بواسطة Sawsan Zakzak | أكتوبر 12, 2018 | Reports, غير مصنف
الجزء الثاني من بحث القبيسيات في السياق المجتمعي السوري
تمهيد
تناول الجزء الأول من هذه الدراسة نشأة القبيسيات التي يرجح أنها بداية سبعينيات القرن الماضي1، كما تناول انتشار هذه الظاهرة، أو امتداداتها، في عدد من الدول العربية (السحريات في لبنان جمعية “بيادر السلام” المعروفة في الكويت و”الطباعيات” في الأردن وبنات فدوى في فلسطين، أما في مصر فيُعتقد أنهن يعملن تحت اسم “جمعية الزهروان”)، إضافة للإضاءة على بداية نشاط عدد من القبيسيات السوريات اللواتي لجأن إلى لبنان بين اللاجئات السوريات في البقاع.
كما توسع الجزء الأول من تسليط الضوء على العقيدة التي تعتنقها الدعوة القبيسية من “الصوفية النقشبندية” التي أخذتها منيرة القبيسي عن مفتي سوريا السابق الشيخ أحمد كفتارو؛ إلى المكانة الكبيرة “للخالة الكبيرة” ومن بعدها “للآنسة” نظرا إلى الدور الكبير الذي يلعبه الشيخ/ة عند الصوفيين عامة، والنقشبندية منهم خاصة، انتهاء بتساؤلات جدية عن السمة الملاصقة للصوفية وهي “الابتعاد عن السياسة” وابتعاد القبيسيات، وبالتحديد قياداتهن، عن السياسة وقد كنّ ينشطن بظل تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة في المجتمع السوري كنكسة حزيران وهيمنة مطلقة للنظام الشمولي في سوريا بعد ١٩٧٠ و”توريث” رئاسة الجمهورية عام ٢٠٠٠ وهيمنة التيار الديني الأصولي الذي كان يمثله الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وصولا إلى انتفاضة ٢٠١١ بكل إفرازاتها. نتساءل من جديد: من هن القبيسيات؟
القبيسيات والثروة
من الملفت سرعة تأقلم القبيسيات مع التطورات الاقتصادية التي كانت تحدث في سوريا، وتحت هذا العنوان يمكن دراسة السياق الاقتصادي عند نشوء الحركة واستهداف النساء الغنيات إضافة لاستخدام المال والنفوذ كعصب لحياة الحركة.
فيما يتعلق بالسياق الاقتصادي عند نشوء الحركة، ذكرنا سابقاَ أن حركة السيدة منيرة القبيسي نشأت في ظروف سياسية معقدة تفاعلت مع تغيرات اقتصادية تسببت بقلب الواقع رأسا على عقب. تمثلت هذه التغيرات بسياسات الإصلاح الزراعي والتأميم التي بدأت في عهد دولة الوحدة بين مصر وسوريا (١٩٥٨-١٩٦١)، وتعمقت أكثر بعد وصول حزب البعث للسلطة عام ١٩٦٣، خاصة بعد حركة ٢٣ شباط/فبراير ١٩٦٦ التي كانت مغرقة في “يساريتها” و شموليتها، وهي التي بدأت بتأسيس المنظمات الشعبية من أجل احتكار العمل المجتمعي وتسخيره لخدمة “أهداف الثورة” بعد أن احتكرت السياسة والاقتصاد.
المواقف المناهضة لسياسات الإصلاح الزراعي والتأميم ارتدت عدّة لبوسات سياسية واقتصادية ودينية، وكانت تختلف بحسب “الحجة” الأكثر مناسبة لـ “تجييش الرأي العام”، إلا أن الثابت بينها هو اللبوس الديني القادر- دائما- على استنهاض “الغضب والنقمة” عند شرائح المؤمنين. ينسجم هذا اللبوس مع الموقف الديني المدافع عن الملكية الخاصة، والذي يرى في الإصلاح الزراعي والتأميم “حربا حكومية شرسة، ضد الملكية الخاصة للأراضي السنية التي ورثها أصحابها عن الآباء والأجداد2“. ومع أجواء “الانفراجات الاقتصادية الخجولة” التي جاءت مع استيلاء الرئيس حافظ الأسد على السلطة (١٩٧٠)، والتي عبر عنها تجار سوق الحميدية بشعار “طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد”، بدأت القبيسيات باستهداف النساء الغنيات.
استهداف النساء الغنيات
لم تكن منيرة القبيسي بعيدة عن نساء الطبقات التي خسرت جراء سياسات الإصلاح الزراعي والتأميم، كانت منهن ولا تختلف عنهن إلا بصفاتها الشخصية المتميزة التي أهلتها لتلعب دورا رائدا ومحوريا في إنشاء التجمعات النسائية الدينية لتوحيد النساء المتطلعات للتأقلم مع الأوضاع الجديدة والحفاظ على قوة مؤثرة في المجتمع، وربما لاقتناص الفرص من أجل التأثير في الاقتصاد، ولاحقا في السياسة.
تقول سلام إسماعيل في هذا الخصوص “ازدادت القوة الاقتصادية لجماعة القبيسيات أثناء الحصار الاقتصادي على سوريا في ثمانينات القرن الماضي، حيث قامت الحكومة خلال تلك الفترة باعتقال وتصفية جميع مكتنزي الأموال المشهورين من الرجال بحجج أمنية، فبقيت نساء تلك الجماعة مع ثروة هائلة غير معلنة تحت تصرفهن، وظَّفنَها لدعم انتشار الجماعة عن طريق المشاريع والنوادي الاجتماعية والأعمال الخيرية في سوريا والخليج العربي3.”
وتشير السيدة ك إلى أن القبيسيات يجتهدن في الاحتفاظ بعلاقات جيدة وتواصل دائم مع المريدات الغنيات حتى ولو سافرن خارج البلاد، “وتقول رغم أنني تركتهن إلا أن التواصل بيني وبين آنستي لم ينقطع، وهذا ما شدني إليهن ثانية عندما واجهت مصاعب في حياتي الزوجية؛ كما استطاعت القبيسيات أيضا المحافظة على تواصل ممتاز مع الشيخة منيرة زوجة الأمير مشعل بن عبد العزيز4.” وعلى الرغم من أن هذا التنظيم بات يستقطب جميع الفئات الاقتصادية، ولم يعد محصوراً ضمن الطبقة الغنية كما كان سابقاً، غير أنه ما زال مرتبطاً بعلاقات قوية مع التجار وأصحاب رؤوس الأموال في دمشق، كما تؤكد السيدة ك. كما أن المكانة البارزة للنساء الغنيات بين القبيسيات لم تمنع بعض السيدات غير الغنيات من الوصول إلى مراتب متقدمة في الحركة، وكانت أولئك السيدات يستندن إلى مريداتهن الغنيات للتقرب من النساء الجديدات. تروي ك “في مرة من المرات طلبت آنستي مني شراء هدية ولادة لنقدمها لسيدة بدأت بالمشاركة في حلقاتنا5“. وتنوه السيدة ك أيضا لوجود تمييز طبقي داخل حركة القبيسيات كأن تجلس “الغنية على الكنبة بينما تجلس الفقيرة على الأرض6“.
المال والنفوذ، عصب الحياة
قد يبدو أن هناك تعارضاً صارخاً بين عقيدة القبيسيات (الصوفية) التي تتسم بالزهد والترفع عن مباهج الحياة، وبين إقبال القبيسيات على استهداف النساء الغنيات اللواتي يتبارين فيما بينهن بالبذخ على ما يظهر من لباسهن، وتحديدا الحقائب والأحذية7؛ إلا أن الحقيقة تشير إلى أمور ثلاثة لا بد من أخذها بعين الاعتبار. أولها أن صورة المتصوفين في المشرق العربي باتت تختلف كثيراً عن الصورة النمطية للمتصوفين الزاهدين، وإذا استثنينا الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي8 فمن الصعوبة بمكان حصر الثروات التي يملكها أبرز المشايخ المنتمين لهذه الطائفة؛ وثاني هذه الأمور هو المنبت الطبقي للسيدة القبيسية؛ أما ثالثها فيتلخص في أن الحصول على المال ليس غاية بحد ذاتها عند الحركة القبيسية، بل هو أداة فاعلة في استقطاب المزيد من النساء وفي توسيع نشاطات هذه الحركة.
