سباق “المنطقة الأمنية” و”اتفاق أضنة” على شرق سوريا

سباق “المنطقة الأمنية” و”اتفاق أضنة” على شرق سوريا

هناك سباق على ترتيبات منطقة شمال شرقي سوريا بعد الانسحاب الأميركي بين تفاهم أميركي – تركي على “منطقة أمنية” وبين عرض روسي لتركيا بتفعيل “اتفاق اضنة” بين انقرة ودمشق.

في الأسابيع الأخيرة، تطورت ملامح التفاهم الأميركي – التركي حول «المنطقة الأمنية»، وستكون الأيام المقبلة حاسمة للوصول إلى اتفاق نهائي بين واشنطن وأنقرة من جهة وتحديد دور «المراقبين» الأوروبيين في المنطقة وحماية الأكراد من جهة أخرى.
وتعقد في واشنطن الثلاثاء المقبل، اجتماعات اللجنة الأميركية – التركية على مستوى كبار الموظفين قبل لقاء وزير الخارجية مايك بومبيو ومولود جاويش أوغلو على هامش المؤتمر الوزاري للتحالف الدولي ضد «داعش» في اليوم اللاحق، لحل «العقد» أمام «خريطة الطريق» الجديدة بين الطرفين.
وسيكون المؤتمر أساسيا باعتبار أن ممثلي 79 دولة سيشاركون في أول اجتماع موسع ورفيع منذ قرار الرئيس دونالد ترمب في 14 ديسمبر (كانون الأول) الانسحاب من سوريا وقرب القضاء على «داعش»، واتفاقه مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان على تشكيل «منطقة آمنة» وتفاهمه (ترمب) مع نظيره الفرنسي مانويل ماكرون على «حماية الأكراد» ثم عودته للاتصال بإردوغان في 23 ديسمبر (كانون الأول) (كانون الأول) وطلب «حماية الأكراد».

“خريطة” جديدة
على ماذا اتفقت واشنطن وأنقرة؟ بعد اتصال ترمب – إردوغان وإعلان «مفاجأة الانسحاب»، زار مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ومسؤول الملف السوري جيمس جيفري وقائد الأركان جون دونفورد أنقرة قبل لقاء الأخير مع نظيره التركي على هامش مؤتمر «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) في بروكسل واتصالات بومبيو – جاويش أوغلو.
الخلاف الأول، كان على اسم المنطقة إلى أن حسم لصالح أنقرة بأن تسمى «منطقة أمنية» حماية للأمن القومي التركي وليس «منطقة عازلة» أو «آمنة» بينها وبين الأكراد.

هناك اتفاق واضح أيضا على نقطتين: أن يكون عمق المنطقة 20 ميلاً، أي بين 30 و32 كيلومترا وأن تكون خالية من السلاح الثقيل والقواعد العسكرية في أيدي «وحدات حماية الشعب» الكردية.
أنقرة تريد إخراج نحو سبعة آلاف «مقاتل نواة صلبة» من «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى خارج «المنطقة الأمنية»، على أن يحل محلهم مقاتلون من «البيشمركة» من المقاتلين والمنشقين الأكراد السوريين الموجودين في كردستان العراق بدعم من رئيس الإقليم مسعود بارزاني، إضافة إلى مقاتلين عرب سيوفرهم رئيس «تيار الغد» أحمد الجربا الذي كرر زياراته إلى أنقرة وأربيل. أنقرة تريد حرية التحرك في هذه المنطقة لـ«ملاحقة الإرهابيين». كما ترفض حالياً أي وجود لقوات الحكومة السورية وتقترح مجالس محلية منتخبة من السكان الأصليين، إضافة إلى إعادة لاجئين إلى الشمال السوري.
هناك رغبة أميركية – تركية بنسخ تجربة «خريطة الطريق» الخاصة بمنبج (إخراج مقاتلي الوحدات من المدينة، دوريات مشتركة، تنسيق أمني، مجالس محلية منتخبة خالية من أنصار الوحدات الكردية) في شرق الفرات بدءا من «المنطقة الامنية». لكن هناك «عقدا» موضع نقاش، إذ أن واشنطن تقترح أن يشمل الإبعاد فقط المقاتلين الأكراد غير السوريين والمحسوبين على «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان ذلك ضمن تصور أوسع تربطه بالعملية السياسية بين أنقرة و«حزب العمال».

-حذر أوروبي
لا تزال هناك سجالات مفتوحة إزاء الدور الأميركي في هذه «المنطقة الأمنية». وهنا يأتي الحديث عن الحوار القائم بين واشنطن وعواصم أوروبية. هل تقيم واشنطن وباريس ولندن في الصفحة نفسها؟
قرار ترمب الانسحاب فاجأ أيضا حلفاءه في أوروبا الذين سبق وأن استجابوا لدعوته في ربيع العام الماضي وزادوا مستوى الانخراط العسكري و«المشاركة في تحمل العبء» بإرسال قوات خاصة لتقاتل مع ألفي جندي أميركي تنظيم داعش. كما أن عددا من الدول بينها فرنسا، أرسلت دبلوماسيين وأقاموا إلى جانب الدبلوماسيين الأميركيين شرق الفرات.

فور وقوع «هول المفاجأة»، تواصل بولتون وبومبيو مع لندن وباريس. كما أن جيمس جيفري، الذي أصبح المبعوث الأميركي في التحالف الدولي ضد «داعش» خلفا لبريت ماكغورك، زار العاصمة الفرنسية قبل يومين. الرسالة الفرنسية، أن «موضوع حماية الأكراد أهم موضوع لدى الرأي العام الفرنسي لأنهم حلفاء وقاتلوا «داعش» نيابة عن الفرنسيين». ماكرون أبلغ الرسالة إلى ترمب. الرسالة الأميركية إلى الحلفاء الأوروبيين، هي: أميركا ستسحب القوات البرية في نهاية أبريل (نيسان) أو مايو (أيار) كحد أقصى، يجب القضاء على «داعش» قبل ذلك، قاعدة التنف الأميركية ستبقى بعد الانسحاب لأنها مرتبطة بالضغط على موسكو ودمشق ومراقبة نفوذ إيران وقطع الطريق البري بين إيران وسوريا، ستوفر أميركا إمكانات عسكرية لحماية القاعدة، أميركا تريد بقاء قوات خاصة واستخبارات من الدول الحليفة شرق الفرات وأن تساهم في «المنطقة الأمنية»، في المقابل ستقدم أميركا الدعم الاستخباراتي وستستخدم قواتها في العراق للتدخل السريع ضد «داعش» أو أي تهديد، إضافة إلى احتمال كبير بالإبقاء على الحظر الجوي.
ظهرت معضلة هنا: أميركا تريد من حلفائها تعهد الالتزام العسكري كي تتمكن من المضي قدما بالحظر الجوي والدعم الاستخباراتي لـ«الأمنية» وجوارها والإبقاء على التنف. الدول الأوروبية تريد تعهدا أميركيا بالبقاء جوا واستخباراتيا وفي التنف، كي تستطيع المضي في بحث بقاء القوات الخاصة والاستخبارات. في الوقت نفسه، هناك حذر فرنسي – بريطاني إزاء إمكانية تنفيذ «الوعود» القادمة من مسـؤولين أميركيين لثلاثة أسباب: الأول، صعوبة الرهان على استقرار قرارات الإدارة الأميركية في ظل حكم ترمب. الثاني، روسيا (وطهران ودمشق) ستختبر أميركا مرات عدة كما أن موسكو ستعرقل ذلك عسكرياً. الثالث، عدم وجود تفويض من الكونغرس الأميركي للبقاء شرق سوريا بعد هزيمة «داعش».
هناك من يستند إلى إمكانية تبرير البقاء بـ«دعم القوات الأميركية في العراق»، غير أن أغلب الظن أن بعض الدول الأوروبية ستنسحب من شرق سوريا قبل الأميركيين.

إغراء روسي
ضمن هذه السجالات، التي ستحتدم بين وزراء التحالف الدولي في واشنطن الأربعاء، ومحاولات إبرام اتفاق بين واشنطن وأنقرة من جهة والمفاوضات الحذرة بين أميركا وحلفائها من جهة ثانية، قامت موسكو ودمشق بهجوم مضاد. أوفدت دمشق مبعوثا إلى بارزاني لـ«فرملة» خيار إرسال «بيشمركة» من كردستان إلى شرق الفرات. ولوحظ امس قيام رئيس «هيئة التفاوض» المعارضة نصر الحريري بزيارة اربيل ولقاء بارزاني لدعم موقف انقرة.
كما مارست موسكو ضغوطا إعلامية على أنقرة في إدلب مع حشد دمشق قواتها شمال حماة بالتزامن مع اتهام تركيا بعدم تنفيذ اتفاق سوتشي في «مثلث الشمال».
تضمن الهجوم الروسي أيضا تشكيكا بجدية الانسحاب الأميركي وتقديم طلب خطي الى واشنطن بتسلم قائمة بأمكنة وكمية السلاح الثقيل والقواعد الأميركية شرق سوريا وجدول زمني لخروجها أو تفكيكها أو تدميرها.
لكن الورقة الروسية الرئيسية، كانت أن موسكو على الطاولة التركية «اتفاق أضنة» بين أنقرة ودمشق الذي يعود إلى العام 1998. بدلاً من خطة أميركية – تركية لـ«المنطقة الأمنية».
“اتفاق أضنة” يعطي أنقرة الحق بملاحقة «حزب العمال الكردستاني» لعمق 5 كيلومترات شمال سوريا، وتتخلى بموجبه دمشق عن أي مطالبة بحقوقها في لواء إسكندرون (إقليم هاتاي) الذي ضمّته تركيا في 1939.

ويعني الاتفاق اعتراف أنقرة بشرعية الحكومة السورية؛ لأن تنفيذه يتطلب كثيراً من الإجراءات، بينها تشكيل لجنة مشتركة وتشغيل خط ساخن بين أجهزة الأمن، إضافة إلى اتصالات سياسية مباشرة، بدلاً من «اتصالات غير مباشرة» وإعادة تشغيل السفارة التركية في دمشق، والسفارة السورية في أنقرة باعتبار أن الاتفاق يتطلب تعيين ضابط ارتباط أمني في كل سفارة. كما يعني انتشار القوات الحكومية السورية على الحدود، والاعتراف بالحدود القائمة من البحر المتوسط إلى العراق.
أنقرة توازن بين عرضين: أميركي وروسي. لديها نافذة مفاضلة تستمر إلى حين إجراء الانتخابات المحلية في مارس المقبل وقرب الانتهاء من الانسحاب الأميركي في مايو والقضاء علـى «داعش». تحاول أنقرة الحصول على «الأفضل» من العرضين. لكن أغلب الظن، بحسب دبلوماسيين غربيين، فإن إردوغان لن يغضب قبل الانتخابات المحلية، ترمب الذي كان لوح بـ«تدمير الاقتصاد التركي» وهو (اردوغان) سيلجأ الى «قضم» قرى عربية شمال سوريا مثل تل ابيض.

 في نهاية المطاف، سيحط اردوغان في  «الحضن الروسي» بعد الانسحاب الأميركي للحصول على نسخة معدلة من «اتفاق أضنة».

 يعني ذلك: انتشار الشرطة الروسية شمال سوريا وقيامها برعاية تنفيذ الاتفاق كما فعلت في الجولان بضمان تنفيذ «اتفاق فك الاشتباك» بين دمشق وتل أبيب. أي، ان يتم إرجاء انتشار القوات الحكومية السورية مع الفصل في الشريط الحدودي مع ترتيبات لا مركزية بين «قلب شرق الفرات» الكردي في القامشلي و«قلب العروبة النابض» في دمشق. أي، أن تكون هذه ترتيبات مؤقتة إلى حين نضوج ظروف حصول خطوات عسكرية وترتيبات مباشرة بين أنقرة ودمشق تحت غطاء حل سياسي منطلقه الإصلاح الدستوري.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

أحلام أكراد سوريا في مهب الريح

أحلام أكراد سوريا في مهب الريح

يوم الخميس في التاسع عشر من كانون الأول/ ديسمبر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسمياً عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، وذلك بعد ساعات من تصريح مسؤولين أمريكيين بأن الولايات المتحدة “تبحث سحباً كاملاً لقواتها من سوريا“. وقال ترامب في تسجيل فيديو بُثّ على حسابه في تويتر “الوقت قد حان لعودة الجنود الأمريكيين من سوريا، بعد سنوات على قتالهم تنظيم داعش”، معللاً ذلك بهزيمة داعش واستعادة الأرض منها، كما رد ترامب على انتقادات قرار الانسحاب المفاجئ قائلاً “هذا هو التوقيت الصحيح لمثل هذا القرار”.
وترافق هذا الإعلان مع موافقة واشنطن على إمكانية بيع مجموعات صواريخ “باتريوت” المضادة للصواريخ إلى تركيا، في الوقت الذي تحشد فيه تركيا قواتها وفصائل المعارضة السورية الموالية لها تحضيراً لمعركة عسكرية جديدة ضد ”وحدات حماية الشعب“ الكردية داخل الأراضي السورية، ورغم أن موعد و مكان تلك العملية لم يُحدد للآن، إلا أن مصادر عدّة أكدت استهداف مدينة ”تل أبيض“ الحدودية مع تركيا، والواقعة شمال مدينة الرقة وتتبعها إدارياً.

وهذا القرار الأمريكي ليس الأول من نوعه، فالإدارة الأمريكية الحالية والسابقة دأبت على ترديد هذا الكلام حتى أصبح مشكوكاً فيه، إلا أن هذا لا يغيّر حقيقة أن التصريح وحده قد يؤدي إلى أحداث جديدة حتى لو لم يتم تطبيقه. ففي تموز/يوليو الماضي قاد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته سحب قواته من شمال شرقي سوريا بعد القضاء على ”داعش“ إلى عقد لقاء بين ”مجلس سوريا الديمقراطية“ والنظام السوري في دمشق، والذي نتج عنه تشكيل لجان بين الطرفين لحل القضايا العالقة، لكن ما لبث أن تعطلت الزيارات والتفاهمات بعد عدول واشنطن عن سحب قواتها من سوريا، بعد تغييرات جديدة في الإدارة الأمريكية، وربما كانت أوضح صورة لهذا التغيير حدوث اشتباك بين دورية أمن تابعة للنظام السوري مع قوات الأسايش في مدينة القامشلي في مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، والذي راح ضحيته ١١ عنصراً من قوات الأمن السوري.

حالياً، بعد الإعلان الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته سحب قواته من سوريا، ومع حشود كبيرة للجيش التركي والموالين له من فصائل المعارضة السورية، هل يعود الأكراد للتفاوض مع دمشق من جديد؟

مشكلة الأكراد بأنهم يذهبون للتفاوض مع دمشق (أو يُدفعون للتفاوض) وهم في أضعف حالاتهم، ويمتنعون عن التفاوض معها عندما يكونون بموقف القوي المدعوم، وفي هذا دلالة على ضعف الرؤية وعدم قراءة الأحداث السابقة واللاحقة بشكل واضح، فالدول تتفاوض فيما بينها لأجل مصالحها، والبقية أجندة يمكن الاستغناء عنها ولا ملامة في ذلك.
لقد جرّبت التنظيمات الكردية في العراق وفي سوريا حظوظها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك فعلت تنظيمات المعارضة السورية منذ بداية الحراك المسلح في سوريا، وكانت النتيجة مخيبة للآمال على المدى البعيد لكل من عوّل على الدعم الأمريكي.
وقد نتج عن هذا مؤخراً، تسليم مناطق المعارضة التي كانت تحت الحماية الأمريكية في درعا والجنوب السوري مقابل أمن إسرائيل الذي تعهدت بحمايته موسكو نيابة عن النظام السوري والإيراني، وكذلك الاستفتاء الكردي الذي دعت إليه كردستان العراق وقادها لمواجهة مسلحة خسرتها أمام الجيش العراقي.
بالنسبة للمعارضة السورية فبعد رفضها القاطع للجلوس على طاولة المفاوضات مع النظام السوري، عندما كانت في أفضل حالاتها مقابل ضعف واضح للجيش السوري والقوات الموالية له، عادت للتفاوض معه مُرغمة، عندما انقلبت الأمور بعد تدخل روسيا عسكرياً لمساندة النظام السوري في نهاية أيلول/سبتمبر ٢٠١٥، فبعد أن كانت تشترط الحوار لتسليم السلطة، أصبحت تفاوض لأجل مقاعد في اللجنة الدستورية.

ورغم هذا، يبدو أن الأكراد والمعارضة السورية لم يستفيدوا من تجاربهم السابقة ولا من تجارب الآخرين، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع نتائج جيدة طالما كانت الاستراتيجية نفسها بدون تغيير، صحيح بأن وحدات الحماية الكردية كان لها دور بارز ومهم جداً في القضاء على تنظيم داعش في سوريا، ولكن المهمة قد أُنجزت ومصالح أمريكا مع روسيا وتركيا أكبر بكثير من مصالحها مع ”مجلس سوريا الديمقراطية“، وأيضاً لن تقلق أمريكا على حماية قواعدها العسكرية في الحسكة شمال شرق سوريا، كما لم تقلق على قاعدتها العسكرية في منطقة التنف جنوب شرق سوريا.
من ناحية أخرى، لم تكن غاية واشنطن من إعلانات الانسحاب المكررة دفع الأكراد أو المعارضة السورية إلى حضن النظام السوري، هي تفكر بمصالحها وفي الوقت نفسه، تُرسل رسائل متعددة لتركيا وروسيا وحلفائها الخليجيين، فتركيا حليف أساسي في حلف الناتو، وأمنها القومي مُهدد كلما زاد استقلال الأكراد عن دمشق، وكذلك الحال بالنسبة للعراق، ويشاطرهما الرأي كل من النظام السوري وإيران. ففي اجتماع طهران الأخير في السابع من أيلول/ سبتمبر وقفت إيران مع تركيا معارضة توجه حليفتها روسيا التي كانت تريد حل مشكلة إدلب قبل حل مشكلة شرق الفرات، أما بالنسبة للخليجيين فهم مهتمون بخروج إيران من سوريا وإضعاف نفوذها، وكان الرئيس ترامب قد قال سابقاً ”إذا كانت السعودية تريد بقاء القوات الأمريكية في سوريا فعليها دفع فاتورة بقائها“ وذلك رداً على تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمجلة “تايم” الأمريكية، والتي قال فيها إنه يدعم بقاء القوات الأمريكية في سوريا على المدى المتوسط، موضحا، أن “وجود قوات أمريكية في سوريا، من شأنه الحد من طموحات إيران في توسيع نفوذها“.

أما بالنسبة لروسيا، فهي قبلت على مضض فكرة تركيا وإيران حول ”شرق الفرات أولاً“ بعد تعهد تركيا بعمل ترتيبات جديدة في إدلب، وأيضاً تريد الإسراع قدر الإمكان لحل مشكلة الأكراد شرق الفرات لتتوجه بعدها نحو إدلب والشمال السوري، وتبدأ بعد ذلك مرحلة إعادة الإعمار في سوريا بعد دستور جديد وانتخابات رئاسية برعاية أممية، وأيضاً تدرك روسيا بأن حل مشكلة الأكراد في سوريا هو حل سياسي ينتج عن تفاوض الأكراد مع دمشق، وبالتالي لا حل عسكري إلا عندما يرفض الأكراد مقترحات روسيا لدخول الجيش السوري لأماكن سيطرة قوات الحماية الكردية كما حدث في مدينة عفرين، حين سمحت روسيا لتركيا بدخول المدينة والسيطرة عليها.

مفاتيح الحل شرق الفرات بين أيدي ثلاث دول كبرى، أمريكا وروسيا وتركيا، ويبدو أنهم جميعاً متفقون ومتناغمون لفكرة الحل شرقي الفرات، وبالتالي سوف نكون أمام خيارات كنا قد مررنا بها سابقاً: إما دخول الجيش السوري إلى الشريط الحدودي الممتد من تل أبيض إلى منبج وفرض سيطرته عليها، ثم دخول ”مجلس سوريا الديمقراطية“ في جلسات تفاوض مع النظام السوري، أو ستكون هناك مواجهة غير متكافئة بين قوات الحماية الكردية مع الجيش التركي وقوات المعارضة السورية الموالية له، والتي سوف تنتج مقايضة مناطق بين روسيا وتركيا كما جرت العادة في مثل هذه الحالات، أو تتراجع الإدارة الأمريكية عن قرار سحب قواتها من سوريا وتساند الأكراد في وجه تركيا وحلفائها، وهذا أمر مستبعد، خاصة مع صدور تقارير إعلامية تفيد بأن القوات الأمريكية والفرنسية بدأت بالانسحاب من شرقي مدينة منبج، ومن مواقعها في قرية العاشق بضواحي مدينة تل أبيض وعين عيسى بريف الرقة.

وبهذا يجد الأكراد أنفسهم مجدداً أمام النظام السوري الذي يتعامل مع مطالبهم”باستعلاء“ واضح كما حدث في اجتماع دمشق في تموز/ يوليو الماضي، فالنظام السوري لن يعطي الأكراد – خاصة في هذا الوضع الذي أصبح إلى صالحه – إلا ما أعطاهم إياه سابقاً، مجالس محلية شبه مستقلة إدارياً وفق قانون الإدارة المحلية الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم ١٠٧ في تاريخ ٢٤ آب/أغسطس من العام ٢٠١١.

مفاجأة ترمب” تطلق سباقاً لملء الفراغ شرق سوريا”

مفاجأة ترمب” تطلق سباقاً لملء الفراغ شرق سوريا”

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من سوريا، شكل مفاجأة لحلفائه السوريين والإقليميين والدوليين والمسؤولين في الإدارة الأميركية من جهة، وخصوم واشنطن في سوريا والشرق الأوسط والعالم من جهة أخرى.

غالباً ما كان المسؤولون الأميركيون يتركون هامشا في قراراتهم المتعلقة ببقاء القوات الأميركية شرق نهر الفرات ومنبج شمال شرقي حلب وفي قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية، لاحتمال حصول مفاجأة من الرئيس ترمب باعتباره صاحب القرار الأخير. لكن قرار أمس لم يخل من عامل المفاجأة لأنه تحدث عن «انسحاب كامل وسريع» من دون أي تنسيق مع المؤسسات العسكرية الأميركية والشركاء في التحالف الدولي ضد «داعش» والحلفاء المحليين في «قوات سوريا الديمقراطية» والإقليميين والدوليين.

في أبريل (نيسان)، ظهر أن ترمب اتخذ قرار الانسحاب، لكن حلفاءه ومستشاريه تمكنوا من إقناعه بعدم تحديد جدول زمني لذلك لأن هزيمة تنظيم داعش لم تكتمل بعد. وعليه، زاد الانخراط الأميركي وجرى توسيع القواعد العسكرية وأرسلت دول غربية مثل فرنسا وإيطاليا قوات خاصة إضافية لتنضم إلى الوحدات الخاصة الأميركية وتضم ألفي عنصر.

كما زادت في تسليح وتدريب «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية وشكلت قوات «حدود»، إضافة إلى إقناع دول حليفة بزيادة التمويل والمساهمة في سياسة الاستقرار في المناطق المحررة من «داعش» وتدريب 35 – 40 ألف عنصر من القوات المحلية.

بل إن المسؤولين الأميركيين قدموا ثلاثة أهداف للوجود الأميركي شرق سوريا، هي: هزيمة «داعش» ومنع ظهوره، واحتواء إيران، ودعم سياسة وزير الخارجية مايك بومبيو لتحقيق حل سياسي في سوريا بموجب القرار 2254.

لكن ترمب أعلن أمس أن التنظيم «هزم»، بعد ساعات من إعلان المبعوث الأميركي في التحالف الدولي بريت ماكغورك أن «داعش» لا يزال قائماً ورغم اعتبار خبراء أن التنظيم لا يزال يشكل تهديدا وقد شن هجمات ضد حلفاء أميركا.

وقال الخبير البريطاني في مكافحة الإرهاب تشارلز ليستر: «الهدف الأساسي الذي ذكرته إدارة ترمب مراراً وتكراراً للبقاء في سوريا هو الهزيمة الدائمة لـ(داعش) وهذا يتطلب سنوات لجعل هذه الحقيقة واضحة، كما أن التنظيم أعلن المسؤولية عن هجوم في الرقة قبل 10 دقائق فقط قبل تغريدة ترمب»، إضافة إلى الإعلان عن قتل التنظيم لـ700 مقاتل من حلفاء أميركا خلال فترة وجيزة في معارك الجيب الأخير شرق الفرات.

هذه هي المدينة التي حررها حلفاء أميركا من «داعش» قبل سنة، ويتم فيها نشر القوات الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية ودبلوماسيين أميركيين. وفي أغسطس (آب)، أعلنت وزارة الدفاع (بنتاغون) وجود 14500 من عناصر «داعش». ولا شك أن هذه المعلومات موجودة على مكتب ترمب.

وكان ترمب قال في حملته الانتخابية إن سلفه باراك أوباما «أسس» تنظيم داعش لأنه انسحب مبكرا من العراق في 2011 واستخدم حلفاء واشنطن هذه المعادلة لإقناع الرئيس ترمب بالتراجع عن قراره في أبريل الماضي. وقال ليستر: «خطوة ترمب هي انسحاب وليست نصرا ضد (داعش)».

كما أن «الهدفين» الآخرين اللذين كانا يستخدمان لوجود أميركا في سوريا، لم يتغيرا: الوجود الإيراني لا يزال قائما، بل إن طهران سعت إلى تجنيد عناصر سورية ضمن ميليشيات جنوب نهر الفرات، إضافة إلى أن التسوية السياسية مجمدة في وقت لم يعلن المبعوث الدولي الجديد تشكيل اللجنة الدستورية السورية لتنفيذ القرار 2254.

وبحسب المعلومات لـ«الشرق الأوسط» فإن شرارة قرار ترمب ولدت في اتصاله الأخير مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي كان حشد قواته وفصائل سورية للتوغل شرق نهر الفرات، إذ سأل الأخير عن موعد الانسحاب من سوريا، فاستغرب ترمب وجود القوات الأميركية إلى الآن. وعليه، غرد الرئيس ترمب ثم أبلغ مساعديه بقراره. وصباح أمس، تم تبليغ قادة «وحدات حماية الشعب» الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية» بقرار أميركي بتفكيك نقاط المراقبة على حدود سوريا مع تركيا وتسريع الانسحاب الكردي من منبج.

كان الاعتقاد أن ذلك ضمن خطوات لبناء الثقة بين أنقرة وواشنطن، وضمن برنامج أكبر لتطوير العلاقات شمل: إقرار بيع أمس منظومة «باتريوت» الأميركية بقيمة 3.5 مليار دولار إلى أنقرة التي أقرت شراء منظومة «إس 400» من موسكو، وإقرار صفقة مقاتلات «إف 35» الأميركية للجيش التركي، وبحث تسليم المعارض التركي عبد الله غولن.

وإذ بدا أن أنقرة مرتاحة لقرار ترمب، فإن حلفاء واشنطن من الأكراد السوريين شعروا بـ«خيانة وطعنة في الظهر» وإن حلفاء دوليين بدأوا سلسلة اتصالات مكثفة مع المسؤولين الأميركيين للتريث بالتنفيذ بإقرار جدول زمني لخروج القوات الأميركية بحيث يصل إلى أربعة أشهر (120 يوما) لبحث ترتيبات ملء الفراغ للانسحاب الأميركي واحتمال ابقاء الحظر الجوي، لكن لا شك أن القرار أطلق سباقا على منطقة شرق نهر الفرات (تشكل 30 في المائة من مساحة سوريا وتضم 90 في المائة من النفط ونصف الغاز السوري) بين تركيا وروسيا وإيران وقوات الحكومة السورية (تسيطر على 60 في المائة من البلاد).

من بين الاحتمالات حصول تركيا على شريط أمني على طول الحدود السورية – التركية لضرب الأكراد وابعادهم عن الحدود وتنفيذ خطة منبج، وإقامة منطقة عازلة مقابل استعادة دمشق السيطرة بترتيبات إدارية وأمنية على قلب شرق نهر الفرات، وجدولة لـ«تحديد» الدور الإيراني في سوريا مقابل «تعمق الدور العربي».

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

!ثالث مقايضة روسية ـ تركية…جنوب إدلب مقابل شمال الرقة

!ثالث مقايضة روسية ـ تركية…جنوب إدلب مقابل شمال الرقة

موسكو ليست راضية على سرعة التزام أنقرة في تنفيذ اتفاق سوتشي الخاص بإدلب. أنقرة ليست راضية على إيقاع تنفيذ واشنطن لـ«خريطة طريق» خاصة بمنبج. عليه، هل يؤدي ذلك إلى مقايضة تتضمن دخول تركيا إلى مناطق شمال سوريا مقابل دخول قوات الحكومة السورية مناطق جنوب إدلب؟

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن أمس أن بلاده ستنفذ خلال أيام عملية عسكرية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، ما يهدد بتوتر أكبر بين أنقرة وواشنطن، لأن «الوحدات» تشكل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» حلفاء أميركا في الحرب ضد «داعش» شمال شرقي سوريا.

لم يذكر إردوغان تفاصيل العملية العسكرية، لكن مسؤولين في «الجيش الوطني»، وهو تحالف لفصائل معارضة موالية لأنقرة، توقعوا أن تشمل العملية «كل المنطقة، من منبج إلى تل أبيض من دون استثناء». وقال أحدهم: «فصائل الجيش الوطني تبلغت منذ زمن بالعملية، ومن قبل أن نبلغ نُعد العدة، لدينا معسكرات تدريب فتحت لكافة الفيالق العسكرية، أخضعت العناصر لدوريات تدريب، وانتدب إلى المعسكرات خيرة الضباط والمدربين» ذلك أن «ضباطا أتراكا يشرفون على التدريبات التي يقوم بها ضباط منشقون عن النظام».

مع قرب نهاية العام 2018، بدت سوريا تحت ثلاث مناطق نفوذ: ثلث المساحة في شمال شرقي البلاد تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم واشنطن. 60 في المائة من سوريا تحت سيطرة قوات الحكومة بدعم روسيا وإيران. 10 في المائة من سوريا في شمال غربي البلاد تحت سيطرة فصائل معتدلة ومتطرفة بدعم من الجيش التركي.

الواضح أن سلسلة تراكمات أدت إلى التصعيد العسكري التركي:

1 – خلاف تركي – أميركي على تنفيذ خريطة طريق خاصة بمنبج في شمال شرقي حلب. خريطة الطريق أنجزت في مايو (أيار) لتهدئة التوتر، نصت خصوصا على انسحاب «وحدات حماية الشعب» من منبج وتسيير دوريات أميركية – تركية مشتركة بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني). لكن الأتراك صعدوا في الأيام الأخيرة ضد مدى التزام واشنطن بالتنفيذ.

2 – اعتراض تركي سابق على تسليح واشنطن لـ«وحدات حماية الشعب». ولم تعبر أنقرة عن ثقتها بتطمينات أميركية إزاء وقف تقديم السلاح الثقيل لـ«وحدات الحماية» في الحرب ضد «داعش».

3 – زيادة القلق التركي في الأيام الأخيرة، بسبب إعلان واشنطن نيتها تدريب 35 – 40 ألف عنصر محلي لتوفير الاستقرار شمال شرقي سوريا وحديث عن منطقة حظر جوي وعدم رضا أنقرة على سرعة إعطاء دور للعرب في تركيبة «قوات سوريا الديمقراطية».

4 – إعلان واشنطن بدء إقامة مراكز مراقبة على حدود سوريا لمنع أي احتكاك بين الجيش التركي و«وحدات حماية الشعب». وأعلن متحدث باسم البنتاغون الثلاثاء أن مراكز المراقبة أقيمت «في المنطقة الحدودية في شمال شرقي سوريا بهدف تبديد القلق الأمني لتركيا». لكن إردوغان رد أمس: «من المؤكد أن الغاية من الرادارات ومراكز المراقبة التي أقامتها الولايات المتحدة ليست حماية بلادنا من الإرهابيين بل حماية إرهابيي تركيا».

5 – اعتراض أنقرة على عدم الفصل بين «وحدات حماية الشعب» الكردية و«حزب العمال الكردستاني» الذي تعتبره تركيا «تنظيما إرهابيا».

كان الجيش التركي قصف مناطق «الوحدات» شمال سوريا قبل أسبوعين، لكن واشنطن ردت بنشر نقاط مراقبة وزيارات عسكرية لطمأنة حلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية» في معركتهم الأخيرة ضد «داعش» شرق الفرات. الحشود الحالية، من الجيش التركي والفصائل السورية، تدل على دخول العملية العسكرية التركية مرحلة جديدة. وتشير التوقعات إلى احتمالين:

الأول، حصول مقايضة بين جنوب إدلب وشمال الرقة. في نهاية 2016، جرت مقايضة بحيث استعادت دمشق السيطرة على شرق حلب مقابل دخول الجيش التركي وحلفائه منطقة «درع الفرات» بين الباب وجرابلس شمال حلب. أدى هذا الجيب إلى منع ربط مناطق ذات غالبية كردية شرقي نهر الفرات بغرب النهر. وفي هذا مصلحة لدمشق وأنقرة وطهران التي كانت نسقت بين بعضها ضد أي كيان كردي شمال العراق نهاية التسعينات أو في سوريا.

في بداية 2018، حصلت مقايضة ما إذ استعادت دمشق غوطتها والجنوب السوري وريف حمص فيما دخل الجيش التركي وفصائل معارضة إلى عفرين ذات الغالبية الكردية. هذا أدى إلى منع حصول أي ربط بين مناطق كردية والبحر المتوسط. وفي هذا مصلحة ثلاثية.

روسيا كانت أعلنت عن عدم رضاها عن تنفيذ اتفاق إدلب. تريد تسريع محاربة الإرهابيين وإخراجهم من «المنطقة العازلة» شمال سوريا. تركيا أعربت عن عدم رضاها على الدعم الأميركي للأكراد شمال سوريا وفي منبج. وتشير المعطيات إلى أن موسكو ستكون راضية في حال قام الجيش التركي بتوغل يحرج الأميركيين شرق الفرات، خصوصا في ضوء التصعيد الروسي ضد الوجود الأميركي «غير الشرعي» شرق سوريا. وإيران التي تحشد ميليشياتها جنوب نهر الفرات، لن تعرقل التوغل التركي، في منطقة تريدها واشنطن ساحة لأضعاف نفوذها في سوريا.

يمكن وضع هذا في سلة تنفيذ القرار 2254 الذي تضمن التمسك بـ«وحدة سوريا وسيادتها». كما أن بيان اجتماع الدول الضامنة الثلاث (روسيا، إيران، تركيا) في آستانة أعرب عن «رفض الأجندات الانفصالية». وقال إردوغان أمس: «سنبدأ عملية لتحرير شرق الفرات من المنظمة الإرهابية الانفصالية خلال الأيام القليلة المقبلة» في إشارة إلى شمال سوريا.

الثاني، حصول أنقرة على تنازلات عميقة من واشنطن إزاء دعمها لـ«الوحدات»، بحيث تشمل: أولاً، إبعاد القياديين في «حزب العمال الكردستاني». هناك حديث عن وجود 50 قيادياً من «العمال» في «الوحدات». ثانياً، تسريع تنفيذ خريطة منبج وإخراج «الوحدات» وتشكيل المجلس المحلي. ثالثاً، تخفيف تسليح «الوحدات» بسلاح ثقيل. رابعاً، إجراءات سريعة في تركيبة «وحدات حماية الشعب». خامساً، حصول أنقرة على صلاحية ملاحقة مسلحين في شريط حدودي على طول الحدود السورية – التركية.

المبعوث الأميركي الجديد جيمس جيفري الذي كان عمل سفيرا لبلاده في أنقرة، أحد المدافعين عن تحسين العلاقة مع تركيا. هو يعتقد أنه «لا يمكن لاستراتيجية أميركا في سوريا أن تنجح دون تركيا»، خصوصاً ما يتعلق بهزيمة «داعش» وتقليص نفوذ إيران والدفع لحل سياسي.لكن زيارته الاخيرة الى تركيا كانت «عاصفة ومفاجأة لجهة لهجة المسؤولين الاتراك ضد واشنطن».

كان مقررا أن يزور جيفري شمال شرقي سوريا الأسبوع المقبل ويدفع باتجاه تنازلات وتفاهمات. ويبقى السؤال إذا كانت ستكون كافية لتهدئة أنقرة أم أن عطلة الميلاد ورأس السنة ستشهد عمليتين عسكريتين: الأولى، هجوم بدعم أنقرة نحو رأس العين شمال سوريا. الثانية، هجوم بدعم دمشق نحو خان شيخون ومعرة النعمان في جنوب إدلب؟

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

!هل يتيتّم سوريو ألمانيا برحيل ماما ميركل

!هل يتيتّم سوريو ألمانيا برحيل ماما ميركل

“ستؤثر استقالة ميركل علينا طبعاً، خاصة أن قضية اللاجئين هي أحد أسباب الاستقالة، أتخوف من السياسيّ الذي سيأتي بعدها والقرارات الجديدة التي قد يتخدها بحقنا نحن اللاجئين”، تقول المصورة السورية رنا سليم والتي تقيم في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، مضيفةً “وازدادت مخاوفي مع الإشاعات الكبيرة حول مشروع إعادة اللاجئين إلى سوريا، والتي جاءت بعد أن أشاع النظام السوري إلغاء طلب الشباب لخدمة العلم الاحتياطية، إضافة لترويجه بأن دمشق أصبحت عاصمة آمنة، وصالحة للعيش.”

ورنا كما آلاف السوريين في ألمانيا، لا ترى في المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مجرد شخصية سياسية عابرة، بل “أما حنون” لم تخف تعاطفها الكبير مع اللاجئين ودعمها لهم في شتى مجالات الحياة، ولهذا فإن إعلانها لعدم نيتها الترشح لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي من جديد، سيترك مئات آلاف اللاجئين السوريين في مهب رياح التغيير.

وأعلنت ميركل عدم نيتها للترشح بعد ثمانية عشرة عاماً أمضتها في هذا المنصب، فيما ذكرت مصادر في الحزب أنها لن تترشح أيضاً لانتخابات البونستاغ الألماني (البرلمان الاتحادي) المقبلة التي ستجري عام ٢٠٢١.

لا تشارك آلاء المقيمة في ألمانيا منذ ثلاث سنوات وتعمل كمحاسبة رنا قلقها، فهي تقول “لا يوجد لدي أي تخوف من السياسي الذي سيأتي بعد ميركل لأن ألمانيا بلد قانون، وبالنسبة لاستقالة ميركل فالخبر متوقّع، لأن الرأي العام الألماني أصبح ضدها في الفترة الأخيرة، بالطبع هي كانت إيجابية بتعاطيها مع قضايا اللاجئين لكنها لم تكن حكيمة بما فيه الكفاية، لأنها واقفت على دخول عدد كبير من اللاجئين الذين لا يحملون شهادات علمية، أو أولئك الذين لم يتم التأكد من سلوكهم وملفاتهم الأمنية.”

يتفق الشاب شام سيروان والذي يعمل في مجال إصلاح الأجهزة الالكترونية مع رنا فهو يرى أن استقالة ميركل “أمر طبيعي، فالزعماء في البلدان الأوروبية لا يبقون إلى الأبد عكس نظرائهم في الدول العربية” مضيفاً ” الشيء غير الطبيعي برأيي أن نعتقد أنّ الحال سيسوء بعد رحيلها، فهي اتبعت سياسة فاشلة بما يتعلق باللجوء، وحتى لو استلم الحزب البديل النازي زمام الأمور، لا أتوقع أن يتغير شيء بوضع اللاجئين سوى أن تزيد الكراهية تجاههم وتصبح علنية، أما بالنسبة لموضوع الحقوق والواجبات فستبقى كما هي لأن ألمانيا بلد قانون يحترم دستوره.”

وقدر “مكتب الإحصاء الاتحادي” خلال شهر أبريل/نيسان من العام الحالي، عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية في عام ٢٠١٧ بحوالي ٦٩٩ ألف شخص، ليصبحوا بذلك ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد بعد الأتراك والبولنديين، حسب ما نقلت صحيفة “دي فيلت” الألمانية.

وحول تخوّف بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا من رحيل ميركل، قال الصحفي محمد وانلي “لا أحد يستطيع إنكار أن ميركل كانت إنسانية جداً بقراراتها حيال اللاجئين السوريين، ولكن بالنهاية هناك حكومة كاملة خلفها تخطط لهذه القرارات وتشرف عليها وتنفذها، وبالتالي لا نستطيع أن ننسب الفضل لشخصها فقط، وهي كانت تعمل لمصلحة بلادها بالدرجة الأولى.”

وعن تأثير رحيل ميركل على السوريين أضاف وانلي “منذ أيام قمت ومجموعة من الصحفيين السوريين بزيارة لمجلس الشعب الألماني، الجميع طمأننا أنه لا يوجد داعي للخوف، لأن الحزب هو الذي يحكم وليس ميركل، وبالتالي لن تختلف الأمور كثيراً، وفي الوقت نفسه من المستحيل أن ينجح اليمين المتطرف بالانتخابات المقبلة لأنه بالأساس مرفوض من الشعب الألماني.”

من جهته يشير المختص بشؤون اللاجئين الحقوقي السوري كاظم هنداوي أن ميركل لعبت دوراً إيجابياً لاشك في ملف اللاجئين، ولكن ذلك كان بناءً على اتفاقات دولية مُسبقة، فاتفاقية جنيف لحقوق الإنسان عام ١٩٥٢ دعت لاستقبال الفارّين من الحروب، وإعطاء اللجوء لمستحقيه. ويقول هنداوي “يجب التوضيح أن ميركل لعبت دوراً بتحسين أوضاع اللاجئين وليس استقبالهم، فالمستشارة فتحت لهم الأبواب أكثر في مجال تعلّم اللغة ودخول سوق العمل، وساعدتهم على نيل امتيازات عديدة، ودعت دائماً لتسهيل أمور حياتهم وعملية اندماجهم بالمجتمع الجديد.”

وعن تأثير ابتعادها عن المشهد السياسي يضيف هنداوي “في حال كانت الحكومة المقبلة أكثر صرامة، فمن الممكن أن تحرم اللاجئين مثلاً من إكمال دراستهم، أو تضيّق عليهم في سوق العمل، ولكن من المستحيل اتخاذ أي إجراء يتعلق بترحيلهم وخاصة أن الوضع في سوريا لازال على ما هو عليه، أي أنّ بشار الأسد بقي في السلطة، ولازالت الإجراءات الأمنية التعسفية قائمة.”

وكانت المستشارة خلال مراهقتها، الطالبة الأولى على مدرستها وكانت ترغب في أن تصبح معلّمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبهاً بها، لذلك فقد درست الفيزياء في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وعملت خلال تلك الفترة كنادلة في حانة.

ودخلت ميركل، معترك السياسة عام ١٩٨٩، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الشرقية، وألمانيا الغربية، فأصبحت متحدثة باسم آخر حكومة في ألمانيا الشرقية، وارتقت في المسؤوليات السياسية لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي في عام ٢٠٠٠ ، لتصبح عام ٢٠٠٥، أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية.

وأطلقت الصحف والمجلات العديد من الألقاب على المستشارة الألمانية منها “السيدة الحديدية”، لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي، بينما أطلق عليها الألمان واللاجئون لقب “الأم”، لما يجدون فيها من تعاطف حقيقي مع أوضاعهم.

وصنفتها مجلة فوربس الأمريكية أقوى امرأة في العالم نظرا لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي الباهر وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت أن تودي بأخرى إلى الإفلاس.

ويذكر أن ميركل احتفظت بلقب زوجها الأول، أولريخ ميركل، الذي انفصلت عنه عام ١٩٨١، وهي متزوجة حاليا من جواكيم ساور، وتشترك معه في هوايتها الوحيدة وهي الشعر الغنائي، كما أنها حاذقة في الطبخ، وشغوفة بمشاهدة مباريات كرة القدم، ولكن اليوم وبعد قرارها النهائي بالرحيل، ترى بملعب من ستكون الكرة، وهل سيكون خلفها هدافاً محترفاً؟

مقهى أبو جوزيف: فضاء بديل للمنازل المفقودة

مقهى أبو جوزيف: فضاء بديل للمنازل المفقودة

في قلب باب شرقي، على يمين كنيسة حنانيا، يطل المقهى القديم المعروف بمقهى أبو جوزيف، في آخر حارة ضيقة بسقوف منازل قديمة تصدعت جدرانها بفعل الزمن وبعض القذائف التي سقطت على دمشق القديمة. على بعض النوافذ عُلّقت ثياب بمقاييس مختلفة لتجف بفعل الريح الخفيفة. وقبل أن تصل للمقهى، يستوقفك جدار “الحب” الذي كتب عليه مجهول “بحبك لعند الله”، تخليداً لمشاعره في مقاومة النسيان.

“ما إن وقعت عيناي على المقهى قبل عام، حتى سحرتني بساطته، وتحولت لزبون مواظب في الصباح والمساء، دون أن أصاب بالملل أو الضجر”، يقول نبيل واصفاً علاقته بالمقهى القديم الذي يلوذ إليه بحثاً عن “ألفة مفقودة و رائحة العائلة الغائبة وأنفاس المنزل المغيب قهراً جراء الحرب” بحسب وصفه.

فالمقهى يعطي لنبيل شعوراً وكأنه “بغرفة المعيشة في بيتي بحلب فهو يمنحني إحساس العائلة، ويخفف من شعوري بالوحدة ووطأة غربتهم عني، لا مكان هنا  للرسمية والتكلف، فبإمكاني مثلاً صنع قهوتي بنفسي عندما يكون العم أبو جوزيف مشغولاً، حتى أنني أحياناً أساعده في تنظيف المكان”، ويجزم نبيل أن “جميع من يزور هذا المقهى  يقصدونه من أجل إحساسهم بحنين ودفء البيت الذي يمدهم به.”

تشاطر نبال نبيل مشاعره تجاه مقهى أبو جوزيف “الاستثنائي” كما تقول وتروي “أرتاد المقهى القديم بشكل شبه يومي، فهذا المكان لا يشبه أبداً الأماكن التي زرتها، وأعود إليه دائماً مهما كانت ظروفي، فهو ملاذي في فرحي وكآبتي و خلوتي وهروبي من الضجيج”، وعن أسباب تعلقها بالمقهى تشرح نبال “ارتباطي به يمدني بشعور جميل، أعتقد أن المعاملة اللطيفة التي أتلقاها هنا هي ما يشدني إليه، فهم يستقبلوننا بكلمة أهلين حبيباتي وكأننا من أفراد العائلة، وهذا الترحيب فريد لا تجده في المقاهي الأخرى، حتى أنني أفتقدهم إذا أطلت الغياب عنهم.”

المشاعر العائلية والراحة أيضاً هي ما دفع جميلة لتختار مقهى أبو جوزف دون سواه لقضاء الوقت مع أصحابها لتمضية الوقت أو لعب طاولة النرد، تقول جميلة “أُفَضل هذا المكان لشعوري بالراحة دون أي تكلف، فأنا أحب هذا الجو الذي يشبه العائلة والزمن القديم، لا أشعر أنني غريبة، وأستطيع التصرف بعفوية دون تصنع، وما أقل الأماكن التي تمنحك الراحة والطمأنينة!”

فكيف استطاع أبو جوزيف أن يصنع من مقهاه منزلاً مألوفا ً وحميمياً للسوريين على اختلاف مشاربهم؟

عمل الياس، أبو جوزيف، كنجار موزاييك وهي مهنة ورثها عن جده وأبيه قبل أن يعتزلها مرغماً منذ أربع سنوات بفعل الحرب. يقول أبو جوزيف “أجهزت الحرب على  مهنتي التي ورثتها عن جدي وأبي، فالقسط الأكبر من مصدر رزقي كان يأتي من السائحين الأجانب الذين أفلوا منذ السنة الأولى للحرب، كما أن معظم أشغالي اليدوية التي أودعتها في مستودع بمعلولا تعرضت للسرقة والتدمير والحرق، ولم ينج إلا جزء بسيط مازلت أحتفظ به.”

غامر عندها أبو جوزيف بفتح هذا المقهى الذي يتسع لعشرين طاولة إذ لم يكن أمامه من خيار آخر لكسب عيشه. يقول أبو جوزيف ساخراً  “أن أعمل قهوجياً خير من الجلوس مكتوف اليدين، فصندوق خشبي مركون على الرفوف لن يمكنني من شراء علبة سمنة أو ربطة خبز.”

دشن أبو جوزيف مقهاه بالخدمة الذاتية، إلا أنه تعلم أصول المهنة  بمساعدة زبائنه، وعن أسلوب الخدمة غير المألوف في دمشق يقول أبو جوزيف “في البداية كانت الخدمة ذاتية، حيث يقوم الزبائن بتحضير مشروباتهم بأنفسهم، بينما كنت أقف أراقبهم كيف يفعلون هذا، كما تعلمت طريقة تحضير النارجيلة فأنا لم أجربها قبلاً ولست مدخناً حتى.”

ومع المشروبات والنرجيلة، ابتكر الياس وصفة ناجعة لجذب الزبائن، قائمة على مقادير متساوية من الكرم والألفة والابتسامة، وعن ذلك يقول “يحتاج الناس إلى من يشعرهم بالراحة والألفة واستقبالهم بوجه باسم وكلمة طيبة، فالزبون كثيراً ما يأتي إلينا لابتغاء الراحة، والترويح عن النفس المثقلة بالتعب والهموم.” يخجل أبو جوزيف أيضاً من تقاضي ثمن عبوات المياه من زبائنه، ولذا ينهض منذ الصباح الباكر لتأمين حاجته منها، وتعبئتها في قوارير فارغة ليتمكن من تقديمها لزبائنه مجاناً.

تتقاسم تيريز العمل مع الياس منذ ثلاث سنوات ونصف، حين قررت تمضية أوقات الفراغ الطويلة بمساعدة صديق الطفولة، تقول تيريز “لم أفكر يوماً بالعمل في مقهى، إلى أن قرر الياس افتتاح مقهاه، فعرضت عليه بدوري المساعدة في خدمة الزبائن، كان الأمر جديداً بالنسبة لي، وبدأت بتعلم صنع المشروبات على الإنترنت.” وطورت تيريز علاقاتها مع زبائن المقهى من الخدمة وكسب العيش لتصبح علاقة ألفة ومحبة فقدهما العديد من السوريين خلال سنوات الحرب. تروي تيريز “أنا أؤمن أن الكلمة الجميلة تدخل إلى قلب المرء، فنحن أحوج في هذه الأوقات إلى التفاهم والمحبة فيما بيننا بعد سنوات من الموت والدمار، لقد بدأت علاقة عفوية متميزة بيني وبين العديد من الزبونات، فأحياناً يسمعونني عبارات الإطراء مما يشعرني بالسعادة، ويشجعني على العمل رغم الإنهاك والتعب طوال اليوم.”

وكأي مهنة أخرى لا يخلو العمل في المقهى من المنغصات، التي يواجهها أبو جوزيف “بروح رياضية” حسب وصفه، ومن هذه المنغصات يعدد “تحمل المزاج السيئ لعاشقين متخاصمين، وأن أكون شاهداً حياً على الوعود والعهود ومحاولات الاسترضاء من قبل أحدهما  للآخر، ومحاولاتي البسيطة بترطيب الأجواء من أجل تخفيف التوتر بينهما دون التدخل بشؤونهم الخاصة.”

ولا تنتهي كل قصص العاشقين هنا بالخصام، إذ يذكر أبو جوزيف علاقة ربطت بين شاب يرتاد مقاه على الدوام مع صبية تعرف عليها فيه، فتحابا وتزوجا وأصرا في يوم زفافهما على المرور بسيارتهما من جانب المقهى، لإلقاء التحية عليه كتعبير عن حبهما للمكان الذي التقيا فيه.