بواسطة Jaber Abu Zeid | فبراير 7, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
يفرض الوجود السوري في السودان الكثير من الأسئلة، ليس أوّلها تاريخ العلاقة بين البلدين وآفاقها أو بتعبير آخر القواسم المشتركة، عندها يقفز الكثير من السياسي ليحتلّ المشهد، أو العناوين والمنشيتات العريضة، في حين يُكشَف عن واقع آخر يقاسيه السوريون في هجرتهم إلى السودان. حيث لا تبقى تلك النظرة المطمئنّة إلى التاريخ والآفاق على حالها على الرغم من كثرة القواسم، بل وزيادتها عن حدّها أحياناً، إذ لابدّ من وضع الهجرة اليوم في سياق مسبباتها الأولى، أي الحرب السورية المستمرّة منذ سبعة أعوام.
تعددت محطات الهجرة السورية، بل والتهجير أيضاً، دولُ الجوار كانت الأقرب لكنها لم تكن الأرحم ولا الأفضل، قضى لاجئون سوريون حاولوا العبور إلى تركيا، واقتحم الجيش اللبناني مخيمات للاجئين سوريين، وتحوّل مخيم الزعتري في الأردن لأكبر كارثة لجوء في المنطقة، في حين أغلقت دول الخليج حدودها ولم تستقبل لاجئاً واحداً، ولم تسقط شرط التأشيرة عن السوريين حتى في هذا الظرف الاستثنائي! عند هذا الشرط الأخير، أي التأشيرة، يبرز السبب البيروقراطي الذي يشرح لماذا توجّه السوريون إلى السودان؟ فهو البلد العربي الوحيد، بالإضافة لعدّة بلدان قليلة غير عربية، لم يشترط على السوريين التأشيرة حتى يدخلوا أراضيه. إذن تضافرت العوامل في الأعوام السابقة، بين الحرب والسياسة من جهة، وبين العبور المحفوف بالموت إلى أوربا وتحوّل المتوسط إلى كابوس ثقيل ينضاف إلى كوابيس الحرب السورية، وبين السفر الآمن إلى بلد آمن (السودان)، وعدم قطع الصلة نهائياً مع إمكانية العودة إلى سوريا. كلّ ما سبق يُساعد في وضع اليد على واقع حال أكثر من مئتي ألف سوري، (في إحصاء تقديري غير رسمي)، موجودين حالياً في السودان.
الأشقياء، الحظّ عدوّنا
محمد، مازن، وعمار، (أسماء مستعارة) ثلاثة طلاب سوريين أنهَوا دراستهم الجامعية في جامعة دمشق، كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية (الهمك) عام 2015، يقول محمد: “الطلاب في دول برا تحتفل بالتخرّج الجامعي ثم تبدأ مباشرة بتأسيس حياتها العملية والأسريّة، أمّا نحن فشوفة عينك، ادخرنا كل ما نملك ودفعناه ثمن تيكت طيارة، وها نحن نحتفل هنا بهذا الطقس اللطيف” في إشارة منه للحرارة الشديدة في مدينة الخرطوم التي تبلغ أكثر من 40 درجة مئوية. المجموعة التي بدأها محمد وصديقاه لم تمرّ عليها سنتان من الزمن حتى توسّعت، فبلغت أكثر من ثلاثين شابّاً تتشارك كلّ مجموعة منهم بيتاً أو شقة، يراوح عدد المجموعة الواحدة بين الستة أو العشرة أشخاص، لكن تبقى مجموعة الواتساب التي أسسها محمد، وأطلق عليها اسم الأشقياء أو (يلي مالو حظ لا يتعب ولا يشقى) هي الرابط الأساس بينهم، يتقاسمون من خلالها أخبار “الوفود“ حسب تعبير محمد، ويقصد بهم الشباب الجامعيين الذين لفظتهم البلاد بعد أنِ استنفذوا كلّ وسائل التأجيل عن الخدمة الإلزامية في الجيش السوري.
يحقّ للطلاب الجامعيين في سوريا، التأجيل السنوي عن الخدمة الإلزامية سنتين عن كلّ سنة جامعية، وفي ظلّ واقع الحرب المدمّرة تحوّلت مواسم أو فترات السَّوْق كما يتمّ تسميتها في شُعَب التجنيد إلى أشباح وكوابيس ثقيلة تطارد الفئة الشابّة، التي ما إن تُنهِ الدراسة الجامعية (أي مبررات التأجيل) حتى تبدأ مباشرة بالبحث عن وسيلة للسفر خارج سوريا، ومن هنا لم يكن أثر الحرب بشعاً وتنكيلياً بالمناطق التي قصفتها الطائرات وحرثتها البراميل، أو المناطق التي احتلّتها قوى إسلامية متشددة فقط، فالبلاد كلّ البلاد صارت مرهونة بمظاهر العسكرة التي اجتاحت المجتمع، بالبدلات المموهة وبنادق الكلاشنكوف الملقّمة برصاص غير طائش أبداً، وأخيراً موضوع حديثنا هنا: الشباب المرهون بوقته وجسده لصالح شعبة التجنيد!
في تتبّع سيرة الأشقياء، لا نقف على محمد ومجموعته فقط، فبين صالونات الحلاقة السورية التي باتت تنتشر في أحياء العاصمة السودانية الخرطوم، وبين مطاعم المأكولات الشامية والحلبية، ستظلّ تجدُ شباباً سوريين تدور على ألسنتهم أحاديث الهمّ الثقيل وأسئلة عن الوقت الذي قضيته هنا؟ ومع من تسكن؟ ومن أين أنت في سوريا؟ (على ما يحمل السؤال الأخير في طيّاته الكثير من ردّات الفعل تبدو أحياناً على الوجوه وأحياناً أخرى على الألسن) الذي يدلّ على أنّ السوريين لم يحملوا أمتعتهم فقط في هجرتهم، بل تعدّوها إلى انتماءاتهم السياسية، ومواقفهم من النظام والمعارضة، والحرب المشتعلة بينهما أيضاً. في حين يبقى المتداول الأكثر شيوعاً على ألسنة هذه الفئة، هو تلك العلامة الكلامية، وكأنها مواساتهم الكبرى التي تقرّب بينهم مهما كان اللقاء قصيراً أو عابراً: “جيش ما؟ أليس كذلك”.
من جهتها تعلن السفارة السورية في الخرطوم، عن مواعيد سنوية معيّنة لما يُعرَف بسندات الإقامة، الأمر الذي يُمكّن جلّ فئة الشباب هذه من استصدار سند إقامة يسمح لهم من خلاله بالعودة إلى سوريا لمدّة ثلاثة أشهر فقط دون أن يتم سوقهم للجيش، (يستنكف بعض الشباب المُعارِض هذه الممارسة، ويعتبرونها رضوخاً لسياسات نظامٍ يعارضونه!) بمعنى آخر سند الإقامة هو تأجيل محدود للمغتربين، لكنّ أهمية السندات الأساسية بالنسبة للحكومة لا تتشكل من كونها فرصة لعودة بعض الشباب إلى سوريا، بل من اعتبارها شرطاً أساسيّاً من أجل دفع البدل النقدي لإسقاط الخدمة الإلزامية عن المغتربين، ومقداره 8 آلاف دولار. هذا الروتين كان يسمُ حياة الشابّ السوري من قبل الحرب، كيف يسافر؟ وإلى أين؟ والمدّة المشروطة التي سيقضيها (أي أربع سنوات) حتى يتمكّن بعدها من دفع البدل، إذ لا يُقبل دفع البدل النقدي من غير قضاء هذه المدّة، ولا مؤشرات على إقرار مشروع البدل الداخلي إلى الآن. هذا الهمّ قديم عند الشباب السوري، لكنّه لم يكن ليظهر إلا بشكل محدود، فلا أحد كان يفكّر مجرّد التفكير بأنه لن يلتحق بجيش بلاده يوماً ما.
من هنا يتّضحُ أنّ أبرز سمة للوجود السوري في الخرطوم، هي غلبة الطابع الشبابي، بل الذكوري، التي تشكّل النسبة الأغلب، ليس همُّ العمل هو ما يجتذبهم، بقدر همّ الحرب والموت هو ما يدفعهم ويلفظهم خارجاً؛ إذ ليست فرص العمل في السودان بالتنوّع أو بالسهولة المتوقّعة، بالعكس تماماً إنّ معدّلات البطالة مرتفعة حتى بين الشباب السوداني أصلاً، وبالتالي فرص العمل محصورة في إطار المهن التي يخلقها السوريون بأنفسهم، والتي تنتمي إلى كل ما هو يدوي أو حرفي كالمطاعم أو الحلاقة أو نجارة الألمنيوم، هذه المهن وإن كان يقوم عليها أربابها، إلا أنّها تستقطب الشباب العاطل عن العمل بالضرورة كونها هي المتاح الوحيد لهم حتى لو كانوا خرّيجي جامعات، من غير أن توفّر لهم مرتّبات قد لا تتعدى شهرياً أكثر من ٨٠ إلى ١٠٠ دولار، ما يجعل حلم البدل النقدي بعيداً وغير مطروح أساساً، وهنا كما يقال يكتفون من الغنيمة بالإياب، فبعد معاينة سوق العمل في السودان على حقيقته وقسوته، يحاول الكثيرون قتل الوقت فقط، أو المسارعة لاستصدار سند الإقامة، (حتى المعارض منهم أحياناً) فإمّا أن يعودوا إلى سوريا ليتخّلفوا هناك عن الخدمة الإلزامية، أي في مناطق لا تسيطر عليها القوات الحكومية تمام السيطرة، ولا تخضع لقرارات شعبة التجنيد، أو يعودوا أدراجهم نحو دول الجوار لبنان بشكلٍ أساسي إن تعذّر دخولهم إلى سوريا، في الحالتين هم أشقياء… وأعداءٌ للحظّ.
لجوء أم مواطنة
لم تتوقّف التسهيلات البيروقراطية والسياسية التي قدّمها السودان للسوريين على إسقاط شرط التأشيرة أوّلاً، بل إنّ عاملاً أبرز بات يجتذب السوريين للقدوم إلى الخرطوم، وهو الحصول على الجنسية السودانية واستصدار جواز سفر سوداني، الأمر الذي عاد ببعض الأريحية ليس فقط على شريحة واسعة من فئة الشباب المذكورة أعلاه، بل تعدّاهم إلى فئة العائلات السورية. هنا يجب أن نحدد طبيعة الوجود السوري من ناحية قانونية، وكيف يمكنُ تعريفها وماذا تبقّى من لجوئهم أو تعريفهم كلاجئين طالما بإمكانهم أن يكونوا مواطنين في هذا البلد الذي “لجأوا” إليه؟ لكن قبل التدقيق في المصطلحات حقوقياً وقانونياً، تساعدنا طريقة وصول السوريين إلى السودان ومقارنتها بوصول آخرين إلى أوربا أو نزوحهم إلى مخيمات اللجوء في الداخل والجوار، تساعدنا في فهم الإطار العام لهذا الوجود، حيث يكفي السوري أن يقطع تذكرة بما يقارب ٢٠٠ دولاراً، حتى يستقلّ طائرة من الخطوط الجوية السورية، تنقلُه من دمشق إلى الخرطوم، أو في حالات أخرى من بيروت إلى الخرطوم، وبالتالي نحن هنا أمام عملية دخول إلى الأراضي السودانية نظامية وقانونية لا يترتّب عليها أي مخالفة، وهي حركة أيسر بما لا يقارن مع تبعات الموت في المتوسط وقطع الحدود بين تركيا والاتحاد الأوربي.
من جهة ثانية فإن الخطاب الرسمي للحكومة السودانيّة يركّز على مقولة ضيوف لا لاجئين، وبغض النظر عن الإشكاليات السياسية والاجتماعية (السودانية ــ السودانية) المترتّبة على هذا المفهوم، لكن علينا أوّلاً ألا نقفز من فوق ظواهر الأشياء، فلا السوريين حُجزت حريّتهم في مخيّمات مُهينة للكرامة الإنسانية، ولا مُنعوا من حقّ العمل أو التعليم، ولا حوصرت حركتهم بمواقيت معينة أو حظر تجوّل، بالرغم من بعض الدعوات السودانية التي تعاني من جهل قانوني مدقع تطالب الحكومة بحجز السوريين في مخيّمات! وهذه دعوة لا تملك أي مسوّغ قانوني لها ولا بأيّ شكل، بالرغم ممّا يعانيه السودان من حروب داخله أو في جواره (كالحرب المشتعلة في دولة جنوب السودان)، ونزوح الكثير إلى الشمال حيث المخيّمات بالفعل. القياس الشكلي هنا بين الوجود السوري والجنوب سوداني يفتقر للكثير من المقوّمات التي تمكننا من اعتباره مقارنة أساساً.
سهيل، مهندس من دمشق وربّ أسرة، عَمل في الإمارات لأكثر من 15 عاماً، عندما عاد إلى سوريا كانت “الأحداث” كما يسميها في بدايتها، “عالخليج ما فينا نرجع حملت حالي أنا وزوجتي والولاد وجينا على السودان، أنا طلّعت جنسية من سنتين وصار فيني أرد أرجع عالخليج، وروح وأجي، والولاد كفوا تعليمهم هون.” استطاع سهيل وهو رجل خمسيني من تأسيس مصدر دخل ثابت له بعد أن ربط بين عمله بالعقارات في الخليج مع عمله بالسودان، توسّعت أشغاله بعد أن أصبح مواطناً سودانياً وصارت حركته أسهل بين أكثر من دولة خليجية، بالرغم من أنّ الجواز السوداني الذي حصّله ليس أفضل حالاً من السوري في حقيقة ترتيبه، لكنّ الحرب السورية وتأثيرها الإقليمي، وخاصّة مع دخول دول خليجية على خط الصراع المسلّح، وقرار الجامعة العربية القديم بخصوص تعليق عضوية سوريا، كان وبالاً على كل السوريين دون استثناء، حيث يحلم الكثير من الشباب السوري في الخرطوم باستصدار جواز سفر سوداني لا لشيء إلا للتوجه فوراً نحو إحدى الدول الخليجية. استقرار سهيل في السودان لأكثر من خمسة أعوام مكّنه بسهولة من استصدار الجنسية، التي يُشترط للحصول عليها إقامة لستة أشهر فقط، ولم تكلّفه “المعاملة” كما يقول أكثر من ٥٠٠ دولار.
