في سجن “الدواعش” شرق سوريا

في سجن “الدواعش” شرق سوريا

مالك الشاب السوري البالغ من ثلاثين عاماً المتحدر من مدينة الباب بريف حلب الشرقي، “نزيل” مستشفى سجن الثانوية الصناعية مشددة الحراسة في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، يبدأ رواية قصته من أن العام 2014 سيبقى “تاريخاً محفوراً” في ذاكرته طوال عمره بعدما تغيرت مسيرة حياته رأساً على عقب. يعتقد بأنه سيدفع ثمن هذه التجربة طوال عمره حيث شن جهاديو تنظيم “داعش” المتطرف أكثر من 100 هجوم انتحاري على مسقط رأسه، آنذاك ذاعت سمعته بالترهيب والقتل والأجرام وسقطت الكثير من المدن والبلدات سريعاً دون مواجهة في قبضته، الأمر الذي دفع هذا الشاب وغيره القتال الى جانب التنظيم وانتهى بهم المطاف أما أسرى في غياهب هذا السجن؛ أو انهم قتلوا.

طيران التحالف
في غرفة طبية داخل مستشفى السجن، جلس مالك وهو ضخم البنية ذو شعر كثيف، ظهرت يده اليمنى مربوطة بالجبسين تبدو مكسورة. قال ان يده وقعت بعد حادث تدافع أثناء أعمال عنف وشغب وقعت بداية الشهر الحالي. وعلى الرغم من صغر سنه، فان الشيب غزا شعره. ولدى حديثه إلى لـ “صالون سوريا”، حاول استرجاع بداياته، ليقول: “نعم شاهدت كيف قام عناصر التنظيم بالذبح وقطع الرؤوس وتنفيذ التفجيرات. وبعد سيطرتهم على الباب كثف عملياته الانتحارية عبر أحزمة ناسفة وعلى متن الدراجات النارية وبعض هذه المشاهد رأيتها بأم عيني”.
وبعد توسع حروب التنظيم في الأراضي السورية ووصوله الى مدينة إدلب غرباً وحلب شمالاً ودمشق، إضافة الى مدن تدمر وحمص وسط البلاد، أكد هذا المقاتل أن الكثير من قادة التنظيم أدركوا حينذاك أنهم “خرجوا عن المسار الدعوي الجهادي”. وعن المعركة التي قسمت ظهر التنظيم المتشدد علق قائلاً: “كانت معركة عين العرب (كوباني) بعد دخول طيران التحالف الدولي للمعركة التي الحقت الهزيمة بالتنظيم، وقتها لو أكملت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وشنت هجوماً على باقي المنطقة سيما الرقة لاستسلم التنظيم في معقله الرئيسي”.

الارض فراش
في جناح مشفى سجن الصناعة بالحسكة، أفترش أكثر من 500 مصاب ومريض الأرض أو كانوا يرقدون على أسرة قليلة. بعضهم، نام تحت السرير وهذا المكان عبارة عن عنبر كبير بالإمكان مشاهدة أكياس من الخبز الطازج أو المجفف معلقة على الجدران. وتحولت علب المواد الغذائية مثل الزيت والحلاوة والطحينية إلى كاسات لشرب المياه أو مخصصة لرمي النفايات. هنا يمنع بإدخال أي مواد قاسية حديدية او زجاجية خشية من تنفيذ استعصار او الهجوم عل عناصر الحراسة بالسجن.
وجميع نزلاء المشفى كانوا يرتدون زي موحد برتقالي اللون، لكن البعض قاموا بتحويل البطانيات والأغطية الى ملابس بلون رمادي داكن مصنوعة يدوياً للحماية من برودة الطقس.
ومنشأة سجن الثانوية الصناعية بالحسكة من بين 7 سجون منتشرة في شمال شرقي سوريا يحتجز فيها عناصر كانوا ينتمون إلى التنظيم، تخضع لحراسة وإدارة قوات “قسد”، ومراقبة ودعم مالي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وتشير إحصاءات إدارة السجون بالإدارة الذاتية إلى وجود نحو 12 ألف شخص كانوا ينتمون إلى صفوف التنظيم المتشدد، بينهم 800 مسلح يتحدرون من 54 جنسية غربية، وألف مقاتل أجنبي من بلدان الشرق الأوسط، على رأسها تركيا وروسيا وشمال أفريقيا ودول آسيوية، بالإضافة إلى 1200 مسلح يتحدرون من دول عربية، غالبيتهم قدموا من تونس والمغرب، كما يبلغ عدد المتحدرين من الجنسية العراقية نحو 4 آلاف، والعدد نفسه يتحدرون من الجنسية السورية.

نادم… وينتظر
في غرفة للتحقيق تابعة لإدارة السجن، جلس التونسي مصطفى ودخله عامه الثاني بعد الثلاثين ينحدر من مدينة صفاقس الواقعة جنوبي تونس. يقول إنه كان يعيش في مدينة سوسة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، حيث منزله يقع على بعد أمتار من شواطئ البحر وكان يهوى ارتياد المقاهي والحفلات ويقضي معظم وقته برفقة أصدقائه وأبناء الجيران.
شاب نحيل البنية قصير القامة ذو لحية وشعر أسود اللون. بقي صامتاً ولم يبد أي تعليق عندما سُئل عن مشاهد القتل التي طالت مئات الصحافيين والمتطوعين الغربيين والناشطين السوريين الذين فُصلت رؤوسهم عن أجسادهم، لكن تحدث بحماسة عن “طريق الجهاد” ليقول: “يجب على المرء ان يفكر مائة مرة قبل سلوكه، لم تكن هناك خطط واضحة لي في الحياة والكثير من الأمور اعترضت طريقي، والنتيجة أنا سجين ومحتجز هنا”، لافتاً ان أكثر الأشياء التي يستطيع التحدث عنها بإيجابية تعرفه على زوجته، وأضاف: “أحب زوجتي وانجبت منها طفلين وهذا أكثر أمر إيجابي بحياتي، اما باقي الأمور لست راضي عنها لكن لا استطيع تغير شيء”.
ونقل التونسي إنه كان يعمل في المكتب الإعلامي للتنظيم ينتبج التقارير والمواد المصورة المرئية وينشرها على حسابات التنظيم، إضافة الى إعداد كتيبات وأوراق دعوية تنشر بين صفوف المقاتلين وعوائلهم. أدعى كيف حاول الهروب أكثر من مرة برفقة زوجته وأطفاله وقبض عليهم بتاريخ بداية 2019، ومن أصعب الذكريات المثقلة لديه لحظة أخبار والدته وصله الى سوريا سنة 2012، وقال: “أغمي على والدتي وتوسلت كثيراً بالعودة للمنزل والعدول عن قراري، ما كان في مجال أبداً وفي كل مرة أتصل بها مع والدتي تقول لي يجب ان تعود للمنزل”.
وأعترف ان أصعب لحظة ستكون لديه عندما يلتقي بها مكبل اليدين ومتهم بـ “دعوى إرهابية”، ليقول: “صفحة الجهاد طويت عندي والسنوات كانت كافية حتى أتخذ قراري هذا، انتظر معرفة مصيري وعائلتي بعد خروجي من السجن لكن حتماً سأكمل حياتي بشكل طبيعي”.

زحمة… وأبواب
داخل إحدى الزنازين، مهاجع مكتظة موصدة بأبواب مطلية بلون أخضر مرقمة بأحرف إنجليزية، إحداها بلوك (C4) وكتب عليها رقم 120 حيث أشار الحارس إلى عدد نزلائه. بداخلها رجال لحاهم طويلة بملامح أوروبية وروسية وآسيوية وعربية وتركية، قدموا من آلاف الكيلومترات للعيش في وهم طالما حلموا بتحقيقه، بينما أضواء المكان كانت خافتة مع صعوبة وجود بقعة فارغة بسبب تمدد الرجال على الأرض أو الوقوف بجانب الجدران لزحمة المكان، بعضهم كان يقوم بحك جلده وكثيرون منهم ناموا على فراش بسيط وآخرون انتظروا عند باب الحمام الوحيد.

الخوف من الاعدام
في مجموعة ثانية مكتظة، ظهر رجل طويل بلحية غير مهذبة وشعر أشعث كثيف يبدو أنه روسي الجنسية من ملامح وجهه. كان يلبس سترة مصنوعة من أغطية السجن، قال بمفردات عربية ركيكة إن ظروف احتجازه هي “صعبة للغاية وأنه لا يرى الشمس ومتى سأخرج من هنا”، وبحسب حراس السجن، يخرج هؤلاء في كل أسبوع مرة واحدة ولمدة ساعة لساحة مخصصة للترويض.
وتساءل سجين عراقي هل سيتم تسليمه إلى حكومته حيث تنفذ أحكام الإعدام، ووقف عند الباب ليقول: “أخاف تسليمي للحكومة العراقية والميلشيات الشيعية، قاتلنا لجانب التنظيم خشية من هذه الجماعات، أملي تسليمي لدولة ثالثة او محاكمتي هنا على نقلي للعراق”.
وبعكس مطالب هذا السجين العراقي، قال أخر فرنسي الجنسية من أصول مغربية أنه سلم نفسه برغبته الى قوات التحالف، مضيفا: “لقد قمت بتسليم نفسي وأتحمل العواقب، على حكومتي إعادتي ومحاكمتي أمام قضاء بلدي”.
وحسب إدارة السجون ومسؤولي الإدارة لم يسبق لهؤلاء المحتجزين الخضوع لعمليات استجواب أو تقديمهم للقضاء، وهم منقطعون عن العالم الخارجي ولا يعرفون التطورات الميدانية التي شهدتها المنطقة خلال فترة احتجازهم، التي مضى عليها عامان ونصف العام، ويخضع لرقابة صارمة على مدار 24 ساعة عبر تفقدهم ومراقبتهم بكاميرات ضوئية وحرارية، وأجهزة لاسلكية متطورة لتتبع تحركاتهم وتصرفاتهم.

لغة فصحى
وفي غرفة التحقيق سمحت إدارة السجن بمقابلة مواطن ألماني تحدث بلغة عربية فصحى، ورفض ذكر أسمه أو مهامه القتالية في صفوف التنظيم. وبحسب ملفه كان رامي سلاح رشاش (بيكيسي) حيث سافر نهاية 2012 جواً الى مصر ومنها أكمل الرحلة نحو تركيا ودخل الى مدينة إدلب غربي سوريا عبر شبكة أسماء وهمية. خضع وقتذاك لـ “دورة قتالية وشرعية”، وبقي هناك قرابة عام وبعد انقسام “جبهة النصرة” (التي سمت لاحقا بهيئة تحرير الشام) عن تنظيم “داعش”، التحق بصفوف الأخيرة وقصد مدينة الرقة التي كانت يومذاك العاصمة الإدارية للتنظيم، ويعزو السبب الى انه “رفض تسميته بالتنظيم. لقد كانت دولة والراية والمنهج واضح لذلك أخترت القتال الى جانبها، وأكثر من 90 بالمائة من المهاجرين التحقوا بها”.
وبعد 3 سنوات من قدومه الى سوريا وتحديداً سنة 2015 دخلت حياته مواطنه ألمانية تعرف عليها عن طريق مكتب الزواج، وقال ان أحدهم دله عليها وقرر الزواج بها. واضاف: “كانت قبل سفرها لسوريا مطلقة ولديها أبنة، عشنا بالرقة وأنجبنا طفل هناك، وبعد عام تزوج من عراقية وأنجبت طفل ثاني منها”، وعن زواجه الثاني ارتسمت على وجهه الهادئ ابتسامة ليقول: “الشرع حلل الزواج من أربعة شرط العدل، فقررت الزواج من عراقية لتمتين العلاقة بين الأنصار والمهاجرين”.
وهذا الألماني والعراقي والتونسي والسوري وجميع القابعين في سجون تقع شرقي الفرات كانوا مقاتلين في صفوف التنظيم واستطاع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بالتعاون مع “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية – العربية، في مارس (أذار) 2018 القضاء على آخر جيوب (داعش) في بلدة الباغوز شرقي دير الزور الواقعة أقصى شرق سوريا، معلناً تحرير جميع المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق منذ 2014.
آنذاك نقل الرجال إلى سجون ومحتجزات فيما أخرجت النساء والأطفال إلى مخيمي “الهول” و “روج” للنازحين بمدينة الحسكة. أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 10 سنوات فرحلوا إلى سجن الأحداث في قرية تل معروف التابعة لمدينة القامشلي شمال شرقي سوريا.

ورشة تدريب صالون سوريا

ورشة تدريب صالون سوريا

نظم “صالون سوريا” ورشة تدريب لصحافيين سوريين بين 12 و14 شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
شارك في الورشة، التي جرت عبر تطبيق “زووم”، صحافيون من خارج سوريا وداخلها من الجنوب الى الشمال ومن الغرب الى الشرق.
تضمن اليوم الاول من برنامج الورشة، جلستين عن الأنواع الصحافية وحساسة الصحافة للجندر والتنوع الاجتماعي.
وتضمن اليوم الثاني، جلستين، عن الاخلاق العامة والتكنولوجيا، والفرق بين الصحافة المكتوبة والصحافة المرئية.
في اليوم، الاخير، كانت هناك جلستان، الاولى، عن علاقة الصحافة والمصادر، والاخرى، عن حرية التعبير وخطاب الكراهية.
واضافة الى الحوار بين المشاركين والمدربين المتمرسين بالمهنة دراسة وعملاً خلال الايام الثلاثة، تضمنت الجلسة الاخيرة حواراً مع المشاركين عن المرحلة المقبلة، والتعاون بين المشاركين و “صالون سوريا” وفق طموحه في أن يكون جسراً بين جميع السوريين ومنصة اعلامية لهم حيثما كانوا واينما حلوا.

عشوائيات دمشق… صناديق الفقراء والمثقفين

عشوائيات دمشق… صناديق الفقراء والمثقفين

بلوكات تشكل صناديق مربعة أو مستطيلة تطل من كل الاتجاهات على دمشق. تختلف في البعد، لكنها تشكل طوقاً حولها. هذه الأضلع المتشابهة من البلوكات ليست حكراً على الفقراء فقط، في منازلها العشوائية وعلى أدراجها التي يعجز عن تصميمها أهم المهندسين تعيش نُخب ثقافية من كتّاب وكاتبات، مهندسين/ات، أطباء وطبيبات، وأساتذة جامعة، وصحفيين /ات، يصعدون كل يوم مئات الأدراج للوصول إلى منازلهم، أو ربما كان حظ أحدهم عظيم فاستطاع أن يهرب من حفرةٍ ولم يقع بها منتصف أو طرف الطريق. هنا الجميع متساوون في الحقوق، حق صعود الأدراج، وحق المرور أو ربما العيش بجانب خزانات كهرباء مفتوحة دائماً، وحق أن يشارك الجار جاره حتى بغرفة النوم بسبب انعدام المساحات الآمنة للعيش والحياة، نعم في عشوائيات سوريات لا يعيش الفقراء فقط، بل للنُخب حياةٌ في صناديق العشوائيات.

أحزمة البؤس!
“ماشفت حالي هون”، هكذا عبر فادي (38 عاماً) وهو أحد النحاتين الشباب عند سؤاله عن عدم سكنه في عشوائيات حي المزة بحكم تواجد الكثير من أبناء منطقته في المكان، ربما أتاحت له ظروفه الاقتصادية أن يرقى بفنه خارج جدران حارات لا تدخلها الشمس إلا قليلاً، بينما يرفض الكاتب ناظم مهنا تسمية “النخب”، ويشير أن العيش ضمن أسوار أحزمة البؤس (العشوائيات) حول المدن ليس اختيارا،ً إنما وجدت هذه الأحزمة كي تستوعب الفقراء الذين لا يستطيعون السكن الا بمثل هذه الأماكن. تجمع هذه الأحياء المتناقضات من فقراء وغير فقراء، متعلمين وغير متعلمين، فيها الشعراء والفنانين والكتاب، كل هؤلاء يعيشون في مكان غير لائق وغير إنساني على حد تعبيره. ويسأل: ” ماذا لو شُيدت هذه المنازل على ذات المساحة المشغولة والحافلة بالتناقضات بطريقة لائقة؟”.
توافق المحامية زينة إبراهيم كلام الكاتب، وتشير أنّ من يعيش في هذه المنطقة لديه رضا مبطن بالألم. ألم المعاناة اليومية من طرقات سيئة، ومنازل بدون شكل، و “كل ما يفعله الناس هنا، أن الجميع يستيقظ على مشاهد التلوث البصري في العمران”، وما يوحد الناس هنا أيضاً هو الحلم بمنزل لائق للعيش، دون الشعور أن كل جار يجلس مع جاره ويشاركه حتى غرفة النوم والمطبخ، منزلٌ يفضل بين الجيران جدران ومساحة آمنة.

ملك..الحمد لله!
تشكر المعلمة نجوى ( 40 عاماً) الرب أن لديها صندوقاً لا تدخله الشمس، تسكن به مع أسرتها، يقع على أحد أدراج “المزة 86” غرب دمشق، وتتعايش مع المجتمع بكل تفاصيل الحياة من جيران وسكان جدد عابرين ومستقرين في الحي، لكن تتحدث لـ “صالون سوريا” ضاحكة بمفارقة صباحية تعيش بها، وتقول، ان الآنسات في المدرسة التي تعلم بها يتحدثن عن النوادي الرياضية التي يرتادونها، وتفضل أن تبعد أبناءها عن الاختلاط مع الأقران في الشوارع، بسبب الخوف من سلوكيات لاحظتها عند الأطفال.
وفي الحديث عن تفاصيل الحياة في هذه العشوائيات التي تحمل فوق طرقاتها الوعرة ومنازلها الكرتونية، لا تختلف عن أي حي آخر سوى الضجيج الذي يعيق هدوءَ الحال لبعض الناس، حيث يتابع الكاتب مهنا أن الإنسان “مضطر للتكيف مع الأمر الواقع هنا”، أي في العشوائيات “ضجيج وزحام وفوضى شاملة، والسكن أيضاً بلا إيجابيات إلا كمأوى، لكن في هذه الأحياء يوجد أثرياء سعداء، وتفاصيل حياتي في السكن كشخص يكتب ويقرا الكتب ويلتقي بأشباهه لا تختلف كثيرا عما لو كنت في حي اخر، هذا العالم المحيط بي أشبه بعالم الحشر أو الجحيم حسب تعبيره، ولا يعتقد أن أحلام الخروج من هذا الآتون سوف تتحقق”.

منزل الأحلام!
تسند المحامية زينة رأسها على شباك “السرفيس” الذي يعود بها بعد عراك يومي مع الحياة إلى العشوائيات، وتحلم بمنزل في حي منظم، يعيش فيه طبقات متوسطة من الناس، تستطيع أن تستيقظ فيه دون صوت جارة تسلل عبر البلوكات العشوائية إلى غرفة نومي. تشاركها الصحافية حسناء (30 عاماً) بنفس الحلم، اي “غرفة وصالة خارج حدود العشوائيات:ـ لكن تقول أنه لسوء حظ هذه المهنة أنها تقوم على آلام الناس.
وتعتقد حسناء أن هذا المكان مليء بالقصص التي تخدم الدراما والمواد الصحفية “فيمكن أن يموت بعض الأطفال هنا في حفرةٍ للصرف الصحي إذا قرر اللعب بالشارع دون انتباه، وهنا أيضاً مات الناس يوم خفست بهم الأرض من عامين، وفي هذه المنطقة حيث هبطت الأرض والمنازل يعيش فقراء ومثقفون ونخب أيضاً”. ورغم كل ذلك لاتزال حسناء وزينة تحلمان بالخروج من صناديق البلوك، بعكس السيد ناظم الذي انعدم حلمه في العيش خارجها لصعوبة الواقع. ربما كان الكاتب الذي يحيك روايات وقصصاً واقعياً بحبكته أكثر من صحفية تنقل معاناةٍ خدمية يومية للناس، ومحامية تنتظر حكماً قضائياً لطفل حاول سرقةَ جارته يوماً في ذات الأحياء.

موقف قاس
لا يمر يوم مع أي مواطن دون حصول موقفٍ أو حادثة تعلمه دراساً يجعله يشعر إما بالرضى أو الحزن، وأحياناً يجعله يسأل أسئلة وجودية يحاور بها الرب؟ وكيف إذا كان يعيش في العشوائيات؟
تتذكر الصحافية أن أقسى موقف وضعت به يوم طافت الشوارع في منطقة “المزة 86” وبقيت ساعة ونصف تنتظر كي تصل بيتها رغم أن قطع مسافة الوصول لم تكن يتجاوز الخمس دقائق، وسألت الرب يومها لماذا تعيش هنا؟
وعاشت زينة في ذات الموقف ووجدت حلولاً بديلا كحمل حذائين مثلاً أحدهما للعمل وأحدهما للعشوائيات، لكن من أصعب المواقف التي أحياناً تلعن حظها عليها، وبعدها تحمد الله، عندما تحمل أسطوانة الغاز وتتسلق بها أدراج منزلها المرتفعة.
بين هذه البلوكات التي ترتفع أسعارها شراء وأجاراً شهرا بعد شهر، يقرأ الساكن والمتابع عن كثب كل حكايا المتناقضات بحبكات واقعية، تختلط فيها كل حياة الفقر والثراء والحب وحرب الحياة، تتجاور الهموم بنوافذَ تطلُ على بعضها، تنقل للجار حديثاً عابراً لجاره؟ بين كل هذه البلوكات تعيش بعض النُخب السورية، وتصدر الكثير من المؤلفات والمواد الصحفية والوصفات الطبية وينجخ الطعن بقرارات محكمية.

ماهي الشروط  السرية لـ”التطبيع العربي” مع سوريا ؟

ماهي الشروط السرية لـ”التطبيع العربي” مع سوريا ؟

كشفت الوثيقة الأردنية وملحقها السري، اللذان حصلنا لى نصهما، أن الهدف النهائي من الخطوات العربية للتطبيع مع دمشق هو «خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011»، بما في ذلك «انسحاب القوات الأميركية والتحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف الأميركية» قرب حدود الأردن والعراق، بعد سلسلة خطوات وفق مقاربة «خطوة مقابل خطوة» تشمل بداية «الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا»، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية لروسيا».

وتشكل هذه الوثيقة، التي سُميت «لا ورقة» ولاتتضمن جدولاً زمنياً، أساس الخطوات التي تقوم بها دول عربية تجاه دمشق وشمل ذلك لقاء وزير الخارجية فيصل المقداد تسعة وزراء عرب في نيويورك وزيارات رسمية أردنية – سورية واتصالات بين قادة عرب والرئيس بشار الأسد ولقاءه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في دمشق الثلاثاء.

وأعد الجانب الأردني هذ الخطة قبل أشهر، وناقشها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز)، والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب. وتضمنت الوثيقة، التي تقع مع ملحقها في ست صفحات، مراجعة للسنوات العشر الماضية وسياسة «تغيير النظام» السوري، قبل أن تقترح «تغييرا متدرجا لسلوك النظام» السوري بعد «الفشل» في «تغيير النظام».

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لشبكة «سي إن إن» الأميركية أمس، إن «الأردن يتحدث مع الأسد بعد عدم رؤية أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري». وأضاف أن «التعايش مع الوضع الراهن ليس خيارا»، مضيفا: «ماذا فعلنا كمجتمع عالمي لحل الأزمة؟ 11 عاما في الأزمة ماذا كانت النتيجة؟ الأردن عانى نتيجة الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقها عبر الحدود، وتستضيف البلاد 1.3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدمه العالم من قبل».

وكشف الصفدي أن «الأردن أجرى محادثات مع الولايات المتحدة حول جهود التقارب»، ذلك في إشارة إلى زيارة العاهل الأردني. كما أن مدير المخابرات الأردنية اللواء أحمد حسني حاتوقي أعلن أن الأردن يتعامل مع الملف السوري كـ«أمر واقع». وتتطابق تصريحات الوزير الصفدي مع «الوثيقة الأردنية»، وهنا نصها:

بعد مرور عشر سنوات منذ اندلاع الأزمة السورية، تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها. ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح. ولا يمكن للنُهُج الضيقة المعنية بمعالجة مختلف جوانب الأزمة ونتائجها على أساس المعاملات وعلى أساس الأغراض المحددة أن تُحقق الحل السياسي اللازم. يتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة. وتغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضا مؤثرا في حد ذاته. والهدف المعلن، هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بيد أنه لا يوجد تقدم ذي مغزى على هذا المسار. فالوضع الراهن يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري وتعزيز مواقف الخصوم. لقد أثبت النَهج الحالي في التعامل مع الأزمة فشلا باهظ التكلفة:

– الشعب السوري: بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، هناك 6.7 مليون لاجئ سوري، مع 6.6 مليون نازح داخليا، و13 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك 6 ملايين مواطن في حالة عوز شديد، و12.4 مليون سوري يكابدون انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع 2.5 مليون طفل خارج نظام التعليم في سوريا، بالإضافة إلى 1.6 مليون طفل معرضين لمخاطر التسرب من المنظومة التعليمية.

– الإرهاب: لقد هُزم تنظيم «داعش» الإرهابي لكنه لم يُستأصل بالكامل. ويحاول أعضاؤه إعادة ترتيب الصفوف، وهم يعاودون الظهور في أجزاء من البلاد التي طُرد منها «داعش»، مثل جنوب غربي سوريا. كما يعملون على توطيد وجودهم في مناطق أخرى مثل الجنوب الشرقي. وتستمر تنظيمات إرهابية أخرى في العمل في أجزاء مختلفة من سوريا، حتى إنها تستفيد من الملاذات الآمنة في الشمال الشرقي.

– إيران: تستمر إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري، وعلى أجزاء حيوية عدة في سوريا. من استغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، ويزداد وكلاؤها قوة في المناطق الرئيسية، بما في ذلك جنوب البلاد. وتُدر تجارة المخدرات دخلا معتبرا لهذه الجماعات، كما تُشكل تهديدا متزايدا على المنطقة وخارجها.

– اللاجئون: لا يرجع أي من اللاجئين – أو حتى عدد متواضع منهم – إلى سوريا بسبب عدم تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد. ويتناقص التمويل الدولي للاجئين، فضلا عن المجتمعات المضيفة، مما يهدد الهياكل الأساسية لدعم اللاجئين.

> ما ينبغي فعله؟

من اللازم اعتماد نهج فعال جديد يعيد تركيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والأمنية. ينبغي للنهج المختار أن يتحلى بالتدرج، وأن يركز في بدايته على الحد من معاناة الشعب السوري. كما يتعين كذلك تحديد الإجراءات التي من شأنها تعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني المتنامي، ووقف المزيد من التدهور الذي يضر بمصالحنا الجماعية.

ومن شأن ذلك النهج أن يستهدف تغييرا تدريجيا في سلوك النظام الحاكم في مقابل حوافز يجري تحديدها بعناية لصالح الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين. السبيل إلى ذلك:

1) وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254.

2) بناء الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل.

3) السعي إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا.

4) الاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري.

5) التنفيذ.

> المقاربة

نهج تدريجي يتبناه جميع الشركاء والحلفاء لتشجيع السلوك الإيجابي والاستفادة من نفوذنا الجماعي لتحقيق ذلك. فهو يقدم حوافز للنظام مقابل اتخاذ التدابير المنشودة والتغييرات السياسية المطلوبة التي سيكون لها أثرها المباشر على الشعب السوري. وسيتم تحديد «العروض» المقدمة إلى النظام بدقة في مقابل «المطالب» التي سوف تُطرح عليه. وسوف ينصب التركيز الأولي على القضايا الإنسانية في كل من العروض والمطالب. مع التقدم التدريجي على مسار القضايا السياسية التي تُتوج بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254. وسوف يتم الاتفاق على العروض والمطالب مع الأمم المتحدة، استنادا إلى بياناتها الخاصة بالاحتياجات الإنسانية.

1) بناء الدعم: من الأهمية أن يدعم الحلفاء العرب والأوروبيون الرئيسيون هذا النهج. وسوف يضمن ذلك صوتا جماعيا في المحادثات مع النظام وحلفائه. وسوف يضمن أيضا ألا نفقد نفوذنا نتيجة لفتح بعض البلدان قنوات ثنائية مع النظام السوري.

وسوف نتفق على البلدان التي نتقارب معها في بداية الأمر بغرض التشاور والدعم. وسوف تتلخص الخطوة التالية في تأييد هذا النهج ضمن (المجموعة المصغرة) قبل السعي إلى الحصول على تأييد الحلفاء كافة.

2) إشراك روسيا: إن كسب موافقة روسيا على هذا النهج هو عامل أساسي من عوامل النجاح. ومن الممكن الاستعانة بالاعتراف بالمصالح الروسية «المشروعة» وتضمينها في إطار «العرض» لضمان قبول وتنفيذ هذا النهج من قبل النظام السوري. إن تحديد الأرضية المشتركة مع روسيا أمر ضروري لضمان التقدم نحو حل سياسي. كما أنه من اللازم لنجاح الجهود الرامية إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي. وقد كانت روسيا منفتحة على العروض الخاصة بالقضايا الإنسانية مقابل إجراءات عملية من جانب النظام الحاكم.

3) إشراك النظام: يمكن أن تتم المشاركة من خلال قنوات متعددة:

– المشاركة غير المباشرة عبر روسيا.

– المشاركة المباشرة من مجموعة من الدول العربية. (هذا من شأنه رأب التصدعات في الموقف العربي، ومعالجة المخاوف بشأن غياب الدور العربي الجماعي في الجهود الرامية إلى حل الأزمة، والاستفادة من المشاركة العربية مع النظام من أجل الحصول على الحوافز مع تأطيرها ضمن الجهود الرامية إلى إحداث تغييرات إيجابية). ويمكن أن تقود الأردن تواصلا مبدئيا مع النظام لضمان الالتزام قبل بدء الاتصالات الموسعة.

4) التنفيذ: سوف توضع آلية رسمية لرصد التنفيذ والامتثال. وسوف تتولى الأمم المتحدة مسؤولية تقديم جميع المساعدات الإنسانية. وسوف يؤخذ تجسيد الاتفاق ضمن قرار صادر عن الأمم المتحدة في الاعتبار.

الخطوات التالية (لتطبيق المبادرة):

1) مناقشة النهج والاتفاق عليه.

2) الاتفاق على قيام الأطراف بصياغة المطالب والعروض.

3) الاتفاق على خريطة الطريق وكيفية المضي قدما.

من شأن هذا النهج أن يواجه العقبات بكل تأكيد. بل وربما يصل إلى طريق مسدود مع بدء المرحلة السياسية. ومع ذلك، فإن تركيزه الأولي على البُعد الإنساني سوف يخفف من معاناة السوريين، وسيدعم الجهود الرامية إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية، ويقلل من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا. كما أنه سوف يعيد بناء الصوت الجماعي الموحد بين الشركاء والحلفاء إزاء الأزمة، مع استعادة زمام المبادرة في محاولة لإيجاد حل سياسي ووقف الكارثة الإنسانية.

> جدول الخطوات

وتضمن الوثيقة ملحقا سرياً يتضمن شرحا لمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يشمل البند المحدد و«المطلوب» من دمشق و«المعروض» من الآخرين. وتبدأ الخطوة الأولى بـ«ضمان وصول المساعدات الإنسانية والاتفاق على تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود مقابل تسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا، وإرسال المساعدات الصحية إلى سوريا».

وتشمل الخطوة الثانية تهيئة دمشق «البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين ومنح المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم» مقابل خطوات غربية تشمل «اعتماد خطة المساعدة المرحلية للسوريين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع النظام، وتمويل مشاريع الإنعاش المبكر، وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار وتنفيذها وتمويل برامج التعافي المبكرة الخاصة بالمساعدة لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم ومدنهم وصياغة البرامج ودعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تساعد على استعادة نوع من الحياة الطبيعية في سبل عيش الشعب السوري بشكل عام».

تتعلق المرحلة الثالثة بـتطبيق القرار 2254 و«المشاركة الإيجابية من دمشق في اللجنة الدستورية المؤدية إلى إصلاح الدستور»، و«الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، وتحديد مصير المفقودين والاتفاق على تشكيل صيغة حقيقية للحكومة تؤدي إلى حكم أكثر شمولا في سوريا وإجراء الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة».

في المقابل، توافق دول عربية وغربية على «التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا. بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي، والكيانات الحكومية، والمسؤولون الحكوميون، ورفع العقوبات القطاعية، وإجراء التقارب الدبلوماسي التدريجي لاستعادة العلاقات مع سوريا، وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في دمشق والعواصم المعنية، وتسهيل عودة سوريا إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية».

> ماذا عن {داعش}؟

أما المرحلة الرابعة من البرنامج، فتشمل «مكافحة داعش والجماعات الإرهابية، والتعاون في التصدي لتنظيم (داعش) والعناصر الإرهابية المماثلة، بما في ذلك في شرق سوريا، والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في جنوب سوريا والصحراء السورية، والتعاون في مواجهة المقاتلين الأجانب، وتبادل المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية، والروابط مع عناصر التجنيد الدولية، وشبكات التمويل، ووقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا»، مقابل «التعاون مع النظام السوري وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سوريا، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرق سوريا والتنسيق بين النظام و(قوات سوريا الديمقراطية) في التعامل مع سكان مخيم الهول، والمقاتلين الأجانب، وعناصر (داعش) المعتقلين وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار والتعافي المبكر في المناطق المحررة من (داعش) والخاضعة لسيطرة النظام السوري».

في المرحلة الخامسة، يتم «إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، مما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى وإعلان وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات ووقف جميع العمليات الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم يكن ذلك في إطار عملية وقف إطلاق النار، واالتزام الشركاء على الأرض في سوريا والحلفاء الإقليميين (بما في ذلك تركيا) بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد».

وفي المرحلة السادسة والأخيرة، يتم «انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوفاء بالالتزامات بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما بعد عام 2011، وانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف»، في المقابل يتم «فتح قنوات تنسيق بين الجيش السوري والأجهزة العسكرية والأمنية في دول الجوار لضمان أمن الحدود مع سوريا».

رحيل صباح فخري… غنى دون استراحة

رحيل صباح فخري… غنى دون استراحة

رحل امس “عمود الطرب العربي الاصيل”، صباح فخري، عمر ناهز 88 سنة، امضاها في الغناء والابداع الاسطوري… الى حد انه ذات مرة غنى في شكل متواصل لعشر ساعات.
ولد صباح الدين أبو قوس، وهم الاسم الحقيقي لصباح فخري، في العام 1933 في حلب القديمة حيث كان محاطا بشيوخ الطرب والمنشدين وقارئي القرآن وصانعي مجد القدود الحلبية، حيث اعتاد والده اصطحابه صغيرا إلى جامع الأطروش في الحارة القريبة حيث تقام حلقات الذكر والانشاد.
وفي باب النيرب كانت له أول حلقة إنشاد، وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره، وغنى أولى القصائد أمام الملأ والتي تقول: “مقلتي قد نلت كل الأرب، هذه أنوار طه العربي، هذه الأنوار ظهرت، وبدت من خلف تلك الحُجب”. وكان تمكن من ختم القرآن وتلاوة سوره في جوامع حلب وحلقات النقشبندية مفتتحا أول تمارينه مع الشيخ بكري الكردي أحد أبرز مشايخ الموسيقى. وازداد تعلقه بالإنشاد والتجويد من خلال مجالسته كبار منشدي الطرب الأصيل واجتاز امتحانات غنائية صعبة على أيدي “السمّيعة” الذين يتمتعون بآذان لا تخطئ النغم وتكشف خامات الصوت وتجري اختبارات حتى لكبار الأصوات آنذاك مثل محمد عبد الوهاب وأم كلثوم اللذين زارا حلب للغناء على مسارحها في ثلاثينيات القرن الماضي.
التحق بالمدرسة الحكومية الحمدانية في حلب وهناك برز تفوقه كتلميذ يشارك في المهرجانات السنوية للمدرسة. ويروي كتاب “صباح فخري سيرة وتراث” للكاتبة السورية شدا نصار أبرز مراحل حياة فخري على مدى عقود حيث تقول إن الفنان سامي الشوا تعهده بالرعاية وغير اسم الفنان الناشئ إلى “محمد صباح” واصطحبه معه في جولات غنائية بالمحافظات. ولم يكد محمد صباح يبلغ الثانية عشرة من عمره حتى وجد نفسه يغني في حضرة رئيس الجمهورية السورية آنذاك شكري القوتلي خلال زيارته إلى حلب عام 1946 ما اعُتبر محطة مصيرية قفزت بفتى الموشحات إلى خارج حدود حلب، حسب تقرير لوكالة الصحافة الالمانية، كتبته ليلى بسام.
بمساعدة موسيقية من الفنان عمر البطش، وضع صباح فخري أولى تجاربه في التلحين عن عمر لم يتجاوز 14 عاما وكانت أنشودة: “يا رايحين لبيت الله / مع السلامة وألف سلام / مبروك عليك يا عبدالله / يا قاصد كعبة الإسلام).
انتقال حنجرة فخري من الصبا إلى الشباب تسبب في حشرجة فاجأت صاحبها وصعقت خبراء الغناء، إذ يقول الكتاب إن هرمونات الرجولة غيرت من طبيعة صوته وتكوين حنجرته الذي بدا كالمبحوح. وتقول نصار: “لعبت الحالة النفسية لصباح دورها السلبي. كلما حاول أن يرفع عقيرته للغناء كان يفاجأ بشخص آخر يغني من حنجرته. إنه ليس صوتي.. لست أنا ما الذي حصل؟ كلها تساؤلات كان يضج بها رأس الشاب الذي بدأ يشعر بفقدان أغلى ما وهبه إياه الخالق”.
وفي سن الخامسة عشرة أطبق صباح فخري على صوته واعتزل الغناء مكرها فراح يبحث عن لقمة عيشه في الترحال بين قرى ريف حلب إلى أن التحق بخدمة العلم عندما أصبح شابا يافعا. ومع “اكتمال رجولته تبلورت حنجرته واكتمل تكوينها لتعيد للكنز الدفين تألقه وعاد صوت صباح فخري الرجل يشق لنفسه مكانا بين ذكريات سنين المراهقة في أحياء حلب وبيوتها”.
جاء الى دمشق للانتقال الى القاهرة سعيا لصقل موهبته. لكن السياسي المخضرم فخري البارودي غير حياته، حيث اعجب بصوته. دخل القصر الجمهوري فتىً يافعاً وفقيراً في أربعينيات القرن الماضي، يحمل تحت ابطه سجادة صلاة، بطلب من زعيم دمشق وراعي فنونها الراحل فخري البارودي، الذي تبناه فنياً وأعطاه اسمه “فخري” بدلاً من اسمه الحقيقي “صباح الدين أبو قوس”، حسب مؤرخين سوريين.
أطرب الرئيس شكري القوتلي يومها، وتكرر ظهوره في عرس احدى بناته، ثم عندما أذن أمام الرئيس القوتلي ونظيره المصري جمال عبد الناصر في حلب، خلال زيارة الزعيمين إلى جامع جمال عبد الناصر في حي الكلاسة. لم يترك عاصمة عربية إلا ومر بها منذ ذلك التاريخ، تاركاً بصمات ما زالت واضحة في مخيلة كل من حضر حفلاته.
ذات يوم، سال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عن “الأراصية” التي طالما غنى عنها صباح فخري، وعند زيارته دمشق، طلب أن يستمع اليه شخصياً بعد أن قدم له الأراصية. ثم بدأ بالغناء، فوقف عبد الوهاب حينها وطلب من الحاضرين الوقوف قائلاً: “احتراماً لهذا الصوت الرخيم، عليكم جميعاً أن تقفوا معي!” كانت أم كلثوم تطلب من أصدقائها كلما زاروا سوريا: “والنبي، عاوزة كاسيت لصباح فخري.”
عاش فخري أضواء الشهرة من بوابة إذاعة حلب وسهرات إذاعة دمشق مع المطربة اللبنانية صباح. كما غنى صباح فخري “نغم الأمس” مع رفيق سبيعي وصباح الجزائري حيث سجل ما يقرب من 160 لحنا ما بين أغنية وقصيدة ودور وموشح وموال وقد حافظ على التراث الموسيقي العربي الذي تتفرد وتشتهر به حلب. كما تلى أسماء الله الحسنى مع الفنان السوري عبد الرحمن آل رشي والفنانة منى واصف والفنان وزيناتي قدسية.
وقف في عام 1974 أمام الفنانة وردة الجزائرية بطلا لمسلسل “الوادي الكبير” الذي تم تصويره في لبنان.
تقلد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة عام 2007 “تقديراً لفنه وجهده في الحفاظ على الفن العربي الأصيل ولرفعه راية استمرارية التراث الفني العربي الأصيل” كما جاء في منشور التكريم. وشغل مناصب عدة بينها نقيب الفنانين في سوريا لأكثر من دورة ثم نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب كما انتخب عضوا في مجلس الشعب السوري في دورته التشريعية السابعة لعام 1998.
رحل المطرب، الذي سجل رقما قياسيا من خلال غنائه على المسرح مدة تتجاوز عشر ساعات متواصلة دون استراحة في مدينة كراكاس الفنزولية عام 1968.