٦٣٠ مدنياً بينهم ١٥٠ طفلاً على الأقل.
غارات تركية على موالين لدمشق
٣ آذار (مارس)
استهدفت الطائرات التركية موقعاً لقوات سورية موالية للنظام في قرية كفرجنة في عفرين، حيث تساند المقاتلين الاكراد منذ نحو أسبوعين في التصدي لهجوم تشنه أنقرة وفصائل سورية موالية لها على المنطقة الواقعة في شمال سوريا. وأكد الأكراد استهداف نقاط تمركز هذه القوات السبت.
وتعد هذه ثالث مرة تستهدف فيها الطائرات التركية مواقع تابعة للمقاتلين الموالين لدمشق خلال يومين، بعد مقتل ١٨ عنصرا يومي الخميس والجمعة في غارات تركية على قريتين شمال غرب عفرين، ما يرفع حصيلة القتلى الاجمالية الى ٥٤ مقاتلاً على الأقل منذ مساء الخميس.
وبعد مطالبة الأكراد قوات النظام السوري بالتدخل لصد الهجوم التركي المستمر على عفرين منذ شهر ونصف شهر، دخلت قوات سورية الى عفرين وصفها الاعلام السوري الرسمي بـ”القوات الشعبية”، فيما قال الأكراد إنها “وحدات عسكرية” تابعة للجيش السوري.
وتأتي هذه الغارات في وقت تمكنت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها من السيطرة على أجزاء واسعة من بلدة راجو الاستراتيجية الواقعة شمال غرب عفرين. كما أحرزت تقدماً على جبهة أخرى شمال شرق عفرين، حيث تمكنت من السيطرة على أجزاء من جبل استراتيجي يشرف على العديد من البلدات والقرى.
ومنذ بدء هجومها، تمكنت القوات التركية وحلفاؤها من السيطرة على أكثر من ثمانين قرية وبلدة. وقتل ٢٥٢ من الفصائل السورية الموالية لأنقرة مقابل ٢٨١ من المقاتلين الأكراد خلال المعارك والغارات. كما قتل ١٤٩ مدنياً. وأحصت تركيا مقتل ٤٠ من جنودها.
بواسطة Abdallah Hassan | مارس 3, 2018 | Culture, Reviews, غير مصنف
يفصلنا يوم واحد عن المحفل السينمائي الكبير الذي تقيمه إدارة «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة»، والذي سيتم فيه توزيع جوائز الأوسكار بنسختها الـ90 على الأفلام الفائزة. كانت الأكاديمية قد أعلنت قبل نحو شهر عن وصول الفيلم الوثائقي «آخر الرجال في حلب Last Men In Aleppo» القائمةَ النهائية التي تضمّنت أفضل خمسة أفلام وثائقية مرشحة للحصول على الجائزة لعام 2018 الجاري، وهو من إخراج فراس فياض، وحسن قطّان (سوريّا الجنسية)، إضافة إلى ستيڨ جوهانسن (دنماركي).
الفيلم الذي ماكان له أن يُرشح للجائزة فيما لو كان سورياً إذ سيؤخذ حينها في حسابات قائمة الأفلام الأجنبية، أثار الكثير من البلبلة أخذاً وردّا، ففي حين اعتبرته وسائل إعلامية تلفزيونية وأخرى إلكترونية مدعاةً للتعالي والفخر بوصفه “أول فيلم سوري يصل إلى الأوسكار”، انقسمت أصوات أخرى من جانبها (مؤيدة للنظام، ومعارضة له) حول ما يتعلّق بالتوجه الفكري لأحد مخرجيه، حيث تناقلت على نطاق واسع جداً صورةً لمنشورٍ على فيس بوك ينعو فيه (حسن قطان) صديقاً له في تنظيم جبهة النصرة.
وكان قطان قد نشر على صفحته في فيسبوك قائلاً: «ما تزال بسماته الجميلة التي تنير وجهه معلقة في ذاكرتي المرهقة، لم يكن كأي مجاهد آخر، عشق القتال والموت تحت راية إسلامية فنالها، كان أكثر الذين عرفتهم صفاء وبشاشة وورعاً وتقوى، أسدٌ من جبهة النصرة قد رحل اليوم عنا إلى جنان الخلد، أتمنى من الله تعالى أن يتقبله.» مُرفقاً (المنشور) بصورة للجهادي وهو يشير بيده إلى الراية السوداء ببقعتها البيضاء الشهيرة.
قد يبدو اتهام البعض لقطّان بانتهاجه فكراً إرهابياً هكذا بعبارة صريحة أمراً مبالغاً فيه، لكن أن يكون أحد مخرجي فيلمٍ مرشح لنيل جائزة شهيرة قد توجّه إلى عضو “تنظيم إرهابي” بالنعوة، والإشادة، وإبداء التعاطف هو أمر مشين، ومعيب، ومخجل، ناهيك عن أنه يحط من قيمة العمل ونزاهته، ويقلل من مصداقيته كذلك، خصوصاً وأنه فيلم وثائقي، أي أن ذلك يطعن حرفياً في صلب النقل الموضوعي للحقيقة. وضع قطّان، بصفته أحد مخرجي العمل، المادة الوثائقية المرشحة للأوسكار في موقفٍ حرجٍ لا يمكن تجاوزه في عمليّتي الإنتاج وما بعدها، لا بل يسيء لشعارات الحرية والكرامة والمواطنة التي انتهجتها الثورة السورية ضد نظام الحكم الديكتاتوري في البلاد مطلع العام 2011، والتي باتت الآن (الشعارات) شكلاً طوباويّاً لايعدو التنطّع لها أن يكون محاولةً لدفن الرؤوس في الرمال لا أكثر، ناهيك عن أن تلك البلبلة التي أثارها قطّان من خلال منشوره تعد بمثابة منحة للنظام السوري بأدواته الإعلامية، إلى جانب البروباغندا الروسية في توجيه الاتهامات لا للجهاديين فقط، وإنما لمفهوم المعارضة السورية ككل.
الجميع يعلم أن عمليات اختطاف الأجانب وطلب الفدية المالية لقاء إطلاق سراحهم أو تسليم جثثهم في بعض الأحيان حالت دون استساغة الصحفيين الأجانب لفكرة الدخول إلى البلاد ونقل ما يجري فيها مؤخراً، الأمر الذي ترك الباب مفتوحاً أمام المخرجين السوريين الشباب، لكن ليس ثمة طريقة لفعل ذلك دون التواصل مع آخرين في الداخل قادرين على الإحاطة بما يجري تحت حماية من فصائل عسكرية على (اختلاف توجهاتها)، وهذا أيضاً يطعن في موضوعية نقل المادة خارج سوريا. ناهيك عن أنك لو كنتَ مخرجاً سورياً مثلاً ما كان من المناسب أبداً لأخلاقيات مهنتك أن تتواصل مع إعلاميين ذوي ولاء للقاعدة في ليبيا بُغية صناعة فيلم وثائقي عما يجري هناك، مامن سبب يبيح لك ذلك إلا الانتهازية اللعينة.
في المقابل ينأى من يحترم أخلاقيات مهنته بنفسه بعيداً عن هذه المساحة المليئة بالشبهات، كيف لمن يحترم أخلاقيات مهنته أن يشتغل على مادة لا يعلم أصلها ولا فصلها حتى وإن كانت حقيقية، إذ لا شيء يمنعها من أن تكون قد اجتزأت من الحقيقة ما يعجبها، والاجتزاء من الحقائق هو نكرانها عينُه.
لم تكن السينما يوماً ما لعبة، إنها مسؤولية كبرى، شأنها شأن الكلمة، بإمكانها أن تدعو، أو تدفع، أو تهدد، أو تعطي، أو تمنع. إن كل الأحداث تُصنع، تَبدأ أو تنتهي، ولا يبقى منها سوى ما هو مرهون باللغة، مكتوبةً كانت أم بصرية.
على أية حال، كثيرةٌ تلك الأصوات التي تدعو دائماً إلى الفصل بين الفن وشخصية الفنان، ليس من السهل الاستجابة لتلك الدعوة بالتأكيد إذا ما أخذنا ضرورة اتساق الفكرة مع صاحبها بعين الاعتبار، وهنا تتبادر مجموعة من الأسئلة: كيف للمرء أن يقف ضد الإصدارات المرئية التي ينتجها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» لأنها تحتوي على مشاهد العنف، وأن يغض الطرف عن كونها أصلاً من صناعة داعش؟ وكيف للمرء أيضاً أن يؤيد مثلاً أداةً إعلامية تابعة لنظام حكم ديكتاتوري دون أن يترك ذلك مساحة كبرى للشك في مصداقية وجوهرية ما يُراد من مادّتها الإعلامية؟ وكيف يرتضي الفنان أصلاً أن يعمل وفق منهجيّة الغاية التي تبرِّر وسائلها؟
أن يتحرّى الفنان الصدق، ويُسائل نفسه على الدوام، ويبتعد عن منتجة الواقع المعقد واختزاله على نحو قد يضعه بموقع من يسعى لتحقيق مجد شخصي دون مسؤولية اجتماعية، هي عناصر أساسية من عناصر الأخلاقيات المهنية خاصة في ظل الحرب. ختاماً، إن كان ثمة من سيقول الحقيقة المُنصفة التي لا مآخذ عليها إزاء ما جرى ويجري في سوريا، فهم المدنيون الذين دفعوا ويدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب العبثية.