طباخ بوتين زار حميميم ووعد بـ ‘مفاجأة سارة’… فقصفت واشنطن مرتزقته

طباخ بوتين زار حميميم ووعد بـ ‘مفاجأة سارة’… فقصفت واشنطن مرتزقته

عدد «المرتزقة» الروس الذين قتلوا في غارة أميركية في دير الزور قبل أسبوعين تجاوز كثيراً ما أعلن رسمياً في موسكو، وسط أنباء عن مقتل 150 منهم، يعملون ضمن «مجموعة فاغنر» المرتبطة برجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين ويعرف بأنه «طباخ بوتين».

وكان لافتا أن بريغوجين أبدى اهتماماً بحقول النفط والغاز شرق نهر الفرات قبل أشهر من سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ذلك بموجب اتفاق وقعته إحدى شركات بريغوجين مع الحكومة السورية لاستعادة حقوق النفط والغاز مقابل الحصول على ربع عائداتها.

وبحسب مسودة الاتفاق وشهادات ووثائق حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن بريغوجين زار قاعدة حميميم وفاوض مسؤولين في وزارة النفط في دمشق لتوقيع عقد تعاون، حيث أبدى اهتماماً بمصادر الطاقة وخصوصاً النفط والغاز والمصانع والأنابيب والمنشآت المخصصة لذلك.

وبعد الغارة الأميركية ليل 7 – 8 فبراير (شباط) الحالي، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن تقارير استخباراتية أن هجوم «مجموعة فاغنر» جاء بعد حصول بريغوجين على «ضوء أخضر» من مقربين من الكرملين في 24 الشهر الماضي وقوله لمقرب من الرئيس بشار الأسد نهاية الشهر إن «مفاجأة طيبة» ستحصل، ربما في إشارة إلى هجوم كان يعد له «المرتزقة الروس» ضد حلفاء واشنطن شرق سوريا بين6 و 9 الشهر الحالي.

زائر في حميميم

وقال لـ«الشرق الأوسط» رجل أعمال سوري التقى بريغوجين في قاعدة حميميم مرتين على الأقل، إن رجل الأعمال الروسي جاء إلى القاعدة بطائرة خاصة كان يرتدي لباساً مدنياً وسترة عسكرية وأنه بدا وكأنه «يعامل الضباط الروس بفوقية لافتة، فجميعهم كانوا يخافون منه وينفذون تعليماته بدقة عالية». وأشار إلى أن اللقاءين اللذين حصلا قبل أشهر أظهرا «عزمه ونيته السيطرة على حقول النفط والغاز في سوريا وأنه مستعدة للتعاقد لتشغيل حقول النفط والغاز». وقال آخر إن بريغوجين «عرض توقيع اتفاقات تعاون مع فصائل وميلشيات للعمل سوية بغية السيطرة على حقول نفط وغاز وطرد المعارضة أو (داعش) منها». وكانت سوريا تنتج 360 ألف برميل يومياً وانخفض الإنتاج إلى 50 ألف برميل كانت خاضعة لسيطرة «داعش» مع تعاون أمر واقع مع دمشق وأطراف أخرى. لكن صراعاً ظهر مع بعض القوى الخارجية والمحلية للسيطرة على مصادر الثروة بعد طرد «داعش» منها.

وبموجب تفاهم بين واشنطن وموسكو في مايو (أيار) الماضي، ذهبت مناطق شرق نهر الفرات إلى أميركا وحلفائها وغرب النهر إلى روسيا وحلفائها. وباعتبار أن الجانب الروسي كان حذرا من تكرار تجربة أفغانستان قرر عدم إرسال قوات برية واعتمد على ميليشيات تابعة لإيران وقوات الحكومة السورية وشرطة عسكرية من الشيشان، إضافة إلى شركات خاصة من المرترقة.

وهنا برز دور شركة أمنية خاصة تعمل في سوريا بموجب عقد مع وزارة الدفاع الروسية تحمل اسم «فاغنر» شبيهة بشركة «بلاك ووتر» الأميركية التي ذاع صيتها بعد حرب العراق عام 2003. و«فاغنر» تأسست على يد العميد السابق في الجيش الروسي ديمتري أوتكين الذي يخضع لعقوبات أميركية لدور الشركة في تجنيد الجنود الروس السابقين للقتال في شرق أوكرانيا. وقائد «مجموعة فاغنر» من المقاتلين السابقين في الدونباس شرق أوكرانيا، كان يعرف باسم «فاغنر» وكانت أولى مشاركاته في المعارك السورية في 2013. بحسب «رويترز». وسجل مقتل مكسيم كولغانوف في فبراير 2016 خلال معارك قرب حلب وبعدها بفترة قصيرة مات سيرغي موروزوف في المستشفى بعد إصابته خلال المعارك قرب مدينة تدمر. وقالت «رويترز» إنه «تم منح موروزوف وكولغانوف الأوسمة التي يتم منحها لجنود الجيش الروسي وشهادات موقعة من الرئيس بوتين تقديرا لتضحياتهم في سبيل وطنهم».

بعد ذلك، عاد إلى شرق أوكرانيا ليقود مجموعة من المقاتلين الروس، لكن سرعان ما عاد إلى سوريا بعد التدخل العسكري الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015، وأصبحت شركة كبيرة وصل عدد عناصرها إلى 1500 عنصر. وهناك من يتحدث بأن عدد المقاتلين فيها بين 2500 و3000 عنصر. وشوهد أوتكين خلال مأدبة عشاء أقامها بوتين في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2016 لقدماء و«أبطال» الجنود الروس.

وليس للمجموعة أي وجود قانوني خصوصا أن الشركات الأمنية الخاصة محظورة في روسيا، لكن موقع «فونتانكا» أفاد بأنه حتى صيف 2016 كان معسكر تدريب «فاغنر» يقع في مولكينو قرب كرازنودار جنوب روسيا، في الموقع ذاته حيث تتمركز كتيبة للقوات الخاصة والاستخبارات العسكرية الروسية.وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن «مجموعة فاغنر» ممولة من يفغيني بريغوجين وهو رجل أعمال من سان بطرسبورغ ويلقب بـ«طباخ بوتين» بعد أن جمع ثروة من نشاط في المطاعم وحصل على عدة عقود من الجيش الروسي. ونقل رجل أعمال سوري أن بريغوجين أبلغه بأنه يعرف الرئيس بوتين من خلال عمل في الاستخبارات.

وبرز دور «فاغنر» في معركة تحرير تدمر في مارس (آذار) 2016، كما كلفت المجموعة بإسناد القوات النظامية السورية ميدانيا. غير أن أسبوعية «سوفيرشينكو سيكريتنو» (سري جدا) قالت إن مهمة «المرتزقة» تغيرت. وباتت مهمتهم تتمثل في «حراسة المنشآت النفطية». وأسس بريغوجين عام 2016 منظمة أخرى أطلق عليها «يورو بوليس» في منتصف عام 2016، وتتمثل مهمتها في استعادة ومراقبة المنشآت النفطية لحساب السلطات السورية.

«حصة الأسد» للروس

وفي مطلع العام الماضي، جرت مفاوضات بين وزارة النفط السورية وشركة «يوروبوليس» الروسية. وحصلت «الشرق الأوسط» على مسودة الاتفاق، التي تقع في نحو 45 صفحة بينها 17 مادة تنفيذية، ضمت التعاون لـ«تحرير مناطق تضم آبار نفط ومنشآت وحمايتها» مقابل الحصول على حصة من الإنتاج خلال فترة خمس سنوات. وذكرت المسودة أن «إنتاج النفط والغاز يذهب بنسبة 25 في المائة إلى يوروبوليس و75 في المائة للحكومة ممثلة بوزارة النفط» وأن الأشخاص المخولين من الحكومة «يمكن لهم الدخول لمناطق العقد والتشغيل، على أن يخصص المشغل مبلغ 50 مليون دولار أميركي سنوياً لـ(التدريب الخارجي)». كما نصت على إعفاء «يوروبوليس» من جميع الضرائب بما فيها المتعلقة بالإنتاج والأرباح والضريبة على الدخل. وزادت: «تدفع الحكومة العمولة في نهاية كل شهر آخذين في الاعتبار كلفة الإنتاج»، إضافة إلى إمكانية «تعاون الطرفين» في مناطق خارج تلك المشمولة في العقد «لكن أي اتفاق بين الشركة السورية للنفط ويوروبوليس يجب أن يحظى بموافقة وزير النفط».

وبحسب معلومات متوفرة، فإن مدير الشركة السورية للنفط علي عباس تحفظ على الاتفاق وإن كانت الحكومة سمحت بعد 2011 بالتعاون مع شركات خاصة لحماية مشتقات النفط والغاز. وبعد السيطرة على حقل الشاعر للغاز قرب حمص، طالبت الشركة بحصتها من الإيرادات. كما أنها سعت للسيطرة على حقول الفوسفات قرب حمص، كانت طهران ودمشق وقعتا اتفاقاً للاستثمار فيها ضمن مذكرات تفاهم بين الطرفين تناولت أيضا الهاتف النقال وإقامة ميناء للنفط غرب البلاد. وأكد قيادي ميداني لـ«الشرق الأوسط» تسجيل مواجهات عدة بين عناصر «فاغنر» التي تنفذ اتفاقات «يوروبوليس» من جهة وموالين للنظام سواء كانوا من عناصر الجيش والاستخبارات أو الميلشيات و«أمراء الحرب» من جهة ثانية.

وإذ لعب التحالف الدولي بقيادة أميركا دوراً في طرد «داعش» نهاية العام الماضي من «كونوكو» أهم معمل لمعالجة الغاز في البلاد كانت تبلغ قدرته 13 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم الواحد ومن حقل «العمر» الذي وصل إنتاجه إلى ثلاثين ألف برميل يومياً، فإن بريغوجين الذي كان أبدى اهتمامه بهما عبر التفاوض في منتصف 2017 واصل التعبير عن رغبته بالسيطرة عليهما.

وبحسب مسؤولين في «قوات سوريا الديمقراطية» ودبلوماسيين غربيين، فإن قافلة ضمت عربات ونحو 300 عنصر بينهم عشرات «المرتزقة» الروس تقدمت في 6 فبراير نحو موقع «قوات سوريا الديمقراطية» في معمل غاز «كونوكو» الذي يبعد 8 كيلومترات فقط عن خط التماس – نهر الفرات. بين الطرفين. وقال مسؤول رفيع إن ضابط الارتباط في الجيش الأميركي أبلغ نظيره الروسي عبر الخط المفتوح بموجب اتفاق منع الصدام ضرورة وقف تقدم الميلشيات، لكن الجانب الروسي أبلغه بأن لا معلومات لديه عنه. وقتذاك، استهدفت قاذفة أميركية القافلة ودمرت دبابة وعشرات العناصر وقتذاك عاد الضابط الروسي وطلب من الجانب الأميركي إجلاء الجرحى وجثث القتلى.

أعلنت واشنطن عن الغارة وسقوط عشرات القتلى. موسكو نفت حصول ذلك بداية، لكنها أكدت لاحقاً مقتل «خمسة روس»، مؤكدة أنهم لا ينتمون إلى الجيش الروسي. وكان بين القتلى فلاديمير لوغينوف الذي أعلن مقتله في 12 فبراير وكيريل أنانييف الذي ينتمي إلى منظمة «دروغايا روسيا» (روسيا أخرى) التي كان أسسها الكاتب القومي المتشدد إدوار ليمونوف.

يشار إلى أن بريغوجين أدرج على قائمة العقوبات الأميركية لعلاقته بشركة مقرها سان بطرسبرغ متهمة بإعداد «المتصيدين» عبر الإنترنت و«التدخل في النظام السياسي الأميركي». وتحدثت صحف روسية عام 2014 عن «مصنع المتصيدين»، مؤكدة أنه يملك آلاف الحسابات الوهمية على شبكات التواصل التي استحدثت في الأساس للتأثير على السياسة الداخلية ثم وُجهت عام 2015 لاستهداف الرأي العام الأميركي.

وقدرت المجموعة الإعلامية الروسية (آر بي كي) في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن نحو تسعين شخصا يعملون في «القسم المكلف الولايات المتحدة» داخل ذاك «المصنع». وشركة «يفرو بوليس» أو «أفرو بوليس» على قائمة العقوبات الأميركية منذ يناير (كانون الثاني). وأكدت واشنطن أنها عاقبت هذه الشركة لأن بريغوجين «يملكها ويسيطر عليها».

وبحسب خبراء، فإن الغارة التي قتل فيه روس هي أول مواجهة مباشرة بين الطرفين منذ عقود. واختلفت تقديرات القتلى الروس، ففي حين قال مصدر روسي إن القتلى بين 150 و160 شخصا، قال قيادي عسكري: «شاهدت الغارة على شاشة مباشرة من غرفة العمليات بين التحالف وقوات السورية الديمقراطية، كان هناك أكثر من 260 قتيلاً يمكن القول إن 90 في المائة منهم كانوا من المرتزقة الروس».

وربط مراقبون بين قرار الرئيس بوتين إرسال مقاتلين من طراز «إس يو – 57» إحدى طائرات الجيل الخامس إلى قاعدة حميميم الاثنين الماضي والتصعيد الثنائي بعد المواجهة العسكرية المباشرة بين الأميركيين والروس من عقود، إضافة إلى أن القرار الروسي جاء بعد قصف طائرات إسرائيلية مواقع إيرانية وسوريا قرب حمص وسط البلاد.

عقد في المياه الإقليمية

إضافة إلى اهتمام موسكو بالنفط والغاز في وسط سوريا وشرقها، أفيد قبل أيام بتوقيع اتفاق ضخم بين دمشق وشركة «سويوز نفتا غاز» الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية غطى مساحة 2190 كيلومترا مربعا. ويمتد العقد، وهو الأول من نوعه للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية، على مدى 25 عاما حيث إن كلفة التنقيب والاستكشاف تبلغ مائة مليون دولار. وقال مسؤولون في وزارة الدفاع إن الشركة «ستباشر فورا تنفيذ العقد، متجاوزة العقوبات الاقتصادية الجائرة ضد قطاع النفط». وباشرت الشركة الروسية العملاقة للتنقيب عن النفط والغاز بحفر منطقة الآبار مقابل شاطئ اللاذقية، وكانت تركيا تعترض على الأمر سابقا لكن روسيا أقنعت تركيا بالابتعاد وعدم طلب أي شيء من الغاز والنفط في المياه الإقليمية السورية قرب القاعدتين الروسيتين في اللاذقية وطرطوس غرب سوريا.

وستنال الشركات الروسية 20 في المائة من مدخول ربح النفط والغاز فيما ستحصل سوريا على 75 في المائة من أرباح النفط والغاز. وقال خبراء في مجال النفط إن الاستثمار في هذا العقد «له بعد سياسي أكثر من البعد الاقتصادي، وإن الإفادة تتطلب استثمارات كبيرة و10 سنوات».

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

محاصصة دولية ـ إقليمية حول منبج وعفرين

محاصصة دولية ـ إقليمية حول منبج وعفرين

بدأت ملامح تفاهمات دولية – إقليمية لتوزيع شمال سوريا، بحيث تنتشر قوات أميركية – تركية في مدينة منبج وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات مقابل «وجود رمزي» لقوات النظام السوري في مدينة عفرين برعاية روسية.

وكشف قيادي كردي لـ«الشرق الأوسط» أمس أنه منذ بدء العمليات العسكرية التركية مع فصائل معارضة ضمن حملة «غصن الزيتون» أجرى قياديون في «وحدات حماية الشعب» الكردية اتصالات مع دمشق كي ترسل «حرس الحدود» للدفاع على الحدود السورية شمال البلاد، غير أن «الجواب من دمشق، كان أن موسكو تمنع حصول ذلك» على خلفية وجود تفاهم تركي – روسي سمح ببدء «غصن الزيتون» بمشاركة القوات البرية والطيران التركيين بعدما حصلت أنقرة من موسكو على «ضوء أخضر بالدفاع عن الأمن القومي شمال سوريا». كما سحب الجيش الروسي قواته من عفرين إلى مناطق أخرى.

ومع مرور الوقت و«التقدم البطيء» لعملية «غصن الزيتون» باتجاه عفرين وتعقد العلاقات الأميركية – التركية – الروسية، استمر التواصل بين قياديي «الوحدات» ودمشق. وقال مسؤول غربي: «اقترحت دمشق أن ترسل قواتها إلى عفرين وتسيطر عليها في شكل كامل كما حصل في أي منطقة معارضة أخرى وأن تتم السيطرة على الأسلحة الثقيلة للوحدات الكردية».

لكن قادة «الوحدات» رفضوا هذا الاقتراح لأن في عفرين «الكثير من المطلوبين للنظام ولا نأمن عدم تعرضهم للأذى». وحافظ قياديون في «الوحدات» على التواصل مع دمشق إلى أن أبلغوا رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك بقبول «دخول قوات سورية رمزية للجيش ومؤسسات أمنية إلى وسط عفرين، كما هو الحال في مناطق أخرى» في إشارة إلى القامشلي والحسكة شرق نهر الفرات، حيث توجد فروع لأجهزة الأمن وحواجز لقوات النظام والعلم الرسمي السوري. وقال مسؤول كردي أمس: «يبدو أن موسكو التي رفضت التعاون قبل أسبوعين، وافقت على صيغة جديدة تسمح بوجود الدولة في عفرين. ويتوقع أن تتوجه عناصر من قوات النظام من حلب إلى عفرين في الساعات المقبلة».

«عودة» أوجلان إلى دمشق

تزامن ذلك مع سماح دمشق لأكراد بالتظاهر في أحد أحياء العاصمة السورية حاملين صور قائد «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان وانتقاد «غصن الزيتون»، علما بأن أوجلان اعتقل قبل 19 سنة بعدما طردته دمشق بموجب تفاهم مع أنقرة، حيث اعتبر منذاك «العمال الكردستاني» تنظيماً إرهابياً وتعرض عناصره للملاحقة والاعتقال.

وكانت «وحدات حماية الشعب» الكردية سلمت مناطق في ريف حلب إلى قوات النظام في ريف حلب لقطع الطريق على قوات «درع الفرات» التي أطلقت عملية عسكرية تركي نهاية 2016 للسيطرة على مناطق شمال سوريا، للتوغل باتجاه منبج وشرق حلب. كما عقد تفاهم بين «الوحدات» الكردية وقوات النظام برعاية روسية للانتشار في حي الشيخ مقصود في حلب. وقال قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية لـ«الشرق الأوسط» أمس: «هناك اعتداء من تركيا على الدولة السورية والأولوية الآن للحفاظ على السيادة السورية. ورغم الخلافات مع النظام على أمور أخرى، فإن المفهوم الوطني اقتضى التعاون في عفرين والسماح بوجود الدولة وتأجيل الخلافات الأخرى». وأضاف: «بعد ذلك، فإن أي اعتداء على عفرين من تركيا أو أي قصف عليها، سيتحول إلى موضوع إقليمي – دولي».

وكانت دمشق أعلنت نشر بطاريات صواريخ شمال البلاد. كما قال مسؤولون في دمشق إنهم سيستهدفون أي طائرة غير سورية بعد إسقاط طائرة «إف – 16» إسرائيلية السبت الماضي، مع العلم أن منظومة الدفاع الجوي السوري تحت سيطرة الروس في قاعدة حميميم.

وأبلغ قياديون أكراد «الشرق الأوسط» بأن الجيش الأميركي أبلغهم أكثر من مرة بأنه لا علاقة له بعفرين وهي خارج النفوذ الأميركي وتابعة لنفوذ روسيا، مشيرين إلى أنهم أطلعوا قادة في الجيش الأميركي شرق نهر الفرات بالاتصالات مع دمشق حول عفرين وأن «الأميركيين لم يكن لديهم مانع من حصول ذلك للحفاظ على وحدة سوريا وفق القرار 2254».

في حال أنجز هذا التفاهم حول عفرين، فإنه يتزامن مع تقدم لإنجاز تفاهم آخر حول منبج. إذ قالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة اقترحت على واشنطن نشر قوات تركية – أميركية في منبج وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات.

ويعتقد أن روسيا جزء من هذا الحوار، ذلك أن قواتها تنتشر في منطقة عريما في ريف منبج مقابل القوات الأميركية المنتشرة في المدينة دعما لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «الوحدات» الكردية.

وكان مسؤول تركي أبلغ وكالة «رويترز» أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تلرسون وعد الجانب التركي أمس بدرس اقتراح نشر قوات مشتركة في منبج التي تقع على بعد 100 كيلومتر شرق عفرين، وكان الرئيس رجب طيب إردوغان قال إن قواته ستتوغل باتجاهها. لكن الجيش الأميركي بعث كبار ضباطه إليها لطمأنة حلفائه الأكراد.

وأوضحت المصادر التركية أمس أنه في حال نفذ الاتفاق التركي – الأميركي في منبج سيكون خطوة لاستعادة الثقة والقيام بخطوات أخرى بين الجانبين، تشمل «التنسيق الكامل» في العمليات العسكرية شمال حلب بين القوات الأميركية و«درع الفرات» بين منبج واعزاز وجرابلس، إضافة إلى الانتقال إلى البند اللاحق المتعلق في بحث إقامة شريط أمني شمال سوريا على طول حدود تركيا. وذكرت أن موافقة الجانب الأميركي على ذكر رفض «التغيير الديموغرافي» سيكون أساسيا في التعاون بين الجانبين في منطقة شرق نهر الفرات الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» بدعم التحالف الدولي بقيادة أميركا. ونص البيان على تأكيد الطرفين «التزام الحفاظ على وحدة أراضي والوحدة الوطنية لسوريا ورفض إيجاد تغييرات ميدانية وتغيرات ديمغرافية» مقابل «التنسيق لإنجاز التحول السياسي والاستقرار في سوريا وفق القرار 2254 ومؤتمر جنيف».

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

خلفية الهجوم التركي على الخاصرة الكردية

خلفية الهجوم التركي على الخاصرة الكردية

رغم القصف والدمار الذي خلفه الهجوم التركي على قرى مدينة عفرين، وبعد ستة عشر يوماً خرج الآلاف من أهالي المدينة بالغناء والموسيقا يتحدون المدفعية والطيران التركي منددين بهذا العدوان الهمجي على الأهالي.

تكاتف عرب المدينة وكردها يداً بيد لمواجهة هذه الهجمة البربرية التي استهدفت منازل المدنيين ومحلاتهم. هناك يقين أنّ هذا الهجوم بتعاون فصائل تدعمها تركيا ليس فقط ضد حزبٍ بعينه كما تزعم أجهزة اعلام تركية وأنصارها؛ وإنما هو امتداد لمشروعٍ عثماني جديد بالتحالف مع جماعات كالإخوان المسلمين في سوريا لاستهداف مواطني عفرين وكردها. اذ ان تاريخ هذه الهجمة لم يكن مفاجئاً لأهل عفرين الذين كانوا شهود عيان على هجوم فصائل معارضة (كجبهة النصرة وغرباء الشام) في بداية الثورة السورية بقيادة نواف البشيرالعائد لحضن نظام الأسد مؤخراًعلى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة. رسخت تلك الهجمة بالنسبة لأهالي المنطقة أنّ تركيا صاحبة مشروع توسعي يستهدف الكيان الكردي بغض النظر عن تواجد ميليشيات كردية في المنطقة.

ربما كان أغلب السياسيين والمثقفين الكرد على دراية كاملة بأن روسيا ستعقد الصفقة الملائمة لها آجلاً أم عاجلاً مع أي طرف للاستغناء عن عفرين التي كانت من حصتها مقابل انتشار القوات الأمريكية في كوباني (عين العرب) والقامشلي، وبذلك لم يكن انسحاب النقطة العسكرية الروسية من كفرجنة/عفرين أمراً غريباً، وخاصة أن الروس لم يكونوا يوماً ما حلفاءً جديين للأكراد في الشرق الأوسط، وبذلك كان الضوء الأخضر الروسي والرمادي الأمريكي للتركي كافياً بتوريطه بمقتلة محتومة في عفرين، تلك الخاصرة الرخوة دولياً جغرافيا التي لجأت تركيا لضربها بتحالف مع مقاتلين سوريين. من هنا كانت المعادلة واضحة بالنسبة لأهالي عفرين ونظرتهم وموقفهم من الهجمة التركية بالبقاء والمقاومة، حيث أن جنديرس، الناحية التي تقع على بعد ما يقارب ١٥ كلم من مركز المدينة، كانت لهاحصة الأسد” من هذا الاستهداف العشوائي التركي، حيث دمر الطيران والمدفعية التركية أجزاء كبيرة من الناحية، وكان الاستهداف بشكل عشوائي ينطلق من المركز أو النقطة التي خصصت بين روسيا وتركيا لخفض التصعيد في مناطق التوتر، وهي النقطة المطلة على جنديرس من طرف جبل الزاوية، حيث استخدمت لقصف الأهالي بالمدفعية وتدمير ما يقارب ٤٠ في المئة من ناحية جنديرس الخالية من المقرات العسكرية.

رغم ذلك أصرّ بعض أهالي المنطقة على الصمود والبقاء في أقبية منازلهم هرباً من القصف العشوائي، هنا يقول أحد سكان جنديرس من المكون العربي: “كنا نعيش بسلام مع أهالي المنطقة من السكان الأصليين والنازحين إليها من ريف حلب، لكن المدفعية التركية ولا أدري لماذا كل هذا الحقد استهدفتنا بشكل قبيح فدمرت كل منازلنا ومحلاتنا، رغم ذلك لم نغادر بيوتنا لأننا سكانها وأهلها، ولن تستطيع المدفعية التركية أن تنزع منا حق الحياة فيها، سندافع عنها بأشجارنا وزيتوناتنا، ونقول لكل العالم أننا طلاب حرية وسلام، ولسنا طلاب القتل والإجرام.”

تزامنت الهجمة التركية الشنيعة مع حصارٍ كامل على المدينة، فبالإضافة إلى حصار فصائل معارضة والجيش التركي للمدينة، لم يسمح النظام لأهالي عفرين بالعبور باتجاه محافظة حلب عبر الممر الوحيد الذي يربط عفرين بحلب، فكان شريكاً للتركي بذلك في قمع الأهالي ودفعهم إلى الهلاك والموت. إلا أن إرادة الحياة كانت أقوى لدى هؤلاء، ففتحت المنازل وأقبية المحلات في مركز عفرين لتستقبل النازحين من القرى التي تتعرض للقصف، وقامت المشافي والعيادات الطبية باستقبال الجرحى والضحايا من المدنيين بإمكاناتهم المتواضعة، وليصل عدد الجرحى في مشافي عفرين حتى تاريخ ٥ شباط\فبراير إلى ما يُقارب ١٧٠ جريحاً و٧٠ قتيلاً، هذا كله وسط كادر طبي قليل كان يداوم ٢٤ ساعة. ورغم عدم توفر المعدات الطبية اللازمة بسبب الحصار المفروض عليها وتخاذل منظمات الإغاثة الدولية، يقول الدكتور خليل صبري، مدير مشفى عفرين: “اكتظ مشفى آفرين بالجرحى والمصابين، ووصل بنا الحال أن نستخدم كل مرافق المشفى لمداواة الجرحى وتأمين العلاج اللازم لهم، ولكن رغم مناشداتنا منذ أول عدة أيام من الهجمة للمنظمات الطبية الدولية بالتدخل وتقديم المعونة لم يتعاون أحد معنا، واستطعنا بقدراتنا البسيطة علاج ما يزيد عن ١٥٠ جريحاً ماعدا الذين قتلوا في هذه الهجمة على المدينة.”

بعد مرور ستة عشر يوما على الهجوم خرج أهالي المدينة إلى شوارع عفرين المركز حاملين آلة البزق والطبول يغنون منددين بالهجوم التركي، ورافعين شعار الزيتون سلاماً لكل أهالي المنطقة، يقول أحمد أحد المشاركين المستقلين في مظاهرة عفرين: “نحن خرجنا اليوم لنرفع صوتنا عالياً بأن أصوات قذائف الدبابات التركية وشعارات الإسلاميين المهاجمين على منازلنا لن تخيفنا، لقد دخلوا القرى الآمنة الخالية من المواقع العسكرية ونهبوا منازلها واحتجزوا أهلها، وكل ذلك يمدنا بالكثير من المقاومة والعزيمة للدفاع عن كرامتنا وأرضنا كرداً وعرباً، نحن أهالي عفرين ولن نسمح لبعض المرتزقة بدعم جوي تركي هدم منازلنا وهدر المزيد من الدماء.”

في الواقع مستوى التكافل الاجتماعي الموجود حالياً في عفرين ليس له علاقة بطبيعة الكرد أو سكان المنطقة، بل هي قناعة راسخة بأن المحتل التركي والمرتزقة من الكتائب السورية المتحالفة معهم لن يجلبوا سوى الدم والقتل لأهل عفرين بكافة طوائفهم ومشاربهم الدينية والحزبية، وخاصة مع تزامن ذلك مع تصرفات المهاجمين في القرى التي احتلوها في الأيام الأولى من الهجمة، باحتجاز الشباب وتكسير محلات الكحول ونهب معاصر الزيتون، كان كافياً لتشكيل صورة بأن القادم ليس لديه نية سوى القضاء على المنطقة بمن فيها، فكانت المقاومة من العسكر والمدنيين.

الأيام القادمة ستكون كفيلة بتوضيح الصورة بشكل أكبر، ولا سيما أن الضغط الروسي –  التركي يركز على تسليم المنطقة لقوات النظام لو بشكل جزئي من خلال الدوائر الرسمية ورفع علم النظام في المنطقة، لكن من المؤكد أن أهالي عفرين لن يسمحوا باحتلال التركي لأراضيهم التي زرعت منذ مئات الأعوام بأشجار الزيتون رمزاً للحب والسلام فيها.

وطأة الكتابة وشغفها في زمن الحرب

وطأة الكتابة وشغفها في زمن الحرب

كيف كتبت الغرانيق، ومرايا الحياة في زمن الصمت، وتشظيات.

أقف على شرفة شقتي في الطابق الثالث، المطلة على الساحة الرئيسية في البلدة، وأنظر إلى الشوارع، وقد فرغت من المارة وأرخت الحوانيت أغلاقها، حتى القطط والكلاب الشاردة اختفت، هي واليمام المعشش بين أخشاب أسطح البيوت القديمة. وساد صمت ثقيل مريب على البلدة “وكأن أناسها قد هجروها، أو أن إلهاً أسطورياً عبثياً خلق البلدة، ونسي في لحظة ثمالة أن يخلق أناسها”، أمسك بقلم وأكتب على ورقة مرمية أمامي على طاولة صغيرة في الشرفة.

حدث هذا في عام ٢٠١١، بعد خروج التظاهرات في بلدتي الواقعة في ريف دمشق الغربي، كما خرجت في المدن والبلدات السورية، تطالب بـ”إسقاط النظام” وبـ”الحرية والكرامة”… وقد جاء اليوم دور اقتحام بلدتي من قبل خليط من “جيش النظام” وأجهزته الأمنية ومجموعات من “الشبيحة”، وإجراء حملة اعتقالات شاملة بين الأهالي لكسر شوكة “الانتفاضة السلمية”.

ومنذ الصباح، ومع توارد الأنباء عن حصار “جيش النظام” للبلدة وتحرك المدرعات نحوها، اختفى نشطاء “الانتفاضة” في الحقول والتلال حولها، والتم الأهالي في بيوتهم قلقاً وترقباً… وأقف أنا على  طرف الشرفة مستطلعاً ومترقباَ، وأيضاً بقلق شديد.

دخلت الدبابة الأولى إلى الساحة تستطلع الوضع، وهي تزمجر وجنازيرها تحفر الإسفلت، وتوقفت عند مدخلها. أشاهدها، وأسمع صرير برجها يدور، فإذا بمدفعها يتجه نحو شرفتي. وشعرت أن عيناً معدنية تراقبني من داخل برجها. ينتابني خوف شديد، ويتصبب عرق غزير مني، وأنا كنت أظن نفسي متفرجاً، وإذ بي أصبحت هدفاً… لكنها تتراجع في لحظة أخيرة عن إطلاق قذيفتها، وأكتب على أوراقي بيد مرتجفة مبلولة بالعرق مع التوقيت “اكتشفت الدبابة أنني لست أميراً صحراوياً في إمارة إسلامية، يقود جيوشه المؤمنة من الشرفة، ولا ألوح بسيف، أو بلطة، أو ساطور.”

وسرعان ما تتالى وراء الدبابة الأولى رتل من الدبابات… ثماني، تسع، عشر. وأكتب ملاحظة عنها، ودائماً مع التوقيت، وأنا على الشرفة. تنحرف سبع منها نحو البلدة القديمة… أكتب. ووراء الدبابات، يدخل جنود، أشاهدهم يتمركزون في المواقع المهمة في الساحة، وتليهم فرق المداهمة من “الأمن” و”الشبيحة”، بشاحناتها الصغيرة المحملة بالرشاشات، والسلالم، والحبال… أكتب. تشتعل سيمفونية إطلاق رصاص غزير في الأحياء القديمة، حيث تنطلق التظاهرات عادة، يطلقها الجنود على الغيمات العابرة والظلال… أكتب. تنتشر فرق المداهمة في البلدة، وتأخذ باعتقال شباب ورجال من البيوت وفق دلالات المخبرين الملثمين المرافقين… أكتب. يقف مخبر غير ملثم من شباب “المساكن العسكرية”، المتاخمة للبلدة، متحدياً في الساحة… أكتب. يخرج رجال ونساء موالون لـ”النظام” إلى الشارع، ويتطوعون لكشف منازل “المتظاهرين” وكل من “يعارض النظام من الرجال والنساء والأطفال والقطط والعصافير”، لهجتهم السلطوية تفضحهم… أكتب. تبدو الاعتقالات عشوائية، حسب مزاج “المخبرين” و”الموالين”… أكتب. تصل حافلات النقل المدنية الخضراء فارغة إلا من حراسها، تلك التي استوردتها الدولة من الصين حديثاً لتخفيف أزمة المواصلات في العاصمة، وتتوزع في البلدة… أكتب. ترجع ممتلئة بالمعتقلين، أراهم مقيدين، راكعين على أرضها، وقد شُدت العُصابات على عيونهم، و”الشبيحة” على أبوابها، يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجاً بالتقاط “طرائدهم”… أكتب. تصل فرق المداهمة إلى بنايتي، يحطمون باب شقة فارغة، يتسلقون السطح… أكتب. أشعر بهم أمام باب شقتي… أتوقف عن الكتابة.

وكانت حصيلة الحملة العشوائية الضارية يومها اعتقال حوالي ٧٠٠ شخص من أهالي البلدة، معظمهم من غير المتظاهرين، وهؤلاء كانوا قد اختفوا بغالبيتهم في الحقول والتلال، أو فروا إلى البلدات المجاورة الآمنة .

كانت تلك الحملة الأولى من الاعتقالات في بدايات “الانتفاضة” في بلدتي، وكانت السلطة تظن وقتها أن “حفلة تعذيب” قاسية للمعتقلين ستردعهم عن التظاهر في الشوارع، ومن ثم أفرجت عن معظمهم ـ لكن في حملات الاعتقال التالية لم يعد يرجع أحد من المعتقلين، كان الجميع يُصابون وفق تقرير طبي رسمي بـ”نوبة قلبية” مفاجئة في المعتقل، بمن فيهم المراهقون والشباب الصغار، وتختفي جثثهم برعاية مافيات المتاجرة بالأعضاء البشرية، ويحصل أهاليهم على بقايا مقتنياتهم: الهوية الشخصية وشحاطة بلاستيكية.

أشاهد آثار التعذيب على أجساد العائدين من الاعتقال في الحملة الأولى؛ على الوجوه المتورمة المشوهة، والأضلع المكّسرة، والجروح النازفة الملتهبة، وخاصة عند المعاصم، حيث شُدت القيود البلاستيكية بعنف… أكتب. وأشاهد الكآبة على الوجوه، وامتلاء القلوب بالحقد على الجلاد… أكتب.

قال أحدهم “أنا لم أخرج مع المتظاهرين، فلماذا اعتقلوني وعذبوني”… أكتب.

قال لي ثان “في مركز التجميع الأول، دخل علينا عسكري “بغل” من دير الزور، وأخذ يضربنا بشكل عشوائي بسوط، ويرفسنا ببوطه العسكري. ولما تدخل ضابط برتبة “عقيد” لمنعه من ضربنا، نهره صف ضابط صغير “مساعد” من “الفرقة الرابعة”، مهدداً “لا تتدخل فيما لا يعنيك”… أكتب.

قال لي ثالث “حشرونا عشرين شخصاً في زنزانة تتسع لخمسة”… أكتب.

قال لي رابع “قتلوا أخي تحت التعذيب”… أكتب.

وقال خامس، وسادس… وعاشر… أكتب.

وأكتب أن معظم هؤلاء المعتقلين من أهالي بلدتي شعروا بإهانة كرامتهم على يد “الجلاد الصغير” و”الجلاد الكبير”، وأكتب أنهم حملوا السلاح في أول خطوة من “عسكرة الانتفاضة” في رد فعل على العنف الموجه ضدهم.

ومن هنا بدأت عمليات الاغتيال المتبادلة؛ “المنتفضون” يغتالون “المخبرين”، و”الشبيحة” من “المساكن العسكرية” يردون عليهم باغتيال عشوائي لـ”أعيان البلدة”. وليس بعيداً من بنايتي، حدثت أربع عمليات اغتيال متتالية لـ”مخبرين أمنيين” شرسين، تسببوا باعتقال المئات من شباب البلدة… حدث هذا وأنا على الشرفة… وأكتب.

وفجأة تتشكل الملاحظات التي أكتبها في فصل متكامل، لم يكن ينقصها إلا الصياغة الأدبية مع بعض الخيال الروائي ـ طبعاً إلى جانب الفانتازيا التي أحبها. ومع أن هذا سيكون الفصل ما قبل الأخير في روايتي الجديدة، فقد ولدت به “الغرانيق”، وسيتم نشرها بعد ثلاث سنوات من كتابتها، وسأكون محظوظاً أن ذلك حدث بعد الخروج من البلاد بعد ست سنوات من بدء “الانتفاضة”.

بعد حملة المداهمات الأمنية الأولى، تحولت البناية التي أسكنها إلى موقع عسكري محصن لـ”جيش النظام”، بسبب إطلالتها الإستراتيجية على الساحة التي كان يجتمع فيها المتظاهرون، فملأ العسكر شققها بعد فرار معظم قاطنيها، وتوزعت الرشاشات على سطحها، وتوضعت الدبابات أمامها، وتوزعت كاميرات المراقبة حولها. وتم خطف مالك البناية من قبل “عصابة أمنية”، طلبت فدية عالية مقابل الإفراج عنه، لم تستطع عائلته جمعها، فتم قتله. وهربت زوجتي وطفلاي الاثنان أيضاً من البناية، بعد معركة حامية الوطيس حولها، وقد استقر رشاش فوق سطح شقتي تماماً، تهتز معه، وهو يطلق الرصاص بدون توقف طوال معركة طويلة.

…وأنا بقيت في شقتي. كان لدي فيها مكتبة ضخمة، جمعتها منذ طفولتي، وذكريات العائلة… وكان لدي أمل أن الأمور ستنتهي قريباً.

حدثت المداهمة الأولى لشقتي من قبل حوالي أربعين عسكرياً من عناصر “جيش النظام” المقيمين في البناية، بدعوى أن هناك من  يصور انطلاق الدبابات ومجموعات الجنود منها ، ويبث ما يصوره على شبكة النيت كتحذير لـ”المنتفضين”. وكان هناك حقاً شبان صغار شجعان يتسلقون بناية مجاورة مهجورة بقربي، ويقومون بالتصوير بهواتفهم المحمولة من مستوى شقتي. وحتى تم التأكد من أنه ليس لدي جهاز هاتف محمول ولا شبكة نيت، كانت قد تم قلب شقتي رأساً على عقب، وتبعثرت محتوياتها، وأصيب بعض الجنود بخيبة أمل عندما لم يجدوا “ذهباً” في خزانة زوجتي .

وقف ضابط المداهمة برتبة “نقيب” أمام مكتبتي مذهولاً، واختار أكبر مجلدين ضخمين أنيقين ليأخذهما، فقد يجد فيهما قصص مغامرات وجنس يتسلى بهما، وخاصة في الليل، حيث لا يجرؤ هو وجنوده على مغادرة البناية. قرأ العنوان “من الفناء إلى البقاء” للباحث الفلسفي المصري حسن حنفي بجزأين، وسرعان ما رماهما أرضاً كأنه أمسك عقرباً سيلدغه، وصرخ “ماذا تفعل بهذه الكتب المجنونة؟”. تلعثمت وبربربت بشيء غير مفهوم، فأردف “لو جاءت دوريات الأمن بدلاً مني لرمتك أنت وكتبك من الطابق الثالث إلى الشارع مباشرة، قبل أن يبحثوا عن هاتفك المحمول.” وأراد اصطحابي مع عسكره ليتسلى بالتحقيق معي في شقته، حسب ما يفعل مع أهالي الحي… لكن معركة اندلعت مع “منتفضين مسلحين”، ليس بعيداً عن البناية، فتركني عند الدرج، وأنا أكاد أتعثر بشحاطتي.   

تحول الطابق الأول غير مكتمل البناء إلى مركز تحقيق أمني أولي، وكانت سيارات الأمن تقود المعتقلين الذين يُسحبون من بيوتهم، أو الذين يُلتقطون على الحواجز الأمنية في الشوارع إليه. يتم إدخالهم إلى البناية وراء بعضهم البعض، مربوطين بحبل طويل أمام أعين المارة، وكنت أرى الذين يُسحبون من بيوتهم حفاة وشبه عراة. وعندما يتم إخراجهم إلى المراكز الأمنية، كانت ثيابهم تبدو ممزقة والدماء تنزف منهم. وكانت الأصوات المجروحة المتألمة في “حفلات التعذيب” تضج في الشوارع والحارات، وتقتحم شقتي عبر منوَّر البناية. وحتى عندما تتوقف، تبقى تضج في رأسي، وهي تجأر “دخيل الله، ليس لي علاقة، ما بعرف.” أما التحقيق العسكري، فكان يجري في شقة من الطابق الثالث، تشترك مع شقتي بجدار مشترك. وأذكر تحقيقاً مع شاب بتهمة “إرهابي” لأنه نافس عسكرياً من البناية على “عشق” فتاة في الحي القريب من البناية.

وذات يوم انتشر خبر “انشقاق” أربعة جنود من البناية، وتمت مداهمة البيوت المجاورة بحثاً عنهم، لكن “المنشقون” كانوا قد أصبحوا خارج البلدة، في مناطق آمنة مع “المنتفضين”.

ونتيجة توتر الأوضاع ليلاً، والخوف من “المنتفضين”، أخذ العسكر يقنصون من يسير في الشوارع ليلاً من الأبنية التي حولوها إلى مواقع عسكرية. وبعد أربع جثث امتنع الأهالي عن مغادرة منازلهم… ليلاً، ومعظم نهارهم.

كان الوضع الذي أعيشه عبثياً كافكاوياً، وعدمياً يذكر بكامو أيضاً، وكل هذا مع مزيج من سخرية كوميديا سوداء في أكثر صورها غرائبية… أن تعيش “حراً” في معتقل، وفي موقع عسكري، فتستطيع الدخول إليه والخروج منه بـ”حرية” نسبية، رغم وجود مناوبات حراسة عسكر ظاهرة، ومخبرين متخفين في المحلات بصفة باعة… وكنت أكتب، لكن بشواش شديد وفوضى غريبة هذه المرة، ملاحظات متناثرة، أسطر غير مكتملة.

في المداهمة الأخيرة لشقتي من قبل العسكر عصر ذات يوم، اقتحمها وسط ذهولي حوالي ثلاثين عسكرياً بخوذهم وأسلحتهم الكاملة، كان أحدهم يحمل رشاشاً بشريط رصاص طويل يلفه على جسده، وبقيادة “عقيد” موتور، استلم حديثاً الموقع العسكري ـ الشقة، والحاجز الأمني أمامها، دخلوا كمن يقتحمون ساحة معركة. ظننت أن ما يحدث أمامي “فيلم رعب أمريكي”، وأنني دخلت مشاهده بالخطأ عن طريق تقنيات “الواقع الافتراضي” الحاسوبي… كان عسكري واحد يكفي ليأخذ مني ما يريد.

وبما أن معظم الجنود المداهمين يعرفونني، يشاهدونني أدخل إلى البناية وأخرج منها يومياً عدة مرات، وهم في نوبات حراستهم على مدخلها، فقد بدوا متوترين، لا يعرفون ماذا يفعلون بي… صرخ بهم العقيد “فرغوا الخزانة… اقلبوا الأرائك… انزعوا الفرش عن الأسرة… ابحثوا في أواني المطبخ… اقلبوا الكتب أرضاً”… كنت أرغب بقلم وورقة لأسجل كيف يبحث الجنود عن أنفاق وممرات ومغائر في شقتي، لكن معركة حامية الوطيس من قلب الأثاث وبعثرته رأساً على عقب كانت دائرة.

وفجأة تحولت الشقة إلى ركام حقيقي، وكأنها تعرضت إلى زلزال مدمر، أو تسونامي بحري، وأنا مذهول مما يحدث. وجد الجنود بين ألعاب أطفالي “مسدساً بلاستيكياً، يرش ماء”… يعلق العقيد “وتقول لي أنك رجل مسالم… وأنت إرهابي.” وجد الجنود كرتونة، فيها ملابس داخلية قديمة لزوجتي… أخرجها العقيد قطعة قطعة بطرف بندقية، يستعرضها أمام العسكر، وهو يصرخ بسخرية “وتقول أنك مثقف، والنساء “الشراميط” تحضر لعندك طوال الوقت.”

لم يكن يريد “العقيد” سوى إهانتي، وربما ودفعي إلى مغادرة الشقة، وكأنه يشعر بالحقد لأنه لم يتم اعتقالي بعد ولا مرة، فلم أكن فقط رجلاً تجاوز الستين من عمره ومسالماً، إذ أنه من المفترض أيضاً أني أعيش بأمان في موقع عسكري، حيث لا يزورني أحد فيه. خرج العسكر من ركام الشقة، أما أنا فجلست بين ركام الزلزال والتسونامي، وقد زارت عيني دمعتان، وأنا أنظر إلى شيء واحد معلق أمامي على الجدار، نسي العسكر نزعه؛ كان برنس ابني الصغير، الذي خرج به من الحمام يوم هروبه، وبقي معلقاً منذ ثلاث سنوات بانتظار عودته…  بقيت مذهولاً طوال الليل حتى غفوت فوق كومة ثياب.

في صباح اليوم التالي، ودون أن أرتب شيئاً في الشقة من ركام الزلزال، جلست إلى طاولتي، وبدأت أكتب روايتي التالية “فيلم سوري طويل” أو باسم آخر “مرايا الحياة في زمن الموت”… تفجرت أفكار الكوميديا السوداء الساخرة بطريقة مذهلة، لم أستطع إيقافها وهي تتدافع وأخذت أكتب بجنون شهراً، واثنين، وعشرة، وسنة.

وفي أثناء ذلك، كان “العقيد” الموتور “يعفش” جميع البيوت الفارغة بدعوى أن مالكيها “إرهابيون”، مستغلاً عدم خروج الأهالي ليلاً خوفاً من القنص، ويؤمن الغطاء الأمني لخطف أهالي من البلدة من أجل الحصول على فدية مالية عالية. ويوم ماتت والدتي السبعينية “نبش” الجثة حتى كاد يفك الكفن عنها ـ دون أن أعرف عن ماذا يبحث، وسمح لستة أشخاص منا بدفنها في المقبرة، بعد الحصول على موافقة أمنية، وتحت إشراف حاجز عسكري مجاور لها… ويوم انفجر به لغم ومات، زغردت النساء في بلدتي، فيما لف هو بالعلم الوطني.

أنهيت الرواية منذ عامين، وتنتظر دورها في النشر. أتريث قليلاً حتى تأخذ “الغرانيق” مداها.

سيطر “عسكر النظام” على بلدتي بعد عدة حملات اجتياح واعتقالات وقمع دموي لها، وأصبح الأهالي تحت رحمة “أجهزته الأمنية” و”ميليشياته الانكشارية الطائفية”، إلا أن خط النار مع “المنتفضين” سيستقر لعدة سنوات غير بعيد عنها ببضعة كيلومترات فقط. وفي أثناء ذلك، لم ينقطع الأمل لدى الأهالي  من “تحرير” مناطقهم، رغم بدء تكدس “الميليشيات الشيعية الإيرانية” فيها.

كانت “الانتفاضة السورية السلمية” قد تحولت إلى “العسكرة” كرد فعل على العنف الموجه إليها من قبل “النظام العسكري”، ومن ثم إلى “الأسلمة”، بعد أن غدت مطية دول إقليمية تحت يافطة “أصدقاء سوريا”. وكل منها يريد تحقيق مصالحه في البلاد باسم “المعارضة”، ضمن صراعات نفوذ ونزاعات إقليمية ودولية، تشتم منها رائحة “النفط” و”الغاز”، و”الموقع الاستراتيجي للتحالفات العسكرية.

حمل “المنتفضون” في البداية اسم “الجيش الحر”، الذي ما لبث أن حلت مكانه “جماعات إسلامية”، رفعت رايات سوداء وبيضاء، حسب الجهات الخارجية الداعمة. وتحولت إلى التنازع فيما بينها، على “مناطق النفوذ والسيطرة”، إلى جانب الاختلافات الدموية على “حف الشوارب”، و”اللباس الأفغاني”، وإقامة الحدود على “المدخنين”، و”المرتدين”، و”النصيرية”. وما أن تسيطر جماعة منها على “بضعة أمتار” من أرض حتى تعلن عليها “خلافتها الإسلامية”، وتقوم بـ”تطبيق الحدود” على أهاليها، متناسية شعارات “نصرة المستضعفين” والوقوف بوجه “المستبد” التي كانت تدعي أنها سبب إعلانها. كان الأهالي بحاجة إلى “بطولات” تشابه “أحلام اليقظة الجمعية”، ألبسوها لبعض “المغامرين” كمنتفضين، وسيكشفهم المستقبل مشاركين في عمليات خطف لـ”الكفار” مقابل الفدية، لا فرق بينهم وبين العصابات التي ترعاها “الأجهزة الأمنية” سراً لخطف الأهالي مقابل الفدية.

وفيما انضم إلى “الجماعات الإسلامية” مقاتلون أصوليون من بلدان مختلفة، كان نشطاء “الانتفاضة” السلميون ومعظم “المنشقين العسكريين” ينسحبون من المواجهة مع “النظام”، بعد افتقاد الدعم “الغربي الديمقراطي المزعوم”، ويتفرقون مهجرين مشردين في بلدان مختلفة.

وفي لحظة انهيار في صفوفه، استقدم “النظام” ميليشيات شيعية إقليمية بقيادات إيرانية، وتحول إلى أداة إيرانية، تقوم بتدمير منهجي لمناطق “السنّة” بالبراميل المتفجرة، ضمن مشروع “التغيير الديموغرافي الإيراني”، والقائم على تهجير أكبر عدد من سكان هذه المناطق بـ”غطاء دولي” صامت. لم تكن إيران ترغب بانتهاء الحرب وقيام تسوية سياسية ما، إذ كان معنى ذلك خروجها من البلاد خاسرة، لذلك فلتشتعل طويلاً مادام وقودها هم “أهل البلاد” من أجل “هلالها الشيعي”، وطالما منحها “أوباما” فرصة تاريخية لن تتكرر بسهولة مقابل “الاتفاق النووي” معها.

وفي لحظة انهيار ثانية لـ”النظام”، رغم ثقل “الدعم الإيراني”، دخل “الروس” بقوة تدميرية هائلة، مناسبة للصراع مع جيوش غربية قوية، بدعوى القضاء على “الإرهاب”، وأخذوا يستكملون تدمير البلاد. وبالمقابل شارك الأمريكيون بالتدمير في “حصتهم” من الشمال السوري، وفي بقية المناطق لم يكونوا فقط “يتفرجون” على “المجزرة”، وإنما يعملون أيضاً على إذكاء “جذوتها” باستمرار، دون السماح لطرف بالانتصار على الآخر، حتى تتدمر كامل البلاد، وتتحقق أهدافهم بتقسيم المنطقة وإعادة رسم حدودها.

أنتظر أهالي بلدتي طويلاَ، مثل أهالي البلدات الأخرى،  قدوم “الإسلاميين” لـ”تحريرهم” من سلطة “عسكر النظام” و”الميليشيات الإيرانية”، بعد أن وعدوهم بـ”النصرة” أو “الشهادة في سبيل الله”، وقد كانوا قريبين منها عدة كيلومترات فقط… وإذ بـ”الإسلاميين” يهاجرون إلى الشمال، تاركين أهالي البلدات الذين انتظروا طويلاً “نصرتهم”، وسلموهم إلى “النظام” و”ميليشياته”، واستغنوا عن “الشهادة في سبيل الله”. حدث هذا باتفاقات إقليمية مريبة، قطرية ـ تركية من جهة، وإيرانية من جهة أخرى، على طريق إقامة كيانات “سنية” و”شيعية” مستقبلية، فيما سلمت تركيا حلب إلى”النظام” و”الميليشيات الشيعية”، فقصمت ظهر “معارضة النظام” نهائياً، مقابل منحها الحرية في منع تشكل “دولة كردية” في مواجهة الضغوط الأمريكية.

وبعد ما تم الاتفاق على تقسيم “الكعكة السورية” بين القوى الإقليمية والدولية، لم يعد هناك مبرر لوجود “داعش”، التي حضرت إلينا كل القوى الإقليمية والدولية بدعوى قتالها، فاستكملوا تدمير البلاد بدلاً من تدميرها… أما “داعش” فقد تلاشت لوحدها بهدوء نسبي، دون أن تترك أثار “أسرى حرب  أو محاكمات…، بعد أن أدت دورها في مسلسل أمريكي هوليودي متقن الصنع مخابراتياً.

وفي هذه الأثناء، تحول السوريون بجميع أطرافهم إلى المشاركة في مشاهد مسرح موت عبثي على أراضيهم، يلعبون فيه معاً أدوار “القاتل” و”المقتول”، في صراع بين “مشروع وهابي خليجي” و”مشروع شيعي إيراني”، إلى جانب صراع من أجل “بناء مشروع إخوان مسلمين إقليمي” “بناء هلال شيعي”، لتكتمل حكايات الموت بصراع خفي ضاري بين الروس والأمريكيين على مناطق النفوذ… ثم فقد السوريون الحماس لأدوار “القاتل” و”المقتول” معاً، في لعبة لم يعودوا يدركون أبعادها.

يموت الأهالي في المناطق الواقعة خارج سلطة “النظام” ـ المسماة “محررة” ـ بقصف تدميري لا يرحم، يمارسه “الجميع ضدهم”، في اختبارات لأحدث الأسلحة، بما فيها الصواريخ العابرة للقارات. وبالمقابل لم تسلم مناطق “النظام” من الجنون الذي ينال الجميع، فليس هناك خيار أمام الشباب من كل الأعمار إلا سوقهم إلى “الخدمة الإجبارية” أو “الخدمة الاحتياطية” أغناماً ماضية إلى “الذبح”، في حروب “الآخرين” العبثية… أو التهجير والتشرد في أصقاع الأرض.

تشظت البلاد، وقد اقتسمتها القواعد والجيوش والميليشيات الأجنبية، و”تشظى” الإنسان معها أيضاً، وقد اقتسمته “عسكرة النظام” و”أسلمة ما تبقى من معارضة”، بحدودهما القصوى… و”تشظى” في الوقت نفسه من رُمي خارج البلاد. في الداخل إنسان ممزق بالرعب والموت المجاني، وعليه أن “يصفق” بقوة لآلهة بهيمية متوحشة غامضة، كي يعيش، وفي الخارج ممزق بالضياع والتشرد، و”الحنين” لأشياء مبهمة كانتها البلاد؛ بيته وأصدقائه وذكرياته… وإلى جانب ذلك عدنا نعيش جنون “ما قبل الحداثة”، لا أدري إن كنا قد غادرناها أصلاً؛ جنون “البداوة”، و”الطوائف”، و”عسكرة البوط”، و”عسكرة السيف”، وتحول من يمثل السوريون إلى “دمى في مسرح عرائس.” وأصبحنا نتحدث عن “نصيريين”، بدلاً من علويين، وسنّة، ودروز، وإسماعيليين، وعن “تشييع ولطميات”، و”أمويين وحسينيين”… عن مسلمي و”مسيحيي جزية”… عن عرب، وأكراد، وتركمان، و”فينيقيين” بانتماءات جديدة… عن عبدة “ابن تيمية” و”الإمام علي”، وطقوس وثنية لـ”البوط العسكري” و”بوتين”… عن “كعبة مكة” و”كعبة قم”… وعن “غرانيق” جديدة في الأرض.

… وهكذا ولدت روايتي الأخيرة “تشظيات”؛ تشظيات الإنسان السوري من أي طرف كان، وفي أي مكان كان… أصبحنا في الوقت نفسه “جلادين” و”ضحايا” لأنفسنا…”ساديين” و”مازوشيين”، نغرق في أحلام يقظة يائسة تعبيراً عن فشلنا في مواجهة الذات والواقع. أكتب “تشظيات” بناء على شهادات “ناجين من الاعتقالات”، و”ناجين من الغرق في البحار”، مازالوا يعيشون الجرح اليومي النازف… شهادات “جلادين للنظام” و”أمراء حرب إسلاميين” يفتخرون بساديتهم علناً… هي شهادات الموت والحياة… شهادات أعدت صياغتها أدبياً، ولكثرتها كان عليّ أن أختار منها لضرورات النشر.

لم تحطم “الانتفاضة السورية” تماثيل “الغرانيق” في الساحات فقط، وإنما تماثيل “الغرانيق” في العقول أيضاً؛ أشباه الآلهة تلك التي حاول عسكر “النظام الشمولي” أن يزرعوها في أذهاننا بالرعب والقمع… لكن في الوقت نفسه أتساءل من أين يأتي كل هذا العنف الذي يعيشه السوريون، وبأيديهم؟ هل هو ميراث الستالينية، الذي ورثته “الأحزاب العقائدية” لدينا، التي انكشفت هشاشتها وجذورها العشائرية والطائفية، بغض النظر عن علمانيتها الشكلية، ميراث تشربه العسكر، بعد أن دعموه بمزج عجيب من “فقيه السلطان”… أم هو “طبائع البداوة” و”الاستبداد الشرقي” المتجذر في نفوسنا وثقافتنا اليومية… أم هو تداعيات “تهميش المدن والأرياف” من قبل “استبداد عسكري أمني” خلال زمن طويل لصالح “مافيات إنكشارية طائفية”… أم هو “الترييف العسكري” ـ بمظهره “السلطوي” ـ في مواجهة “ترييف محافظ متعصب”… أم هو “عسكرة الحياة اليومية والمؤسسات والعقول والثقافة” التي مارسها العسكر والأحزاب العقائدية، إلى جانب تاريخ متجذر من “الدعوة اليومية إلى الجهاد على منابر المساجد” يقابله “خوف الأقليات التاريخي العميق”… أم هذا كله مجتمعاً؟

منذ السنوات الأولى لـ”الانتفاضة” ساد نقاش بين الروائيين السوريين عن الكتابة عن “الثورة السورية” أو عن “الحرب” لمن فقدوا الأمل من الثورات بعد أن عاشوا المآلات… هل نكتب في خضم الأحداث، أم عندما تنجلي الأحداث؟

كان رأي الجهة الأولى هي الكتابة في خضم الأحداث، فتأتي الحكايات أكثر حرارة وانفعالية، حيث يمكن نقلها بصورة أكثر واقعية ووثائقية، فالروائي هو ابن الأحداث التي يعيشها، وهو الذي ينفعل بها، وينقلها مباشرة، وهنا بالذات من خلال احتكاكه المباشر مع الموت والخراب والتهجير.

لكن بالمقابل كان رأي الجهة الثانية معاكساً، إذ ينبغي انتظار انجلاء المشهد في خواتمه، حتى يمكن محاكمة الأحداث التاريخية بطريقة أكثر عقلانية، فمن كان يظن أن “الانتفاضة السلمية” ستفرز “إسلامييها المتطرفين”، على سبيل المثال، ومن كان يتوقع هذا الجنون من تدخل القوى الإقليمية والدولية في بلادنا من جرائها؟ وبرأيهم سيكون مثل هذا الحذر ضرورياً كي لا يسقط الروائي في موقف تاريخي لا يحسد عليه.

يبدو أن كلا الطرفين لديه نقاط قوته الإيجابية والسلبية… طبعاً مع الحفاظ على خصوصية كل روائي في مقاربة الأحداث. لكن هل كان من السهل أن تقول لروائي الآن بأن يتوقف عن الكتابة حتى انجلاء الأحداث؟

بالنسبة لي، لم أكن أفكر بأي من الرأيين السابقين، على الأقل بشكل مباشر، فأنا دائماً أعتقد أنني لست روائيا محترفاً، مع أني نشرت روايتي الأولى “وصايا الغبار”، والآن روايتي الثانية “الغرانيق”. لكن الكتابة اليومية ـ وإن بأبسط أشكالها كملاحظات ـ هي بالنسبة لي جزء من نفسيتي، ومن نمط حياتي، وطريقة تفكيري، هي جزء من حياتي اليومية، وأمارسها كما أمارس “أحلام اليقظة”… هي الهواء الذي أتنفسه وأعيش به، والحلم الذي يجعلني أحتمل الحياة القاسية حولي، سواء بوجود “حرب” أو بدونها.

وبالمقابل لدي شعور مبهم دائم أني أطفو في الزمن، مما يجعلني أعيش حياتي كأحداث كرواية، فتتكامل الحياة اليومية مع الكتابة في صياغتها. وبهذا تغدوا الحياة التي أعيشها رواية، والرواية التي أكتبها هي حياتي. ولذلك أكتب دائماً بضمير المتكلم “أنا”، ويسيطر دائماً على رواياتي بطل واحد، لكنه منفصم الشخصيات، أو بالأحرى متشظ إلى عدة شخصيات في آن واحد، هو انعكاس لتشظينا في الحياة؛ في مجتمع قمعي يفرض وجوده على أدق تفاصيل حياتنا، حتى على أحلامنا. ومنذ طفولتنا يحتل “رجل الأمن” و”رجل الدين” ـ عسكرة وأسلمة بتوافق غريب ـ حيزاً كبيراً من حياتنا… ولقد عشت أيام الحرب ـ دون أوهام البطولة ودون أحلام اليقظة الجماعية عنها ـ كشاهد على الموت والخراب والتهجير، أنا وعائلتي وأقارب أصدقاء لي، وهو ما سجلته في كتاباتي.

هل أبدو بهذا ميالاً إلى الرأي الأول عن الكتابة في خضم الأحداث؟ ربما نعم، ولكنني باللاشعور كنت حذراً من الوقوع في التداعيات السلبية التي يعرضها الرأي الثاني… فأنا أكتب دائماً عن إنسان مأزوم، منفصم، متشظ، ولا مكان لدي لتمجيد شخص سيكشفه الزمن  “ديكتاتورا عسكرياً”، أو “أمير حرب إسلامياً”، ولا أتحمس لمجموعة سيكشفها الزمن لاحقاً مجموعة إرهابية أو إسلامية متطرفة… أكتب عن المجرم، الذي سيبقى أبد الدهر مجرماً بأفعاله، وأكتب عن الإنسان البسيط المعذب، الذي سيموت بسيطاً ومعذباً… أكتب كي لا تشوه دعاية “المنتصر” حقيقة الموت والخراب الذي نال منا جميعاً… أكتب الحكاية كي لا ننسى، حكايات الشوارع البيوت والحقول، التي دمرتها الحرب، حكايات المصاطب الطينية التي تظللها أشجار الجوز ونشرب عليها الشاي في البلدات، وحكايات الأسواق الشعبية في المدن. حكايات بلا “عسكرة” و”أسلمة”، بلا “بوط عسكري” و”سيف إسلامي”.

كتبت هذه الشهادة بطلب من “صالون سوريا” وستتبعها شهادات أخرى لكتاب وشعراء سوريين يتحدثون عن تجربتهم الشخصية في الكتابة في سياق التجربة السورية في السنوات الأخيرة.

سوريا في أسبوع، ١٢ شباط

سوريا في أسبوع، ١٢ شباط

مصيدة الطائرات
5-11  شباط/ فبراير  2018

ليس سراً أن سوريا تحولت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي. وفي هذا الأسبوع أسقطت أربع طائرات غير سورية وجرت خمسة صراعات خارجية في سوريا. أسقط معارضون قاذفة روسية في ريف إدلب، وقصفت قاذفات أميركية موالين للقوات الحكومية السورية شرق نهر الفرات، وأسقط مقاتلون أكراد مروحية تركية قرب عفرين شمال حلب. واعلنت اسرائيل اسقاط طائرة “درون” ايرانية  فوق الجولان، ودمرت مضادات سورية  طائرة “إف – 16” إسرائيلية.

تجاوز “الخطوط الحمراء” في سوريا
10 شباط (فبراير)

أسقطت الدفاعات الجوية السورية “سام 5” طائرة إسرائيلية من طراز”إف-16″، أثناء عودتها من غارة على القاعدة الجوية “تي-“4 في وسط سوريا.  وتمكن الطياران من القفز من الطائرة وأصيبا بجروح أحدهما في حالة خطيرة. وآعلنت إسرائيل شن ضربات “واسعة النطاق” استهدفت مواقع “إيرانية” في عمق الأراضي السورية، بعد إسقاط  الـ “إف 16”.

وتضمن التصعيد تجاوزا للخطوط الحمراء في سوريا التي كان يعتقد أنها خاضعة لقواعد اشتباك محددة فرضها الوجود العسكري المباشر لروسيا منذ نهاية 2015. 

وأكد مسؤولون أن مضادات جوية تابعة لدمشق أسقطت الـ “إف 16″، وذلك في أول حادثة من نوعها منذ نحو 30 سنة، فيما أشار الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى صراحة إلى ضرب أهداف إيرانية في سوريا، موضحاً أن التصعيد بدأ مع دخول طائرة “درون” إيرانية الأجواء الإسرائيلية من الأراضي السورية .

وأفيد بأن الغارات الإسرائيلية استهدفت مواقع شرق حمص فيها قوات إيرانية وعناصر من “حزب الله” اللبناني. وشنت المقاتلات الإسرائيلية موجة ثانية من الغارات على “12 هدفاً إيرانياً وسورياً بينها 3 بطاريات صواريخ مضادة للطائرات، و4 أهداف إيرانية غير محددة”، بينها قاعدة “تيفور” في وسط البلاد، حيث يقيم خبراء روس وإيرانيون.

واذ قال “حزب الله” ان التصعيد  الاخير “تحول” في الصراع، احتفل سوريون في دمشق بإسقاط الطائرة الاسرائيلية.  

وأعلنت واشنطن دعمها لـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مؤكدة أنها تسعى إلى جهد دولي أكبر “للتصدي لأنشطة إيران الخبيثة”، فيما دعت موسكو “جميع الأطراف إلى ضبط النفس.”

تحليل:  

تردد في أوساط دبلوماسية حصول اطلاق دولية  للوصول بهدوء وتدرج إلى “قواعد اشتباك” جديدة جنوب سوريا تتعلق بانتشار “حزب الله” وفصائل تدعمها إيران وسلاحها للدفع بانسحاب المقاتلين الأجانب وتنفيذ “هدنة الجنوب”، إضافة إلى بحث مصير اتفاق “فك الاشتباك” في الجولان وعمق انتشار “القوات الدولية لفك الاشتباك” (إندوف) ومهماتها وسلاحها بين الجولان ودمشق.

نزيف الغوطة الشرقية…المستمر
8-9-10 شباط (فبراير)  

شهدت الغوطة الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة سقوط أكبر عدد من القتلى في أسبوع واحد منذ عام 2015 جراء قصف تشنه القوات الحكومية ما أدى إلى مقتل 250 شخصاً في الأيام الخمسة الماضية بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان صرح السبت أن الضربات الجوية السورية والروسية على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة أسفرت عن مقتل 230 مدنياً خلال الأسبوع الماضي في أحداث تعد من أسوأ أعمال العنف في الصراع السوري وقد تصل إلى حد جرائم الحرب، وتابع “بعد سبعة أعوام من الشلل في مجلس الأمن، يصرخ الوضع في سوريا لإحالة الأمر للمحكمة الدولية ولبذل جهد على نحو منسق.”

تقوم فصائل المعارضة بإطلاق قذائف هاون على العاصمة الجنائية السورية والتي أدت إلى سقوط 5 قتلى وعدد من جرحى بين المدنيين، بحسب وكالة سانا السورية الرسمية.

وتعيش الغوطة الشرقية في حصار محكم منذ وفي ظل الحصار المحكم على المنطقة منذ 2013 وتعاني من ارتفاع اعداد الضحايا، عجز الأطباء والمسعفين عن القيام بمهامهم جراء النقص في الادوية والمستلزمات الطبية.

أخفق مجلس الأمن الدولي في اجتماع عقده الخميس  في التوصل الى نتيجة ملموسة حول قضية إعلان هدنة إنسانية في سوريا، بناء على طلب السويد والكويت حيث يزداد الوضع خطورة في مناطق عدة أبرزها الغوطة الشرقية قرب دمشق.

ويدرس مجلس الأمن الدولي المطالبة بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً للسماح بأرسال المساعدات الإنسانية وإجلاء المرضى والمصابين. ويدعو مشروع القرار “كل الأطراف إلى رفع الحصار فوراً عن المناطق السكنية بما في ذلك الغوطة الشرقية واليرموك والفوعة وكفريا.”

وتؤيد الولايات المتحدة وفرنسا مشروع القرار وتركز على احتمالات استخدام النظام السوري للكلور في هجماته على المعارضة بالإضافة إلى تصعيد القصف وزيادة الضحايا من المدنيين.

وكان خبراء جرائم الحرب في الأمم المتحدة قد ذكروا يوم الثلاثاء إنهم يحققون في عدة تقارير بشأن استخدام قنابل تحوي غاز الكلور المحظور ضد المدنيين في بلدتي سراقب في إدلب ودوما في الغوطة الشرقية بسوريا.  

استنزاف تركيا
7-10 شباط فبراير

قُتل 11 جنديًا تركيًا السبت بحوادث عدة، وهي أكبر حصيلة قتلى بصفوف الجيش التركي منذ بداية هجومه على عفرين بشمال سوريا في 20 كانون الثاني/يناير. وقد أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مقتل عسكريَّين تركيَّين اثنين عندما تم إسقاط مروحية عسكرية تركية.

وفي وقت لاحق أعلن الجيش التركي أن تسعة عسكريين قُتلوا بحوادث عدّة، من دون أن يوفّر مزيدًا من التفاصيل. كما أشار إلى أن 11 جنديا تركيا اخرين قد أصيبوا بجراح. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أروغان من جهته انه تم شل حركة 1141 “ارهابيا” خلال العملية في شمال سوريا، ويشمل هذا العدد القتلى والجرحى والمعتقلين.

ويستمر التصعيد في جبهة عفرين وسط اتهامات تركيا للولايات المتحدة بدعم الفصائل الكردية، وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة تعمل ضد مصالح تركيا وإيران وربما روسيا في سوريا حيث ترسل إمدادات عسكرية لمنطقة تحت سيطرة قوات يهيمن عليها الأكراد. وأضاف “يعني هذا أن لديكم حسابات ضد تركيا وإيران وربما روسيا” وكرر دعوته لسحب القوات الأمريكية من مدينة منبج بسوريا. (رويترز) واستنكر الاتحاد الأوربي الهجوم التركي على عفرين واعتبره “وسيلة غير فعالة” لتعزيز الأمن التركي. (عنب بلدي)

ومن جهة روسيا فقد نقلت وكالة الإعلام الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله يوم السبت إن تشكيل منطقة لخفض التصعيد في عفرين بسوريا سيكون موضع بحث في محادثات آستانة للسلام. كما التقى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بالرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران الأربعاء وسط تصاعد التوتر بشأن سوريا، حيث تطالب طهران تركيا بوقف عملية “غصن الزيتون”.

وفي تطور مواز قال قائد في التحالف العسكري الداعم للنظام السوري يوم الاثنين إن الجيش السوري ينشر دفاعات جوية جديدة وصواريخ مضادة للطائرات على الجبهات في منطقتي حلب وإدلب. وقال القائد العسكري “الجيش السوري يستقدم دفاعات جوية جديدة وصواريخ مضادة للطائرات إلى مناطق التماس مع المسلحين في ريفي حلب وإدلب بحيث تغطي المجال الجوي للشمال السوري.” وهو ما ينذر باحتمالات تصعيد على جبهتي ريف حلب وإدلب.  

تثبيت اميركي  لـ “الخط الأحمر”
8 شباط/ فبراير

قال التلفزيون الرسمي السوري يوم الخميس إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم “داعش” قصف قوات موالية للحكومة شرقي نهر الفرات في محافظة دير الزور بشرق البلاد ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. ووصفت بيانات أذاعتها محطات التلفزيون القصف بأنه “عدوان جديد” و”محاولة لدعم الإرهاب.”  

وقال دبلوماسيون ان هذا استهدف تثبيت “الخط الأحمر” لمنع موالين دمشق عبور نهر الفرات الى مناطق تحت سيطرة قوى تدعمها اميركا.

وكان مسؤول أميركي صرح أن أكثر من 100 مقاتل من المتحالفين مع الرئيس السوري بشار الأسد قُتلوا بعد أن أحبط التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوات محلية مدعومة منه هجوما كبيراً ومنسقاً.

ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن وزارة الدفاع قولها يوم الخميس إن الهدف النهائي للولايات المتحدة في سوريا ليس محاربة تنظيم “داعش”، لكن الاستيلاء على أصول اقتصادية. وأضافت أن المقاتلين السوريين الذين استهدفهم التحالف بقيادة واشنطن لم ينسقوا أنشطة استطلاعهم بشكل مسبق مع روسيا.

قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن الولايات المتحدة لا تسعى لصراع مع قوات الحكومة السورية لكن من حقها الدفاع عن النفس. كما وصف وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس محاولة هجوم على قوات أمريكية وقوات تدعمها واشنطن في سوريا بأنه “مربك” قائلا إنه لا يعرف ما الذي يدفع قوات موالية للحكومة السورية لمحاولة تنفيذ الهجوم المنسق.

“داعش” نحو إدلب
10 شباط

سيطر الجيش النظامي السوري على الجيب الذي يحاصر فيه عناصر من “داعش” بعد أن نقل تركيز المعارك من جبهة سراقب نحو المنطقة المحاصرة بين أرياف حماة وحلب وإدلب. وأعلن سيطرته على كامل الجيب المحاصر. وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن الجيش ترك ممراً لعناصر داعش للعبور إلا إدلب حيث اشتبك عناصر داعش مع مقاتلين في المعارضة في محافظة إدلب.

وقامت تركيا خلال الأسبوع السابق بإقامة موقع عسكري في شرق إدلب في مواجهة قوات النظام تطبيقاً لاتفاق خفض التصعيد. وقد قتل أحد الجنود الأتراك في هجوم بالصواريخ وقذائف المورتر في شمال غرب سوريا خلال إقامة هذا الموقع العسكري. وهو ثاني هجوم في غضون أسبوع يتعرض له جنود أتراك يحاولون إقامة موقع قرب خط المواجهة.  

وكان الأسبوع الماضي شهد تطوراً خطيراً من خلال إسقاط طائرة حربية وروسية من قبل فصائل المعارضة باستخدام صواريخ مضادة للطيران تحمل على الكتف، وعلى إثر ذلك قامت روسيا بشن غارات انتقامية في إدلب. حيث ذكرت مصادر بالدفاع المدني إن الغارات الجوية قصفت بلدتي كفر نبل ومعصران بالإضافة إلى مدن سراقب ومعرة النعمان وإدلب وإنه تم الإبلاغ عن سقوط العديد من القتلى وعشرات من الجرحى مع رفع رجال الإنقاذ الأنقاض.