النّدابة.. قرباطية تؤجر حزنها لتبكي أمواتاً لا تعرفهم 

 النّدابة.. قرباطية تؤجر حزنها لتبكي أمواتاً لا تعرفهم 

هاتف ليلي لأحد الأصدقاء في العام ٢٠٠٩، دفعني لمشاركته رحلة سفر نحو واحدة من مدن ريف حمص الشرقي، وطيلة الطريق الذي استغرق نحو ست ساعات تقريباً، كان الحديث يعود باستمرار لسيرة عم صديقي الذي توفي بحادث سير ناجم عن القيادة بسرعة تحت تأثير الكحول. كان المتوفى عائداً من سهرة في أحد الملاهي الليلية وترافقه راقصة تحمل جنسية إحدى الدول المغاربية.

 لم يكن هذا الحديث معتاداً بالنسبة لي، فهو عكس ما تقوله القاعدة المعروفة “اذكروا محاسن موتاكم”، فصديقي ذاك كان يوغل في نبش الحكايا السيئة عن عمه الذي يصرف مبالغاً طائلة على ملذاته، فيما يبخل على أسرته بالمصروف، وهو رجل يعمل بـ “الربى”، فلا يُعطي مالاً بدون فائدة حتى لأقاربه المقربين، وعموم ثروته كدسها من سرقات من القطاع العام، حينما كان مسؤولاً في مؤسسة حكومية بحمص تُعنى بإنشاء مباني المشروعات. بدا لي هذا الرجل بغيضاً من خلال حديث ابن أخيه الذي أجبر على حضور العزاء من باب الواجب العائلي، إلا أنه صدمني بجنازته.

الدهشة الأولى

سار موكب الرجال يحمل النعش بخطى ثقيلة، وفي الخلف نسوة تتقدمهن مسنة تبكي الميت بحرقة، وتردد جملاً توحي بأن ما قصّه صديقي عن عمه كان كذباً، خلف المرأة نسوة يبكين بحرقة أيضاً، فيما بقية النساء يمشين بهيبة ووقار دون إبداء الحزن الشديد.

سألت صديقي عن المرأة التي كانت تبكي بحرقة وتندب الميت بكلام مقفى، قلت له “هي شاعرة”، فرد “كل الندّابات شاعرات”، صُدمت ولم استوعب الجملة التي قالها، وبعد انقضاء الدفن والعزاء، سألته عن مدى قرابة المرأة لعمه، فقال ببساطة «قلت لك هي ندّابة، قرباطية تبكي مقابل مبلغ متفق عليه سلفاً»، والصدمة أن كل النساء اللواتي بَكَين عمه في التشييع كنّ من القرباطيات اللواتي يحضرن مثل هذه المناسبات ليبكين نيابة عن نساء العائلة.

خلال عملية بحث عن «القرباط» في محيط العاصمة السورية دمشق، كان مشهد الندّابات هذا يقفز من الذاكرة. تحاول سميرة التي قاربت العقد الخامس من العمر، و تعمل بهذه المهنة من سنوات أن تجيب عنه، وتقول لـ“صالون سوريا“: ”المرة الأولى التي شاركت فيها بتشييع ميت كنت بعمر السادسة عشرة، حينها خرجت ملتفحة بالسواد برفقة مجموعة من نساء المخيم الذي كنت أعيش فيه مع أهلي، صعدنا في صندوق سيارة “بيك آب”، أرسلها ذوي الميت آنذاك، وكنّ مشغولات بالغناء في طريق الذهاب، وبعدّ المال والحديث عما شهدناه في العزاء من كرم أو بخل أو تصرف نسوة آل المتوفى في طريق العودة“.

وتشير سميرة إلى أن جدتها كانت تسأل “حين وصولنا عن اسم الميت ولقبه فقط، لتبدأ بعدها بإلقاء ما تحفظه من رثاء سواء كان شعراً أو أغانٍ، ولحرقة بكائها كنا نبكي معها، وكأننا نبكي على حالها“ بحسب قولها.

حكايا لحزن مفترض 

في ثمانينيات القرن الماضي كانت جدة سميرة تتقاضى ٥٠ ليرة كاملة عن الندب على ميت لا تعرفه، وتحصل النسوة التي ترافقنها على مبلغ ١٠ ليرات لكل منهن، زاد المبلغ في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي  ليصبح ١٢٥ ليرة للندابة، وخمسين لكل من ترافقها، ويُحدد عدد المرافقات وفقاً لطلب ذوي الميت.

أما خولة، فقد كانت أولى مشاركاتها في عملية الندب في أوائل التسعينات، حينها خرجت برفقة أمها لعزاء بريف حمص الشرقي أيضاً، وكان الميت وفقاً لما تذكره مختاراً لقريته، وكان ذوي المختار كرماء، فحصلت كل النساء اللواتي رافقن أمها على مبلغ ٢٥ ليرة كـ “إكرامية”، أو “بقشيشاً”، فيما حصلت أمها على ٢٠٠ ليرة كاملة، فقد بكت حينها بحرقة وكأنها أم الميت أو حبيبته،.

من جهتها تروي خلود لـ ”صالون سوريا“: ”كانت أمي تعمل كحفّافة، أي تقوم بتزيين النساء وإزالة الشعر من وجوههن باستخدام الخيط، ولأنها ذات صوت جميل كانت النسوة يمنحنها وقتاً إضافياً لتغني لهن مقابل بقشيشاً تحصل عليه بعد إنهاء حفلة التزيين، ولم تكن معروفة كندّابة، إلا حين رغبة ذوي أحد الموتى باستقدامها لتندب في عزائهم“، ولا يوجد لدى «القرباط»، تفسير لسبب احتياج سكان القرى لهم في مثل هذه المناسبات إلا بكون ذوي الميت يريدون أن يتباهوا حتى في حزنهم.

عن عمرها تجيب خلود ”مثل ما أذكر ٦٥ سنة“، أما عن الندب فتقول “لا أذكر أن ثمة من طلب نساءً للندب في عزاء منذ عام ٢٠٠٥، كان وقتها ضمن عزاء بقرية في ريف حماه الشرقي، حينها استقلينا السيارة لمدة تزيد عن ساعة لنصل للقرية، وتقاضينا حينها مبلغ ١٥٠٠ ليرة سورية لكل منا، وكنا عشر نسوة، والطريف في الأمر أن النساء اللواتي كنّ يندبن خلال عزاء الميت، وما إن يعدن لثيابهن المزركشة بعد انقضاء المهمة، ليمارسن حياتهن الاعتيادية“.

وفي صباح اليوم التالي سيكون موعدهن لشرب كأس من الشاي أمام إحدى الخيام، ليتشاركن أسرار النساء الحاضرات من أقارب ومعارف الميت، وضمن هذه الجلسة يسخرن من “نساء الحضر“، اللواتي يبدين نوعاً من التحفظ في الاختلاط مع الندّابات لكونهن ”قرباطيات – نوَريات“، وما يثير سخرية الندّابات أكثر هو إنهن يبكين نيابة عن أولئك النساء.

وتردد الندّابات، كل ما يحفظنه من قصائد الرثاء المكتوبة شعبياً، وهي مستقاة من بيئة المنطقة التي يقع فيها هذا المخيم أو ذاك، وغالباٍ ما تكون جملاً من الموروث الشعبي للمنطقة، وتستذكر ونس، بعضاً من جمل جدتها في حالات الندب المأجور ومنها “وشربت من ميهم قطّع معاليچي.. بموتك شلون يبل الوگت ريچي“، ومعناه أن الراثية تسأل المرثي بعد أن شربت من ماء الغرب وتقطعت أحشاؤها وجعاً، كيف سيرويها الزمن..؟!.

أكثر ما كان يهم الندّابات هو قطع اللحم التي يحصلن عليها كحصة من الذبائح التي ينحرها أصحاب العزاء لتكون وليمة لضيوفهم، ويعدن محملات بخبز الصاج الطازج.

ويُعرف عن القرباط عملهم في مهن ”تبييض الأواني النحاسية – تركيب الأسنان المعدنية – لحام أغطية صفائح تخزين الجبن – الطب العربي – الختان“، التي يمارسها الرجال، ذات المردود المنخفض، وهم يعتمدون على ما يحصلون عليه من ”إكرامية“ وهي تتنوع بين المال أو المواد العينية من قمح أو عدس أو ثياب مستعملة، والحال مثله للنساء اللواتي يمارسن في الحياة الاعتيادية مهناً مثل الحفّافة – الونّاسة (ترافق سائقي الشاحنات لتبث لهم الونس بالغناء والحكايا) – الدگاگة (ترسم وشوماً للنساء) – الحچية (امرأة تغني في خيمة ذويها لمن يحضر من زبائن)، وسواها من المهن الأخرى، وتعد عادة المشاركة في ندب ميت ما، ”رزقة“، لم تكن تأتِ كل يوم..

عن هذه المهن تشرح ميادة، لـ ”صالون سوريا“، ”ليس للموت موسم، ونساء القرباط يعتمدن في بعض المهن على الموسم، فـالحفّافة، تطوف بشكل مستمر لتلتقط رزقها، لكنه كان يزيد في موسم الأعراس في القرى، و الدگاگة، كانت تَشِم للنساء بعد موسمي حصاد الحبوب وقطاف القطن، ويزيد عمل الحچيات بعد المواسم لأن جيوب الرجال تمتلىء، لكن الندّابات، وهن غالباً من كبيرات السن اللواتي اعتزلن العمل، ينتظرن عزاء ليلطمن فيه، والتعازي لا تحدث كل يوم“.

تضيف المرأة الستينية التي تخاف من العودة للخيام: “الآن لم يعد ثمة ندّابات، الناس تعودت على كثرة الموت ولم يعد للعزاء ذات الطقوس التي كانت سابقاً، كما إن الناس لم تعد تجد خيامنا، فكل سكان مخيمات القرباط إما استقروا في المدن أو بالقرب من مخيمات النازحين، وفي كل الأحوال بات التسول مهنة غالبية النساء والأطفال، فيما يعمل الرجال في مهن مثل بيع الدخان أو جمع القمامة أو بيع المشروبات الساخنة“.

التسول.. كمصير

في ساحة المرجة تجلس سمر، وهي في العشرين من عمرها، مع والدتها السبعينية على كرسيين لشرب كأس من الشاي خلال فترة الظهيرة للاستراحة من التسول. وتستأجر سمر مع أسرتها المكونة من ١٤ فرداً غرفتين في فندق قريب بأجر يومي يصل إلى ٢٠ ألف للغرفة الواحدة، وهم جميعاً يتسولون لجمع مبالغ تكفي لمعيشتهم وفقاً لتعبيرها.

وتبوح أم سمر، التي أنجبت ابنتها في مخيم شرق العاصمة، قائلة: “كل نساء القرباط كن يحلمن ببيت طبيعي بدل الخيمة، الرجال هم من كان يتحكم بقرار الحل والترحال للقبيلة تبعاً لموسم العمل وشكله، لم يكن ثمة مستقر، وغالباً ما كنا نرحل ليلاً، فيستفيق الناس في مكاننا القديم على اختفائنا المفاجئ، فيما يستفيق سكان أقرب منطقة من المكان الجديد لمخيمنا على مفاجأة وجودنا، كان البعض يجبرنا على الرحيل خوفاً مما يسمعونه عنا من إشاعات، فالبعض يظن أننا نخطف الأطفال، والبعض يعتقد أننا نعمل بالدعارة، وتهم أخرى مثل ممارسة السحر والسرقة وما إلى هنالك“.

كيف يستحم أهل دمشق؟

كيف يستحم أهل دمشق؟

بالكاد خرجت من فمه عبارة “مسا الخير”، بينما كانت الابتسامة هاربة من وجهه. هكذا كان حال “أحمد” عندما أتى الى لقاء أصدقاء له في مقهى شعبي على أطراف دمشق، رغم أنه معروف بطبعه المرح ونكاته الظريف.
الوجوم الطاغي على وجه الطالب الجامعي، أثار الفضول لدى أصدقائه لمعرفة ما به، وما الذي قلب حاله، إذ بادروا بعد جلوسه على الكرسي مباشرة إلى توجيه الأسئلة إليه لمعرفة ما به ومنها: “شبك يا رجل؟، حدا معكر مزاجك؟، حدا زعجك ؟ رحلك شي؟، حدا من العيلة صرلوا شي؟، بدك شي؟، روّق يا زلمة. انسى، صحتك بالدنيا”.
صمت الشاب وعدم رده على الأسئلة، أثار فضول أصدقائه أكثر لمعرفة ما به، ومع إلحاحهم عليه، رد “أحمد” بالقول، “الحياة صارت كتير زفت. كتير مقرفة. يا جماعة حتى الحمّام (الاستحمام) صار بالزور. صار حلما”، ويضيف: “مي مافي، وإذ جبت مي مافي كهربا ولا مازوت ولا كاز ولا غاز، وشلون الواحد بدو يتحمّم”، ويتابع: “يا جماعة صرّلي تلت (ثلاثة) أسابيع بلا حمّام. ريحتي طلعة وصرت استحي من الناس”.
أحد الجالسين على الطاولة، بادر للتخفيف عنه بالقول، “روّق يا زلمة. كلو متلك. صحتك بالدنيا (…) بدك تنسى الحمّام صار رفاهية ممنوعة علينا. نيالك يلي عم تلحق تشرب مي، نحنا مية الشرب مو لحقانيين، وبمية يا ويلاه عم نعبّي كم قنينة”.

قائمة طويلة
“الاستحمام” الذي يبدو أنه أُضيف إلى قائمة أساسيات كثيرة خرجت من استهلاك وعادات الدمشقيين، ومنها “الإنارة الجيدة، وكأس ماء بارد في لهيب الصيف، والشعور بالدفئ في شتاء برده ينخر العظام، وطبخة محترمة، وملئ بطونهم بالطعام، ومشاهدة حلقة من مسلسل تلفزيوني، وكوي بنطال أو قميص، وركوب تكسي ووو”. وتشير تصريحات الحكومة إلى أنها كانت تحسدهم عليها وتمنّ عليهم بها على اعتبار أنها “رفاهيات”، سبب خروجه الرئيسي هو حصول أزمة حادة في توفير المياه للمنازل عبر الشبكة الحكومية، وزياد طين معاناة الأهالي بلة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي في معظم أحياء المدينة لفترة طويلة تصل ما بين 6 – 10 ساعات (حسب تصنيف الحي وطبيعة سكانه)، ووصله لساعة يتخللها عدة فترات انقطاع، تمتد كل واحدة ما بين 5 – 10 دقائق، وذلك في بلد كانت المياه فيه قبل عام 2011 تصل إلى المنازل على مدار اليوم ، وتلبية الطلب على الكهرباء فيه عند مستوى 97 في المائة، لتنخفض حاليا إلى مستويات غير مسبوقة وتصل إلى نحو 15 في المائة، بحسب خبراء.
الحكومة التي دأبت على تحميل العقوبات الغربية مسؤولية أزمات توفر مقومات العيش الأساسية للمواطن الذي صارت حياته كلها أزمات “خبز، بنزين، مازوت، كهرباء، غاز منزلي، مياه، دواء، مواصلات، متابعة الدراسة، ثلج وووو”، أعلنت منذ فترة بعيدة عن برنامج تقنين للمياه في دمشق وريفها، بحيث تضخها إلى المنازل في أحياء العاصمة بشكل يومي لمدة أربع ساعات تختلف فترتها من حي لأخر، على حين يتحدث سكان من ريف دمشق بأن المياه لا تصل إلى منازلهم إلا يوم واحد أو يومين في الأسبوع ولمدة ساعتين أو ثلاثة، وتحل الطامة الكبرى على الأهالي إن كانت الكهرباء التي لا يرونها إلا ساعة واحدة كل يومين أو ثلاثة مقطوعة في فترة ضخ المياه.

شكوى بحرقة
“أم سمير” ربة منزل ولديها بنت وطفلان، تشكو بحرقة من عدم وصول المياه إلى منزلها في الطابق الثالث من البناء الذي تسكن فيه بأحد أحياء دمشق الجنوبية، وتقول بحسرة لـ”صالون سوريا”: “احيانا بتجي الكهربا نص ساعة لما بيكون دورنا بالمي، و(حينها) الجيران بتتسابق على تشغيل الميتورات (مضخات المياه)، لتعبئة الخزانات ونحنا بنشغل الميتور بس ما بتطلع المي لعنا لأنو ضعيفة، ومنروح نترجى هاد الجار وهادك الجار لنعبي من عندون كم بيدون للشرب والطبخ ودورة المياه”.
“المصيبة أنو مع قلة الحمام صارت الأولاد تهرش بحالها، وتحك برأسها وتنق بدها تتحمم” على حد تعبير ربة المنزل التي تضيف، “ما عندي قدرة أعبي كل يوم من الصهاريج (500 ليتر بـ5 آلاف ليرة)، وكل أسبوع أو أسبوعين ببعت واحد على بيت عمو وواحد على خالتو أسمو ساكنين بالأرضي بتجي المي عندون والكهربا أحسن شوي من عنا، وبتحمموا على الماشي، وأنا بدبر راسي كمان عند خواتي”.
الحال عند “فريدة” وهي أم لأربعة أطفال، وتعيش في حي يقع غرب العاصمة، أفضل نوعا ما، ذلك أنها تقطن في الطابق الأرضي وتتمكن “بطلوع الروح” في فترة ضخ المياه من الشبكة الرئيسية إلى المنازل من تعبئة حوالي نصف الخزان، لكنها تشكو لـ”صالون سوريا” من عدم تمكن أفراد العائلة من الاستحمام في يوم واحد وتقول، “مازوت ما عنا لنحمي الحمّام، وبنص ساعة كهربا ما بتلحق المي تسخن ودوبا تفتر فتور، وبحمّم كل يوم واحد بسطل مي، والله وكيلك طول (فترة) الحمّام الولد يصيح من البرد، وبس بدو يخلّص ويروح يلف حالوا بحرام. يعني الواحد شو بدو يعمل بعين الله”.

اربع خناقات
“أم وليد” لم تجد حرجا في الإفصاح لـ”صالون سوريا” عما يحدث في منزلها بسبب قلة المياه وصعوبة الاستحمام، وتقول “كل يوم عم تصير أكتر من 4 خناقات بالبيت والصياح بيصل للسما على دور الحمّام (الاستحمام)، بين الأولاد وبينهم وبين أبوهم، كلون بدون يتحمّموا بنفس اليوم، وأنا بقول للكل: هيك ما بيمشي الحال لا في مي تكفي ولا في كهربا ولا مازوت ولا غاز نسخن المي”، وتضيف “واحد بتحجج أنو بدو يروح على الجامعة، ووحده بقول بدها تروح لعند رفقاتها البنات، والزلمة بقول خلو شوية مي مشان الوضوء، وبالزور لحتى يهدى الوضع، ويتحمّم صاحب النصيب”.
الوضع السابق لا ينسحب على كافة السوريين، الذين تؤكد منظمات دولية وأبحاث ودراسات أن 94 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، فالنسبة المتبقية تتكون من الأغنياء القدامى و”أمراء الحرب” و”أثرياء الحرب” و”حديثي النعمة” و”المسؤولين الفاسدين”، وهؤلاء من البديهي أنهم يمتلكون مولدات كهربائية ضخمة وبعضها وضع أمام الأبنية في الشوارع لأنه لا مجال لوضعها داخل المنزل بسبب ضخامتها، وهم يمتلكون النفوذ الكافي للحصول على الوقود اللازم لتشغيلها، وبالتالي الحصول على كميات الماء التي يريدونها في ساعات الضخ وتسخين المياه من خلالها والاستحمام ببرميل وليس بسطل ماء، هذا إن لم يذهبوا إلى حمامات السوق التي تصل فيها أجرة الاستحمام للشخص الواحد ما بين 10 – 15 ألف ليرة.

* الصورة من “فرانس برس” في 16 ديسمبر

يوم في حياة عائلة نازحة في ادلب

يوم في حياة عائلة نازحة في ادلب

كثيراً ما نسمع عن قصص وحكايات وأوجاع لعائلات نازحة، تعيش في المخيمات ومراكز الإيواء، تفتقر لأبسط مقومات الحياة وأشكال الرفاهية في شمال غربي سوريا، معظمها قريبة من الحدود التركية، بعضها يقع في مناطق جبلية وعرة، ولكل عائلة نازحة في هذه المخيمات حكايتها وظروف معيشتها اليومية التي يطغى عليها مشهد الفقر والتقشف والبساطة.
“صالون سوريا” امضى يوماً مع احدى هذه العائلات في مخيم الأمل بالقرب من مدينة الدانا شمال إدلب، وضمن خيمة لا تتجاوز مساحتها الداخلية الكلية 10 أمتار مربعة. هنا يعيش أبو محمد (42 عاما) وزوجته وأولاده الستة الصغار، (نازحون من ريف حلب الجنوبي قبل نحو 5 سنوات)، حياةً بسيطة رغم مرارة العيش، لايملكون فيها أي شيء من تكنولوجيا العصر سوى بطارية صغيرة وسلك كهربائي معلق بلمبة صغيرة بقياس 12 فولتا، مربوطة بلوحة شمسية صغيرة مركونة على جدار الخيمة وموجهة بإتجاه الشمس لتحصل البطارية على الطاقة من أشعة الشمس يومياً.

