سوريا بين فكي استبداد مدني ودولة دينية

سوريا بين فكي استبداد مدني ودولة دينية

*تُنشر هذه المادة ضمن ملف “آفاق العلمانية في سوريا” بالتعاون مع “حكاية ما انحكت” و”جدلية

كثرت التساؤلات في السنوات الماضية عن مستقبل الدولة السورية، الاجتماعي والسياسي والثقافي، ولكل منهم حقله ومفاعيله ومنظوماته ومساراته. وسنخص بالنقاش موضوعا متصلا بهذه الحقول اتصالا عضويا، وهو بنية وطبيعة الدولة السورية المستقبلية: هل هي دولة علمانية؟ أم دولة دينية؟ أم ستبقى دولة هجينة؟

 وللإضاءة على ذلك، لابد من عرض مكثف عن جذور العلمنة المبكرة في سوريا والمرتبطة بالمشرق العربي، وأسباب فشل تطبيقها.

أسباب فشل العلمنة في سوريا

بدأ الفكر العلماني القومي بالظهور في المشرق العربي أواسط القرن التاسع عشر (إبان الاحتلال العثماني) وترجم على الأرض بتكوين الجمعيات الفكرية  والثقافية، وكان المركز الرئيسي لهذا النشاط مدينة بيروت (سوريا ولبنان كانتا موحدتين).

 تأسست أول جمعية سورية لإحياء الفكر القومي العلماني (1857) الجمعية العلمية السورية، التي تأثرت بقيم وأفكار الثورة الفرنسية نتيجة الدراسة والاحتكاك والبعثات التبشيرية (إبراهيم اليازجي، محمد أرسلان، بطرس البستاني، فرنسيس المراش) وشكل هؤلاء المثقفون وسواهم، أحد أهم روافع الفكر القومي العلماني، وانضم إلى  هذا التوجه (لاحقا) ضباط خدموا في الجيش التركي (وتأثروا بالثورة الفرنسية وبالفكر القومي الألماني) إثر فرض سياسة التتريك الإجبارية، ومن هؤلاء (مصطفى وصفي، وأمين الحافظ) بعد ثورة (1909) ونهوض القومية الطورانية، الأمر الذي أجج عوامل نهضة الفكر القومي وبلورته على الأرض، من خلال الانضمام إلى الثورة العربية الكبرى (1916)، ونيل دول المشرق العربي استقلالها ومن ضمنها سوريا  (قلبه) عن الدولة العثمانية. لكن لم يمض عامان من الاستقلال (1918, 1920) إلا وانتدب الفرنسيون سوريا، بعد أن وجهوا لها الضربات المتتالية  (ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر)، سواء للصناعات المحلية، أو لتراكم رأس المال (أثره السلبي في نهوض طبقة برجوازية ليبرالية). لكنهم  استحضروا بعض مظاهر الحداثة سياسيا (الانتخابات), إضافة إلى مناح أخرى محدودة كالطرق!

 وبنفس الوقت، حافظ الفرنسيون على البنى القائمة، وتحالفوا مع القوى التقليدية التاريخية والراسخة من التجار، ورجال الدين والإقطاع الذين شكلوا السلطة المحلية للانتداب، ولم تختلف الصورة بعد الاستقلال، فهؤلاء من حكم سوريا حتى الوحدة، وعادوا بمرحلة الانفصال.

 وسنفرد لكل مرحلة أسباب العجز البنيوي عن بناء دولة علمانية ديمقراطية. ولن ندخل مرحلة الانتداب ومفاعيلها من توزيع طائفي ومذهبي وجغرافي مُدَسْتر بين (1920، 1936).

فشل في إنجاز المهمات الوطنية

وسنلج إلى مرحلة الاستقلال والنخبة المسماة زورا “ليبرالية” التي تعاقبت على حكم سوريا، وفشلت في إنجاز المهام الوطنية والحداثوية، ومنها العلمنة، وذلك لأسباب تاريخية واجتماعية واقتصادية ودينية، أهمها العجز البنيوي لارتباطها العضوي بالسوق العالمية وتبعيتها له، إضافة إلى البنية التجارية الركيكة للمدن وتحالفاتها مع رجال الدين (الكثير منهم تجار وملاك أرض) والإقطاع المسيطر على الاقتصاد ككل (المديني والريفي)، ودور هذا الثلاثي  المتجذر في البنية السورية الاقتصادية والسياسية لعقود طويلة.

وهذه البيئة والبنية أفرزت الصناعيين ورجال الأعمال بطبيعتهم المحافظة وعلاقاتهم، وهو التحالف الضعيف الذي تحكم بمفاصل الدولة والسلطة في  سوريا (المتعددة الأديان والطوائف والمذاهب والقوميات). الدولة التي خرجت  للنور مضطربة الاقتصاد والسياسة والجغرافية والحداثة، دولة متشابكة ومتناقضة ما بين مظاهر الحداثة وبنى القرون الوسطى، هذه العناصر جميعها  تشابكت وتراكبت، لتصبح سببا رئيسا من بين أسباب عديدة أخرى، عرقلت تبلور طبقة أو فئة اجتماعية تتبنى عضويا مفاهيم العلمنة والحداثة والحرية والتعددية، وتحمل مشروعا حداثياً جدياً بمنطوياته المتعددة، ومنها العلمنة.

 هذا العجز البنيوي  لليبرالية  السورية (المستولدة من رحم الإقطاع وسواه)، هو من مهد  الطريق جراء فشل سياستهم الاقتصادية، لاكتساح الأرياف معالم الدولة الحديثة، الأمر الذي أدى إلى إقصاء المدينة نفسها (ولو جزئيا) عن الأفكار العلمانية وعن التيارات السياسية الديمقراطية، وإلى  تهميش الأرياف الذي وجد أبناؤها في الأحزاب العلمانية ملاذا، يعدهم بالمساواة والمواطنية المتساوية، ووجدوا في الجيش ميدانا للترقي الاجتماعي، فتضافرت تلك العوامل لإيصال الجيش إلى السلطة، بالتوازي مع  حرب فلسطين (وقيام إسرائيل) التي كشفت عجز النخبة الحاكمة الوطني، فأطيح بها من قبل  حسني الزعيم الذي أقر دستوراً  اقرب للعلمانية (لم  يذكر دين الدولة أو رئيس الدولة)، والذي أُخضع للتعديل (1950) مرحلة حكم أديب الشيشكلي بعد صراع طويل حول فقرتي دين الدولة ودين رئيسها، واتفق المعنيون على كتابة  الدولة مجردة، في حين تم تحديد دين الرئيس (الإسلام).

 وبقيت قوانين الأحوال الشخصية خاضعة للشريعة الإسلامية، وبهذا استمرت الدولة الهجينة (حتى الآن) رغم صعود أحزاب علمانية فاعلة آنذاك، ولكن اقتصر فعلها على الحقل السياسي والحكم، وغاب عنها الفعل التنويري، لأنها أرجأت كل مشاريعها التنويرية والحداثية إلى حين  وصولها إلى السلطة. ولعل أبرز تلك النخب الحزب القومي السوري، الذي ناضل لتحقيق الحداثة والعلمنة (ضرب مبكرا) والشيوعي. أما حزب البعث، فلم يكن علمانيا، لأنه مزيج من الفكر القومي ذي البعد العلماني ومرتبط بحبل سرة بالتاريخ العربي الإسلامي.

عندما حكم البعث

 ولذا عندما حكم البعث سوريا (1963) بانقلاب عسكري، حاول ضرب مواقع القوى الاجتماعية والاقتصادية الرأسمالية المدينية من خلال التأميم،  والإقطاع بقوانين الإصلاح الزراعي، والمتحالفين معهم من رجال الدين، وأبقى على البنى القديمة القادرة على إعادة إنتاج المفاهيم التقليدية وحواملها الاجتماعية والثقافية، وعندما سن البعث دساتيره المؤقتة (الثلاثة) لم يجرؤ على  فصل الدين عن الدولة، ولم يحدث ثورة أو إصلاحاً على مستوى التشريع بما يختص بقوانين الأحوال الشخصية (الدينية) ولم يخض معركة الحداثة، والعلمنة (كما فعل بورقيبة في تونس)، وإنما دخل بصراع على السلطة والنفوذ والثروة وتجريد القوى المناوئة من مكامن قوتها، وتم ذلك على مراحل، حتى عندما حكم راديكاليو البعث (1966، 1970) اقتصرت إجراءاتهم الجذرية على التأميم والمواقف السياسية، ولم يفتحوا معركة العلمنة نتيجة ضعف قاعدتهم الاجتماعية وحوامل الحداثة والعلمنة، ولخوفهم أيضاً من القوى المناهضة وتمردها واتهامهم بالكفر. وبالتالي، حافظت  “الدولة” على صيغتها الهجينة.

حافظ الأسد.. علاقة وثيقة بين الدولة وعلماء الدين

وعندما جاء حافظ أسد (ذو الخلفية الأقلوية) إلى السلطة ونتيجة حاجته لتوطيد أسس نظامه السلطوي وفي سياقٍ سياسي متغيّر، أحدث تغييرات في البيئة العلمانية المحدودة، فقام النظام بالعمل على رعاية علاقةٍوثيقةٍ بين الدولة وعلماء الدين على وجه الخصوص (دار الإفتاء والأوقاف) وعقد تحالفاً وثيقا  معهما بما يمثلان (إضافة إلى الكومبرادور). وهذه الصيغة شكلت ركائز معادلة حكمه (وأبقى مسحة علمانية لاستدامة تآلفه الخاص البيئي والسياسي)  ولا تزال سارية المفعول.

 هذا العقد التحالفي أنتج دستور (1973) الذي أعاد صيغة دستور (1950) إثر مظاهرات في مدينة حماة، ورفض رجال الدين للنسخة التي لم تأت على ذكر دين رئيس الجمهورية، وفي هذه المرحلة ازدهر بناء الجوامع ونشط الخطاب الديني الذي تزامن وازدهر مع بناء الجوامع، وذلك لإرضاء حلفاء النظام  الجدد وقاعدتهم الشعبية، وللوقوف بوجه اليسار الراديكالي الخ.

 استمر العمل بجوهر دستور (1973) بما فيه دستور (2012). ولم تطرأ تعديلات حداثية فعلية تتعلق بالعلمنة وعلى وجه الخصوص شؤون الأحوال الشخصية والتشريع المرتكز على الشريعة الإسلامية.

 أما في ملف الأحزاب، ومع العلم أن تحالف النظام السياسي ذا الطابع (الشكلاني) مع الأحزاب الخمسة المشكلة للجبهة الوطنية هي أحزاب علمانية ومدنية. ورغم ذلك أصدرت الحكومة السورية قانوناً ينظم عمل الأحزاب السياسية (2011)، ولم يأت القانون في مواده على ذكر “العلمانية”، وإنما أشار إلى شروط التأسيس بعدم قيام الحزب على أساس ديني أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون.

خطأ إطلاق صفة العلمانية على الدولة السورية

 إن الوقائع سابقة الذكر، تؤكد خطأ إطلاق صفة العلمانية على الدولة السورية (المسيطر عليها من قبل الباتريمونالية، وتعني الإرثية الرأسمالية وإعادة إنتاج البنى التقليدية والغنائمية) وهذا ينطبق على توصيف المجتمع السوري أيضا ( المتعايش فطريا إلى أن يدخل الدين بالسياسة).

 يضاف إلى تلك الوقائع، التذكير بأن المساجد والكنائس لا تزال كلمتها هي العليا، وقانون الأحوال الشخصية مازال ضمن  إطار ومحور الشريعة الدينية، وفي المدارس لم تستطع المؤسسات التربوية إلغاء التربية الدينية، واستبدالها بمواد عن المواطنة. وأي مراقب محايد يلاحظ مؤخراَ ازدياد الجرعة الدينية في الدولة والمجتمع السوري من ازدياد معاهد تحفيظ القرآن إلى الجماعات الإسلامية مثل القبيسيات” والجمعيات الخيرية، وتوسع ٍ في صلاحيات وزارة الأوقاف، وكأنها إعادة إنتاج وتجديد لتحالف النظام مع الأوقاف  والإفتاء ولشرعيته  بعد التحولات  السورية الكبيرة، التي بدأت بالانتفاضة  السورية كجزء من الربيع العربي (2011).

هل حجارة  البركان السوري حجبت العلمنة؟

حمل الانفجار الجماهيري الكبير (2011) احتماليات مستقبلية كبيرة من مشاريع وبرامج جذرية لمسارات ديموقراطية وعلمانية (ونفث أيضا بواطنه المتخلفة). ولكن للأسف كانت قواه الفاعلة والمحركة, سياسيا وشعبيا, من  الإسلام السياسي التقليدي بتلاوينه المتعددة، لأن اليسار الماركسي والقومي فقد مشروعيته ومشاريعه، والقوى الليبرالية (الحداثوية) ضعيفة، ولذا  لم يُطرح أي مشروع نهضوي،  واقتصر حقل  الصراع على السلطة ( وأهمية صندوق الانتخاب)، ترافق ذلك مع تنظير بعض النخب العلمانية لمصطلح الدولة المدنية بدل العلمانية، كخطوة تراجعية عما طرح طوال العقود المنصرمة. وفي هذا الإطار، يأتي تخلي برهان غليون في مقابلته التلفزيونية  مع المؤسسة الوطنية للإرسال (إل بي سي) عن الدولة  العلمانية بما تمثل، إلى الدولة المدنية كمحصلة لاتفاقه مع الإسلاميين وغيره الكثير. وهذا التراجع هدف إلى  تسويق مفهوم الدولة المدنية تمهيداً للحكم الإسلامي على النموذج التركي، وبرروا ذلك بأنه استبدال للاسم فقط، وليس المضمون.

فشل الانفجار العربي الكبير في معظم الدول (بما فيها سوريا) من تحقيق المأمول منه (ديمقراطية، حداثة، عدالة اجتماعية…) وانزلق نحو الحروب الأهلية في كل من ليبيا، اليمن، سوريا، والتي لا تزال دائرة.

حرب قادت سوريا إلى التطرف والتطيف والتقوقع، وربما التقسيم فخسر الوطن السوري (وغيره من بلدان المنطقة) فرصة تاريخية لبلورة مشروع تنويري حداثوي وديمقراطي، أو محاولة تقديم مشروع إصلاح جدي، كما حصل في القرن التاسع عشر والقرن العشرين على يد رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين وطه حسين وعلي عبد الرازق وعبد الرحمن الكواكبي  وغيرهم الكثير.

 والسبب (كما قلنا) يعود إلى طبيعة الفواعل السياسية والاجتماعية في الحراك وبنيتها الدينية التقليدية، فهي قوى بدون مشروع ولا برنامج، وكل ما تطمح إليه السلطة السياسية والثروة وإدخال رأس مال بنكهة إسلامية (أصحاب رؤوس الأموال من الإسلام السياسي) في تماثلية شديدة الوضوح بين أحزاب الإسلام السياسي والقوى الحاكمة المستبدة (ذات القشرة المدنية) من حيث  البنية الرأسمالية،  والهدف المركزي  السطو على السلطة، وغياب المشروع،  أضف إلى أنهما قوى غير ديمقراطية. إن طبيعة الصراعات الأخيرة قادتنا إلى  تراجع جديد  في مسار المشروع النهضوي. وفي هذا السياق لن ننسى  دور التدخلات الخارجية ومشروعها مع الإسلام السياسي “المعتدل”، الإخوان المسلمين، وإن تراجعت عن تحالفها معهم بعد سقوطهم في مصر.

مسارات الحل السوري وأفق العلمنة

بعد سنوات من الحرب الأهلية السورية المدمرة والصراع الدامي على السلطة والثروة وسمات الصراع المذهبي متعدد الوجوه، إن لم نجرؤ (من باب توخي الدقة) على القول بأن الصراع اتخذ شكلا وبعدا مذهبيا، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه الصراع المسلح بين النظام والأصولية الإسلامية (1979، 1982) وإن اكتسى قشرة تقدمي/ رجعي (ما يؤكد ما ذهبنا إليه أن النظام لم يكن يوما نظاما علمانيا) آنذاك.

وهذا الصراع المتجدد، يأتي في سياق اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي،  يتمظهر بالتوضع الطائفي والمذهبي نتيجة طبيعة وبنية القوى المتحاربة والمتخاصمة من حيث التركيبة الديموغرافية والمذهبية والفكرية القصووية  المتقابلة. فالنظام السوري ذو الطبيعة الاستبدادية له سماته المذهبية والطائفية، ولاحقا جاءت  بعض تحالفاته في المحيط الإقليمي (إيران) لتراكم رؤية وموقفا من النظام على أسس مذهبية من قبل كتل شعبية وقوى معارضة إسلامية، جاءت انتفاضة (2011) ومسارها، الذي جوبه وقطع بالعنف الوحشي الممارس من النظام، لتبلور معارضة تناقضه بالبيئة الاجتماعية وبالتوجه السياسي والتحالفات، وعناوين الصراع، قوى تعمل على القطع مع النظام والقتال ضده تحت شعار مذهبي دفع به إلى واجهة الصراع ومتاريس القتال من قبل الطرفين وعبّآ بيئيتهما، وشكّلا أدواتهما من ميلشيات عنف وعنف مضاد مع استخدام النظام لكل أدوات العنف في الدولة بحيث جر وحوّل الصراع، والذي كان  يفترض  أن يكون أفقيا، إلى صراع  عامودي  اجتماعي وسياسي، أسس لآفات تقسيمية طائفية ومذهبية مذرية، لأن طرفي الصراع بدون برنامج ولا رؤية، سواء للدولة أو للنظام، ومشروعهما السلطة،  فالنظام  دافع عن بقائه بكل الوسائل الدموية وغير الدموية، واستخدم ادعاءات الدفاع عن العلمانية (والأقليات) والممانعة وغيرها من الشعارات.

أما القوى المعارضة المسلحة الفاعلة على الأرض، وهي معظمها قوى إسلامية، طالبت بحقوقها (المفترضة) بحكم سوريا بما تمثل، ومن بينها الإخوان المسلمون. أما قوى المعارضة الأخرى، من يسارية وعلمانية وليبرالية،  فهي الحلقة الأضعف (مفككة) وعاجزة عن الفعل.

 والانتفاضة التي فتحت الباب أمام مشروع  نهضوي تنويري حداثوي (كما ذكرنا سابقا) أغلقت الأبواب سريعا بالرتاجات بسبب طبيعة مواجهة النظام (استخدم كل صنوف العنف في وجه المتظاهرين) ورد الفعل من البيئة الواقع عليها العنف والقوى المشكلة والفاعلة لمواجهة هذا العسف، وتحولها السريع إلى الأسلمة، عدا عن وجود الإسلام السياسي الكامن في المجتمع السوري.  هذه العوامل الداخلية، معطوفاً عليها التدخل الإقليمي الذي ضخ المال والسلاح من أجل إسقاط النظام وضرب ما يسمى الهلال الشيعي في منطقة هي قوس أزمات أصلا، فتحولت الساحة السورية إلى حرب خنادق بين طرفيين مستبدين وقصويين  وقتلة، واستحضرت أشباح الماضي القاتم، وتجاهلوا عن قصد ابن رشد وابن سينا وغيرهم. وخسرت سوريا صياغة مشروع دولة وطنية ديمقراطية وعلمانية، بسبب غياب كتل شعبية لها أدواتها، تشكل حوامل هذا المشروع، واستطاعت القوى التقليدية الإسلامية السيطرة على الحراك وقيادته إلى حيث أرادت بدعم من الأطراف الإقليمية والدولية.

 وبعد ثماني سنوات عجاف من أنهار الدم والتدمير والتهجير، وانهيار الحلم بالمشروع التنويري وسحقه، وتحوله إلى حلم ببقاء الدولة بحدودها الحالية  وشعبها المتشظي إلى  “ملل ونحل”  وإنهاء الحرب بأبعادها كافة، وأهمه البعد المجتمعي والسياسي إثر بروز الهويات القاتلة (الطائفية والمذهبية) ما قبل مدينية، والذي يتطلب مصالحة وطنية مبنية على حل سياسي وتقاسم للسلطة بين النظام والمعارضة (بعد الفشل في إسقاط النظام). والسؤال الذي يطرح نفسه: أي معارضة سياسية، وهي إلى حد كبير افتراضية؟! هل هي المسلحة الفاعلة؟ وماذا سيكون دورها؟ وما هي طبيعة تحولاتها الداخلية، خصوصا  والجزء الفاعل منها هو متطرف راديكالي؟ والذي  يقود أيضاً إلى تساؤل عن  الدور الذي ستلعبه هذه القوى (التقليدية والمتطرفة) مجتمعة في بنية وطبيعة  الدولة القادمة وبنيانها، وإلى أي درجة ستخترقها؟ وعليه كيف سيعاد بناء هوية سورية وطنية؟

إنها تساؤلات جدية حول المستقبل السوري وسيرورة تطوره؟ وما هو شكل الدولة والحكم!

واستطرادا، من هي القوى التي ستحدد مستقبل سوريا الوطني؟ في واقع مدمى  وممزق وممذهب، والذي  يدفعنا لإعادة طرح علمانية الدولة مجددا كمفتاح  لحل الأزمة السورية من أجل مجتمع موحد وسياسة معقلنة، دولة وطنية  علمانية تضمن الوحدة الوطنية وتستطيع  تجاوز الانقسام  المجتمعي والشرخ البنيوي (بانتماءات ما قبل الدولة)، وفي الوقت نفسه تعبر عن مصلحة الدولة العليا، رغم ما يدور من  التباس  حول مفهوم العلمنة  وارتباطه بأذهان العامة بالكفر…الخ، نتيجة الهجوم والتضليل الذي سيق ضدها طوال عقود مضت، بحيث لم يتم فهمها باعتبارها منظومة معرفية عقلية، وأحد وجوهها  فصل ما هو دنيوي عن ما هو ديني.

كيف ستأتي العلمنة؟

والسؤال الذي يتلو بالضرورة هذه الرؤية:  كيف ستأتي العلمنة؟ بإسقاط  فوقي (وله مساوئ عديدة) أم تحتي؟ وأي كتل شعبية وطبقية ستكون رافعة للعلمنة وممثليها (سياسيا)؟ وهل ستحّمل اجتماعيا للأقليات، كحالة دفاع عن ذواتهم؟

عندئذ تعاد الكرّة ثانية حول محدودية القاعدة الاجتماعية الرافعة لها (أيا كانت) والقوى المالية والدينية والاجتماعية الكلاسيكية التي سبق وأفشلت وستفشل  تطبيق العلمنة في مرحلة كانت القوى الحداثية والعلمانية  في ذروة حضورها وفاعليتها ولديها مشروعية، خصوصا والمنطقة تمر بأسوأ مرحلة لا تقتصر على الإسلاموية، وإنما على التطييف والتمذهب كنتاج للحروب المدمرة التي اصطبغت بالداء المذهبي. وهذا ما يعّقد هذا الطرح ويدخله باب الأمنيات والترجي! أم علينا الانتظار إلى حين نضوج إرادة شعبية أفقية لها قواعدها  الاجتماعية والسياسية؟

سورية مريضة

وسورية، في حالتها الراهنة، مريضة، وفي العناية المركزة، وتحتاج للعلاج السريع، علاج يفتح الأفق لدولة سورية سليمة البدن، بحيث لا تبقى رهينة   حليّن كليهما مر، الأول: بقاء نظام استبدادي ذي قشرة علمانية، والثاني: الذهاب إلى دولة دينية متطرفة تقضي على ما تبقى من مؤسسات مدنية  وهياكل دولة، خصوصا والنخب العلمانية السورية الحالية لم ولن تستطع فرض ذاتها على طاولة المفاوضات، وبالتالي على شكل وماهية الدولة  السورية التي  يعاد بناؤها وصياغتها، وسوف تكون محصلة موازين  القوى الفاعلة في الداخل والخارج ومعظم هذه القوى، العلمنة ليست على أجندتها، وبالتالي لن يأتي الحل بدولة علمانية ديمقراطية على أسس المواطنة المتساوية، وإنما ستبقي دولة هجينة (بناء على توازن القوى) في حال  جرى تقاسم في السلطة! أو يتكسر المساران (العلماني والهجين) ونذهب إلى تحاصص طائفي ومذهبي، وهو الطريق الأخطر على مستقبل سوريا، لأنه يؤسس لحروب أهلية متعاقبة. أو تخرج من بين الأنقاض نخبة جديدة تقنع السوريين  بضرورة العلمنة ودولة القانون…الخ.

مهمة ممكنة وملحة

 وإلى حين ذلك، لدينا مهمة ممكنة وملحة، وهي الضغط على اللجنة الدستورية (الشكلانية) المشكلة حديثا، لأجل صياغة دستور علماني ديمقراطي يحفظ حقوق المواطنين جميعا لبلد فسيفسائي الطوائف والمذاهب والقوميات والأديان  وممزق. دستور قائم على مبدأ المواطنة المتساوية والتشريعات الوضعية. مع أني لست متفائلة لأن القوى الدينية ستكبح ذلك، خصوصا أن الولايات المتحدة ودولا أخرى تعمل على دستور طائفي كما في لبنان والعراق، وهذا ما اتضح من خلال تسريب أوراق نوقشت (لقاء الولايات المتحدة والأردن والسعودية ودول غريبة أخرى 2018) عدا عن طرح بعض المبعوثين الغربيين  للديمقراطية التوافقية” المذهبية والطائفية ومحاولة إقناع  بعض النخب السورية  بهذا الطرح، فهل سيقبل الشعب السوري ونخبه بهذا الطرح؟

سوريا في أسبوع ١٤ – ٢١ تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٩

سوريا في أسبوع ١٤ – ٢١ تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٩

انسحاب أميركي

٢٠ تشرين الأول/أكتوبر

انسحبت القوات الأميركية الأحد من أكبر قواعدها العسكرية في شمال شرقي سوريا، تنفيذاً لقرار واشنطن الأخير بسحب نحو ألف جندي من تلك المنطقة، وفق مراسل فرانس برس والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وشاهد مراسل وكالة فرانس برس أكثر من سبعين مدرعة وسيارة عسكرية ترفع العلم الأميركي وتعبر مدينة تل تمر في محافظة الحسكة، بينما كانت مروحيات برفقتها تحلق في الأجواء.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لفرانس برس إن القافلة أخلت مطار صرين الذي اتخذته القوات الأميركية قاعدة لها، على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً جنوب مدينة كوباني (عين العرب.)

وتقع هذه القاعدة (التي تعتبر الأكبر للقوات الأميركية في شمال سوريا) على أطراف منطقة عازلة تسعى أنقرة لإقامتها في شمال شرق سوريا، حيث تشن مع فصائل سورية موالية لها هجوماً منذ التاسع من الشهر الحالي ضد المقاتلين الأكراد. وتمكنت بموجبه من السيطرة على شريط حدودي بطول 120 كيلومتراً.

وبعد خمسة أيام من بدء هذا الهجوم، أعلنت واشنطن في 14 تشرين الأول/أكتوبر، أن نحو ألف جندي أميركي موجودون في المنطقة تلقوا الأوامر بالانسحاب.

وبدأت واشنطن تنفيذ قرارها بسحب جنود من نقاط حدودية مع تركيا، ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر لأنقرة حتى تبدأ هجومها الذي لاقى تنديداً دولياً واسعاً وتسبب بنزوح أكثر من 300 ألف شخص.

وانسحبت القوات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، من ثلاث قواعد أخرى، بينها قاعدة في مدينة منبج وأخرى بالقرب من كوباني.

وباتت جميع القواعد التي اتخذتها القوات الأميركية “في شمال محافظة الرقة وشمال شرق حلب خالية” اليوم، وفق عبد الرحمن، بينما لا يزال الأميركيون يحتفظون بقواعد في محافظتي دير الزور والحسكة، بالإضافة إلى قاعدة التنف جنوباً.

حصار رأس العين

19 تشرين أول /أكتوبر

قطع الجيش الوطني السوري الموالي  للجيش التركي طريق رأس العين تل تمر في ريف محافظة الحسكة الشمالي الغربي، وبذلك فرض حصاراً كاملاً على مدينة رأس العين.

وقال مصدر مقرب من الجيش السوري لوكالة الأنباء الألمانية أن المجموعات المسلحة هاجمت اليوم نقاطاً للجيش السوري في قرية الأهراس/ 15 كم شمال غرب مدينة تل تمر/، وتمكن الجيش السوري من صد الهجوم، وعادت عناصر المجموعات المسلحة إلى المنطقة التي انطلقوا منها”.

وبسط الجيش السوري سيطرته على الطريق الدولي حلب – القامشلي M4 من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وصولاً إلى مدينة تل تمر وعلى مسافة  تتجاوز 120 كم .

إعادة “دواعش

19  تشرين الأول/أكتوبر

حذّر قاضي التحقيق دافيد دوبا وهو منسق قسم مكافحة الإرهاب في محكمة باريس، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، من أن عدم إعادة الجهاديين الفرنسيين المحتجزين في سوريا “يُشكل خطرا على الأمن العام” في فرنسا.

وقال في تصريح غير مسبوق في وقت ترفض السلطات الفرنسية في الوقت الحالي إعادة هؤلاء الجهاديين، إن “عدم الاستقرار السياسي وسهولة اختراق ما تبقى من مخيمات الأكراد يثيران الخشية من أمرين: هجرة غير منظمة لجهاديين إلى أوروبا مع خطر حصول هجمات يُنفّذها عقائديون متشددون من جهة، وإعادة تشكيل مجموعات إرهابية مقاتلة مدرّبة ومصممة في المنطقة من جهة أخرى”.

ولدى فرنسا حوالى مئتي شخص و300 طفل في المخيمات والسجون الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا، وهي ترفض إعادتهم على غرار عدد من الدول الأخرى بسبب استياء الرأي العام وترغب في أن تتم محاكمتهم في أقرب مكان إلى مواقع جرائمهم.

لكن منذ أن أطلقت تركيا في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر هجوماً ضد المقاتلين الأكراد في الشمال السوري، تخشى الدول الغربية فرار 12 ألف جهادي محتجزين لدى الأكراد في سوريا بينهم 2500 إلى 3000 أجنبي.

هدنة هشة

18  تشرين الأول/أكتوبر

بعد ساعات على إعلان واشنطن اتفاقاً لوقف إطلاق النار، شنّ الطيران التركي غارة جوية أسفرت عن مقتل مدنيين في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا مع استمرار الاشتباكات المتقطعة في مدينة حدودية، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

 قال المقاتلون الأكراد االجمعة، إنه ليس لديهم أي نية للانسحاب من كامل الحدود الشمالية الشرقية لسورية – وهو بالضبط ما يتوقعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يحدث بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الخميس.

وقالت وكالة أنباء بلومبرج إن التفسيرين المتضاربين يشيران إلى هشاشة اتفاق التهدئة لمدة خمسة أيام.

انتزاع هدنة

17 تشرين الأول/أكتوبر

وافقت تركيا الخميس على تعليق هجومها في شمال شرق سوريا وإنهائه إذا انسحبت القوات الكردية من هذه المنطقة خلال خمسة أيام، وذلك بموجب اتفاق انتزعه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في أنقرة.

وقال بنس للصحافيين بعد محادثات مع الرئيس أردوغان استمرت أكثر من أربع ساعات أنه للسماح بانسحاب القوات التركية “خلال 120 ساعة، سيتم تعليق كل العمليات العسكرية في إطار عملية نبع السلام، على أن تتوقف العملية نهائيا ما إن يتم إنجاز هذا الانسحاب”.

وعلى القوات الكردية أن تنسحب من منطقة بعمق 32 كلم بحيث تتحول في النهاية إلى “منطقة آمنة” تسعى إليها تركيا منذ أشهر.

داعش” يحرر

17  تشرين الأول/أكتوبر

أعلن تنظيم “داعش” الخميس أنه “حرر” عدداً من النساء المحتجزات لدى المقاتلين الأكراد، إثر شنّه هجوماً على أحد مقراتهم في محافظة الرقة في شمال سوريا، وفق بيان نقلته حسابات جهادية على تطبيق تلغرام.

ويأتي ذلك بعد سلسلة حوادث أعقبت انصراف قوات سوريا الديموقراطية لصد هجوم تشنّه أنقرة مع فصائل سورية موالية لها ضد مناطق سيطرتها، وتخللها فرار نحو 800 شخص من عائلات مقاتلي التنظيم من مخيم للنازحين، وفرار جهاديين من سجون وأعمال شغب شهدتها مراكز احتجاز أخرى.

الأسد يواجه

17  تشرين الأول/أكتوبر

تعهد الرئيس السوري بشار الأسد الخميس بالرد على الهجوم الذي تشنه تركيا منذ التاسع من الشهر الحالي في شمال شرق البلاد “بكل الوسائل المشروعة”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا).

وقال الأسد خلال استقباله مسؤولاً عراقياً إن الهجوم التركي “هو غزو سافر وعدوان واضح”، مضيفاً أن سوريا “سترد عليه وتواجهه بكل أشكاله في أي منطقة من الأرض السورية عبر كل الوسائل المشروعة المتاحة”، بعدما انتشرت القوات الحكومية في مناطق عدة قريبة من الحدود التركية بموجب اتفاق مع الأكراد.

إجلاء

16  تشرين الأول/أكتوبر

طالبت الإدارة الذاتية الكردية المجتمع الدولي بالتدخل لفتح “ممر إنساني” لإجلاء المدنيين والجرحى “المحاصرين” في مدينة رأس العين الحدودية، بعدما طوقتها القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها وتدور فيها اشتباكات عنيفة.

وتشنّ تركيا منذ التاسع من الشهر الحالي هجوماً في شمال شرق سوريا، تسبّب بنزوح أكثر من 300 ألف مدني. وتمكّنت بموجبه من السيطرة على مناطق حدودية واسعة باستثناء رأس العين، حيث تتركز المعارك.

أرقام التوغل

 16 تشرين الأول/أكتوبر

تداعيات الهجوم التركي على الوضع الإنساني في سوريا بالأرقام:

– ثلاثة ملايين نسمة عدد السكان المقيمين في شمال شرق سوريا.

-72 مدنياً قتلوا جراء نيران الجيش التركي والفصائل الموالية.

– عشرون مدنياً قتلوا في الجانب التركي من الحدود.

– 1,800,000 شخص يحتاجون إلى مساعدة.

– 300 ألف شخص فروا من منازلهم في المناطق الحدودية.

– 83,000 نازح جدد تلقوا مساعدات.

– أربعون مدرسة تحولت إلى ملاجئ.

– ألف مدني تقريباً فروا من مناطق الإدارة الذاتية الكردية إلى كردستان العراق.

– 400 ألف شخص في مدينة الحسكة ومحيطها يواجهون خطر نقص المياه.

– 68 ألف نازح يقبعون في مخيم الهول للنازحين.

–  32 منظمة دولية غير حكومية تعلق نشاطاتها وتسحب موظفيها الدوليين من مناطق الإدارة الذاتية.

– 3,600,000 لاجئ سوري فروا إلى تركيا منذ اندلاع النزاع عام 2011 ويأمل الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة قسم كبير منهم إلى منطقة عازلة يريد إنشاءها قرب الحدود.

– تسعون في المئة من إجمالي محصول الحبوب في سوريا يتم إنتاجه في شمال شرق سوريا.

الكونغرس وترامب

 16 تشرين الأول/أكتوبر

صوّت مجلس النواب الأميركي بغالبية كبيرة (354 صوتاً مقابل 60 صوتاً) لإدانة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من شمال سوريا، في تجسيد رسمي للمواقف الحادة للحزبين الديموقراطي والجمهوري ضد السياسة الخارجية المثيرة للجدل لادارة ترامب.

وهذا القرار المشترك بمثابة أول إدانة للكونغرس لقرار ترامب، الذي اعتبر معارضون أنه منح الضوء الأخضر للقوات التركية لغزو شمال سوريا ومهاجمة القوات الكردية.

وينص القرار على أن مجلس النواب “يعارض قرار إنهاء بعض جهود الولايات المتحدة لمنع العمليات العسكرية التركية ضد القوات الكردية السورية في شمال شرق سوريا”.

كوباني ودمشق

15  تشرين الأول/أكتوبر

دخلت قوات النظام السوري مدينة كوباني (عين العرب) في شمال سوريا بموجب اتفاق مع الإدارة الذاتية الكردية في مواجهة الهجوم التركي المستمر منذ أسبوع ضد مناطق سيطرتها، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن “قوات النظام ترافقها قوات روسية دخلت مساء الأربعاء مدينة كوباني” ذات الغالبية الكردية والحدودية مع تركيا في ريف حلب الشمالي الشرقي، والتي طالما أعلنت أنقرة نيتها السيطرة عليها.

ولكوباني رمزية خاصة كونها شهدت في العام 2015 على أولى أبرز المعارك التي هزم فيها المقاتلون الأكراد بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن تنظيم الدولة الإسلامية.

ومنذ ذلك الحين، باتت تُعد وحدات حماية الشعب الكردية رأس الحربة في قتال التنظيم المتطرف، وتعززت علاقاتها مع واشنطن التي استمرت بدعمها بعد انضوائها في تحالف قوات سوريا الديموقراطية.

وبعد هجوم شنته تركيا وفصائل سورية موالية لها في التاسع من الشهر الحالي، وأمام إصرار واشنطن على سحب جنودها من مناطق سيطرتهم، لم يجد الأكراد حلاً سوى اللجوء إلى دمشق وحليفتها موسكو.

وكانت النتيجة أن أعلنت الإدارة الذاتية الكردية الأحد اتفاقاً مع دمشق ينص على انتشار قوات النظام السوري على طول الحدود مع تركيا لمؤازرة قوات سوريا الديموقراطية في تصديها للهجوم التركي.

وبموجب الاتفاق، انتشرت قوات النظام خلال اليومين الماضيين في مدينة منبج ومحيطها (شمال شرق حلب) وبلدة تل تمر (شمال غرب الحسكة) ومحيط بلدة عين عيسى (شمال الرقة).

أهمية منبج

15  تشرين الأول/أكتوبر

يفصل ثلاثون كيلومترا بين الحدود التركية ومدينة منبج الاستراتيجية الواقعة في شمال سوريا والتي خضعت لسيطرة قوات مختلفة منذ بداية النزاع في 2011. والمدينة الواقعة في محافظة حلب التي سيطرت عليها قوات النظام السوري الثلاثاء، بقيت لفترة طويلة هدفا لأنقرة.

كان عدد سكان منبج يبلغ قبل الحرب 120 ألف نسمة، هم أساساً من السنة، غالبيتهم عرب وربعهم أكراد، بالإضافة إلى أقلية تركمانية. ومنبج محاذية لمواقع تسيطر عليها فصائل موالية لتركيا، خصوصاً مدينة الباب غرباً ومدينة جرابلس شمالاً.

سيطرت فصائل معارضة في 2012 على المدينة، لكنها وقعت بيد تنظيم الدولة الإسلامية في 2014. وقد باتت ممراً أساسياً في المحور الذي ينقل منه الجهاديون المقاتلين والسلاح والمال بين تركيا والمناطق التي يسيطرون عليها في سوريا. وقد وصفتها الولايات المتحدة بأنها الأرض التي يعبر منها تنظيم الدولة الإسلامية نحو أوروبا.

وفي 2016، قطعت قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة بشكل رئيسي من وحدات حماية الشعب الكردية، وبدعم من الولايات المتحدة، الطرق التي تربط بين منبج والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدول الإسلامية، قبل أن تنجح بالاستيلاء على المدينة.

ووضعت قوات سوريا الديموقراطية بعد ذلك بلدية منبج بعهدة مجلس مدني، وتحولت المدينة إلى ملجأ لآلاف النازحين الفارين من المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

بقيت القوات الأميركية في منبج بعد هزيمة الجهاديين.

وفي الوقت نفسه، خسر تنظيم الدولة الإسلامية مناطق محيطة بالمدينة لصالح القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا ي جنوب منبج، والفصائل الموالية لتركيا في شمالها.

ونتيجة لذلك، باتت القوات الأميركية في منبج في وسط منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع تفصل بين قوات متحاربة.

في 2017، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نشر تعزيزات عسكرية قرب منبج.

واستُهدفت القوات الأميركية في كانون الثاني/يناير 2019 بهجوم تبناه تنظيم الدولة الإسلامية وأدى إلى مقتل 19 شخصاً في منبج، بينهم أربعة أميركيين، وهو الاعتداء الأكثر دمويةً الذي يطال القوات الأميركية في سوريا منذ عام 2014.

أطلقت أنقرة في آب/أغسطس 2016 عملية عسكرية في سوريا هدفت خصوصاً إلى منع وحدات حماية الشعب الكردية من السيطرة على قطاع من الأراضي على طول الحدود التركية السورية.

وأكد خبراء أن سيطرة القوات الكردية على منبج وسعيهم خصوصاً إلى التقدم غرباً هي التي دفعت أنقرة إلى التدخل عسكرياً.

وأطلقت تركيا وفصائل سورية موالية لها في كانون الثاني/يناير 2018 عمليةً عسكرية ثانية، وطردت قوات وحدات حماية الشعب من مدينة عفرين في آذار/مارس.

طلبت قوات وحدات حماية الشعب الكردية في كانون الأول/ديسمبر، وإثر تهديدات تركية جديدة بشن عملية، من دمشق نشر قواتها في محيط منبج، معلنةً انسحابها من تلك القطاعات.

ونشر الجيش السوري قواته في محيط المدينة دون أن يدخل إليها.

وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أطلقت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها عملية ثالثة في شمال سوريا لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من الحدود مع تركيا.

وسيطر الجيش السوري في 15 تشرين الأول/أكتوبر على كامل مدينة منبج ومحيطها.

القطاع التعليمي في إدلب: بين مطرقة القصف وسندان انقطاع الدعم

القطاع التعليمي في إدلب: بين مطرقة القصف وسندان انقطاع الدعم

ينظر الطفل عمر العطار (١٢عاماً) ببالغ الحزن والأسى إلى مدرسته التي تحولت إلى دار لإيواء النازحين، فلم يعد بإمكانه ارتيادها مجدداً واضطر للسير مسافة طويلة للوصول إلى مدرسته الجديدة.

ارتفعت نسبة الدمار ارتفاعاً ملحوظاً في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة بعد الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها القوات الروسية وقوات النظام السوري مطلع نيسان الفائت، حيث دمرت الكثير من المنشآت الحيوية وفي مقدمتها المدارس مما بات يهدد حيلاً كاملاً بحرمانه من التعليم في تلك المنطقة في سوريا.

أوضح الموجه التربوي بلال بركات (٣٥ عاماً) بأن”الواقع التعليمي يواجه أوضاعاً مزرية جداً في منطقة إدلب فقد خرجت أكثر من ٣٥٠ مدرسة عن الخدمة من أصل ١١٩٠ مدرسة نتيجة للقصف العنيف الذي أدى إلى دمارها”، ويضيف بأن ما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة لهذا القطاع الهام هو توقف المنحة الأوربية المقدمة من منظمة كمونكس وهو ماينذر بكارثة حقيقية على القطاع التعليمي إن بقي دون دعم.

ويشير إلى أن العمل حالياً ضمن المدارس هو تطوعي ولكن لا يعلم إلى متى يمكن للمدرسين الاستمرار دون رواتب، وهو يعتقد بأنه إن طال الأمر عليهم سيبحثون عن فرص عمل أخرى وستبقى المدارس دونما معلمين مما سيؤدي إلى تسرب الطلاب من المدارس.

كما وتواجه مديرية التربية والتعليم في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة ازدحاماً كبيراً في أعداد الطلبة مع نزوح آلاف العوائل من ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي إلى تلك المناطق، فباتت أكثر من ٢٥ مدرسة قيد التوقف عن عملها بعد أن غدت ملاجئ للنازحين الذين ضاقت بهم المعيشة ولم يتمكنوا من الحصول على مأوى أمام فقرهم وغلاء آجار المنازل في الشمال والذي وصل لحد ٤٠٠ دولار أمريكي شهرياً.

وتوضح لمى الحسين (٢٥عاماً) نازحة من ريف إدلب الجنوبي ومقيمة في مدرسة نهاد نجار بمنطقة معرة مصرين ”لم نجد بداً من السكن في هذه المدرسة بعد بحثنا الطويل عن منزل دون جدوى، فقد نزحنا وشردنا من بيوتنا ومناطقنا وخرجنا بأرواحنا دونما أمتعة أو حتى ملابس”. وتتابع بأنها أرملة ولديها ثلاثة أبناء ولاتعلم كيف تأمن لهم قوت يومهم فكيف لها أن تتمكن من دفع أجور المنازل الباهظة والتي تفوق مقدرتها المادية بأضعاف مضاعفة حسب وصفها.

عانى القطاع التعليمي في سوريا من الإهمال منذ بداية الثورة السورية، فقد تعمد النظام السوري تخفيض ميزانية التعليم  حيث انخفض عام ٢٠١١ بنحو عشرة مليارات ليرة سورية عنه في العام السابق، وانخفض سبعة مليارات إضافية في ٢٠١٢ وفق ماأعلنت وزارة التربية والتعليم التابعة للنظام آنذاك، كما عمدت إلى إيقاف مرتبات المعلمين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرته ما سبب نقصاً كبيراً في الكوادر.

عن مسيرة القطاع التعليمي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة يشرح المعلم نهاد قيطاز(٣٣عاماً) ”بعد تشكيل الجيش السوري الحر وتوسيع رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام في عموم البلاد بدأ معلمون وموظفون تربويون وطلبة جامعيون متطوعون محاولات لاحتواء أزمة التعليم ” مبيناً بأنهم عمدوا إلى افتتاح حلقات التعليم في المدارس بما يتوفر من مقومات بسيطة محاولين سد ثغرة عامين من انقطاع التعليم لدى الأطفال لاسيما في مرحلة التعليم الأساسي، ولأن عملهم لم يكن منظماً ومدعوماً فقد زاد حجم المشكلة. ويستطرد بأنه وعلى الرغم من تشكيل المكتب التعليمي التابع للائتلاف الوطني السوري مطلع عام ٢٠١٣، إلا أنه لم يتمكن من ضبط قطاع التعليم ولم يقدم الدعم اللازم نظراً لقلة موارده، كما أن الحكومة المنبثقة عنه والتي شكلت مديريات التربية الحرة في عموم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة لم تتلق الدعم اللازم أيضاً إلا أنها وجدت نوعاً ما هيكلاً مبدئياً لمنظومة التعليم.

وللتعليم في المخيمات الشمالية حكاية أخرى، حيث تشهد تلك المخيمات ضعفاً شديداً في البنية التعليمية. فمن أصل ١١٥٣ مخيم في مناطق شمال غرب سوريا والتي تحوي ١.٢ مليون نسمة لايتجاوز عدد المدارس ضمن تلك المخيمات أكثر من ٤٩ مدرسة معظمها لا تلبي الاحتياجات التعليمية.

وعن هذا الوضع، يقول يوسف شعبان (٤١عاماً) ناشط في المجال الإغاثي والتعليمي في مخيمات الشمال “هنالك أطفال داخل المخيمات الشمالية لم يخضعوا للعملية التعليمية على مدى ثماني سنوات من عمر الثورة السورية والسبب في ذلك يعود لافتقار الكثير من المخيمات السورية على الحدود التركية لأي مدارس أو أنشطة تعليمية”.  عمد شعبان إلى إقامة مدرسة أطلق عليها اسم الناشط بلال كريم في مخيمات البرادقلي، وتلك المدرسة افتتحت أبوابها مع بداية أيلول ٢٠١٩ بمساعدة عدد من الناشطين والمتبرعين الأشخاص في سوريا ودول الجوار، غير أن المدرسة لم تستوعب سوى ٤٥٠ طالباً وطالبة من أبناء مخيمات البرادقلي التي يبلغ عددها ١٧ مخيم في حين أن عدد الأطفال في عمر الدراسة فاق هذا العدد أضعافاً مضاعفة. وحول المدرسة يؤكد شعبان بأنها “تضم المستويات الأولى والثانية والثالثة، وهي موزعة على دوامين لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الأطفال.” ويشعر شعبان بالأسف حيال عدم استيعاب المدرسة إلا لعدد قليل قياساً بالأعداد الكبيرة المتواجدة، وما فاجأه أن ١٠ بالمائة من مجموع الطلاب الذين ضمتهم المدرسة فقط يجيدون بعض القراءة والكتابة، أما بقية الأطفال فلا يجيدون حتى كتابة أسمائهم رغم كبر أعمارهم التي وصلت حتى ١٢ عاماً، ولذا فهو يدعو جميع المعنين لتدارك تلك الأجيال وتدارك العملية التعليمية التي باتت مهددة بشكل كبير في سوريا وفق تعبيره.

في ظل استمرار العمليات العسكرية التي طالت منشآت تعليمية عدة، ومع انقطاع الدعم الرئيسي عن هذا القطاع الهام، فإن آلاف الأطفال في إدلب وريفها باتوا مهددين بحرمانهم من حق التعليم الذي سرعان ما سينعكس سلباً على ما سيؤول إليه حال هؤلاء الأجيال من جهل وانحراف وزواج مبكر.

في تفكيك الخطاب العلماني ونقائضه

في تفكيك الخطاب العلماني ونقائضه

*تُنشر هذه المادة ضمن ملف “آفاق العلمانية في سوريا” بالتعاون مع “حكاية ما انحكت” و”جدلية

مقدمة:

ما إن استقرت العلمانية في مؤسسات ودول وممارسات حتى تحولت إلى سردية كبرى أسوة بالحداثة التي ولّدتها. ومع الوقت، وبسبب المعارك الفكرية والأيديولوجية التي خاضتها ونجمت عنها، أصبحت شبيهة بالأيديولوجيات التي وعدت البشر بالتحرر منها، إذ سرعان ما أصبحت ديناً جديداً، أي عقيدة متماسكة وصلبة ومغلقة، وبدا أن مهمة الفكر النقدي تتمثل في تفكيكها أسوة بالسرديات الكبرى القومية والأممية والدينية. فخسرت الكثير من ألقها الفكري وميلها التحرري، وغدت صنماً يضاف إلى بقية الأصنام التي حاولت تهديمها. بهذا النقد الجذري انكبت تيارات ما بعد الحداثة الفلسفية على مراجعة فكر الحداثة ومؤسساتها، ومقولاتها التأسيسية ومن ضمنها العلمانية.

أسهمت الأزمات والحروب بنتائجها وخيباتها بتعرية وفضح الخطابات الخلاصية والنصوص التي وعدت الناس بالفردوس المفقود، كما فككت الإيديولوجيات والسرديات الكبرى في نظر أصحابها وفي عيون الآخرين. إذ لم تتمكن هذه المقولات من بناء وعي أعمق بواقع المجتمعات العربية، ولم تترافق إلا بممارسات فاضحة لادّعاءات أصحابها بدلالة الفرق الكبير بين ما يقال وما يمارس، على ما تشهد به التجارب المصرية والليبية والعراقية والسورية مع التطرف والإرهاب وسواها. وتصدعت بدرجات متفاوتة اليقينيّات الكبرى القومية والدينية لتسود أشكال نكوصية وتفتيتية من الوعي الضيق، سواء أكان مذهبياً أم طائفياً أم قبائلياً أم عشائريا، وبدا أن البون شاسع بين ما نبشر به وما نمارسه[1]. وتهاوت دعاوى دولة الخلافة على أرضية ممارسات الجماعات المتطرفة والتكفيرية الأشد دموية والأكثر همجية، ولم تنفع محاولات تسويقها وتجميلها بتأكيد انتسابها إلى الخبرات الإسلامية والوعي الجمعي ذي المرتكز التراثي الإسلامي، كما تم تأويله وإعادة إنتاجه في الميديا المعاصرة.

وفدت العلمانية مع مفردات منظومة الحداثة الغربية إلى الثقافة العربية إثر الاحتكاك المباشر مع الغرب، وأثار مفكرو النهضة الأوائل معارك فكرية ذات مضامين سياسية وثقافية، إبان محاولتهم الإجابة على السؤال النهضوي الكبير، والذي مايزال معلقاً ومطروحاً: لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب والمسلمون؟؟.

في سياقها الغربي لعبت العلمانية دوراً إيجابياً في تسهيل انتقال أوروبا من العصر الوسيط إلى العصور الحديثة، وساهمت إلى جانب العقلانية والمعرفة العلمية الوضعية الجديدة في تغيير الرؤيا القديمة إلى العالم وفي نقل السياسة من السماء إلى الأرض فأصبحت شأناً إنسانياً خالصاً. وبالتالي أسهمت في تحرير الإنسان الأوروبي بالتضافر مع الإصلاح الديني والنهضة، من سلطة اللاهوت الكنسي وسيطرته على مقدرات أوروبا المادية والروحية، هذا التحول الذي استكملته فلسفة التنوير من خلال اعتبار الإنسان الفرد وأسئلته وحريته وملكيته أساساً للفلسفة السياسية الحديثة التي قالت بدولة الحق والقانون، وبالعقد الاجتماعي مع هوبز وروسو ولوك وتوصلت إلى فكرة المواطنة كبديل للصراعات الدينية. فعد الإنسان هو المركز بوصفه مواطناً وبصرف النظر عن لونه أو دينه أو مذهبه أو معتقده السياسي، الأمر الذي تكرس في معاهدة وستفاليا وبنيت على أساسه صيغة الدولة_الأمة التي يتطابق فيها الكيان الاجتماعي للأمة مع معادلها السياسي أي الدولة. لكن هذه التطورات والثورات والانقطاعات والتراكمات استغرقت أكثر من أربعة قرون وكلفت الأوروبيين الكثير من الدماء والأكثر من الأفكار والفلسفات والتراكم المعرفي.

 نستخلص مما سبق أن العلمانية ليست بالظاهرة التي يمكن لنا توصيفها في بساطة ويسر. فهي جملة من التحولات التاريخية (السياسية والاجتماعية والثقافية)؛ وهي تندرج في إطار أوسع من مجرد التضاد بين الدين والدنيا (كما هو شائع)، وتنطوي على وجوه عدة:

  • وجه معرفي:يتمثل في نفي واستبعاد الأسباب الخارجة على الظواهر الطبيعية والتاريخية _أي ظواهر الميتافيزيقية_ وفي التشديد على التحول التاريخي الدائم؛
  • وجه آخر مؤسّسي:يتمثل في النظر إلى المؤسسة الدينية باعتبارها مؤسسة خاصة تضم دور العبادة وأنظمتها ومستلزماتها؛
  • وجه سياسي:يتمثل في عزل الدين عن السياسة (الدولة)؛ وأخيرا،
  • وجه أخلاقي قيمي:يربط الأخلاق بالتاريخ والضمير[2].

ولم تعد مسألة العلمانية والدين مطروحة في الغرب إلا بما تحيل عليه في عالم السياسة، أي لم تعد مشكلة ولا حلا ولا قضية خلافية لأن الواقع تجاوزها بشكل علمي ومعاش أي بفعل الممارسة، لكن الأمر مختلف في أوضاعنا ومجتمعاتنا العربية، إذ لم نتمكن  من إنجاز الحداثة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، رغم وجود العديد من مظاهرها وبقيت أشكال التحديث قشرية وبرانية تتعايش مع بنى تقليدية موروثة فكانت أقرب إلى حداثة التخلف، ولم نتمكن من امتلاك عوامل القوة في عالم اليوم والمرتكزة على الإنسان والعلم وتطبيقاته، وارتضينا بالضعف والهامشية، بل دخلنا في صراعات تناحرية بينت فداحة الثمن الباهظ الذي ندفعه، فبتنا مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء خارج العصر وفاقدي السيطرة على مقدراتنا ومصيرنا.

نقد الخطاب العلماني ونقائضه:

على مستوى المآلات أخفق العلمانيون العرب في تقديم رؤيا للعلمانية نابعة من ضرورة التفكر بواقع العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة في مجتمعات مفعمة بالروحانيات والمقدس، وبالتالي بدا وكأن دفاعهم عن علمنة الحياة يصب في مواجهة الدين، رغم قولهم أن ذلك ينطبق على المجال العام ولا يمس الشأن الخاص للإنسان ومعتقداته. فكان رد الخطاب الديني على دعاة العلمانية متطرفاً إذ بدوره اتهمهم بالكفر والخروج عن الدين، بل اعتبرهم البعض وكلاء للغرب يريدون افتعال مشكلة غربية ليستوردوا لها حلاً غربياً بحسب تعبير محمد عمارة[3].

وبتفكيك هذا السجال يتضح أن الطرفين قد دخلا إلى الموضوع مدخلاً إيديولوجياً غير آبهين بالمكونات المعرفية والسياق التاريخي الذي أنتج العلمنة كسيرورة تاريخية وتراكم معرفي، بل أصبح الموقف من العلمانية موضع تهمة مسبقة وشبهة حيث نسمع في وسائل الإعلام ونقرأ عبارات مثل (علماني والعياذ بالله، العلمانيون الملحدون، وكلاء الاستعمار، المستغربون، اللادينيون…. إلخ). وهي بصرف النظر عن تحيزها أوصمتها، تدلل على موقف مسبق وأحكام صحتها قطعية وعداء إيديولوجي للعلمنة يجعل الحوار بين الطرفين مستحيلاً.

وبمقابل قول العلمانيين أن للعلمانية خاصية لا تملكها الدولة الدينية وهي قبولها للتعددية والتنوع والانفتاح، يطرح الإسلاميون المتشددون شعار “الإسلام هو الحل” بوصفه ديناً ودنيا أي عقيدة وتشريعاً، وبالتالي فنحن لسنا بحاجة إلى العلمانية ولا إلى فصل الدين عن السياسة، وذلك لعدم وجود كهنوت في الإسلام على شاكلة المسيحية من جهة، ولأن الإسلام نظام سياسي اقتصادي اجتماعي صالح لكل زمان ومكان وفق الأيديولوجيا الإخوانية من جهة أخرى!!!

ومن الواضح أن المسكوت عنه في هذا الخطاب والذي تقوله جماعات الإسلام السياسي بصراحة في سياقات أخرى، إن نظام الخلافة الإسلامي على طريقة “المودودي” وسيد قطب ومحمد مرسي وآردوغان هو البديل المطلوب. ورغم نجاحات الإسلاميين على المستوى الشعبوي والتحريضي، إلا أن تجاربهم العملية في غالبية البلدان العربية تؤكد فشل هذه التيارات في تقديم الحلول لهذه المجتمعات، مثلما تبين أن الاستبداد الديني لا يقل خطورة عن الاستبداد السياسي، بل هو أخطر لأنّ الخروج عليه أصعب نظراً لاعتقاد أصحابه أنهم يدافعون عن الحقيقة وأن تأويلهم الديني هو الوحيد الصحيح، وأن الخروج عليه خروج عن إجماع الأمة ووحدة الجماعة، مع ملاحظة أن الأمة هنا هي الأمة الإسلامية ولو رمزياً باعتبار أن الخلافة تغطي نظرياً كل العالم الإسلامي.

لا يميز الخطاب السابق بين علمانية مؤمنة وعلمانية ملحدة، ولا يلتقط الفروق بين علمانيات متطرفة كالعلمانية الفرنسية أو الأتاتوركية وأخرى معتدلة، فهي جميعها وعلى ما بينها من فروق وتمايزات مدانة وغير مرغوب بها ولا تلزم هذه البلدان.

في حين ينطوي الفهم الأعمق والأشمل للعلمانيّة على اعتبارها مجموعة من القيم العقلية تستهدف إحراز استقلال الفكر وضمان حريته حيال تحليل ونقد العقائد والإيديولوجيات (سياسية، دينية). إنها موقف لروح أمام مشكلة المعرفة؛ فكما يقول محمد أركون:

[…] بمعنى حق الإنسان في معرفة أسرار الكون والمجتمع اعتماداً على عقله وخبراته. بهذا لا تكون العلمانية موقفاً من الدين فقط […] بل من قضية المعرفة. والعلمانية الفلسفية ليست الكفر؛ إنها بحث عن المعرفة، يدخل فيه الدين أيضاً، تقول بالدين وتبحث فيه بحثاً علميّاً ولا تقصد هدمه البتة. فهدف كل موقف علمي هو فضح الثوب التنكري التمويهي الذي ارتداه الفكر الإسلامي العربي[4].

أما إذا سألت هؤلاء عن وضع المرأة المتدني مثلاً في المجتمعات العربية، أو عن الفوارق الطبقية الحادة بين الأغنياء والفقراء، وعن أسباب استمرار التخلف والأمية والفقر وعن فشل التنمية، وانسداد الأفق أمام الشباب وتحولهم إلى التطرف، أو عن عمق حالة الاغتراب الوجودي التي يعيشها الإنسان بفقده السيطرة على مصيره ومستقبله، وكيف يكون الإسلام هو الحل لهذه القضايا؟ فلن تسمع سوى إجابات شاحبة وتبريريّة تعمق المشكلات بدلاً من أن تساهم في حلها. ولا يتساءل أحد عن الفرق بين الخطابات التي تصور النظام الإسلامي على أنه منصف للمرأة ويتماشى مع طبيعتها البيولوجية ويكرمها بوصفها أمّاً وبين الوقائع والأرقام التي تفضح هذا الزيف من خلال نسب الأمية الأعلى في العالم المنتشرة بين النساء في العالم العربي فضلاً عن النظر إليها باعتبارها مخلوقاً أقل أهلية وحقوقاً، على ماتبيّن أدبيات الثقافة الذكورية والتقليدية السائدة، والأمر نفسه ينطبق على غياب نظرية إسلامية في الاقتصاد والتنمية وتفسير الفوارق الطبقية الحادة، ولعل حال المسلمين، باستثناء القلة منهم، يوضح بشكل جلي كيف ينعكس المقدس على حال المؤمنين، وهذا هو الأهم بتعبير ماكس فيير، فهم رغم كل الادعاءات والديماغوجيا في ذيل قائمة الأمم والشعوب في التقدم والتنمية وحال المرأة والبحث العلمي وسيادة القانون واستقلالية القضاء وحريات التعبير والقول والاعتقاد والعمل الإبداعي، وإن تواجدت بعض هذه المؤشرات فهي فردية ومؤقتة ولا يبنى عليها ولا تشكل ظواهر لأنها تتواجد رغماً عن، وربما بسبب بيئة غير مؤاتية ومفوّتةتاريخياً.

فتفكيك الخطاب العلماني المتشدد يصبح ضرورة وشرطاً لتفكيك النزعة والتيارات المتطرفة دينياً وايديولوجياً، لأن منطق التطرف واحد وهو الإلغاء، إلغاء الآخر المختلف والمغاير باللون والجنس واللغة والمعتقد والدين والمذهب والقبيلة والعشيرة والعائلة، وذلك من أجل فرض الواحدية والتجانس المزعوم على مجتمعات هي بتوصيفها السيسيولوجي تعددية ومتنوعة. والمشكلة برأينا ليست في التعدد والتنوع، ولا بالطبيعة الفسيفسائية للعديد من البلدان العربية مثل لبنان وسورية والعراق وبدرجة أقل مصر وتونس والسودان …إلخ. المشكلة في إدارة هذا التنوع وفي قدرة النظم السياسية على بناء مجال/فضاء عام يتسع للجميع تحت مظلة الهوية الوطنية، مع الاعتراف بوجود وتعدد القوميات والأعراق واللغات وتداخل وتفاعل الثقافات الممتدة لآلاف السنين في هذه البقعة من العالم. إذ تتحدث الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية على تعاقب حوالي 38 حضارة على الأرض السورية بعضها عابر وأغلبها مقيم ومستمر بشكل أو بآخر. فإدارة التنوع هي الأهم والأبقى، وعليها يصبح التمايز والتعدد نقمة ومشكلة أو يغدو نعمة وعامل قوة وتماسك، شريطة تطبيق مرجعية متفق عليها بين الجميع والاحتكام لمبادئ وأسس المواطنة بحمولتها الفكرية والسياسية الحديثة والتي تكفل المساواة الحقوقية والسياسية لكل المواطنين على مستوى الحقوق والواجبات بصرف النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم أو لغتهم أو معتقدهم السياسي.

بين مفهوم العلمانية ومضامينها:

كان محمد عابد الجابري يقول: ” إذا كانت العلمانية مقولة غربية نشأت في إطار الصراع مع الكنسية، فلماذا لا نبحث عن جوهر العلمانية وهو العقلانية والديمقراطية ونأخذ به بدلاً من العلمانية التي تثير الجدل والحساسيات”[5]. وأنا أعتقد ان الجابري بهذه النباهة قد تخطى الجدل العقيم بين أعداء العلمانية ومناصريها، وسلط الضوء على لب الموضوع وهو طبيعة النظم السياسية، فإذا كانت تعددية وعقلانية فلا يهم حينئذٍ اسمها، وهذا حل واقعي إلى أن تتغير الأحوال والأفهام، أي الوقائع والوعي.

فما الذي يجمع بين هذا التصور وبين الدولة المدنية دولة الحق والقانون، دولة لكل مواطنيها على قدم المساواة؟؟.

يعترض الإسلاميون على أنظمة الحكم ذات الطابع العلماني بدعوى أنها شمولية وغير ديمقراطية ولاتقبل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين، مثلما يعترض العلمانيون على الديمقراطية العددية، بمعنى أن الدين أو الطائفة أو المذهب أو العشيرة الأكثر عدداً هي التي ستتحكم في مقاليد الأمور وتضطهد الآخرين، وهذا أمر مفهوم وإن كان غير مستساغ من كثيرين، وذلك حتى يتحول مفهوم الأغلبية من ديني إلى سياسي وحزبي. على صعيد آخر لا يقدم القائلون بالدولة الدينية تفسيراً لانتشار ظواهر التطرف والعنف ولا يوضحون كيف تتحول البنى الاجتماعية التقليدية والموروثة إلى بيئات حاضنة للتشدد والغلو وصولاً للإرهاب، وبدلاً من انتقاد التحالف العضوي بين الأيديولوجيات الوهابية والإخوانية وبين المال النفطي وفضح دوره في إعادة هذه المجتمعات إلى وضعية حرب الجميع ضد الجميع، عبر زجها في حروب وصراعات غير مثمرة تاريخياً ولا ينجم عنها سوى المزيد من العنف والدمار، يكتفي أصحاب الإسلام السياسي باتهام الغرب وأعداء الإسلام بأنهم سبب ما يجري في مجتمعاتهم، ومع أن في هذه الحجج بعض الوجاهة، إلا أن إعادة هذه البلدان إلى شريعة الغاب والحالة الوحشية التي أحسن “هوبز” توصيفها عندما قال: “الإنسان ذئب أخيه الإنسان” يعادل في منطق السياسة العودة على ما قبل الدولة والمجتمع، أي إلى حالة الطبيعة والتوحش والتي جاء العقد الاجتماعي لتجاوزها بوصفها تهديداً بفناء الجنس البشري، وإن بصيغ جديدة ورموز ورايات وإمارات تمتد من باكستان وحتى المغرب وتجعل من التطرف الإسلامي العدو الأول للإسلام المعتدل والمستنير.

وعوضاً عن الانجرار وراء هذا الهذيان التبشيري الماضوي والذي لم يجلب لبلداننا سوى مزيد من الخراب والموت باسم استعادة الماضي الذهبي المتخيل، إذ تدفقت علينا وحوش التطرف والإرهاب تحت مسمى الجهاد من كل حدب وصوب، فقتلت وسبت واستباحت الأعراض والأرزاق وأحيت الرق والعبودية الجنسية لإرضاء خيالات مرضية اعتقدت أنها بجهاد النكاح سوف تصنع إماراتها الظلامية، إلى أن بدأت تتناحر فيما بينها من نفس منطق الاستبعاد والإلغاء ولا هدف لممارساتها سوى إطلاق أقصى ما في النفس البشرية من توحش وعنف ونزوع تدميري للذات والآخر. وفي صراع كهذا الجميع خاسر، ألم يقل نيتشه ” حاذر وأنت تقاتل الوحوش من أن تتحول إلى وحش مثلهم، آنذاك أنت الخاسر سواء ربحت المعركة أم خسرتها”. تحذرنا الصرخة النيتشوية من عبث ومجانية وفداحة الدخول في صراعات من هذا القبيل، وتؤشر على خطورة
أن يقوم الصراع بتحويل الجميع قتلة وضحايا إلى مجرد أدوات، ذلك لأن شرط التفوق على الخصم بشكل حقيقي هو الانحياز إلى غايات إنسانية عليا تضمن التفوق الأخلاقي لأصحاب القضايا العادلة، وتضمن عدم تحول كل أطراف الصراع إلى وحوش بشرية متناحرة تعمل ليحل الخراب، كما في كل الصراعات الداخلية والأهلية فالجميع فيها خاسر، وهذه أقل حصيلة معرفية يمكن أن نتوصل إليها بعد الأثمان الباهظة التي دفعناها والتي كادت أن تعصف بنا دولاً ومجتمعات بالمعنى الوجودي. ألم يلحظ هيغل ان بومة مينرفا وهي رمز الحكمة لا تحلّق إلا بعد أن يعم الخراب!!!. الخوف والخيبة إذاً وبعد كل هذا الخراب، من عدم سماع صوت العقل وتجاهل فرصة المعرفة الحكيمة الملازمة للكوارث والحروب.

مستقبل وآفاق العلمانية في سورية:

ليس من السهل التنبؤ بمآلات وآفاق تطور العلمانية في سورية. فتعقيدات المشهد السوري وتداخل الوطني مع الإقليمي والدولي في تشكيل ملامحه المستقبلية باتت أمراً واقعاً. مع ذلك لا نجازف كثيراً إذا قلنا إن تطور مسار العلمنة لا ينفصل عن كيفية وتوقيت انتهاء الحرب والأزمة وما يتعلق بها من قضايا تتصل بملامح العقد الاجتماعي الجديد الذي ينظم ويعيد بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويكفل وحدة وسيادة الدولة على كامل التراب السوري، فضلاً عن إعادة التماسك الاجتماعي، بعد كل ما تعرض له من تصدعات وشروخ وخسائر في الرأسمال الاجتماعي المبني على التعاون والثقة وتعميق القيم الرمزية التي تجمع السوريين على ما بينهم من تباينات واختلافات وتنوع.

وإذا كان لعملية إعادة البناء والإعمار دور حيوي في تظهير ملامح سورية المستقبل، سواء لجهة تأمين مصادر التمويل اللازمة لبناء البنى التحتية والمساكن والمنشآت الحيوية، أو لجهة حجم الاستثمارات والتمويل المخصص لهذه العملية والمرتبط بشكل التسوية السياسية التي ستنهي الحرب وتبعاتها، فإن إعادة بناء الإنسان قيمياً ومعرفياً لا تقل أهمية عن البناء المادي، بل هي التي ستقودها عبر سياسات ثقافية واجتماعية وتنموية مطالبة بتصحيح أشكال الخلل الهيكلي في الاقتصاد السوري، إن على مستوى الهوية الاقتصادية، أو على صعيد الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والتنافسية وخلق بيئة مواتية للاستثمار …إلخ. لاتصال ذلك مباشرة بتلبية الاحتياجات الأساسية للسوريين، وتحسين سبل عيشهم، واستعادة الكثير من مواردهم التي دمرتها الحرب، ولأن الانتعاش الاقتصادي شرط لازم لاستئناف المسار التنموي وضمان حقوق المواطن في الصحة والتعليم والخدمات الأساسية والدخل والمشاركة.

وسيكون للدستور الجديد المنبثق عن الحوار الوطني الشامل بين السوريين أنفسهم، والمنظم للعلاقة بين السلطات والضامن للحقوق والحريات والمساواة بين المواطنين، ذكوراً وإناثاً، وبصرف النظر عن عرقهم أو دينهم أو لغتهم أو عقيدتهم أو انتمائهم السياسي، دور محور في تكريس قيم وثقافة المواطنة وبالتالي الاستفادة من المضامين العميقة للعلمانية كضمانة للتنوع مع احترام العقائد والأديان والخصوصيات الثقافية للسوريين تحت مظلة الهوية الوطنية الجامعة.

ولا شك بأن ملامح سورية ما بعد الحرب ستتبلور وتتضح بمقدار استجابتها دولة ومجتمعاً لجملة التحديات التي واجهتها ومستوى الاستجابة لها، وفي صلبها امتلاك رؤية مستقبلية تشكل جزءاً من استراتيجية واضحة الأهداف تندرج فيها ضمناً أسس تنظيم العلاقة بين الديني والسياسي والمجتمعي وبما يضمن عدم تحوّل هذه العلاقة إلى عامل تهديد للاستقرار والسلم الأهلي. فهل نستفيد من الفرص الملازمة للأزمات والحروب، وهل نحسن التقاط العبرة والدروس الثاوية في قلب المعاناة والأثمان الباهظة التي دفعناها؟؟.

الهوامش:

[1]للمزيد من التوسع حول الفرق بين الخطاب والممارسة، يمكن العودة إلى كتابات جاك دريدا التفكيكية، ونصوص علي حرب في مؤلفاته النقدية، وخصوصاً كتابة نقد الحقيقة، بيروت، 2015.

[2]عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص18.

[3]محمد عمارة، جريدة الحياة، عدد22/8/1989.

[4]محمد أركون: في حديث لمجلة الإحياء العربي، العدد 5تشرين الأول، 1979.

[5]انظر الحوار بين محمد عابد الجابري وحسن حنفي على صفحات اليوم السابع، 3نيسان/أبريل1989.

سوريا في أسبوع 8 – 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2019

سوريا في أسبوع 8 – 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2019

تركيا تعلن الهجوم

رويترز

9 تشرين الأول/ أكتوبر

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء إن بلاده وحلفاءها من قوات المعارضة السورية بدأوا عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، مضيفاً أن الهدف منها هو القضاء على “ممر الإرهاب” على حدود تركيا الجنوبية.

وأضاف أردوغان أن الهجوم الذي يحمل اسم “عملية نبع السلام” يستهدف أيضاً القضاء على التهديدات التي يمثلها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية السورية ومسلحو تنظيم الدولة الإسلامية وتمكين اللاجئين السوريين في تركيا من العودة إلى ديارهم بعد إقامة “منطقة آمنة”. وتابع قائلاً على تويتر “مهمتنا هي منع إقامة ممر للإرهاب في الجهة المقابلة من حدودنا الجنوبية وإحلال السلام بالمنطقة… سنحافظ على وحدة الأراضي السورية وسنحرر المجتمعات المحلية من الإرهابيين”.

الغزو التركي

رويترز

14 تشرين الأول/ أكتوبر

قالت الولايات المتحدة يوم الأحد إنها تستعد لسحب نحو ألف جندي أمريكي من شمال سوريا بعدما علمت أن تركيا تعتزم توسيع هجومها بينما أبرمالجيش السوري اتفاقاً مع المقاتلين الأكراد لينتشر على طول الحدود مع تركيا.وتعكس التطورات انحسار نفوذ واشنطن على الأحداث في سوريا وفشل السياسة الأمريكية المتمثلة في منع النظام السوري من إعادة تأكيد سلطة الدولة على المناطق التي خسرتها خلال الصراع المستمر منذ ما يربو على ثماني سنوات مع مقاتلي المعارضة الذين يحاولون إنهاء حكمه.

كما تمثل التطورات انتصارات لروسيا وإيران، اللتين دعمتا النظام السوري منذ عام 2011 عندما تحولت جهوده لسحق ما بدأ باحتجاجات سلمية إلى حرب أهلية شاملة.وبينما يُبعد الانسحاب الأمريكي القوات الأمريكية عن خط النار، فإن عودة الجنود السوريين إلى الحدود التركية تفتح الباب أمام احتمال اندلاع مواجهة أوسع إذا دخل الجيش السوري في صراع مباشر مع القوات التركية.

وأثار الهجوم التركي في شمال سوريا أيضا احتمال هروب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم الذين تحتجزهم القوات الكردية التي تستهدفها تركيا. وثمة تقارير عن فرار العشرات منهم مما قد يؤدي إلى عودة ظهور التنظيم المتشدد.

وبدأ تطور الأحداث قبل أسبوع عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب حوالي 50 من قوات العمليات الخاصة من موقعين في شمال سوريا في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مهدت الطريق لتركيا لبدء غزوها المستمر منذ أسبوع ضد المقاتلين الأكراد في المنطقة.

وتهدف تركيا إلى تحييد وحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل العنصر الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والتي كانت حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في تفكيك دولة داعش في سوريا.وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأحد إن الهجوم سيمتد من كوباني في الغرب إلى الحسكة في الشرق ويمتد بعمق نحو 30 كيلومتراً في الأراضي السورية وتخضع الآن مدينة رأس العين لسيطرة تركيا.

وصرحت قوات حماية الشعب الكردية أن انتشار الجيش السوري سيدعم قوات سوريا الديمقراطية في التصدي “لهذا العدوان وتحرير الأراضي التي دخلها الجيش التركي والمرتزقة” وذلك في إشارة إلى قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا.وقالت في بيان إن ذلك سيسمح أيضا بتحرير المدن السورية الأخرى التي احتلها الجيش التركي مثل عفرين. وطرد الجيش التركي وحلفاؤه من مقاتلي المعارضة السورية المقاتلين الأكراد من عفرين في 2018.

وأثارت العملية العسكرية قلقاً دولياً بشأن عدم قدرة قوات سوريا الديمقراطية على احتجاز آلاف الجهاديين في أحد السجون وعشرات الآلاف من أسرهم في مخيمات.

وقالت الإدارة التي يقودها الأكراد في المنطقة إن 785 أجنبياً من منتسبي داعش فروا هذا الأسبوع من مخيم عين عيسى لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان نقل عن مصادر في المخيم قولها إن نحو مئة شخص فروا.

ونفى أردوغان التقارير وقال لوكالة الأناضول التركية للأنباء إن روايات فرار سجناء الدولة الإسلامية “معلومات مضللة” تهدف إلى استفزاز الغرب.

وتعرض ترامب لانتقادات حادة على قرار الانسحاب، حتى من رفاقه الجمهوريين. وقد ألقى بالعبء على عاتق الأكراد وتركيا لكبح جماح مقاتلي داعش وألقى باللوم على الدول الأوروبية لعدم استعادة مواطنيها.

وأعلنت تركيا أيضاً أن قواتها وحلفاءها من مقاتلي المعارضة السورية سيطروا على طريق سريع على عمق يتراوح بين 30 و35 كيلومترا تقريباً داخل سوريا وإن ذلك سيقطع شرياناً رئيسياً يربط المناطق التي يديرها الأكراد في شمال سوريا.

وظهرت تقارير جديدة عن سقوط ضحايا من المدنيين. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن غارة جوية تركية في رأس العين قتلت 14 شخصاً بينهم 10 مدنيين يوم الأحد. وقالت قوات سوريا الديمقراطية إن “قافلة مدنية” استُهدفت.

و أثار الهجوم التركي قلقاً دولياً بشأن النزوح الجماعي للمدنيين فضلاً عن الانتقادات داخل الولايات المتحدة بسبب تخلي ترامب عن حلفاء الولايات المتحدة الأكراد. وتواجه تركيا حالياً تهديدات من الولايات المتحدة، الحليفة في حلف شمال الأطلسي، بفرض عقوبات عليها إذا لم توقف التوغل.

وقالت ألمانيا وفرنسا، حليفتا أنقرة أيضاً في حلف شمال الأطلسي، إنهما أوقفتا صادرات السلاح لتركيا. وعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعاً طارئاً للحكومة يوم الأحد لمناقشة الخيارات المتاحة فيما يتعلق بهجوم تركيا.

وقالت الأمم المتحدة إن ما يربو على 130 ألفاً نزحوا من المناطق الريفية حول تل أبيض ورأس العين نتيجة المعارك.

وجاء تصريح وزير الدفاع الأمريكي بشأن اعتزام الولايات المتحدة سحب نحو ألف جندي أمريكي من شمال سوريا بعد أن غير ترامب السياسة المتبعة فجأة وقرر سحب بعض القوات الأمريكية التي كانت بالمنطقة لدعم القوات الكردية في قتال تنظيم داعش.

وقال أردوغان للصحفيين إن القوات التركية وحلفاءها من مقاتلي المعارضة السورية حاصروا تل أبيض، وهي مدينة حدودية رئيسية إلى الغرب من رأس العين. وقال شاهد من رويترز إنهم تقدموا فيما بعد إلى وسط تل أبيض وإن الوضع هادئ.

وقال أردوغان أيضاً إن القوات التي تقودها تركيا قتلت 440 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية حتى الآن وانتزعت السيطرة على 109 كيلومترات مربعة من الأرض، بما في ذلك 17 قرية حول تل أبيض وأربع قرى حول رأس العين.

روسيا ومحادثات دمشق والأكراد

رويترز

13 تشرين الأول/ أكتوبر

قال سياسي من أكراد سوريا يوم الأحد إن الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد تعقد حالياً مفاوضات بمشاركة روسيا معبراً عن أمله في التوصل إلى اتفاق يوقف هجوماً تركياً في شمال البلاد.

وقال أحمد سليمان العضو في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا إن المحادثات تجري حالياً في قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية وذلك رغم تصريح مصدر مقرب من الحكومة السورية بأنها تجرى في دمشق وقال سليمان المنتمي لمدينة القامشلي الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية “نأمل في التوصل الى اتفاق يوقف الحرب الدائرة وخاصة التداعيات الخطيرة والكارثية على المواطنين في شرق الفرات”.

الجيش السوري إلى كوباني

رويترز

13 تشرين الأول/ أكتوبر

ذكرت قناة الميادين اللبنانية يوم الأحد أن الجيش السوري سينتشر في غضون 48 ساعة في مدينتي كوباني، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، ومنبج القريبة التي تسيطر عليها قوات حليفة لقوات سوريا الديمقراطية.  وتقع المدينتان ضمن مساحة في شمال سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المستهدفة حالياً في هجوم تشنه تركيا مع جماعات من المعارضة السورية المدعومة من أنقرة.

المعارضة المدعومة تركياً

رويترز

9 تشرين الأول/ أكتوبر

قالت قوات من المعارضة السورية تدعمها تركيا في شمال سوريا يوم الأربعاء إنها لن تأخذها رحمة بوحدات حماية الشعب الكردية السورية في شمال شرق البلاد والتي لم تجعل أمامها أي خيار سوى الحرب.وذكر “الجيش الوطني”، وهو فصيل المعارضة الرئيسي الذي تدعمه تركيا، في بيان أنه قال لمقاتليه “لا تأخذكم بهم رأفة واضربوهم بيد من حديد وأذيقوهم جحيم نيرانكم”. وأضاف البيان “كفوا عمن ألقى إليكم السلام والتزم بيته وتجنب القتال وانشق إليكم طالباً الأمان”.

أوروبا تستنكر

رويترز

10 تشرين الأول/ أكتوبر

تسبب الهجوم التركي على قوات يقودها الأكراد في سوريا في غضب عارم من حلفاء أنقرة الأوروبيين وخشيتهم من أن يؤدي ذلك لوصول موجة جديدة من المتشددين. ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إن الهجوم، الذي بدأ بعد أن سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوات بلاده من سوريا، يثير تساؤلات أساسية عن مصير علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي كما يضيف توتراً إضافياً إلى العلاقات عبر الأطلسي بما يشمل الثقة بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.

ويُعقد الهجوم من فرص نجاح احتمالات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي ويهدد بانهيار اتفاق لكبح تدفق المهاجرين بين تركيا والتكتل أدى لخفض حاد في أعداد اللاجئين الوافدين لدول الاتحاد لكنه يتعرض لضغوط متواصلة بسبب محاولة لاجئين جدد الوصول للأراضي الأوروبية.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير “هذه وصفة لكارثة… بالنسبة للأتراك أو الأكراد أو لنا… هذا التدخل التركي تشتيت كامل سيتسبب في فتح صندوق باندورا” في إشارة لتعقيد المشكلات القائمة.

وقالت أنقرة إنها تعتزم إقامة “منطقة آمنة” لإعادة ملايين اللاجئين الذين تستضيفهم لبلادهم وهو ما تريد أن تدفع أوروبا تكلفته وهي خطة قال دبلوماسيون أوروبيون إنها غير واقعية.ورفضت حكومات كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تلك الخطط يوم الأربعاء وقالت إنها لن تقدم مساعدات.وعبر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر عن ذلك صراحة وقال “لا تتوقعوا أن يدفع الاتحاد الأوروبي لأي من ذلك”.

لم يتضح ما الذي يمكن لأوروبا أن تفعله للضغط على أنقرة. يعتمد التكتل على تركيا في كبح تدفق اللاجئين لدوله بعد اتفاق في 2016 لإغلاق طريق للهجرة غير المشروعة عبر بحر إيجة عقب وصول أكثر من مليون لاجئ لدول الاتحاد الأوروبي.

العرب غاضبون!

رويترز

12 تشرين الأول/ أكتوبر

قاد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية يوم السبت وزراء خارجية الدولة العربية في التنديد بالعملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، قائلاً إنها “غزو لأراضي دولة عربية وعدوان على سيادتها”.

وأدان وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم، والذي ترأس بلاده الجلسة الحالية للجامعة العربية، الهجوم التركي على سوريا وذلك خلال اجتماع طارئ للجامعة بدعوة من مصر.

وقرأ أبو الغيط البيان الختامي للاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، قائلا إن المجلس قرر “النظر في اتخاذ إجراءات عاجلة دبلوماسية واقتصادية واستثمارية وثقافية وسياحية وفيما يتعلق بالتعاون العسكري لمواجهة العدوان التركي”.

كماقرر المجلس، بحسب البيان الختامي، “مطالبة مجلس الأمن الدولي باتخاذ ما يلزم من تدابير لوقف العدوان التركي والانسحاب من الأراضي السورية بشكل فوري”.

ورفضت تركيا بيان الجامعة العربية، قائلة إنه تشويه لعمليتها العسكرية.وقال فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية إن الحكومات التي ترفض مواقف تركيا بشأن قضايا الشرق الأوسط، ومنها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والحرب في اليمن، “لا تتحدث نيابة عن العالم العربي”.

كان وزراء الخارجية العربية عبروا عن إدانتهم لتركيا. وقال وزير الخارجية العراقي إن الهجوم “يعد تصعيدا خطيرا سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية ويزيد من معاناة الشعب السوري ويعزز قدرة الإرهابيين على إعادة تنظيم فلولهم”. وطالب الوزير العراقي ونظيره اللبناني جبران باسيل الجامعة بإعادة عضوية سوريا فيها.

وأدان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الهجوم التركي أيضاً وقال “نطالب بخروج تركيا وقواتها وكذلك كل القوات الأجنبية التي استباحت هذا البلد العربي والدفع نحو إنجاح الحل السياسي”. ولم ترفض قطر، التي تعتبر حليفة لتركيا، البيان الختامي لكنها أبدت تحفظات عليه. وقال حسام زكي الأمين العام المساعد لجامعة الدولة العربية لرويترز “قطر والصومال تحفظتا على قرار الجامعة العربية اليوم”.

داعش من جديد

رويترز

11 تشرين الأول/ أكتوبر

أعلن تنظيم الدولة الإسلامية يوم الجمعة مسؤوليته عن هجوم بسيارة ملغومة في مدينة القامشلي السورية مشيراً إلى أنه استهدف مسلحين أكراداً. وقال التنظيم في تقرير نشرته وكالة أعماق للأنباء التابعة له إن مقاتلين من داعش فجروا السيارة التي كانت متوقفة قرب موقع أمني كردي في المدينة.كانت قوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة التي يقودها الأكراد بشمال شرق سوريا قالت في وقت سابق إن سيارة ملغومة انفجرت في القامشلي يوم الجمعة مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين على الأقل وإصابة تسعة آخرين.

مسيرات احتجاجية

رويترز

12 تشرين الأول/ أكتوبر

تجمع آلاف الأكراد وأنصارهم المحليون في فرنسا واليونان يوم السبت للاحتجاج على الهجوم العسكري الذي تشنه تركيا في شمال شرق سوريا.وفي باريس تجمع نحو ثلاثة آلاف شخص في ساحة الجمهورية بعد تنظيم احتجاج في وقت سابق قرب برج إيفل. وحمل المحتجون لافتات تندد بالهجوم التركي وتدعو فرنسا لمساعدة الأكراد.

وفي أثينا نظم نحو ألفي كردي ويوناني مسيرة إلى السفارة التركية في وسط العاصمة اليونانية ملوحين بالعلم الكردي ولافتات كتب عليها “أوقفوا الغزو الآن”.

What You Need to Know About Trump’s Syria Decision

What You Need to Know About Trump’s Syria Decision

Is the United States pulling out of Syria—again?

That was certainly what President Donald J. Trump seemed to say in a five-tweet rant on Monday morning. Hours earlier, the White House had announced that U.S. forces would no longer block a Turkish intervention in northeastern Syria: “Turkey will soon be moving forward with its long-planned operation into Northern Syria,” the press statement said, clarifying that the U.S. military “will not support or be involved in the operation, and United States forces, having defeated the ISIS territorial ‘Caliphate,’ will no longer be in the immediate area.”

Pentagon officials were reportedly “blindsided” by Trump’s decision, but Turkey was jubilant.

For years, Turkish President Recep Tayyip Erdogan has pushed the United States to step aside and let Turkey attack the U.S.-backed Syrian Democratic Forces (SDF). The multi-ethnic, secular SDF has been America’s chief local ally in its war against the so-called Islamic State, or ISIS, but it is led by a Syrian section of the anti-Ankara Kurdistan Workers’ Party (PKK). Disputes over the SDF are at the heart of a sharp deterioration in the Washington–Ankara relationship, to the point where Turkey’s commitment to NATO is being questioned.

As recently as August, the United States and Turkey struck a deal to manage their differences through joint patrols in northern Syria, and U.S. troops forced the SDF to destroy fortifications close to the border. But Turkey was not satisfied, and kept pushing for more. On September 24, Erdogan treated the UN General Assembly to a map of a future Syria in which Turkey had seized virtually every Kurdish town in the country. And on October 5, he said Turkey would send troops across the border within days.

The relentless Turkish brinksmanship seems to have been designed to pressure Trump to ditch the SDF in order to avoid U.S.–Turkish clashes or costly additional deployments. And it appears to have worked.

Muddled Messaging

It is still unclear exactly what Trump has agreed to. U.S. government rhetoric is so muddled at the moment that no one can quite figure out whether the White House has just begun a total pullout, or is merely taking a tactical step back to let Turkey have its way with a small part of Syria.

So far, U.S. forces have only retreated from a short stretch of Syrian-Turkish border land in the mostly Arab-populated region between Tell Abyad and Ras al-Ain. The 100–150 U.S. soldiers involved aren’t even leaving Syria, just relocating from the “immediate area” to stay clear of Turkey–SDF clashes. “We’re gonna get out of the way,” a U.S. official told the Washington Post.

However, the White House statement was unclear about the ultimate scope of the U.S. withdrawal, and also spoke about Turkey becoming responsible for holding SDF-imprisoned jihadis, most of whom are detained in the al-Hol camp on the other side of the SDF enclave.

How to handle the al-Hol detainees, including tens of thousands of family members of suspected Islamic State fighters, in addition to smaller numbers of Syrian and foreign combatants, has long bedevilled the United States. Trump has complained that European nations refuse to take back their citizens, and the White House statement kept hammering the point, insisting, in a flourish that seemed to betray the direct influence of the president, that the United States “will not hold them for what could be many years and great cost to the United States taxpayer” and concluding that “Turkey will now be responsible for all ISIS fighters in the area captured.”

Turkey appears to have little interest in sorting out the al-Hol issue, and would, at any rate, not be confronted with it unless Turkish troops occupy the entire SDF-held region in northeastern Syria. For now, Erdogan has simply brushed the problem away by insisting that the number of detainees is “a bit exaggerated.

Trump’s Monday morning tweets added to the confusion by signalling an end to the U.S. involvement with Syria altogether. The United States needs to “get out of these ridiculous Endless Wars” and “bring our soldiers home,” Trump wrote, adding, “Turkey, Europe, Syria, Iran, Iraq, Russia and the Kurds, will now have to figure the situation out.”

So is this a limited redeployment from one part of the Syrian-Turkish border, or the beginning of the end of America’s five-year intervention in Syria? It looks like the former, but it sounds like the latter.

In part, this confused messaging might be intentional. By raising the prospect of a full-scale withdrawal, Trump may be calling Erdogan’s bluff. The Turkish leader is being informed that, unless he abides by past agreement, he will be on his own in sorting out the Syrian mess.

For all of Erdogan’s maximalist rhetoric and his UN antics, Turkey may have little interest in controlling the entire SDF-held region—nearly a third of Syria—unless it can do so with the support and approval of the United States, the EU, and perhaps Russia, too. The al-Hol detainee issue alone is daunting, and Turkey would run up against international objections and internal insurgencies. Ankara’s capacity to administer areas beyond its borders is limited, its economy is in bad shape, the military is stretched as it is, and the Syrian rebels Erdogan wants to use as proxies are pinned down by Russian and Syrian government forces in Idlib. For Turkey to seek full control over northeastern Syria on its own would be a violent, costly, and politically fraught undertaking—which is why Erdogan’s bark may be worse than his bite.

The SDF, however, seems to fear the worst, complaining that it fulfilled all its obligations under the August 2019 deal but is still deprived of promised U.S. protection. Rather than backing down, the group struck a militant note: “We in the SDF will not hesitate for a moment to defend ourselves and call upon our people of all sects, Arabs, Kurds and Syriacs, Assyrians to join forces and stand with their legitimate forces to defend our country against this Turkish aggression.”

This Has Happened Before

Strangely enough, we’ve seen this happen once before. In December 2018, Trump shocked his national security staff by suddenly announcing that he would withdraw from Syria and let Turkey take over.

It didn’t happen, that time. Trump came under immediate pressure to reverse his decision, which was opposed by a curious constellation of forces: strong voices in the Pentagon were unwilling to abandon the SDF fighters they had fought alongside for so long; the intelligence community warned that the Islamic State could respawn; and a variety of politicos and penfighters insisted that the United States must remain in Syria for reasons related to Iran, Israel, or some other Washingtonian pet cause. Last but not least, a large contingent of administration insiders, politicians, and pundits who actually did want to exit Syria felt that Trump was doing it the wrong way—they wanted to leave in an orderly and controlled fashion, to limit blowback to the United States, its allies, and interests.

Internal outrage led Trump’s jihadi-hunter-in-chief, Brett McGurk, and his secretary of defense, James Mattis, both to resign in protest. The president was angry but impressed and, step by step, his decision was watered down to buy the mission more time. In the end, Trump agreed that some U.S. troops could stay while the SDF snuffed out remaining jihadi pockets, and the Department of State went panhandling in Europe and the Gulf for aid money and troops to cover U.S. cutbacks.

It didn’t work out very well, since, unsurprisingly, few U.S. allies were willing to put much on the line for so fickle a president. Ten months later, the United States is still the only pole holding up the tent in northern Syria—and Trump seems to be saying that time is up.

What Happens Now?

If Trump really did try to call Erdogan’s bluff, it may have worked, to a degree. Despite recently warning that an invasion was imminent, the Turkish leader has shifted to saying he will “discuss the depth of the operation” when he meets Trump in Washington early next month.

Erdogan may still end up launching a cross-border incursion, to stick his foot in the door while he can. But the Turkish leader also seems to fear that Trump will simply collapse the security architecture in northeastern Syria without putting anything in its place, and without giving Turkey time to develop its options.

Meanwhile, Trump will come under renewed pressure to keep troops in Syria. Roughly the same cast of people as last time are now crying foul again, and the U.S. president may settle for a more limited pullout. But Trump’s isolationist instincts are real, and his view of America’s post-9/11 wars as no-good quagmires is one of the few political ideas he has held with something approaching consistency. Continuing to prop up the SDF’s autonomous government will also grow harder and harder, once Turkey begins to develop its own proxies inside the northeast.

If Trump starts walking toward the exit, he may, whatever his original plans, soon find that the easiest choice is to just keep going.

Ultimately, however, what happens in Syria isn’t just up to Donald Trump. The rulers of Ankara, Damascus, Moscow, and Tehran, and a host of non state actors, including the SDF and whatever remains of the Islamic State, also have a vote. Their actions and reactions will shape U.S. options in the coming weeks, and, as many have learned by now, setting Syria’s chaos in motion is easy. Making it stop is a lot harder.

*This article was published at The Century Foundation website here