ورشة تدريب صالون سوريا

ورشة تدريب صالون سوريا

يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة للنزاعات والنوع الاجتماعي، مُخصصة للصحفيين/ات السوريين/ات المقيمين/ات داخل سوريا وخارجها.

بسبب الظروف الصحية الراهنة، ستُعقد الدورة التدريبية أونلاين عبر تطبيق “زوم”، وهي مقسمة على ست جلسات خلال ثلاثة أيام، بين 11 و13 آذار/مارس 2022

ستتناول الجلسات اساسيات الصحافة، التعامل مع المصادر أثناء النزاعات، الفرق بين الصحافة المكتوبة والمرئية، وحساسيات النزاعات، إضافة لجلسات حول الموضوعية والحساسية للنوع الاجتماعي وطرح قضاياه.

يدير هذه الجلسات مجموعة من الصحفيين/ات السوريين/ات المتخصصين/ات بهذه القضايا، وستتاح الفرصة للصحفيين/ات بعد نهاية التدريب للنشر مع موقع “صالون سوريا” كصحفيين/ات، وخلالها سيحصلن/ون على فرصة المتابعة مع المدربين/ات لتطوير مهاراتهم/ن الصحفية.

اذا كنت مهتما/ة بالتقديم على التدريب يرجى ملئ الاستمارة التالية خلال موعد أقصاه الأربعاء 7 آذار/مارس 2022

https://forms.gle/R1BRJwnSC9CYVfGU6

هل يُطبق “السيناريو السوري” في اوكرانيا؟

هل يُطبق “السيناريو السوري” في اوكرانيا؟

هل هناك دروس في «سلوك» روسيا العسكري والسياسي والإنساني في سوريا يمكن الاستفادة منها، في فهم مغامراتها الجديدة بأوكرانيا؟ وهل يمكن أن تقوم موسكو بنسخ «السيناريو السوري» في الحرب التي تخوضها على الحدود الروسية الغربية؟ أيضاً، ما تقاطعات التجارب الغربية بين «الملفين»؟

«الأرض المحروقة»
في نهاية 2016، حذر وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون (رئيس الوزراء الحالي) ونظيره الأميركي السابق جون كيري، موسكو من تحويل مدينة حلب إلى «غروزني سوريا»، في تشبيه مع عاصمة الشيشان التي اعتبرتها الأمم المتحدة في 2003 «المدينة الأكثر دماراً على وجه الأرض» بعد محاصرة قوات روسية ولها وتدميرها. وردت السفارة الروسية في واشنطن على موقع «تويتر» بالقول: «غروزني اليوم هي مدينة سلمية وحديثة ومزدهرة. أليس هذا الحل الذي نبحث عنه جميعاً؟».
كان هذا الأمر نموذجاً لفهم روسيا في تدخلها العسكري بسوريا نهاية 2015 لـ«إنقاذ الدولة السورية». وفي نهاية العام الماضي، قال وزير الدفاع سيرغي شويغو إن جيشه «جرّب» في سوريا 320 طرازاً من مختلف الأسلحة، الأمر الذي استمر إلى هذه الأيام، حيث جرى نشر طائرات «ميغ 31 كا» قادرة على حمل صواريخ «كينغال» بقاعدة حميميم غرب سوريا. و«كينغال» صاروخ فرط صوتي تعادل سرعته 10 أمثال سرعة الصوت، ويتبع مساراً متعرجاً، وهو ما يسمح له باختراق الشبكات المخصصة لاصطياد الصواريخ، وكان بين الأسلحة التي شاركت في المناورات البحرية قبالة ساحل سوريا عشية الهجوم على أوكرانيا.
وحسب خبراء عسكريين، فإن القوات الروسية اتبعت سياسة «الأرض المحروقة» في دعم قوات دمشق، التي رفعت حجم الرقعة التي تسيطر عليها من 10 في المائة إلى 65 في المائة. وغالباً ما كانت تأخذ قرية، مثل اللطامنة في حماة وحمورية في غوطة دمشق واللجاة في ريف درعا، «نموذجاً» لإيصال «إنذارات نارية» وإخضاع مناطق المعارضة بعد حملة عنيفة من القصف الجوي من قاذفات جوية و«براميل» وطائرات «درون» انتحارية.
وتحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مقتل 21 ألف شخص في غارات جوية روسية، خلال 77 شهراً من التدخل العسكري، من أصل نحو نصف مليون سوري قتلوا خلال عقد من الصراع. وتحدثت الأمم المتحدة عن استخدام غازات سامة وأسلحة كيماوية خلال المعارك.
موسكو تدخلت في سوريا لصالح «الجيش الحكومي» وكانت تواجه فصائل معارضة مختلفة المشارب والإمكانات والدعم، بينها فصائل إسلامية بعضها متشدد أو تابع لـ«القاعدة» و«داعش»، فيما هي في أوكرانيا تقاتل جيشاً نظامياً في دولة هائلة مجاورة وتنتمي إلى التاريخ نفسه.
إلى الآن، لا يبدو أن التكتيتات العسكرية ذاتها في «المعركتين»، حيث لا يزال يغيب القصف العشوائي و«الأرض المحروقة» و«البراميل» والغارات الجوية العنيفة. لا شك أن هذا سيخضع للاختبار في الأيام المقبلة، بعد اعلان موسكو اغلاق الأجواء الأوكرانية وتصاعد العمليات ومقاومة أصحاب الأرض.

«انسحابات إعلامية»
أعلنت روسيا أكثر من مرة أنها بصدد «تخفيف» عملياتها العسكرية في سوريا أو سحب بعض قواتها، ونشرت أكثر من اتهامات عن نية «الخوذ البيضاء» التحضير لـ«مسرحية كيماوية» بهدف «اتهام الحكومة السورية بها». كان هذا يحصل قبل بدء هجوم عسكري شامل أو جولة تفاوضية سياسية في جنيف. وأعلنت وزارة الدفاع عدم اعترافها بـ«شرعية» فصائل مقاتلة «معتدلة»، بينها «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» في بيانات نشرت على موقعها الإلكتروني، تمهيداً للانقضاض عليها وقصف مقراتها، لأنها «مرتبطة بالإرهاب». ووقعت موسكو سلسلة اتفاقات و«تسويات» بتعاون مع واشنطن أو مع «ضامني» عملية آستانة الآخرين، أنقرة وطهران، لكن سرعان ما كانت تنقلب على الاتفاقات مع مرور الوقت وتغير المعطيات. وآخر مثال على ذلك، «تسويات» درعا التي أنجزت في 2018، وبقيت صامدة إلى العام الماضي، حيث جرى الانقلاب عليها.
التجربة الأوكرانية مختلفة، لكن الآن، هناك بعض التقاطعات المشتركة. موسكو أعلنت سحب قواتها من حدودها الغربية، قبل الشروع عملياً في الغزو الشامل. وأعلنت أنها تريد المفاوضات، قبل جولة جديدة من التصعيد. وزارة الخارجية، تلعب دور «المدافع» و«الدبلوماسي» في المعركة التي تخاض عملياً من قبل وزارة الدفاع بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين. هناك هدف عسكري معروف، في سوريا كان «استعادة سيطرة الدولة» و«دعم القوات الحكومية»، قد يتم التريث أو التكيف لتنفيذه. العقبات الوحيدة أمامه هي عسكرية وليست سياسية، والمفاوضات ما هي إلا أداة لتنفيذه وشراء الوقت للوصول إليه.
وأعلنت موسكو أكثر من مرة فتح «ممرات إنسانية» لخروج الناس من «هيمنة الإرهابيين»، قبل أي معركة. ورعت كثيراً من المقايضات لـ«هندسة اجتماعية» ونقل ناس من مكان إلى آخر، من الجنوب إلى الشمال تحديداً. ولم توقف هجرة ١٣ مليوناً من النازحين واللاجئين.
وليس مستبعداً أن تترك موسكو الباب مفتوحاً أمام هجرة أوكرانيين إلى الجوار، ما يسمح أيضاً بلعب «ورقة الهجرة» في أوروبا من جهة، والوصول إلى «مجتمع منسجم» في أوكرانيا من جهة ثانية. والمستقبل، سيقرر ما إذا كانت موسكو وواشنطن ستعملان معاً، أم لا، في ملفات إنسانية، مثل رعاية قرار دولي لتقديم مساعدات «عبر الحدود»، كما حصل في سوريا، من دون مظلة جوية.

«برنامج سري»
الدروس المستفادة ليست روسية وحسب، بل هناك إمكانية لاختبار تجارب دول أخرى في «المختبر السوري»، ولعل أبرزها «العسكرة» و«القوة الصلبة». إذ إنه في نهاية 2012 وبداية العام اللاحق، رعت «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إيه) الأميركية برنامجاً سرياً لتدريب فصائل معارضة ورصدت لهذا البرنامج مليارات الدولارات، ما أسهم في تراجع قوات النظام إلى أبواب دمشق قبل التدخل الروسي. وخلال كل فترة التدخل، رفضت أميركا إقامة منطقة حظر جوي جنوب سوريا وشمالها، لكنها سرعان ما أقامت مع التحالف الدولي ضد «داعش» منطقة حظر في شمال شرقي البلاد منذ 2014، لهزيمة التنظيم ومنع عودته. في موازاة ذلك، استخدمت تركيا أيضاً قواتها البرية والجوية بموجب الذهاب إلى «حافة الهاوية» ضد قوات دمشق من جهة، وتفاهمات ثنائية واستراتيجية مع روسيا من جهة ثانية.
التجربتان الأميركية والتركية، تقومان على مبدأين: تدريب فصائل سورية وإمدادها بالسلاح عبر الحدود والدعم الجوي، وعقد تفاهمات وترتيبات مع روسيا لمنع الصدام العسكري على الأرض السورية، للوصول إلى «مناطق نفوذ» بين اللاعبين الخارجيين.
وتجري حالياً اتصالات بين أجهزة استخبارات غربية للإفادة من «التجربة السورية» في أوكرانيا. معروف أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأميركا ودولاً أخرى، قررت إرسال أسلحة إلى كييف لدعم الجيش الحكومي. لكن السؤال: كيف يتم إيصالها إلى داخل أوكرانيا وجيشها؟ أحد السيناريوهات التي تتم دراستها، هو تأسيس برنامج سري بحيث يتم إيصال السلاح عبر حدود بولندا، في وقت تصعّد روسيا هجماتها غرب كييف، لقطع خطوط الإمداد و«تقطيع أوصال» أوكرانيا خصوصاً الأجزاء الغربية، لإغلاق الأبواب أمام الخطط الغربية. كيف سيتم ذلك من دون حصول مواجهة بين روسيا و«حلف شمال الأطلسي» (الناتو)؟ هل يؤدي هذا إلى تفاهمات ومقايضات ومناطق نفوذ في أوكرانيا كما الحال في سوريا؟

تقلا عن “الشرق الأوسط”

سوق الخجا… المحطة الأخيرة قبل الرحيل

سوق الخجا… المحطة الأخيرة قبل الرحيل

في “شارع الثورة” قلب دمشق، تكتظ الأرصفة بعشرات البسطات، وعند الشارع المؤدي بحاراته إلى منطقة ساروجة، هناك سوق ضمن سرداب مكشوف يطل على الشارع العام، ما إن تدخله، ترى للوهلة الأولى أنها نقطة النهاية: “مرحباً بك في سوق الخجا”، المحطة الأخيرة للسورين ما قبل السفر.
مع حلول فصل الشتاء لم يعد هذا السوق مخصصاً فقط لبيع الحقائب المدرسية، مع أنه الوحيد المتخصص ببيع منتجات الجلود وتنشط فيه حركة البيع والشراء بشكل كبير. شيّد في عام 1985 كبديل لسوق الخجا القديم الشهير الذي كان بجانب سوق الحميدية ويلاصق قلعة دمشق الذي هُدم في سبيل إحياء مشروع السور الغربي للقلعة وترميمها وإظهار معالمها.
وعلى مد النظر، تجد أنواعاً مختلفة من الحقائب الملونة. وحقائب السفر باتت تطغى على الحقائب المدرسية. يتجول شباب بمختلف الأعمار، وشابات برفقة أمهاتهن، بحثاً عن واحدةً تناسب السعر والسعة، وبعد المسافة.
يقف أحد الشبان يتفحص حقيبة متوسطة الحجم. ربما ناسبت نوع حمولته يحملها ويهزها بيده، يجر الشاب العشريني حقيبته البرتقالية خارج السوق بعدما تفاوض مع البائع لمدة نصف ساعة تقريباً. “باقي فحص “كورونا”، يقول لـ “صالون سوريا” مبتسماً. يقول محمد ( 27 عاما) بعدما حصل على حقيبته: ” شعوري متخبط. الآن سأترك بلدي، لكني مضطر، الوضع الاقتصادي صعب وأنا شاب أريد بناء مستقبلي، أفكر دائماً بأهلي أصدقائي أنا لا أعرف ما الذي ينتظرني في ألمانيا، هذه المرة ما قبل الأخيرة التي سأزور بها دمشق.
تختلف حقائب السفر في سوق الخجا، من حيث السعة والنوعية. البعض يختار حقيبة من نوع متوسط، كي تسع ثيابه الخاصة، وآخرون يختارون أكياساً قماشية مغلقة سعرها رخيص جداً لمجرد أن توصلهم إلى بر الأمان فقط. يقول شاب أخر يقف عند نهاية السوق بعدما اختار واحدة: “الفكرة ليست في حصولي على الحقيبة وإنما بالسفر، لا يوجد خيار مطروح حالياً للشباب إلا الخروج من هذا البلد”. يضيف لـ “صالون سوريا” سامر( 30 عاما) الذي ينوي السفر إلى أوروبا: “شعور الخوف من هذه التجربة هو سيد الموقف، ما الذي سينتظرني، سواء كان ذلك بداعي الهجرة أو الدراسة أو العمل لا يوجد هنا عمل يوفر قوت يومي أو ربما يكفيني كشاب أعزب لنهاية الشهر، كما أن الأحلام باتت معدومة، من تطور أو كسب أي نجاح على الصعيد المهني ما بالك المالي، أتمنى أن تسع هذه الحقيبة ذكرياتي وليس ثيابي فقط، ربما سأعود يوماً ما”.

“ليس هناك داع للحقيبة. الأهل في الخارج، قررت السفر أنا وعائلتي، أطفالي بعمر الخمس سنوات يكبرون في بلد مجهول”، يقول جورج، وهو من الحسكة ( 36 عاما) ، بعدما قرر المغادر مع أطفاله وعائلته، الشاب من بلدة تل تمر المنطقة التي تقطنها الأقلية السريانية الآشورية المسيحية في شمال شرقي سوريا بعدما هجّر مع عائلته إلى دمشق يصيف لـ “صالون سوريا” : “نحن أقلية وبلدتي دمرت بسبب الحرب لا يوجد فيها إلا عدد قليل من المسنين، الجميع جهز حقائب السفر، سابقاً كان السبب الحرب، واليوم الوضع الاقتصادي أحد الأسباب هذه الخطوة، ولكن لن يكفي أن يتوفر الطعام الأمر أكبر من لقمة عيش”.
الفكرة لم تعد مقتصرة على الشباب فقط، بل هناك عوائل قررت المغادرة، منهم “جورج” وعائلته، وشابات أيضاً لكن بدوافع مختلفة، دافع بارعة ( 27 عاما) التي تقف وسط السوق كان الزواج وبناء عائلة خارج هذه البلاد. لكن شعور الخوف كان مشتركاً مع الجميع. تقول لـ “صالون سوريا” : “خطوات قليلة مشيتها في سوق كله حقائب سفر بالمختصر هي حلول مع أنها فقدت مكانتها ودورها الأساسي بجمع أغراضنا وثيابنا، أصبحت الآن تجمع أحلامنا طموحاتنا”. وتضيف سارة: “تمنيت أن أشتري حقيبة بنفسجية أضع فيها كل خبراتي ومتاعبي وصعابي والعقبات يلي واجهتها ليساعدوني كي أصبح أقوى خارج البلد، ربما الآن اشتريت حقيبة “لجهاز عرسي”، لحياة جديدة لا أعلم ما هي”.

بعد جولة بين الحقائب توجهنا إلى “أبو تيسير”، أقدم بائع في السوق منذ 23 عاما. لا يكاد يجلس بضع دقائق إلا ويدخله “زبائن سفر”، يرفض أن يكون تاجراً على حساب حاجة الناس كما يقول. يتحدث لـ “صالون سوريا” عن الحجم المبيع في السوق يومياًن، قائلا: ” مبيعنا يعتمد على حقائب السفر تقريباً والقليل على الحقائب المدرسية أو الجلود العادية، الجميع يريد السفر، البعض ظروفه صعبة يريد حقيبة توصيل فقط وآخرون يطلبون حقائب بجودة عالية ولكنهم قليلون”.
“الشباب أكثر من الفتيات بكثير، هذه هي الحقيقة، الشباب يهاجر والفتيات يجدون العريس على الإنترنت. يقول “أبو تيسير” كاشفاً عن حجم مبيعات السوق، حيث بلغ عدد المبيعات من حقائب السفر يومياً حوالي خمسمئة حقيبة. ويضيف”: ازداد المبيع منذ سنة تقريباً حيث يتراوح سعر الحقيبة بين 80 ألف ليرة سورية 130 ألفا”.
يبيع هذه السوق يومياً بعشرات آلاف الدولارات. في المقابل يصعب التأكد من صحة التقارير الإخبارية، والأرقام، والإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية الحكومية، في حين لا يوجد دراسة دقيقة تقدم أرقاماً حول الهجرة من سوريا والسفر يومياً.
ومؤخراً كثُر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن هجرة كبيرة للصناعيين، وأخرى عن ازدياد هجرة الحرفيين، وأصحاب الأيدي الماهرة والأطباء أيضاً، فضلاً عن صور الازدحام على فروع ادارة الهجرة والجوازات التابعة لوزارة الداخلية، لاستصدار جوازات سفر جديدة.

سوريا “رهينة” المغامرة الاوكرانية

سوريا “رهينة” المغامرة الاوكرانية

لا مبالغة في القول إن سوريا ستكون بين الأكثر تأثراً من الهجوم الروسي على أوكرانيا ومآلاته العسكرية والسياسية، سواء نجح الرئيس فلاديمير بوتين في إجراء تحول كبير في الميدان و«تغيير النظام» في كييف، أو غاص في «المستنقع الأوكراني» وووجهت قواته بمقاومة داخلية أو بدعم سري من دول «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) عبر الحدود البولندية.
في الأصل، كان هناك رابط دائم بين الملف السوري وأزمات أخرى، مثل ليبيا وناغورنو قره باخ، في السنوات الأخيرة، باعتبار أن «اللاعبين» هم أنفسهم خصوصاً تركيا وروسيا. وكثيراً ما كان الطرفان يتبادلان الضربات في جبهة لإيصال «رسائل» في جبهة أخرى لإنجاز مقايضات جيوسياسية. لكن الرابط العسكري الأوضح هو بين أوكرانيا وسوريا، وهنا بعض الأسباب:
أولا، الأسد – يانوكوفيتش: بعد هروب الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا في فبراير (شباط) 2014، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على «الثورة الملونة» بضم شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) من العام نفسه. كما أن موسكو طلبت من دمشق التشدد في عملية السلام في جنيف التي كانت تجري برعاية الأمم المتحدة وعدم المرونة أمام طلبات «الثورة الملونة» في سوريا. وفي أحد الاجتماعات، أبلغ الرئيس بشار الأسد نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف أنه لن يكون مثل يانوكوفيتش الذي هرب خلال أيام، بل قرر «البقاء والصمود».
ثانياً، التدخل العسكري: بعد اعتراض موسكو على التدخل الغربي في العراق وليبيا، وبناء على طلب سري من موفد الأسد إلى الكرملين وطلبات أخرى من طهران في 2015، قرر الرئيس بوتين الانخراط العسكري في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015 لوقف انتكاسات القوات السورية ومنع «تغيير النظام». في المقابل، حصلت روسيا على امتيازات عسكرية كبيرة أهمها تأسيس قاعدة عسكرية دائمة في حميميم بريف اللاذقية وقاعدة بحرية في ميناء طرطوس.
لم تقلب روسيا ميزان القوى العسكرية في سوريا بحيث ارتفعت حصة القوات النظامية من السيطرة على الأرض من 10 في المائة إلى 65 في المائة وحسب، بل إن الجيش الروسي استعمل الأراضي السورية مختبراً لتجربة 350 نوعاً من المعدات والأسلحة العسكرية في المعارك. ولوحظ أن مشاهد بعض المعارك في أوكرانيا حالياً تشبه إلى حد كبير مشاهد المعارك في وسط سوريا وغربها في 2016.
ثالثاً، المياه الدافئة: وجود روسيا على مياه البحر المتوسط، كان حلماً قيصرياً روسياً قديماً، تحقق بتحويل ميناء صغير في طرطوس إلى قاعدة بحرية وإقامة قاعدة عسكرية قرب حدود «الناتو» في تركيا. وأبرز استعراض لهذا «الإنجاز الاستراتيجي» كان عشية بدء الهجوم على أوكرانيا، إذ جرت أكبر مناورات بحرية في البحر المتوسط الذي كان يشهد مناورات لـ«الناتو». يضاف إلى ذلك، أنه قبل المناورات زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قاعدة حميميم والتقى الأسد، وكانت هذه إشارة واضحة إلى أن موسكو باتت تعتبر سوريا «امتداداً لأمنها القومي».
رابعاً، إشارات رمزية: لم تكن صدفة أن يكون وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في موسكو، يوم اعتراف بوتين بـ«استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك»، الذي اعتبره المقداد منسجماً مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ولاحقاً، أشاد الأسد بالهجوم على أوكرانيا باعتباره «تصحيحاً للتاريخ» بعد «تفكك الاتحاد السوفياتي». وكانت سوريا أيضاً وقعت اتفاقات لربط ميناء اللاذقية بشبه جزيرة القرم، واعترفت بجمهوريات انفصالية كثيرة تدور في فلك موسكو، وكلها إشارات إلى أن سوريا «جزء من العالم الروسي» الذي يريده بوتين.
خامساً، رأس حربة: تعتبر موسكو قاعدة حميميم التي تضم منظومات صواريخ «إس 400» و«إس 300»، رأس حربة في المواجهة مع «الناتو» الذي يقيم قاعدة في انجرليك جنوب تركيا. واستطاع بوتين كسب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، المصاب بخيبة من السياسة الأميركية ودعمها للأكراد شرق سوريا، إلى جانبه. وأوضح مثال على ذلك، أن أنقرة رفضت إغلاق ممر البوسفور أمام مرور السفن العسكرية الروسية باتجاه السواحل الجنوبية لأوكرانيا. في المقابل، رفض شويغو طلباً سورياً خلال زيارته الأخيرة بإعطاء الضوء الأخضر لهجوم شامل في إدلب، حسب معلومات.
سادساً، «القبة الحديدية»: الحذر في التعاطي مع الهجوم الروسي في أوكرانيا، لم يكن تركياً فقط، بل إن إسرائيل كانت حذرة بدورها، حيث أفادت تقارير عن عدم تقديم تل أبيب دعماً عسكرياً لكييف خوفاً من إغضاب بوتين وتقييد أيدي إسرائيل في غاراتها على «مواقع إيرانية» في سوريا، خصوصاً وسط تقارير عن احتمال أن يكون إحدى ثمار الحرب الأوكرانية تقارب إضافي روسي – إيراني.
سابعا، خطوط التماس: لم تتغير «الحدود» بين مناطق النفوذ السورية الثلاث خلال سنتين، لكن المواجهة الأوكرانية تطرح أسئلة عن إمكانية تعرضها لاختبارات كثيرة. واشنطن أعلنت أن اتفاق «منع الصدام» بين الجيشين لا يزال قائماً. وموسكو رفضت طلب دمشق شن هجوم على إدلب. لكن لا شك أن مستقبل هذه «التفاهمات» مرتبط بمسار الأوضاع في أوكرانيا ومدى قدرة موسكو وواشنطن على عزل المسارات بين الملفات المختلفة. وينطبق هذا أيضاً على تفاهم البلدين على قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود وتمديده.
ثامناً، ثمن اقتصادي: لا تقتصر آثار الرياح الأوكرانية على البعد العسكري والسياسي في سوريا، بل هناك آثار اقتصادية كثيرة، خصوصاً أن دمشق تعتمد بشكل كبير على الدعم الغذائي والنفطي من موسكو لمواجهة العقوبات الغربية عليها. موسكو في الأيام المقبلة، مشغولة جداً بملفها الساخن، لذلك لم يكن أمام دمشق سوى اتخاذ قرار بـ«شد الأحزمة» أمام تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية.
لا شك أن مستقبل «خطوط التماس» ووقف النار والمساعدات الإنسانية والغارات الإسرائيلية والوضع الاقتصادي، بات مرتبطا بمآلات شرق أوروبا… كأن سوريا أصبحت «رهينة» مغامرة بوتين في أوكرانيا.

نقلا عن “الشرق الاوسط”

العنف في تلفزيون دمشق… وشوارعها

العنف في تلفزيون دمشق… وشوارعها

يربط المتابعون للمشهد السوري العنف بسنوات الحرب الطويلة. والمؤسف بهذا الربط هو تبسيط المشهد العنيف، كأنه نتيجة طبيعية للحرب التي تقوم أساسا على فكرة إهلاك الآخر، وتغدو كل الوسائل لتثبيت حلقة العنف من الأقوى نحو الأضعف مبررة.
لكن لهذا العنف جذور تمييزية مغرقة في القدم، يتم التعمية عنها، وتحميل مسؤوليتها للحرب فقط دون الإشارة إلى البنية الهيكلية المتجذرة للعنف من الأقوى نحو الأضعف ومن المتحكم نحو المحكوم.

الخطاب الرسمي
على شاشات التلفزة مقابلات مع أشخاص بؤساء فعلا، يبدو أن اختيار بؤسهم مقصود مع أنهم عادة يعانون من إهمال بل من نكران مديد، لكن هذه المرة ثمة حاجة ماسة لظهورهم بكل بؤسهم، الاحتفال بالبؤس لمصادرة حق الآخر! تم توجيه سؤال واحد لجماهير البؤساء: “من لا يستحق الدعم؟” تخيلوا لم يسألهم أحد من يستحق الدعم؟ لقد حرموهم حتى من فرصة التعبير عن أحوالهم، لكن المطلوب لا يخصهم، هم مجرد أدوات، والأدق هم مجرد ديكور ارجي، وكانت الأجوبة التي بدا واضحا أنها ملقنة إجابات حاسمة موجهة بيقين قطعي غريب لكل من تم رفع الدعم عنه، وكأن المطلوب أن تقول الحكومة: “هل سمعتم سبب حرمانكم؟”. نحن لا دخل لنا! شركاؤكم البؤساء في الوطن هم من قرروا أنكم لا تستحقون الدعم. ضرب النار بالنار وعلاج الحرمان بالحرمان.
أي عنف هذا؟ عنف مؤدلج، متلفز، ملعوب به وعليه، والهدف هو أن يقف الناس في مواجهة بعضهم البعض! ويا دار ما دخلك شر، ونحن الحكومة العادلة ننفذ رغبات البؤساء! وتكاد الرسالة أن تقول نحن في خدمة البؤساء ونعمل من أجلهم فقط، وقد تصل الرسالة للبعض بعمقها الحقيقي حين يشير أو يلمح بعض البؤساء الشركاء في الوطن على حين غرة: بأن المحرومين من الدعم هم سراق وطماعون وينهبون مقدراتنا.
قمة العنف أن تضرب الحكومة السلم الأهلي والتشاركية بسلاح الأخوة الأعداء.

الخطاب الشعبي
على كوة صراف قبض الرواتب الشهرية، يحتشد عدد كبير من الأشخاص للحصول على أموالهم الشحيحة. يتدافع المجموع ويشتمون بعضهم بعضا. تطالب سيدة بطابور خاص بالنساء وطابور خاص بالرجال، يسخر منها رجل، يقول لها: “خايفة على جمالك”. وتقول لها سيدة بتأفف وضجر: “الناس ميتة من الهم، ما حدا ألو نفس يغتصبك”. تصمت المرأة، تفكر بالانسحاب، لكنها دورها بات قريبا، ولن تفرط بالوقت الذي قضته واقفة على كوة الصراف، رغبت بالرد، لكنها شعرت بأنها ضعيفة جدا، أحست برغبة عارمة بالبكاء، طلبت من الرجل الذي يقف خلفها ان يحفظ لها دورها بذريعة اضطرارها لإجراء مكالمة هاتفية مع ابنها لتوقظه كي يذهب إلى عمله، تدخل إحدى البنايات تبكي بشدة ، تمسح دموعها وتعود، كل ما كان بوسعها فعله حينها تجاه الحجم المذل من العنف هو ان تبكي في الخفاء، إعلان الشكوى يطعن الروح بعد أن طعن القلب مرات ومرات، عادت إلى مكانها في الطابور وكأنها قد تخففت من الغضب الذي تخشى استعاره، بات لجم الغضب وابتلاع الألسنة والتحايل بالهمسات الساخرة أسلوبا وقائيا، قد يرضي أصحابه ظاهريا، لكن في العمق كل شيء بات بلا جدوى.
لم يفكر أحد من الواقفين في الطابور الطويل الذي بات يعيق حركة المشاة على الرصيف بسؤال الموظفين عن سبب التأخر بتوطين الرواتب في كوات صرف الرواتب، لم يسأل أحدهم المسؤولين عن سبب خروج عدد كبير من الصرافات عن الخدمة بسبب اعطال فنية أو بسبب الغائها وبعضها قد تم نزعه وتسوية الجدار الذي كان يحمله، دونما أي تعويض بجهاز آخر ولو في مكان آخر، وحديث الصرافات حديث ذو شجون خاصة في الأرياف بحيث يضطر الموظفون للذهاب عدة مرات إلى أماكن وجود الصرافات القليلة جدا وبسيارات أجرة لتحصيل رواتبهم القليلة والتي تفقد أجزاء منها كبدل للتنقل.
الجميع مستاء، لكنه يختار الصمت، ويحاول لوم الآخرين، لا بل الانتقاص منهم وربما إهانتهم، لكسب شعور واهم بأنه أرفع منهم مستوى والحقيقة هي عملية هروب كي لا يعترف بأن الذل يجمع بينهم بوثاق متين.

معارك الشارع
لا وسائط نقل يوم الجمعة، يمر الوقت بطيئا. سميحة وأطفالها الثلاثة على موقف الحافلات، اتصلت أمها لتستعلم عن سبب تأخرها، تجيب سميحة ما في باصات! يرد والدها يوم الجمعة هو يوم عطلة للباصات الكبيرة، تصمت سميحة سأنتظر سرفيس إذن، يبكي ابنها الصغير ويصرخ: جوعان، تحاول تهدئته وتعده بفطور طيب عند جديه، من بعيد يلوح بالأفق ظل سرفيس، تحمل سميحة ابنها الصغير، تصرخ بابنتها الكبرى وتقول لها: “دغري طلعي واحجزي مقعدين”. يصل السرفيس، يفتح رجل الباب ويرمي الطفلة على الأرض بجسده الضخم، يدخل شاب إلى السرفيس عبر النافذة، تبكي سميحة، تشتم الرجل الذي كان سببا في وقوع ابنتها، يتعاطف معها أحد الركاب، يحاول مساعدتها في دخول السرفيس، يصاب رأس ابنها بباب السرفيس وهي تصعد، يبكي الطفل بشدة، لا مقاعد في السرفيس، البنت تبكي والطفل الصغير يبكي والطفل الأوسط يبكي بعد أن ملأه الخوف وشعر بالضياع. امرأة تشتم سميحة وتقول لها: “ليش عم تخلفوا ولاد يا مجرمين”. رجل يقول لسميحة: “معك 3 ولاد وطالعة لحالك تتبهدلي بالسرفيس. خذي تكسي أو انضبي ببيتك”.
الشاب الذي حجز مقعدا لصديقتيه عبر دخوله من النافذة، يشتم سميحة قائلا: “روحتي علينا السيران ورفيقاتي ضلوا تحت”. ويأمرها بمغادرة السرفيس بعد أن رفض جلوسها على المقعد المحجوز من قبله.
ترفض سميحة المغادرة، تجلس وأطفالها الثلاثة على أرضية السرفيس المعدنية، وتبكي، ليس بوسعها سوى توجيه مزيد من الشتائم للجميع، ودعوات بالموت لها ولهم، تنطق بالعبارة الشعبوية المشهورة: “منستاهل كل شي عم يصير معنا! لأنو ما منحب الخير لبعض”.
الكل وجه الاتهامات للكل، لا أحد سأل عن سبب قلة السرافيس بسبب نقص المازوت، أو طول انتظار السائقين على محطات الوقود، أو اهتراء الحافلات والباصات وتعذر تأمين السيولة الخاصة للتصليح، لا أحد سأل سميحة عن رغبتها أصلا بإنجاب ثلاثة أطفال خلال ست سنوات زواج.
فقط وبسبب الحاجة لوسيلة نقل تحولت سميحة وأطفالها إلى عدوة للجميع، الكل أدانها والكل حملها وحدها مسؤولية تأخره أو عدم راحته، وقد يحملونها المسؤولية الحصرية عن أزمة المواصلات برمتها.
يتصاعد خطاب العنف المقنّع وكأنه غير مرأي وغير ملموس وغير ذي أثر، تتوه بوصلة المسؤولية، ويتحول المجني عليه إلى جاني ومذنب، تتضخم الرغبة في معاقبة الأضعف لأنه لا يمتلك أية وسيلة للدفاع، والأهم أن خطوط التوصيف واهية وباهتة، يغرق الجميع في دائرة عنف معمم ومقبول وموجه، بل ومطلوب منه أن يتعاظم حتى الإهلاك المعنوي والجسدي والمعيشي والقيمي.

الموبايل حلم “دمشقي”…وسرقته كابوس

الموبايل حلم “دمشقي”…وسرقته كابوس

بين عشرات أنواع الأجهزة الخلوية، يقلب رجل ستيني عينيه بين واجهات المحال الكثيرة، في سوق الموبايلات الأشهر بدمشق، المسمى بـ”البرج”. يدخل في متاهة المعروضات الكثيرة قياساً بطلبه اليتيم، وهو “موبايل حديث ومجمرك وبسعر معقول”. وبعد ساعة من البحث الأولى، صرخ: “مستحيل”. متاهة بقي يدور فيها لأربع ساعات متتالية. أبو معن الذي يعيش هو وأسرته على راتبه التقاعدي يقول لـ “صالون سوريا” حيث بدت عليه آثار الإنهاك والدهشة والحسرة وصمت تجاعيد الوجه الذي زاده البحث هدوءاً: “وعدت ابني الي دخل كلية طب جبله أحدث موبايل بالسوق، بيستاهل والله، بس أنا كما ما بستاهل هالبهدلة، شوفة عينك داير من محل لمحل والشاطر اللي بده يعرض بضاعته ويغلي السعر، حرام من الله كل اللي ببيتنا حطه سعر موبايل، طيب منين بدنا ناكل”. يسترسل أبو معن بالحديث عن برج دمشق للموبايلات الذي لم يزره منذ زمن طويل، يوم جاء لشراء وصلة لشاحن هاتفه، يقول: “رزق الله هديك الأيام، كان سعر الدولار لسا محمول، أما اليوم الوضع صار جنوني”.
يقارن ارتفاع أسعار الموبايلات خلال العامين الماضيين بشكل لا يصدق، “قفزت الأسعار 300 بالمئة، مقارنة مع الوضع المعيشي المزري والرواتب التي إن زادت فإنها تأتي كذر الرماد في العيون لا طائل منها ولا جدوى أمام الواقع القاسي والصعب في البلاد”، يقول أبو معن، ويفصح عن نيته بعد طول تفكير “راح طالع قرض هاد الجديد تبع مليون ليرة ع راتبي لجيب موبايل ومع هيك رح اشتري موبايل مستعمل لأن الجديد غالي، الله بعين، شوبدنا نعمل العين بصيرة والايد قصيرة”.
العين بصيرة هي جملة واقعية بكل ما فيها لكنها لا تنطبق إلا على الطبقة المعدومة التي أفقرتها سنوات الحرب من مصائب وجوع وغلاء، وهذي الطبقة، تقول الأمم المتحدة إنّها باتت تشكل قرابة 90 بالمئة من تعداد السوريين، لكن هناك عين بصيرة تطول يدها فقط لمن لم يختبر يوماً البؤس والحرمان بل زاد فوق ثروته مكاسب طائلة لا تعد ولا تحصى من جيوب الناس والعباد، يقول فقراء على الدوام.

“كان أسهل عليّ ان أرسب بمواد الجامعة، ولا ينسرق موبايلي”، بحرقة كبيرة تروي سلمى مصطفى وهي طالبة جامعية تبلغ 20 سنة، لـ “صالون سوريا” كيف تمت سرقة موبايلها منذ حوالي ثلاثة أشهر، حيث كانت ذاهبة إلى جامعتها وتوقفت عند كشك فوق “جسر الرئيس” لتعبئة “وحدات للموبايل” ثم فوجئت بأن سحاب الحقيبة الخارجي مفتوح ولم تعثر على الموبايل، “شر البلية ما يضحك” تقول سلمى، وتضيف: ” يعني فوق الموتة عصة قبر.. عبيت وحدات بألفين من هون وراح الموبايل من هون”.
تتنهد سلمى وتستذكر تلك الحادثة وتروي كيف بكت أمام الكثير من المارة وقتذاك، وذاك الوقت كان لحظاتٍ مشبعة بالانكسار، على ما تقوله الطالبة الجامعية. الكل يرمقها بنظرات الشفقة، ربما فقدت عزيزاً عليها أو حلت مصيبة بها، لم يكن أحد يعلم ما بها إلا النشال الذي سرق لتوه الموبايل وفر هارباً ليبيعه في بسطات الموبايلات المسروقة تحت جسر الثورة أو في سوق البرج حتى أو لربما ليعرضه على الانترنت لزبائنه.
“الكل يعزي نفسه وبقلك أنا مو زعلان على سرقة الموبايل، أنا زعلان على الصور والأرقام اللي فيه، منضحك ع حالنا، أقل موبايل منيح صار بمليون وأهلي وفروا كتير ليشترولي اياه، وبالآخر انسرق” هكذا تختتم سلمى روايتها عن سرقة الموبايل التي كانت تداريه برموش عينيها كما ذكرت، وهي الآن تنتظر تحويشة أخرى من والديها لشراء موبايل حديث بدلاً من الذي تحمله الآن، وربما عليها أن تنتظر كثيرا هذه المرة، سنة أو سنتان أو ثلاثة، طالما أن أسعار الموبايلات والأجهزة الإلكترونية آخذة بالارتفاع، فلا مجال لوجود حسبة دقيقة لأي شيء، لذلك تبدو سلمى غير متفائلة هذه المرة بتعويضها بموبايل حديث كالذي كان معها على مبدأ “اللي بروح ما بيرجع”.
هكذا حال البلاد فمن يعيش ليومه قد يموت غداً ليس بسبب القذائف والحرب التي هدأت نارها في معظم المناطق، بل بسبب الغلاء المستعر الذي يكوي بناره كل يوم الغلابة والفقراء ومحدودي الدخل، الذين اداروا ظهورهم لرفاهية الحياة وهم في سرهم يبكون على ما ماضيهم الذي ذهب ولن يعود أفضل مما كان نظراً لوجود أمراء الحرب الذين رسخوا وجودهم وفرضوا قوانينهم على كل مفاصل الحياة رفاهية كانت أم ضريبة، ولأولئك الغلابة خيارات خاصة بهم، السفر أولها، والصومال أقرب البلدان وفيها أشد المغريات، من بلد الحرب إلى بلد الحرب، هي رحلة السوري في بحثه عما يفتقده، عن شكل أفضل للحياة.
مفيد البدعيش (26 عاما) يعمل في محل للألبان والأجبان في دمشق، حصل على رقم صاحب محل في منطقة “كراج الست” يبيع الموبايلات المستعملة والمجمركة بسعر أقل من السوق، يقول لـ “صالون سوريا” إنّه وبالفعل ذهب إلى هناك واشترى “موبايلا” يناسب ما يحمله من مبلغ مادي، لكن لم تنتهِ قصته هنا فيروي كيف تحولت تجارة الموبايلات بالبيع والشراء من “الشطارة إلى الحقارة” كما وصفها”.
“اشتريت موبايل مستعمل ونظيف ومجمرك ورجعت عالبيت وحطيته بالشحن، وبعد ساعة طفى الموبايل، حكيت مع صاحب محل الموبايلات قلي بتكون عامل تحديثات مجانية وانضرب بورد الموبايل” بالطبع لم يقتنع مفيد بتلك النتيجة وعاد إلى محل الموبايلات في كراج الست ولكن هذه المرة استعان بشخص خبير في البرمجة ليذهب معه حتى لا يقع في الخطأ مرتين “متل ما اتوقعت طلع الموبايل من لما اشتريته مضروب وكان رح ينصب عليي صاحب المحل، وبعد التهديد والوعيد بالشرطة والقضاء بدل الموبايل بواحد تاني وبنفس السعر والمواصفات لأنو كان بيعرف سلفاً أنو نصب عليي”.
ولحسن حظ مفيد أن تلك الحيلة لم تنطل عليه وسارع للكشف عن عملية النصب التي تعرض لها وهو واحد من كثر تعرضوا لعمليات النصب والاحتيال المستمرة بسبب عدم الخبرة في التكنولوجيا ومهارة البائع في الاقناع والإغراء بدون أي ضمير أخلاقي، وغالبية التجار الكبار ومن خلفهم الباعة الصغار لازالوا يرددون في قرارة أنفسهم، “البلاد مغارة، والتجارة شطارة”.

لا يقتصر سوق العرض والطلب للأجهزة الخلوية ضمن المحالات المخصصة لها بل يتعدى ذلك إلى مواقع الانترنت، وعلى مجموعات “فيسبوك” تنشط تلك التجارة بكثرة بين الباعة والزبائن لمختلف الأنواع والأصناف. فمثلاً “سيريان موبايل كورنر”، هي واحدة من مئات المجموعات الخاصة على “فيسبوك” والتي يتم فيها عرض الكثير من أنواع الموبايلات مجمركة أو غير مجمركة مرفقة بصور للموبايل وشرح عن مواصفاته، وترفق صور الموبايل بعبارة “على الخاص”، بمعنى أنّه على الزبون مراسلة البائع عبر تطبيق مسنجر للاستعلام عن السعر، لتتحول الدردشة عرضاً وطلباً بين البائع والزبون، وليس ذلك فحسب بل تتعدد المنشورات في المجموعة للسؤال عن أجهزة موبايلات بحسب قدرة الشخص على الدفع وما يحمله في جيبه من أموال للحصول على موبايل لائق.
“تباع أجهزة الموبايلات المهربة وهي نفس الأجهزة في الشركات العالمية بفرق من 300 إلى 700 ألف ليرة سورية عن سعرها في الشركات الموجودة والمرخصة ضمن سوريا، تصل إلى منطقة الجزيرة عبر العراق ومن ثم إلى التاجر الذي يوزعها على المحالات”. عيسى اسم مستعار لصاحب أحد محال بيع الموبايلات في دمشق طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي كي لا تطاله المسائلة القانونية يصف لـ”صالون سوريا” حال سوق بيع الأجهزة المستعملة المرخصة والذي تراجع كثيراً بسبب انخفاض أسعار الموبايلات المهربة إلى سوريا بعد إجراءات الجمركة.
يستعرض عيسى أسعار الموبايلات المهربة ومواصفاتها الأكثر طلباً في السوق “أكثر الأجهزة المهربة مبيعاً موبايل A12 رامات 4 وذواكر 64 غيغا، يبلغ سعره في الشركات المرخصة حوالي 900 الف، أما سعره المهرب من دون جمركة يبلغ 650 ألف ليرة سوري، وبعد جمركته التي تبلغ حدود 300 ألف ليرة يصبح سعره أقل من 900 ألف بقليل”.
وعند سؤاله عن إمكانية الحصول على موبايل غير موجود في الأسواق أجاب عيسى أن جهاز “شاومي نوت عشرة اس” هو الأكثر طلباً في السوق وغير موجود في صالات الشركات المرخصة لكن يمكن تأمينه بسهولة عن طريق التهريب وبسعر حوالي 850 ألف لفئة نوت اس و950 ألف لفئة نوت 9 برو ماكس. أما عن ربح البائع فيصل إلى 100 ألف في الموبايل الذي يتبع لأجهزة الهواتف متوسطة السعر.

تستغرب شريحة كبيرة من السوريين ما يحصل من بورصة الموبايل في سوريا. غالبيتهم عبروا عن ذلك مراراً سيما على “سوشال ميديا”، ليطفو في كل مرة سؤال ملح على واجهة الحدث، فكيف تباع في دمشق أجهزة خلوية لم تصل عواصم العالم المتقدم، وضمنها دبي، حصل ذلك في قضية أجهزة “اي فون -12 ماكس برو” التي بيعت في وقت سابق من العام الماضي بدمشق قبل أن تصل الأجهزة عينها إلى دبي، ليكون السوري من بين أوائل أهل المعمورة الذين حظيوا بامتلاك الهاتف، ليثار في الإطار سؤال آخر يبدو أنّه أكثر إلحاحاً، على أي أساس يتم منح رخص الاستيراد لشخصيات نافذة ومحددة ومعروفة؟، وهل هؤلاء الأشخاص أكبر من قانون قيصر؟، أم أنّ قانون قيصر يشمل الأرز والزيت ولا يشمل ما هو منتهى الرفاهية والغلاء؟، “أين قانون الحصار اللعين من هؤلاء؟، إذا كانوا بهذه القوة لماذا لا زلنا جائعين؟”، جملة قالها المهندس المدني خالد عمورة في حديثه ل “صالون سوريا”.
من الواضح والجلي أنّ أسعار الهواتف المحمولة ارتفع قرابة 400 بالمئة مقارنة بالأسعار في الأسواق العالمية، فالهاتف الذي يباع عالمياً بحوالي مئتي دولار أميركي يباع في سوريا بحوالي 500 دولار اميركي، في حين أنّ أجهزة بعينها وصل سعرها في دمشق إلى حوالى ألفيين و500 دولار مع وصول “عزوات” جهاز “اي فون 13”.
محللون اقتصاديون يعزون ذلك إلى استئناف الجمارك العمل بقانون التصريح الإفرادي عن الأجهزة، بالمعنى المتداول جمركة الجهاز ليسمح له بالعمل على الشبكة، وتالياً تمنح الأجهزة غير المجمركة مدة شهرية محددة للعمل، وبعدها ما لم يتم التصريح، يتم ايقافها عن العمل لناحية إجراء الاتصالات والرسائل، ليقتصر عملها على الانترنت عبر شبكة واي فاي حصراً، ويظل الوضع هكذا حتى تتم جمركتها، والجمركة هنا تبدأ من حوالي مئة دولار وصعوداً، قد تصل في بعض الأجهزة إلى ألف دولار وبضع، وفي حال الغيت الجمارك، فمن البديهي أنّ أسعار الأجهزة ستنهار فوراً إلى الثلث أو النصف.
أجرى “صالون سوريا” جولة في سوق الأجهزة المستعملة المزدهرة، وقد يكون بداخل بعضها أعطال تسمى بالخفية، تظهر مع الاستخدام، وبعضها الآخر يسمى “مفكوكاً” بمعنى أن خضع لعملية صيانة ما، وبالتالي يكون سعره أقل بقليل أيضاً، ليبقى أنّ معظم السوريين يتجه لفئة “سامسونج” لسعرها رخيص، فالرواتب المتدنية، يضاف إليها انعدام الأمن الاجتماعي والغذائي، كلها عوامل تجعل الموبايل حلماً يرقى للحلم بالعيش الكريم، وكلا الحلمين لم يتحققا للسوري منذ سنوات طويلة.