تدريباتنا

المنقلة: لعبة الأجداد الحيّة في الحسكة

بواسطة | نوفمبر 20, 2022

لا تخلو أي من قرى الحسكة وبلداتها من لعبة “المنقلة” التراثية الشعبية المفضلة لدى كبار السن، والحاضرة في جلسات الترفيه طوال أوقات النهار، وخلال سهرات السمر والأنس في صيف وشتاء أهل الحسكة.

ولعبة “المنقلة” هي الأكثر استحواذاً للذاكرة الشعبية، فقد سادت الألعاب المحلية طيلة عقود من الزمن، ولازالت تقاوم الاندثار متحدية الألعاب الحديثة بما فيها الالكترونية.

فـ”المنقلة” لعبة مميزة تخلق الحماسة والمنافسة، كما يروي العم جميل السبعيني لـ”صالون سوريا”، ويضيف :”هي لعبة المعمرين وجزء من ذاكرتهم الحية، لارتباطها بموروثهم الاجتماعي الشعبي، ومن شدة تعلقي بهذه اللعبة، أحبها أحفادي رغم صغر سنهم، وهم يحاولون أن يضعوا حصوات المنقلة في جرنها”.

وتتكون المنقلة من قطعة مستطيلة من الخشب السميك بطول 65 سم وبعرض 15 سم، سماكتها لا تتجاوز الخمس سنتمترات وتحوي على صفين من الحجرات الدائرية المفتوحة، كل واحدة منها مكونة من سبعة فراغات  تسمى “جونات او حفر”، توزع فيها 98 حجرة صغيرة ناعمة الملمس تلتقط عادة من على ضفاف الأنهار وتسمى “حصو المنقلة”.

وبحسب جميل فالمنقلة مؤلفة من أربعة عشر جرنا ومجموعة حصوات، في كل جرن توزع سبع حصوات، يتناول أحد اللاعبين الحصوات الموجودة في أحدها، ويوزع على كل جرن بحصة بدءاً من اليمين، وهكذا حتى تنتهي بحصاته، ويستمر اللاعبان في هذا حتى تنتهي الحصوات من الجرون.

ينظم هذه الحركة رقم النرد، وتبدأ قواعد اللعبة بثلاثة يجهد فيها اللاعب بملء كل الحفر امامه بأعداد زوجية من الحجارة بعد تقديره عدد كل منها، والفائز هو من يجمع أكبر عدد من الحصوات، أي من يجمع ما يزيد عن 49 حصوة.

من ناحيتة يصف العم السبعيني فؤاد اللعبة بانها الأكثر تسلية ومتعة، وهي تتميز بطابع خاص، فالكبار يعشقونها، والصغار يتسلون في مراقبة الجد الفائز، ويقول الجد فؤاد لـ”صالون سوريا”: ” احفادي يعشقون المنقلة رغم أن أعمارهم صغيرة، وهم يتمتعون دائما بمشاهدتنا نلعب لساعات طويلة وتقليدنا، وفي أيام العطل ألعب مع أبنائي وأحيانا مع مع أصدقائي من أبناء جيلي، لاسيما في الحدائق في الصيف، وفي الشتاء إما في المنازل او في المقاهي”.

ولتوريث اللعبة للجيل الجديد في منطقة الجزيرة السورية، قرر كبار السن إقامة بطولات خاصة في المنازل لإثارة فضولهم للتعرف على اللعبة ولعبها، كما يقول أبو شيار الستيني المتحدر من حي النشوة في الحسكة، ويضيف أبو شيار :”نشجع احفادنا منذ الصغر على حب لعبة الأجداد، خاصة في القرى والبلدات المحيطة بالحسكة كي لا ينساها أبناؤنا وشبابنا، اليوم هذه اللعبة المتوارثة منذ آلاف السنين مازالت صامدة رغم هوس الألعاب الالكترونية المنتشر بين الجيل الجديد”

وفي أجواء “حماسية” كما يصفها أبو شيار تضم الأصدقاء والمحبين للمنقلة، تقام بطولات اللعبة، حيث يلتف المشجعون/ات للاعبي المنقلة ومراقبتهما وهما يلعبان بشكل متقابل.

ويقول أبو شيار “تعتمد اللعبة على مهارات اللعب الذهنية، وذكاء الشخص وفطنته في العد السريع والحساب، وهذه هي المعايير الاساسية المتحكمة في جولات المتنافسين في المنقلة، والتي تحدد في النهاية من هو الفائز.”

عن هذه البطولات، تقول الباحثة الاجتماعية رغد الوصال لـ”صالون سوريا” : “مدينة الحسكة تنظم سنويا عدة بطولات للعبة المنقلة، وبمشاركة مختلف الشرائح العمرية من الصغار والشباب، فأغلب ممارسي اللعبة حالياً هم من كبار السن”.

وتضيف “لعبة المنقلة لازالت حاضرة رغم ظروف الحرب القاسية، وهي تقاوم وسائل التسلية والترفيه الحديثة لاسيما الالكترونية منها التي تؤثر سلباً على الأطفال، وتعلمهم العنف والإدمان، عكس لعبة المنقلة التي تحفز الذاكرة وتنميها فهي لعبة حساب وأرقام”.

ويرجع عالم الآثار هادي مجد أصول العبة “المنقلة” للسودان، التي كانت امتدادا للحضارة الفرعونية، ويروي لـ”صالون سوريا” بأن المكتشفات الأثرية والحفريات العلمية اكدت أن مصر القديمة، والتي كانت السودان جزءا منها، هي الموطن الأصلي للمنقلة، التي تم اكتشافها في وادي النيل ويرجع تاريخها إلى 1400 سنة قبل الميلاد.

ويضيف مجد “عثر علماء الآثار على الواح المنقلة الحجرية في مقابر الفراعنة في مصر، وفي مقابر حضارة الكوش في السودان وكشفت تقارير علمية عن العثور على لوح حجري على سطح معبد في مدينة منفيس بولاية طيبة والأقصر ذكرت فيها تفاصيل اللعبة “.

وقد عبرت هذه اللعبة عبر التجار موطنها باتجاه بلاد الرافدين والشام وافريقيا، حيث عثر الأثريون على آثار المنقلة في الواح حجرية لبقايا ممالك مالي وغانا المندثرة واريتريا واثيوبيا.

 لكن المختلف بحسب هادي بين منقلة الماضي والحاضر ان عدد الحفر كانت عشرين فراغاً على شكل صفين متقابلين، لكل  صف عشر فجوات توزع عليها 100 بحصة.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا