(نايف بلوز /الماركسي المختلف (1931-1998

(نايف بلوز /الماركسي المختلف (1931-1998

*ينشر هذا المقال ضمن الطاولة المستديرة ما الذي تبقى من اليسار السوري؟

كان من أوائل الشيوعيين السوريين الذين اتسموا بثقافة موسوعية وامتلكوا منهجاً نقدياً متطوراً نقدوا من خلاله سياسة الحزب، داخلياً وخارجياً، ومواقفه من مجمل القضايا الملحة آنذاك، كما أنه من الأوائل الذين انتقدوا “عبادة الفرد”. لقد كان يحاضر في جامعة دمشق بكل ثقة دون القراءة من أي كتاب، وكان أستاذاً متميزاً مختلفاً على صعيد المعرفة والسلوك، وكان له الدور البارز في تشكيل الوعي الفلسفي لجيل من الأساتذة والطلاب، وهو من الأوائل الذين أدخلوا المنهج الجدلي الماركسي إلى قسم الفلسفة، جامعة دمشق، دون أية نزعات أيديولوجية شيوعية، وكان يسخر مما كان يسميها (النزعة التخطيطية للمنهج الماركسي المتداول)، وكان نهماً للقراءة ومقلاً جداً بالكتابة، إن مسيرته تشبه مسيرة الفلاسفة الكبار الذين لم تستوعبهم أحزابهم، مثل الياس مرقص، وروجيه غارودي وهنري لوفيفر.. وغيرهم الذين طردوا من أحزابهم الشيوعية نظراً لسعة آفاقهم المعرفية والفلسفية والعلمية والتي لا يمكن أن تتكيف مع الأطر الضيقة للأحزاب الأيديولوجية ولا لأي أيديولوجية دوغمائية.

درس في ألمانيا في مطلع الستينات من القرن الماضي، وأنجز أطروحة الدكتوراه في الفلسفة في (جامعة هومبولدث)، وهي بعنوان “الإسلام ونشأته وفرقه ومدارسه” مهتماً بالمرحلة الأولى من الإسلام، حيث كانت تتسم بالحيوية، قبل مرحلة التقديس والانقسامات، مستخدماً المنهج الماركسي بمرونته من أجل قراءة التراث العربي الإسلامي عبر تطوراته التاريخية، معتقداً أن الإسلام جاء ضمن الظروف الموضوعية التاريخية في وقته الطبيعي، وحين ظهر الإسلام في مجتمع الجاهلية العربية في أوائل القرن السابع الميلادي، لم يظهر بشكل مفاجئ منقطع الأسباب والصلات عما كان يعتمل في حياة تلك الجاهلية، أو كما كان يتحرك في ذلك المجتمع بشكل ظاهرات اقتصادية واجتماعية ودينية وبيانية، شعر، خطب، وقد آن الأوان كي يتغير ذلك المجتمع القبلي من الأساس، وكانت تلك الظاهرات، إيذاناً بالأمر المنتظر الذي سيخرج من رحم الواقع الجاهلي نفسه، لينطلق نحو العالم كله خارج شبه الجزيرة العربية، ومن هنا لم تكن المفاجأة التي حدثت، بظهور الإسلام، والتي لم تقتصر على صعيد شبه الجزيرة العربية فقط، وإن ما حدث، شكل اقتحاماً واختراقاً لأسس النظام القبلي البدائي الذي يعيش في ظله مجموعة من قبائل مبعثرة، وإن هذا التبعثر القبلي سيتحول بحكم الضرورة الموضوعية إلى كيان آخر مختلف كلياً، أي إلى زمن يتأطر فيه عرب الجزيرة بإطار من التوحيد يجمعهم نواة لشعب عربي أو يشكل إرهاصاً لأمة عربية، بهذا المعنى كان يرى أن الإسلام الأول في سياقه التاريخي شكّل نقلة نوعية تقدمية في تاريخ الفكر الديني، ومن خلال رؤيته المنهجية النقدية كان يرى بلوز، العمق الثوري للإسلام وهو ينطلق انطلاقته الكونية، منذ أربعة عشر قرناً، مستجيباً للضرورات التاريخية لحاجة أهل الجاهلية  العرب، في شبه الجزيرة إلى ذلك التحول الكبير.

كان يعتقد أن الإسلام في عصرنا لا يمكن أن يقدم أجوبة على التساؤلات التي يطرحها هذا العصر، ولا يمكن أن يكون هو الحل، للقضايا الشائكة المعقدة التي تواجه الإنسان المعاصر، ربما نستطيع تكثيف مأثرته في المحاور: السياسي والمعرفي والعلمي الأكاديمي، من خلال منهجه النقدي، المفعم بطرح التساؤلات والشك في كل شيء، في زمن -عبادة الفرد- والاستكانة إلى ما يبدو أنها حقائق نهائية، وكان موقفه نقدياً من الفكر والفلسفة والدين، وحتى من نفسه، حيث كان ناقداً لاذعاً، وقد قدم دراسة نقدية عالية الأهمية لكتاب حسين مروة “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” حيث كان يتساءل دوماً، بعد قراءته لذلك الكتاب، عن مدى “حيازة التقدميين العرب لكفاءة نظرية وحرية في التحرك ورحابة في الرؤية تسمح لهم بوضع منجزاتهم الفكرية ولاسيما ما يدور منها على قضايا التاريخ الإسلامي. والحاضر العربي موضع التحليل والنقد العلميين”١. وهو يرى ضرورة مواجهة الصعوبات النظرية والسياسية مواجهة صريحة غير عابئة بشيء سوى مقتضيات الدقة العلمية ومطلب الحقيقة المضيئة للفكر والعلم، وإن هذه المراجعة النقدية البناءة التقدمية، وهذا الانصباب على الذات ليس أمراً مرغوباً فحسب بل إنه حاجة ضرورية على المستوى الفكري والسياسي، وقد يكون المستقبل مرتهناً لدرجة إسهام كل من السجال النظري الديمقراطي، والانفتاح الحي على الواقع، في صنع الوعي التنويري وصياغة الاستراتيجية العربية التقدمية، بهذه الرؤى، احتل بلوز موقعه المتميز بين المفكرين العرب، من خلال سعيه إلى ربط الفكر بالسياسة، وربطهما معاً بالواقع، عقلنة الفكر العربي وتحديثه من أجل عقلنة السياسة العربية وتحديثها، من أجل عقلنة المجتمع العربي وتحديثه مؤكداً على الدور النقدي التجديدي للفلسفة كي تكون بديلاً عن النظريات التقليدية التي تسعى لفهم الواقع وامتلاكه معرفياً فقط، بينما المطلوب هو تغيير هذا الواقع، ومن هذا المنظور النقدي قرأ العلاقة التي تربط جدل هيغل وجدل ماركس، معتقداً أن نظرية ماركس الاجتماعية ليست منفصلة عن فلسفة التاريخ الهيغلية. ومفردات العقل والحرية والتقدم تدلل على وجود التقاطعات بينهما، فالفكرة القائلة بأن التاريخ العالمي له علاقة بتوغل الحرية والعقل وتطور البشرية يمكن أن نلمح لها درجة من الترابط بين ماركس وهيغل، وقد نستطيع القول “إن الفيلسوفين يؤكدان على أن العقل يسود العالم في النهاية، وإن بأشكال مختلفة، هيغل يدع العقل والحرية يحددان العملية التاريخية، لكن ماركس يعتقد وحده أن قضاء البروليتاريا على البرجوازية يمكن أن يفهم بمثابة انتصار العقل على اللاعقل والظلم في العلاقات الاقتصادية – الاجتماعية” ٢.

وقد كان بلوز يلح على الأهمية الخاصة للنشاط النقدي في دراسة النصوص ودراسة الواقع، خصوصاً في تناوله النقدي للنصوص الماركسية، فمن المعروف أن التأويلات الماركسية في الواقع العربي يمكن إجمالها في مسارين، تمثل المسار الأول في النزعة الميكانيكية التي تمظهرت من خلال التأكيد الحاسم لدور البنى التحتية (الاقتصادوية)، وينظر إلى التاريخ على أنه تقدم مطلق لا مكان للإنسان فيه، لأن الاقتصاد هو المحرك الأساسي للتاريخ، بحسب هذا المنظور. والمسار الثاني يتمثل في النزعة الإرادوية، تلك التي تجعل من إرادة الإنسان محركاً للتاريخ.

وقد سعى بلوز من خلال منظوره النقدي إلى تجاوز ثنائية الاقتصادوية والإرادوية، وإلى الكشف عن علمية النظرية الماركسية بوصفها منهجاً للبحث وعبر تميزها عن الفلسفات الميتافيزيقية، المثالية الأخرى، وأراد أن يؤكد تميز الماركسية بوصفها علماً، وهذا ما بدا واضحاً في كتابيه مناهج البحث في العلوم الاجتماعية، ومناهج البحث في العلوم الطبيعية، إضافة إلى كتابه، علم الجمال، الذي قدم فيه محاضرات من كتابه المترجم لجورج لوكاتش عن الألمانية (دراسات في الواقعية 1972).

وقد كان يطرح السؤال ما أهمية المنهج الماركسي، وماذا يمكن أن يقدم اليوم لليسار، وكان يظن أن الفكر الماركسي لا يزال محافظاً على طموح الشباب وقوتهم الحاسمة ولا يزال يمتلك حيوية وقدرة كبيرة على الإلهام والسعي للتغيير، وإن هذا الفكر ينطوي على حافز يهيب بنا أن نواجه مشاكل عصرنا كما واجه ماركس مشاكل عصره، حيث أن دور ماركس يتضمن منهجاً عاماً يكمن خلف المشكلات المعالجة ورؤية نظرية توجه أسلوب معالجة هذه المشكلات. إن المشاكل الملتهبة اليوم هي التي يمكن أن نسترشد بالمهنج المادي الجدلي من أجل معالجتها بروح الماركسية المعاصرة (ويمكن اعتبار الماركسية اليوم موقفاً معاصراً للثقافة الأوربية المحدثة) ٣، وقد تكون عودة ماركس بقوة الآن إلى المسرح الثقافي العالمي مؤشراً على موقف نقدي من الرأسمالية المعاصرة.

انطلاقاً من رؤاه السابقة جعل من الواقع السوري موضوع معرفة منطلقاً من علاقة الفكر بالواقع، زاعماً أن هذه العلاقة ليست ذاتية فحسب، بل هي علاقة ديالكتيكية بين الذات والموضوع، وقد سعى إلى تفكيك مقولات ترسخت في الثقافة السورية، ورؤانا الفلسفية والسياسية، من أجل النهوض بالمجتمع عبر كل مؤسساته وجامعاته من خلال التنوير والنقد، ورأى أن الكتابات الماركسية الدوغمائية مقولات روج لها على أنها تقدمية ومحايثة لروح العصر، بينما التمحيص الدقيق لها يكشف أنها أيديولوجية جامدة، تدعم سلطة النص المدافع عنه على حساب الفهم النقدي والمثمر للنص وللواقع، فالأساس النظري الذي انطلق منه بلوز هو المفاهيم الماركسية التي أعاد إنتاجها وأنتجها بوصفها أدوات بحثية، فتحولت لديه إلى دليل يكشف من خلاله، تجدد المفاهيم، ومنطق حركة التاريخ ومحاولة الإجابة على أسئلة الواقع المتجددة والمتجدد أبداً، كما أنه كان يعتقد أن ماركس في رؤيته لم يكن يهدف إلا إلى تحقيق حرية الإنسان، وهذا الهاجس نفسه هاجس بلوز، وانعتاقه من عبودية العمل، وجعله حقاً من حقوقه لا فرضاً عليه.

الهوامش

[1] – بلوز وآخرون، الماركسية والتراث العربي الإسلامي، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروتـ لبنان، 1980، ص167.

[2] – النهج، صيف 1998، السنة 14- العدد 51، بحث د. نايف بلوز بعنوان “البيان الشيوعي وعصرنا” ص103.

[3] – النهج، مرجع مذكور، ص130.

مراجع البحث

[1] – بلوز وآخرون، الماركسية والتراث العربي الإسلامي، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروتـ لبنان، 1980.

2- النهج، صيف 1998، السنة 14- العدد 51، بحث د. نايف بلوز بعنوان “البيان الشيوعي وعصرنا”.

طلبات التجنيد تلاحق السورين من جديد

طلبات التجنيد تلاحق السورين من جديد

أدى إعلان الحكومة السورية عن مرسوم العفو رقم ١٨ والمتعلق بالمتخلفين عن خدمة العلم الصادر بتاريخ 9/10/2018، لانتشار شائعات في الشارع السوري حول تضمنه لبند شطب أسماء كل من استدعي للاحتياط ولم يلتحق، إضافة لإلغاء كافة قوائم الاحتياط الصادرة سابقاً. وبقيت هذه الإشاعات بين نفيٍ وتأكيد، إلى أن صدر تعميم يُنهي الجدل، ويؤكد شطب كافة دعوات الاحتياط السابقة وإيقاف الدعوات الجديدة.

وتقدر أعداد المطلوبين للخدمة الاحتياطية فقط بنحو 800 ألف مطلوب، إلا أن جهات غير حكومية تقول أنّ الأعداد تفوق ذلك بكثير.

صورة (١) عن التعميم الصادر لشطب كافة الاحتياطيين نقلاً عن صفحة الإعلامي رضا الباشا

أثار هذا التصريح الرسمي ارتياحاً بين العديد من السوريين المتأثرين بخدمة العلم، وبدا لهم وكأنه إذعانٌ ببداية مرحلة ما بعد الحرب، إلا أنّ الشكوك بقيت تساور الكثيرين حول مصداقية العفو، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات للأخبار المتضاربة، ولتداول تجارب الأشخاص المتأثرين بالقرار، فمنهم من كان يؤكد أنه تنقل بحرية دون أن توفقه الحواجز بعد أن كان يخشى الاقتراب منها، ونقل تأكيدات من شعبة التجنيد بصحة العفو وشطب الأسماء. في حين وردت في المقابل العديد من التعليقات من أشخاص نفوا كل ذلك، مؤكدين أن لا شيء تغير على أرض الواقع، ومازالت الحواجز الأمنية توقف الشباب وتسوقهم للخدمة الإلزامية.

في الفترة نفسها، انتقلت معركة التصريحات والتحليلات إلى القنوات الإعلامية، سواءٌ المحسوبة على النظام أو المعارضة، فبُثّت تقارير وندوات على قنوات معارضة كالأورينت وتلفزيون سوريا حول الموضوع مشيرة إلى أنه عبارة عن فخ تستخدمه السلطة للإيقاع بالشباب وخداعهم بغية أخذهم للجيش، وبأنّ النظام لا يمكن أن يؤتمن، ولا يمكن الوثوق بما يصدر عنه، مستشهدين بما يجري في مناطق المصالحات، والتي كان بند التجنيد وخدمة الشباب من الملفات التي تم الاتفاق والتفاوض عليها مسبقا، إلا أن الاعتقالات والمداهمات استمرت، وذهبت الوعود السابقة أدراج الريح.

في الطرف الآخر، أجرت القنوات الرسمية وشبه الرسمية ندواتٍ حول الموضوع، كالحوار الذي أجرته قناة دمشق الآن مع مدير شعبة التجنيد العامة وقاضي الفرد لتوضيح شطب الاحتياط، حيث أوضح المشاركون بنود العفو وأكدوا “إلغاء الدعوات السابقة”، دون إسقاط “واجب أداء الخدمة الاحتياطية”، مشيرين إلى أنّ البلد اليوم تعيش “آخر انتصاراتها”.

ولم تفلح كل التأكيدات المعلنة والرسمية في تبديد حالة الشك والخوف وعدم الثقة بالقرارات والتعميمات الحكومية، فبعد أن تصاعدت الآمال والأحلام بحياة جديدة، وملأت التهاني صفحات وبيوت الشباب الذين سيشملهم العفو، والذين قضت الحرب على أهم سنوات عمرهم في ظل واقع معيشي كارثي على الجميع، عاد كابوس الخدمة ليطاردهم من جديد. فما هي إلا أيام قليلة لا تتجاوز العشرة حتى تفاجأ الجميع بعودة طلبات الاحتياط جميعها، لتقوَض القرارات السابقة الصادرة، دون أن يكون هناك أي تصريح رسمي من الحكومة حول ذلك.

عمار شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، اضطر في السنوات السابقة للعمل في الورشات وأعمال البناء رغم توفر فرص للعمل له في البرازيل حيث يقيم أقاربه، إلا انه لم يستطع السفر بحكم كونه متخلفاً عن الخدمة الاحتياطية، وما أن صدر قرار العفو حتى ذهب عمار لتجديد جواز سفره والمباشرة بإجراءات السفر، يروي عمار ما حدث معه: “كنت من أكثر المشككين بالعفو وبقيت حتى اللحظة الأخيرة وأنا غير مصدق، وأكثر ما أثار قلقي وخوفي أن تتعرقل أوراقي وأفقد حماسي ولهفتي للسفر، ذهبت لدائرة الهجرة و كان الازدحام غير مسبوق، وكأنّ الجميع يرغب بمغادرة البلد على وجه السرعة، أعطوني موعداً لاستلام جواز السفر بعد أسبوع بعد أن أنهيت تقديم جميع الأوراق المطلوبة. ومن ضمنها كفالة مالية لإذن السفر تقدر بخمسين ألف ليرة، عدا عن باقي التكاليف بحيث يقدر مجموعها بسبعين ألف ليرة. وأخيراً تواصلت مع أقاربي وأخبرتهم أنني قادم، وبدأنا نتصور كيف ستكون الأمور في البرازيل، عشت ما يشبه الأحلام وأحسست بنفسي وكأنني أودع المكان هنا وبأنني قد أصبحت هناك فعلاً”.

إلا أن فرحة عمار لم تطل، فبعد أسبوع فقط سمع خبر عودة طلبات الإحتياط، وعن هذا يقول “في البداية لم أصدق أو بالأحرى لم أود أن أصدق، استلمت الجواز ولكن موظف الهجرة أخبرني بأنه لم يعد ينفعني بشيء. وبأنني لن أستطيع مغادرة البلد وحتى الكفالة المالية لا يمكنني استرجاعها، وقال لي ساخراً بنبرة لا تخلو من شماتة: عندما تنتهي من الخدمة تعود إليك الكفالة، الدولة لا يضيع عندها شيء.” يعاني عمار اليوم من اضطرابات نفسية عنيفة، أدت به إلى الانعزال عن محيطه بعد أن خسر “ترف الحلم بغد أفضل وسدّت كل الطرق في وجهه” بحسب تعبيره.

العديد من الشبان يعانون يومياً كما عمار من التحديات التي تفرضها قرارات كهذه، سواءٌ من ناحية حرية التنقل والحركة والعمل أو من ناحية الإحباطات الكبيرة، والانكسارات النفسية التي أصابتهم بعدما تأملوا بتغيير واقعهم وحياتهم.

ولم يصدر أي تصريح أو توضيح من أي جهة حكومية لما جرى بل بالعكس قوبلت كل الأصوات المطالبة بالتفسير بتجاهلٍ كامل، وزاد عليها توسيع طلبات الاحتياط إلى فئات عمرية تعتبر خارج نطاق السن القانوني المحدد للخدمة.

خرجت العديد من التفسيرات لما جرى، إلا أنها بقيت في دائرة التحليل والتكهن، يعتبر مثلاً محمود (40عاماً) وهو صاحب محل لبيع الملابس “بأن المرسوم ثم القرار، فخ نصبته الحكومة للإيقاع بالمطلوبين، وخصوصاً أن قسماً ليس بالقليل منهم كانوا خارج البلد في دول الجوار (لبنان بالأخص)”، ويتوقع محمود ” بأنّ قرار العفو صدر لإعفاء فئة محددة من أبناء المسؤولين والأغنياء، وتسهيل خروجهم بشكل رسمي وقانوني من البلد. “

بينما يرى أيمن (55سنة) مدرس لغة عربية بأنّ ما جرى “عبارة عن تصارع تيارين نقيضين داخل الحكومة نفسها، فصدور العفو وشطب أسماء الاحتياط جاء نتيجة الضغوطات الخارجية الكبيرة على الحكومة السورية لسنّ قوانين جديدة بخصوص أكثر من ملف، وعلى رأسها ملف الخدمة والمتخلفين عنها، إلا أنّ ما يحدث على أرض الواقع نقيض لذلك تماماً، ويتم وفقاً لتعليمات غير رسمية بحيث يبقى العفو حبراً على ورق، فمسألة الخدمة بالجيش لا يمكن أن تفرّط بها الحكومة بهذه السهولة، وخصوصا أن الحرب في سوريا لا تزال قائمة رغم اختلافها عما مضى.”

ليوسف وهو صحفي (45 سنة ) رأيٌ آخر، حيث يرى بأنّ القرار كان خاطئاً منذ البداية وأنّ الحكومة تراجعت عنه وإن لم يكن بشكل رسمي، ويوضح يوسف “الانتقادات الشديدة وحالة الاستياء التي عمت داخل المؤسسة العسكرية كانت غير مسبوقة، وكادت أن تشكل أزمة حقيقية في صفوف الجيش، الأمر الذي دفع الحكومة للتراجع الفوري عن القرار، فإعفاء المتخلفين عن الاحتياط ليس عادلاً في ظل بقاء الجنود في الجيش دون تسريح، وأغلبهم لديه خدمة طويلة قد تتجاوز سبع سنوات، فكيف يكون العفو عمن لم يلتحق ونسيان الموجودين داخل الجيش، وهم الأولى بالتسريح أولاً!”.

وبالفعل فقد انتشرت كثير من الدعوات، وأنشئت أيضا صفحات على الفيس بوك للمطالبة بالتسريح الفوري للمجندين أو بإلغاء القرار، كونه غير عادل ومجحقفاً بحق من لايزال في الخدمة.

و بين مرحبٍ ورافضٍ للقرار، يبقى موضوع الخدمة والقرارات المتناقضة حوله قضية مربكة تؤرق حياة السوريين وتتحكم بمصائرهم.

علاقة السوريين واللبنانيين بين المبالغات والحقائق

علاقة السوريين واللبنانيين بين المبالغات والحقائق

يمثل أحد المراكز التجارية التابع لبلدية الجديدة في العاصمة بيروت، نموذجاً حياً عن طبيعة العلاقات التي تشكلت بين السوريين واللبنانيين بعد عام ٢٠١١. فعلى الرغم من أن غرف المركز مخصصة لتكون مَحَالاً تجارية، بيد أن ذلك لم يمنع المسؤولين عنه من مخالفة القانون، وتأجيرها كغرف سكنية، يشكل السوريون الفارّون من الحرب العدد الأكبر من مستأجريها، إضافة إلى اللبنانيين والعراقيين والبنغلاديشيين والأثيوبيين. ويتراوح سعر إيجار الغرفة الواحدة بين 200 إلى 400 دولار، الأمر الذي جعل كثيراً من اللبنانيين، باستثناء أصحاب العقارات، يلومون السوريين على ارتفاع سعر الإيجارات عشرة أضعاف، عما كانت عليه قبل مجيئهم.

لا يتذمر اللبنانيون وحدهم من هذا الوضع، بل دائماً ما يشتكي السوريون من غلاء المعيشة في لبنان، إضافة لما يصفونه بـ”سوء المعاملة” التي يتلقونها في الدولة الجارة. فعندما داهمت دورية تابعة للبلدية المركز التجاري لإخراج الأجانب منه ومن بينهم السوريين، تبين أن القصة كما يرويها سامر أحد السوريين المقيمين في المركز، “لم تكن ممارسة عنصرية موجهة ضد السوريين، بل كانت ابتزازاً مادياً لحث المُقتدر منهم، على دفع مبلغ من المال مقابل البقاء في المركز، لكونهم يشغلونه بطريقة غير قانونية”.

وعن معاملة اللبنانيين للسوريين يؤكد حسين، الحاصل على إجازة في الحقوق، والذي يعمل في إحدى ورشات التكييف المركزي في الدكوانة، على أن القصص التي يتداولها السوريون عن سوء معاملة اللبنانيين لهم، تحدث تبعاً للمنطقة التي يقطنون فيها. ففي بداية لجوء حسين للبنان عام ٢٠١٦ هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية في سورية، استأجر حسين منزلاً في الضاحية الجنوبية، نظراً لانخفاض الإيجارات فيها، لكنه تعرض للعديد من المضايقات، و بعض السكان كانوا يقولون له: “نحن نرسل أولادنا للدفاع عن بلدكم، وأنتم السوريون تقيمون في بلدنا، ولا تفعلون شيئاً سوى الأكل والنوم”، مما جعله ينتقل إلى منطقة الدكوانة هرباً من الإجراءات الأمنية المشددة في الضاحية.

وبلغت ذروة المضايقات التي يتعرض لها السوريون في لبنان الفترة بين عامي 2012 و2015، وترى مروى عثمان، الأستاذة الجامعية من سكان الضاحية الجنوبية، أن لها أساساً طبقياً مضيفة “السوري المتعلم والمقتدر مادياً لم يكن يتعرض للمضايقات كما هو حال الفقير القادم من الأرياف السورية”. فيما يرى البعض أن اللبنانيين ينتقمون منهم، بسبب الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري بحقهم بين عامي 1976 و2005.

وفي أحيان أخرى اتخذت علاقات السوريين واللبنانيين شكلاً آخر أطاح بكل ما قيل وكُتب في هذا السياق، فكان مطعم “رواق” في منطقة مار مخايل، نموذجاً عن الشراكة اللبنانية السورية، التي لم تأبه بكل التصاريح السياسية فيما يخص الوجود السوري في لبنان، واللافتات التي عُلّقت في بعض المناطق اللبنانية، لمنع السوريين من التجول في ساعات الليل المتأخرة، كما ساندت بعض الجمعيات اللبنانية، اللاجئين السوريين الذين يعيشون في المخيمات، خاصة في الظروف المناخية الصعبة، فالاعتبارات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية والمصالح العملية قد يكون لها قول آخر، عندما تنشب الخلافات بين سياسيّ وزعماء الدول في الحروب والأزمات، وهذا ما يعيه السوريون واللبنانيون جيداً، لكن يبقى دخول السوري إلى مختلف ميادين العمل في لبنان، الغصة الموجعة التي لا تزال تؤرق اللبنانيين إلى الآن.

العلاقة التاريخية

لا يكفي الترابط الجغرافي بين سوريا ولبنان، وحده للتعبير عن عمق العلاقات بين السوريين واللبنانيين، فبعد فصل لبنان عن سوريا، أو ما كان يُعرف سابقاً ببلاد الشام، على يد الفرنسيين، بمرسوم أصدره المفوض السامي آنذاك هنري غورو عام ١٩٢٠، ظلت علاقات التنسيق قائمة بين البلدين في المجالات كافة: السياسية والعسكرية والاقتصادية، كما بقي النسيج الاجتماعي مترابطاً حتى يومنا هذا، من خلال الزواج المتبادل وعلاقات القُربى بين الطرفين.

و اعتاد اللبنانيون فيما مضى التغني بجولاتهم السياحية إلى سوريا، والتي لم تكن تكلفهم حينها أكثر من مئة دولار، أي ما يعادل خمسة آلاف ليرة سورية، وشراء البضائع من أسواقها الشعبية بأسعار رخيصة بالنسبة لهم، لبيعها في الأسواق اللبنانية، ولطالما اعتبر السوريون لبنان منبعاً لحرية الرأي والثقافة في البلدان العربية، وافتخروا بشراء ماركات المنتجات الأجنبية منه، التي لم تكن متوفرة حينها في سوريا. بيد أن هذه العلاقات لم تكن وردية في جميع أحوالها، فقد شابتها العديد من الأحداث، كالعلاقات السياسية الشائكة المبنية على دعم بعض الأحزاب في لبنان للنظام السوري، ومناهضة بعضهم الآخر له، ومن جهة أخرى. كذلك اعتبر العديد من اللبنانيين وجود النظام السوري لتسعة وعشرين عاماً في لبنان، تدخلاً مباشراً في الشؤون اللبنانية.  وجعلت أحداث عام ٢٠١١ في سوريا العلاقات بين اللبنانيين والسوريين، تتأرجح بين ما وصفه السوريون “بالعنصرية اللبناينة”، وبين شعور اللبنانيين أنهم يحملون عبئاً، يفوق قدرات بلدهم المنهك بالانقسامات السياسية وتردي الحالة الاقتصادية.

تجاوزات للقوانين اللبنانية بالجملة

إثر اندلاع الحرب في سوريا على لبنان من نواحي عديدة وخاصة الاقتصادية وسوق العمل، وانتشرت تصريحات لبعض المسؤولين اللبنانيين يحملّون فيها السوريين عبء الانهيار الاقتصادي في لبنان، وهذا ما أكد عليه جبران باسيل وزير الخارجية في تموز/يوليو الفائت  2018، مع العلم أن أزمات كثيرة كانت ولا زالت موجودة في لبنان، “أولها فساد السياسيين” برأي الدكتور إسكندر كفوري رئيس تحرير مجلة فوستوك إنفيست، “والهدر العام وعدم وضع خطط مجدية للاقتصاد اللبناني، لكن اللجوء السوري قد تسبب بمضاعفات كبيرة في هذا الشأن” بحسب تعبيره”.

وتقوم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتنسيق مع الجمعيات التي تقدم المساعدات، وتتكفل بالتغطية الطبية للاجئين، الذين وصلت أعدادهم إلى ما يزيد عن 950 ألف لاجئ، “إضافة إلى تقديم مبالغ مالية للاجئين الأكثر حاجة من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية” كما تقول هبة فارس مسؤولة العلاقات الخارجية في مكتب البقاع، “، فضلاً عن مناشدة الحكومة اللبنانية للمجتمع الدولي للحصول على مبلغ 2.68 مليار دولار لتأمين المساعدات للاجئين والاستثمار في البنية التحتية في لبنان، حسب بيان الأمم المتحدة الصادر في شباط/فبراير 2018.

 إلا أن ذلك لم يخفف من وتيرة القصص التي رويت عن استحواذ السوري على مجالات مختلفة من العمل، لا تقتصر على ما سمح به قانون العمل اللبناني، من مزاولة مهن البناء والنظافة والزراعة، التي يتجنب اللبناني العمل فيها، بل تعداه إلى مهن أخرى كفتح عيادات طبية دون رخص قانونية، كما حدث في المركز التجاري في بلدية الجديدة، حيث عَمَد أحد الاطباء اللبنانيين إلى تأجير عيادته لأحد الأطباء السوريين.

يعلل السوريون مخالفتهم قوانين العمل لأسباب عدّة، منها أن بعضهم دخل لبنان بطريقة غير شرعية ويعملون بأجور منخفضة، وآخرون يرتبط مصيرهم بأرباب العمل اللبنانيين، الذين يتهرب بعضهم من دفع الضرائب المترتبة عليهم، كما هو الحال مع تمام عبدالله القادم من مدينة درعا، والذي يعمل في صالون للحلاقة النسائية في برج حمود، حيث تعذر عليه استصدار رخصة عمل لعجزه عن إتمام الأوراق المطلوبة، فمكان عمله غير مرخص أصولاً.

وتنعكس التجاوزات التي تحدث في سوق العمل اللبناني، سلباً على إجراءات الإقامة، إذ لا يمكن للسوريين استصدار الإقامة ما لم يحصلوا على إجازة العمل، الأمر الذي جعل غالبية السوريين يقيمون في لبنان بإقامات منتهية الصلاحية، باستثناء البعض ممن يتوفر لديهم كفيل شخصي، ويتمتعون بالقدرة المالية على دفع مبلغ يصل إلى 1000 دولار سنوياً، ينقسم إلى 200 دولار رسم تجديد الإقامة، ويذهب باقي المبلغ للكفيل اللبناني.

لا بديل عن العودة

بعد أن أثبتت الجهات المعنية في لبنان عجزها عن وضع حد لكل المخالفات والتجاوزات المرتكبة، يخلص السوريون واللبنانيون إلى نتيجة واحدة لحل هذا الوضع المأزوم للطرفين، وهو عودة اللاجئين. وقد تكررت مطالبات الرئيس ميشيل عون بعودة اللاجئين وعدم السماح بتوطينهم في لبنان، وبعد أن استبشر بعض السوريين خيراً بقرار العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد في تشرين الأول/أكتوبر 2018، وبدؤوا بحزم أمتعهم للعودة، تراجعوا ولم تكتمل فرحتهم كما يقول محمد البالغ اثنين وثلاثين عاماً، والقادم من حي الوعر في مدينة حمص. يقول محمد “كنت أهم بالعودة وقد عزمت أمري لولا الأخبار التي سمعتها عن استصدار لوائح جديدة لخدمة الاحتياط”.

ويرى العديد من السوريين ألا بديل عن العودة إلى بلادهم، لأن سنوات الانتظار التي قضوها في لبنان لم تعد عليهم بالنفع الكثير من الناحية الاقتصادية تحديداً، فهم لا يستطيعون أن يؤمنوا مستقبلاً لهم في ظل الغلاء المعيشي الفادح في لبنان، كما أن بعضهم يفتقدون إلى الشعور بالأمان، بسبب تشابه الأسماء الذي يحدث في بعض الأحيان، مع أسماء عناصر الفصائل المسلحة، التي تسللت إلى لبنان، وهذا ما حدث مع حسين علي، الذي أوقفته الجهات المختصة لتشابه اسمه مع إسم أحد عناصر تنظيم داعش. أما بالنسبة للبنانيين فهم يشعرون أنهم يدفعون ثمن أزمات لم يكونوا سبباً فيها، ويحملون في كل مرة ما فوق طاقة بلدهم الصغير جغرافياً على الاحتمال.

Syria in a Week (22 – 28 January 2019)

Syria in a Week (22 – 28 January 2019)

The following is a selection by our editors of significant weekly developments in Syria. Depending on events, each issue will include anywhere from four to eight briefs. This series is produced in both Arabic and English in partnership between Salon Syria and Jadaliyya. Suggestions and blurbs may be sent to info@salonsyria.com.

Iranian-Israeli War

21, 23, 26 January 2019

The leader of Hezbollah Hassan Nasrallah said on Saturday that the “axis of resistance” could respond to Israeli strikes on Iran and Hezbollah in Syria by striking Tel Aviv. In an interview with al-Mayadeen TV, Nasrallah said that they were deliberating a response to escalating Israeli airstrikes.

Russia said on Wednesday that Israel should stop carrying out “arbitrary air strikes” on Syria days after the Israeli air force targeted “Iranian forces.”

The Russian Foreign Ministry spokeswoman Maria Zakharova said that such strikes added to tensions in the region, something she said “was not in the long-term interests of any country there, including Israel.”

“We should never allow Syria, which has suffered years of armed conflict, to be turned into an arena where geopolitical scores are settled,” TASS news agency cited her as saying. Her comments follow Israeli strikes in Syria on Monday.

The Russian news agency said that Israeli airstrikes targeted an airport in southeastern Damascus, killing four Syrian soldiers and wounding six.

Syrian official news media reported a military source saying that the country faced “an intensive attack through consecutive waves of guided missiles.”

Damascus did not mention the scale of destruction or number of casualties resulting from the strikes. However, the Syrian Observatory for Human Rights (SOHR) said that eleven people were killed.

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu said that air strike primarily targeted Iranian forces, and also targeted Syrians providing them with aid.

Safe Zone Maneuvers

24, 25 January 2019

Turkish President Recep Tayyip Erdogan said on Friday that his country expects allies to help set up a “safe zone” in Syria on the border with Turkey within a few months, otherwise Turkey will set it up unilaterally.

US President Donald Trump decided in December to withdraw all two thousand US troops from Syria, and Erdogan subsequently said they had discussed Turkey setting up a twenty-mile-deep safe zone in Syria along the border.

The Turkish Foreign Minister Mevlut Cavusoglu said on Thursday that Turkey has the capacity to create a “safe zone” in Syria on its own but will not exclude the United States, Russia, or others if they want to cooperate. Speaking after Erdogan and Russian President Vladimir Putin met in Moscow on Wednesday, Cavusoglu said Ankara and Moscow were “on the same page” regarding a Syrian political solution aside from the issue of whether President Bashar al-Assad should stay in office. Cavusoglu said Turkey was in indirect contact with the Syrian government.

Damascus Recognizes Adana Deal

27 January 2019

In a foreign ministry statement, Syria said on Saturday that it is ready to revive a landmark security deal with Turkey, that normalized ties for two decades before the 2011 conflict, if Ankara pulls its troops out of the country and stops backing opposition fighters. Syria said it was committed to the 1998 Adana accord, which forced Damascus to stop harboring the Kurdistan Workers’ Party (PKK).

“Syria remains committed to this accord and all the agreements relating to fighting terror in all its forms by the two countries,” said the foreign ministry statement. Damascus, however, said reviving the Adana deal, which Russian President Vladimir Putin raised during his summit meeting with Turkish President Tayyip Erdogan last week, depended on Ankara ending its backing of opposition fighters and pulling its troops out of northwestern Syria.

Car Bombs Inside Cities

22, 24 January 2019

Official Syrian media said a car bomb exploded in Damascus on Thursday causing damages but no casualties. This is the third of such a blast in a city under government control this week. The official news agency SANA said that the explosion hit al-Adawi neighborhood, north of the central Old City district. A witness said the blast occurred near a hospital.

Official media reported that a car bomb exploded in Lattakia killing one person and wounding fourteen on Tuesday.

On Sunday, a bomb exploded near a highway at the edge of Damascus. The authorities arrested the attacker.

On the other hand, witnesses said that at least three civilians were killed and scores injured from a string of bombs hidden in motorbikes in Syrian towns  controlled by Turkey-backed opposition. They said a woman, a child, and a young man were killed and at least eight others injured when a motorbike exploded near a public park in the heart of the city of al-Bab, north of Aleppo. A police source in the town said they had staged a controlled detonation of another motorbike in the town of al-Rai, north of al-Bab, and arrested a suspect.

In a similar incident, three people were injured in the nearby towns of Qabasin and al-Ghandura by blasts also caused by explosives planted in motorcycles parked in public places.

On Wednesday, explosive devices detonated in Afrin, a mainly Kurdish area, which Turkey and its Syrian allies took control of after the Olive Branch operation.

Stability in Idlib!

Reuters

23 January 2019

An agreement with Turkey on Syria’s Idlib governorate has not been fully implemented, raising concerns in Moscow and Damascus, Interfax news agency quoted a Kremlin spokesman as saying on Sunday.

After talks with his Turkish counterpart Recep Tayyip Erdogan on Wednesday, Russian President Vladimir Putin said that they discussed measures that could be taken to maintain stability in the Syrian governorate of Idlib.

The Russian Foreign Ministry said earlier on Wednesday that the situation in this governorate, where Moscow and Ankara have tried to create a de-escalation zone, was rapidly deteriorating and that it was almost under the full control of Nusra militants.

“Unfortunately there are many problems there and we see them,” said Putin, standing alongside Erdogan, adding that he had agreed to host a summit soon where Russia, Turkey and Iran would discuss the situation in Syria. He did not name a date for the summit, but said he and Erdogan had agreed on its provisional timing.

ISIS Enclave

21, 24 January 2019

Residents and opposition fighters said on Wednesday that US-backed, Kurdish-led forces are on the verge of eliminating ISIS’s last remaining enclave in Syria near the border with Iraq after a four-month-long devastating bombing campaign that has left hundreds of civilian casualties.

The capture of the village of Baghous comes after a string of other villages fell in recent days to the Syrian Democratic Forces (SDF). The SDF has now only a seven-kilometer stretch that separates them from full control of the entire east of the Euphrates River region, former residents and insurgents from the area say.

In a related context, local residents said a suicide bomber drove his car into a checkpoint in northeastern Syria on Monday, injuring several soldiers of Kurdish-led forces during a joint convoy with US allies.

Damascus is Tightening the Noose on Europeans

24 January 2019

The European Commission said on Thursday that Syria’s President Bashar al-Assad had suspended special visas for European Union diplomats to Damascus.

“The Bashar al-Assad regime has suspended multiply entry visas,” a spokeswoman told a regular Commission briefing. “We are continuing as the EU.. to do whatever we can to avoid it having an impact on the important work we are doing on the ground.”

Arabs Agree on Refugees

20, 21 January 2019

Arab states at an economic summit on Sunday in Beirut called on world powers to step up efforts to enable Syrian refugees to return home. Lebanese officials have called for refugees to go home after the Syrian government reclaimed most of the country with Russian and Iranian help.

“Regarding the intense Syrian displacement and refuge crisis, in addition to the continuation and aggravation of the chronic Palestinian refugee crisis… we call on the international community to take its responsibility to curb the misery and place all efforts to find radical and effective solutions,” Lebanese Foreign Minister Gebran Bassil said, reading a statement which the summit agreed upon.

The statement asked for “a doubling of efforts to strengthen favorable conditions for the displaced and refugees to return in line with the relevant international law and respect for the sovereignty and laws of the host country.”

A key point of contention has been whether to bring Syria back into the Arab League, more than seven years after its membership was suspended.

Lebanese President Michel Aoun called for safe refugee returns and said in his speech, “Lebanon calls on the international community from this forum to exert all possible efforts and provide favorable conditions for the safe return of Syrian refugees to their country, especially to accessible stable areas or low-tension areas without tying this to a political solution. The refugees should be provided with incentives to return so that they can participate in the reconstruction and stability of their country.”

The United Nations says it is still too early to ensure safe returns for Syrian refugees. Human rights groups cautioned against forced return to Syria, where a peaceful settlement is still far from being reached.

بيان إطلاق موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته

بيان إطلاق موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته

لزيارة موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته يمكن النقر هنا.

 إنّ فوضى المنابر الإلكترونية والورقية الّتي تعيش استقطاباً سياسياً راهناً تُحتّم البحث عن متنفس، ولم نجد أفضل من الشّعر حلاً إنسانيّاً للتواصل مع الآخر. فالرعاية الثقافيّة اليوم تدخل في شروط وحسابات ترمي بالكثير من المواهب العربية إلى النهاية إمّا تحت كنف التّدجين الرسمي في بلادهم أو إلى جانب مؤسسة ثقافيّة تفاضل على الأسماء والمحسوبيات لا على نوعيّة ما يقدم من منجز فنّي شعري.

إن عشرات الأسماء الجديدة والأصوات الخجولة في الكتابة الشّعريّة، ما زالت تبحث عن مكان تنمو فيه بهدوء، وما زالت تقف في وجهها عقبات المرحلة من ضجيج بصري، علاقات شخصية وفوضى مواقع التواصل الاجتماعي.

 إنّنّا نحلم بمكان نكتب فيه دون افتتاحيّة رئيس تحرير! ودون أبواب تضيّع هويّة الموقع وتجعله يتخبط كما تجارب ثقافيّة كثيرة متشابهة تحوي منتديات همُّها أن تقول كلّ شيء دون الانتباه إلى تنظيم النوعيّة الكتابية التي تنشر وخصوصيتها، ناهيك عن كتابات الفضائح المباشرة والتّوجه إلى خطاب الصحافة الصفراء والأدب المنحول.

إذاً نحن هنا نطلق موقع إلكتروني ثقافي بهويّة شعريّة تماماً، يحمل ملامحاً لمؤسسة صغيرة افتراضياً متخصّصة بنشر الشّعر ودراساته وترجمته واليوميّات النثريّة، نشر النّصوص والصور الفنية واللوحات التشكيلية، وهو محاولة مدنيّة ثقافيّة لاستيعاب حالات إبداعيّة في الكتابة الجديدة، وهنا سوف نتخصص في الشّعر ودراساته ويومياته وترجمته.

 نعرف ما مدى صعوبة تحصيل حضور – جمهور لمثل هكذا منبر الآن في قمّة الصراع السّياسي في المنطقة العربيّة، ولكن الحضور لموقع متخصص غير تابع لجهة سياسيّة بهويته وأفكاره ومقترحاته، نعتقد أنه حلم مئات الأصوات الإبداعيّة الجديدة، ونود أن نركز هنا على الأصوات الجديدة وليس على الأصوات الشابّة فقط!

هذا الموقع “أضواء المدينة الشعري” هو امتداد لتجربة كنّا عشناها في سورية بالعاصمة دمشق، مع مجموعة من الأصدقاء وسط منطقة دمشق القديمة منذ عام 2013 حتى أيلول 2015، كانت تجربة خاصة لما فيها من حريّة وسط حرب وقهر ورقابة تتابع كلّ نص يقال على هذا المنبر، كنّا نختار قصائد لشعراء من سورية والعالم وبلغات مختلفة، وعلى مسافة واحدة من الجميع، وكان اسم هذا الملتقى “أضواء المدينة الثقافي” ولعل إيقاع الضوء وصورة المدينة هي ما جعلت صفحة الملتقى في فيسبوك حاضرة حتى الآن ودفعتنا لنفكر أخيراً بمشروع جديد اسمه موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته وترجمته على أمل الوصول إلى مطبوعة ورقية شهرية مختصة بالشعر.

أبواب الموقع:

  1. ظــــلّ:تبويب نطل فيها على قصائد من تجارب وأجيال مختلفة.
  2. يوميّات:تبويب نتوقف فيه عند نصوص من الجنس الأدبي المعروف باليوميات الذي يرصد أفكاراً إنسانية يعيشها الكاتب من الحياة اليومية. أو إلتقاطات مختلفة لظواهر تمزج الحياتي بالثقافي.
  3. شارع الشّعر:تبويب متابعة لأخبار كتب الشعر والدراسات النقدية حولها ما تحت الطبع وما صدر حديثاً وأخبار توقيع الكتب. إضافة إلى حوارات مع شعراء، استعادة تجارب شعرية.
  4. تحت الضوء: تحقيقات ثقافية يتناول موضوعها قضية ثقافية أولويتها فيما يخص الشعر والتجارب الشعرية بالتناوب مع قضية ثقافية في العمل الإبداعي وطرح أسئلة لحدث ثقافي مثير، إضافة إلى مراجعات في تجارب شعرية مجتمعة لأجيال وبلدان أو قضايا تجمعها أصوات شعرية.
  5. ضوء من هناك:تبويب متخصص بالترجمة عن لغات أخرى في الشعر والنقد والدراسات الشعرية حصراً.
  6. فلاش:وهو باب معاصر لصور من الحياة اليومية تركب نصاً قصيراً من خلال مجموعة من الصور الاحترافية مع تعليق شعري لتشكل نصاً مصوراً.

وعبر هذه الأبواب الثابتة سوف نحاول أن نطل على مشهد شعري متنوع متخصص من العالم العربي ومع تطعيم لما يطرح من مشاغل شعرية عبر لغات أخرى.

إضافة إلى هذه الأبواب الثابتة التي ذكرناها سوف يتم وضع نافذة أعلى الموقع إلى جانب (من نحن – اتصل بنا) هي نافذة منح الأضواء: حيث يتضمن هذا الباب أفكار ومشاريع المنح التي يمكن لأضواء المدينة أن تقدمها وترعاها بشراكة مع مؤسسة ثقافية أخرى مثل طباعة كتب الشعر ودراساته وترجمته والمسابقات الداعمة للأصوات الجديدة.

انطلق الموقع يوم الجمعة 25 كانون الثاني\يناير 2019 في عدده الأول على أن يصدر كل أسبوعين مرة.

للمراسلة على البريد:

editor@adwa-almadena.com

رئيس التحرير: عمر الشيخ

المدير المسؤول: سامي أحمد

سلام الكواكبي: “اليسار إما مستقطبٌ سلطوياً أو نخبوي مرضي”

سلام الكواكبي: “اليسار إما مستقطبٌ سلطوياً أو نخبوي مرضي”

*ينشر هذا الحوار ضمن الطاولة المستديرة ما الذي تبقى من اليسار السوري؟

لا شك أنّ انهيار المنظومة الاشتراكيّة، وخصوصًا الاتّحاد السوفيتيّ، شكّل مفصلاً هاماً في التحوّلات التي شهدتها تيّارات اليسار العربيّ عامّة، والسوريّ على وجه الخصوص. لدرجة أنّ المفكر اليساريّ الراحل سلامة كيلة رأى أنّ هذا اليسار دخل “أزمة موت.” وفي سوريا التي انتفض شعبها ضدّ الاستبداد والطغيان في آذار/ مارس 2011 بقي اليسار “في الهامش”، وتجاوز الربيع السوريّ اليسار القائم في البلاد، خاصّة بعد انحدار وضع الأغلبية المجتمعية نحو الفقر والبطالة والتهميش ما أدى إلى أن تكون كلّ قوى اليسار في سوريا بعيدة عن الشعب.

وللوقوف على واقع الحال وأسبابه ومآلاته التقينا مع الكاتب والباحث الأكاديميّ في العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة سلام الكواكبي، المدير التنفيذي للمركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، ومدير بحوث ونائب مدير سابق في «مبادرة الإصلاح العربيّ» المهتمة بحركة المجتمع المدني.

 

غسان ناصر: أبدأ معكم بسؤالكم: ما الذي تبقى اليوم من “يساريّة” اليسار السوريّ؟ 

سلام الكواكبي: أخشى أن أجيب بأنّ مختلف العوامل تكاتفت على إجهاض التيّار اليساريّ السوريّ بمختلف تنويعاته منذ أمد بعيد نسبيًّا. وكذلك يؤسفني أن أشدّد على أنّ من ساهم بشكل فاعل في هذه العمليّة، هو البنية التكوينيّة هشة التقاليد الديمقراطيّة للأحزاب والجماعات اليساريّة من جهة، وكما هم بعض رموز اليسار نفسه من جهة أخرى. فالبنية الأساسيّة، قامت على قواعد غير متمكنة من المفاهيم الأساسيّة المكونة لحركة اليسار تاريخيًّا عدا استثناءات بأسمائها تم تهميشها أو القضاء عليها رمزيًّا. وصارت التجارب التوتاليتاريّة في الدول التي اغتصبت مفاهيم اليسار، وطوّرت له ممارسات شاذة، هي المرجعيّة لدى الكثير من اليسار السوريّ. أما وقد مرّ على البلاد عقود من الممارسات الأمنوقراطيّة، فقد صار اليسار مهجّرًا أو مسجونًا أو شهيدًا. ومن تبقى في المشهد العامّ، فقد كان إمّا مستقطبًا سلطويًّا أو مصابًا بنخبويّة مرضيّة عزلته عن حس وحراك المجتمع.

غسان ناصر: برأيك إلى أيّ مدى كان هذا اليسار فاعلًا في الحياة السياسيّة العامّة في سوريا بعد انقلاب 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970؟

سلام الكواكبي: لقد كان مفعولًا به ومقسّمًا ومشتتًا في الإطار العامّ. أمّا الحديث عن يساريّة الحزب الحاكم، فهو يخرجنا من الجديّة في الطرح لما من ممارساته من صفات متعدّدة لا يمكن أن تكون اليساريّة إحداها. فهي رأسماليّة الدولة الأمنوقراطيّة الزبائنيّة. ولا يمكن ربطها باليسار بأيّة صورة ولو ساهم في ذلك كتّاب السورياليّة الكبار.

أمّا الشيوعيّون الرسميّون، فإضافة إلى فساد جزء لا بأس من قياداتهم، وانصياع الجزء الآخر للخوف المهيمن، وانشقاق الجزء النقيّ ليجد نفسه مسجونًا أو منتهكًا بكلِّ الأساليب، فتجربتهم السوريّة تحتاج إلى مجلدات لا تفوح منها روائح مريحة البتة للأسف الشديد. من ظلَّ متمسكًا بمبادئه، كالماسك على الجمرة براحة الكف، فألمه لا يمكن وصفه، وتشفّي “رفاقه” النظريين به يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السياسيّة التي هيمنت على المشهد السوريّ. وعلى الرغم من هذا المشهد السلبيّ للغاية، إلّا أنّ الحراك الداخليّ الوحيد الفاعل سلميًّا بعيدًا عن التجربة العسكريّة للإخوان المسلمين، كان يعتمد على الأنقياء في المجموعات اليساريّة التي غلب عليها طابع العمل السريّ والهروب المستمر من الرقابة الأمنيّة. ولكن فعاليّته لا تُذكر إلّا من خلال الإنتاج الفكريّ المتميّز. لبعض رموزه وعلى الرغم من محدوديّة انتشاره.

 

غياب ممارسة النقد..

غسان ناصر: ماذا عن حضور اليسار النظريّ، بعد كلِّ القمع الذي تعرض له، والفشل الديمقراطيّ العلمانيّ المتراكم في سوريا؟ والعلاقة غير السويّة بين الأحزاب اليساريّة خاصّة رابطة العمل الشيوعيّ (صار اسمها “حزب العمل الشيوعيّ”) والحزب الشيوعيّ السوريّ – المكتب السياسيّ (صار اسمه “حزب الشعب الديمقراطيّ”)؟

سلام الكواكبي: في الأساس، فإنّ العلاقة غير السويّة والتنافسيّة بطريقة الإلغاء وغير الديمقراطيّة بين مختلف رموزه ساهمت بشدة في إضعافه وفي إستضعافه. أمّا الحضور النظريّ، فقد عابه عدم ممارسته النقد، ليس الذاتيّ، فهو مطلب كبير في الثقافة المشرقيّة، بل نقد تجارب الدول التي شوهت اليسار عبر الممارسات الشموليّة المكتنزة فسادًا وقمعًا في بلدان مرجعيّته كالاتّحاد السوفييتيّ ومن دار في مساره. ومن تمت ملاحقتهم وسجنهم، فإن كان ليس من الانصاف انتقادهم عمومًا، لكنّهم في المشهد السوريّ يستحقون الإشارة إلى ممارساتهم الفرديّة وسعيهم لفرض آرائهم على مجمل المشهد الحزبيّ الذي انتموا إليه. كما برز ضعف هيكلي في عمليّة تطوير الفكر اليساريّ النظري ليُجاري الواقع الاقتصاديّ والاجتماعيّ والدينيّ المحليّ.

غسان ناصر: هل كان لقوى اليسار حضور في الأوساط العماليّة والفلاحيّة ما قبل الثورة، أم كانت بعيدة عن القاعدة الاجتماعيّة في عموم سوريا؟

سلام الكواكبي: اُحيل إلى كتابات المؤرخ المُجدّ أطال الله في عمره الدكتور عبد الله حنا للسعي إلى الحصول على إجابة دقيقة لا أمتلكها حول هذا التصنيف. لكنّني أعتقد بتحفّظ شديد، بأنّ الحَضور، ولأسباب موضوعيّة متشابكة، كان ملموسًا أكثر في الأوساط العماليّة عمومًا، وفي بعض الأوساط الفلاحيّة المتميّزة دينيًّا واثنيًّا.

غسان ناصر: هل استطاعت قوى اليسار أن تؤثر فكريًّا في الثقافة وتجذب الأجيال الجديدة؟

سلام الكواكبي: الجزء الأكبر من المثقّفين السوريّين يعرف نفسه باليساريّ ولكن دون أن يعرف جزء منهم ربما ما هي المعايير الدقيقة لهذا التعريف. وعمومًا، فاليسار السوريّ أنتج أدبًا وفنًا أكثر مما أُتيح له أن يُنتج فكرًا لخضوعه لمناخ مهيمن تمتزج فيه التسلطيّة السياسيّة والأمنيّة مع التركيبة الدينيّة المحافظة التي ارتاح لانهماكها في العبادات وتفاصيلها أهل الحلّ والعقد من أصحاب الرتب أو أصحاب اللحى.

 

اليسار كونيًّا في أزمة نظريّة وعمليّة..

غسان ناصر: أسألكم عن موقف اليسار من الأزمة السوريّة. وماذا عن الأحزاب اليساريّة التي أعلنت عن ميلادها خلال سنوات الثورة مثل (حزب اليسار الديمقراطيّ السوريّ)؟

سلام الكواكبي: ضعف اليسار السوريّ أدى به إلى خيارين أحلاهما مرّ: الأوّل، القبول بإملاءات قوى محافظة والخضوع لها في محاولة غير ذكّيّة لتبنّي الواقعيّة السياسيّة من جهة. والثاني، رفض الانخراط في العمل العامّ تأنفًا أو ترفّعًا أو تكبّرًا، والقفز في كلِّ شاردة وواردة لادّعاء امتلاك الحقّ ومعرفة مآل الفشل المتوقع وتقريع الآخرين بالقبول بفتات الموائد. وعمومًا، فالتشكيلات السياسيّة اليساريّة الجديدة لا يمكن أن يكون لها أيّة فاعلية في ظلِّ الانسحاب الجماعيّ للشباب من المشهد الحزبيّ والتوجه أكثر فأكثر نحو التجمعات المدنيّة. الانتماء إلى أيّ حزب صار أمرًا غير مغري على الصعيد الفكريّ والصعيد السياسيّ.

غسان ناصر: أين اليسار العربيّ الدوليّ من دعم الثورة السوريّة؟

سلام الكواكبي: اليسار كونيًّا في أزمة نظريّة وعمليّة، وعندما نتابع بعض مواقفه من قضايا تحرر الشعوب من الطغيان، نكاد نقول بأنّ الجانب الأخلاقيّ يمكن أن يُضاف إلى مكوّنات أزمته. فالتجربة البافلوفيّة المرتبطة بتصرفات الحيوان الجائع، وجدت لها مرتعًا خصبًا في مواقف وردود أفعال الكثير من أصحاب اليسار الأوروبيّ عمومًا والعربيّ خصوصًا تجاه الثورة السوريّة. يكفي أن نراجع في عجالة مواقف اليسار التونسيّ أو المغربيّ أو الجزائريّ، لنجد منطقًا بافلوفيًّا هائل التخلي عن المعايير الأخلاقيّة والإنسانيّة، ليتشبث بمفاهيم حجريّة تربط أوتوماتيكيًّا بين نظريّة المؤامرة وبين الإمبرياليّة وبين الإسلاميّة. وكما أنّ السعي إلى الحرّيّة والعدالة يُعتبر نظريًّا من ركائز فكر اليسار، إلّا أنّ النوم تحت بسطار العسكر والطغيان أثبت بأنّه الأكثر ممارسة ممن يدّعون وصلًا باليسار في الدول العربيّة. ما هو منتظر نظريًّا من المنتمين إلى اليسار في أن يكونوا مؤمنين بمفاهيم الحرّيّة والعدالة لأنفسهم ولأقرانهم، غاب تمامًا عن تصريحات وأفعال اليسار العربيّ الذي طالما تناول زعماؤه الطعام على موائد الطغاة من صدام حسين وصولًا إلى القذافي. وأكاد أن أجد في اليسار الأوروبيّ تميّزًا عن اليسار العربيّ في هذا المجال بحيث نجد فئات تروتسكيّة أو يساريّة معتدلة أو من ينتمون إلى “الخضر” هم من مناصري الربيع السوريّ الموؤد. في حين، من النادر أن نجد مجموعات سياسيّة يساريّة عربيّة تتبنى هذا الموقف. ربما نجد أفرادًا.

غسان ناصر: أخيرًا، برأيكم هل يمكن اليوم تأسيس يسار سوريّ جديد يحاكي تطلعات وآمال الشعب السوريّ الذي يواصل نضاله من أجل الحرّيّة والعدالة والمساواة في سوريا الجديدة؟

سلام الكواكبي: الحلّ الوحيد، إن كان من حلّ يومًا ما، هو أن يُعيد اليسار إنتاج نفسه من خلال التبنّي الكامل للديمقراطيّة، رغم عدم مثاليّتها وإشكاليّاتها وضرورة إعادة إنتاجها هي نفسها في ظلِّ الخيبات الجديدة في المشهد الكونيّ. قيم الحرّيّة والعدالة والمساواة، كما قيم الحقوق البشريّة والدفاع المبدئيّ، وليس الانتقائيّ، عنها، هي من صلب تعريف اليسار كما أراه. إنّ النمط القائم على احترام الحرّيّات وتطوير العدالة الاجتماعيّة قانونًا وممارسةً هو الأفضل لإنقاذ ما تبقى من يسار.

اليسار الفرنسيّ الذي حكم لعشرات السنين، انهار بصورة كرتونيّة في السنوات الأخيرة، فانبثق عنه متطرفون شعبويّون سرعان ما انضمّ جزء منهم إلى يمين متطرف عنصريّ لضعف تكوينيّ وهشاشة في الوعي. واليوم، تنطلق حركات يساريّة مزجت في مبادئها الحرّيّة والعدالة وحماية البيئة الكونيّة وليس الوطنيّة فحسب، وذلك على اكتاف مجموعات شبابيّة تستند إلى مقومات فكريّة واعية كحركة الفيلسوف الشاب رافائيل غلوكسمان الجديدة.

أختم بالقول بأنّ اليسار الديمقراطيّ الاجتماعيّ هو الحلّ الأنسب لمشاكل المجتمعات قاطبة.