على العكس من سهيل، يعيش عبدالله واقعاً مزرياً ومختلفاً، فهو الآخر متزوج وعنده زوجة وأربعة أولاد يعيشون معه في الخرطوم لكنّه صُدم بواقع سوق العمل فيها يقول: “ما قدرت أصمّد أكثر من شهرين بعدين بديت المصايب وصفينا بالشارع كلنا، أنا والمرا والولاد.“ بصعوبة ومن بين المتسولين والمتسوّلات، رضي عبدالله بالحديث عن رحلته التي بدأت مع اجتياح داعش للحجر الأسود، حيث كان يقطن، وتحوّلها لمعقل أساسي للتنظيم الإسلامي المتشدد، نزح بداية إلى إحدى المدارس داخل مدينة دمشق، ثمّ سمع من مُقرّبين عن أنّ السفر إلى السودان غير مكلف وأنّ فرص العمل متوافرة، بيد أنّه لم يعد قادراً على تدبّر أمره عندما اكتشف أنّ أجرة منزل في الخرطوم ليست أقل من ٢٠٠ دولار، في حين أنّ سقف الأجور لعامل مثله لا يتجاوز ١٠٠ دولار، عندها لم يجد بُدّاً من النزول إلى الشارع ليتسوّل هو وجميع أفراد عائلته، في ظلّ غياب كامل لأي منظّمة أممية تُعنى بشؤون السوريين في الخرطوم، وهنا نجد أنفسنا أمام معضلة كبيرة في أنّ عدم تحديد وضع السوريين كلاجئين والاعتماد فقط على الآلية النظامية التي وصلوا بها إلى السودان تعفي الحكومة السودانية من تحمّل مسؤولياتها الحقيقية بالتنسيق مع المنظمات الدولية لوضع حدّ لهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تتوسّع وتنتشر بين هذه الفئة تحديداً، دون أيّ حلول جدّية! بالمقابل تحرص الشريحة العظمى من السوريين في السودان على عدم تصنيفهم كلاجئين من قبل المنظمات الأممية، لأنّ هذا لن ينعكس إيجاباً عليهم على الإطلاق بالعكس سيتم سحب جوازات سفرهم منهم، ويعطون بطاقات لجوء لن يتمكنوا بعدها من العمل أو السفر، وتحدّ من حركتهم، وأقصى ما يمكن أن يتلقوه من مساعدات هي مرتّب ٢٠٠ دولار شهرياً فقط، ويعتبرون أنّ بعض المتسوّلين لا يشكلون ظاهرة ولا فئة إنما مجرّد أشخاص امتهنوا هذه المهنة ولا يرغبون الإقلاع عنها!
لا حلول أهليّة لمشاكل بيروقراطية
يتميّز اللاجئون السوريون في الدول العربية عن نظرائهم الذين وصلوا أوربا بأنهم لا يثيرون شهيّة الاستقصاء الصحفي، ولا أسئلة الاندماج والهويّات، في إعلام يتصدّره خطاب الخصوصية الثقافية ومراكز أبحاث مهووسة بتنميط الناس حسب أديانهم وثقافاتهم، مع ذلك فإنّ المشكلات الاجتماعية أو السلوكية الناجمة أو المترتبة على هذا الشتات قلّما تجد (في الحالتين) من يقرأها إلا ضمن هذا الإطار، أمّا على سويّة شعبية فيتراوح التعاطي بين قيم التغني بالكرم ومحاباة الضيوف من جهة، أو بين العداء والتشكك بهؤلاء الغرباء من جهة أخرى.
تبقى المشكلة الأكبر في هذه الأنماط الإعلامية والنخبوية التي تعزل المهاجرين عن واقعهم، من منطلق (هكذا تتطلّب المهنة)، في حين يغرق السوري ويتخبّط بمشاكل يوميّة قد يكون حلّها يسيراً ولا تُكلّف أكثر من معاملة حكومية، بيد أنّ البيروقراطية التي يخضع لها المهاجرون السوريون، ليست هي بيروقراطية المعاملات الرسمية والروتينية في الدولة، بقدر ما تحمل معها بُعداً سياسياً خطيراً، وهنا تجد أنّ الواقع السوري في السودان هو الأقل معاناة من حيث حرية الحركة وقيود العمل (فرض لبنان نظام الكفالة على دخول السوريين إليه، وهذا أيضاً نشّط الهجرة نحو السودان ولو مؤقّتاً).
بالمقابل صار الوجود السوري أكثر ارتباطاً وتأثُّراً أيضاً بالظرف الاقتصادي المفروض على الدولة ذاتها، أي السودان. فالبلد يعاني حصاراً اقتصادياً وعقوبات منذ قرابة العشرين عاماً، ولو سبرنا آراء السوريين عن رفع العقوبات مؤخراً، فالكل سيبادر بالحديث إيجاباً ويأمل أن رفعها سيحسن من ظروف العمل ويقوّي الاقتصاد؛ فالعقوبات شيء مجحف وسيّئ بالضرورة، لكن بعد أن رُفعت العقوبات شهد الجنيه السوداني انهياراً سريعاً من ١٨ جنيه للدولار الواحد، إلى الثلاثين، وهذا سرعان ما أثّر على أسعار العقارات المستأجرة، والمواد الغذائية، في حين يتمّ النظر إلى السوريين أنّهم أحد عوامل هذا الغلاء دون أن يتأثروا به كونهم يمتلكون سلفاً العملة الصعبة، ويدخلونها إلى البلد، ولا يسكنون إلا الأحياء الراقية في العاصمة!.
أخيراً، وبالرغم من تراكم المشاكل في واقع السوريين الذين فُرضت عليهم الهجرة، والتي تبدو أنها مشاكل مصاغة ضمن بنود قانونية داخل بلدهم أولاً، ثم في البلدان التي هاجروا إليها، فإنّ الحلول بالمقابل تعاني من الارتجال والفرز الذي يُركّز على شرائح منهم، ومشكلات مثيرة إعلامياً كالاندماج في أوروبا وخلافه. وكما تُرك الداخل السوري لحلّ مشكلاته في إطارها الأهلي بعيداً عن القانون وسيادة الدولة يسير الخارج السوري في ذات الطريق، مع غياب المشاريع الجديّة والحلول التي يجب أن تقوم عليها دول ومنظمات أممية، ولو أنّ شيئاً من هذا لا يلوح في الأفق القريب.
بواسطة Ibrahim Hamidi | فبراير 5, 2018 | News, غير مصنف
Neither Damascus’ participation — with a delegation of about 1,200 people — nor the boycott of the opposition High Negotiations Committee of the Sochi peace talks were not enough to change the outcome of the conference, as the active negotiations were going on in rooms and side tracks without Syrians, where the three “guarantor” countries — Russia, Iran and Turkey — agreed with the United Nations to formulate a closing statement, with each country nominating 50 members to the constitutional committee to be blessed by the international envoy Staffan de Mistura, resembling a tripartite division of the future Syrian constitution.
The Syrian government delegation could not take responsibility for the failure of Sochi, which was overseen by President Vladimir Putin ahead of the presidential elections on March 18. Damascus was angered by the conference’s results, one of the manifestations of which was that all the official and loyalist media in the Syrian capital published the closing statement without its introduction or political summary, and distorted the official document agreed upon by the guarantors’ statement.
According to information obtained by Asharq al-Awsat, Sochi’s results were achieved before the beginning of the conference, as marathon talks were held between Russian Foreign Minister Sergey Lavrov and United Nations Secretary-General Antonio Guterres at the end of last week, after the opposition High Negotiations Committee decided to boycott the conference. The United Nations tied its participation to a series of conditions, including that the conference was limited to a single session without forming institutions or committees, or repeating the scenario of the series of Astana meetings, in addition to the international envoy deciding the references, names and mechanisms of the constitutional committee process and selecting its members from a list submitted by the three guarantor countries, while also approving the 12 political principles which de Mistura had prepared and the head of the government delegation, Bashar al-Jaafari, had refused to discuss in the previous two rounds of Geneva talks.
The positive surprise was that the agreement between the United Nations and Moscow was realized. Attempts were made to change the text of the draft agreed upon but they did not succeed, especially when de Mistura raised the possibility of pulling out the morning of the opening. Therefore, in practice the objections and demands from members of the delegation coming from Damascus and the boycott of members of the armed groups and their return from the Sochi airport to Ankara did not have an impact, as the Turkish delegation undertook to speak in the opposition’s name, while Tehran and Moscow spoke for Damascus.
The Iranian news agency IRNA and the official Syrian news agency SANA yesterday published a closing statement for Sochi according to their interpretations, with the statement devoid of the introduction and summary which discuss a mechanism for forming the constitutional committee. SANA reported that “it was agreed that the ratio in the committee to discuss the current constitution was three supported by the government and three for other parties, with the committee comprised of 150 members, delegates to the Syrian-Syrian National Dialogue conference, with a chairman, his deputy and the secretary-general selected from the composition of the committee.” According to SANA’s interpretation, committee members shall take “a majority vote about the need for assistance from experts by way of offering consultation to the committee members.”
SANA also altered the closing statement, reporting that “it stressed the importance of preserving the army and armed forces and that it carry out its duties in accordance with the constitution, including protecting the national borders and people from foreign threats, and to fight terrorism to protect the citizens, wherever required, and for security and intelligence institutions to focus on preserving national security and working in accordance with the law.” The official document of the Sochi conference stipulated “building a strong army based on efficiency and carrying out its duties in accordance with the constitution” and that “the national security and intelligence agencies work to protect the country’s security in accordance with the principles of rule of law and protecting human rights according to the text of the constitution and the law, and the use of force must be limited to authorization from the relevant state institutions.”
This position reflected anger in Damascus at the results of the conference, for which officials tried to place red lines before participants traveled from the Syrian capital to the Russian resort city, compared with Iranian silence and partial publishing of the closing statement. A Western official said that Tehran “surprised those in attendance by accepting the statement in Sochi” before pointing to the Iranian media publishing the Damascus interpretation of the statement.
In contrast, Ankara announced its satisfaction with the conference’s results through a call between presidents Putin and Recep Tayyip Erdogan. The Turkish Foreign Ministry also issued a statement on its results and the “constructive approach.” A Turkish official said: “The most important results of the conference were the call for establishing a constitutional committee and selection of a group composed of 150 nominees for this committee, as the Turkish delegation which had been authorized to represent opposition groups that did not attend the conference submitted a list of 50 nominees in consultation with the opposition.” It is expected that de Mistura will form the constitution committee “seeking proportional representation of the opposition” and Ankara “will closely monitor the process of establishing the constitutional committee as a guarantor for the opposition.”
Western countries which participated as observers are monitoring the coming phase and the extent Moscow fulfills the results of the conference and uses its influence over Damascus and Tehran, which want to buy time until after Putin’s election on March 18 for Moscow to officially present a list of 150 nominees to de Mistura in order to begin his process of selection 45-50 members from the list of the guarantors, experts and politicians from abroad.
[This article was republished translated and edited by The Syrian Observer]
بواسطة Ward Maamar | فبراير 5, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
في كل مرة يتم الحديث فيها عن كلفة الحرب في سوريا، تظهر أرقام مخيفة حول حجم خسائر سوريا نتيجة الحرب. لذا فإن الحديث عن تكلفة أي حرب لا يمكن أن يكون مجرد عملية حسابية، إذن ان الحرب لا تقتصر على حساب كلفة دمار البنى التحتية والقطاعات الانتاجية والاقتصادية، إنما تشمل تكاليف الحرب الخسائر البشرية والمجتمعية.
رغم وجود عدد من الاحصاءات والدراسات التي تقدر كلفة الحرب في سوريا، فان إيجاد مؤشر قياسي لتحديد الكلفة بشكل دقيق يكاد يكون شبه مستحيل نتيجة استمرار الحرب والصراع، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على حياة الناس ومعيشتهم. مع ذلك فإن فهم جوهر كلفة أي حرب وحجمها أمر ضروري للغاية لتحديد الاحتياجات الأولوية، ولإعداد خريطة لإعادة الإعمار التي يمكن البدء فيها عند ظهور أول مبادرة للاستقرار والسلام.
قد يكون حساب كلفة الحرب أمر بغاية التعقيد إذا ما اقتصر الأمر على طرح رقم كلي لمجموع أضرار الحرب، لكن يجب أن لا ننسى عند الحديث عن الكلفة بأن تكون النظرة شاملة وعامة تشمل أضرار الممتلكات والقيمة الاقتصادية المفقودة للقتلى أو المعوقين في الحرب، وتكاليف الاضطرابات الاقتصادية في زمن الحرب. وعلى عكس ذلك، فإن التكاليف “السلبية” أي المكاسب الاقتصادية الناجمة عن الحرب – هي عوامل ينبغي أخذها في الاعتبار عند تحديد تكاليف الحرب، ولا نغفل أن جزء من التكاليف سينقل إلى الأجيال المقبلة على شكل رسوم فائدة على ديون الحرب، وعادة ما تستمر هذه الرسوم لفترة طويلة بعد أن تفقد الديون هويتها في مجموع الدين الوطني، في فئة مماثلة هي تكاليف المعاشات التقاعدية والمكافآت للمحاربين القدامى والرعاية الطبية للمتضررين من الحرب.
كما أن فاتورة أي حرب لا تقتصر على تكلفة الدبابات والطائرات وغيرها من الأسلحة المشاركة في الحرب بل يوجد أيضاً تكاليف يصعب تقديرها مثل العلاج الطبي والنفسي لتأهيل الجنود والمدنيين الذين أصيبوا خلال الحرب، إلى جانب الخسائر غير المباشرة الناتجة عن توقف عجلة الصناعة والتجارة والزراعة؛ وضياع سنوات من التعليم وفقدان عدد كبير من القوى العاملة التي كانت تشكل يوماً من الأيام أساساً اقتصادياً هاماً لنمو سوريا، نتيجة وجود نسبة كبيرة من فئة جيل الشباب ضمن الهرم السكاني لسوريا.
استناداُ إلى ما جاء قي في آخر تقرير صادر عن البنك الدولي قدر فيه حجم الخسائر في سورية بنحو 226 مليار دولار أميركي، شملت تلك الخسائر التي ذكرها التقرير إلى حد كبير تفاصيل عدد القتلى وحجم الدمار وتقدير كلفة الأضرار البشرية والمادية ، وما ذكره التقرير من أرقام طالت جميع القطاعات البشرية والاقتصادية يكاد يشكل رقماً مرعباً للأجيال القادمة التي ستتحمل جزء من تسديد فاتورة هذه الحرب.
من جانب آخر، تغفل بعض التقارير والاحصاءات الاقتصادية المتعلقة بحساب كلفة الحرب ، حساب خسائر الرأسمال البشري والمادي الذي تم تهجيره، حيث شهدت سوريا خلال السنوات الأخيرة هجرة كبيرة لرؤوس الأموال البشرية والمادية، على صعيد فئة الشباب خسرت سوريا نسبة كبيرة من القوى العاملة الفتية، منهم من قتل ومنهم من هجر لنجد أن غالبية القطاعات والمؤسسات العاملة تعاني من نقص لليد العاملة وللعقول الشابة. اذ خسر المجتمع والاقتصاد السوري كوادر عديدة، أنفق عليها مبالغ كبيرة لإعدادها وتأهيلها، يضاف إليها خسارة دورها في إعادة الإعمار مستقبلا.
ولأن لكل خسارة أثرها على المجتمع نجد أن الخسائر البشرية ترتب عليها مشكلات اجتماعية، تتعلق بوجود توازن بين عدد الذكور والإناث في المجتمع السوري، ما سيترتب عليه فقدان عدد من الإناث لفرصة الزواج، ما سيساهم بانخفاض عدد الولادات.
من جانب آخر دفع الأطفال ثمنا باهظا لهذا النزاع، حيث قتل مابين ٢٠ ألف طفل، جراء الأسلحة المتفجرة، أما الناجون من الأطفال فقد خسر أكثر من مليوني طفل فرصة التعليم نتيجة عدم ذهابهم إلى المدرسة، إضافة لوجود ٥.٧ مليون طفل بحاجة إلى المساعدة التعليمية. بالطبع لا تقتصر حاجة الأطفال للتعليم فقط بل هم بحاجة إلى رعاية نفسية للتعافي من سنوات إراقة الدماء التى شاهدوها. كما يحتاج الوالدان إلى الدعم المادي والمعنوي أيضا، فعندما يغرق الوالدان أكثر فأكثر في الفقر، تزداد المخاطر بالنسبة للأطفال ويضطرون للعمل ، تباع البنات في الزواج، ويحتاج الأهل إلى الاعتماد على عمل الأطفال، وهذه كارثة مستقبلية بالنسبة للجيل القادم.
في حرب مثل الحرب السورية، لايمكن أن نتجاهل حساب كلفة تحطيم منظومة القيم العامة، التي يتطلب إعادة تكوينها الكثير من الجهد والوقت لاسيما وأن مفرزات الحرب خلقت طبقة من الناس يستسهلون العنف، والسرقة والخطف والغش والقتل. لعل كلفة هذه القيم ستخلق مظاهر مجتمعية غير طبيعية تحمل مورثاتها للاجيال القادمة لتكون بمثابة القنبلة الموقوتة المعدة للانفجار في أي وقت مستقبلاً.
كذلك واجهت سوريا أزمة انعكست على اقتصادها تمثل بهجرة مادية خارج سوريا، فقد تم نقل الكثير من المصانع والرساميل إلى الخارج، وهي بحسب أقل التقديرات لا تقل عن نحو ٥٠ مليار دولار. وهذه الهجرة مازالت تشكل تحدياً للأطراف المتنازعة في كيفية جذبها وإعادتها للداخل السوري بعد انتهاء الحرب، خاصة وأن عدم وجود استقرار واضح في سوريا سيؤخر من عملية إعادة الإعمار مستقبلاُ.
أما بالنسبة الى الأرقام المتعلقة بالخسائر البشرية، فان عدد القتلى من مختلف الأطراف لا يقل عن ٧٠٠ ألف قتيل، عدا عن عدد الجرحى المعاقين نتيجة الصراع لذين لا يقل عددهم عن نحو ١.٢ مليون شخص. هنا لابد أن نحتسب تعويضات شركات التأمين على حالات الوفاة في الحوادث، فقد كانت قيمة تعويض شركات التأمين قبل الأزمة تعادل ٧٥٠ ألف ليرة ماقيمته ١٥ ألف دولار، بينما تبلغ قيمة التعويضات حالياً ١.٢٥ مليون ليرة أي ما يقارب ٢٥٠٠ دولار، إن وجود مثل هذه الفجوة بين قيمة التعويضات سابقا وحالياً سيطرح إشكالية حول القيمة الفعلية التي ستدفعها شركات التأمين للتعويض على حالات الوفاة، والتي يتوجب أن تبقى قيمتها تعادل ١٥ ألف دولار.
من الناحية العسكرية، نجد أن خسائر سوريا كانت فادحة في صفوف الجيش من قتلى ومصابين وجرحى ومفقودين، عدا عن عدد الانشقاقات بصفوف الجيش، وبالتالي فإن كلفة تعويض الجرحى والمصابين من الجيش مكلفة بشكل كبير وطويلة الأمد وهي أضعاف كلفة القتلى، وبالتالي ستجد سوريا صعوبةً في إعادة بناء جيشها مستقبلاً خاصة بعد الاستنزاف الذي تعرض له طوال سنوات الحرب. إلى جانب ذلك نجد أن ما تم بناءه خلال العقود السابقة من معدات عسكرية أسلحة وطائرات ومدرعات قتالية، كانت أسعارها بالسابق غير مكلفة فان الحرب ادت الى خسائر إضافية لا يمكن إنكارها حين إعداد فاتورة الحرب، فقد خسرت سوريا آلاف المدرعات ومئات الطائرات، ان اعادة بناء تلك المعدات مستقبلا سيكون مكلفا خاصة وان الاسعار لم تعد منخفضة.
بالحد الأدنى لو فرضنا أن سوريا بحاجة الى ١٠٠٠ مدرعة ودبابة لإعادة تشكيل ثلاث فرق عسكرية مستقبلا، ووفق الأسعار الحالية نجد أن قيمة المدرعة تعادل ٥ مليون دولار وبحسبة بسيطة نجد أن سوريا بحاجة إلى ١٠٠٠ مدرعة مايعادل قيمتها ٥ مليار دولار. أما سلاح الجو لو فرضنا أن سوريا بحاجة لـ ١٠٠ طائرة حديثة فإن كلفة كل طائرة تعادل مابين ٢٠ إلى ٢٥ مليون دولار كأقل تقدير، وبالتالي فإن كلفة ١٠٠ طائرة تساوي ٢٠٠ مليار دولار، مع العلم أن الطائرات السورية هي من الجيل الثالث، يضاف لذلك ماخسرته سوريا من طيارين تكلفت بتدريبهم.
عطفا على كل ماسبق مهما حاولنا تفصيل كلفة الحرب، لكن لا يمكن أن ننكر حقيقة صعوبة اختصار كلفة النزيف السوري بأرقام خاصة وأنه من المجحف عد وحصر دماء السوريين بمبلغ مادي أو برقم.
حين يخسر السوريون أمنهم ووطنهم، يصبح الحديث عن أي كلفة سواء كانت عسكرية أو اقتصادية لا قيمة لها في حسابات السوريين الذين ضحوا بدمائهم ثمناً لحياة حرة وكريمة.
بواسطة Syria in a Week Editors | فبراير 5, 2018 | Media Roundups, Syria in a Week, غير مصنف
سوتشي ينتج لجنة دستورية برعاية أممية!
4 شباط (فبراير)
أثار “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في مدينة سوتشي الكثير من الجدل حول أمكانية انعقاده ودوره في الوصول إلى مدخل لاتفاق سياسي.
اذ قاطع عدد من قوى المعارضة الاجتماع بما فيها “الهيئة العليا للمفاوضات”٫ وانسحب من المطار وفد من فصائل المعارضة المسلحة الذي حضر بـ “تشجيع” آنقرة وفوض الوفد التركي بتمثيله في المؤتمر. كما شارك المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا في المؤتمر. وانتقدت الولايات المتحدة وفرنسا المؤتمر وحضر بعضها بصفة مراقب. وظهر أن التوافق الروسي – التركي ساهم في عدم انفراط عقد المؤتمر.
خلص المؤتمر إلى اصدار بيان ركز على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد الحكومة السورية ووفد معارض واسع التمثيل، ذلك بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وسيشرف دي ميستورا على اللجنة الدستورية. وركز البيان على أن “سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية قائمة على المواطنة المتساوية”، مشدداً على استقلالِها ووحدتها شعباً وأرضاً. كما ركز البيان الختامي على القيام بانتخابات ديمقراطية حتى يقرر الشعب السوري مستقبل بلده.
وكانت الحكومة السورية قد رحبت بنتائج المؤتمر. وأشارت وزارة الخارجية أن المؤتمر يشكل خطوة هامة في المسار السياسي وأساساً لأي مفاوضات مقبلة. وبالرغم من مقاطعة “الهيئة العليا” للمؤتمر بسبب انحياز الجانب الروسي المشرف على المؤتمر لجانب النظام، بالإضافة للخشية من أنه محاولة للالتفاف على دور الأمم المتحدة في جنيف، فان رئيس “الهيئة” نصر الحريري رحب بمخرجات المؤتمر شريطة أن تتوافق مع قرار مجلس الأمن وضمان عملية الانتقال السياسي في سوريا.
بدا ان هناك تنسيقاً وثيقاً اذ عبر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان عن رضاهما عن نتائج مؤتمر سوتشي في مكالمة هاتفية بينهما. وفي تناغم مع الموقف الروسي من التسوية في سورية، تراجعت تركيا عن إصرارها على رحيل الرئيس بشار الأسد، وأعلنت أن عليه الرحيل «في مرحلة ما»، مشددة على أولوية «انتقال سياسي» يؤدي إلى دستور جديد وانتخابات.
رويترز، الجزيرة، الشرق الأوسط، الحياة
“غصن الزيتون” غير الخاطفة
4 شباط (فبراير)
استمرت عملية “غضن الزيتون” التي تشنها تركيا بالتعاون مع فصائل في المعارضة السورية على منطقة عفرين التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية. ولا تبدو المعارك تسير إلى حسم سريع فالتقدم التركي بطيء ولا اختراقات كبرى حتى الآن. لكن العملية أدت حتى الآن إلى قتل المئات بينهم مدنيون بحسب وكالة انترفاكس. وذكر مدير المستشفى الرئيسي بمدينة عفرين الأربعاء إن الإمدادات آخذة في التناقص في المستشفى الذي استقبل 48 قتيلا و86 جريحا منذ بداية الهجمات. (رويترز)
وقال إردوغان إن الجيش التركي “بدأ السيطرة على الجبال… ويتقدم حالياً نحو عفرين”، في إشارة إلى قرب انتهاء العملية. وذكرت وكالة الأناضول للأنباء أنه بهذا الهجوم يبلغ عدد قتلى الجنود الأتراك سبعة السبت في إطار عملية “غصن الزيتون”. وبذلك ترتفع الحصيلة الاجمالية لخسائر الجيش التركي الى 14 قتيلا مما يشير إلى المواجهات الشرسة خلال العملية. (فرانس برس)
معركة سراقب… وإسقاط مقاتلة روسية
3 شباط (فبراير)
فرانس برس، الشرق الأوسط
تتقدم قوات النظام بشكل متسارع باتجاه مدينة سراقب حيث تمكنت القوات من السيطرة على مدينة أبو الضهور بعد السيطرة على المطار العسكري واتجهت نحو مدينة سراقب وسيطرت خلال الأيام القيلة الماضية على العديد من القرى والبلدات.
وتعرضت مدينة سراقب لقصف عنيف مما أدى إلى ضحايا بين المدنيين إضافة إلى استهداف مستشفى عدي في المدينة الأمر الذي أدانته الأمم المتحدة. وقال بانوس مومسيس منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأمم المتحدة المعني بالأزمة السورية أن هذه كانت المرة الرابعة في عشرة أيام، التي تسببت فيها ضربات جوية في أضرار هيكلية كبيرة بمستشفى في سراقب. وأوضح مومسيس، أن العام الماضي شهد 112 هجوماً موثقا على منشآت صحية في سوريا، فضلا ًعن 13 هجوماً على الأقل حتى الآن خلال 2018.
في إطار هذه العملية، قُتل طيار روسي السبت بعدما اسقطت مقاتلته في محافظة ادلب شمال غربي سوريا، وإثر اشتباكه مع عناصر من الفصائل الاسلامية المعارضة على الأرض فيما أعلنت هيئة تحرير الشام مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة. وأعلن الجيش الروسي اثر اسقاط المقاتلة انه قصف “بأسلحة فائقة الدقة” المنطقة التي سقطت فيها الطائرة مؤكدا انه قتل “اكثر من 30 مقاتلا من جبهة النصرة” خلال هذه الضربة.
“الكيماوي” مجدداً
3 شباط (فبراير)
(رويترز)
قال مسؤولون أميركيون بارزون يوم الخميس إن الحكومة السورية ربما تكون في مرحلة تطوير أنواع جديدة من الأسلحة الكيماوية وإن إدارة الرئيس دونالد ترامب مستعدة للقيام بعمل عسكري مجددا ضد قوات الحكومة السورية إذا اقتضت الضرورة لردعها عن استخدام هذه الأسلحة.
وقال وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس إن الحكومة السورية استخدمت مراراً غاز الكلور كسلاح. وقبل ذلك بيوم قالت واشنطن إنها مستعدة لبحث اتخاذ إجراء عسكري إذا اقتضت الضرورة لردع الحكومة السورية عن شن هجمات بأسلحة كيماوية.
ونفت وزارة الخارجية السورية السبت اتهامات أمريكية بأن قواتها استخدمت أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية قرب دمشق ضد المعارضين الذين يسيطرون عليها قائلة إن الاتهامات أكاذيب لا دليل عليها. واتهمت موسكو واشنطن بالعمل لـ “شيطنة” دمشق و “افشال الحل السياسي”.
وكانت الإدارة الأميركية السابقة اعتبرت أن استخدام السلاح الكيماوي “خط أحمر”، وهددت بضربة عسكرية بعد استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة 2013، ونجم عن الضغط تسليم السلاح الكيماوي السوري إلى منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية في عامي 2013 و2014. وتجدد قضية الكيماوي بعد استخدامه في خان شيخون وعلى إثرها قامت الإدارة الأمريكية الحالية بتوجيه ضربة عسكرية لمطار الشعيرات العسكري في حمص.
ويبدو ان “الخط الأحمر” يشمل فقط السارين وليس الكلور، بحسب مسؤول أميركي.
بواسطة Ibrahim Hamidi | فبراير 1, 2018 | News, غير مصنف
لم تغير مشاركة دمشق بوفد من نحو 1200 شخص ولا مقاطعة «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة لـ«الحوار الوطني السوري» في سوتشي من نتائج المؤتمر، ذلك أن التفاوض الفعلي كان يجري في غرف وممرات جانبية بغياب السوريين، إذ إن الدول «الضامنة» الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، اتفقت مع الأمم المتحدة على صيغة البيان الختامي، وعلى أن تقوم كل دولة بترشيح 50 عضواً إلى اللجنة الدستورية على أن يباركها زيادة أو نقصاناً المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الأمر الذي هو أشبه بـ«محاصصة ثلاثية» للدستور السوري المستقبلي.
دمشق التي لم تستطع تحمل مسؤولية إفشال «سوتشي» الذي رعاه الرئيس فلاديمير بوتين قبل انتخابات الرئاسة في 18 مارس (آذار) المقبل، «غاضبة» من نتائج المؤتمر، وكان أحد التجليات أن جميع وسائل الإعلام الرسمية وموالين لدمشق نشروا البيان الختامي من دون مقدمته وخلاصته السياسية وحرفوا الوثيقة الرسمية المتفق عليها بيان «الضامنين» الثلاثة.
بحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن نتائج «سوتشي» أنجزت قبل بدء المؤتمر ذلك أن مفاوضات ماراثونية جرت بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نهاية الأسبوع الماضي بعد قرار «هيئة المفاوضات» المعارضة مقاطعة المؤتمر، إذ إن الأمم المتحدة ربطت مشاركتها بسلسلة من الشروط بينها أن يقتصر المؤتمر على جلسة واحدة من دون تشكل لجان مؤسساتية وتكرار سيناريو «مسلسل اجتماعات آستانة»، وأن يقرر المبعوث الدولي مرجعية وأسماء وآليات عملية اللجنة الدستورية واختيار أعضائها من قائمة تقدمها الدول «الضامنة» الثلاث، إضافة إلى إقرار المبادئ السياسية الـ12 التي كان أعدها دي ميستورا، ورفض رئيس وفد الحكومة بشار الجعفري البحث فيها في الجولتين السابقتين من مفاوضات جنيف.
المفاجأة الإيجابية، كانت أن ما تم الاتفاق عليه بين الأمم المتحدة وموسكو تحقق. جرت محاولات لتغيير مسودة البيان المتفق عليه لكنها لم تنجح، خصوصاً عندما لوح دي ميستورا بالانسحاب صباح الافتتاح. بالتالي، لم تؤثر عملياً الاعتراضات والمطالبات من أعضاء الوفد القادمين من دمشق، ومقاطعة ممثلي الفصائل المسلحة وعودتهم من مطار سوتشي إلى أنقرة، إذ إن الوفد التركي تكلف الحديث باسم المعارضة، فيما تحدثت طهران وموسكو باسم دمشق.
لوحظ أن وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) و«وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) نشرتا أمس البيان الختامي لـ«سوتشي» وفق تفسيرهما، إذ إن البيان خلا من المقدمة والخلاصة التي تتحدث عن آلية تشكيل اللجنة الدستورية. وأفادت «سانا» بأنه «تم الاتفاق على أن تكون النسبة في لجنة مناقشة الدستور الحالي ثلثين تدعمهم الحكومة، وثلث للأطراف الأخرى، لمناقشة الدستور الحالي حيث تتكون اللجنة من 150 عضواً هم مندوبون لمؤتمر الحوار الوطني السوري – السوري، ويتم اختيار الرئيس ونائبه وأمين السر من تكوين اللجنة». وبحسب تفسير «سانا»، يتخذ أعضاء اللجنة «القرار بالأغلبية حول ضرورة المساعدة من خلال الخبراء بطريقة تقديم المشاورات إلى أعضاء اللجنة».
كما لوحظ أن «سانا» عدلت في البيان الختامي، إذ ذكرت أنه «شدد على أهمية المحافظة على الجيش والقوات المسلحة، وأن يقوم بواجبه وفقاً للدستور بما في ذلك حماية الحدود الوطنية والشعب من التهديدات الخارجية ومكافحة الإرهاب حماية للمواطنين، حيثما يتطلب ذلك. وإن تركز المؤسسات الأمنية والاستخباراتية على الحفاظ على الأمن الوطني وتعمل وفقاً للقانون»، علما أن وثيقة المؤتمر الرسمية لـ«سوتشي» نصت على «بناء جيش قوي يقوم على الكفاءة ويمارس بواجباته وفق الدستور»، وأن تعمل «أجهزة الاستخبارات والأمن القومي لحماية أمن البلاد وفق مبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان بحسب نصوص الدستور والقانون، ويجب أن يكون استخدام القوة مقتصراً على تفويض من مؤسسات الدولة ذات الصلة».
وعكس هذا الموقف «غضباً» في دمشق من نتائج المؤتمر الذي سعى مسؤولون إلى وضع «خطوط حمراء» له قبل سفر المشاركين من العاصمة السورية إلى المنتجع الروسي، مقابل صمت إيراني ونشر مجتزئ للبيان الختامي. وقال مسؤول غربي إن طهران «فاجأت الحاضرين بقبول البيان في سوتشي»، قبل أن يشير إلى نشر وسائل إعلام إيرانية تفسير دمشق للبيان.
كما أن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة حسين جابري أنصاري التقى شخصيات من المعارضة السورية في سوتشي وسط أنباء عن استعدادات إيرانية لعقد مؤتمر مماثل لـ«سوتشي» في طهران.
في المقابل، أعربت أنقرة عن الارتياح لنتائج المؤتمر عبر اتصال الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان. كما أن الخارجية التركية أصدرت بيانا بنتائجه و«الطريقة البناءة». وقال مسؤول تركي: «أهم نتائج المؤتمر الدعوة إلى إنشاء لجنة دستورية واختيار مجموعة تتألف من 150 مرشحاً لهذه اللجنة، إذ قدم الوفد التركي الذي منح تفويضاً بتمثيل جماعات المعارضة التي لم تحضر المؤتمر، قائمة تضم 50 مرشحاً بالتشاور مع المعارضة». ومن المقرر أن يشكل دي ميستورا اللجنة دستورية «تبحث عن التمثيل النسبي للمعارضة»، وأنقرة «سترصد عن كثب عملية إنشاء اللجنة الدستورية كضامن للمعارضة».
عليه، تترقب دول غربية شاركت كـ«مراقب» المرحلة المقبلة ومدى وفاء موسكو بنتائج المؤتمر وممارسة نفوذها على دمشق وطهران اللتين تريدان شراء الوقت إلى ما بعد انتخابات بوتين في 18 مارس، كي تقدم موسكو رسميا قائمة الـ150 مرشحاً إلى دي ميستورا كي يبدأ عمليه في اختيار 45 – 50 عضواً للجنة من قائمة «الضامنين» وخبراء وسياسيين من خارجها.
وبدأت عواصم غربية تبحث كيفية المواءمة بين «الوثيقة الخماسية» التي صاغتها واشنطن وحلفاؤها، وتضمنت تفاصيل المرجعية السياسية للعملية الدستورية، وصلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء، وطابع النظام السياسي السوري من جهة، ووثيقة سوتشي التي رعتها موسكو و«الضامنين» التركي والإيراني من جهة ثانية، على أن تكون الورقة المبنية الجديدة من الوثيقتين مرجعية سياسية لعمل اللجنة الدستورية.
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Abdullah Al Hassan | يناير 31, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
مع نهاية وتيرة الصدام المسلّح في سوريا بين قوات المعارضة المصنفة “معتدلة” والجيش السوري ثم الدخول في دهاليز التفاوض السياسي وفق الرؤية الروسية للحل، أصبح واضحاً تماماً بأن النظام السوري يمتلك أوراقاً أكثر تمكّنه من الحفاظ على قدرٍ كبير من السُّلطة في سوريا. صحيح بأن النظام الذي كنا نعرفه قبل ٢٠١١ قد انتهى، لكن بقاء رموز السلطة في الحكم والتي تحظى بدعم الدول الصديقة له، تجعل من مسألة إعادة انتاج نظام شبيهٍ قادرٍ على فرض أجندته وقبضته الأمنية من جديد أمراً ممكناً.
ماكان مستحيلاً ومرفوضاً خلال الأشهر الأولى من انتفاضات العالم العربي بات ممكناً وقد شهدنا إعادة إنتاج الأنظمة التسلطية في مصر واليمن وبدرجة أقل في تونس، وقريباً في ليبيا، حيث تتغير رموز السلطة الحاكمة دون المسّ ببنية النظام الدكتاتوري الذي ثار عليه الناس، بل أحياناً ينتج نظاماً أشد قمعاً من سابقه بحجة محاربة الفوضى والتدخل الخارجي.
لقد نجح أصدقاء النظام السوري في ضمان استمراريته وصموده طيلة السنوات السبع الأخيرة. فلولا دعم إيران وحزب الله لكان سقط عسكرياً في ٢٠١٣ (حيث تعتبر معركة القصير بداية اعادة التوازن لقوات الجيش السوري مقابل قوات المعارضة)، ولولا تدخل سلاح الجو الروسي في أيلول (سبتمبر) ٢٠١٥ فإنّ “دمشق كانت ستسقط أثناء أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين“، بحسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
كان لتشكيل “جيش الفتح” – بعد توافق تركي – سعودي – قطري – في الشمال السوري في اذار (مارس) ٢٠١٥ دورٌ بارز في طرد قوات الجيش السوري من كامل محافظة ادلب ومحيطها خلال ايام معدودة، بالإضافة الى معارك كثيرة خاضتها فصائل أخرى في ريف حماه واللاذقية ومدينة حلب وجبال القلمون شمال غرب العاصمة دمشق، وكان الحديث جديّاً يدور حول نسخ تجربة “جيش الفتح” في الشمال ونقلها الى الجنوب خصوصاً بعد سيطرة فصائل ـ “الجيش الحر” على بصرى الشام ومعبر نصيب على حدود الأردن.
لم تكتف الحكومة الروسية بدعم النظام السوري عسكرياً، فقد تبيّن – كما بات واضحاً الآن – بأنها تملك استراتيجية وخطة عمل شاملة، فبعد أقل من شهرين من تدخلها العسكري في سوريا دعت إلى اجتماع جميع المنخرطين في الأزمة السورية في العاصمة فيينا، وبدون استثناء أي طرف كما حدث في جنيف ٢٠١٢ (حين تم استثناء ايران والسعودية).
أسفرت المفاوضات بعد ثلاثة جولات بوضع خارطة طريق للحل تحمل ثلاثة عناوين أساسية: وقف الاعمال العدائية، ضمان ايصال المساعدات الانسانية، والدفع بالعملية السياسية على أساس مقررات جنيف١ تحت إشراف الأمم المتحدة وذلك عبر التفاوض بين النظام السوري والمعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة وغير طائفية (بدلاً من تشكيل “حكومة انتقالية” كما ورد في جنيف١). يلي ذلك وضع دستور وإجراء انتخابات جديدة. طبعاً كان هناك الكثير من التفاصيل الملحقة مثل التأكيد على أن تنظيم “داعش” وجبهة النصرة المصنّفتين في “القوائم الارهابية” من قبل مجلس الامن، والمتفق على تصنيفها من قبل المشاركين، يجب ان تُهزم.
ولعل أبرز إنجازات لقاءات فيينا كان إنتاج “المجموعة الدولية لدعم سوريا” التي كسرت الاصطفاف الدولي بين داعمي المعارضة وداعمي النظام، بالإضافة إلى تأييد مجلس الأمن لمخرجات فيينا٣.
من الملاحظ اجتهاد الحكومة الروسية لوضع مقررات فيينا٣ موضع التنفيذ عبر إصدارها في القرار ٢٢٥٤، ربما ساعدتها الظروف كثيراً في تحقيق ذلك ولكنها كانت أفضل من اقتنص الفرص. فالعلاقات الروسية – التركية انقلبت فجأة إلى التنسيق والحميمية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) ٢٠١٦، وانخراط المملكة العربية السعودية في حرب اليمن، ثم ظروف ونتائج الأزمة الخليجية مع قطر، كل ذلك ساعد بشكل مباشر على تنفيذ المخطط الروسي بدءاً من إعادة سيطرة الجيش السوري وحلفائه وميلشيات تدعمها إيران على شطر مدينة حلب الشرقي وإخراج كامل فصائل المعارضة منه، ثم تحقيق البند الأول من مخرجات فيينا٣ المعني بوقف الأعمال العدائية، وذلك بالتعاون مع تركيا وايران في أستانة وانتاج أربع مناطق خفض تصعيد أساسية في سوريا (في الغوطة الشرقية، مناطق معينة في شمال محافظة حمص، مناطق معيّنة في جنوبي سوريا، ومحافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة لها).
وقد تزامن ذلك مع محاربة تنظيم “داعش” في سوريا والعراق بالتعاون مع الحكومة الأميركية وقوات التحالف الدولي وإضعاف التنظيم بشكل شبه كامل وإخراجه من المناطق التي يسيطر عليها. أما في الشمال السوري فقد تمت عملية فصل للفصائل المصنفة “معتدلة” عن جبهة النصرة بمساعي تركية، ثم حدث مؤخراً عملية تطهير داخل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) نفسها عندما أقدم زعيمها أبو محمد الجولاني على اعتقال وتوقيف المتشددين والأجانب المرتبطين بتنظيم “القاعدة” الأم داخل الهيئة.
بالنسبة للغوطة الشرقية تكفّل فصيل جيش الإسلام بالقضاء على عناصر هيئة تحرير الشام هناك، وأخرج اتفاق خفض التصعيد الأخير مع “فيلق الرحمن” ما تبقى من عناصرها إلى مدينة إدلب، بينما تكفّل حزب الله اللبناني بمساندة المدفعية والطيران السوري بالقضاء على وجودهم في جرود عرسال وجبال القلمون الغربي، في حين أشار رئيس الأركان العامة الروسي، فاليري غيراسيموف، إلى أن هدف روسيا لعام ٢٠١٨ هو القضاء على مسلحي “جبهة النصرة“ وأمثالهم.
لم يحدث أي تطور فعلي على مستوى ضمان ايصال المساعدات الإنسانية، بل تُرك الموضوع سلاحاً للضغط على الفصائل المعارضة لتحقيق مكاسب معينة تحت أعين وأنظار العالم. أما بالنسبة للحل السياسي عبر التفاوض، فبعد فشل ثماني لقاءات حوار في جنيف، تقوم الخارجية الروسية بالإعداد لمؤتمر حوار سوري ضخم في سوتشي في نهاية كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨، وذلك بعد عمليات تطعيم للمعارضة السورية، ومحاولات تطويع من تبقى منها ومن يساندها للرؤية الروسية للحل.
يبدو للوهلة الأولى بأن الأمور تمضي كما خططت موسكو بالضبط، فمخرجات لقاء سوتشي سوف تحدد ملامح الفترة الانتقالية ومن يقودها، ومشاركة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا تعني بأنها تحت إشراف الأمم المتحدة وبمباركتها. لكن في حقيقة الأمر هناك عقبة واحدة، وهي الأصعب حتماً، فالرؤية الروسية للحل سوف تصطدم مباشرة بالإرادة الأوروبية المعنية بملف إعادة الإعمار وما يترتب على ذلك من فوائد سياسية واقتصادية، فروسيا تعلم يقيناً بأن ملف إعادة الإعمار مرتبط بشكل مباشر بالتسوية السياسية، وأوروبا التي تمسك هذا الملف لديها شروطها وشكوكها رغم تعاطيها الإيجابي مع آلية ونتائج الحل الروسي حتى الآن، لكن من يضمن مصالحها في سوريا عندما تفتح صندوق إعادة الإعمار؟ هل النظام المتوقع إنتاجه في سوريا بعد التسوية الروسية قادر على إعطاء تطمينات في ملفات حقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية ومسألة المعتقلين، أو تأمين بعض النفوذ الاقتصادي والسياسي الذي يهم الكثير من قادة ومستثمري أوروبا؟
ستكون هذه معضلة الحل والمساومة لا ريب بين روسيا والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى أميركا، وهي بدأت فعلاً قبل انطلاق مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، سواء في الورقة التي قدمها وزير خارجية أمريكا السيد تيلرسون وحلفائه الغربيين والإقليميين حول مبادئ تصورهم للحل السياسي السوري، أو من خلال رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي تضمنت معايير محددة يجب أن تتحقق قبل مشاركة الأمم المتحدة في سوتشي، كل هذا يعطي مساحة صغيرة وضيقة يمكن للمعارضة السورية – سواء من داخل مؤتمر الحوار في سوتشي أم من خارجه – أن تلعب من خلالها لتحقيق شيئاً مؤثراً يمكن البناء عليه لأجل سوريا المستقبل، فهل هي معنية وقادرة على ذلك؟