خيمة… منزل
عملت الزوجة أم محمد ذات الثلاثين عاماً، على تحويل الخيمة إلى أشبه بمنزل صغير متواضع، فوضعت الغاز عند باب الخيمة من الداخل، وإلى جانبه بعضاً من أواني الطبخ البسيطة ضمن صندوق بلاستيكي (سحارة). وفي الجهة الثانية، وضعت قطعة خشبية مخصصة لوضع الأغطية والفرش بعد أن تستفيق أسرتها صباحاً، بينما فرشت أرض الخيمة بقطعة سجاد متهالكة وبعض الاسفنجات والوسائد، ومع كل صباح تبدأ الحكاية
أبو محمد، نزح من قريته بريف حلب الجنوبي قبل نحو 5 أعوام، عقب هجوم بري شنته قوات دمشق وإنتهت بالسيطرة على المنطقة حينئذ، ولجأ مع أقاربه إلى هذا المخيم، بالقرب من مدينة الدانا شمال إدلب، وحصل على فرصة عمل في أحد معامل الطوب (البلوك) في المنطقة.
مع ساعات الصباح الأولى من كل يوم (صيفاً وشتاءً)، يسيتيقظ وزوجته و أولاده (محمد 14 عاماً وحسن 13 عاما). فأبو محمد وأولاده يذهبون إلى وعاء مملوء بالماء عند باب الخيمة الخارجي، ويغسلون وجوههم. أما أم محمد، تُعد وجبة الإفطار مما توفر (صحن من الزيت النباتي وإلى جانبه صحن من الزعتر وبعض الأرغفة من الخبز وإبريق الشاي)، وأثناء تناول وجبة الإفطار يتمازحون ويضحكون ويتحدثون عن ما ينوون القيام به من أعمال خلال اليوم.
ومع إنتهاء تناول الطعام، كل منهم يذهب لإرتداء ملابس العمل والإستعداد للذهاب إلى العمل وسط أجواء من المزاح والضحك. فأبو محمد يسلك طريقه مشياً على الأقدام بإتجاه معمل الطوب. أما محمد وحسن يذهبان سوياً إلى واحدة من المدن القريبة (الدانا وسرمدا) بحثاً بين أكوام القمامة في شوارع المدن عن ما يستحق البيع من (مواد بلاستيكية ونايلون أو نحاس)، طيلة ساعات اليوم وحتى المساء، بينما أم محمد تبقى في الخيمة بإنتظار طفليها الصغيرين أن يستفيقوا من النوم لتعد لهم وجبة الإفطار ذاتها التي تناول منها زوجها وأبنيها، قبل الذهاب للعمل.

ام ومديرة
تقول أم محمد: “أعيش وأسرتي في المخيم منذ خمس سنوات إلى الآن نمطاً واحداً من الحياة لا غير، (إعداد الطعام والغسيل والجلي)، وغالباً ما أعده من طعام، يكون من المخصصات الإغاثية التي نحصل عليها شهرياً، (إما برغلاً أو عدساً أو معكرونة)، وذلك قبل الظهيرة. أما عند المساء أجلس مع جاراتي ونتبادل الأحاديث بالظروف المعيشية التي نعاني منها يومياً وأحاديث اخرى عامة، وبعدها أعود إلى خيمتي، وأعمل على تسخين الماء، ومع وصول زوجي وأولادي، أنهمك بتحضير الألبسة النظيفة لهم وإستحمامهم، وبعد ذلك نجلس جميعاً ونتاول العشاء، وبذلك يكون الظلام ملئ المكان، ونمضي ساعة أو أكثر نتبادل فيها الأحاديث، عن ما جرى معهم من أحداث أثناء العمل، وبعدها يذهب كل منا إلى النوم”.
وتفخر “أم محمد” بنفسها وترى أنها هي المسؤول الوحيد عن إدارة شؤون أسرتها في المأكل والمشرب والملبس والأشياء الأخرى التي تخص الأسرة، في الوقت الذي يمضي فيه زوجها بالعمل طيلة النهار وعلى مدار العام. وتقول: “عندما يعود زوجي من العمل يقوم بإعطائي ما جمعه من نقود خلال العمل بنقل الطوب في اليوم، وعادة يكون المبلغ بين 30 إلى 40 ليرة تركية، وكذلك أبنائي أيضاً فهم يقومون بشكل يومي بإعطائي ما تم جنيه من مال خلال عملهم في اليوم، بعد بيع ما تمكنوا من جمعه من أشياء (بلاستيكية ونايلون وخردة)، وأكون بذلك المسؤولة عن تدبير وإدارة شؤون الأسرة”.
وتضيف، “المرأة السورية وتحديداً النازحة مع أسرتها، تجد نفسها مسؤولة مباشرة عن أسرتها، فغالباً أرباب الأسر يذهبون للعمل منذ الصباح حتى المساء ليتمكنوا من جني النقود لإعالة أسرهم، وبذلك تلقى كامل المسؤولية في تدبير الأسرة من تربية وخدمات على عاتق المرأة، بينما سابقاً (قبل النزوح) كانت الحياة بالنسبة للمرأة أسهل بكثير، فالرجال يعملون في الزراعة والصناعة والتجارة في القرية التي نعيش فيها، وتكون ساعات العمل أقل بكثير من الآن، وهذا يخفف على المرأة أو ربة الأسرة الكثير من الأعباء في تربية الأطفال وتلبية متطلبات الأسرة اليومية، فمثلاً عندما يشكو أحد الأطفال من عوارض مرضية أو يصاب بضيق تنفس أو أي أذى، أذهب به إلى الطبيب ومن ثم إلى الصيدلية وجلب الأدوية، وأعود إلى الخيمة وأتابع العناية بحالته الصحية، فضلاً عن أنني المسؤولة عن شراء إسطوانة الغاز والأشياء الأخرى كالطعام والملابس، ومع ذلك لا أشعر زوجي بأي ضيق أو ملل، بل على العكس تماماً”.

حياة دون توقف
من جهته، قال أبو محمد: “منذ 5 أعوام وحتى الآن لا أذكر أنني تعطلت عن العمل يوماً واحداً، سوى أيام الأعياد، وبت أشعر مؤخراً بآلام وأوجاع في الظهر والمفاصل، نتيجة عملي المجهد، ولكن بالرغم من ذلك، لا أسمح للرغبة في التعطل عن العمل أن تنال مني، فذلك يعني أنني عرضت أسرتي للجوع والفقر أكثر، فعطلتي ليوم واحد قد يؤدي إلى فقدان إسطوانة الغاز في خيمتنا لأيام، أو لا تجد أسرتي ثمن ربطة الخبز أو ثمن الدواء فيما لو أصاب أحد أبنائي مرضاً، عدا عن متطلبات فصل الشتاء من وسائل تدفئة وغيرها، ومع ذلك أشعر في بعض الأوقات بحزن عميق، كوني لا أرى أولادي وزوجتي سوى ساعة أو ساعتين كل يوم قبل النوم، وفي اليوم التالي أذهب باكراً في الوقت الذي يكون فيها طفلين من أسرتي نائمين”.
ويضيف، “قبل النزوح كنت أملك حوالي 20 دونماً من الأرض الزراعية في بلدي، وأعمل في زراعية القمح والشعير والخضار سنوياً وأحصل في نهاية العام على مبلغ أستطيع من خلاله العيش وأسرتي بحال ميسورة جداً، بينما اليوم وفي ظل النزوح والمعاناة والمصاعب التي نواجهها يومياً من غلاء وغيره، يتطلب منا العمل يومياً دون كلل أو ملل لنؤمن قوت أسرنا ومتطلباتها”.
وأشار” تعرضت منذ عدة أشهر إلى كسور بأصابع قدمي نتيجة سقوط قطعة طوب عليها أثناء العمل، وبالرغم من الألم الشديد الذي أصابني حينها، إلا أنني تابعت العمل حتى نهاية اليوم، وأثناء عودتي إلى أسرتي عملت زوجتي على تضميدها بعد تدليكها بالماء الساخن والصابون، وفي اليوم الثاني عدت إلى العمل، وتحملت الألم لأيام”.
وختم “أحمد الله وأشكره أنه رزقني زوجة صالحة، حملت معي جزءً كبيراً من أعباء الحياة وتربية الأولاد في النزوح”.

خردة ونايلون
أما محمد وحسن، فتحدثا قائلين: ” فضلنا العمل على التعليم، فأحياناً لا يتمكن والدنا من جني نقود كافية لسد حاجتنا وتأمين ما يلزمنا في العيش، وكنا نعيش ظروفاً صعبة للغاية، ولذلك قررنا العمل بجمع الخردة والنايلون والبلاستيك المستعمل من كل مكان في المدن والقرى المجاورة للمخيم، وبيعها للإستفادة من ثمنها ومساعدة والدنا على كفاية الأسرة وتلبية إحتياجاتها اليومية”.
وأضاف محمد، “نذهب كل يوم صباحاً ونتجول في شوارع المدن بين الحاويات وأكوام القمامة بحثاً عن أشياء لها ثمن كـالنايلون والبلاستيك والنحاس والحديد، وفي نهاية اليوم نذهب بالأشياء التي قمنا بجمعها إلى أحد المراكز لشراء الخردة ونبيعها، ونحصل بالمقابل على ثمنها الزهيد الذي لا يتجاوز 20 ليرة تركية، ونعود بعد ذلك إلى المخيم”.
وزاد “هناك كثير من العائلات في المدن والقرى القريبة، لا تقوم برمي الأشياء غير اللازمة أو غير الضرورية في منازلهم بالحاويات إلا في المساء، ولذلك غالباً ما نتأخر بالعمل بحثاً عن تلك الأشياء، ونعود إلى المخيم بعد حلول الظلام”، لافتاً، “كثيراً ما نتعرض للإهانة والتهكم من بعض الأشخاص في الشوارع والأسواق، وآخرون ينظرون لنا بعين الاشمئزاز لمظهرنا وثيابنا المتسخة، فضلاً عن تعرضنا أيضاً لحوادث سير بسيطة، تنتهي بخدش في اليد أو القدم، وكلها تدعو إلى الإحباط والحزن والجلوس إلى جانب الرصيف لبرهة من الزمن ونحن ننظر إلى الناس والمارة، وسرعان ما نتجاوز تلك الحالة ونعود للعمل مجدداً بإصرار”. وأضاف، “أتمنى أنا وأخي أن يتوفر لوالدنا عمل أفضل من عمله الحالي، بأجور أكبر، قادرة على تأمين متطلبات عائلتنا، ونترك هذا العمل ونعود لمقاعد الدراسة في المدارس من جديد”.

هل تفكك روسيا شبكات المخدرات جنوب سوريا؟

هل تفكك روسيا شبكات المخدرات جنوب سوريا؟

ظهرت مؤشرات عن تنسيق بين عمان ودمشق بدعم موسكو لمحاربة تهريب المخدرات من سوريا الى الاردن بعدما بات اعلان الجيش الاردني عن احباط عمليات مسألة شبه يومية.
الجديد، ان سكانا محليين من مناطق تقع أقصى جنوب محافظة درعا شاهدوا مؤخراً وفداً روسيا يضم ضباطا وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية وقوة أمنية تابعة للنظام السورية وقوات محلية من فصائل التسويات، تقوم بجولات على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن،لتفقد على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن الممتد من بلدة نصيب والمتاعية جنوب شرق درعا إلى منطقة خربة عواد جنوب السويداء التي شهدت اشتباكات في الأيام الماضية بين حرس الحدود الأردني ومجموعة مهربين، بالقرب من أحد المغافر الحدودية السورية وأودت بحياة جندي سوري واضرار في منازل المدنيين السوريين.

تعليمات روسية
جولة القوات الروسية مع القوات الحكومية والمحلية، جاءت ضمن المنطقة التي تشهد عادة عمليات تهريب باتجاه الأراضي الأردنية وبعد تزايد الحوادث الأمنية والاشتباكات في تلك المنطقة. وبحسب “شبكة درعا24” المحلية، فإن اجتماع أردنيا – سوريا عقد في الأردن بتاريخ 30 ديسمبر (كانون الاول) الماضي، لبحث تطورات المنطقة الجنوبية وملفات كان أبرزها الوضع الأمني في الجنوب السوري، وملف تهريب المخدرات على الحدود السورية- الأردنية، وضم الاجتماع مسؤولين من الأفرع الأمنية في درعا.
وابلغ مصدر خاص “صالون سوريا”، أن قادة الشرطة الروسية التي قامت بالجولة الميدانية على المخافر الحدودية مع الأردن مؤخراً، “وجهوا تعليمات لقوات الجيش السوري الموجودة في المخافر الحدودية مع الأردن بضرورة التصدي للمهربين وعمليات التهريب التي تتم في المنطقة، بينما تحدث عناصر الجيش للقوات الروسية عن ضعف الإمكانيات اللوجستية لديهم مثل أجهزة كشف حرارية أو كمرات مراقبة أو مراصد معزولة وغيرها من التجهيزات الضرورية في النقاط الحدودية”.
وأشار أن “عدة جولات روسية شملت مؤخرا نقاط حرس الحدود جنوب محافظتي درعا والسويداء، وأن الزيارة الروسية ليست الأولى من نوعها، علما ان الواقع لم يختلف في المخافر الحدودية أو تجهيزاتها. كما تصل دائماً برقيات استنفار للنقاط الحدودية في جنوب سوريا، لكن ضعف الإمكانيات والتقنيات وحتى تجهيزات المحارس ضعيفة تؤثر على قيام حرس الحدود بواجبها بحسب تعبيره”.

طرق التهريب
وتقوم عمليات تهريب المخدرات في الجنوب السوري، عبر منافذ غير شرعية وتعتبر المنطقة الممتدة من ذيبين شرق درعا إلى خربة عواد بالسويداء أبرزها والمنطقة الممتدة شرق خربة عواد والتي تشهد بشكل متكرر احباط محاولات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، بحسب تقارير إعلامية رسمية سورية وأردنية، وكانت تتم بواسطة سيارات أو عبر تحميلها على حيوانات أو بواسطة طائرات الدرون، أما من جهة معبر نصيب الرسمي فغالباً يتم تغليف المخدرات المهربة التي تضبط بعلب منتجات غذائية سورية.
وافادت “شبكة درعا24 ” المحلية بأن شحنات المخدرات تصل جنوب سوريا إلى منطقة اللجاة قادمة من لبنان أو من العراق، ويتم نقلها للجاة في درعا عبر سيارات لا تتعرض للتفتيش على حواجز النظام السوري، ومثل هذه الشحنات كان يصل من العراق عبر صحراء دير الزور إلى منطقة الميادين ومنها إلى اللجاة في درعا، إلى قرية كريم وجدل تحديداً في منطقة اللجاة، وأن الطريق الأشهر في نقل المخدرات هو طريق البادية الواصل إلى الحدود العراقية، وأن شحنات المخدرات التي كانت تصل إلى اللجاة لم تكن تتعرض للتفتيش رغم مرورها في مناطق وطرقات فيها حواجز تابعة للنظام أو مجموعات محسوبة على إيران، وأن المخدرات جزء منها يصل خام ويتم تجهيزه في مصانع محلية في منطقة اللجاة على شكل كبسولات ومكعبات لتصبح جاهزة للتهريب الخارجي والتوزيع المحلي.

عرض كبير
وبحسب ناشطين في جنوب سوريا، لو سألت عن مادة الحشيشة محليا في درعا والسويداء تستطيع الحصول عليها بكل سهولة، وانتشارها بات لافتا وعلنيا في المنطقة، وأنه ليس من المهم الأن الحديث عن المصدر الخارجي لهذه المواد أو طريقة جلبها للمنطقة، وخاصة أنه بات معروفا على مستوى العالم. وقال احدهم: “ما يهم المجتمع المحلي اليوم هو معالجة المشكلة الداخلية الأن بعد تفشي انتشار هذه المواد بشكل سهل، وذلك عبر تفعيل المحاسبة سواء للمصدر المحلي أو المروج، وأن تشمل المحاسبة كل الأطراف حتى إذا كانت محسوبة على سلطات أو شخصيات نافذة فيها”.
وقال خبراء ايضاً، أن الموقع الجغرافي لمحافظتي درعا والسويداء والانفلات الأمني الذي تشهدة المنطقة، و “غياب المحاسبة وانتشار الفقر والبطالة، والمحسوبيات سواء للسلطة أو شخصيات اجتماعية كان له السبب المباشر في انتشار وجلب المخدرات إليها، حيث تلاصق هذه المنطقة السورية الشريط الحدودي مع الأردن ومنها باتجاه دول الخليج العربي”. وافاد احدهم: “رغم أن عمليات التهريب موجودة منذ سنين وحتى قبل عام ٢٠١١، إلا أنها تزايدت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد عام ٢٠١٨، في ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تشهدها المنطقة الجنوبية وعموم سوريا، وأن المشكلات الاجتماعية التي أوجدتها المخدرات تصاعدت مؤخراً في المنطقة منها عمليات قتل واغتال وخطف وكشفت إحصائيات محلية في درعا والسويداء عن ارتفاع معدل ارتكاب الجريمة بسبب تعاطي المخدرات والادمان، حيث وثق ناشطون عمليات قتل قام فيها مدمنين على المخدرات ضحاياها أطفال تحت سن السادسة ونساء زوجات وشقيقات لمدمنين”.

غارة اللاذقية… نقطة تحول روسية؟

غارة اللاذقية… نقطة تحول روسية؟

الغارة الإسرائيلية الأخيرة على «حاوية أسلحة» في ميناء اللاذقية، قد تشكل نقطة محورية، أو على الأقل محطة أساسية، في الصراع السوري، خصوصاً إذا جرى التدقيق في التغيير بالموقف الروسي، وتم وضع ذلك في سياق تطورات حصلت في سوريا ودمشق وعواصم أخرى.
شنت إسرائيل في السنوات الماضية، مئات الغارات بصواريخ أرض – أرض أو بقصف جوي، على «مواقع إيرانية» في سوريا، كما أنها المرة الثانية التي يُقصف فيها ميناء اللاذقية. لكن بالتأكيد الغارة الأخيرة على الميناء تضمنت رسائل روسية واضحة إلى دمشق وطهران وواشنطن وعواصم أخرى.
إحدى إشارات التغيير الكبير في الموقف الروسي، هو أنه في 2018 حصل توتر بين موسكو وتل أبيب على خلفية إسقاط سوريا لطائرة روسية في البحر المتوسط، بعد غارات على غرب سوريا. وقتذاك، تطلب الأمر زيارات و«اعتذارات» من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، للرئيس فلاديمير بوتين، لطي صفحة التوتر.
الآن، يبدو بالفعل، أن حجم ونطاق وكثافة القصف الإسرائيلي، ما بعد لقاء بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، في سوتشي، في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليس كما كان قبله. واضح أن بينت حصل على «ضوء أخضر» من بوتين لتوجيه «ضربات أشد وأدق وملاحقة إيران في سوريا ومنع تموضعها الاستراتيجي». فقط طلب بوتين من إسرائيل، «عدم التعرض للمصالح الروسية في سوريا» و«تجنب استهداف مباشر للقوات السورية»، إضافة إلى إبلاغ قاعدة حميميم عبر الخط الساخن بموعد القصف قبل «فترة معقولة» من حصوله. لا شك، أن قصف أطراف دمشق بصواريخ أرض – أرض في نهاية أكتوبر مثالٌ. منع الرد على قصف قاعدة «تي فور» في ريف حمص مثال ثان. أما الاختبار الثالث، فكان بقصف ميناء اللاذقية في 7 من الشهر الماضي، ثم قبل يومين.
منذ لقاء بوتين – بينت، تغير الخطاب الروسي. قبل ذلك، كانت قاعدة حميميم تفاخر بقيام مضادات الدفاع الجوي السوري، الروسية، بالرد على القصف. وتنشر بياناتها الرسمية تفاصيل أنواع الصواريخ، التي بالتأكيد لم تشمل منظومات «إس 300» و«إس 300 المتطورة» و«إس 400». لكن بعد اللقاء، هناك ثلاثة اختبارات تؤكد تغير تعليمات الكرملين:
الأول، جاء من المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف خلال زيارته دمشق في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما قال رداً على الغارات إن موسكو «ترفض بشكل قاطع هذه الأعمال اللاإنسانية، وندعو للتواصل مع الطرف الإسرائيلي على جميع المستويات حول ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ووقف عمليات القصف». وأضاف: «في هذا السياق سيكون الرد باستخدام القوة غير بناء لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سوريا».
الثاني، في نهاية الشهر الماضي، عندما أعلنت قاعدة حميميم أن القصف الإسرائيلي استهدف «مستودعاً» في مطار دمشق، في إشارة إلى مصالح إيرانية، على عكس البيان الرسمي السوري الذي أشار إلى أن «رشقات» القصف استهدفت جنوب سوريا.
الثالث، جاء بعد القصف الأخير على اللاذقية، إذ إنه لأول مرة تشرح وزارة الدفاع الروسية أسباب عدم الرد على القصف، إذ قالت في بيان إن «قوات الدفاع الجوي السورية لم تدخل قتالاً جوياً، لأنه تواجدت وقت الضربة في منطقة نيران منظومات الدفاع الجوي طائرة تابعة لقوات النقل العسكري للقوات الجوية الفضائية الروسية خلال عملية الهبوط في مطار حميميم».
لهذه الكلمات معانٍ كثيرة، خصوصاً إن تأتي من بلد مثل روسيا، حيث الكلمات تدرس في المختبرات قبل توزيعها وإلقائها. واضح، أن موسكو قررت بعث رسائل عدم رضا إلى طهران ومحاولة تمددها العسكري في سوريا. أكيد أنها لم تكن مسرورة، عندما قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في طهران، الشهر الماضي، إن «المقاومة هي السبيل الوحيد لاستئصال هذه الغدة السرطانية (أي إسرائيل) من المنطقة». كما أنها لم تكن راضية على قيام مسيّرات إيرانية بقصف قاعدة التنف الأميركية جنوب شرقي سوريا «رداً» على قصف تل أبيب لقاعدة «تي فور» في ريف حمص.
أيضاً، موسكو يبدو أنها قررت رفع مستوى الضغط على دمشق، كي تنحاز إلى الخيارات الروسية. ولا شك أن ظل القصف الإسرائيلي في القنيطرة، شيء، وفي وسط سوريا، شيء آخر. أما أن يكون القصف في اللاذقية، المعقل الرئيسي لموالي النظام وقاعدته الاجتماعية، وعلى بعد 20 كلم من قاعدة حميميم الروسية، ففي هذا رسائل كثيرة، لا تخطئ وجهتها.
لا شك أن لجم الاستهداف الإيراني للوجود العسكري الأميركي، ومباركة القصف الإسرائيلي للوجود الإيراني، وغض الطرف على تأليب القاعدة الاجتماعية في الساحل السوري، والتدخل مباشرة لتفكيك شبكات المخدرات قرب حدود الأردن، رسائل روسية إلى دول عربية كي لا تتراجع عن «التطبيع» مع دمشق، وإلى واشنطن وتل أبيب كي تباركا أكثر الدور الروسي في سوريا.