الغريب

الغريب

الغريب (1)

عيناهُ تسجّلانِ التفاصيلَ الرتيبة

كعدسةٍ في يـدِتاركوفسكي،

عيناهُ رأتَــا في ثلاثينَ عامًا

ما يراهُ شعبٌ في ألفِ عام،

أين يذهبُ بعينيه؟!

كيف يهربُ من ذاكرةِ الدمعِ والدم؟!

عندهُ من الصُوَرِ

ما يملأُ جدرانَ العالمِ بالنَّعَوات،

من الطعناتِ

ما يجعلُ السماءَ غربالًا،

من القهرِ

ما لا يستطيعُ عمرٌ كاملٌ من الأمجادِ محوَهْ.

* * *

الغريب (2)

عندما تكتبُ قصيدةً عظيمة

أو تنامُ مع امرأةٍ رائعة

أو تقتلُ عدوّكَ اللئيم

يُمكنكَ أنْ تشربَ أنهارًا من الخمر

وتدخَّنَ الأشجارَ سجائرَ،

تركُلَ الأرضَ حتى تدورَ بالاتجاهِ الذي تريد،

تعترفَ لوالديكَ بأنكَ لستَ ابنـهُما،

تُخرجَ جـثّـةً من القبر

وترقصَ معها حتى الصباح،

يمكنكَ أنْ تصرخَ في وجه السماء: أنا سـيّـدُ الأرض!

وبعدَها

يمكنكَ أنْ تموت

كما يليقُ برجُـلٍ أنْ يموت؛

ضاحكًا في وجهِ الموت

باصقًا في وجهِ الحياة.

* * *

في البدء كانت السكين

في البدء كانت السكين

في البدءِ كانت السكين

منذ قابيل

وإلى آخر مجزرة،

الكلماتُ لم تكن ولدتْ بعدُ

الكلمات التي تحفظونها عن الأمل

لن تمنح الحياةَ لوردةٍ صغيرة

مرّتْ من فوقها دباباتُ الوطن،

والكلماتُ التي تحفظونها عن الفرح

لن تمسحَ دمعةَ طفلٍ فقد درّاجته تحت رُكام المنزل،

والكلماتُ التي تحفظونها عن الحلم

لن تُقنعَ النائمين تحت سماءِ الحزن المدلهمّ

بالنظرِ إلى السماء،

والكلماتُ التي تحفظونها عن الحبّ

لم تعد تصلُح لحديثٍ مسائي بين عاشقين

على مقعدٍ في حديقة

في زمن “الأندرويد” و “دونالد ترامب”.

أيتها الكلماتُ المغدورة

ماذا سنقولُ لـ “كريم” (*)

– وقد انطمسَتْ قصائدُنا التي لم تُكتَبْ بعدُ –

عن العيونِ والأنهار

عن البحار والمدى

عن الردى!

وحدَها السكينُ

ووحدنا الحنجرة،

وحدها البندقية

ووحدنا الظهر،

وحدَهُ الذئب

ووحدنا الحملانُ الضعيفة.

هلِّلُويا

هلِّلُويا

في البدء كانت السكين.

* * *

(*) كريم: من أطفال غوطة دمشق، اقتلعت عينه جراء القصف.

يوميات سورية: النساء والعيد، ذات حربٍ طويلة

يوميات سورية: النساء والعيد، ذات حربٍ طويلة

ربما هي مصادفة سعيدة بتزامن يوم المرأة العالمي مع عيد الأم في شهرٍ واحد هو شهر آذار (مارس). لكن بسبب تفاصيل الحرب اليومية يغدو معنى كلمة عيد أو يومٍ خاصٍ للنساء ترفاً ممجوجاً ومدعاةً للكوميديا السوداء، ويصير سؤال النساء عن رغباتهن أو انطباعاتهن في هاتين المناسبتين مجرّد كلامٍ فارغٍ دون أي مضمون، ،وهذراً كلامياً لا مبرر له ولا من مستعدٍ حتى لخوض غمار التفاعل معه والإجابة عن تلك الأسئلة. إن كان البعض يحيل هذين اليومين لمناسبة تذكيرية بالهموم والنواقص والانفعالات العاطفية إلا أنّ الطابع العام هو مجرد اجترار لهمومٍ تئن دونما سعي لتدبيرها واستهلاكٍ للدموع لا راد له وزهورٍ وورودٍ على الشاشة الزرقاء أو شاشة الجوال وهدايا ترهق الجيوب ولا تُفرح القلوب.

“أم نشأت” سيدة خمسينية تعيش في الحديقة. قد توحي كلمة حديقة بوجود مساحة خضراء وارفة الظلال وفيرة المياه والمقاعد، لكنها هنا مجرد أرض جرداء بلا شجر أو عشب طري، مقاعدها مجرد بقايا مفصلاتٍ معدنية مغروزة في الأرض الجرداء. سألتها عن أمنياتها فقالت: “لا أمنيات، مجرد حاجات، أن أعود لبيتي، أن أستحم بماءٍ نظيف وحمامٍ مغلقٍ، أن أنعم بملابس نظيفة ودافئة بعد الاستحمام، أن أشرب قهوتي على شرفتي الصغيرة وأن ألقي تحية الصباح على جيراني وأهل حارتي.”

كانت “أم نشأت” قد قالت لي سابقاً في أول يومِ في السنة الجديدة وفور معايدتي وأمنياتي لها بسنة أفضل: “ليش قديش اليوم بالشهر نحنا وبأي سنة ؟” قالت لي يومها: “لو كان لدي مجرد حائطٍ صغيرٍ أعلق عليه تقويماً للأيام وساعةً جداريةً لكنتُ  فهمتُ عليك ورددت المعايدة بأحسن منها!”

في اللامكان الذي يصير بيتك واللازمان الذي يصير عالمك  نحن لا شيء أيضاً.

***

في مراكز الإيواء والحدائق والبيوت المشتركة التي تضم عائلاتٍ عديدةٍ يتحول الجنس إلى كابوس وتصبح العلاقات الزوجية مسرحاً للانتقام. “غالية” سيدة متزوجة تزوج زوجها الشهم بامرأة ثانية، ويعيشون في أحد مراكز الإيواء. بترتيب ٍغريزيٍ وبقرارٍ تحت إلحاح الحاجة تقرر النسوة تخصيص أحد الحمامات للعلاقات الجنسية، يبدو الأمر هنا تحايلاً عبقرياً على التشرد والحرمان، لكنه يترتب على غالية أن تكون الحارس الأمين لزوجها وضرّتها أثناء ممارستهما للعلاقة الزوجية. تخيلوا غالية تقف على باب الحمام والاضطهاد العاطفي يصفعها بعدد اللحظات خاصة بعد أن تخلى زوجها عن معاشرتها لصالح الزوجة الأصغر سناً والأجمل والأحدث. وكأن الزوجتين مجرد طنجرة يُفضل استخدام الأحدث حرصاً على جودة الطعام ومنظره، تشييئٌ دونيٌ تتآمر فيه الحرب وظروفها والقوانين التمييزية وهمجيتها والعادات ووحشيتها وذلها.

***

تحاول سمر جاهدةً تأمين موافقة على وصايتها على طفلتيها لأن زوجها مفقودٌ ووالد الزوج بعيدٌ جغرافياً وأشقاء الزوج في ألمانيا. تريد سمر التصرف في بيت الزوجية وتأجيره لتأمين دخلٍ يعيلها مع ابنتيها الصغيرتين.

أمّا غادة فقد استلمت قرار زوجها بتطليقها عبر وكيلٍ قانوني هو زوج أخته، وزوج غادة في هولندا وقد تزوج بسيدة سورية من حلب تعيش هناك. يبدو قرار الزوج تطليق زوجته إيجابياً فهو يمنح غادة هنا حريتها ويفك وثاقها من ارتباط ٍعلى الورق، لكنه يُجبر غادة باعتبارها مطلّقة ترك منزل الزوجية هي وأطفالها الثلاثة ولتذهب إلى الجحيم، خاصةُ أنها لا تعمل وأهلها  يعيشون في بيتٍ مستأجر يقطنه سبعة عشر شخصاً، والنفقة في أحسن الأحوال لا تتجاوز العشرة آلاف عدا عن الإجراءات المعقدة لرفع الدعوى ووجود الزوج في الخارج وغيرها من التعقيدات البيروقراطية.

***

تحولت شذا ما بين ليلة وضحاها إلى معيلةٍ لأسرتها، لوالدتها المصابة بالسكري ولأبيها الضرير ولشقيقاتها اليافعات وأبناء أختها الكبرى التي أصبحت أرملة فجأة. مقابل بنطال جينز لأختها التي لم يتبق لديها ما يستر جسدها، وافقت شذا على ممارسة الجنس مع صاحب محل بيع الألبسة الجاهزة الذي تعمل لديه. وكرّت سبحة بناطلين الجينز والبيجامات والأحذية وأسطوانة الغاز وتكاليف الدواء وأجرة البيت وملابس المدرسة والكتب والدفاتر، وهكذا تحولت شذا لإحدى ممتلكات صاحب المحل الذي خصص مكانا ضيقا في المستودع لمعاشرتها كما يشاء مقابل الإنفاق دونما حماية أو أدنى اعتراف، بل إن  تسميعات الجوار من أصحاب المحال والزبائن جعلت من شذا عاهرة يحاول الجميع النيل منها بذريعة أنها رخيصة ولا مانع لديها من معاشرة أي كان مقابل منفعة مادية.

***

سميرة سيدة خمسينية سافر زوجها وولداها إلى النمسا فباتت وحيدة ومهجورة مصابة بمرض ارتفاع الضغط.  تقطن سميرة في شقة في الطابق الثاني عشر من برجٍ سكني، وذات يوم اكتشفت نفاذ أدويتها بينما كانت الكهرباء مقطوعة والصيدليات في عطلتها الأسبوعية فماتت من الخوف إثر نوبة قلبية نفسية المنشأ من شدة الذعر. كان بوسعها البقاء حيةً أياماً دونما دواء خفض الضغط لكن توترها ووحدتها وغياب من يرعاها أو يتطوع لمتابعة أدويتها مرةً بالأسبوع أودوا بحياتها في لحظةٍ موجعةٍ، ولو توفر لها أي مقوّم من المتابعة أو المسؤولية أو الشراكة، لكانت قد بقيت على قيد الحياة تنتظر ورقة لم الشمل لتلتحق بعائلتها. ولابدّ من  الإشارة هنا إلى أن عدة سيدات أعرفهن قد قمن بخطوةٍ غريبةٍ وحديثة العهد على المجتمع السوري، خطوةٌ صفق لها الكثيرون والكثيرات واعتبروها حلا مثالياً لتوابع وحدتهم/ن، وهي قيامهن ببيع البيوت التي يسكنونها ويملكونها ووضع قيمتها في المصرف والإقامة في أحد المآوي المأجورة التي تتبع للكنيسة مقابل الإقامة والمتابعة الصحية والتنظيف، أي عناية كاملة مع حق استقبال الضيوف وحرية الحركة خارج وداخل المأوى المذكور.

وتبدو الشكوى الأكثر إيلاماً هي حياة الأبناء، موتهم غير المعلن إلا باتصال هاتفي، تغيبهم الطويل دونما خبر أو زيارة أو معلومة، استقبالهم بكفن أو من دونه والتكتم على أمراضهم النفسية جراء الاختباء  الطويل أو الشدات النفسية جراء التهديد أو الفصل من العمل أو ضياع مصادر الرزق أو تضرر أجسادهم بقذائف أو رصاص طائش لا يوجد من يردعه أو يحاسب أو يعوض عن نتائجه المرة.

***

في الحرب اسأل النساء وحدهن عنها، على وجوههن تمر شظايا الخيبات والفقد والرحيل وعلى أجسادهن تسجل علامات الانتقام والانكسارات والعقوبات والانهزامات، هن مرآة الحرب وهن خلاصة القول وبلاغة الخسارات. في قلوبهن أسئلة بلا أجوبة وانتظارٌ يطول يميت جذوة الحياة قبل ترنح أجسادهن في مهاوي الترمل والطلاق والفقدان والجوع والمذلة والتنميط والتهميش والاغتصاب والمتاجرة بعواطفهن وأمومتهن وأجسادهن وحقوقهن الأساسية. في الحرب تصبح الأعياد مجرد نهشٍ للروح وضرباتٍ صارخة للتذكير بفداحة الجروح والنواقص وبسطوة الغياب والتغييب.

للسوريات القابضات على الجمر، المنتظرات ظلال الأمل وقرارا بوقف الحرب، كنّ بخير يا غاليات. لنكون وسورية  بخير.

هنا دمشق

الثامن من آذار 2018

اعلان دورة تدريبية لصحافيين سوريين

اعلان دورة تدريبية لصحافيين سوريين

يهدف “صالون سوريا” إلى بناء وتطوير منبر إلكتروني باللغتين العربية والانكليزية يكون اداة لنشر القصص الصحافية ومنبراً يخدم فضاء للتواصل والنقاش بين شريحة واسعة من وجهات النظر في مكونات الطيف السوري.

يعلن “صالون سورية” عن دورة تدريبية لصحافيين سوريين مقيمين في سورية او الدول المجاورة. “ورشة صالون سورية”، مبادرة سورية ترمي الى دعم العمل الصحافي بعيداً من الاستقطاب. هي جزء من منتدى الكتروني باسم “صالون سورية” www.SalonSyria.com.

تستمر الورشة لمدة يومين في مقر الجامعة الأميركية في بيروت، باشراف زملاء مدربين سوريين وعرب وأجانب لتمكين الصحافيين السوريين الشباب في أربعة محاور: المهنية والسياسة، الصحافة زمن الحرب، الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، الانواع الصحافية.