في بلد مثل سوريا المال وحده لم يكن كافياً للحركة، فالحصول عليه يحتاج لشراكات مع المتنفذين في مواقع صنع القرار، كما أن الانفتاح الجديد باتجاه نساء المتنفذين في الدولة والحزب من أجل الجمع بين قوى الهيمنة المختلفة كان يتطلب المال أيضا، بل المزيد من المال، من أجل تقديم هدايا باهظة الثمن لنساء المتنفذين أو للمتنفذات أنفسهن9 مقابل المنافع التي قد تبدو بسيطة كتأمين الموافقة على تأسيس مدرسة خاصة أو تيسير الترخيص لجمعية غير حكومية، إلا أن تراكم هذه “المنافع البسيطة” كان قادرا على توفير أرضية مؤسساتية شرعية، ولدت فضاءات جديدة للقبيسيات للعمل بشكل رسمي ودون خوف من أية ملاحقات أمنية.
كما أن المال شكل وسيلة فعالة في العمل المجتمعي لكسب ود الفقراء بعد أن ازداد عديدهم وتعمّق فقرهم، خاصة بعد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي واجهتها سوريا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، والتي أعقبتها سياسات الانفتاح الاقتصادي التي بدأت في ١٩٩١ وبدأت بالانهيار بعد عام ٢٠٠٠ مع بداية تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد احتكاري. وبهذا أصبحت المساعدات المادية والغذائية التي تقدمها الجمعيات الخيرية- التي تسيطر عليها القبيسيات- سندا كافيا لسد احتياجات ملحة عجزت الحكومات المتلاحقة عن تلبيتها، بل فاقمتها أكثر وأكثر، ولم تسمح بوجود أي آلية من آليات الضمان الاجتماعي الوطنية، وأصبحت مساعدات هذه الجمعيات هي الملاذ الوحيد لأولئك الفقراء، وبالمقابل يحصل مقدمو/مقدمات، هذه المساعدات على ولاء كبير.
ولم تكن هذه المساعدات تقدم بدون مقابل، بل كانت مشروطة بطلبات الواجبات الدينية من قدوم إلى الجامع والمواظبة على الدروس والالتزام باللباس الديني (الحجاب والمانطو)، وتتعداها أحياناً إلى اشتراطات بعدم العمل أو عدم الزواج بعد ترمل المرأة. ففي حادثة تلخص ما سبق ذكره اشترطت السيدة “أم د” (من جمعية حفظ النعمة) على السيدة التي توفي زوجها وترك لها ستة أطفال صغار ألا تعمل ولا تتزوج مرة ثانية مقابل شراء بيت لها في عين ترما وأخذ ثلاثة من أولادها للميتم وتأمين معاش شهري حتى تتمكن من إعالة الأطفال الثلاثة الباقين10!
وربما، توضح هذه الشروط واحدا من أسباب انخفاض نسب مشاركة النساء في قوة العمل في سوريا، والتي كانت تتناقص على الرغم من ارتفاع نسبة النساء المتعلمات، ووصلت إلى أقل من ١٤% عام ٢٠١٠ في الوقت الذي كانت تخطط الحكومة في خطتها الخمسية العاشرة (٢٠٠٥-٢٠١٠) لرفع النسبة إلى ٢٤%.
وتضاف هنا تساؤلات جديدة عن هذه الحركة التي “لا تعمل بالسياسة” ولكنها تملك مفاتيح أبواب عصية على الفتح في وجه الكثير ممن يُفترض أنهم متنفذون أو قريبون من المتنفذين، ولكنهم يختلفون عن أولئك القبيسيات بتوجهاتهم العلمانية. ولو افترضنا أن هناك انتخابات حقيقية ستقوم في البلاد، ودون التدخلات الأمنية، فعلى الأرجح، إن لم يكن من المؤكد، ستذهب أصوات معظم الناخبين والناخبات، خاصة الفقراء، إلى مرشحي ومرشحات من يقدّم المساعدات السخية والعديدات منهم من الحركة.
كذلك توظف حركة القبيسيات المال والنفوذ في مجال لا يمكن للاستثمار فيه أن يخيب، وهو التعليم، مما يضيف لعمل ونشاط القبيسيات بعدا استراتيجيا هاما ومؤثرا في تشكيل الهوية الفردية، وربما الهوية الجمعية عندما يتضافر هذا البعد مع نشاطاتهن الأخرى.
ولهذا سيكون التعليم موضوع الحلقة الثالثة من هذا البحث الذي يتكون من أربع حلقات، فيما ستتطرق الحلقة الرابعة لأهم الانتقادات التي توجه إلى القبيسيات من الحلفاء والخصوم، ومجموعة الاستخلاصات التي سيخرج بها البحث.
الهوامش:
1 أشار الباحث د. نبيل مرزوق، بعد قراءته للجزء الأول من هذا البحث، إلى أنه التقى بالسيدة منيرة القبيسي عام 1970 خلال عمله على جمع بيانات إحصاء عام 1970 في دمشق، وجاء لقاؤه بها في زيارته الثانية لمسكنها بعد زيارته الأولى التي فتحت له الباب وقتها شابة محجبة وقالت له: “الآنسة مو موجودة بالبيت هلق ولازم ترجع مرة تانية حتى تجاوبك”. وتؤشر هذه الشهادة إلى أن عمل السيدة منيرة القبيسي قد بدأ قبل سبعينيات القرن الماضي، ولكننا لم نصل بعد إلى التاريخ الدقيق لبدء الدعوة القبيسية.
2- ahmadjoma.blogspot.com/2013/07/blog-post
3- سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي ي والإسلمي
4- المرجع السابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح
5- لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧
6- المرجع السابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.
7- قالت لي سيدة حضرت عدة لقاءات للقبيسيات إن “الآنسة صرخت مستنكرة غلاء الأحذية التي تنتعلها المشاركات في هذه الحلقة، وقالت: الكندرة مو ضروري تكون ب 500 أو 700 دولار أو أكثر، من شو بتشكي أم الميتين دولار؟! صار لي سنة ونص لابستها وعم خفق فيها من بيت لبيت ولساها جديدة.”
8- كثيرا ما يتردد في الأوساط الاجتماعية والدينية الحديث عن حالة الزهد التي كان يعيشها الشيخ البوطي وتعففه عن الحصول على الهدايا الثمينة والأموال.
9- جرت محادثة عام 2006 ضمت عضوة مجلس شعب (أ.خ) ورئيسة جمعية الندى، جمعية تديرها سيدة قبيسية (م.ر) وكاتبة البحث وجرى الحديث فيها عن تقديم هدايا ثمينة (ألماس) في مناسبات عديدة من رئيسة جمعية الندى لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وقتها من أجل “تمشاية الشغل” بحسب قول رئيسة الجمعية.
10- مقابلة مع سيدة حصلت أختها على معونة من جمعية “حفظ النعمة”.
بواسطة Hadia Al Mansour | أكتوبر 12, 2018 | Cost of War, غير مصنف
نجا أحمد الشعراوي وهو في الـ٢٦ من عمره بأعجوبة من محاولة سرقة وقتل على الطريق الواصل بين سرمدا وريف إدلب الجنوبي. إذ هاجتمه عصابة من الملثمين محاولين إيقافه وسرقة سيارته، إلا أنهم لاذوا بالفرار عندما فاجأهم بإطلاق النار نحوهم.
يروي أحمد تفاصيل الحادثة قائلاً “أتوجه كل فترة إلى مدينة سرمدا للحصول على بعض البضائع لمحلي التجاري الواقع في مدينة كفرنبل، ولحرصي على سلامة بضائعي الثمينة والمكلفة مالياً، وتحسباً لأي طارئ، أحمل معي سلاحي أينما ذهبت وخاصة في ظل الانفلات الأمني الحاصل”، ويصف الشعراوي كيف أوقفته مجموعة من المسلحين في أحد الطرق الفرعية وطلبوا منه مغادرة سيارته (فان) ويتراوح سعرها بين ٧ و ١٠ آلاف دولار أمريكي ، فتظاهر بأنه على وشك الخروج حين باغتهم بإطلاق النار عليهم ما دفعهم للفرار بعد إصابة أحدهم .
يحمد أحمد الله أنه نجا من تلك المحاولة وإلا “لا شك سيكون مصيري مجهولاً كالكثيرين الذين تعرضوا لذات الحادثة” بحسب تعبيره.
قصص عديدة كقصة أحمد أصبحت تُسمع في ريف إدلب، إذ ازدادت جرائم القتل والخطف والسرقة تزامناً مع انتشار ظاهرة اللثام والملثمين بين الناس، مما يسمح لهم بارتكاب التجاوزات دون أن يتسنى لأحد رؤية وجوههم أو التعرف على شخصيتهم.
وإن كان أحمد قد نجا من محاولة السرقة غير أن الحاج حسين العمر (٥٠عاماً) لم يفلح في ذلك، فقد قامت عصابة مجهولة في منتصف شهر أبريل/نيسان ٢٠١٨ بسلب سيارته و بداخلها ٦ كيلو غرام من الذهب. عن تفاصيل الحادثة أوضح العمر بأن العصابة الملثمة أوقفته على الطريق الواصل بين بلدة معر تمصرين وقرية حر بنوش الواقعة في ريف إدلب الشمالي، وقامت بسرقة سيارته تحت تهديد السلاح، “كمية الذهب المسروقة كلها مصاغة ومخصصة للعرض في واجهة محلي التجاري، وبهذه السرقة خسرت كل ما أملك وأصبحت على هاوية الإفلاس” يقول الحاج حسين .
ولا تقتصر جرائم الملثمين على السرقة فحسب، وإنما يقومون أيضاً بالخطف بغرض طلب الفدية، وتكررت تلك الحوادث وازدادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة حتى وصلت للخطف من المنزل.
فقد قام ملثمون بخطف الشاب عمران الحسنى وهو طالب جامعي من بيته ومن بين أهله، اعتقد الأهل حينها بأن الخاطفين يتبعون لتنظيم هيئة تحرير الشام (المعروف سابقاً بالنصرة) والذي غالبا ما يعتقل المدنيين بتلك الطريقة، لكن ذوي الشاب تفاجؤوا فيما بعد بأنهم مخطئون حين بدأ الخاطفون بالتفاوض مع الأهل، حيث طلبوا فدية قدرها ٢٥ ألف دولار، وأمام عجز أهله عن تأمين الفدية، قامت العصابة بقتل الشاب ورمي جثته على حافة أحد الطرق المؤدية إلى قريته.
ولم ينج حتى مسلحو المعارضة من جرائم العصابات، كما حدث في قرية تلمنس بريف إدلب الشرقي، ففي تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً بداية عام ٢٠١٨ قام سبعة عناصر ملثمين بمداهمة مكتب قائد اللواء الخامس في جيش إدلب الحر، ولم يكن في المكتب آنذاك سوى قائد اللواء وابنه. ترجل الملثمون من سيارتهم وهي طراز هونداي، وداهموا المكتب وقاموا بتكبيل الطفل وجره للسيارة، في حين كان والد الطفل يحاول إنقاذه، وعندما أثار الصراخ انتباه ساكني الحي وتوجهوا نحو المكتب هرب المهاجمون تاركين أحد عناصرهم الذي أصيب بعد أن أطلق والد الطفل عليه النار. وأشارات التحقيقات مع العنصر المصاب إلى أنه وعصابته ينتمون إلى تنظيم ما يسمى “حراس الدين” معترفاً بأن العملية كان هدفها الخطف وطلب الفدية.
لم يتوان الملثمون أيضاً عن تنفيذ عمليات تصفية طالت قياديين في الجيش الحر بل ومدنيين عزلاً وأطفالاً ونساءً، حيث تعرضت إدلب المدينة لعشرات التفجيرات التي راح ضحيتها عوائل بأكملها.
الشاب صبحي الراشد راح ضحية أحد تلك التفجيرات قبل حلول عيد الفطر بأيام قليلة، وذلك بعد انفجار عبوة ناسفة أمام المكان الذي كان يجتمع فيه مع أصدقائه من الشبان. يقول صديقه حسام متأثراً بما حدث لصبحي: “صبحي شاب طيب وخلوق، وليس له انتماء لأي فصيل أو حركة أو تنظيم، ومع ذلك فهو لم يسلم من غدر المجرمين وخفافيش الليل الذين همهم زرع الفتنة والرعب والإرهاب في كل مكان.”
الحاجة أم سامر (٥٥عاماً) شهدت إحدى جرائم الاغتيال هذه حيث تم إطلاق النار على شابين من قبل مجموعة ملثمين مسلحين، يستقلون سيارة بيك آب على الطريق المؤدي لمدينة جسر الشغور. تروي أم سامر التي كانت تقف على شرفة منزلها كيف كان الشابان على دراجة نارية حين باغتهما المسلحون بإطلاق النار عليهما واللوذ بالفرار، مما أدى لمقتل أحد الشبان فيما نقل الآخر إلى المشفى.
تقول الحاجة أم سامر “لم نعد نأمن على أنفسنا، فقد أصبح المجرمون في كل مكان وهم لا يتوانون عن قتل أي شخص لأهداف دنيئة متعددة”، وتتساءل ” إلى متى سيستمر هذا الانفلات الأمني؟”
الحقوقي نزير العوض (٣٢عاما ) يرى أن ما وصلت إليه الأوضاع الأمنية في المناطق المحررة يستدعي “التحرك السريع لفرض الأمن، والقضاء على المجرمين الذين راحوا يصولون ويجولون متخفين بلثامهم” متسائلا عن سبب وضع عناصر بعض الفصائل اللثام وكأنهم يشجعون على كل تلك الانتهاكات، “فلو أن ظاهرة اللثام انتهت لدى الفصائل المتشددة كالنصرة، ربما كان من الصعب على الملثمين المجرمين الاستمرار بأفعالهم تلك فأمرهم سيكون مكشوفاً لدى الجميع فيما سيشل تحركاتهم ، ويردعهم عن ممارسة أفعالهم” ويختم العوض بانتقاده للفصائل التي تتجاهل ما يجري “وكأن الأمر لا يعنيهم.”
من جهته أفاد القيادي في الجيش الحر أبو البراء (٤٢عاماً) بأنه تم العثور على عدة ألغام مزروعة على أطراف بلدة الهبيط الواقعة في ريف إدلب الجنوبي مهيئة للانفجار حيث تم تفكيك وتفجير بعضها، وأشار إلى حالات الاغتيالات التي كثرت في الآونة الأخيرة في إدلب وريفها ومنها العثور على جثتين مجهولتي الهوية بين بلدتي معصران بابيلا وذلك بقتلهما ورميهما في الأراضي الزراعية، بالإضافة للعثور على جثة أخرى في قرية الزعلانة وأخرى على طريق البارة كفرنبل وغيرها من الجرائم.
ويقول أبو البراء إنهم لا يزالوا يجهلون من يقوم بتلك التصفيات والجرائم “فمعظم الجرائم تتم في المناطق الحراجية أو الطرق الفرعية التي تخلو من وجود حواجز أمنية، وهو ما يجعل الكشف عن طبيعة تلك الجرائم أمراً بالغ الصعوبة، وخاصة في ظل ما تمر بها البلاد من فوضى” بحسب قوله.

من جهة أخرى قامت القوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام بإعدام أربعة أشخاص في مدينة إدلب علناً بعد أن قالت عنهم بأنهم متورطون بعمليات التفجير والاغتيالات بحق عسكريين ومدنيين، كما استطاعت جبهة ثوار سراقب التابعة للجيش الحر إلقاء القبض على عصابة سرقة في مدينة سراقب جنوبي شرقي محافظة إدلب بتاريخ ٢٠ إبريل/نيسان ٢٠١٨. علما أن معظم الفصائل الثورية المسلحة تمتنع عن توجيه الاتهام إلى أي جهة معينة خشية إثارة بلبلة في المنطقة، قد تتطور إلى اشتباكات بين الفصائل.
وفي محاولة مدنية لمحاربة ظاهرة اللثام والحد منها أطلق ناشطون حملة “اللثام ليس منا” بغية الإشارة إلى وجود هذه الظاهرة الخطيرة وتحذير الأهالي من عواقبها.
المنسق العام للحملة ملهم سمير (٣٠عاماً) يقول لصالون سوريا “انطلقت الحملة في كل من محافظتي حلب وإدلب نتيجة تكرار حالات الخطف والقتل والسرقة التي يمارسها الملثمون مستغلين ضعف العامل الأمني وفوضى الحرب القائمة” ويبين سمير بأن هدف الحملة هو القضاء على ظاهرة اللثام والتي تساعد أصحابها على ارتكاب الجرائم والانتهاكات بكل سهولة.
وقد تضمنت الحملة ندوات توعوية وتوزيع بروشورات وملصقات في الأماكن الحيوية والعامة.
ورغم التفاعل الكبير مع الحملة من قبل الأهالي والمدنيين إلا أنها غير كافية للقضاء على هذه الظاهرة التي تستوجب سلطة وقوة تعمل على الحد منها، غير أن هذه السلطة غائبة حالياً في ظل ازدياد عدد الفصائل وتعدد قياداتها وتناحرها في المنطقة.
بواسطة Sonya Al Ali | أكتوبر 10, 2018 | News, غير مصنف
تلقي سنوات الحرب في سوريا بآثارها المدمرة على كافة شرائح المجتمع ومناحي الحياة، حيث أدت لانتشار عادات اجتماعية خطيرة كالإدمان على المخدرات. ففي مناطق سيطرة المعارضة السورية ظهرت أنواع كثيرة ولا متناهية من الحشيش والأفيون والهيروين والكبتاجون وحبوب الهلوسة وغيرها، يغذيها الفلتان الأمني وانعدام الرقابة. ويُروج تجار المخدرات هذه الأنواع خاصة لجيل الشباب بمافيهم تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، حيث استغل المروجون والتجار ظروف الحرب التي تعصف بسوريا لجني أرباح كبيرة، كما ساعد النظام السوري على تسهيل إدخال المخدرات إلى المناطق سيطرة المعارضة السورية بكثرة، وبيعها بأسعار زهيدة ما جعلها في متناول الأيادي كأحد الأسلحة الفتاكة للقضاء على الشباب وتدميرهم.
يتحدث النقيب عبد الرحمن البيوش من شرطة إدلب الحرة عن انتشار الظاهرة بقوله: “يقوم النظام بإدخال المخدرات إلى سوريا عبر الساحل السوري والحدود اللبنانية، ثم تقوم عناصره بتسهيل دخولها إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية عبر أشخاص متعاملين معهم لتدمير عقول الشباب وتصعيد الفوضى، وفي إحصائية النصف الأول من عام ٢٠١٧ فقد تم ضبط مايقارب ٦٩٠٠ غرام من مادة الحشيش المخدر إضافة إلى ١٢٠٠ حبة ترامادول و١٢٣٨ حبة كبتاغون و٢٠٠٠ حبة زولام.”
كما قامت الشرطة الحرة في بلدة كفرومة بريف إدلب شمال سوريا مؤخراً بإلقاء القبض على ثلاثة أشخاص يتعاطون المخدرات دون التمكن من إلقاء القبض على العصابة المروجة لها، وعن ذلك تحدث نايف العقدي رئيس مخفر الشرطة في البلدة قائلاً: “أبلغنا بتاريخ ١٧/٧/٢٠١٨ بوجود شبان في القرية يتعاطون المخدرات، وبعد مراقبتهم وإلقاء القبض عليهم اعترفوا بما نسب إليهم وأعطوا اسم الشخص الذي يحصلون من خلاله على المواد المخدرة، كما ألقينا القبض بتاريخ ٢٨/٨/٢٠١٨ على عصابة أخرى تتألف من عدد من الشبان وبحوزتهم مواد مخدرة من حبوب وحشيش، ولا يزال التحقيق معهم مستمراً للقبض على بقية أفراد العصابة المتعاونة.”
كما قامت الشرطة الحرة في مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي بإلقاء القبض على بائع حبوب مخدرة بتاريخ ٢٧/٨/٢٠١٨.
وفي السياق يعتبر الشباب واليافعين من أكثر الفئات العمرية عرضة للوقوع في فخ الإدمان، وذلك بسبب الضغوطات النفسية التي تأتي نتيجة الفقر وانتشار البطالة وتراجع فرص التعليم إضافة إلى تناول الأدوية النفسية دون استشارة الطبيب وضعف الرعاية والإرشاد فضلاً عن الفلتان الأمني وضعف الإجراءات الأمنية الرادعة التي أدت إلى انتعاش تجارة المخدرات وزيادة ترويجها، ناهيك عن قلة التوعية والإرشاد بمخاطر التعاطي وأضراره وفتح حدود البلاد أمام المليشيات الإقليمية القادمة من إيران ولبنان وغيرها من البلدان المنتجة والمصدرة للمخدرات.
ومن مظاهر الخطر في قضية المخدرات هي انتشار الصيدليات المخالفة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. وتزيد الصيدليات المخالفة من فرص حصول المدمنين والراغبين بالتعاطي على المواد المخدرة التي تتوافر على اختلاف أنواعها حتى دون وصفات طبية، حيث يتم تعاطيها بكميات أكبر من الجرعات الدوائية المحددة مما يؤدي إلى الإدمان عليها.
يتحدث الطبيب وليد الرحمون من مدينة إدلب عن ذلك بقوله: “٨٠ ٪ من ضحايا المخدرات هم من الشباب دون سن الخامسة والعشرين، حيث ساعد الانفلات الأمني على انتشار بائعي الدواء الذين لا يمتون إلى مهنة الصيدلة بأي صلة، حيث يكون همهم الوحيد هو الكسب المادي فحسب، لذلك يقومون ببيع الأدوية المخدرة والمهدئة دون وصفات طبية كالبالتان والترامادول والأوبرفال وغيرها علماً أن الأطباء لا يقومون بوصفها للمرضى إلا عند الضرورة القصوى.” ويضيف الرحمون متحدثاً عن مخاطر المخدرات: “الإدمان سلوك قهري يجعل الإنسان يعيش تحت رحمة إدمانه، لما للمخدرات من تأثيرات سلبية على النفس والجسد، فهي تؤثر على الجملة العصبية للإنسان، وقد تؤدي إلى الوفاة عند تعاطيها بجرعات زائدة، وتعتبر أيضاً أحد مسببات انتشار أمراض خطيرة كالتهاب الكبد الوبائي والاضطرابات القلبية. كما تعمل أيضاً على خلق مجتمع مضطرب بكل المقاييس وعلى مختلف الأصعدة، حيث يرتبط تعاطي المخدرات بفساد أخلاقي في المجتمع، حيث تكثر جرائم القتل والسرقة والخطف وتجارة الأسلحة على خلفية تعاطي المخدرات.”

تعرض الشاب أيمن من مدينة جسر الشغور لإصابة حربية أدت لبتر مفصل الكتف، وأدت لدخول شظايا في المعدة، وبسبب الألم الشديد الذي كان يلازمه وصف له الطبيب مسكناً لتبدأ رحلته مع الإدمان، وعن ذلك يتحدث قائلاً: “وصف لي الطبيب أحد الأدوية المخدرة، وبدأت أزيد الجرعات من حبتين في اليوم إلى ثمان حبات، وبعد فترة من الزمن اكتشفت بأنني وصلت إلى مرحلة الإدمان، وبدأت في البحث عن حل لمشكلتي.”
كان الشاب أحمد العبود من مدينة إدلب أيضاً أحد ضحايا الإدمان واستطاع برغبة كبيرة منه وبمساعدة أقاربه من التخلص من هذا الوباء وعن ذلك يتحدث قائلاً: “خسرت مستقبلي وخسرت معه الأمل بالحياة، لذلك دفعتني حالة اليأس التي وصلت إليها إلى الإدمان على تعاطي المخدرات ظناً مني أنها قد تعوض ما أعانيه من مصاعب وهموم.”
ويضيف العبود: “كنت في السنة الأخيرة من دراستي الجامعية في كلية الآداب حين تم اعتقالي من قبل قوات النظام، وبعد مساع كثيرة من قبل عائلتي تم إطلاق سراحي بعد تسعة أشهر، فاضطررت لترك دراستي خوفاً من اعتقالي ثانية، وتوجهت بعد ذلك للعمل في البناء الذي كان صعباً وقليل المردود ولايتناسب مع الأهداف والطموحات التي وضعتها لمستقبلي، فلم أجد أمامي سوى الحبوب المخدرة التي كانت تساعدني في الوصول إلى حالة من فقدان الإدراك تشعرني بالانفصال عن محيطي وتمنحني شعوراً بالراحة. “ويؤكد العبود بأنه أدرك متأخراً الحالة السيئة التي وصل إليها وبأن المخدرات هي الوهم القاتل، فبدأ بمساعدة أهله بزيارة الأطباء للتخلص من الإدمان.”
أمام هذا الواقع وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات المادية دفعت الحاجة الملحة عدداً من المتطوعين لافتتاح مركز إشراق لمعالجة الإدمان بريف إدلب، تحدث الطبيب النفسي سعيد عز الدين أحد العاملين في المركز عن عمله قائلاً: “المركز هو الوحيد في المنطقة وقد تم علاج تسعة مدمنين داخله، حيث يتم استقبال المدمنين في العيادة الخارجية وتحويل الحالات المستعصية منهم إلى دار الاستشفاء الداخلية لتلقي العلاج.” ويؤكد عز الدين أن كادر المركز يتألف من عدد من الأطباء النفسيين والمرشدين والممرضين، وقد تلقوا تدريباً خاصاً بكيفية التعامل مع الحالات التي يتم استقبالها، علماً أن معظم الذين راجعوا المركز وصلوا إلى مراحل متقدمة من الإدمان وتسببوا بأذية كبيرة لأجسادهم وعقولهم، لذلك فإن الحاجة ماسة لدعم المركز مادياً كي يستمر في عمله، باعتبار الإدمان خطر كبير يهدد الشباب والمجتمع بشكل عام. ويضيف عز الدين: “لكل حالة إدمان نوع خاص من العلاج وفترة زمنية تختلف عن غيرها من الحالات، ولكن كلما بادر المريض إلى طلب العلاج مبكراً كلما زادت فرص شفائه بسرعة وفاعلية أكبر.”
كما انطلقت حملة (لا للمخدرات) في الشمال السوري بداية العام الحالي ٢٠١٨ بهدف التحذير من مخاطر المخدرات وإظهار الجوانب الخطيرة والهدامة لها، وتكريس الوعي في عقول الشباب، والترغيب بالعلاج لكل من سقط في براثنها وإعادة الأمل إليه بإمكانية التحرر من إدمانه، والعودة إلى حياته الطبيعية من جديد. يقول مدير الحملة محمد حاج بكري أن (لا للمخدرات) “انطلقت في ريف الساحل وجسر الشغور وريف إدلب الغربي بتاريخ ١/٢/٢٠١٨، وضم فريق الحملة إعلاميين ونشطاء ومعلمين ومرشدين نفسيين، قاموا بتوزيع بروشورات تحذر من مخاطر المخدرات وأضرارها الجسيمة، إضافة لعقد جلسات حوارية وندوات توعية للأهالي والنازحين.”
تعد المخدرات وباء ينتشر كالنار في الهشيم في المجتمع السوري بعد أن وفرت ظروف الحرب بيئة خصبة لتداولها من اتجار وتعاطي، والأشد خطراً كونها تستهدف شرائح عمرية مبكرة من النشء والشباب وتؤثر في مستقبلهم، بعد أن جعلهم الإحباط وفقدان الأمل أكثر عرضة للوقوع في براثن هذه الآفة المدمرة.
بواسطة Syria in a Week Editors | أكتوبر 8, 2018 | Media Roundups, Syria in a Week, غير مصنف
تغيير الخطاب: مؤقت أم دائم؟
هل يكون مصير تسوية إدلب مغايراً لبقية المناطق التي سبقتها في الحرب السورية، خاصة مع إصرار كل الأطراف الفاعلة في التسوية باستراتيجيتها السابقة وأن روسيا والنظام السوري يؤكدان على هدف استعادة الجيش السوري السيطرة على كامل البلاد؟ وهل ستحدد المفاوضات الروسية – التركية “الثمن” المطلوب للاتفاق على مصير إدلب بما في ذلك الموقف من المسألة الكردية في سوريا؟
“حرص” روسي … لا عملية كبرى في إدلب
٣-٢تشرين الأول/أكتوبر
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء إن منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية فعالة، مضيفا أنه لا توجد خطط لتحركات عسكرية كبرى في المنطقة. وأضاف: “هذا يعني أنه ليس هناك توقعات بأعمال عسكرية واسعة النطاق هناك… العمل العسكري من أجل العمل العسكري غير ضروري.” لكن بوتين أضاف إن موسكو ترغب في انسحاب كل القوات الأجنبية من سوريا في نهاية المطاف بما فيها القوات الروسية. وقال أن وجود القوات الأمريكية في سوريا يمثل “انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة.”
كان لافتا ان النظام السوري من خلال تصريحات لوزير الخارجية وليد المعلم أكد أن تركيا قادرة على تنفيذ التزاماتها في اتفاق إدلب. (رويترز)
حرص تركي … الانسحاب مع الانتخابات
٢-٦ تشرين الأول/أكتوبر
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس إن تركيا لن تغادر سوريا قبل أن يجري الشعب السوري انتخابات. وأضاف أمام منتدى في إسطنبول: “عندما يجري الشعب السوري انتخابات، سنترك سوريا لأصحابها بعد أن يجروا انتخاباتهم.” وقال أيضا إن تركيا لا تواجه صعوبة في إجراء محادثات مع جماعات متشددة في إدلب، آخر منطقة كبيرة لا تزال تحت سيطرة المعارضة المسلحة.
وتعهد أردوغان بتعزيز مواقع المراقبة الخاصة بتركيا في إدلب.
وتجلى الدور التركي في قيام جماعات المعارضة المسلحة بسحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة منزوعة السلاح التي اتفقت عليها تركيا وروسيا في شمال غربي سوريا. وقالت “الجبهة الوطنية للتحرير” في بيان إن عملية سحب الأسلحة الثقيلة بدأت، لكن المقاتلين سيبقون في مواقعهم داخل المنطقة منزوعة السلاح. وقالت قوات المعارضة في شمال سوريا الثلاثاء إن أنقرة أكدت لها أن القوات الروسية لن تنتشر في المنطقة.
من جهة أخرى، قال أردوغان الاثنين الماضي إن تركيا تهدف إلى تأمين السيطرة على شرقي نهر الفرات في شمال سوريا بالقضاء على “وحدات حماية الشعب” الكردية في المنطقة في استمرار للاستراتيجية التركية اتجاه الأكراد. (رويترز)
حرص ايراني… رد الأهواز في البوكمال
٢ تشرين الأول/أكتوبر
تفجر “الغضب” الإيراني على هجوم الأهواز في سوريا حيث قالت إيران إن الهجوم الصاروخي الذي نفذته في سوريا الاثنين الماضي أسفر عن مقتل ٤٠ “من كبار قادة” تنظيم “داعش.”
وأطلقت إيران ستة صواريخ على أهداف في منطقتي البوكمال وهجين في شرق سوريا، رداً على هجوم على عرض عسكري في إيران يوم ٢٢ سبتمبر (أيلول)، أدى إلى مقتل ٢٥ شخصاً نصفهم تقريبا من أفراد “الحرس الثوري” الإيراني. (رويترز)
حرص إسرائيلي… تنسيق أمني مع روسيا
٣-٥ تشرين الأول/أكتوبر
قال نتنياهو الأحد إنه سيلتقي قريبا ًمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة التنسيق الأمني بشأن سوريا وذلك في ظل خلاف مع موسكو حول العمليات الجوية الإسرائيلية.
وكانت روسيا قالت الثلاثاء إنها زودت الدفاعات الجوية السورية بالنظام الصاروخي إس-300 بعدما اتهمت إسرائيل بالمسؤولية غير المباشرة عن إسقاط طائرة تجسس روسية بنيران القوات السورية التي كانت تطلق النار على طائرات إسرائيلية هجومية الشهر الماضي ولم ترد أي تقارير عن ضربات جوية إسرائيلية في سوريا منذ إسقاط الطائرة الروسية.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية يوم الجمعة إن نشر روسيا نظام إس-300 في سوريا ينذر بتصعيد عسكري ويعرقل آفاق التوصل لحل سياسي للحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من سبعة أعوام.
كما قال الجنرال جوزيف فوتيل الذي يشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط إن موسكو تسعى من عملية النشر فيما يبدو إلى المساعدة في حماية “أنشطة شائنة” تقوم بها القوات الإيرانية والسورية في البلاد .(رويترز)
حرص الماني … ضد الكيمياوي
٣ تشرين الأول/أكتوبر
ذكر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الأربعاء أن بلاده والولايات المتحدة اتفقتا على الحاجة لفعل كل شيء ممكن من أجل منع استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. جاء تعليق ماس عقب اجتماعه مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو في واشنطن. وذكر أن بومبيو أدرك حجم النقاش السياسي الدائر في ألمانيا بشأن المشاركة المحتملة في أي رد عسكري تقوده الولايات المتحدة في حال حدوث هجوم كيماوي. (رويترز)
حرص إغاثي… اقتصاديات الحرب
٤ تشرين الأول/أكتوبر
اكتشفت كل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وإدارة التنمية الدولية البريطانية أن معبر باب الهوا شمال غرب سوريا يتم استخدامه من قبل جماعات متشددة عبر جمع الرسوم من شاحنات مساعدات تابعة لشركاء المنظمتين، لذلك وجهتا شركائهما بوقف استخدام المعبر اعتباراً من ٢٦ أيلول.
وتصنف الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية الرئيسية في محافظة إدلب السورية، جماعة إرهابية. ومعبر باب الهوى هو المعبر الحدودي الرسمي الوحيد بين تركيا وإدلب حيث يحتاج نحو ٢.١ مليون شخص للمساعدات الإنسانية. ومرت نحو ٢٢٨٤ شاحنة مساعدات عبر المعبر في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام وفقا لديفيد سوانسون من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
حرص اميركي… على الأكراد!
٢-٣ تشرين الأول/أكتوبر
يقول مسؤولون أكراد أن سلسلة من الزيارات قام بها دبلوماسيون أمريكيون لسوريا في الشهرين الماضيين لتجديد الاستعداد لبحث مستقبل البلاد مما يشير إلى التزام أمريكي طويل الأمد. وينظر إلى القوات الأمريكية على أنها درع ضد هجمات تركيا من الشمال وحماية من أي محاولة من قبل النظام السوري للاستيلاء على حقول القمح والنفط في المنطقة.
قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس يوم الثلاثاء إن عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في سوريا زاد إلى المثلين مع اقتراب هزيمة متشددي تنظيم الدولة الإسلامية عسكريا. وقال ماتيس “الدبلوماسيون الأمريكيون هناك على الأرض وزاد عددهم إلى المثلين.” وتابع “مع تراجع العمليات العسكرية سترون أن الجهود الدبلوماسية الآن تترسخ.” (رويترز)
بواسطة Mohammad Saleh | أكتوبر 5, 2018 | Cost of War, غير مصنف
السوق السورية مليئة بالمنتجات السورية الزراعية والتي تتنوع في جودتها ونوعيتها واسمها حسب مناطق إنتاجها، أتناول هنا أربعة منتجات أساسية وهي (البطاطا، التفاح، والحمضيات، والبندورة) مع المرور على منتجات أخرى حيث يعيش الكثير من الفلاحين بالاعتماد عليها ولكن المشكلة تكمن في التكلفة الكبيرة للإنتاج مقابل سعر المبيع الزهيد.
يشتري المواطن السوري المنتجات الزراعية بأسعارٍ رخيصةٍ وهو سعيد بسبب دخله المتدني ولايعلم أنه سيدفع أثماناً مضاعفة في العام التالي مقابل نفس السلعة بسبب عدم قدرة الفلاحين على إعادة الإنتاج نظراً للخسارات الهائلة في الموسم الحالي وخضوع الزراعات لتقلبات المواسم المطرية، والجفاف، وأسعار البذور والأسمدة والمواد الزراعية التي باتت مكلفة جداً بفعل الحرب.
دفعت الظروف الصعبة شريحة كبيرة من الفلاحين للانكفاء عن إنتاج نفس الموسم بسبب انعدام القدرة المادية وكلما خفّ العرض ارتفعت الأسعار إلى حدودٍ جنونية. فقد وصل سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطا مثلاً إلى ٣٠٠ ليرة سورية، في حين أنّ الوزن نفسه كان يُباع في الموسم الماضي بأقل من نصف الكلفة من قبل الفلاحين. وتصل الكلفة إلى ١٢٠ ليرة سورية كما أخبرني أكثر من مزارع في ريف حمص وريف حماة، حتى أنّ السعر وصل الى خمس عشرة ليرة في منطقة الغاب وخمس وستين ليرة سورية في قرية سكرة بريف حمص. سألت المزارع (أبو محمد) من قرية سكرة عن تفاصيل التكلفة، فأخبرني أنّ “سعر البطاطا التي يتم استيرادها من أجل الزراعة باهظ جداً، إضافةً الى أسعار الأسمدة التي تضاعفت مراتٍ عديدةٍ وتجاوزت كثيراً فرق سعر الصرف حيث تجاوز سعر الكيس (٥٠ كغ) عشرين ألف ليرة سورية، بينما لم يتجاوز سعر الكيس (نفس الوزن) الخمسمائة ليرة قبل العام ٢٠١١ (أي قبل الأزمة)، يُضاف الى ذلك كلفة الري حيث كان سعر الليتر من المازوت (الديزل)٧ ليرات سورية واليوم تصل هذه الكلفة إلى ١٨٥ ليرة سورية، في حين سعر المتوفر بدون دعم إلى ثلاثمائة ليرة سورية، ويُضاف إلى كله أجور النقل الى الأسواق.”

قطاف التفاح في أحد بساتين ضهر القصي
أما التفاح فينمو في المناطق الباردة وبالتالي ينتظر المزارع غضب الطبيعة أو رحمتها، فقد يقضي البَرَد على موسم التفاح إذا كانت حباته كبيرة، وإذا كانت الطبيعة رحيمة يخضع الفلاحون ومواسمهم لرحمة التجار. يُباع التفاح حالياً بسعر ٨٥ ليرة سورية للكيلو غرام الواحد في حال كان النوع جيداً ويصل إلى المستهلك بسعر ٢٥٠ ليرة سورية. زرت (أبو الجود) في بستانه وسألته عن التكلفة فأخبرني عن ثمن المبيدات الحشرية وأجور الرش والفلاحة حيث كان إنتاجه هذا العام ما يقارب سبعة أطنان ولكن الحصيلة النهائية لفرق السعر بين الإنتاج وكلفته لا يكفيه سوى لمصروف شهرٍ واحدٍ وهو ما يعادل أربعمائة دولار أمريكي، آخذين بعين الاعتبار أنّ ثمن الأشجار مدفوع سابقاً ولم يُحسب حساب الأشجار التي تموت ويحتاج الى بديل لها.
قطاف التفاح في أحد بساتين ضهر القصير
أما الحمضيات فتتركز زراعتها في مناطق الساحل السوري فقط. ورغم عدم توفر الليمون بشكلٍ كافٍ في المناطق السورية الأخرى الأمر الذي يجعل أسعار مبيعه باهظة جداً، إلا أنّ العديد من المزارعين قاموا باقتلاع أشجارهم واستبدالها بزراعات أخرى لأنّ سعر المبيع أقل من التكلفة. فمثلاً أثناء قطافي لثمار الليمون من مزرعة (أبو الغيث) لإحضاره إلى حمص سألته (لماذا لايبيع هذه الكمية الكبيرة من الليمون؟)، فبدأ بتعداد التكاليف من سعر الصناديق، إلى أجور العمال، إلى النقل الى الأسواق، فوصلت كلفة الكيلوغرام من هذه العملية الى أكثر من سعر المبيع، هذا بدون حساب العمل طيلة عامٍ كاملٍ. ويبلغ سعر الصندوق ٣٠٠ ليرة سورية ويتسع لعشرة كيلو غرامات أي أنّ سعر كل كيلو غرام ٣٠ ليرة، وتبلغ أجور القطاف ١٠ ليرات، وأجور النقل من البستان إلى تاجر الجملة ٥ ليرات، يصبح المجموع ٤٥ ليرة سورية، لكنّ سعر المبيع للمستهلك يتراوح بين ٤٢-٤٠ ل.س، طبعاً هذا السعر ليس ثابتا وقد يرتفع السعر أو ينخفض، لكنه يعطي فكرة عن الخسائر التي يعاني منها الفلاح الذي بات يُفضل سقوط الثمار في مكانها أفضل من الخسائر التي سيجنيها هذا في حال تم تسويق المحصول.
وأخيراً البندورة التي تعد من المحاصيل المهمة جداً والضرورية بالنسبة لكلٍ بيتٍ وهي تُزرع في كافة أنحاء سورية ولكن في الصيف تزرع في المناطق الداخلية وفي الشتاء على السهول الساحلية، وهي من الزراعات المحمية شتاء، لكن سعر المبيع في الموسمين الماضيين انخفض إلى ما دون سعر التكلفة سواءً بالنسبة للزراعة المحمية في الساحل أو الزراعة الصيفية في المناطق الأخرى، وهي تصل إلى المستهلك بأرقامٍ صعبةٍ على مدخوله، ويشتري المستهلك كيلو البندورة الواردة من ريف حلب بمبلغ مئة وخمسين ليرة في حين يبيعها الفلاح هناك بخمس عشرة ليرة سورية.
إذاً أين تكمن المشكلة؟ بالإضافة إلى العوامل الجوية التي لايمكن دائماً التحكم بآثارها، مايفاقم من هول التحديات التي يواجهها الفلاحون والمستهلكون على حدٍّ سواء هو سوء إدارة الأزمة الزراعية وغياب الدعم والرقابة، فمن هي الإدارة المسؤولة عن هذا البلد وحماية القطاع الزراعي الذي أثبت أنه عصب الحياة الاقتصادية بعد أن عصفت الحرب بالقطاعات الصناعية والتجارية والسياحة؟
هناك الكثير من المشاكل السابقة لسنة ٢٠١١، لكنّ العديد من المشاكل الجديدة نجمت عن العقوبات الاقتصادية وتفشي اقتصاد الحرب كفرض الجباية والأتاوات من قبل الحواجز على السيارات العابرة والبضائع، وهذه ضرائب مُقنّعة يدفعها السوريون علانيةً ولكن ليس لها مكان في جدول حسابات الإنتاج ولا مكان لها بالنسبة لواردات الدولة. كما باتت توجد هوة كبيرة ما بين الدخل المتدني للسوريين وأسعار السوق، وتؤرق هذه المشكلة معظم السوريين. ورغم أنّ أسعار المنتجات الزراعية السورية أرخص من مثيلاتها بالمقارنة مع الدول المجاورة، إلا أنّ القدرة الشرائية المنخفضة لاتسمح للسوريين بالشراء، وهذه مشكلة من مشاكل كثيرة يعاني منها السوريون ولايمكن طرحها بشكل منفصل عن مشكلتهم الأساسية مع مفهوم الدولة، ولكن تبقى المشكلة مطروحة ببعدها الاجتماعي والاقتصادي وعلى أي حكومة سورية مستقبلية العمل على إيجاد توازن بين سعر السوق والدخل بالإضافة للتركيز على أن يكون سعر المنتج مدعوماً من الحكومة بحيث يكون أعلى من الكلفة وتتحمل الحكومة ردم الهوة بينهما مهما كانت حتى يستطيع المزارع متابعة إنتاجه في مواسم لاحقة ولتحقيق الأمن الغذائي بالنسبة للجميع.
ورغم الاقتصار هنا في تناول المحاصيل المنتجة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري إلا أن هناك منتجين رئيسيين في المناطق التي تسيطر عليهما قوات سوريا الديمقراطية وهما القمح والقطن وتلك مشكلة أخرى حيث أن القطن من الزراعات الصناعية الأساسية في سورية، وانعكست آثار الحرب تلك على قطاعات واسعة من السوريين العاملين في محالج القطن وشركات الغزل وشركات صنع الزيوت من بذر القطن، وكل ذلك بسبب الإنتاج الضعيف والذي يعود سببه الى عدم وجود سعر يشجع الإنتاج، بالإضافة إلى تردي الوضع الأمني الذي انعكس على الطرقات التجارية والترانزيت وخضوع المناطق السورية المختلفة لسيطرة قوى مسلحة متصارعة ومختلفة.
بواسطة Abdullah Al Hassan | أكتوبر 5, 2018 | News, غير مصنف
بدأ اختلاف وجهات النظر حول التعاطي مع قضية الشمال السوري يظهر بين الدول الثلاث الضامنة للقاء أستانا (روسيا وتركيا وإيران) بعد اجتماع طهران الأخير، جاء ذلك بعد تنسيق وتعاون كبير بين هذه الدول نتج عنه نجاح الخطة الروسية لوقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد، ثم مساعدة الجيش السوري للسيطرة عليها، في الغوطة الشرقية وجبال القلمون الشرقية، ثم جنوب دمشق ومخيم اليرموك، وبعدها في ريف حمص الشمالي، وأخيراً في درعا في الجنوب السوري. إلا أن مصالح وأولويات هذه الدول بدأت تتعارض فيما بينها عندما وصل الأمر إلى محافظة إدلب، وخاصة بعد أن تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن نيّتها سحب قواتها من منطقة شرق الفرات في الوقت الراهن.
معادلة معقدة من المصالح والرغبات تدير علاقات الدول الثلاث، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن الحكومة الروسية تدير الحل في سوريا، إلا أنها لا تستطيع الاستغناء عن التعاون والتنسيق مع هذه الدول، فكل منها تملك أدوات مؤثرة قادرة على تعطيل الحل، وبالتالي يتحتم على روسيا المساومة وفي بعض الأحيان تقديم المكاسب لتلك الدول، مقابل تحقيق التقدم على مسار الحل في سوريا.
فلولا التعاون مع تركيا لما تمكنت روسيا من تحقيق التقدم في خطتها للحل منذ تدخّلها في سوريا، في نهاية سبتمبر/أيلول ٢٠١٥، إذ تملك تركيا العديد من المفاتيح الهامة في الداخل السوري، وخاصة في الشمال، كما ظهر واضحاً في إعادة سيطرة الجيش السوري على مدينة حلب في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٦. بدا أيضاً التأثير التركي في جولات محادثات أستانا العشر ومناطق خفض التصعيد، وكان واضحاً في عملية ”غصن الزيتون“ في مدينة عفرين السورية، وكذلك الأمر في إنجاح ”مؤتمر الحوار الوطني السوري“ في سوتشي، والذي نتج عن كواليس تحضيره توافق دولي بشأن اللجنة الدستورية السورية.
أما تركيا فلديها مخاوف على أمنها القومي بعد تعاظم قوة حزب الإتحاد الديمقراطي PYD الكردي في الشمال السوري، والذي تضعه على قائمة المنظمات الإرهابية، ولتأمين حدودها والدخول بجيشها للشمال السوري كان عليها أن تتعاون مع الحكومة الروسية، فجرت المقايضة على تسليم مدينة حلب للنظام السوري، مقابل عملية ”درع الفرات“ التركية في مدينتي الباب وجرابلس، ومن ثم عملية ”غصن الزيتون“ في مدينة عفرين. كذلك استطاعت تركيا نشر قواتها في اثنتي عشرة نقطة مراقبة على كامل حدود سيطرة المعارضة السورية في محافظة إدلب بعد اتفاق أستانا ٤، مما جعل المنطقة بما فيها من فصائل المعارضة تابعة بشكل كامل ومباشر للمخابرات التركية، وهذا أعطاها مزيداً من أوراق القوة لتحقيق مصالحها، وربما أصبحت تهدد وحدة الأراضي السورية خاصة في مناطق سيطرة ”درع الفرات“ و ”غصن الزيتون“.
أما التنسيق الروسي – الأمريكي، فبدأ مع التدخل الروسي في سوريا بعيداً عن وسائل الإعلام، إلا أن نتائجه ظهرت مع سيطرة الجيش السوري على مدينة درعا والجنوب السوري بعد تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن فصائل المعارضة هناك.
جاءت هذه السيطرة بعد تفاهمات ثلاثية روسية – أمريكية – أردنية وثنائية بين روسيا واسرائيل، حيث ضمن الجانب الروسي الحفاظ على أمن إسرائيل من خلال إعادة العمل باتفاق ”فك الإشتباك“ بين سوريا وإسرائيل لعام ١٩٧٤، وإبعاد ميليشيا تدعمها إيران إلى ما وراء محور دمشق – السويداء، إضافة إلى منح إسرائيل ضوءاً أخضر لشن عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية على مصادر الخطر المحتملة عليها.
بكل الأحوال أبقت الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة ”التنف“ جنوباً في زاوية الحدود السورية الأردنية العراقية بحجة مراقبة تنفيذ ما اتفقت عليه هذه الأطراف. وبالعودة للشمال، سارع ”مجلس سوريا الديمقراطية“ -والذي يشكل ”حزب الاتحاد الديمقراطي“ الكردي عموده الفقري،- لعقد لقاء في دمشق مع ممثلي النظام السوري في نهاية يوليو/تموز ٢٠١٨.
وجاء هذا اللقاء بتسهيل روسي ومباركة أمريكية، بعد إعادة سيطرة النظام السوري على كامل مناطق المعارضة في وسط وجنوب البلاد، وإثر حديث سابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوضح فيه نيته سحب قواته من شمال شرقي سوريا بعد القضاء على “داعش،” أما ما نتج عنه فهو تشكيل لجان بين الطرفين لحل القضايا العالقة.
في ظل كل هذه الظروف المواتية، حشد النظام السوري وحلفاؤه الروس قواتهم لحصار محافظة إدلب، آخر معقل للمعارضة في سوريا، بهدف استرجاعها، لكن الولايات المتحدة الأمريكية خلطت الأوراق و ظهرت تسريبات تفيد بأن الحكومة الأمريكية حسمت قرارها بالإبقاء على جنودها شمال شرقي سوريا، لمحاربة ”داعش“ ومنع تشكيلها من جديد، إضافة لمراقبة الوجود الإيراني في سوريا والضغط لسحب هذه الميلشيات وعودتها إلى بلادها. كما يمكن أن يستخدم التواجد الأمريكي شرق نهر الفرات للضغط نحو تحقيق حل سياسي في سوريا وتنفيذ القرار ٢٢٥٤ وإجراء إصلاحات دستورية.
أفزع هذا القرار الأمريكي الحكومة التركية، وأصبحت المصلحة التركية تقتضي التمسك بمحافظة إدلب والحفاظ على فصائل المعارضة المتواجدة فيها لحماية الأمن القومي التركي، وهذا ما عبّر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته الافتتاحية في قمة طهران حين قال ”إن مستقبل منطقة إدلب لا يتعلق بمستقبل سوريا فقط، وإنما يتعلق بمستقبل تركيا أيضاً، وبالأمن والاستقرار في تركيا“. ويبدو أن موقف إيران تماشى مع الموقف التركي، فمن مصلحة إيران أيضاً التخلص من التهديد الأمريكي في المنطقة، والذي يرصد كامل الحدود الشرقية لسوريا، كاشفاً الكثير من نقاط العبور والانتشار الإيراني في الداخل السوري، مما يمّكن إسرائيل من تحديد تلك الأهداف وضربها.
وهكذا اتفق الجانبان التركي والإيراني على أن تكون الأولوية لشرق نهر الفرات وليس لغربه، على الرغم من أن ذلك يتعارض مع خطة الحل الروسي في سوريا، والتي تهدف لإعادة السيطرة على كافة مناطق وجيوب المعارضة السورية بحجة القضاء على جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) قبل نهاية عام ٢٠١٨. أما مشكلة الأكراد شمال شرق سوريا، فتعتبر موسكو أنها قابلة للحل عبر الحوار بين ”مجلس سوريا الديمقراطية“ والنظام السوري، خاصة بعد الدرس القاسي الذي تلقاه الأكراد في مدينة عفرين، حين تخلّت الولايات المتحدة الأمريكية عنهم، كذلك فعلت روسيا، بعد أن رفض الأكراد مقترحاً روسياً يقضي إلى دخول الجيش السوري إلى المدينة لحمايتها من تقدم الجيش التركي وحلفائه في المعارضة السورية ضمن عملية “غصن الزيتون.”
الآن، وبعد الاتفاق التركي – الروسي الأخير حول إدلب، تتجه الأنظار نحو مناطق سيطرة القوات الكردية، ومن المتوقع أن تكون البداية من مدينة تل رفعت لاختبار مدى تجاوب الأكراد مع دمشق، وحتى اللحظة يبدو أن كفة سيطرة الجيش السوري على المدينة هي الراجحة، وذلك مع تواتر تقارير عن وصول تعزيزات للجيش السوري إلى بلدة دير جِما غرب تل رفعت، فيما تقوم فصائل المعارضة السورية التابعة لعملية ”غصن الزيتون“ بمدينة اعزاز برفع سواتر ترابية على طول الخط الفاصل بين المدينتين بغاية الحماية، فيما يبدو أنه تحضير لسيطرة قوات النظام السوري على تل رفعت.
من جهة ثانية، تعمل تركيا على استبدال عناصر جبهة النصرة بآخرين من الفصائل المعتدلة على طول حدود المنطقة الفاصلة بين سيطرة المعارضة وسيطرة النظام السوري في محافظة إدلب حتى عمق ١٥ إلى ٢٠ كم، وذلك بناء على الاتفاق المبرم مع روسيا، مما يعني هدنة طويلة الأمد في محافظة إدلب حتى تنتهي قضية شرق الفرات على الأغلب، أو يحدث أمر يُغيّر قواعد المعادلة من جديد.
يبدو أن حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو الأكثر وضوحاً في هذا الشأن، فخلال مؤتمر صحفي مشترك عقده في ساراييفو مع وزير خارجية البوسنة والهرسك، قال لافروف “أما بخصوص الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب فهو يهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على تحدي الإرهاب، وهو خطوة مرحلية من دون أدنى شك، لأن الحديث يدور فقط عن إنشاء منطقة منزوعة السلاح، لكنها خطوة ضرورية لأن ذلك سيتيح منع القصف المتواصل من منطقة خفض التوتر في إدلب لمواقع القوات السورية وقاعدة حميميم” الروسية وأضاف بأن أكبر تهديد لسيادة سوريا ووحدتها “يأتي من شرق الفرات” وهي المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، حيث تُقام تحت إشراف أميركا هياكل تتمتع بحكم ذاتي.
يبقى أن نذكر بأن مصير هذه المناطق مرتبط أيضاً بمدى تجاوب النظام السوري مع اللامركزية التي يطمح إلى تحقيقها الأكراد ومن معهم في الشمال السوري، ففي حين أن النظام السوري يرى ذلك محققاً من خلال المرسوم التشريعي رقم ١٠٧ للعام ٢٠١١ المتضمن قانون الإدارة المحلية الجديد، إلا أن المرسوم لم يُطبَّق في مناطق سيطرته حتى الآن.
وهكذا تنتقل عملية التوازن في الشمال السوري من كفة لأخرى، وتبقى الأمور معلّقة برغبة ومصالح اللاعبين الأساسيين، فيما يستمر كل منهم بترديد عبارة “الشعب السوري وحده من يقرر مصيره بنفسه.”