تدريباتنا

رضيع قرب قمامة… وآخر في بئر

by | Mar 30, 2022

مع تقادم سنوات الحرب السورية ومع بداية العام الحالي 2022، تزايدت حالات رمي الأطفال الرضع في شوارع دمشق وغيرها من المدن السورية، الأمر الذي يُنذر بتحول الحالة إلى ظاهرة في مختلف المناطق دون القدرة على إيجاد حلول لها.
رمي رضيع بجانب حاوية قمامة، ورمي رضيعة في بئر وتخلي أب عن أطفاله، كل هذه الأفعال جمعتها الجغرافيا السورية خلال الشهرين الماضين بغض النظرعن توزع مناطق السيطرة بين نظام ومعارضة. وكذلك لأسباب عديدة، منها تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي وارتفاع تكاليف العناية بالأطفال ومستلزمات ذلك.
لكن بالمقابل، باتت ظاهرة رمي الأطفال الرضع وفي -حالات أخرى أطفال بعمر السنتين وما فوق -تؤرق المجتمع المحلي، كما حدث في حي القنوات الدمشقي عندما رمى رجلاً أطفاله الثلاثة بحجة خلافات عائلية مع زوجته التي غادرت المنزل.
تقول نور الهدى، وهي ناشطة مدنية تقيم في دمشق: “ظاهرة رمي الأطفال سابقاً كانت نتيجة ولادة أطفال من علاقات غير شرعية، أما اليوم فهي نتيجة علاقات شرعية”، مضيفةً، أن الأم “مستحيل أن تفعل ذلك كونها غير قادرة على التخلي عن أبنائها لكنها تجبر على فعل ذلك”.

“أسباب متعددة”
وحيال ما يحدث اليوم من رمي أطفال رضع، تُرجع الهدى في حديثها لــ “صالون سوريا” الظاهرة إلى الوضع الاقتصادي وإلى عدم القدرة على إطعام الطفل والاهتمام به. لكنها بالمقابل تلقي اللوم على الجمعيات والمنظمات الأهلية المحلية التي توزع موانع حمل منتهية الصلاحية، وذلك في ردها على سؤال لماذا تحبل النساء إن كنَ غير قادرات على تربية ورعاية أطفالهنَ؟
وتقول الهدى: “للحمل أيضاً وجه أخر يتجلى في عدم قدرة النساء على زيارة الطبيب النسائي وللجهل وعدم المعرفة وغياب التوعية المجتمعية سواء من مؤسسات مدنية وحكومية على حد سواء”. وتضرب مثلاً على ذلك بأن أغلب جلسات التوعية النسوية التي تقوم بها بعض الجمعيات المدنية جلسات جافة وغير فعالة وتأخذ الموضوع بحياء.
كما أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي عززت ظاهرة رمي الأطفال الرضع عبر العناية بهم، إذ في أسوء الحالات يؤخذ الطفل إلى دار الأيتام أو إلى عائلة ميسورة للعناية به، بحسب الهدى، وتقول “أصبح من يرمي طفله يتوقع مباشرة الاهتمام به كون الضحية طفل يجلب التعاطف معه كظاهرة تلامس الإنسان رغم قساوتها”.

“تكاليف عالية”
ويعتبر خبير اقتصادي مقيم في دمشق أنَّ الفقر وتردي الحالة المعيشية وغياب الخدمات بحدها الأدنى جعلت البعض يتخلى عن طفله الرضيع، وهذا مؤشر خطير ينذر بواقع اجتماعي واقتصادي ميؤس منه. ويقول في تصريح لموقع “صالون سوريا” شرط عدم ذكر اسمه “إنَّ مصروف الطفل الرضيع اليوم بين حليب وحفاضات وأدوية ومراجعة طبية يتجاوز الــ 300 ألف ليرة شهرياً، حوالي (85 دولارا أميركيا).
ورغم وقوع أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، إلا أنَّ ذلك لا يبرر للبعض رمي طفله الرضيع في الشارع أو الجامع أو بجانب حاويات القمامة. وفقاً للخبير الذي يضيف بأنَّ هناك أهالٍ تُطعم أطفالها “مي وسكر”، “مي ورز” ولا تتخلى عنهم.

“10 حالات”
يبلغ عدد الأطفال الذين تخلى أهلهم عنهم منذ بداية العام الحالي وحتى اليوم على الأكثر 10 حالات، في حين بلغ عددهم في العام الماضي 50 حالة تقريباً، بحسب هنادي الخيمي مديرة مجمع “لحن الحياة” لإيواء ورعاية الأطفال مجهولي النسب في دمشق.
وقالت الخيمي في تصريح لوسائل إعلام محلية “إنَّ مصير هؤلاء الأطفال هو إلحاقهم بأسر تقوم برعايتهم بكل أمورهم ومتابعة هذه الحالات والإشراف عليها من المجمَّع”.
وبيَّنت الخيمي أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ليس لها سلطة رادعة وإنما يتوقف دورها على الدور الرعائي الذي تقوم به من خلال الدور المخصصة لهؤلاء الأطفال ومتابعتهم بكل نواحي الحياة التعليمية والاجتماعية والصحية والترفيهية.

“قانونياً”
بحسب القانون السوري يعتبر هؤلاء الأطفال “مجهولي النسب”. وفي العام 2018، طُرح مشروع قانون جديد لمجهولي النسب للمناقشة في البرلمان السوري. لكنه لم يُقر بعد، كما لم يصدر أي قانون يجرم العنف المنزلي حتى الآن.
ويُحرَّم القانون السوري التبني للأطفال بما ينسجم مع الشرع الإسلامي تجنباً لتغيير الأنساب، لكنه يجيز ما يُعرف بالإلحاق أو الأسرة البديلة، إذ تستطيع الأسرة الراغبة برعاية طفل من المجمَّع أخذه بموجب عقد يسمى “عقد الإلحاق” وبشروط وبنود محددة منها أن يكون وضع الأسرة المادي جيداً، وتكون قادرة على تربيته، وأن يكون أحد الزوجين لا ينجب، ومضى على زواجهم خمس سنوات.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا