على طرقي البحرية

على طرقي البحرية

فوق المحيط

١

سأرشّ حول جسدكِ طحيناً

كما فعلَ أنكيدو حول جسد جلجامش

كي أتوهّج في شمس أحلامكِ

كي تشعري بطعمي
في لقمة الخبز في فمك.
فأنا أعيشُ في النار
التي تُنضجُ الرغيفَ الذي تأكلين منه.

 

٢

ليس الحبّ قصةً أرويها

فأنا لا أعودُ إلى الذكريات

ولا أفتحُ صناديق في زوايا غرفتي

كي أبحث عن رسائل قديمة

بل أترك باب حياتي مفتوحاً

كي تدخلي إلى الغابة

التي أعيش فيها وتبحثي عني

وهنا، إذا ما عثرتِ عليّ

سنزرع شجرة أخرى باسم الحب.

 

٣

بحثنا عن أيام أكثر راحة

عمّ يختصر المسافات بيني وبينك.

سافرنا في أذهاننا قليلاً

إلى أمكنة عشنا فيها

حين كنتِ تصعدين الدرج

وكنت أراقب خطواتك

وأخالهما في أوقات كثيرة

جناحين يرفعانك

وكنت أنظر إليهما يحلقان بك

ويتغلغل فيهما الضوء في الأعالي.

 

٤

كان الحب أحياناً

يصنع الفضاء ويوسّعه

يفتح أبوابه كلها ويزيح الستائر.

وفي أحيان أخرى

كان يوزع غيومه

يرعد ويبرق وتسقط أمطاره

وحينها نكون متعانقين

في صاعقة جسدية

تسقط فوق شجرة الرغبة.

 

٥

حين جاء الموت

لم يكن هناك حياة إلا في وجهكِ.

وحين جاء الظلام

لم يكن هناك وهج إلا في عينيك.

لم نلمح طريقاً آنذاك

كان المحاربون يعبرون على الدراجات النارية

وكنا نلمح التوابيت فوق كتفيْ

المدينة وهي تحني رأسها

في طريقها إلى المقبرة.

 

٦

في فجر أحد الأيام أيقظتْنا انفجاراتٌ

صنعتْ سماء من الدخان

وأصواتٌ خدشتْ لحم السماء بأظافرها الفولاذية.

غادرنا حينها البيت

أغلقنا الباب وراءنا

محونا أشياءنا وراءنا

لم يكن يتوهج في أعيننا

إلا ضوء الرحيل.

 

٧

وفي طائرة في الفضاء

شعرنا أننا ضائعان

أننا لن نصل إلى أي مكان.

كان كل شيء خلفنا يختفي في الدخان

وأيامنا القادمة

ضائعة في صوت المحركات العملاقة

فوق المحيط.

  

المدينة التي عشتُ فيها

 السماءُ فيها سقفٌ لصالات العزاء

والضوء غبارٌ يتساقط، تنثرهُ الريح

على ملامح وجهها الممحوة.

نهرُها الذي يجفّ في جسدٍ متصحّر

حنجرةٌ من الرمل ترتّل الأناشيد لمطرٍ لا يهطلُ.
أما ليلها الذي يعشقهُ الشعراء فمبقّع
بأضواء تنطفىء الواحد بعد الآخر
ليس لأن الفجر قادم بل لأنها
لم تعد قادرة على التوهج.
الأشجار التي بقيت فيها
ضيّع الربيع طريقه إليها.
تعرفُ هذا كلماتٌ تخرج مذعورةً
من الأفواه في المقاهي.
يعرفُ هذا من يرى كلمات كاذبة
تخنقُ عناوين الصحف.
تعرف هذا أحلامٌ لا تتحقّق
وأعينٌ ترى من ثقوب في الحصار.
فوق حاراتها الملوّثة
حيث يتدفّقُ نَهْر الأسلاك
تبدو الشمسُ باهتةً ككرة قدم مغبرّة
شاطها أحدهم وبقيت عالقةً في الأعلى.
المدينةُ التي أمضيتُ فيها نصف حياتي
كانت دوما تفتحُ لي الباب
لا لكي أدخل إليها بل كي أغادرها.

 

ريح الخوف

١

شيءٌ ما يرجّ الكوكبَ

يرميه

في ريح الخوف.

 

٢

كان الكوكبُ دوماً

على حافّة الهاوية.

الغريب أنه لم يسقط.

 

٣

شوارعُ المدن خالية.

الموتُ ينتظرُ في الشوارع

في السيارات المركونة

على شواطئ البحار

على خشبة المسرح

في الأوراق الأولى للصحف

في البارات

والمدارس

في القبل والمصافحات

في عواء الكلاب الضجرة

وتصريحات السياسيين.

 

٤

سجادة الصلاة

تحلّ خيوطها

كي تصنع كمّامة.

الدعاء

لا يعثر على خشب

كي يصنع سلماً للصعود.

 

٥

أنشغلُ الآن

بترتيب المائدة

كي أجلس إليها

أنا والوحدة.

 

٦

الكأس الممتلئ أمامي

يشعر أنه فارغ.

يدي تشعر أنها

ليست يدي.

صرنا جسوراً

يعبر عليها الموت

وها أجسادنا تتدلى منتظرة

على أغصانها الذابلة.

 

٧

كما يعيشُ الموتُ في قبرٍ

يعيش في اللامبالاة.

في أيد لا تعرفُ معنى عناق

لا حاجة إليه.

 

٨

بما أنني خلف الجدران الآن

أحبّ أن أسأل نفسي:

ألم أكن خلفها من قبل؟

 

٩

العالم موحشٌ الآن

شوارعه مهجورة

والبشر يهربون من بعضهم.

واقعٌ أراد

أن يكون أكثر وضوحاً.

 

١٠

لو وُضع للجسد البشري تاريخ،

ماذا هناك غير الموت؟

 

١١

حتى في أوج شعوركَ بأنك نَفَسٌ عابر

حفيفٌ في أوراق أشجار اللحظات،

حتى لو كنت تعرف

أنك لا تستطيع التمسك

بأي شيء

ابْنِ، ابْن حديقة للفرح

وازرعْها بالورود.

 

١٢

لا أحب الدعاء

وإذا ما استمرت الحياة

حتى العكاز يمكن أن يكون

حفيداً، كما قال الهنود الحمر.

 

١٣

يسير البشر واضعين كمامات على وجوههم

نظراتهم قلقة

ثمة شيء ما يتربّص بهم في الخارج.

لكن في الأعين نفسها وهج

لا يمكن أن يطفئه أي شيء.

 

١٤

كان الشاطئ مهجوراً

خُيّل لي أن الأمواج والغيوم خائفة

وهي على حق إن كانت هكذا

تعرف أنه لا معنى لها

دون أعين تنظر إليها.

 

١٥

كان الشاطئ مهجوراً

والطيور قلقة.

كان صوت الريح مختنقاً

وهي تهب فوق دروب خالية.

 

هذا هو الجسد

 ١

رغم أنه يتمنى ذلك أحياناً،

لا يستطيع الجسدُ

أن يصبح حجراً.

 

٢

الجسد موجةٌ

وفي غالب الأحيان

يكون البحر في داخله.

 

٣

تتجمّع الغيوم في السماء

وتلعب الريح بأشكالها وتبدّدها.

هذا هو الجسد.

 

٤

حين ييدأ الطريق ولا ينتهي

حين تبحر السفينة وتضيع البوصلة

هذا هو الجسد.

 

٥

في منقار النورس المحلق فوق الماء

كائنٌ بحري يتدلى.

هذا هو الجسد.

 

٦

اليوم، في مزيجٍٍ

من الأصداف والرمال

رأيتُ آثار أجساد قديمة.

 

٧

في الأعشاب التي تطلع

من شقوقٍ في القبور وحولها

يشير الجسد إلى طرقه.

 

٨

يولد الجسد أكثر من مرة في الحب

وبعد ذلك إذا اختار مسكناً

يكون عادةً الريح.

  

حين عشقتُ أول مرة

١

حين عشقتُ أول مرة

كانت قدماي تتسلقان الجبال وتهبطان السفوح

كالهواء الذي تميل فيه الأعشاب.

 

٢

حين عشقتُ أول مرة

كنتُ أرى نفسي بعينيها

وكنتُ معجباً بنفسي.

 

٣

حين عشقتُ أول مرة

شعرتُ أن الانتظار

ثمرةٌ يتقطّر عصيرها بين شفتيَّ الظامئتين.

 

٤

حين عشقتُ أول مرة

لم أعرف قلبي ولم يعرفْني

كما لو أنه خفقَ في صدرٍ آخر.

 

٥

حين عانقتُ أول مرة

لم أر ما كنت أعانقه ولم أر نفسي

كنا جسدين ضائعين في بعضهما.

 

٦

حين قبّلتُ أول مرة

شعرتُ أنني ضائع ولا يمكن أن يخرجني

من المتاهة إلا قبلةٌ أخرى.

 

٧

حين قبّلْتُ أول مرة

عرفت أن للشفاه وروداً تتفتّح

وأن لها عطراً ينتشر.

 

٨

حين عانقتُ أول مرة

عثرتُ على نفسي بين ذراعيكِ

وحين خرجتُ من بينهما ضعتُ من جديد.

 

٩

حين يعشق المرء

يعشق دوماً لأول مرة

كما لو أن الحب ينجبه كل مرة.

 

الطائر الطنان 

١

حين يُحلّقُ الطائر الطنان

تُصْبح أجنحتهُ لامرئية.

هل يريد أن يتحوّل إلى هواء

أم لأنَّ الرحيق يُسْكره؟

 

٢

كما يعيشُ الطائر الطنان على رحيق الأزهار

أعيش على رحيق الكلمات

التي تهمسُ لي شيئاً.

 

٣

كان اللون الأخضر كثيفاً في ذلك اليوم

كانت الأشجار تنوء به

كأنها تتمنى عودة الضباب

كي يخفف من وطأته.

 

٤

العلاقةُ بين نسبة الرطوبة في الهواء

وسقوط الضوء على الطائر الطنان

هي ولادة قوس قزحٍ في ريشه .

 

٥

حين يسقط الضوء

على ريش الطائر الطنان

يهاجر من ذاته ويصبح آخر.

 

٦

ما الذي يجري لي؟

كلما رأيتُ جناحيْ الطائر الطنان

تمنيتُ لو أنهما على جسدي.

 

٧

يا مدينة ولادتي النائمة

فوق الشاطئ الصخري

لستُ طائراً طناناً

كي أحلّق نحو الأعلى والأسفل

كي أطيرَ جانبياً أو بالمقلوب

أو كي أحلّق مثله باتجاه الوراء

حين أحنّ إليكِ.

لا حاجة كي أفعل ذلك يا مدينتي

فأنت تعيشين في داخلي

والعلاقة بيني وبينك

تاريخٌ من الأجنحة

التي بلا فضاء.

  

على طرقي البحرية

الفجرُ ضبابيٌّ

على طرقي البحرية،

وصدْر المياه ليس رحْباً

كل شيء هاجعٌ

 وراء باب عزلته.

الريح تسرعُ كأنها تنوي

العودة من حيث جاءت

والضوء يبهت

 كأنه يفكر بالاحتجاب في مصدره.

شعرتُ بثقل وحْدتي

وبثقل الفراغ على جسدي.

ربما لن يغيبَ الضوء طويلاً

لكن هل سيكشفُ حين يأتي

غير ما حجبه الضباب؟

كانت المدينة تتقلب على سرير الأرق

تنتظر خبراً

يدلي حبله في الهاوية.

تُربة العالَم المجروفة

تُربة العالَم المجروفة

مُحتفظاً بحقِّي في وصفِ الإعصار

مُتنازلاً عن دنانير ما بعدَ المديح

أحلامي ابتزازُ الحياديِّ

ذلكَ المخروطيٌّ الذي أمزِّقُهُ بالمُباغَتات.

أصْلُكَ أنْ تكونَ لمساتُكَ بلا سوابق:

… قلبُكَ -ـ بلا مأوىً مذ سنوات ـ

يعملُ في إحصاءِ ما لا يُعدُّ

وعيناكَ تنسُبان ما تراهُ

إلى الصَّوت.

في التَّقديم والتَّأخير أحفرُ

ولا أعثرُ على الكنز الموعود

لكنَّني مُستمرٌّ كاللَّعنةِ

حتّى لو غرسْتُ إزميلاً في صدري أوَّلاً

ثمَّةَ سرٌّ يزحفُ كالأفعى تحتَ جلدِ الاستفسار

وينابيعُ حارقةٌ تقتاتُ عليها الحركةُ في عظامي.

أنا غريبٌ مهما بدَتِ ابتسامتي أليفة

والشَّوكُ كُلّ ما يظهَرُ من وردةِ روحي.

حُزني فكاهةٌ تتولَّدُ منها فراشاتُ ضحكٍ بالتِّكرارِ المُختلِفِ الأخّاذ

وبالدّفقةِ الكاملة لا خسارةَ لمُحاوَلاتِ الدُّموع أنْ تأخذ أشكال أشجار مُثمرة.

لا نفتقدُ الدَّهشةَ في الألم

نُعطي من قعرِ الوريدِ

لنأخذَ من شاهقِ النّورِ

شغفٌ شغفٌ

يُضيءُ المرويّات بالغنائيّات.

لستُ وحيداً في هذا المُنحنى

لي شركاءُ مغمورون

كأنَّني طريقٌ أعطى ظلامَهُ طواعيةً للغابة

أتقافزُ على قرون المخلوقات المُخيفة

ولا أعترفُ بالكوخ المصنوع من القصب

الرَّسائلُ أوهامٌ مُستمرّة عمّا تقولُهُ الفكرةُ

والمطرُ طردَ الحبرَ من قصيدتي.

مَنْ يرسمني الآنَ

من هواة القاعات المُغلَقة

خُدِعَ بجذوري

ولم يعرفْ أناملي في الهواء الحُرّ المطعون.

ألتحفُ ما يُمليهِ عليَّ البَحرُ

جميعُ المسافاتِ رثاءٌ مُتعدِّدُ الأوزان

غريبٌ أنْ تتعدَّدَ الاعترافاتُ إلى هذا الحدّ

وتبقى السَّبّابةُ مُشيرةً إلى الجهات بكُلِّ ثقة:

… رُبَّما الجهاتُ

زوائدُ عبقريّة للإخفاق.

الكراهيّةُ وردةٌ بلاستيكيّة قاسية

والمحبّةُ لم تكُن يوماً

وردةً طبيعيّة

إنَّها دائِماً

تُربةُ العالَم المجروفة.

 

تحت سقف صلاة يتداعى

تحت سقف صلاة يتداعى

أتسلّى بإساءة فهمي

في هذا الفيء الرخيص

أخترع نفسي

.من دون آخرين

***

 أقطع جذوري التي تصلني بي

أحرقها

.بقى لي أن أتعلم كيف أحتمل هذا الصقيع

***

على منصة هذه الشيخوخة المبكرة

أشجّع زوالي على أدائه

هو ممثل رديء

.وأنا مُشاهِد بذائقة تخرَب رويداً  رويداً

***

كل الوعود التي لم أقطعها وفيت بها
كيف لي أن أفرح

أني حفيف وأوراق أشجاري

 .تنمو… ترتفع مقلوبةً

***

أذهب إلى العالم  وحدي

  أنا و هو

وهمانِ نيئان

.بحماسة يتجادلان على منصّة غبار

***

لم أعد أحلم بشيء

أما هذه الرغبات الصغيرة

    فمقاعد قليلة أرتبها

  .لأشخاص ربما يحضرون جنازتي

***

خارج الانتظار

أقف

ألوّح لي

.أنا الذي مضى

***

هكذا

أتسلى بإساءة فهمي

.أكتبُ

***

أحب أن أصدّق أني حفرت بئري وحدي

لا أحب أني عندما أرمي دلوي

.أرفعه ممتلئاً ببقاياهم

***

تطقطق طفولتي آخر الليل

.لا أعيرها انتباهاً

***

في البرية هناك عندما ألتقي بنفسي

.أميّزني عني

***

لا يريدون أن يصدّقوا أن هذه الحافلة

لن تصل إلى مكان

من أنا لأوقظ الغفلة كلها؟

***

بعد الحفلة سيمضي الحشاشون

إلى بيوتهم

.وسأمضي أنا إلى خيالاتهم

***

تحررت من الزخرفة

بقي قليل من الأقنعة

سأٌبقي عليها

يحتاج إليها اسمي

.بعد أن أموت

***

.لا وطن لي لأرفع صورَهُ ورايته فوق عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ

.لا شعب لي لأصرخ باسمهِ وأنا أجرّ عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ

وحدي أمام هذا المنحدر العظيم

.أهمّ بقذف ما تبقى من جسدي فوق عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ

.وحدي في هذا القاع العظيم المظلم مهترئاً أقلّد مواء أسراري

مايسترو

ظهره لهم

بعصاه النزقة يسوط الوقت

يمزّق جلده

يُحدِث ثقوباً زرقاء

كي يسمح لمياه الموسيقى أن تتدفق

وعندما يشعر المايسترو أن أرواح الجمهور

تبللت تماماً

.يستدير وينحني

أشباح

1

(في حضني سكين (صباح الخير

منذ عشرين عاماً وأنا أشحذها حالماً بأن  أشق بها  هذا الليل البارد الذي أقيم فيه

أو لعلّي أضعها في يد عابر ما

لكنّ العابرين أشباح

 هكذا إذن  سينتهي الأمر بسكين تلمع مغروسة في قلب رجل وحيد

.يقيم في ليل بارد منذ عشرين عاماً

2

إنها (الأنا) التي تعمل لأجلي وضدي

مصنع يعيد تدوير الندم

.مصنع يديره أشباح شجعون

3

ثقيلة رموزي

لا يستطيع حملها

.إلا أشباح حقيقيون

4

 صباحات حزينة تلك التي يريد أن يهزها أشباح مغلوب على أمرهم

 .عندما يخبطون بجزماتهم الهوائية على الأرض ملقين التحية على عالم ميت

5

يخرج شبحي مني كل صباح

لا أنتبه لعودته. بل  كنت أظن واهماً أن داخلي مدينة من الأشباح

غير أنه أمس فقط رأيته

 شبحي الذي ومنذ سنين طويلة لا يني يخرج  ويدخل

رأيته حاملاً مسامير ومطرقة. تلك غنائمه من الخارج. إنه الآن يصلب نفسه

داخل جسدي. أي ألم عليه أن يحتمله شبحي الجميل!

.لقد أهانه العالم كثيراً

6

من عادات أصدقائي الأشباح،

بعد انتهاء الحفلة أن يلملموا قشور الفستق. لقد

.اتفقوا منذ وقت أن يبنوا منها فندقاً صغيراً

في فندق

أتعذب وأنا أتخيل الفندق

الزجاج يلمع

وقع الأسرار على البلاط

النوم محمولاً على عربات لا تصدر صوتاً

الموظفون يرتبون حياة طارئة

لنزلاء ينعسون في ذكرياتهم اللينة

السكون بديناً بخفيه الصوفيين يعبر بين الممرات

كل شيء مصقول

الثلج على القمم

الزمن على أجنحة الطيور

الله مفتتاً مثل القطن فوق الأشجار

أتعذّب

أتعذّب أكثر

وأنا أتخيلكِ بيدين متعبتين

تلّمين صوتك

البخار الذي أطلقه فمك

على زجاج الشباك

صوتك الذي اختفى

.حياتي القادمة التي تتبخر

غروب

تحت سقف صلاة يتداعى

العجوز يؤلف جيراناً في الجنة

لم يعتد بيتاً

لم يعتد أن يسجل ملاحظات ولا أن يروي

 لذلك كلما همَّ بقول شيء

،ربط جذراً غامضاً بالهواء

تفاصيله أراجيح تحن إلى الأرض

أشياؤه أفكار مثل أرانب تخّرب المتن و لاتهدأ في الهوامش

لأنه لم يعتد أن يصدّق

 يشكّ في هذه الفكرة أيضاً

 وفي الوقت الضائع… الوقت المناسب

يلكز بكوعه البطن المنتفخة للشك

في الردهة إلى أحاجيه تتقافز أيامُه إلى لا مكان

ولأنه لا يحب أن يكذب دائماً أقواله منامات تعرج إلى النهار ولا تصل

لأنه لا يتذكر يطارده المستقبلُ

هو الذي لم يعتد أن يلحق بأحد

هو الذي لم يعتد بيتاً

 يفكر بمحو كل ما كتبه

.خشية أن يسكن

كما يجب

قبل أن أموت بأيام قليلة، سأضع حياتي أمامي. سأوبّخها كجدّ  قاس لئيم  سأمطرها بأقذع النعوت، سأذكّرها  كم هي حمقاء، غبية كسول  مستهترة أنانية ووقحة بخيلة  فاشلة.

 .وربما بقسوة سأصفعها

 ،ولأنه ليس ثمة خطة واضحة  تماماً

.كجدّ طيب رؤوف ربما سأُظهر لها من الحب والحنو  ما لم تختبره حفيدة قطّ

.سأقول لها كم هي رائعة واستثنائية ذكية أصيلة حساسة ورقيقة، نبيلة وكريمة

وأندفع بعاطفة فائضة لأضمها طويلاً وأقبل رأسها، يديها

لكن لأنه ليس ثمة خطة واضحة تماماً

ولأسباب تتعلق بضيق الوقت بوهن الجسد ماضياً إلى غير رجعة

قد لا يحدث شيء كهذا

غير أنه من المؤكد لو تسنى لي

بعينين حزينتين وجسد مليء بالدموع سأقول لها حياتي :كم سرّني أني

.تعرفت عليكِ …كم آلمني أني لم أعرفك كما يجب

جسر

على جسر عال

أقف

لا لأتخيل مشاعر الذين قفزوا منتحرين

لا لأحزن لأجلهم

لا لأتحسّر على حيواتهم القانية عميقة في المياه القانية

أقف

ألملم ما بقي من كرات أنفاسهم النابضة

أنفاسهم التي ما تزال عالقة في الهواء

.ألملم ما استطعت من هبائهم كي أكمل عبور الجسر

جسدكِ خزانة كتبٍ

جسدكِ خزانة كتبٍ

أصوات

أصوات تأتي من النافذة على مهل

أصوات تأتي من خشب الباب

من الماء

من لحم الهواء

من الساعة التي على الحائط

مثل أفريقيا التي تزأر في الليل

مثل الغزلان التي تتفسخ تحت عين النسر

مثل العري الذي يتركه أنين الخشب

مثل قفل الباب الذي يرى كل شيء.

مثل المفتاح الذي في يدكِ

مثل الطوفان الذي يترك وراءه الوحل

يغرق كل شيء فيك

ويبقى البيت مثل عربات الغجر

.على ظهر الجبل

كتابُ العمى

جسدكِ ينتظرُ الطرواديين

.أن يوقفوا هذه الحرب

 ،جسدكِ خزانةُ كتبٍ مرصوفة بعناية شديد

.ألمسُهُ فيقع كتاب ” العمى ” لساراماغو عن الرف

أتأمل ساقيكِ المرفوعتين

،فتنزل طيورٌ جريحة من الصفحات

،ويعرقُ الكرسي

،ودفةُ الباب

.والرجلُ الوحيد الذي بقربكِ

كأس كونياك يصدع الرأس

تمام الساعة الثانية عشرة

أتأمل تلك الندبة على جلدكِ الشاحب

:ونحن نمشي وسط منهاتن

 .لقطة من فيلم

.في بار ” الحصان الأبيض ” صورة لديلان توماس مأخوذة من جريدة

،أجلس ُ في هذا المكان لا لتعمد ارتكاب أخطاء

فقط أتأمل البحيرة المرسومة على الجدار

.والحدقة السوداء للعصفور الذي يصدأ

.هنا أرى الحياة على حقيقتها مع خلفية موسيقية

بكلمات قليلة يمكنك أن تصف الشوارع الخالية

.وحشرجات الوحيدين آخر الليل

.الوحشة هي تلك البقعة الرطبة على طرف القميص

***

الحنين

،”أحاول التخلص من كل ذلك الهراء الذي اسمه ” الحنين

.مع ذلك يقفز فجأة كالصرصار من تحت السرير

***

انتحار فرانسيسكو أوذيل

أقرأ في الجريدة عن انتحار شاعر من نيكاراغوا

،اسمه فرانسيس أوذيل

هل تصدقين

 ،أن حياة الآخرين جحيم

.ربما نراها في كلام قليل

رأس السنة 2011

ترك وراءه قصائدَ كثيرةً

،كانت تنظر إليه وهو يترنح على باب غرفته

.بحبل قصير مشدود على عنقه

لم يرتجف

.ولم يتكلم

كالضوء، لا أفهم سرّ انكساري

كالضوء، لا أفهم سرّ انكساري

ثَمرة ٌ ناضجةٌ

امرأةٌ

بقلبٍ مفتوحٍ

وعينٍ واسعةٍ

،تهزُّ شجرة الروح

:يسقطُ كلُّ شيء أمامها

الحياةُ

العينُ

القلبُ

.الروح

بنظرةٍ طويلةٍ

وابتسامةٍ عميقةٍ

،تُودِّعُ الحياة

تُوَدِّعُ ما رأتْ

.وما سترى

بنظرةٍ عميقةٍ

وابتسامةٍ طويلةٍ

ترى كلَّ ما كانَ

.وما سيكون

ليستْ عرافةً

كانت حدساً

.يضيء

كانت

.ثمرةً ناضجةً

:فهمتْ كلَّ شيء قبل السقوط

عَجْزَ الانسان في أن يكونَ أو لا يكونُ

.عجزَ الطائر في أن يطيرَ أو لا يطير

،يا حياةً

يا تعباً تُتَرْجِمَهُ الصُّورُ

امرأة بقلبٍ مفتوحٍ

وعينٍ واسعةٍ

.رأتْ الحياة صوراً مرسومةً على وجهها


كلما  مرَّ أمل اصطدتهُ

ٍمثل شجرةٍ ميتة

مثل موجةٍ تضرب الشاطئ

مثل غريبةٍ

لا أرى الطفولةَ

ولا ملامحَها

ولا أمراضَها

لا أتذكّر لقاحَ الجُدري

َّولا السل

ولا الحصبةَ

.ولا أيامَ الفِطام

َيائسةٌ مثل ثدي امرأة لم تعرفْ الرضاع

مثل أرملةٍ تنتظُر غبارَ الربيع

.كلما  مرَّ أمل اصطدتهُ


كالضوء، لا أفهمُ سرَّ انكساري

أنا الطالعةُ من رَحِمِ الأرضِ

بدعائي أشقُّ السماء

في سطوعٍ أعلو

.وفي عتمةٍ أغفو

منحتُ الحديقةَ خُضْرتَها

والأشجارَ

،أولادي

.وَرثوا أقوى عظامي

في تصاعدٍ خفيفٍ أقطعُ المسافةَ

،متصالحةً مع نفسي

يتراءى لي

.لكنّني كالضوءِ لا أفهمُ سرَّ انكساري

.أحتاجُ سفراً طويلاً كي أعبرَ المتاهةَ

.من حرير الكلام أرسمُ ألواني

:أسألكَ أيها البحر الصامتُ

لماذا رمتْ أمي ثيابي؟

،لماذا لم تترك سوى صبيةٍ في قلبها يلعبون

حفاة إلا من حبِّها؟

صادقتُ الضياءَ حتى انفجرتْ عيني

صادقتُ البحار فأخذني الموجُ

صادقتُ الصحراء فابتعلني رمْلُها

.صادقتُ البعد فخاطبني: أنت أبعدُ مني


عاريات

يا شجَرةَ الصَّفْصَافِ لماذا تَشْهَقين؟

سألتْها المرأةُ التي تنامُ تحتها

أعاريةٌ أنتِ مثلي بلا أوراق؟

ضحكت الأرض من تحتهما

،وتكوّرت

.سبحان نسائي، خَلَقْتَهُنَّ عارياتٍ


عاشقةً كنت
 

.هبطتُ من القُرَى أجرُّ أحلامي

غيمةٌ مرَّتْ فوق رأسي المجنون

.وأوحت لأقدامي بالهرب

عاشقةً  كنتُ

أرسمُ أحلامي بقَشٍّ

بلا حبرٍ

.ولا قلم

أغيّرُ وجهي مثلَ أوراق الشَّجر

ٍ من خريفٍ إلى ربيع

.إلى مطرٍ

أغيّرُ وجهي

مثل البراري

ٍ من ذئاب

.إلى حجر

بيتي لا يطلُّ على ساحلٍ

بيتي لا يطلّ على غابةٍ

ٍ بيتي ليس في مرتفع

ولا في منخفضٍ

بيتي في مساحة التيه

.تسكنهُ امرأةٌ ضائعةٌ

أعرفُ الحبَّ

يجري كماءِ الجداول

أعرفُ  الحبَّ

.يَعصفُ مثل الرياح

أنامُ مثلَ غيمة ٍفي حُضْنك

تنامُ مثل ريحٍ في عينيَّ

أغرفُ من نَبعِ أيَّامي

ألمُّ الحَصى

.وأشربُ الرمْل

كلَّ يوم أنسجُ امرأةً جديدةً

أقنعها بالحُجَج

أحتال عليها لألف ِغايةٍ

…كي أحيا

سلامٌ على هذه المرأة التي تفتحُ أبوابَ الفجْرِ

وتغلقُ خلفَها أبواب َاللّيل

.وتنتظر أبواب الصَّباح ِكي تمضي إليها

الورودُ التي زرعناها

،تبكي

.يدٌ خائنةٌ مرَّتْ عليها

أخطائي تنام ُعلى كتفي

.كنتُ لها خيرَ صديقٍ

.سأزرع ورداً كثيراً

.سأزرعُ ورداً بعددِ أخطائي

سأحفرُ الأرضَ

أحاول أن أصلَ إلى العمقِ

.ربما أجدُ نَفْسيِ

تتفتحُ الأزهار حولي

بيضاءَ بيضاء

إنّه الربيعُ

سأغنّي أغاني الحب

سأغني أغاني الفقراءِ

سأغنّي أغاني المغدورات

:وأردّدُ

.كل نفس ذائقة الحُبّ

،تعبتِ المرأة التي تسكنُ الأرض

.تعب َنعاسها من الصُّراخ

عندما أستيقظُ أرفع ُستائرَ السَّماء

ألوِّح ُلها من الأرض البعيدة

هي تطل على مَدَاري

.وأنا أدورُ مع كواكبها

يا إلهَ الغَابات

احرسْني من الضوء

.لقد سرقوا عينّي