الورشة تشكل فرصة لصحافيين سوريين للحوار فيما بينهم حول الكتابة الصحافية ومهارات العمل الفريقي واختبار الرغبة والقدرة على العمل الصحافي، اضافة الى التشبيك مع صحافيين ومؤسسات عربية وعالمية. في ختام الورشة، ان الصحافيين الذين يظهرون قدرة مهنية ستتاح لهم فرصة التعاون مع “صالون سورية” من داخل سورية او الدول المجاورة.

“صالون سورية” يتكفل بتغطية المصاريف المرتبطة بالورشة من سفر وإقامة.
مكان وزمان الورشة: الجامعة الاميركية في بيروت
 ٢٦ و ٢٧ نيسان ٢٠١٨
المواصفات المطلوبة:
1- صحافيون / صحافيات من سورية, يقيمون في سورية ودول الجوار.
2- العمر بين ٢٠ و٣٩ سنة.
3- لديهم الخبرة في مجال الكتابة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والمسموع والمرئي.
4- لديهم خبرة في كتابة الانواع الصحافية.
5- لغة التدريب والكتابة، هي العربية مع تفضيل اجادة اللغة الانكليزية.
يجب على جميع المتقدمين إكمال الطلب والرد على جميع الأسئلة، بما في ذلك تحميل السيرة الذاتية، رسالة توضح اسباب الاهتمام بموضوع الورشة، و ارفاق مقالة او عينة كتابية. يرجى الضغظ على الرابط هنا:
اخر موعد للتقديم:  ٣٠  اذار  ٢٠١٨ 
بالشراكة مع معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأمريكية في بيروت
سوريا في أسبوع، ١٢ آذار

سوريا في أسبوع، ١٢ آذار

غوطة وموت و “حلب جديدة”
10-9 آذار/ مارس

لم يخفف قرار مجلس الأمن 2401 الذي يطالب بهدنة لمدة ٣٠ يوماً من استعار معركة غوطة دمشق بل ازدادت حدة القصف الجوي والمدفعي مع اتساع الهجوم البري الذي تشنه قوات النظام حيث سيطرت على حوالي ٥٠ في المئة من مساحة الغوطة المحاصرة.

وتمكنت قوات النظام بدعم روسي من شطر الجيب المحاصر إلى نصفين بعد سيطرتها على بلدة مسرابا في عمق الغوطة وحاصرت فعلياً مدينتي دوما وحرستا يوم السبت. (رويترز)

وأودت سياسة “الأرض المحروقة” من ١٨ الشهر الماضي لغاية يوم السبت، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بحياة ٩٥٧ مدنياً في الغوطة بينهم ١٩٩ طفلاً ١٣١ من النساء مع العجز عن انتشال الجثث من تحت الأنقاض. كما أدت إلى إصابة ٤٣٢٠ مدنياً في ظل النقص الحاد في المواد الغذائية والرعاية الصحية.

وأفادت منظمة أطباء بلا حدود في بيان الجمعة بتعرض ١٥ مرفقاً طبياً للقصف من إجمالي ٢٠ مستشفى وعيادة تقدم لها الدعم في الغوطة الشرقية (فرانس برس). كما قالت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة إنه تم التحقق من نحو ٦٧ هجوماً على منشآت صحية وعاملين في المجال الطبي في سوريا في كانون الثاني وشباط من العام الجاري وهو ما يعادل نصف الهجمات خلال العام الماضي بأكمله، ووصفت تلك الهجمات بأنها “غير مقبولة.” (رويترز)

واستمر خلال هذا الأسبوع إطلاق قذائف الهاون على مدينة دمشق من قبل فيلق الرحمن وجيش الإسلام ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى بين المدنيين.

وصرح سفير سوريا لدى الأمم المتحدة في جنيف لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الخميس إن العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية تستهدف “المنظمات الإرهابية بما يتفق مع القانون الإنساني الدولي.”  بالمقابل صرح مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في كلمة يوم الأربعاء إن استهداف بضع مئات من مقاتلي المعارضة لا يمكن أن يكون مبرراً للهجوم الذي تشنه الحكومة السورية في منطقة الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة. (رويترز)

ودعت روسيا إلى خروج آمن للمدنيين من الغوطة وفي هذا الإطار تم فتح معبرين في شمال وجنوب الغوطة لخروج المدنيين وسط اتهامات متبادلة عن استهداف هذه المعابر(رويترز).

وفي يوم الجمعة خرج ١٣ مقاتل من هيئة تحرير الشام مع عائلاتهم، من مناطق سيطرة “جيش الإسلام”، فيما يبدو كتكرار لـ “سيناريو حلب” حيث يستمر الضغط العسكري لإجبار مقاتلي المعارضة على الاستسلام أو الترحيل الى ادلب، ولن يكون لدعوات التهدئة صدى في الواقع المأساوي الذي يعيشه مدنيين الغوطة.  واقتصر التجاوب مع الضغط الدولي في إدخال قافلة مساعدات إنسانية إلى دوما يوم الجمعة بعد تأجيل متكرر مع استثناء المواد الطبية منها.  

“غصن الزيتون” يحاصر عفرين
6-9  آذار/ مارس

سيطرت القوات التركية مع فصائل معارضة على عدد من البلدات الهامة في عفرين وآخرها كان بلدة جنديرس. وصرح الرئيس رجب طيب أردوغان أن عفرين أصبحت تحت الحصار ودخولها وشيك. (رويترز)

ونجم عن “غصن الزيتون”، التي بدأت في العشرين من كانون الثاني (يناير) حتى الجمعة، مقتل ٢٠٤ مدنيين بينهم ٣٢ طفلاً ٢٦ من النساء نتيجة القصف الجوي والمدفعي التركي بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، مع تدهور حاد في الوضع الإنساني والمعيشي.

كما قضى ٤٠٩ من القوات التركية والفصائل السورية بينما قضى ٣٥٩ من “وحدات حماية الشعب” الكردية وقوات الدفاع الذاتي الكردية، بحسب “المرصد”. وكانت عدد من الفصائل العربية المتحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية في الرقة قررت الانضمام إلى “وحدات حماية الشعب” في عفرين لمواجهة العدوان التركي.

ولا يظهر ضغط دولي جدي على تركيا لوقف “غصن الزيتون” حيث اقتصرت التصريحات على دعوات لإنهاء الهجوم. كما طالبت فرنسا الثلاثاء الماضي حيث قال وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان “إن التركيز الدولي على سوريا ينصب حالياً على تطبيق وقف النار تدعمه الأمم المتحدة في منطقة الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة لكن لا يمكن أيضاً تجاهل الوضع في منطقة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد.” (رويترز).

حرب إلغاء وهدنة
9 آذار/ مارس

أعلنت “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) و “جبهة تحرير سوريا” التي تضم “أحرار الشام” و “نور الدين الزنكي” أنهما توصلتا لاتفاق لوقف النار بين تمهيدا للتوصل إلى حل للخلاف بين الفصيلين بعد اقتتال دام بريفي حلب وإدلب.

وارتفعت حدة الاشتباكات بين الطرفين منذ أسابيع في مناطق سيطرتهما بريفي حلب وإدلب ما أدى إلى مقتل مدنيين وعناصر من الطرفين.

ووقعت أحدث اشتباكات بين “جبهة تحرير الشام” و “تحرير سوريا” في ريف حلب الغربي، واستخدم الطرفان الأسلحة الثقيلة في جل المعارك. وشهدت بلدات عدة مظاهرات نددت بالاقتتال وبممارسات الفصيلين تجاه المدنيين. (الجزيرة)

ويظهر هذا الاقتتال المتجدد التشرذم وانعدام الثقة بين الفصائل كما يشير إلى رغبة تركيا في سيطرة القوى المتحالفة معها على مناطق سيطرة المعارضة كجزء من تفاهمات خفض التصعيد.  

اللاجئون والعودة
6-7-9  آذار/ مارس

قام عدد من أعضاء الحزب البديل من أجل ألمانيا وهو حزب يميني الثلاثاء الماضي بزيارة إلى دمشق سعياً لعودة اللاجئين إلى سوريا عبر التفاهم مع النظام، الأمر الذي أدانته الحكومة الألمانية والذي يعكس حجم التناقض إزاء أزمة اللجوء السوري في أوروبا. (رويترز)   

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم الجمعة إن من “المبكر جداً” الحديث عن عودة اللاجئين إلى سوريا لأن الوضع هناك ما زال غير آمن ومحفوفاً بالمخاطر.

وأعلن متحدث من وزارة الخارجية التركية أن تركيا ستبني مخيمات تستوعب ١٧٠ ألف من اللاجئين السوريين بالقرب من إدلب.

تحطم طائرة نقل روسية
6  آذار/ مارس

ذكرت وكالة إنترفاكس نقلا عن وزارة الدفاع قولها “وفقا لأحدث المستجدات، فقد كانت طائرة النقل أنتونوف-26، التي سقطت في قاعدة حميميم الجوية، تقل ٣٣ راكباً وطاقماً من ستة أفراد. جميعهم (الركاب) من أفراد القوات المسلحة الروسية.” وقد لقي جميع الركاب حتفهم.

وكانت طائرة نقل روسية تقل فرقة موسيقية عسكرية روسية تحطمت في البحر الأسود أثناء توجهها إلى سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2016 مما أدى إلى مقتل كل من كانوا على متنها وعددهم ٩٢ شخصاً. (يورونيوز)

المَوقف من إسرائيل والتشويش المستمرّ

المَوقف من إسرائيل والتشويش المستمرّ

ظَهرت تطورات في الفترة الأخيرة بينها زيارة معارضين لإسرائيل وحصول مقاتلين على اغاثة ومعالجة الجرحى. وقد اسقطُ النظام، ومن خلفه إيران، طائرة اسرائيلية، عقب قصف لمواقع تخصّ إيران ضمن الأراضي السورية. ما أعقب ذلك من ردود فعل، أظهر حجم التشوّش الحاصل على المستوى الشعبي، وعلى مستوى النخب إلى حدّ ما، تجاه الموقف من إسرائيل. هناك من رفضه باعتبار إسرائيل عدوّاً، وعلينا أن نفرح لإسقاط طائرتها، وهو موقف إعلام النظام المأزوم بالضبط، الذي استغلّ الحدث ليؤكد لمؤيديه بأّنه ما يزال متمسكاً بـ “التصدي للمؤامرة الصهيونية” وأنّه في موقع قوّة واستطاع الرّد أخيراً! هذا الموقف، أي الفرح لإسقاط طائرة العدو، لا قيمة له، لأنه يتهرب من واقع أنّ الحادثة هي جزء من مناوشات إيرانية – إسرائيلية على الأرض السورية.  آخرون يعتبرون أن لا شأن لهم بالاعتداءات الإسرائيلية، وأن إسرائيل وإيران عدوّان، بل إيران هي الأكثر خطراَ، بسبب مشاركتها النظام في قتل السوريين.

على كلّ حال، أعتقد أن الموقف السوري الشعبي ما يزال يعتبر إسرائيل عدوّاً استراتيجياً؛ لكنّ خمسين سنة من حكم البعث القمعيّ، ومصادرته كلّ المبادرات الوطنية الممكنة، حوّلت هذا الرفض الشعبي لإسرائيل إلى مجرّد شعار، بعد أن كانت القضية الفلسطينية هي البوصلة لكلّ العرب، وبعد أن كان الشبّان والشابّات يتزاحمون للتطوّع في أجنحة المقاومة، وكانوا فدائيين يضحّون بأرواحهم لأجل فلسطين.

حضور خجول في التظاهرات

اتّسمت الانتفاضة السورية منذ اندلاعها في آذار (مارس) 2011 بكونها شعبية، غير مؤدلجة وغير حزبية، رغم محاولة التيارات المختلفة، الديمقراطية والإسلامية، سرقتَها. الشعار السياسي الوحيد الذي برز هو مطلب إسقاط النظام، ورحيلُ الرئيس وعائلته. ومن هنا كانت الشعارات والأهازيج تتحدث عن مساوئ هذا النظام وعمالته وفساده؛ فحضرت مسألة الجولان من هذا الباب، أي من باب نعت النظام بأنه فرّط بالجولان لمصلحة تثبيت حكمه، وبأنه عاجزٌ عن الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة: (باع الجولان، عميل إسرائيل، ممانع بالثرثرة، خود كلابك عالجولان…) والكثير من الشعارات ورسومات الكاريكاتير التي تحمل هذا المضمون.

الانتفاضة السورية لم تكن معنية بتخصيص حيّز لمسألة تحرير الأراضي العربية، كما أنّها لم تخصّص حيّزاً للمسائل الأخرى، كشكل الحكم، وقضايا الفساد، والنمط الاقتصادي الملائم، ومعالجة المسألة الطائفية والمسألة القومية…إلخ، بسبب افتقارها إلى دور فاعل للمثقفين المنخرطين في الثورة. لكن بالتأكيد هناك استثناءات، كتنظيم “الشباب السوري الثائر” الذي كان يتظاهر في ركن الدين والصالحية بدمشق، والذي قام النظام بتصفية جزءٍ من قياداته في المعتقل، وتهجير البقية، وقد رفع شعارات سياسية أكثر وضوحاً: (من أجل تحرير الجولان نريد إسقاط النظام، تعليم مجاني، دولة مدنية علمانية، دولة المواطنة، فرص عمل للجميع…).

دور فلسطينيي سوريا

منذ بداية الثورة السورية، شارك الفلسطينيون السوريون فيها. بالتأكيد القضية الفلسطينية حضرت بقوة في التظاهرات الأولى للتجمعات الفلسطينية الشعبية في مخيم اليرموك، والتي كانت ضدّ احتجاز النظام للرغبة الفلسطينية الشعبية بتحرير الأرض والعودة، وحينها أطلق النظام يد “أحمد جبريل” القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والموالي للنظام، لقمع تلك الاحتجاجات. وبعدها شارك الفلسطينيون في التظاهرات، كأفراد إلى جانب السوريين، وساهموا في تقديم الدعم والإغاثة، ومنهم من شارك في العمل المسلح ضمن كتائب الجيش الحر.

وبالتالي لم يتمكن الفلسطينيون من المشاركة في الثورة كتجمعات كبيرة، يمكنها ترسيخ المسألة الفلسطينية ضمن شعاراتها، وفضّلوا المشاركة إلى جانب السوريين، لإسقاط النظام بوصفه، كما بقية الديكتاتوريات العربية، معيقاً لحق الفلسطينيين في النضال للعودة إلى أرضهم.

تطبيع وانتهازية

تمّ تصفية الانتفاضة السورية بالعنف والتدمير والتهجير من قبل النظام، خاصة للكوادر الناشطة والمثقفة. أتمّت الفصائل الإسلامية، التي سيطرت على مناطق المعارضة بعد 2013، دور النظام في قمع ومصادرة الثورة. أمّا المعارضة التي في الخارج، أو بالأدق التي تعمل لمصلحة الدول الإقليمية والعظمى، أملاً في أن تعينَهم على إسقاط النظام، فكان دورها في المسألة الوطنية سلبياً، بل يمكن القول أنّ دورَها انتهازياً، حيث ظهر توجّهٌ لدى الكثير منها بقبول التطبيع مع إسرائيل، كما أسلفنا أعلاه، رغم الرفض الشعبي لذلك، بل هي تستغل الضعف الشعبي وحالة التشتت السوري، والإنهاك بسبب كثافة القتل، وكثافة عدد الجرحى والمعطوبين، والعدد الكبير الذي يعيش في ظروفٍ يرثى لها في مخيمات النزوح على الحدود، في الأردن ولبنان وتركيا، تستغل كلّ ذلك لتمرير ثقافة القبول بإسرائيل، وبعلاقات طبيعية معها. فتطمين إسرائيل بات ضرورياً بالنسبة لهؤلاء، أي المعارضين السوريين، حيث المحيط العربي يتوجّه إلى التطبيع معها، على مستوى الحكومات، وليس الشعوب.

في ضوء هذا الزخم من العلاقات المشبوهة مع إسرائيل، لاشك ان جميع كيانات المعارضة السياسية في الخارج، من “الائتلاف الوطني السوري” و”هيئة تنسيق الوطني” و”الهيئة العليا للمفاوضات” ومنصّات وتيّارات معنيّة بمناقشة ما يحدث، وإصدار مواقف نهائية، لا لبث فيها، تجاه قضية التعامل مع إسرائيل. وغير ذلك، قد يحملها البعض مسؤوليّة بعض الاطراف والقوى.

الأيديولوجيا والقضية

منذ إعلان وعد بلفور في 1917، كان الموقف العربي الشعبي الرافض له جلياً، واستمر كذلك مع إعلان قيام “دولة” إسرائيل العنصرية 1948، وإعلانها عن نواياها التوسّعيّة “من الفرات إلى النيل”، وقيامها بقضم الأراضي الفلسطينية، وتهجير أهلها، وتوسعها إلى الجولان السوري وجنوب لبنان والضفة الغربية وسيناء بعد 1967.

بدأت حينها تتشكل بذور مقاومات فلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، وتهافت الشبان العرب من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب للتطوع دفاعاً عن فلسطين. وتطورت تلك الحركات، وتحولت إلى قوىً سياسية وعسكرية فرضت نفسها وشروطها على الصراع العربي الإسرائيلي.

حينها كان الشعور القومي العربي والشعبي في أقصاه، وصعود الرغبة القومية العربية للتمسك بالهوية الوطنية التي رافقت حركات التحرر العربية ضد الاستعمار الغربي. كانت تلك الرغبة العربية العفوية بتحقيق التحرر والتقدم وطنية النوايا وغير عنصرية، لكنها أيضاً حماسيّة وتفتقد إلى الخبرة السياسية، لذلك دعمت الأحزاب القومية الناشئة، وعلّقت آمالها عليها. هذه الأحزاب أدلجت القومية العربية، أي أطّرتها في وعيها السياسي، الذي بالضرورة يسعى إلى المشاركة في الحكم، أو استلامه.

طرح حزب “البعث” شعارات وطنية وتقدمية، واستفاد من الحماس الشعبي، خاصّة في مؤسسة الجيش، واستلم السلطة، وكان يمتلك كلّ مقوّمات الحفاظ عليها. الطبقة البرجوازية في المدن الكبرى، كانت “رثّة”، بسبب تبعيتها، وهو حالها في كل الدول العربية الكولونيالية، وبالتالي كانت عاجزة عن حمل المشروع الوطني أو القومي وتحرير الأرض وحل المسألة الزراعية وإشادة الثورة الصناعية، وتحقيق الاستقرار. حزب البعث تمكّن من حل بعض القضايا، وزرع في شعاراته القومية والاشتراكية الأمل في نفوس الشعب السوري، ذي الغالبية الريفية، في تحقيق الارتقاء والتقدم الاجتماعي عبر التوظيف والتعليم والطبابة المجانية، وكذلك في رفع شعار تحرير فلسطين، بوصفه حزباً عربياً.

انتهت الصراعات الداخلية ضمن الحزب بتولي الأسد للحكم، وإحكام سيطرته على الجيش وتفريغ شعارات البعث من مضامينها، وجعلها في خدمة بقائه في الحكم. ومن هنا استفاد من الاجتياح الإسرائيلي للجولان عام 1967. وفي 1973 شن “حرب تشرين التحريرية”، التي وضعت تسويةً نهائية للصراع. ليتوقف نشاط السوريين ضد إسرائيل، ويتحول إلى شعارات تتجسّد بإظهار الولاء للنظام باعتباره “المقاوم” و “الممانع”. وبذلك “احتجز” النظام السوريين، والفلسطينيين المقيمين في سوريا، ومنع عنهم أي محاولة للنضال ضدّ إسرائيل، بل وتدخّل في لبنان، وضرب المقاومة الفلسطينية، فيما عرف بمجزرة “تل الزعتر”.

الحركات المتطرفة وإسرائيل

المنطق الجهادي عدميّ، أي لا يفهم الصراع إلا بأنّه إفناء للآخر، الكافر بالضرورة، وبالتالي هو لا يحمل تصوّراً واضحاً لأهداف صراعه مع الكيان الإسرائيلي، سوى بإلغاء أي تواجد لليهود الإسرائيليين عن أرض فلسطين، أي مقابلة العنصرية بمثلها، وإقامة حكمها الخاصّ تحت مسمّى تطبيق الشريعة. حماس أقامت سلطتها الدينية القمعية في غزة، وعزّزتها بحجة أنها تقاوم إسرائيل، وهي إلى جانب مثيلاتها، الجهاد الإسلامي وكتائب عز الدين القسام، لا تفعل غير إطلاق صواريخ عشوائية، قد تقتل مدنيين من دون أن تحقق أهدافاً سياسية كبيرة. حزب الله في لبنان فعل المثل، لكن لمصلحة تعزيز نفوذه في لبنان على الصعيد المحلّي، وهو ليس إلا أداة بيد إيران، تحت مسمّى المرجعية الدينية، تضغط على إسرائيل لتحقيق بعض النفوذ في المنطقة، وإيران غير معنية بحل الصراع العربي الإسرائيلي، بل معنية باستغلاله فقط لتحقيق أطماعها التوسعية الطائفية.

رفض التطبيع

مشكلتنا مع إسرائيل أنها محتلّة للأراضي الفلسطينية، وأنها دولة عنصرية لليهود، ولها أطماع توسعيّة مُعلنة، وهي ماضية في إنشاء المزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية؛ هكذا هي الإيديولوجيا التي أُنشِئَت على أساسها، وبالتالي هي لن تعترف بحقوق الفلسطينيين، وتريد من دول المنطقة الاعتراف بها وقبولها، والقبول بتهويد القدس. وما تقوم به الحكومات العربية من سياسات التطبيع معها هو أمر لا يقبله عقل أو منطق.

وبالتالي حرية الشعوب العربية من براثن الديكتاتوريات، هو الخطوة الأولى الممكنة الآن، ولن يتحقق الاستقرار والتقدم في المنطقة دون حلّ مسألة الصراع مع إسرائيل. والحل ليس على طريقة الحكومات او الذين يريدون التطبيع معها، وليس على طريقة الجهاديين الذي يريدون إفناء من فيها. الأمر يحتاج إلى نضال منظم، ومقاومة حقيقية تطرح فكرة حلّ الدولتين أولاً، وفي المرحلة اللاحقة إقامة دولة فلسطينية على أساس المواطنة، تضم العرب واليهود.