تدريباتنا

أزمات المعيشة في ارتفاع وصبر المواطن في انخفاض

بواسطة | فبراير 2, 2021

تستمر أزمة البنزين في الداخل السوري لتدخل شهرها الثاني، مشهد الازدحام لا يبدو أنه انخفض أو سينخفض في الأيام القليلة المقبلة، إذ صار من الواقع بما لا يدعو للقياس أكثر من مرةٍ، أن معظم الكازيات تشهد ازدحاماً مطابقاً ليومها السابق، وهناك طوابير وصل بعضها إلى ثلاثة كيلومترات، ما يحتم على السائق في أحيانٍ الانتظار لـ48 ساعة لتعبئة المادة في سيارته المحدودة لثلاثين ليتراً فقط لا أكثر، وبتباعد زمني عن التعبئة السابقة يكون أسبوعاً على الأقل. ورغم أن هذا الارتجال الحكومي حمل معه وعداً للسوريين بأنهم سيلحظون انخفاض الازدحام، ولكن ذلك لم يحصل حقاً، الطوابير ازدادت، ساعات الوقوف ازدادت، التعب ازداد، الغضب ازداد، الصبر وحده انخفض، انخفض وبدأ يحمل معه غضباً واضحاً على ملامح الناس، في المحطات، في الأسواق والطرقات، على اعتبار أن الأزمة التي بدأت من البنزين لن تقف بتأثيرها عنده، بل كان للأسعار التي ارتفعت فجأة في أسواق الهال حديث آخر.

أسئلة مشروعة

حاولت – ولا زالت – الحكومة السورية الارتجال في إيجاد الحلول، هذا إذا ما تم اعتبار أنه قد تم تحليل المشكلة وتشريحها لفهمها قبل الإدلاء بالتصاريح والبدء بتنفيذ استراتيجية لم تجد نفعاً، سيما مع التصريحات التي تأخذنا لتقول أن مصفاة بانياس تنتج معظم الحاجة السورية، وبأنها بعد العمرة ستنتج بزيادة عما سبق تصل إلى 25%، ما يقودنا نحو السؤال الملح، لماذا العمرة في هذا الوقت!.

هذا السؤال أجابت عنه وزارة النفط ومعها مؤسسات المحروقات، بأن ما يحصل الآن هو عمرة دورية، فالمصفاة وصلت لمرحلة قد تخرج فيها عن الإمداد ما لم يتم إجراء العمرة/الصيانة لها، وحالاً، وهنا السؤال، لماذا حالاً! أجابت الوزارة لماذا، ولكنها غابت تماماً وغيبت أجهزتها عن الإجابة الكاملة، أو حتى الشرح لماذا لم تتم العمرة سابقاً، وهي سبق وأن أسلفت أن آخر عمرة كانت في عام 2013، إذن، كان أمام الوزارة سبع سنوات كاملة لإجراء العمرة، يتخللها عاما 2014/2015، وفي هذين العام كان يمكن القول أن البلد غارقة بالمادة دون تسجيل أي نقص ولو طفيف بمستوى الإيراد والتحضير، فيما راح ناشطون يدونون أسئلتهم المتمحورة حول الجزئية ذاتها، متسائلين لماذا لم تجرى هذه العمر في الربع الثاني من العام الجاري!، على اعتبار أن البلد حينها كانت في مرحلة حظر الحركة والتجول، ما جعل الحاجة إلى المادة أقل بكثير قياساً بأي وقت آخر، وكانت المادة متوافرة في السوق دون أي ازدحام، ما يضعنا مجدداً في موضع المنتظر للإجابة من حكومة عينها لا تملك الإجابة، وإن ملكتها، فهي ستخبئها لا لأنه ثمة هدف سياسي من الأمر، بل سبب وراثي تكتسبه الحكومات السورية في الهرب من المواجهة بالمعلومة، وإن كانت صحيحة، سيما أن كل ما تفعله صار ثقيلاً على صدر المواطن غير المتقبل لأزمات تخلق عقب أزمات، إذ لا يكاد يخرج السوري من أزمة حتى تتلقفه أزمة أشد وطأة. فهناك أيضاً أزمة الخبز التي دخلناها في هذه الأيام مع البطاقة الذكية، البطاقة عينها التي جاءت لتنظم توزيع البنزين والخبز والسكر، فخلقت أزمة، ذاتها الآن ستتكفل بموضوع الخبز، والتي نجحت في أن تنقل الازدحام من نوافذ الأفران إلى (دكاكين) المعتمدين، ففي دمشق وطرطوس صار هناك طوابير جديدة للخبز، الخبز أي المادة الرئيسية في حياة المواطن.

مشاهد مكررة

أبو سامي، سائق سيارة عمومية، لليوم الثاني ينتظر دوره على محطة وقود حكومية، ويقول عن تجربته: “بنطر يومين لعبي، بروح بشتغل 3 أيام، برجع بنطر يومين على الكازية، وهيك، صرلي شهر، يعني فيك تقول قضيت شي 10 أيام من أصل 30 يوم بالشهر وأنا نايم ع لكازيات، وعلى اجا الصهريج وما اجا، عطل الفرد ولا اشتغل، خناقة مع اللي وراك من ضيقة خلاق العالم، دفشة صغيرة للي قدامك لأنو خلص بنزين سيارتو، هيك مقضيينها”.

وكذلك كان حال الأسبوعين الأولين مع مفتاح وهو أيضاً سائق عمومي: “أول فترة كنت انطر متلي متل هالعالم، بس ما بقى وفت معي، صرت روح اشتري بنزين حر الغالون بـ40 ألف، وبرفع أسعار طلباتي أربع أضعاف وبعرف أنو بيصير رقم فلكي وكبير ع لمواطن بس اللي مضطر بيطلع وأريح الي ما نام ع دوار الكازيات”.

السوق السوداء

علماً أن الحكومة تدعم مواطنيها ب100 ليتر بنزين بسعر 250 ليرة سورية لليتر الواحد، وتقدم له 100 لتر إضافية غير مدعومة بضعف سعر المدعوم، وكان نشط سوق البنزين السوداء بحضور وكثافة عالية على الطرقات الدولية، ومداخل المدن، ليسجل سعر الغالون الواحد (20 ليتر)، 40 ألف ليرة سورية، قياساً ب5 آلاف ليرة سورية للغالون المدعوم، أي بزيادة ثمانية أضعاف عن سعره داخل المحطة، ويرجع أمر توافر البنزين في السوق السوداء لعاملين، الأول نتيجة التلاعب في محطات الوقود وتوفير بنزين سري يتم بيعه إلى الخارج، والثاني عبر التهريب من المنافذ غير الشرعية بين سوريا ولبنان، وفي الحالتين لم تنفذ أي حملة من قبل الشرطة لمكافحة الظاهرة على الطرقات العامة، والتي تعرض بضاعتها على طرفي الطريق.

سوق الهال يحتاج البنزين

انعكست أزمة البزين على قطاعات أخرى، أبرزها أسواق الخضار، التي ارتفعت أسعارها مع انقطاع المادة، نظراً لأن المادة التي تمر من الفلاح إلى سوق الهال إلى المحال المنتشرة، تمر بمرحلتين من النقل، كل مرحلة تكلف أكثر من قبل على اعتبار أن بعض هذه السيارات تعمل على البنزين، وهو بالضرورة ما خلق ارتفاعاً بالأسعار لينعكس على الأسواق التجارية أيضاً، وعلى كل شيء يتم أو سيتم نقله باستخدام السيارات، وضمنها أجور النقل بين المحافظات، وفي المحافظة ذاتها.

وعود ناقصة

وعدت الوزارة أن ينتهي ترميم مصفاة بانياس خلال الثلث الأول من تشرين الأول المقبل، على أن تعود المصفاة لمد المحافظات بالتوريدات التي انخفض معظمها إلى النصف، دون أن يكون هناك ذكر لمصفاة حمص الرديفة لبانياس، والتي بدورها تحتاج عمرةً أيضاً. وبدون أن تتحدث الوزارة عن الأمر، فهي تضع المصفاة أمام احتمالين، إما عمرة مفاجئة أو نقص جديد في التوريدات ولو كان في وقت بعيد نسبياً، إلا إذا تم ربط الانتاجية بصورة كاملة بمصفاة الساحل واعتمادها بالتوريد التام إلى الداخل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن سوريا في الوضع الراهن تنتج نحو ربع حاجتها من المشتقات النفطية يومياً، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة سيما مع استمرار تطبيق بنود عقوبات قيصر التي تحظر الاستيراد في سوريا.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا