سوريا 2017: «تجميد» القتال وتلاشي «داعش» بانتظار الحل الروسي

سوريا 2017: «تجميد» القتال وتلاشي «داعش» بانتظار الحل الروسي

الجنوب السوري

“إذا كانت سنة 2016 انتهت بتوقيع أولي لمذكرة «خفض التصعيد» بين الضامنين الثلاثة، روسيا وتركيا وإيران، ومذكرة أخرى روسية – أميركية – أردنية، فإن 2017 تنتهي بترجمة عملية لذلك بحيث جرى «تجميد» الصراع بين قوات النظام السوري والمعارضة، وتركيز القتال ضد «داعش»، ما أدى إلى دحر التنظيم في معقله بالرقة على أيدي «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية المدعومة من التحالف الدولي، وفي دير الزور بأيدي قوات النظام وحلفائها بدعم من روسيا. سوريا تقف حالياً على مفترق طرق بين التعايش مع مرض عضال اسمه اللااستقرار، أو تلمس احتمالات تؤسس أركان حل مستدام.

تعتقد واشنطن أنها حققت اختراقاً بموافقة موسكو خلال اتفاق بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في هامبورغ في يوليو (تموز) الماضي على «عدم وجود قوات غير سورية» في مناطق «هدنة الجنوب» السوري في درعا والقنيطرة والسويداء، ما يعني إبعاد تنظيمات تدعمها إيران و«حزب الله» عن حدود الأردن وخط فك الاشتباك في الجولان، مقابل قناعة موسكو بأنها جلبت واشنطن إلى التعاون العسكري بين الجيشين، رغم التوتر الكبير بينهما. تضمن اتفاق «هدنة الجنوب» تأسيس مركز رقابة في عمان، واحتفاظ المعارضة بسلاحها الثقيل والخفيف، وتحديد خطوط القتال، وبدء تبادل تجاري مع مناطق النظام، وتشكيل مجلس محلي معارض، واحتمال عودة اللاجئين من الأردن أو نازحين قرب الحدود.

وبعد مرور أشهر، لم تنفذ روسيا بنود الاتفاق. وعلى هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في دانانغ في فيتنام، توصل وزيرا الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون والروسي سيرغي لافروف إلى اتفاق أعلن باسم الرئيسين ترامب وبوتين في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) تضمن عناصر، بينها أهمية «خفض التصعيد» في جنوب سوريا قرب حدود الأردن وإسرائيل باعتباره «خطوة مؤقتة» للحفاظ على وقف النار، وإيصال المساعدات الإنسانية. وإذ استعرض الاتفاق «التقدم» في هدنة جنوب غربي سوريا، بموجب اتفاق الرئيسين في هامبورغ في 8 يوليو، رحّبا بمذكرة تفاهم جديدة أميركية – روسية – أردنية وُقِعت في عمان في 8 من الشهر الحالي لتنفيذ اتفاق تموز.

وكان مخططاً أن تعزز هذه المذكرة نجاح مبادرة وقف النار لتشمل «الخفض والقضاء النهائي على وجود القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من المنطقة لضمان سلام أكثر استدامة»، في إشارة إلى عناصر الميلشيات الإيرانية و«حزب الله» المنتشرين بين دمشق وحدود الأردن والجولان المحتل. ومن المقرر أن يراقب مركز الرصد في عمان تنفيذ ذلك.

لكن احتمال التصعيد هنا يأتي من أن إسرائيل غير راضية عن نتائج الاتفاق، لأنه قيد حركة طائراتها في قصف أهداف لـ«حزب الله» أو تنظيمات إيرانية قرب الجولان أو جنوب البلاد، وقناعتها أن روسيا لن تستطيع تنفيذ إبعاد مجموعات إيران للانسحاب إلى «مسافة كافية»، ما يعني أنها ستلجأ إلى استئناف ضرباتها الجوية قرب دمشق ومناطق أخرى بين العاصمة السورية والجولان المحتل، ما يهدد بمواجهة لها بعد إقليمي ودولي.

الجيش الإسرائيلي أجرى في الفترة الأخيرة مناورات ضخمة قرب حدود سوريا. وأرسلت رسائل سرية وعلنية إلى موسكو بضرورة إبعاد «حزب الله» وإيران عن الحدود. ونشرت وسائل إعلام تقارير عن إقامة إيران قاعدة بين دمشق والجولان. وبعد الاتفاق الأميركي – الروسي، أعلن الإسرائيليون أنهم يريدون أن تبقى أيديهم حرة لضرب «أهداف إيرانية» في سوريا.

وسيكون هذا أحد عوامل التصعيد في سوريا، خصوصاً وسط تعزيز إيران وجودها والحديث عن إقامة قواعد عسكرية دائمة، ورهان أميركا على روسيا لـ«إضعاف» نفوذ إيران في سوريا، مقابل تلويح إسرائيل بالتصعيد والتعامل مع جنوب سوريا وجنوب لبنان على أنهما «جبهة واحدة». وتكرر القصف الإسرائيلي لمناطق قرب دمشق وسط مخاوف من توفر عوامل إقليمية لمواجهة.

هذا ليس التحدي الوحيد في الجنوب السوري، بل هناك أمران: الأول، اقتتال فصائل و«أمراء الحرب»: هناك حوالي 35 ألف مقاتل معارض كانت تدعمهم «غرفة العمليات العسكرية» بقيادة «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) سيكونون في نهاية العام من دون دعم ورواتب. وفي الوقت نفسه، مطلوب منهم أن يحاربوا تنظيمات موالية لـ«داعش» و«جبهة النصرة» في الجنوب. هذا فصل جديد من الصراع. قتال فصائل متشددة بدل قتال قوات النظام.

مطلوب من فصائل «الجيش الحر»، بموجب اتفاقات «خفض التصعيد»، أن تقاتل «داعش» وفكره عسكرياً وسياسياً، وتطرد «هيئة تحرير الشام» التي تضم «جبهة النصرة» بعد مهلة سماح، ما يعني احتمال حصول «اقتتال الإخوة» بين فصائل كانت تقاتل معاً ضد قوات النظام في مرات سابقة. ولا شك أن سيطرة فصائل على معبر الحدود بين سوريا والأردن وتراجع الدعم الخارجي، قد يؤدي إلى بروز دور «أمراء الحرب» جراء الحصول على ضرائب على خدمات وتجارة. وبرز تزامن بين قتال الفصائل لـ«النصرة» من جهة، وانسحاب تنظيمات محسوبة على إيران من جهة أخرى.

وفي غوطة دمشق المحاصرة، حيث تتفاقم المعاناة الإنسانية لمئات آلاف المدنيين، حيث تسود هدنة برعاية روسية – مصرية، يحصل أمر مشابه: اقتتال فصائل و«أمراء حرب». حصل الاقتتال سابقاً في الغوطة الشرقية لدمشق قبل أن ينضم «جيش الإسلام» إلى الهدنة في دوما ثم «فيلق الرحمن» في جوبر والغوطة الشرقية، لكن «هيئة تحرير الشام» لا تزال خارج الاتفاق. ونص اتفاق خفض التصعيد على «التزم الطرف الأول الجيش الحر منع وجود منتسبي هيئة تحرير الشام، في المناطق الخاضعة لسيطرته بمنطقة خفض التصعيد، ويشدد على موقفه الرافض لتنظيم داعش والنصرة، وفكرهما المتطرف في أي من مناطق سيطرته. في حال استعداد منتسبي جبهة النصرة للمغادرة مع أو من دون أسرهم إلى إدلب يتم توفير ضمانات للعبور الآمن من الطرف الثاني لهذا الاتفاق». وينطبق هذا على هدنة ريف حمص التي وقعت أيضاً برعاية روسية – مصرية.

هناك تحدٍ آخر يتمثل بهجوم قوات النظام، وهي مصممة على استعادة مناطق «خفض التصعيد» عندما تحين الفرصة ويأتي وقت ذلك، الأمر الذي عبر عنه وزير الخارجية وليد المعلم قبل أيام لدى تأكيده أن هذه المناطق «مؤقتة»، إذ لم تتغير خطة دمشق لـ«حل عسكري». هي تنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على مناطق المعارضة لـ«عودة الجميع إلى الدولة»، واعتبار «الهدنة فرصة للمصالحة مع الدولة». كما أن دمشق ترفض وجود مجالس محلية للمعارضة على عكس موقف موسكو ونصوص اتفاقات الهدنة. وظهرت أمس حشود في «مثلث الموت» بين أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة، إضافة إلى معارك عنيفة في بيت جن غرب دمشق وقصف ومعارك شرق المدينة.

كانت وزارة الدفاع الروسية نشرت نحو ألف عنصر من الشرطة العسكرية الروسية (الشيشان) في مناطق «خفض التصعيد». انتشر بعضهم في القنيطرة ودرعا وغوطة دمشق وريف حمص. هم يشكلون سداً حالياً أمام طموحات دمشق التي تفتقر إلى الموارد البشرية في القوات النظامية، لكن مع مرور الوقت وزيادة الثقة في دمشق، قد تتحدى هذه القوات خطوط التماس وترضخ روسيا لدمشق لجهة بسط سيطرة «سلطة الدولة» و«الحفاظ على وحدة سوريا بموجب نص القرار 2254».

إدلب بين فكين

في إدلب نحو مليوني مدني وأكثر من خمسين ألف مقاتل من فصائل إسلامية ومتشددة ومعتدلة، بينها أكثر من عشرة آلاف في «هيئة تحرير الشام». تعتقد واشنطن بوجود عشرة آلاف من «القاعدة» باعتبار أن «النصرة» جزء من «القاعدة». لكن أنقرة نجحت بالوصول مع موسكو إلى حلول وسط بضم إدلب الواقعة قرب الحدود التركية إلى اتفاق «خفض التصعيد». وقامت الخطة الروسية – التركية على نشر مراقبين عسكريين أتراك في 12 نقطة في ريفي حلب وإدلب لعزل «النصرة»، والسماح للمجالس المحلية والمدنية والفصائل المعارضة المعتدلة بالبقاء في إدلب.

لكن هناك حرباً أخرى ستظهر مع مرور الوقت. بدأ التوتر بين «هيئة تحرير الشام» وفصائل إسلامية أخرى، بل إن قتالاً دموياً قد يحصل في الفترة المقبلة، وكانت بوادره عندما حصل الصدام بين «حركة نور الدين الزنكي» و«هيئة تحرير الشام» في ريف حلب.

هناك أيضاً، حرب أخرى ممكنة. واضح، أن إيران تدفع قوات النظام وميلشيات مؤيدة له كي تحارب في إدلب. وأعلن علي أكبر ولايتي مستشار مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي لدى زيارته حلب أنه يجب الهجوم على إدلب والرقة. وكانت طهران ودمشق و«حزب الله» وضعوا خطة للهجوم على إدلب. موسكو منعت حصول ذلك، لكن إلى متى سيبقى الفيتو الروسي محترماً من دمشق وطهران؟

الجديد هو أنه بعد طرد «داعش» من دير الزور الشهر الماضي، تحولت قوات النظام بقيادة العميد سهيل الحسن الملقب بـ«النمر» إلى ريف حماة الشرقي للتوغل باتجاه إدلب، بالتزامن مع حشود غرب إدلب ما يضعها بين فكي كماشة.

أيضاً، تركيا أعلنت أن لديها أولوية بعدم قيام ممر بين عفرين مناطق «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تصفنها أنقرة على أنها تنظيم إرهابي، والبحر المتوسط، ومنع قيام إقليم كردي شمال سوريا وجنوب تركيا. لذلك، يتوقع أن تقوم بعض الفصائل السورية بقتال «الوحدات» الكردية في المرحلة المقبلة.

إدلب هي المنطقة الثانية، التي تقيمها تركيا بالتفاهم مع روسيا. كانت الأولى شمال حلب بدعم عملية «درع الفرات» حيث سيطرت فصائل المعارضة على حوالي ألفي كيلومتر مربع. وحالت منطقة «درع الفرات» دون ربط إقليمين أقامهما «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الذراع السياسية لـ«وحدات حماية الشعب»، هما الجزيرة وعين العرب (كوباني) وإقليم عفرين شمال حلب.

قلق كردي… وتركي

بعد هزيمة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم في شكل رئيسي «وحدات حماية الشعب» الكردية شمال شرقي سوريا، لتنظيم داعش في الرقة، وسيطرتها على مناطق شرق نهر الفرات ومناطق عفرين بمساحة تشكل ربع سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، يزداد القلق التركي لثلاثة أسباب: أولاً، بقاء السلاح الأميركي وغطاء التحالف الدولي بقيادة أميركا مع الأكراد. الثاني، اعتبار أكراد سوريا امتداداً لأكراد جنوب تركيا. الثالث، وجود كيان كردي سوري.

أنقرة ترى هذا مهدداً للأمن القومي التركي. هذا دفع إلى بدايات تنسيق بين إيران وتركيا ضد إقليم كردستان العراق، ومنع طموح رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى الاستقلال، وسيدفعهما إلى التنسيق ضد «غرب كردستان» (شمال سوريا) بما يشبه التنسيق الثلاثي الذي ضم أنقرة وطهران مع دمشق نهاية التسعينات ضد أكراد شمال العراق الذين حظوا بمنطقة حظر جوي.

أيضاً، رغم تطمينات واشنطن من أنه لا وعود سياسية لأكراد سوريا، وأن السلاح الأميركي والأوروبي سيُسحب من «وحدات الحماية» بعد القضاء على «داعش»، فإن الجيش التركي قد يجد نفسه مضطراً لتوسيع المواجهة ضد الأكراد والتوغل شمال سوريا، كما حصل قبل عقد في العراق. وتوقيع الرئيس ترمب قراراً تنفيذياً لتسليح «قوات سوريا الديمقراطية» بحوالي 400 مليون دولار، ورفع عددها من 25 إلى 30 ألفاً في منتصف ديسمبر (كانون الأول) زاد قلق أنقرة، خصوصاً أن ذلك جاء بعد وعود ترمب لنظيره التركي رجب طيب إردوغان بعدم تسليح الأكراد.

دمشق كانت غضت الطرف عن إنجازات الأكراد منذ منتصف 2012 لأنهم لم يكونوا أولوية. لكن مع مرور الوقت وزيادة الثقة وتراجع «الجيش الحر» يمكن فتح جبهة جديدة بين دمشق والأكراد، أو أن تغض دمشق الطرف عن ضربات يقوم بها الجيش التركي ضد الأكراد. حصل ذلك سابقاً في العراق قبل سنوات.

كما أن دمشق لم تقمْ بالكثير عندما دعم الجيش التركي فصائل «درع الفرات» لإقامة جيب بين حلب والحدود.

وكان مسؤولون في دمشق تحدثوا عن حرب مقبلة ضد الأكراد، بل إن نائب وزير الخارجية فيصل المقداد شبه «قوات سوريا الديمقراطية» بـ«داعش». وكرر مسؤولون إيرانيون هذا التهديد. واضح، أن العلاقة بين دمشق والأكراد تسير إما باتجاه التفاوض أو الحرب وانتهاء «زواج المصلحة» الذي كان قائماً منذ 2011، إذ إن قوات النظام لم تحارب «الاتحاد الديمقراطي» القريب من «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان، بحيث بات لديه نحو 70 ألف مقاتل وسلاح متطور من أميركا وأوروبا، بل إن دمشق ركزت على محاربة «الجيش السوري الحر».

كانت أميركا وروسيا تفاهمتا في مايو (أيار) على مناطق نفوذ، وجرى التأكيد على ذلك في اتفاق ترمب – بوتين في 11 نوفمبر. هناك الخط الساخن بين موسكو وواشنطن لمنع الاحتكاك شرق سوريا بين قوات النظام و«حزب الله» المدعومة من الجيش الروسي التي تقدمت نحو دير الزور من جهة، و«قوات سوريا الديمقراطية» التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا لتحرير الرقة وريفها من جهة أخرى. لكن مع تحرير الرقة ودير الزور يزداد الضغط الروسي لإخراج الأميركيين من الشرق. كما أن إيران التي ترى الوجود الأميركي معرقلاً لطموحاتها ستختبر الأميركيين بوسائل عدة.

يدرك «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الجناح السياسي لـ«الوحدات» أن واشنطن خانت أكراد العراق في السبعينات وشيعة العراق في التسعينات والعرب السنة في سوريا في السنوات الأخيرة. لذلك، لا يستبعد قياديون أكراد خيانة أميركية لأكراد سوريا بعد سنوات من القضاء على «داعش». بعض المسؤولين الأكراد يرى مصلحة في التروي في المعارك ضد بقايا «داعش» البالغ عددهم ثلاثة آلاف عنصر، لتكريس الوجود العسكري على الأرض في فيدرالية شمال سوريا، في حين يُهيئ مسؤولون أكراد آخرون أنفسهم لـ«معركة كبرى» أو مواجهة ضد قوات النظام السوري أو العشائر العربية التي يمكن أن تقوم بثورة ضد «قوات سوريا الديمقراطية» التي تهيمن عليها «الوحدات» الكردية شرق نهر الفرات. ويراهن مسؤولون أكراد على تعزيز العلاقة مع روسيا. البداية كانت بلقاءات بين قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية سبان حمو ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ثم تشكيل غرفة عمليات مشتركة في دير الزور.

هناك أيضاً عامل آخر. المواجهة ممكنة، خصوصاً أن إيران تريد اختبار مدى التصميم الأميركي لإدارة ترمب عسكرياً لتقليص النفوذ الإيراني وقطع طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، سواء بالتمدد شمال قاعدة التنف الأميركية شرق سوريا باتجاه البوكمال، وتشجيع فصائل في «الحشد الشعبي» العراقي للتوغل شرق سوريا، ما يفسح المجال لاحتمال مواجهة مع «قوات سوريا الديمقراطية»، أو تفككها عرباً وأكراداً بعد فترة على استقرار مؤقت في هذه المنطقة المحررة من «داعش». إلى الآن، استوعب الطرفان الواقع وشكلا تنسيقاً بين «الحشد» و«سوريا الديمقراطية».

«سوريا المفيدة» ميليشيات وجيش

في مناطق قوات النظام التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية، باعتبار أن الغاز والنفط شرق البلاد تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» وحلفاء أميركا، بات موضوع إعادة الإعمار بمثابة «معركة» بسبب رفض دول غربية دعم ذلك دون حل سياسي مقبول، وغياب القدرة المالية لحلفاء النظام في روسيا وإيران لتعويض كلفة الدمار التي تتجاوز 220 مليار دولار أميركي. وكان لافتاً أن مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرينييف قدر كلفة الدمار بـ400 مليار دولار أميركي.

في المقابل، أعلنت 18 دولة في اجتماع بقيادة أميركية عقد في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي أنها لن تشارك في إعمار سوريا، ما لم يحصل حل سياسي ذو صدقية بناء على تنفيذ القرار 2254.

هذا سيؤدي إلى مشاكل كبرى في مناطق النظام. هناك أيضاً، بوادر معارك أخرى بين «أمراء الحرب» ورجال الأعمال الجدد الذي برزوا في اقتصاد الحرب، ويتنافسون على حصة في مستقبل البلاد التي زادت فيها معدلات الجريمة والفساد، وتراجعت الكفاية الإدارية وسلسلة ترابط السلطة.

لكن الحروب الأخرى المحتملة، هي بين ميليشيات تابعة لإيران تضم عناصر سوريين وأجانب يدينون بالولاء لطهران، ويقدر عددهم من السوريين والأجانب بنحو 70 ألف عنصر، وبين قوات النظام التي تضم الجيش وقوات تحاول روسيا الحفاظ عليها، عبر تشكيل ميليشيات تابعة لروسيا والقاعدتين الروسيتين في اللاذقية وطرطوس لموازنة النفوذ الإيراني. وكان قرار موسكو تشكيل «الفيلق الخامس» ضمن هذا السياق، خصوصاً أن قرار الرئيس بوتين عدم إرسال قوات برية والاكتفاء بالقوة الجوية ومراقبين من الشيشان، يعني اعتماد موسكو على الميليشيات التابعة لطهران، وزيادة الاحتقان بين الميليشيات الشيعة والغالبية السنية في سوريا، ما لم تؤسس موسكو ميلشياتها الخاصة في سوريا.

ويجب عدم نسيان التوتر الطائفي الموجود خصوصاً في دمشق، وبين العاصمة السورية وحدود لبنان ومناطق «حزب الله» حليف طهران في لبنان، بسبب زيادة وجود ميلشيات تابعة لإيران تتصرف على أساس طائفي وسط مساع إيرانية لإجراءات تغييرات ديموغرافية غير مقبولة من شريحة واسعة من السنة.

المسار السياسي

الاتفاق بين ترمب وبوتين في نوفمبر (تشرين الثاني)، تضمن التعاون بين جيشي البلدين لـ«محاربة الإرهاب» وهزيمة تنظيم داعش والحفاظ على اتفاق «منع الصدام» بين الطرفين، وسحب الميلشيات الإيرانية من الجنوب. كما أن بيان تيلرسون في يوليو كان بمثابة تسليم غرب سوريا إلى روسيا، لكن هذا ليس كافياً لسوريا والسوريين. لا بد من التركيز على البند الثالث في الاتفاق الأميركي – الروسي المتعلق بتنفيذ القرار 2254، إذ تضمن الاتفاق أن ترمب وبوتين «أخذا علماً بالتزام الرئيس الأسد بعملية جنيف والإصلاح الدستوري والانتخابات على النحو المطلوب بموجب قرار مجلس الأمن 2254».

وتابع البيان أن الرئيسين «يعتبران أن هذه الخطوات يجب أن تشمل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254، بما في ذلك الإصلاح الدستوري والانتخابات الحرة والنزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقاً لأعلى معايير الشفافية الدوليــــة، بمشاركة جميع السوريين، بمن فيهم أعضــــــاء الشـتات، المؤهلون للمشاركة».

هذا الاتفاق الجديد يتضمن تراجعاً إضافياً في موقف واشنطن من النظام السوري. التنازل الأول، كان بعد إطلاق عملية فيينا وتأسيس «المجموعة الدولية لدعم سوريا» من أكثر من عشرين دولة إقليمية وغربية برئاسة أميركية – روسية، ذلك بعد أسابيع على التدخل العسكري الروسي المباشر في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015. وقتذاك، تراجع الاهتمام بـ«بيان جنيف» للعام 2012، ونص على تشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة» إلى إقرار القرار 2254، ونص على ثلاثة بنود: تشكيل «حكم تمثيلي وغير طائفي»، وإقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات.

الاتفاق الأميركي الجديد يتحدث عن «إصلاح دستوري» أي الإبقاء على الدستور الحالي للعام 2012، وجرى الاستفتاء عليه في ظل الحرب، وبغياب نحو ستة ملايين لاجئ سوري وسبعة ملايين نازح داخل البلاد. كما لم يشر الاتفاق إلى إجراء انتخابات رئاسية، بل كان فيه إقرار لموقف الرئيس الأسد عندما قال بعد لقائه لافرينييف في أكتوبر (تشرين الأول) بالموافقة على «تعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية».

لكن الأمر المهم في الاتفاق، موافقة واشنطن على دعم عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة. إدارة ترمب كانت خارج مسار عملية آستانة لاعتراضها على حضور إيران كـ«ضامن». وشاركت بصفة مراقب، لكن واضحاً أن الإدارة الأميركية باتت أكثر اهتماماً بإطلاق عملية جنيف، خصوصاً مع اقتراب انتهاء «داعش» شرق سوريا. لكن هذا يتطلب سلسلة من الخطوات. لا بد من رعاية أميركية – روسية، وعزم سياسي وراء المفاوضات السياسية، ولا بد من مشاركة الدول الإقليمية الرئيسية بحيث يجري الضغط على النظام والمعارضة للوصول إلى تفاهمات واتفاقات سياسية تتضمن «المشاركة السياسية» ووحدة سوريا.

لا شك أن إطلاق عملية سياسية تجمع بين مقاربتين «من تحت إلى فوق» ومن «فوق إلى تحت» سيكون أمراً مهماً. بمعنى، أن المجالس المحلية التي ظهرت في مناطق «خفض التصعيد» الأربع، وفي المناطق التي حررت من «داعش» يجب أن تكون مشاركة في العملية السياسية. أيضاً، لا بد من مشاركة القوى السياسية المعارضة في مفاوضات مع النظام، للبحث عن حل سياسي وعسكري في دمشق. هنا يبدو نموذج اللامركزية مفيداً لسوريا المستقبل: أقصى حد من السلطات للمجالس المحلية لكن من دون الوصول إلى التقسيم. والمهم، أن تكون المجالس المحلية قائمة على مناطق جغرافية، وليس ديموغرافية، ذلك التزاماً ببنود القرار 2254 الذي يؤكد على وحدة سوريا.

وهنا، باعتبار أن هناك عشرات آلاف المقاتلين في صفوف المعارضة والنظام، لا بد من البحث عن تشكيل مجلس عسكري مشترك يؤدي تدريجياً إلى التنسيق بين المقاتلين، وإصلاح أجهزة الأمن والجيش على أمر بدء برنامج زمني لنزع سلاح الميلشيات وخروج المقاتلين الأجانب من سوريا.

إن إطلاق عملية مضبوطة ومتدرجة تتضمن بعدين سياسي وعسكري، سيؤدي إلى إعادة تجميع مناطق «خفض التصعيد» كي لا تكون «مناطق نفوذ» لدول الخارج، بل أن تكون جزءاً من سوريا. أيضا، هذا يؤدي إلى توفير شروط العمل السياسي والبيئة الحيادية، كي يقرر السوريون مصيرهم، وأن تكون العملية السياسية «بقيادة سوريا وملكية سوريا»، كما نص القرار 2254. لاشك أن حلاً كهذا سيؤدي إلى إقدام دول أوروبية وأميركا ودول الخليج وحلفاء النظام على المشاركة في إعمار سوريا وتوفير الـ220 مليار دولار المطلوبة لإعمار البلاد.

تبدأ سنة 2018، باجتماعين. الأول، مفاوضات جنيف في 21 يناير (كانون الثاني). الثاني، مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي يومي 29 و30 يناير. موسكو تضغط على المعارضة كي تحضر سوتشي بشروط موسكو وقبول الرئيس الأسد واقتصار الحديث عن تشكيل لجنة دستورية كي يشكل هذا نصراً كبيراً لبوتين قبل انتخاباته في 28 مارس (آذار) للبناء على لقـــــاءيه الأسد في سوتشي وحميميم الأسابيع الماضية، ولقــــــائه (بوتين) مع نظيريه التركي والإيراني في نوفمبر. في المقابل، تضــــغط الأمــــم المتحدة لتكامل بين جنيف وسوتشي لإطلاق عملية سياسية بموجب 2254.

ستكون السنة المقبلة مفصلية لتحديد ما إذا كانت سوريا ستمضي باتجاه «الحل الروسي» أو «الحل السوري» لتحديد مستقبل البلاد في العقود المقبلة.”

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

العائدون إلى الرقة ينفضون الغبار عن مدينتهم… الغريبة

العائدون إلى الرقة ينفضون الغبار عن مدينتهم… الغريبة

“يجهز علي الحمد (42 سنة) وزوجته أميرة أغراضهما القليلة المتناثرة في خيمتهما بمخيم عين عيسى الواقع على بعد 50 كيلومتراً، شمال غربي مدينة الرقة. العائلة الصغيرة المؤلفة من أب وأم وثلاث بنات قررت أخيراً العودة إلى منزلها في حي المشلب، بعد سماعهم نبأ السماح بعودة المدنيين بُعيد تنظيفه من الألغام.

رافقت صحيفة «الشرق الأوسط» رحلة عائلة علي. وأثناء نقل الحقائب إلى السيارة الخاصة التي أقلتهم إلى الرقة، كانت دقات قلوبهم تسبقهم إلى طريق العودة، تاركين وراءهم ذكريات النزوح القاسية في المخيم الذي قضوا فيه قرابة ستة أشهر بانتظار هذه اللحظة، وينقل علي مشاعره المختلطة بالقول: «شعور فرح ممزوج بالخوف، قطعنا رحلنا طويلة حتى هربنا من نيران الحرب، أما اليوم أخشى أن تكون تلك النيران طالت منزلي».

في الطريق، وعندما وصلوا إلى مدخل الرقة الشرقي، أوقفتهم نقطة تفتيش تابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، ودققت في الأسماء والهويات ليسمح لهم بعدها بالعبور إلى حي المشلب الذي يُعتبر علي واحداً من سكانه، ويضيف: «سمعنا أن سكان الأحياء المسموح لهم بالعودة هم المشلب والطيار والجزرة، أما باقي المناطق يُمنع دخولها لأن فرق نزع الألغام لم تنتهِ بعدُ من عملها».

في الطريق بدت أطراف الرقة أقل تضرراً. المعارك التي استمرت نحو أربعة أشهر بين يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول) العام الحالي، تركزت في مركز المدينة، أما حي المشلب الواقع في الجهة الشرقية للرقة كان من بين أول الأحياء التي تحررت من قبضة تنظيم «داعش»، على يد «قوات سوريا الديمقراطية»، بدعم وغطاء جوي من طيران التحالف الدولي بقيادة أميركا، الأمر الذي بعث تفاؤلاً عند علي وزوجته.

في مدخل الحي ارتسمت علامات الراحة على وجوههم، بعد مشاهدة كثير من المنازل والمحال التجارية التي سلمت من القصف ولم تتعرض للدمار، وكان عدد صغير من الأطفال يتراكضون في ساحة الحي، يمشي بجوارهم عدد من المدنيين الذين انشغلوا بتفقد ممتلكاتهم.

وصلت العائلة إلى المنزل وعند إدخال المفتاح في قفل الباب لم تصدق المشهد، فقد نجا المنزل من القصف، والشارع لم يتضرر كثيراً، ويصف علي لحظات فرحه قائلاً: «الحمد لله البيت على حاله، زجاج الشباك والأبواب تعرض للكسر جراء ضغط الانفجارات، لكن كل شيء على ما يرام»، فيما نقلت زوجته أميرة أنها لا تعطي فرحتها لأحد، وقالت ودموع الفرح تنهمر من عينيها: «كان حلماً أن نرجع للبيت، وإنّ شاء الله كل أهالي الرقة يرجعون بسلام وأمان».

طمأنينة وأمان!

عاد المئات من المدنيين إلى أحياء الرقة بعد الانتهاء من عمليات نزع الألغام وتمشيط المنازل والمحال التجارية، ليكونوا أول دفعة من السكان العائدين إلى المدينة، وبحسب مجلس الرقة المدني يُقدر عدد العائدين بنحو 4 آلاف شخص غالبيتهم من المشلب.

وعلى غرار علي، ينتظر النازحون في مخيم عين عيسى أن يتمكنوا من العودة إلى مدينتهم في أقرب وقت ممكن، وأكد جلال العياف مدير مخيم عين عيسى، أنّ «عشرات من نازحي الرقة يعودون يومياً إلى مناطقهم، بالأخص المناطق الواقعة في محيط الرقة والمزارع المجاورة».

وتمكنت «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم قوات عربية وكردية ومسيحية في 17 أكتوبر، من طرد عناصر تنظيم «داعش» المتشدد من الرقة إلى بادية الفرات والمناطق الحدودية مع العراق.

وعبر كثير من أبناء حي المشلب عن فرحة مشوبة بالحذر، لأن إعادة الاستقرار والأمن إلى المناطق التي تخرج عن سيطرة «داعش» ونشر الطمأنينة والسلام بين الأهالي، تتوقف إلى حد بعيد على انضباط قوات الأمن الداخلي من جهة، ومدى قدرتها على الدفاع عن هذه المناطق من جهة ثانية، إلى جانب وجود إدارة مدنية تحظى بقبول أبنائها.

وتسلم مجلس الرقة المدني وجهاز الأمن الداخلي، في 20 من الشهر الحالي، إدارة المشلب إلى جانب حي الجزرة والطيار رسمياً من «قوات سوريا الديمقراطية»، ولدى لقائها مع صحيفة «الشرق الأوسط»، قالت المهندسة ليلى مصطفى رئيسة المجلس، إنّ «القوات ومنذ إعلان تحرير الرقة الشهر الماضي من التنظيم الإرهابي، تعهدت بتسليمها لمجلس الرقة المدني، وسوف تتحمل قوات الأمن الداخلي مسؤولية الحفاظ على الأمن العام وإعادة الطمأنينة بين الأهالي».

وبحسب رئيسة المجلس، «قامت لجنة الخدمات بأولى أعمالها في حي المشلب والجزرة والطيار، من خلال تنظيف وإزالة السواتر الترابية ورفع الأنقاض والقمامة المتراكمة في الشوارع ليتم نقلها إلى خارج المدينة في مكان مخصص لها».

وتتوقع ليلى مصطفى أن يتطلب تنظيف الرقة وإعادة إعمارها جهوداً ضخمة، وشهوراً عدة قبل أن تعود الحياة الطبيعية إلى شوارعها.

بدوره، أشار عمر علوش رئيس لجنة العلاقات في مجلس الرقة المدني، إلى أن المجلس يعمل خلال الفترة المقبلة على إعادة هيكليته من خلال تشكيل مجلسين: مجلس تشريعي وثانٍ تنفيذي لإدارة الرقة، وأوضح: «منذ بداية تشكيل المجلس بشهر أبريل (نيسان) الماضي، ورد في البيان التأسيسي أنه ستتم إعادة هيكلة المجلس بعد تحرير الرقة، لأن القسم الأكبر من أهالي المدينة لم يشاركوا في التأسيس كونها كانت محتلة من قبل تنظيم داعش المتطرف».

مهمات وتحديات

قدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، إلى مجلس الرقة المدني آليات ثقيلة على أربع دفعات بلغ عددها حتى اليوم نحو 50 سيارة وصهريجاً لنقل مياه الشرب، بهدف بدء العمل داخل شوارع الرقة وإزالة أكوام الركام من جميع أحياء المدينة وتنظيفها، الأمر الذي سيُسهِم في تسريع عودة الأهالي إلى منازلهم.

ويشرح المحامي إبراهيم الحسن رئيس لجنة إعادة الإعمار في مجلس الرقة، عمل اللجنة، وأنها نقوم حالياً بتأهيل البنية التحتية من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، ويقول: «عندما يتم الانتهاء من هذه الأحياء الثلاثة سيتم نقل جميع الآليات إلى مركز المدينة لتنظيف الشوارع التي انتهت فيها عمليات إزالة الألغام ليصار إلى عودة المدنيين إليها». وتقوم خطة المجلس المدني على فتح الشوارع الرئيسية وعددها 23 شارعاً، ثم الانتقال إلى المداخل الخارجية وعددها 10، ولقد حددت لجنة الخدامات مكبين لتجميع الركام والأنقاض، مكبّاً في المدخل الشرقي والثاني في الجهة الغربية، وكانت قبل الحرب مخصصة لرمي النفايات والقمامة، وحددت الخطة جدول زمنيي مدته 45 يوماً للانتهاء من فتح الشوارع، بينما أردف إبراهيم الحسن بالقول: «بتصوري الشخصي سنحتاج إلى 3 أشهر كحد أدنى حتى تفتح الشوارع والمداخل الرئيسية ليتمكن الأهالي من العودة إلى منازلهم».

ويعم الدمار مدينة الرقة بالكامل، ما يجعل من الصعب التعرف على معالمها، لكن من الممكن تحديد بعض الأماكن من خلال لافتة تشير إلى عيادة طبيب، أو بقايا قماش وآلات حياكة في متجر.

وتغيب المياه عن الرقة منذ أشهر عدة، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الآبار للاستخدام قبل بدء الهجوم الأخير على المدينة في يونيو الماضي، ويشرح المهندس ياسر الخلف من لجنة المياه، أنّ الورش الفنية قامت بإصلاح المضخة الجنوبية لإعادة المياه إلى قرية الحمرات وحي المشلب، وقال: «حالياً ستعمل شبكة المياه في الأحياء الثلاثة من 5 إلى 6 ساعات يومياً، وخلال الأيام سنستمر في إصلاح الخطوط المكسورة»، منوهاً بوجود كثير من الخطوط المتضررة داخل المدينة.

أما لجنة الأفران والمطاحن التابعة لمجلس المدني قامت بتشغيل ثلاثة أفران آلية: فرن السباهية وفرن حاوي الهوى وفرن المشلب، وتنتج يومياً نحو عشرة آلاف ربطة خبز توزع مجاناً على الأحياء التي عاد إليها سكانها ومخيمات النازحين.

ولفت صبري محمد رئيس لجنة الأفران أنّ هذه الأفران تستهلك نحو 70 طناً من مادة الطحين. وقال: «تم اتخاذ عدة خطوات لتلبية حاجات الأهالي ريثما يتم تأهيل الأفران المركزية في المدينة»، وشدد على أنّ مجلس الرقة يدعم مادة الخبز ويتحمل جميع النفقات المالية، مشيراً: «يتم توزيعها عن طريق مندوبي الحي الذين تم اختيارهم من قبل المجالس المحلية التي تشكلت فور عودة المدنيين».

رعب وذكريات

في ساحة دوار النعيم وسط الرقة، علقت شاشة تلفاز سوداء اللون يقابلها مجموعة من المقاعد في مشهدٍ أشبه بدور السينما. بحسب أهالي المنطقة كانت هذه الشاشة تعرض نوعاً مختلفاً من الأفلام ليس كوميدية أو درامية، بل كانت تعرض مشاهد لقطع الرؤوس وجز الرقاب ومقاطع دعائية خاصة بتنظيم داعش المتطرف.

وعلى مسافة قريبة من الشاشة، يبدو أن التنظيم قد حول غرفة صغيرة إلى نقطة إعلامية، ونقل عدداً من سكان دوار النعيم أنه كان يقف مقاتل من التنظيم في شباك التذاكر ويقوم بتوزيع حافظات الذاكرة (فلاشات) بالمجان، المفاجأة الصادمة أنها كانت تحوي إصدارات التنظيم الأكثر دموية، وبحسب هؤلاء السكان كان كثير من الشبان «الفضوليين» في مقتبل العمر يتوافدون لأخذها والتفرج على محتواها.

ومنذ سيطرته على مدينة الرقة في شهر يناير (كانون الثاني) 2014، بعد معارك عنيفة مع مقاتلي المعارضة الذين كانوا قد استولوا عليها من النظام في شهر مارس (آذار) 2013، عمد تنظيم داعش إلى بثّ الشعور بالرعب من خلال نشر صور وأفلام مروعة، مثل مشاهد حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً بشهر فبراير (شباط) 2015، وتعليق رؤوس جثث عشرات الجنود السوريين – أشباه عراة – الذين أُسِروا في مطار الطبقة العسكري في يوليو (تموز) 2014، وتصفية عشرات المواطنين الأجانب من صحافيين وعاملين في منظمات إغاثة.

يروي منصور (45 سنة) وهو من سكان حي النعيم، ويعمل اليوم حارساً في المنطقة، أنه كان شاهداً على بداية سيطرة التنظيم على مسقط رأسه، ليقول: «مشهد الدبابة العسكرية التي دخلت دوار النعيم وقامت باستعراض عسكري لن أنساه مهما حييت، يوم ذاك كنت واقفاً على شرفة منزلي المطل على الساحة، لأشاهد بعدها أبشع جرائم التنظيم من قطع الرؤوس والأيدي والأحكام القاسية التي كان ينفذها».

ويضيف أنّ مسلحي التنظيم أصبحوا أكثر عدوانيةً في تعاملهم مع السكان المحليين، حيث توقفوا في مرحلة ما عن إرسال الجرافات والشاحنات لإزالة حطام المباني المهدمة، وإنقاذ حياة المدنيين المطمورين تحت الركام بحجة القتال، لكنهم كانوا يخشون من قصف الطيران. بيد أنّ الملعب البلدي في الرقة، الذي يقع في مركز المدينة، تحول لأحد أبرز معالم التنظيم رعباً، بعدما اتخذه سجناً لتنفيذ أحكامه وعقوباته المشددة على كل من يعارضه أو مقاتليه الذين كانوا يخالفون قوانينه وتشريعاته.

وافتتح الملعب سنة 2006، وكان مخصصاً لمباريات وتدريبات نادي الشباب في الدوري السوري، وبعد سيطرة «داعش» على الرقة تعددت أسماؤه، إذ كان يسمى بـ«الملعب الأسود»، في إشارة إلى الحقبة السوداء التي مارسها متطرفي التنظيم، كما كان يطلق عليه (النقطة الأمنية رقم 11)، ويرجح عدد من سكان المنطقة إلى وجود 10 نقاط سرية ثانية كانت مخصصة للاحتجاز آنذاك، وبني عناصر التنظيم سجن كبير تحت الملعب، قسموه إلى مهاجع ومنفردات واخترعوا أبشع وسائل التعذيب.

شهادة ناجٍ من قبضة «داعش»

تُعدّ مرحلة الاستقبال داخل سجون «داعش» هي الأسوأ على الإطلاق حسب شهادات ناجي منها، حيث يقف المعتقل معصوب العينين ومكبّل اليدين أياماً قد تصل إلى أسابيع دون ماء أو طعام إلا في أوقات الصلاة.

يروي المحامي فيصل (38 سنة) الذي سُجِن مدة شهرين في الملعب الأسود، صيف عام 2015، أنه تردد في إحدى المرات على مقهى إنترنت لإجراء مكالمة مع قريب له لاجئ في إحدى الدول الأوروبية، سرعان ما دخلت دورية تابعة لـ«جهاز الحسبة»، والأخيرة كانت معروفة بالشرطة المحلية لدى التنظيم، واقتادوه إلى السجن بتهمة التخابر مع جهات معادية للتنظيم.

يقول فيصل: «أساليب التعذيب لدى (داعش) تبدأ بالضرب المبرح دونما شفقة، حتى إنهم كانوا يستخدمون وسيلة (البلنكو) وهي عبارة عن قطعة حديد مخصصة عادةً لحمل محركات السيارات، لكن في السجن كان لها استخدام آخر حيث يرفع السجين من يديه المكبلتين ليفقد توازنه ويبقى في هذه الحالة لساعات حتى يفقد وعيه».

وبعد طرد عناصر تنظيم داعش من مدينة الرقة قبل شهر، تمكن المحامي من دخول سجن الملعب الأسود، ويصف مشاعره المشوشة: «عندما أدخلوني إلى قبو الملعب، غالبتني روائح الموت والصوت الوحيد المسموع كان آهات المعذبين وصراخ السجانين، المحقق آنذاك قال لي: لماذا لا أعلم إن الاتصال الخارجي ممنوع؟! وهذه كانت تهمتي».

وقال ع. ع، وهو قيادي «داعشي» ينحدر من دولة المغرب وكان يشغل أمير الحدود في التنظيم، ومسجون حالياً لدى قوات سوريا الديمقراطية، في حديث سابق مع صحيفة «الشرق الأوسط»، إنّ التنظيم «كان يسجن عناصره الذي يرتكبون المخالفات، أو ممن لا ينفذون أوامر قادتهم العسكريين، أما بالنسبة للإعدامات الميدانية كانت تتم بشكل شبه يومي، كما اشتهر بوسائل التعذيب الشديدة كوضع السجين في أقفاص لأيام أو ربطه من يديه لساعات».

ولا تزال كثير من كتابات التنظيم منتشرة على جدران المنازل والمرافق العامة في الرقة، لتذكير أبنائها بحقبة سوداء قضوها في ظل «خلافتهم الإسلامية» كما زعموا، فكانت العبارات المكتوبة تحاول تعزيز مفهوم «داعش» في نفوس الأطفال والمراهقين عن طريق عبارات تبشرهم بالجنة، وتوهمهم بوعود كاذبة، وتحذر النساء بضرورة التقيد باللباس الشرعي، وتحض الشباب والرجال على «الجهاد» والالتحاق بصفوف التنظيم.

تغيّر معالم الرقة

بدت آثار الدمار وحدها طاغيةً على شوارع وأزقة الرقة التي أصبحت مكسوة بالحطام، إلا أن الجرافات شقّت طريقها وسط تلك الشوارع، في حين لا توجد أي علامات لحياة داخل المدينة، سوى تجول بعض المقاتلين العسكريين من «قوات سوريا الديمقراطية»، وقد كانوا يتناوبون على حراستها، أما الأصوات الوحيدة التي كانت تُسمَع فهي أصوات انفجار العبوات التي تفككها فرق إزالة الألغام.

وباتت الرقة مدينة خاوية على عروشها، لم يتبقَّ منها سوى الأطلال وآثار الدمار، إذ إن الخراب يحيط بها من كل جانب، بدءاً من سور بغداد الذي ظلّ شاهداً على سنوات حكم التنظيم المتشدد مروراً بمتحف الرقة الذي قام عناصر «داعش» بسرقة محتوياته بالكامل دون الاكتراث بالقيمة التاريخية الخاصة بمقتنياته، بالإضافة إلى ساحة الساعة التي باتت مدمرة بالكامل بعدما شهدت أولى الإعدامات الميدانية المريعة من قبل عناصر التنظيم بداية حكمه. أما «سوق الرقة القديم» و«السوق المسقوف» الذي كان يعج بالمحال التجارية وأهم العلامات التجارية الخاصة ببيع العباءات وأطقم الجلسات العربية، فقد دُمِّر تماماً وأصبح ركاماً بعد نهب محتوياته.

ويروي محمود (50 سنة) الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة، كيف كانت الرقة سابقاً قبل العام 2011، فعندما كانت تدخل سيارته إلى «السوق القديم» تستغرق رحلته الشاقة ساعة لاجتيازه، أما اليوم يبدوا أن معالم المكان تغّيرت عليه، ولا تشبه مدينته التي كان يعرفها سابقاً.

تمكن محمود بعدها من الدخول وتفقد منزله الكائن في شارع الفردوس بعد حصوله على موافقة من «قوات سوريا الديمقراطية» الذي تمنع قاطنيه من العودة لانتشار الألغام والمفخخات المتفجرة.

وأنهى محمود حديثه بالقول: «طريق (السوق القديم) لم تعد كما كانت في البال، فالمشهد اليوم أشبه بمدينة أشباح، من الصعوبة التعرف على المحال ومعالم المكان الذي كان يضج بالحياة، أما اليوم باتت شاهداً على شدة المعارك داخل أزقة وحواري الرقة».”

الكابتن ماجد… مسرحية تدخل البهجة لأطفال نزحوا من الرقة

الكابتن ماجد… مسرحية تدخل البهجة لأطفال نزحوا من الرقة

 “في ساحة «مشروع أمل» في مخيم عين عيسى على بعد خمسين كيلومتراً شمال غربي مدينة الرقة، وقف طفل ناظراً إلى كرة قدم وُضعت في منتصف الملعب وإلى جانبه لاعب ثانٍ يرافقهما حارس المرمى بكل ثقة، في انتظار صافرة البداية وأعينهم البريئة تشتعل حماسة ليبدأوا مباراتهم الكروية في وجه لاعبي الفريق الخصم الذين وقفوا في الجهة المقابلة.

 بعد مرور دقيقة ركض لاعب ثالث وصاح بأعلى صوته: «مرر الكرة لي يا ماجد». يجيبه وليد الذي كان واقفاً خلف ماجد: «اتجه نحو المرمى لأقذفها لك»، في حين بدأ لاعبو الفريق الخصم الركض باتجاه ماجد وفريقه.
في هذا المشهد، افتتح أطفال «مشروع أمل» عرضهم المسرحي الأول في مخيم عين عيسى، الذي حمل عنوان «الكابتن ماجد»، معلناً البدء في مرحلة جديدة لأنشطة المركز. «رسالة مسرحية الكابتن ماجد إدخال الفرحة والبهجة ورسم الابتسامة على وجوه أطفال الرقة، فكرة المسرحية تقوم على الحركات والأنشطة؛ لأن أطفال الرقة وبعد الحرب التي دمرت مدينتهم وبسبب احتلال تنظيم داعش، حرموا من الطفولة واللعب والنشاط وهم في الجيل»، بحسب آمنة أحمد الحسن، مديرة مشروع أمل للطفولة.

وقدمت اليابان بالتعاون مع منظمة اليونيسيف 100 كتاب من نسخ قصة «الكابتن ماجد»، حيث تم توزيعها في مخيم عين عيسى، وقد تبرعت بها «دار شويشا» والأخيرة إحدى أكبر دور النشر في اليابان.
ويستضيف مخيم عين عيسى عددا كبيرا من الأطفال وأسرهم النازحين من الرقة بسبب القتال الأخير قبل طرد مقاتلي تنظيم داعش منتصف الشهر الماضي، ومنذ أبريل (نيسان) 2017 أجبر أكثر من ربع مليون شخص على الفرار من ديارهم بسبب الاشتباكات العسكرية، نصفهم من الأطفال، وتضيف آمنة: «(مشروع أمل) مساحة صديقة للطفل يهدف إلى تفريغ طاقاتهم من خلال اللعب والأنشطة، نعمل في مجال الدعم النفسي والاجتماعي للطفل، من خلال نشاطات ترفيهية وتقديم التوعية الصحية والمسرحيات لاكتساب مهارات الحركة وتنشيط الذاكرة».
يعمل «مشروع أمل» بدعم وتنسيق من منظمة «يونيسيف» على مساعدة الأطفال لمواجهة واقعهم بعد سنوات من العنف والتشريد، وفي الخيام المخصصة للمشروع، ينخرط الأطفال في أنشطة تعليمية وترفيهية منظمة ومراعية للسن كشكل من أشكال الدعم النفسي الاجتماعي، كما يتردد الأطفال على المراكز بدافع الغناء والرقص واللعب والرسم والقراءة.

وبحسب محمد حسين محمد، المشرف العام على «مشروع أمل» في مخيم عين عيسى، يتبع المركز لـ«جمعية البر والإحسان الخيرية»، بدعم وتمويل من منظمة «يونيسيف». وافتتح أول برنامج للمشروع داخل المخيم في الأول من شهر يوليو (تموز) الماضي. ويشرح محمد ماهية المشروع: «هو عبارة عن خمسة أقسام، قسم خاص بالخياطة والتطريز والنسيج، وقسم خاص بدعم وتمكين النساء، وقسم إدارة الحالة، وقسم خاص بالتوعية من الألغام والمخاطر، والقسم الخامس وهو الأكثر إقبالاً لأنه ترفيهي يشمل الأنشطة الحركية والرسم والموسيقى».
وبدأ «مشروع أمل» مرحلة جديدة من أنشطته تستمر ثلاثة أشهر حتى نهاية شهر يناير (كانون الثاني) من العام المقبل، يستهدف نحو 350 طفلا تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و18 سنة، يتردد الطفل إلى المشروع ثلاثة أيام كل أسبوع، ويحصل في كل يوم على ساعة ونصف الساعة من الترفيه. ويضيف محمد: «المركز غير تعليمي، نحن نعمل ضمن إطار الدعم النفسي والحركي للأطفال، كما نقوم بتوزيع القصص مجاناً على الأطفال، حيث يتم تدريبهم على الحركات والألعاب والغناء والموسيقى».

والهدف الرئيسي لمجموعة الأنشطة لمشروع أمل: «إخراج الأطفال من دائرة الحرب، وتهيئتهم للعودة إلى المدرسة، وللحياة الطبيعية بعد أن حُرموا منها طيلة ثلاثة سنوات من حكم تنظيم داعش المتطرف، لأن مرحلة بناء الطفل وتعليمه بدأت الآن»، والكلام لمشرف المشروع محمد الحسين.
في خيمة ثانية ضمن «مشروع أمل»، تجلس سعدية (35 سنة) المنحدرة من مدينة الرقة، إلى جانب نسوة أخريات قررن تعلم فنون الخياطة والنسيج، ونقلت إنها تريد التعلم والتدريب وقضاء وقتها في شيء مفيد، مضيفة: «في المخيم لا يوجد شيء أعمله أو أنجزه، قبل النزوح كنت أحلم أكون خياطة، أما اليوم فأسعى إلى أن أتدرب وأكتسب مهارة جديدة تعيل أسرتي».

وتقول المشرفة على قسم التطريز والنسيج، بسمة العليان: إن «40 سيدة وفتاة مشاركة في أنشطة القسم، كل منهن تقضي ساعتين وقتهن، تتعلق جميع الأعمال التي يقومن بها بالنسج والتطريز والخياطة والحياكة، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي للنساء المشاركات داخل القسم».
في حين تقدم ثلاث اختصاصيات اجتماعية في القسم الدعم النفسي للنساء، وتزيد بسمة: «خاصة بعد ما تعرضن له من مشاهدة وحشية وأعمال إجرامية قام بها عناصر تنظيم داعش، إضافة إلى توعيتهنّ بظاهرة الزواج المبكر التي انتشرت بالمخيم مؤخراً».

في حين خصصت خيمة ثالثة لإعطاء دروس توعوية عن أخطار الألغام والابتعاد عن مخلفات الحرب، وتحولت الخيمة إلى معرض للرسوم والإشارات والأجسام التي تشبه الألغام، حيث يقف المدرس إسماعيل رشيد، المنحدر من مدينة الرقة، في وسط الخيمة ويمسك بيده صورة كبيرة كتب في أعلاها «حملة الوقاية من المخلفات المتفجرة»، يقف طفل ينظر إلى شاخصة رسمت عليها جمجمة ودهنت باللون الأحمر، ورجل يقود عربة يدوية لنقل بقايا صواريخ وقذائف، وتحذر صورة ثانية من العبث بالأجسام الغريبة، وضرورة تركها مكانها كي لا تنفجر.

تعتمد إدارة المشروع في توعية الأطفال من خلال الصور الملونة لإيصال الرسائل المراد تعليمها، وتم تعليق الكثير منها في الخيمة، ويعزو المدرس إسماعيل: «إن الأطفال وبهذا الجيل، لا يفهمون المصطلحات العلمية بالشكل التقليدي عبر الدروس والكتب التعليمية؛ لذلك نعتمد إلى الصورة لأنها تصل بشكل أسرع إلى ذهنية الطفل، وتبقى عالقة في ذاكرته»، منوهاً «أن الصور تشرح الغاية بشكل تفصيلي عن خطورة هذه المخلفات وضرورة الابتعاد عنها والحذر منها».

وقامت منظمة اليونيسيف بتوزيع الآلاف من نسخ مجلة «مشوار» الخاصة بالتوعية من مخاطر المخلفات المتفجرة، داخل المخيم عبر «مركز أمل»، وفي ريف الرقة للحذر والتوعية قبل عودة الأهالي إلى مدينتهم التي عمد عناصر التنظيم لزرع الآلاف من الألغام والمفخخات المتفجرة.
ويضيف المدرس إسماعيل: «كل صورة تشرح جانبا محددا، لمساعدة الطفل على حفظ أكثر النقاط التي من المحتمل أن يكون فيها ألغام، فالصورة تساعد الطفل كيف يتصرف في حال وجد لغماً، ويتبّع التعليمات الإرشادية للابتعاد عنها».

وفي الختام، يقول مشرف المشروع محمد الحسين: «إننا نعمل على إعادة الثقة وزرع روح الحياة في أنفس المشاركين بالمشروع عبر ما يقدمه من دعم وتوعية، في محاولة لتخليصهم من الخوف والرعب الذي تركه تنظيم داعش المتشدد، وإعادة روح الطفولة إلى الأولاد».”

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»