تدريباتنا

«ذهب روسي» في أعراس الحسكة

بواسطة | فبراير 10, 2022

زخرت اعراس الماضي في الحسكة وريفها، بطقوس وعادات اجتماعية متنوعة، حرص “الحسكاويون” على منحها نفساً جميلا كان يضفي على المناسبات اجواء فرح وبهجة لتقاليد ضاربة في القدم.
وتختلف طقوس الافراح من منطقة لأخرى ومن قرية لأخرى في ريف المدينة نظراً لتنوع سكانها واختلاف قومياتهم ودياناتهم من كرد وعرب وايزديين ومسيحيين، لكن هذا لم يمنع من عادات مشتركة، كما يسرد الصائغ جميل الاسعد من حي المفتي في الحسكة لـ “صالون سوريا”، اذ اختصرت حالياًطقوس الزواج التي طرأت عليها التغيير على إشهار الزواج بأقل التكاليف بعد أن كانت ليالي الاحتفاء بالفرح تستمر لأيام بلياليها.
شراء الذهب كان أحد شروط الزواج، إلا أن تأزم الوضع الاقتصادي وتدهور الحالة المعيشية حال دون شراء العريس الكردي دلشير جان ( 30 عاماً كردي من حي المفتي) الذهب لزوجته واستعاض عنها بذهب التقليد. ويقول لـ “صالون سوريا” :” تزوجت شقيقة زوجة أخي قبل حوالي ثلاثة أشهر وقدم شقيقي لزوجته 100 غرام من الذهب قبل 15 عاماً ومهر يعادل 10آلاف دولار اليوم وغرفة النوم، وأقام لها حفلة عرس سبقها ثلاثة ايام من الاحتفالات والرقص. أوضاعنا المادية كانت مزدهرة حينها لاسيما وان مواسم حقولنا من القمح كانت تدر علينا بخيراتها، لكن اليوم الحرب والجفاف والانهيار الاقتصادي غير وجه الحياة فاشتريت غرفة نوم قديمة ولم اقم حفلة عرس واشتريت بعض الادوات الكهربائية المستعملة التي كلفتني 3ألاف دولار ولم اهدي عروستي سوى خاتم الزواج من الذهب”.
دلشير، لم يكن الحالة الاستثنائية لعريس لم يهد عروسته الذهب، فأحمد ( 35 عاماً وهو من المكون العربي الذي تزوج قبل اسبوعين والمتحدر من حي المفتي) يقول لـ “صالون سوريا”، أن ارتفاع سعر الذهب بشكل خيالي وهو أحد اهم اسباب امتناع الشباب عن شرائه حال دون تقديمة لزوجته. ويضيف انه قبل ازمة البلاد كان سعر الدولار يساوي 47 ليرة سورية وحينها وصل سعر الذهب الى 1200 ليرة سورية وكان بإمكان العريس شراء 100 غرام من الذهب لخطيبته آنذاك بسعر لا يتجاوز 120 ألف ليرة سورية، بينما نفس الكمية تكلف اليوم بعد ان تخطى سعر غرام الذهب 180 ألف ليرة سورية لتعادل تلك الكمية اليوم 18 مليون ليرة سورية وهو “رقم خيالي”.
ومن جانبها، تقول بورسين (شابة جامعية تدرس الحقوق وتزوجت قبل شهرين)، أنها استغنت عن شراء الذهب بشراء مشغولات النحاس المطلية بالذهب والتي تشبه إلى حد كبير مصاغ الذهب ويعرف هذا النوع بـ “الذهب الروسي” أو”البرازيلي” او “الهندي”، فأسعاره منخفضة بالمقارنة مع المصاغ الذهبي وأضافت :” سعر الحلق منه بحدود 12 ألف ليرة والخاتم يباع بسعر 10ألاف ليرة وأما الاسواء فتباع كل منها بسعر 10آلاف ليرة أما القلادة فيختلف سعرها فهناك قلادات تباع بسعر 30ألف ليرة واخريات سعرها تتراوح بين 15/20ألف ليرة سورية وهي براقة وجميلة”. واضافت الشابة العشرينية أن عائلتها استغنت عن المهر ولم تشترط على عريسها شراء الذهب كما كان في الماضي، لاسيما وأن أوضاعه المادية أقل من متوسطة ووفق قناعة أهلها فسعادتها مع من تحبه واختارته هو أهم من الكماليات.

تختلف عادات ابناء المكونات العرقية والدينية في مدينة الحسكة، فكاتي سهيل وهي عروس مسيحية تستعد لخطبتها منتصف شباط (فراير)، في “عيد الفلانتين”. وبحسب تقاليد الطائفة المسيحية فأن اهل العروس يتحملون تكاليف الخطبة. وتقول كاتي لـ “صالون سوريا”، أنها كانت تخطط لحفلة طويلة ومكلفة كانت ستقيمها في احد صالات الافراح إلا ان التكلفة ستنهك عائلتها فحجز صالة لـ 120 شخص لا يقل تكلفته عن مليون ليرة سورية مع بوفيه مفتوح يقدم الفطائر ومخبوزات من كيك وبوتيفور وبسكويت ومشروبات غازية وعصائر ونوعين من الشكولاتة والملبس ونوعين من الحلويات التي ستتجاوز على حد وصفها 10 ملايين ليرة سورية، وهو مبلغ كبير تفوق قدرة أسرتها ففضلت حفلة عائلية في منزلها مع عائلة خطيبها تقليصاً للمصاريف.
وأما منى (25 ربيعاً وهي من ريف الحسكة والمتزوجة من ابن عمها وتعمل موظفة في احد الدوائر المدنية التابعة للإدارة الذاتية في مدينة الحسكة)، فقد اختلفت حفلة عرسها عن شقيقتها المتزوجة منذ 11 عاماً. واوضحت منى، وهي من المكون العربي، انهم في الماضي كانوا يقيمون الافراح لثلاثة ايام يذبحون فيها 50 خروفاً واحياناً أكثر ويقدمون مناسف اللحم المعروفة باسم “حميس” مع خبز الصاج لضيوفهم على الغداء والعشاء. لكن الانهيار الاقتصادي وتردي الاوضاع المعيشة دفع بعائلة الزوجين اقامة حفلة عائلة حضرها اهالي العروسين في فترة المساء وقدموا لضيوفهم قطعة حلو مع علبة عصير.


“الحرب التي عاشتها ولازالت تعيشها العديد من المدن السورية غيرت العادات الاجتماعية التي شكلت اللبنة الاساسية في الأسرة السورية”، كما تقول بتول جابر وهي ناشطة نسوية من مدينة الحسكة. وأشارت بتول إلى أن المهر الذي هو “حق شرعي للمرأة ألغيت في العديد من مناطق الجزيرة السورية شأنها شان حفلات الأعراس. وتجهيزات العروس من الاثاث يتم شراؤه من القديم المستعمل، مع خاتم ذهب او فالصو. وجاء ذلك بعد نداءات من ابناء العشائر ووجهاء المنطقة ممن دعوا الى ضرورة الغاء المهور والذهب وترك الحرية للعريس بتقديم ما يمكنه بحسب طاقته المادية دون فرض شروط تفوق قدرته”.
وتابعت الناشطة النسوية أن الظروف التي عاشتها المناطق لاسيما خلال فترة سيطرة “داعش” على ريف الحسكة وبعض بلداتها غيرت حتى تواقيت الاعراس، فلم تعد تصدح حفلات الفرح منذ الفجر وحتى مغيب الشمس لعدة أيام. ونوهت إلى أن تجهيزات العروس أيضا تغيرت فلم يعد الذهب وفرش البيت والملابس وليلة الحناء وحفلة العرس من شروط العروس وعائلتها. لكن رغم ما عاشه السوريون من حرب ضروس إلا انهم لازالوا يحافظون على طقوس اعراسهم في الحدود الدنيا.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا