بواسطة عامر فياض | أبريل 20, 2018 | Cost of War, غير مصنف
سلعٌ بشرية تباع وتشترى في أسواق الحرب. إنها عودةٌ إلى أسواق النخاسة، بفارق أن الضحية هذه المرة تستر فضيحتها ومأساتها تحت عباءة الزواج الحلال.
فتياتٌ لم يودّعن ملاعب الطفولة والأحلام بعد، يُزجّ بهن في سجن زواجٍ مرعب، يُشرِّع اغتصابهن تحت مسمياتٍ كثيرة، ويجعلهن أمهات وهنَّ مازلن يلعبن بالدمى ويملأن الشوارع صخباً ومرحاً. هكذا، يكبرن فجأةً بقرارٍ تعسفي، يشبه حكم الإعدام، لا رأي ولا علم لهن به… يربين أطفالاً وهن لايزلن طفلات بحاجةٍ للحب والتربية والتعليم وحضن أمهاتهن. يصبحن ربات منزل، يَغسلن ويحضِّرن الطعام ولم يزل مذاق الحليب والبوظة والبسكويت معششاً في أفواههن. يحملن مسؤولية العناية بالزوج وتلبية طلباته وتحقيق المتعة له، قبل أن يجرِّبن أبسط متع الطفولة. يطالَبن بواجباتٍ قبل أن يحصلن على حقوقهن في التعلم وتنمية المهارات واكتشاف الحياة، حياتهن التي قُتلت قبل أن تُكتَشف.
زواج القاصرات، حدثٌ لم يكن غريباً عن المجتمع السوري، لكنه قبل الحرب كان يخضع، إلى حدٍ ما، للرقابة الأخلاقية والإنسانية في المجتمع، وينحصر في بعض المجتمعات التي يحكمها الجهل والتخلف. أما بعد الحرب، فقد تحول إلى ظاهرةٍ خطيرةٍ متفاقمة اجتاحت كل أصقاع البلاد، وألحقت الأذى بالسوريين أينما حلوا، حتى باتت وباءً يفتك بالمجتمع ويقوض دعائمه ويدمِّر إنسانيته وبديهياته الأخلاقية.
في النزوح القاصرات قرابين للحرب
هربوا من بطش الموت في مناطق الصراع نازحين نحو مناطق ظنوا أنها أكثر أماناً، لكن الحرب لحقت بهم، وداهمهم الموت عبر طرقٍ أخرى، ليجابهوا مصائب الواقع الجديد، حيث الذل والقهر، الفقر والخوف، يحدقون بهم من كل صوب، ويجبرونهم على تقديم أغلى ما لديهم كي يروضوا وحشية الحياة.
لم تكن (أ) ابنة الثالثة عشر، تعرف معنى خاتم الزواج الذي وضع في إصبعها الغض، الخاتم الأشبه بقيدٍ يُدمي براءتها.
بعد نزوح عائلتها إلى ضواحي دمشق، اختفى والدها في ظروفٍ غامضة (اعتقال، خطف) تاركاً إياها مع أمها وأختيها يصارعن كوارث الحرب بواقعها الجديد. تحت وطأة العوز والخوف والعيش المرير، لم يكن أمام الأم من خيارٍ سوى الانصياع لصفقة الجار ذي الخامسة والأربعين عاماً، الذي اشترى ابنتها للزواج.
كان يلاحقها بنظراته ليل نهار ويقدم لها الألعاب والأطعمة ويرشي الأم المعدمة بالعطايا والمساعدات التي كان يغدقها على العائلة البائسة الغارقة في مستنقع الغربة والضياع والمهدَدة كل يوم بالتشرد في الشارع.
سكنت (أ) في بيتٍ واحد مع أبناء زوجها الذين كانوا بعمرها تقريباً، لتعيش حالة فصام، إذ تلعب معهم في غياب أبيهم كطفلة وفي حضوره تعود إلى دور الأم المزعوم، أما هم فكانوا يتساءلون عن أسباب نومها في غرفة أبيهم، ويندهشون حين يسمعون بكائها وصراخها في الليل، ويتألمون معها ببراءة على وجعٍ سيعرفون فيما بعد حجم كوارثه.
(ف) طفلة متسولة تبيع البسكويت، كنت أراها بشكلٍ شبه يومي تجلس وأخوها الصغير في إحدى شوارع دمشق ليستجديان من العابرين ما يسد رمق العائلة. مرت عدة أيامٍ لم أرها فيها، سألت أخاها الذي كان يتابع مهنته الشاقة، فأخبرني أنها تزوجت. اصطحبنا الطفل إلى بيتهم للقاء الأم. شقةً بائسة (على العظم) لا تصلح للعيش البشري، أُغلقت نوافذها بالقماش والنايلون وارتُجل لها باب. على أرضها، بين بقايا الرمل ومخلفات البناء، وضعت بعض الفرش والبطانيات. لا يوجد في هذا الخواء أي شي من متطلبات الحياة، فلا تصله أنابيب الماء أو خدمات الصرف الصحي وبالتالي لا يحتوي مطبخاً أو مرحاضاً.
تقول الأم ” فقدت زوجي قبل نزوحي مع أبنائي الأربعة ونتيجة لما عانيته، أصبحت ضحية أمراضٍ كثيرة، خاصة أمراض الظهر والمفاصل والأعصاب وبالكاد أستطيع السير على قدميّ.”
تتحدث بحزنٍ وألم عن زواج ابنتها: ” كان علي أن أنقذها من الذل والخوف وقسوة هذه الحياة، بيت زوجها أفضل ألف مرة من التشرد في الشوارع وسيسترها ويريحني من تحمل أعبائها، فجسدي المتهالك لا يسمح لي بالعمل لأنقذها من الجوع والمستقبل المرعب وأنا عاجزة حتى عن حماية نفسي.”
تزوجت الضحية (ف) من رجلٍ يكبرها بأكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً وهي لم تتجاوز الرابعة عشرة، وما زالت دميتها المصنوعة من القماش البالي، معلّقة على الجدار المقفر بجانب أمها المنهكة في مشهدٍ درامي مؤلم.
المناطق الساخنة ، بين مطرقة الجحيم وسندان الشرع والدين
ويلات الحصار، الأوضاع المعيشية القاهرة ،الموت المجاني وانعدام الأمان. ظروفٌ عانتها مناطق سيطرة المعارضة، أجبرت كثيراً من الأهالي على تزويج بناتهم ليرتاحوا من أعباء حمايتهن وإعالتهن وهمّ انتشالهن من جحيمٍ تلقي فيه الحرب أمراضها وكوارثها عليهن لتميتهن في اليوم آلاف المرات، لذا حاولوا تقديم تسهيلاتٍ كثيرة لطالبي الزواج، كعدم المغالاة في المهر، ليقتصر على ما هو رمزي، والتغاضي عن أصولهم وأعمارهم وأوضاعهم المادية وسلوكياتهم الأخلاقية. كما أن تناقص أعداد الشباب، بسبب الموت والإعتقال والفقر والهجرة، قد دفع ببعض أهالي القاصرات لاغتنام أية فرصةٍ لتزويج بناتهم، قد لا يحظون بها مرة أخرى، بل حاول بعضهم عرض بناته للزواج خوفاً عليهن من مستقبلٍ مجهولٍ لا تحمد عواقبه.
إن غياب القانون والمحاكم المدنية عن تلك المناطق وانحلال بعض القيم الإنسانية والأخلاقية في المجتمع الممزق والمتداعي أمام وحشية الحياة اليومية هناك، قد فتحا الباب لانتشار حالات الزواج العرفي الذي ساهم بدوره في تفشي ظاهرة زواج الأطفال، فأمر الزواج الذي كان حلماً صعباً ويحتاج إلى شروط تعجيزية – وفقاً لبروتوكولات معظم شرائح المجتمع السوري – كالنظر إلى حَسَب ونسب الزوج وأملاكه، قد أصبح اليوم أمراً يسيراً في غاية السهولة وفي متناول يد من يريد، إذ لا يتعدى الأمر حضور رجل الدين وشاهدين وورقة ما يُكتب عليها بضع كلماتٍ تسمى “عقد زواج”. أمام واقع الحال هذا، اغتنم معظم الرجال الفرصة ليس لكي يتزوجوا فحسب، بل لكي ينعموا بتعدد الزوجات، اللواتي كن في أغلب الأحيان قاصرات.
بعد انتشار ظاهرة المد الديني في معظم المناطق الساخنة، ارتفع صوت الزعامات والمرجعيات الدينية المنادية بضرورة تزويج الفتيات لكي “يكملن نصف دينهن”، لذا راحت تبحث عنهن في البيوت لتضع يدها عليهن وتصادرهن كما الغنائم، بغية تزوجيهن بقرارٍ منها لا يعبأ برأيهن أو رأي ذويهن، كما حاولت حث الفتيات والفتيان على الزواج لإنقاذهم ـ بحسب زعمها- من الوقوع في شرك الخطيئة والفتنة. من جهةٍ أخرى عَملت بعض الفصائل المسلحة على استقطاب الشباب القاصرين للقتال في صفوفها، عبر إغرائهم بعروض الزواج الكثيرة، كتسهيل إجراءاته وتقديم الدعم المادي لإتمامه وتأمين الفتاة المناسبة. أمام هذه المغريات انساق كثيرٌ من الشباب المغلوب على أمرهم خلف تلك العروض وتسابقوا للفوز بها واغتنام ملذاتها، دون أن يعلموا أنهم ضحايا مآرب حقيرة. لكن المأساة الأكبر كانت من نصيب فتياتٍ قاصراتٍ تم الزج بهن في أتون حروب نفسية وجسدية جديدة واستخدمن كوسائل للمتعة والترغيب وإتمام الصفقات، حيث أُجبرن تحت الضغط والترهيب وبحجة تطبيق أصول الشرع والدين على الزواج من رجالٍ غرباء ومشبوهين لا يعرفن شيئاً عنهم وبالكاد تعرَّفن إلى أسمائهم.
إن الأمراض والأخطار التي نجمت عن تلك الزيجات كانت كارثية. عقود زواج كثيرة ثبت أنها مزوّرة، لم تضمن للقاصر شيئاً من حقوقها بل جعلتها بنظر البعض بحكم الزانية . قاصراتٌ أصبحن أرامل وأنجبن أطفالاً أيتاماُ قبل أن يتعرفن على طقوس الحياة الزوجية، فتضاعفت مأساتهن وازدادت عليهن قيود الدين والمجتمع. أُخريات افترقن عن أزواجهن بعد أيامٍ من الزواج، نتيجة نزوحهن أو مرابطة الأزواج على جبهات القتال، ولا يعلمن شيئاً عن مصيرهم منذ سنوات. أطفالٌ ولدوا في تلك المناطق، هاجر آباؤهم أو ماتوا قبل تثبيت الزواج في المحكمة، فأصبحوا مجهولي النسب أو مكتومي القيد يتهددهم مستقبلٌ مجهول.
سبايا بغطاءٍ شرعي
في مخيمات اللجوء نشطت أسواق النخاسة بشكلٍ علني، قاصراتٌ نُقلن إلى دول الخليج وغيرها كما تُشحن البضائع أو تم بيعهن إلى التجار والأثرياء وطلاب المتعة الذين وجدوا بالزواج العرفي غطاء شرعياً للاستغلال الجنسي. يكفي أن يرسل المشتري نقوده (تحت مسمى المهر) إلى سماسرة الزواج لترسل سلعته البشرية إليه، والبائع غالباً مغلوبٌ على أمره. فهو إن استطاع إنقاذ ابنته من مآسي وأمراض حياتها اليومية فقد لا يفلح في إنقاذ شرفه الرفيع من الأذى، فالعار يحدق بابنته في كل لحظة، حيث المخيمات تعج بالوحوش الباحثة عن فريسة، وقد تكون ابنته وشرفها ضحايا للافتراس.
تحدثنا (أمل)، التي عملت في مجال الدعم النفسي، داخل مخيمات اللجوء في لبنان، عن واقع الحال هناك “كان هناك سماسرة أو ما يعرف بـ (الخطّابين)، وعلى يدهم تمَّت أغلب صفقات الزواج من أثرياء وتجار وغيرهم. يلعب السماسرة دور الوسيط بين الزوج وعائلة القاصر، يعرضون مواصفات الفتاة على طالب الزواج أو يرسلون صورها إليه، ويفاوضون ولي أمر الفتاة بشأن المهر وأمور الزواج الأخرى. كثير من الزيجات تمت كزواجٍ عرفي ودون حضور الزوج.
من زاوية أخرى، تضيف أمل “إن انخفاض تكاليف الزواج من سوريات المخيمات الباحثات عن خلاص ما، وارتفاع تكاليف متطلباته ومراسمه في معظم البلدان العربية إلى مبالغ خيالية، قد دفع بعض الشباب مختلفي الجنسيات من الباحثين عن زواجٍ ميسور لطرق أبواب المخيمات حيث عروض الزواج المغرية، فابتاعوا أجمل الفتيات السوريات القاصرات بأسعارٍ بخسة، وكأن الأمر سوقٌ للعرض والطلب.”
“خياران أحلاهما مرّ” تتابع أمل متحدثة عن أسباب تلك الزيجات ” كانت العائلات السورية المنكسرة تنتظر سلة الإغاثة وكأنها صدقة وتتسول الدعم الشحيح للمنظمات التي تتحكم بلقمة العيش. ظروفٌ معيشية معدمة لا تصلح لكائنٍ بشري، شحٌ في كل متطلبات الحياة، ناهيك عن الكرامة المهدورة والذل والإهانة اليومية. وإن حظي رب الأسرة بفرصة عمل خارج المخيم فسيكون عرضة للاستغلال والتضييق والأذى وتلقي سهام العنصرية. لكن الأمر الأكثر خطورة تمثل بانتشار حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي في معظم المخيمات، ذلك بسبب الظروف السكنية القاهرة والاكتظاظ البشري الهائل، إذ تعيش أعداد كبيرة من البشر في مساحاتٍ ضيقة لا يحظى القاطنون فيها بأية استقلالية، الأمر الذي يفتح الباب لكل الاحتمالات المؤلمة والمدمِّرة.
لقد شهدنا حالات اغتصابٍ كثيرة تم التكتم عليها من قبل أهالي الضحية بذريعة الشرف واتقاء الفضيحة، وهناك ما هو أخطر، فأحياناً قد تجد مراهقاً يتحرش بأخته وذلك بعد ضياع الدور التربوي الرقابي من قبل الأهل الغارقين في جحيم معاناتهم اليومية. حيال ذلك الواقع، أصبح تزويج الفتيات بنظر أغلب الأهالي هو طوق نجاة لهن، فبرأيهم : “الرمد خيرٌ من العمى”.
تختتم أمل “كل يومٍ كنت أرى قاصراتٍ جدداً يخرجن من جحيم المخيمات إلى جحيم زواجٍ مجهول. من بين ستين فتاةٍ عرفتهن خلال عملي بتقديم أنشطة الدعم النفسي، تزوج منهن حوالى ثماني عشرة فتاة، وما يؤلم في الأمر أكثر هو أن معظم تلك الزيجات كانت بغرض المتعة فقط. كثيرُ من المتزوجات عُدن مطلقاتٍ إلى المخيم بُعيد أسابيع من الزواج، بعد أن أشبع مغتصبهن غرائزه الجنسية تحت غطاء زواجه المزعوم. وبالرغم من وعود معظم الأزواج بتثبيت الزواج في المحكمة وضمان حقوق الزوجة، تبين أن بعض تلك الوعود كانت زائفة، تضمر خلفها مآرب كثيرة كان أسوأها الاتجار بالقاصرات وتشغيلهن في بيوت الدعارة بعد تمزيق عقد الزواج الكاذب.”
أخطار جسدية ونفسية
وفقاً للدراسات الطبية، لا يكتمل نمو جسد الفتاة قبل سن العشرين، وبالتالي فإن الحمل قبل هذا السن يعتبر أمراً بالغ الخطورة، وإن حصل فالحامل معرضة لفقر الدم وهشاشة العظام والتعب ومهددة بالإجهاض بأي لحظة، أما الجنين، فهو عرضة للتشوهات الخلقية والشلل الدماغي والإعاقة الحركية، وإن وُلِد معافىً فقد لا ينجو من سوء التغذية وانعدام العناية الطبية والنفسية، ليصبح مهدداً بتأخر النمو الجسدي والعقلي، فالقاصر ليست مهيئة أو متمرِّسة لكي تعتني بطفل، وعواطفها ومشاعرها لم تنضج بعد لتمنح الحب والعاطفة والتربية الصحية لطفلها، سُرقت من حضن أبويها قبل أن ترتوي من حنانهم وعاطفتهم، لذا غالباً ما تصاب بأمراضٍ نفسية وحالات فصامٍ واكتئابِ واضطراباتٍ في الشخصية، إذ كيف يمكن لطفلٍ أن يربي طفلا؟
الطفلة ” غ” ١٥ عاماً، أجهضت بعد حمل دام أربعة أشهر، التقينا بأمها التي شرحت لنا معاناة ابنتها: “خلال أشهر الحمل كانت تعاني من دوارٍ شديد وتعبٍ وكسلٍ دائمين، ولم تتمكن من الراحة لأنها تقوم بأعباء المنزل وخدمة زوجها. أصيبت بفقر الدم وأصبح لونها شاحباً، كانت تتقيأ كثيراً وتعاني من آلام في البطن والمفاصل والعظام وأصبح جسدها نحيلاً لا يقوى على الحمل فأجهضت.” ثم أخبرتنا عن ابنة أحد أقربائها وهي بعمر ابنتها، حبلى بشهرها السادس، تعاني من الأعباء ذاتها وتزور المستشفى كل حين لتحافظ على حياة جنينها. حالها حال الكثيرات ممن يقاوم جسدهن الطفل مشقة حمل طفلٍ آخر.
القانون لا يردع الجريمة
حدد قانون الأحوال الشخصية في سوريا في المادة السادسة عشرة منه أهلية الزواج للفتاة بتمام السابعة عشرة من عمرها، لكنه أجاز للقاضي إمكانية تزويج الفتاة في عمر الثالثة عشرة إذا تبين له صدق رغبتها وقدرة جسدها على تحمل أعباء الزواج. من جهةٍ أخرى، القانون غالباً لا يكون رقيباً على حالات الزواج التي تهرب من سلطته لتتم برعاية ومباركة الدين والشرع. فأغلب زيجات القاصرات تمت كزواجٍ عرفي بتشريعٍ ديني لم يعبأ بسلطة القانون لأن الأخير لم يحاول ردعه.
في السنوات الماضية ازدادت معاملات زواج القاصرات بشكل مضطرد، وبعضها جاء بعد سنوات من الزواج العرفي، إذ يحضر الزوجان إلى المحكمة لتثبيت الزواج بعد حمل الزوجة أو انجابها، فتضطر المحكمة لتثبيت الزواج دون النظر إلى أسبابه أو التحقيق بشأنه.
يقول المحامي أحمد “حتى اليوم لا يوجد قانون يُجرِّم زواج القاصرات، فهو ينهل معظم مواده من أصول التشريع الديني، إذن، هو يعترف ضمناً بالزواج العرفي و يبقي لسلطة الدين والمجتمع نفوذها في غياب من يحمي القاصرات ويتركهن عرضة للإجرام والإنتهاك. لو حاول القانون معاقبة من يتزوج قاصراً أو يرغمها على الزواج فربما حينها سيردع حالات كثيرة، لكنه بدلاً من معاقبة الجاني يبرئه ويقر بزواجه. هذا القانون لا يردع جريمة الاغتصاب حتى، فهو يعفي المغتصب من العقاب إذا تزوج من اغتصبها، أو يخرجه من السجن بعد تثبيت زواجه منها.”
من جهة أخرى يضيف المحامي “القانون لا يأخذ بيد القاصر، فلقد حصر سلطة الولاية عليها بالأب أو الجد، إذ لهما الحق الوحيد في الموافقة على الزواج، لقد استثنى الأم من أن تكون وليةً على ابنتها أو شريكة في الولاية، فهي خارج الولاية حتى في حال وفاة الأب. لو تسنى للقاصر أن تقرر مصيرها بيدها أو سُمح لأمها بأن تكون شريكةً في قرار الزواج لكان يمكن لتلك الظاهرة أن تنحسر بشكلٍ كبير.”
يختتم المحامي أحمد “في السنوات الماضية لم ينظر القانون إلى موضوع زواج القاصرات وفقاً لمعطيات الحرب، فكثير من حالات الزواج تمت تحت سطوة التهديد والإكراه والسلاح في بعض الأحيان، تلك السطوة لم تطل القاصر فحسب، بل طالت ذويها وأرغمتهم على الإذعان لرغبات طلاب المتعة وعصابات الاتجار بالنساء الذين احتموا بالزواج العرفي لكي يحققوا غاياتهم. كان بمقدور القانون أن يحد من تلك الحالات لو أنه منع الزواج خارج نطاق المحاكم ونظر إليه بعين الرقيب متحققاً من أسبابه وغاياته.”
لا عدالة ولا منظمات إنسانية تحمي الضحية
لو كان ثمة جهات أو منظمات إنسانية حقوقية اجتماعية تستطيع حماية القاصرات ومنع تزويجهن تعسفياً، فلربما أُنقذت الكثير منهن. بمعنى آخر، لو رفضت القاصر أن تتزوج فلن تجد من يأخذ بيدها أو يتصدى لمرغميها وإن هربت منهم فلن تجد ملجأً يأويها، فحتى منظمات حقوق الإنسان والطفل وقفت عاجزةً حتى اليوم عن منع تلك الجريمة، خاصةً في ظل الحرب المهيمنة على البلاد.
(م) طفلة بعمر الخامسة عشرة، كانت تعمل مع أمها في تنظيف المنازل وشطف الأدراج لتكسبا بعض النقود كي تعينهما على انتشال العائلة من الفقر والمرارة. أحد البيوت التي كانتا تعملان بها بشكلٍ أسبوعيّ، كان لرجلٍ متنفّذٍ يعمل لصالح إحدى الميليشيات المسلّحة.
ما إن رأى الرجلُ الأربعينيّ ُ(م) حتّى أُثيرت غرائزه الحيوانيّة، وراح يفترس طفولتها بنظراته الشبقة ويتحرش بها حين تسهو الأم عنه أثناء العمل. حين علمت الأخيرة بمآربه توقفت عن الذهاب إلى بيته، لكنها لم تنجُ وابنتها من مخالبه. ذهب إلى بيتهما وأرغمهما على العودة لعملهما الأسبوعي، وبكل فظاظة ورعونة، طلب الزواج من (م). لم تستطع الأم أن ترفض رغبته، فهي النازحة المكسورة والوحيدة في مكانٍ غريبٍ عنها، وهو صاحب النفوذ والسطوة فيه، أما زوجها فقد كان عاجزاً عن إبداء أي مقاومة لأن قذيفة حربٍ نالت من جسده فأضحى مشلولاً يقبع في السرير ولا يقوى على الحركة.
تقول الأم ” لقد نعتني ذلك الرجل بـ “الإرهابية” وهددني بسَجني مع أولادي إن رفضت رغبته أو حاولت الابلاغ عنه، وفوق هذا، كان يستطيع خطف الفتاة واغتصابها دون أي رادع، وأنا لا أستطيع الاستعانة بأحد أو الهروب إلى أي مكان. توجهتُ إلى إحدى المنظمات الإنسانية العاملة بالقرب من حينا فلم ألق معيناً، كان جوابهم أن الأمر خارج قدراتهم ويخشون من عواقب التدخل فيه.”
تحت سطوة الخوف والتهديد تزوجت (م) زواجاً عرفياً، لتدخل قفص مفترسها ليمزق جسدها كل يوم ويتمتع بطعم لحمها الطري.
حتى اليوم لا يوجد في سوريا أية منظمات تعنى بشؤون القاصرات وحقوقهن، فكل ما يعنى بهن يندرج فقط ضمن منظمات حقوق المرأة ودعمها وتمكينها، ويقتصر دور تلك المنظمات، بما يخص القاصرات، على الدور التثقيفي التوعوي بخطورة وأضرار الزواج المبكر، دون الدخول إلى عمق المشكلة لحلها من جذورها. وبالرغم من حملات التوعية والمحاضرات التي قامت بها تلك المنظمات في الأماكن التي تنشط بها حالات زواج القاصرات للحد من تلك الظاهرة، ظلت عاجزة عن منع أيٍ من تلك الحالات لأن القانون والمجتمع لا يجيزان لها التدخل، لذا هي لا تستطيع دعم القاصر إلا بعد زواجها، حين تصاب الأخيرة بالأمراض النفسية والجسدية التي يخلفها ذلك الزواج.
تقول (نجاح)، التي تعمل كمرشدة نفسية اجتماعية في إحدى المنظمات: ” لا يمكننا الحد من تلك الظاهرة طالما أننا لا نملك غطاء قانونياً ولا نحظى بدعم مؤسسات الدولة وليس بمقدورنا مجابهة العادات والتقاليد وسلطة رجال الدين الذين يدعمون ذلك الزواج. ببساطة، نحن لا نستطيع الوقوف في وجه ولي أمر القاصر، إذ يمكن له، وفق القانون، أن يتقدم بدعوى قضائية ضدنا إن حاولنا التدخل لحماية الفتاة أو منع الزواج.”
وتضيف نجاح “في ظل الحرب بات الأمر أكثر تعقيداً، فاليوم يستطيع أي صاحب سلطة ونفوذ أو حامل سلاح أن يتزوج الفتاة التي يريد رغماً عن أهلها، ونحن ليس بمقدورنا التصدي لهؤلاء الوحوش الذين يحتالون على القانون ويهربون منه بطرقهم الملتوية، فهم يستطيعون إلحاق الأذى بنا وعرقلة عملنا إن حاولنا الوقوف بوجههم أو فضح قصص زيجاتهم. فقط بمقدورنا دعم ضحايا ذلك الزواج نفسياً ومعنوياً وعلاجياً وترميم جراحهن لإعادة تأهيلهن من جديد.”
وتختتم نجاح: ” حيال عجزنا عن منع وقوع تلك الجريمة، نحاول مساعدة الضحية بتعليمها وتثقيفها لتستطيع تربية أطفالها بشكل جيد، أو مساعدتها قانونياً في حال تعرضت للعنف والانتهاك من قبل الزوج أو رغبت بالطلاق، وهذا حال الكثيرات. معظم القاصرات اللواتي التقيتهن يرغبن بالطلاق، وهذه نتيجة طبيعية لزواجٍ قسري تعسفي، لذا بتنا نرى من ينتظرن بلوغ سن الثامنة عشرة، حيث يصبحن بالغاتٍ وفقاً للقانون، حتى يتسنى لهن رفع دعاوى الطلاق ضد أزواجهن.”
هي آلة قتلٍ جديدة، وإن كانت لا تسفك الدماء، لكنها إحدى طرق الموت المتعددة التي أحدقت بالسوريين في كل مكان. زواجٌ يفعلُ فعل سلاح الحرب، ويزرع أخطاراً وأمراضاً مدمِّرة يحصدها جيلٌ ضحية، سينتج بعد حينٍ جيلاً أشد تدميراَ وتمزقاً وأمراضاً.
بواسطة Abdullah Al Hassan | أبريل 20, 2018 | Cost of War, News, غير مصنف
في أزمة مدينة دوما الأخيرة، وفي مساء السابع من نيسان، قامت قوات النظام بقصف المدينة بمادة كيميائية سامة، لم تُحدّد هويتها حتى اللحظة، لكن بحسب التقييم الطبي الأولي، كانت مادة الكلور السامة مع احتمالية أكيدة لإضافات كيميائية سُمّية معها (يُظن بأنها غاز السارين)، في لحظتها لم أُلقِ بالاً لموضوع القصف الكيميائي، فلقد كان القصف على المدنيين المحاصرين شديداً، وبكل أنواع الأسلحة، طيران حربي، وراجمات صواريخ، وبراميل متفجرة، ومحاولات اقتحام من أطراف المدينة، فما يعني موضوع القصف الكيماوي بالنسبة لي إلا موتاً مختلفاً عن باقي الموت الآخر.
على إثر انهيار المفاوضات الأخيرة بين الجانب الروسي وجيش الإسلام، المُحاصرَ تماماً في حدود ضيّقة من مدينة دوما، ومعه حوالي مائة ألف من المدنيين، قامت قوات النظام بشن حملة قصف شديدة علي مدينة دوما، بدأت من الساعة الرابعة عصراً في السادس من نيسان، واستمرت حتى الساعة الواحدة ظهراً في التاسع من نيسان، أي حوالي ٦٩ ساعة مستمرة، راح خلالها حوالي ١٩٠ ضحية من المدنيين، ٥٩ منهم بسبب القصف الكيميائي.
طوال فترة القصف تلك على مدينة دوما، لم تُصدِر المنظمات الإنسانية السورية أي بيان إدانة، ولم يخرج تصريح من الدول الغربية للتنديد باستهداف المدنيين، ولم تضج وسائل التواصل الإجتماعي بمقتلة المدنيين في المدينة المحاصرة، ولكن بعد ضربة الكيماوي بساعات بدأ سيل البيانات من المنظمات السورية، وبدأت الميديا المعارضة تنقل الأخبار بسرعة وفاعلية شديدة، واشتعلت وسائل التواصل الإجتماعي بنقل الخبر والتنديد به، وبدأت الدول الغربية وإعلامها أكثر اهتماماً وتسليطاً للضوء على الواقعة.
هالني هذا الاهتمام الكبير بالضربة الكيميائية دون غيره من القصف واستهداف المدنيين، لم أستطع استيعاب الأمر في لحظتها، كنا منشغلين جداً بمتابعة ما يحدث بين قادة ”جيش الإسلام“ والمُفاوِض الروسي، الكولونيل ألكسندر زورين، والذي كان قد أمهل جيش الإسلام حتى الساعة الثامنة من مساء السابع من نيسان ٢٠١٨ عبر رسالة مباشرة لهم ”خطتكم تقود إلى الحرب، لأن الأسلحة تبقى لدى الجميع، خطتي تقود إلى السلام، عليكم أن تخبروني قراركم حول خطتي بسرعة، أنتظر ردكم حتى الثامنة مساءً. خطتكم في الأساس غير مقبولة، بدون نزع السلاح لن يكون هناك سلام، أنتظر اليوم حتى الثامنة مساءً، بعدها أُوقِف التفاوض“ كان قادة جيش الإسلام متمسّكين بقرار الصمود، فهم يرون في الحملة العسكرية الأخيرة عملية ضغط لأجل التفاوض لا أكثر، لكن يبدو أن الضربة الكيماوية حسمت موقفهم بشكل نهائي، فبعد أقل من ساعتين من الضربة الكيماوية، كان قائد جيش الإسلام على اتصال مع الكولونيل زورين يخبره فيها استعدادهم للعودة إلى التفاوض وفق الشروط الروسية.
لا أعرف، عندها، لِمَ استعدت في مخيّلتي مشهد من الفيلم الوثائقي الشهير ”أبوكاليبس الحرب العالمية الثانية“ عندما استسلمت اليابان وقررت قبول قرارات ”إعلان بوتسدام“ (عُقد المؤتمر في مدينة بوتسدام قرب برلين، بين قادة أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي) والتي حدّدت شروط استسلامها، بعد أن هدّد الرئيس الأمريكي هاري ترومان بتدميرها ما لم تتوقف عن حربها مع دول الحلفاء، وذلك بعد ستة أيام من الهجوم النووي الأمريكي على مدينتي هيروشيما وناكازاكي.
لم يتوقف قصف المدينة أبداً، رغم إعلان استسلام قادة جيش الإسلام، وإن أصبح بوتيرة أخف، واستمر حتى ظهر اليوم التالي، في محاولة لتلقين جيش الإسلام درساً لن ينساه من دولة عظمى، امتلكت محطة فضائية منذ ٤٠ عاماً، وعشرات الأقمار الصناعية، كما وصفها سابقاً الكولونيل زورين أمام مفاوضيه، لكن كان من الواضح بأن اهتمام فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بالضربة الكيميائية، وعملهم الحثيث للتحقق من تفاصيل الهجوم، ثم الكلام عن التحضير لدعوة مجلس الأمن للانعقاد يوم الاثنين في التاسع من نيسان، سرّع من عملية استسلام المدينة، وأصبح واضحاً إلحاح الجانب الروسي على إخراج ”جيش الإسلام“ وتنفيذ بنود الاتفاق بأقصى سرعة ممكنة، وهذا ما حدث فعلاً، فالعشرات من الحافلات وصلت مدينة دوما، بينما حبر التوقيع على الاتفاقية لم يجف بعد.
وفي صباح التاسع من شهر نيسان دخل الجنرال زورين مدينة دوما، وقام بمعاينة البناء الذي استهدفته الضربة الكيماوية، وكان برفقته عنصر من الشرطة العسكرية الروسية يقوم بتصوير المكان بكاميرة فيديو، وخرج بعد دقائق معدودة دون أن يأخذ عينات من المكان، كما أظهره تصوير بعض النشطاء في المدينة.
وفي المساء، عقد مجلس الأمن جلسته بشأن استخدام الكيماوي في سوريا، بدعوة من تسع دول أعضاء، واستخدمت روسيا ”الفيتو“ ضد مشروع قرار أمريكي يطالب بتشكيل آلية خاصة للتحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة دوما، وخلال الجلسة ظهر واضحاً تهديد المندوبة الأمريكية نيكي هايلي بالرد خارج مجلس الأمن ”لقد وصلنا إلى اللحظة، عندما يجب أن يرى العالم أن العدالة انتهت، في هذه اللحظة من تاريخ مجلس الأمن الدولي إما أن يوفي بالتزاماته، أو يثبت فشله الكامل في حماية الناس في سوريا، وعلى أية حال، فإن الولايات المتحدة سترد“ في حين عرضت كل من روسيا وسوريا، استقبال محققي منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية في دوما، وقالت المنظمة رداً على هذه الدعوة، إنها طلبت من الحكومة السورية “اتخاذ الترتيبات الضرورية للزيارة“ والتي كانت مقررة يوم السبت في ١٤ نيسان الجاري.
لكن في حوالي الساعة الرابعة صباحاً من يوم السبت في ١٤ من نيسان، شنّ التحالف الثلاثي، الأمريكي، البريطاني والفرنسي، هجوماً منسّقاً لمدة ٥٠ دقيقة على مواقع محددة في مدينتي دمشق وحمص، مرتبطة بإنتاج وتخزين واستخدام السلاح الكيميائي، كما وصفتها وزارة الدفاع الأمريكية ”الهدف الأول استهدف مركزاً علمياً في منطقة برزة في دمشق، يعتبر مؤسسة أبحاث لتطوير واختبار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، بالإضافة إلى مخزن للسلاح الكيميائي غربي حمص، هو المكان الأساسي لإنتاج غاز السارين، أما الهدف الثالث فكان منشأة تضم السلاح الكيميائي“كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن قصف التحالف الغربي استهدف مراكز البحوث العلمية وقواعد عسكرية عدة، ومقرات للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في دمشق ومحيطها، وكذلك أشارت وزارة الدفاع البريطانية إن ضرباتها ركّزت على موقع عسكري على بعد ٢٤ كيلومتراً غربي حمص، مؤكدة أنها قصفت أيضاً موقعاً يعتقد بأن النظام السوري يخزن فيه مركبات أولية لأسلحة كيميائية.
في حين تضاربت الأنباء بين وزارة الدفاع الروسية وقوات التحالف الثلاثي، حول استهداف مطارات عسكرية في محيط العاصمة دمشق، وتصدي الدفاعات الجوية السورية لـ ٧١ صاروخ كروز مما قلل الخسائر المادية كثيراً بحسب الرواية الروسية، لكن نبقى على تأكيد كلا الجانبين بعدم دخول أي صاروخ منطقة مسؤولية منظومات الدفاع الجوي الروسية في سوريا، والتي لم يتم استخدامها خلال الهجوم.
ما يهمنا، بأن الغارة نُفّذت، واستبقت دخول بعثة محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى موقع الضربة الكيميائية في مدينة دوما، وتباينت الآراء حولها، فالبريطانيون ربطوا بين الضربة على سوريا وواقعة تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته، في مدينة سالزبوري البريطانية بغاز الأعصاب، والتي تقول فيها بريطانيا بأن موسكو تقف وراء الاعتداء، بينما أشار لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنها “تقتصر على قدرات النظام السوري في إنتاج واستخدام الأسلحة الكيمياوية“ وأكدت كلامه وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي “الهدف بسيط، منع النظام من استخدام الأسلحة الكيميائية من جديد“ في حين حرص الجانب الأمريكي على التأكيد بأن أمريكا جادة إزاء ”الخط الأحمر“ حول استخدام السلاح الكيماوي السوري.
من الملاحظ من التصريحات الكثيرة لدول التحالف الثلاثي، بأن الضربة تحمل رسائل متعددة، بعضها موجه إلى روسيا، بعد موجة طرد عشرات الدبلوماسيين الروس من أمريكا وأوروبا تضامناً مع بريطانيا التي تتهم موسكو بالوقوف وراء تسميم سكريبال وابنته، وأخرى تتعلق بالحل السياسي في سوريا كما أشارت بوضوح وزيرة الجيوش الفرنسية لودريان “يجب التوصل الى خطة لإنهاء الأزمة بحل سياسي، ونحن مستعدون للعمل عليها الآن مع كل الدول التي يمكنها المساهمة فيها“، وثالثة معنية باستخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي حين يقتل شعبه، وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بأن ”استمرار العمليات مرتبط باستخدام الأسد للكيماوي مجدداً.“
وبالتالي، ضاع تهليل البعض للضربة العسكرية الأمريكية – الغربية، وخابت ظنون الكثيرين، مرة أخرى، فهي لم تكن انتصاراً لضحايا القصف الكيماوي، ولا لتغيير النظام السوري أو حتى إضعاف لقدراته، بل رسائل متعددة لمصالح ليست سورية، لم يفهمها كثيرون رغم أنها تكرّرت مرات ومرات خلال السنوات السبع العجاف من عمر الأزمة السورية.
لقد نزعت الدول الغربية الترسانة الكيميائية للنظام السوري بموجب اتفاق ٢٠١٣ بعد استخدام غاز السارين على الغوطة الشرقية، وأيضاً في نيسان ٢٠١٧، قصفت مدمرات أميركية بحوالي ٥٩ صاروخاً من طراز توماهوك، قاعدة الشعيرات السورية حيث يعتقد أنها مكان انطلاق الطائرات السورية التي قصفت بالأسلحة الكيماوية مدينة خان شيخون، وتكرر الأمر في هذه المرة من خلال التحالف الثلاثي، وبالتالي، نستطيع أن نفهم بأنه مسموح أن نموت بالبراميل المتفجرة، وبقصف الطيران الحربي، وبراجمات الصواريخ المتعددة الأسماء والأشكال، ولكن هناك ”خطاً أحمر“ أمريكياً – غربياً، يمنع أن نموت بالغازات الكيميائية، ليس غاز الكلور، بل غاز السارين وما فوقه، ما أنذلكم!
بواسطة Farid Hassan Yaghi | أبريل 18, 2018 | Roundtables, غير مصنف
سوريا هي تلك البقعة الجغرافيّة التي تقع عند نقطة التقاء قارات العالم الثلاث حيث يلتقي العرب بالكرد والتركمان بالأرمن والسريان بالشركس والآشوريون بالغجر، وحيث يزيد عدد الأديان والطوائف فيها على عددها في كل الاتحاد الأوروبي مجتمعة. لربما يقول قائلٌ إنّ هذا التلوّن، أو كما يقول التعبير الذي أصبح ممجوجاً، (اللوحة الفسيفسائيّة) أجمل ما في سوريا، كاد هذا أن يكون صحيحاً قبل أن تتحول البلاد لساحة صراع مفتوح تنفتح فيها جميع الاحتمالات على جميع الأصعدة ويستغل كل طرف أحد ألوان الطيف ليحقق مآربه على أكتافه، وقبل أن يصبح القتل على الهويّة، وقبل أن تتوه الأكثريّة في لعبة الجذور، وقبل أن يجيب الكردي السوري المغترب إذا سئل من أين أنت قائلاً أنا من كردستان، ثمّ ينتسب الإيزيدي لدينه لا لقوميته ولا لجنسيته حين يقول أنا إيزيدي، هنا يسأل سائل لا يعرف شيئاً عن سوريا:
من هم السوريون… السوريون فقط؟ وما هو لون العلم السوري، ومن يجب أن يجلس على كرسي مجلس الأمن ليتحدث عن سوريا، وما هي اللغة الرسمية في سوريا؟
تخيلوا أنّ هذه الإجابات أصعب من أن تتم الإجابة عليها في جلسة واحدة، فالدولة السورية اليوم هذا بعد وضع كلمة الدولة بين قوسين أصبحت تعيش أزمة هوية حقيقية، فعلى الأرض مثلاً ثمة من يطالب بسوريا علمانية و ثمة من يطالب بها إسلاميّة وثمّة من ذهب إلى أبعد من ذلك ليجعلها ولاية تابعة لدولة إسلامية تمتد حدودها من الصين شرقاً حتّى الأندلس غرباً، وثمّة من يريد أن يجعل منها مملكة شمولية يرثها الابن عن الأب ويورّثها للحفيد.
برج إيفل هو رمز فرنسا أو ما يتبادر للأذهان عند ذكر كلمة فرنسا، فما هو رمز سوريا، حذاء عسكري؟ أم حزام ناسف؟ أين هي العاصمة السورية؟ موسكو؟ طهران؟ إسطنبول؟ أم لعلها الرياض؟ هذه المعضلات التي فتحها الصراع السوري وشكل الهويّة الضائعة والكائن السوري الممزق الذي لم يعد يعرف على أيّ جانبيه يميلُ.
مما لا شكّ فيه أن 75% من شعب سوريا يريد سوريا حرة ديمقراطية تعددية مبنية على أسس حديثة وحضاريّة، ولكن حين أراد هذه العالم كله نهش قطعة من الكتف السوري استغلالاً لمطالب الشعب التي بدأت عفويّة وانتهت بما يسمّى المأساة السورية أصبح من الواضح أنّ الخيارات أصبحت أضيق مما يمكن أن نتخيل فإما الرضوخ لحكم شمولي سلطوي لم يعد كما كان في سنة 2010 بل أصبح أكثر طائفيّة وتبعيّة لمشاريع خارجية لا تمت لواقع البلاد بصلة، وإما اختيار نمط حكم إسلامي تتبع كل حارة فيه لفصيل وكل شارع لجهة ولا يعلم الله ماذا سيحدث بين تلك الفصائل فيما لو انتهى عدوهم المشترك المتمثل بالنظام وبدأ الصراع… يومها حقاً لن يعرف السوري من يقتل من ومن يريد أن يسيطر على من، وبين مشروع غربي يريد تمزيق البلاد إلى فتات بما يتوافق مع مصالحه ومصالح العدو الأكبر لسورية (إسرائيل)، وهنا سنجد أن الهوية السورية ستكون على تفصيل السيناريوهات التالية:
فيما لو انتصر النظام: وهذا ما ترجحه التوقعات فإن هذا لا يعني أن تعيش البلاد كما عاشت منذ عام 1963 على الإطلاق فإن هذا النظام لم يعد لوحده حاكماً للبلاد، هذا يعني أن سوريا بلد واقع تحت احتلال روسيّ إيراني مباشر وعلى الهوية السورية أن تكون خاضعة لمقاس هذا الجسد الجديد، والهويّة الاجتماعيّة أصبحت بين منتصر سيتفنن في تجبّره ومهزوم لا بدّ له من الهتاف من أجل الحصول على بعض الماء كما حدث بعد دخول الجيش السوري إلى الغوطة.
أمّا السيناريو الثاني وهو المشروع الأمريكي والذي يقع في المرتبة الثانية من حيث القوّة ما لم يرجحه قرار مفاجئ لرئيس أمريكي إشكالي وارتجالي في قراراته كدونالد ترامب فإنّه سيجعل الهويّة السوريّة أكثر تشتّتاً تعيش التبعية لعدّة دول وتتفرق لعدة بطاقات متوزعة هنا وهناك فمن مناطق ينطبق عليها الخيار الأوّل لمناطق تهتف (لبطل الأمّة الجديد) كما يروج له رجب طيّب أردوغان، لمناطق تعيش تحت الذراع الأمريكيّة ويتم تغيير أسمائها وفقاً لمشيئة الأكراد الذين يمثلون المشيئة الأمريكية في سوريا كما حدث في (منبج) التي أرادوا إطلاق اسم مابوك عليها.
أما السيناريو الأخير الذي انحسر كثيراً وبدأ يتلاشى فهو قيام سوريا كدولة إسلاميّة تقوم بإقصاء كل أشكال الانتماء الأخرى، وتفرض عليهم الجزية باسم الدين، والطاعة باسم الكتاب والسنّة وهنا تصبح الهوية السورية منصهرة في هوية تاريخية متجذرة في الجغرافيا لا تعطي بالاً لأي انتماء آخر ولا تحترم الألوان المختلفة، حيث تدخل في حرب فصائل مفتوحة كما يحدث في الصومال وأفغانستان، وهذا ما بدا أو ما يبدو أن سوريا نجت منه بشكل جزئي
وهذا كلّه يعني أنّ الحرب نجحت بشكل شبه كامل بتدمير الهوية السورية وتحويلها إلى ركام ضائع بين أقدام الداعمين والمستغلين وأصحاب المشاريع من غير السوريين، فهنا نجد سوريّاً يرفع العلم التركي في عفرين وسوريّاً يرفع أعلام فصائل طائفية في البوكمال وسوريّاً يرفع علم حزب الله اللبناني في بعض مناطق دمشق وجنديّاً روسيّاً يمنع من يعتبر رئيساً للجمهورية العربية السورية من التقدم والمشي بمحاذاة الرئيس بوتين وسوريّاً يرفع علم الولايات المتحدة الأمريكيّة فوق محطة لتوليد الطاقة في المنطقة الشرقية في سوريا، وكل فصيل استقدم معه كل حثالات الأرض من غير السوريين ليقاتلوا معه فمن استقدم الكتائب شيعية الانتماء الطائفي من أفغانستان ولبنان والعراق لتقاتل معه ومن استقدم رجالاً من الطائفة السنية بتوجه سلفي من أفغانستان والشيشان والمغرب وتونس وليبيا ليجعلهم أمراء حاكمين بين الناس، ومن جعل من رجال حزب العمال الكردستاني التركي حاكمين على مقدرات سوريا وبترولها، كل هذا وأكثر منه يعني ألا شكل محتمل لدولة حقيقية يلوح في الأفق السوري ولا شكل محتمل لهوية حقيقية ستجمع السوريين بعد أن تفرق جلّهم بين من يقوم بقهرهم بشكل يومي على اختلاف انتمائه وأجنداته في الداخل السوري، وبين انشغالهم بتأمين حاجات العيش في المهجر التي سلبهم كثيراً من انتمائهم القومي والوطني والاجتماعي.
بواسطة Elias Bitar | أبريل 18, 2018 | Roundtables, غير مصنف
امـتاز الـمجتمـع السّـوري علـى امــتداد الـقرون الطّـويلة المــــــاضية بأنّـــه جمع في تركـيبته، بين عدد غير قليل من الأقليّات القومية، التي أقامت و تفاعلت مع هذا المجتمع، و حصلت على كل مكتسبات المواطن السوري، و احتفظت أيضاً إلى حدّ بعيد بمعـظم مُميّــزات شخصيّـتها الـثّـقافيّة، رغــــم محاولات الظّهور بمظهر الثّـقافات المنصهرة و المتفاعلة بشكل كامل و منسجم مع الهويّة العربيّة الغالبة والمسيطرة على المنطقة ككلّ، و التي نحن بصدد الحديث عنها بشكل عام كونها عـاملاً مكوّناً حاضراً وأساسياً في تشكيل الهويّة السّوريّة، مـوضوع حديثنا الـيوم عـلى وجـه الخصوص .
في بداية الأمر، لا بد لنا من المرور بشـكل أوليٍّ وسريع على بعض الاصطلاحات الـمفتاحيّة، والتي سنأتي على ذكرها تكرارا فيما بعـد استذكاراً لها وصيانةً، عن أيّ لـغط أو لَـبس في المعنى قد يذهب بـنا إلى مـفهوم خاطئ، لما في ذلك من أهمّــية قُصوى في تبـيـين الهدف المراد من العبارة.
ولا أظــنّ أنّـنا نخـتلف على أنّ اصطلاح الهويّـة المُـميزة لأُمّــة دون غيرها، ينطوي على عدّة عوامل ومكوّنات مُؤسِّسة لها: كالنّسب، والدّم، والجغرافيا، واللغة، والعرق، والثّـقافة. والــمُراد بالثَّـقـافــة هنا، معنى مُغاير تماماً لما درج عليه استعـمالها. حيث أن الغالـبـيــة يُـطـلقونها اصطــلاحاً للدّلالة عـلى مــستوىً تعلــيميٍّ عالٍ، أو بحثي علميّ. بينمـا نشير إليها بصفتها مجموعة من الأعراف والـتّــقالـيـد، والأنماط السّلوكيّة، والدّلالات اللغويّة، والخبرات التراكميّة المتوارثة لمجموعة بعينها من الــتّجمعات الــبشريّة، تُــفضي إلى رسم مـلامح شخصيّة هذه الجماعة، المُميزة لها. ولا نُغفل هنا، تداخل وتقاطـع مفهوم الثقافة مع مفاهيم أخرى، كالانتماء والمواطنة الذين يمكن أن يكونا أصـيلين في الفرد أو في الأقـليّة، أو يمكن أن يكونا مُـكتسبَــين بحكم إقــامة واستقـرار الـفرد أو الأقـليّة بين الجمــاعة الأصليّـــــة، لتُـشكِّل هـذه الإصطحلات جــميعها – إضـافة إلى ما ذكرناه سابقا – مفهوم الهويّة. مع ملاحظة نقاط التّـقاطع ونقاط الافتراق فيما بينها.
وأعتقد أنّنا لا نفشي سرَّاً، إذا أشرنا إلى أزمة هوية حقيقيّـة تُــعاني منها منظومة الدّول العربيّة. فـبينما لم تنقطع أبداً الأصـوات التي تـتـغـنّى بـفرعونيّة مصر، وأمـازيغيّة بلاد المغرب، وفيـنيقيّة بلاد الشّام، نجد أن دول هذه المنظومة تقبع تحت مفهوم مسيطر يُــزاوج بين الدّين واللغة، كمكونين وحيدين للهويّة، منذ قرون طويلة.
قال د. نصر حامد أبو زيد في كتابه (النص. السلطة. الحقيقة):
لقد تحول التّراث – الذي تم اختزاله في الإسلام – إلى هويّة.
وهذا هو تماماً، مـا أود الـولوج منه إلى موضوعنا، لأعود فأنتهي إليه كـسبب هـامٍّ وأساسيّ في ضبابيّـة هويّة وانتماء شعــوب هذه المنطقة.
دعونا نتّفق أولاً، أنّه لو استقام لنا اعتماد الدّين كعامل وحيد لتحديد هويّـة شعــب ما، لـوجب عـلينا تقسيم العالم إلى عدد من الدول لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، بحسب الدّيانات الكبرى في العالم. ولـتوجّب عـلينا رفــع القبّـعة للكيان الصهيــونيّ، لأنّه كان سبّاقــــا في عنصريّته بسعيه لإقامة دولته على أساسٍ ديني!
ولو اخترنا عامل اللغة دون غيره، وجدنا أنفسنا محكومين باعتبار الدّول النّاطقة بالفرنسية في افريقيا: فرنسيّة، والـنّاطقة بالإنكليزيّة في آسيا: بريطانيّة. ولكانت الولايات المتّحدة الأمريكية مستعمرة بريطانيّة بامتياز، لاجتماع العاملين السابقين!
الإشكاليّة إذا، تكمن في ترتيب أولويّات الهويّة، وتراتب الانتماءات في الـوعي الــجمعيّ لـــدى عامّـة شعوب هذه المنطقة من العالم وخاصتها.
فقد كـرّس الخطـاب الـدينيّ المُــتواتر لــدى هذه الـــمجتمعات رؤية مُـشوشّة غـلّبت العامل الدينيّ على كل العوامل الأخرى التي تساهم في تشكيل هويّتهم، وجعلها تفاصيل ثانويّة، تضمر أو تبرز بحسب حاجة العامل الرئيس وضروراته.
وهكذا أنتجت هذه الثّقافة صورة ناقصة عن الإنتماء، تجعل المسلم السُّنيّ أينما حلّ في العالم أقرب إلى أصحاب مذهبه، من مواطنيهم التاريخيّـين من غير المسلمين، أو حـتى المسلمين الـذين يـخالفونهم في المذهب. ولا أتكلم هـنا عن السُّـنة دون غيرهم، فقد فعلت كـل الفرق الإسلاميّة الكبرى ذلك أيضا. وصار من الطبيعيّ أن نـرى أفواج الشّـباب المسلم مُهاجراً للـجهاد والـموت على أرض غريبة لاهيَ تـعـرفـه، ولا نضاله على أراضيها سيعود بالخير عــلى وطنه ومواطنيه!
وليس ما سُّـمي بالـ (الأفغان العرب) إلا نتاجاً طبيعيّاً لـمثل هذا النمط من الفكر الدينيّ، رغم أن انتماءات هؤلاء المحليّة تعود إلى مجتمعات أحوج ما تكون إلى أبسط قواعد الديموقـراطية وحقوق الإنســان، وبالـتّالي فـإنّ دولـهم أَوْلـى بـنضالهم لـتحقيق الــعدالة الاجتماعيّة المَرجوّة.
وفي المُقام الثّـاني مباشرة، تمّ الـتّركيز على عامل اللغة، بصفتها الدّينيّة الـرّفيعة كلغةٍ للـقرآن الكــريم، والـتي تـكلّم بـها الــــسّلف الصّالح. قد اكـتست هـذه اللـغة بثـوبٍ مـن الـقداسة والـتـنــزيه
حتى في عـلومها الـوضعيّـة، نظراً لعودة واضعيها للقياس عـلى الـقرآن الكريم باعـتباره المرجع الأول مـن مراجعها، كـما وأنها لغة أهل الجنّة في النّهاية. ولـسنا هنـا بصدد مـناقشة أحقّـيّـة هذه
اللغة وآدابها وجمالياتها، لكننا نتسـاءل عـن كـفايتها مـع عــامل الـدين في الـجّمع بين كلّ هـذه الشّعوب في أمّــة واحدة؟ وعلى الرّغم من أنّ بعض الـقبائل الـعربية قـد وصلت قـبل الإسلام إلى الجزيرة السّورية واستوطنتها، إلا أنّـنا نـجزم أن سـكّان المنطقة الأصليّين كانت لـديهم لغتهم الخاصة، ودَوّنوا تاريخهم وآدابهم بلغتهم، أو لغاتهم التي كانوا ينطقون بها.
وكان من الطّـبيعيّ بعــد ذلك كلّـه، انـتـقال المواطنة والانتمـاء إلى صفوف متأخرة فـي وعـي هـذه الــفئة الـتي تُـشكّل الشّـريحة العُـظمى من مــواطني هــذه الدول. واستـقرتا مـع غـيرهما من عوامل تأسيس الهوية – الدم والنسب والتاريخ – خلف العامِلَيْن الرئيسين في ثقافة عموم هذه الشعوب.
وفي سـوريا عـلى وجه الخصوص، تـبلورت كل أوجـه هــــذه الإشكاليّة الــوطنيّة وعلى كافة مستوياتها، في ظـلِّ واحـدة من أطـول الـحروب الـبشعة التي شهدتها الإنسانية على الإطلاق. فـظهرت واضحـة للعيان، هشاشة فـكرة القومية العربية عندما ارتفعت الأصوات مطالبة بالإنسلاخ عن المجموعة العربية، والاستعاضة عنها بتحالفات إقليمية بعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وثبوت ضلـوع بعض الأنـظمة الـعربية مباشرة فيما يدور على الأرض السورية. وفي الجانب الآخر برزت النزعات التقسيمية إما على أساس ديني سلفي، يتمثل في اقتطاع مساحات من الجغرافيا السورية لإقامة دولة على أسـاس ديني، أو على أساس إقليمي قومي، كـما فـعلت بـعض الـــفئات الانفصالية الكــردية. أو بتوظيف مـباشر مــن قـــوى دولـــية وإقليمية، إنما تسعى لتحقيق مكاسب ومصالح استراتيجية لها في المنطقة. وما كان كل ذلك ليحدث، لو لم يسبقه كل هذا الإبهام والالتباس في مسألة الهوية والمواطنة والانتماء. جذر المشكلة إذا موجود وكامن لدى السوريين، وكل ما فعلته هذه الحرب أنها حرضته ودفعته إلى السطح بوضوح.
وما من دليل يشهد بصحة ما أسلفنا، أوضح من اتخاذ المساجد كنقطة لانطلاق هذه الأزمة منذ سنين خلت. مما ألبسها ثوباً دينياً، جهادياً، وصبغها بصبغة طائفية ضمن الدين الواحد، وجعلها بفضل الإعلام الداعم لها، تبدو وكأنها اقتتال بين أقلية حاكمة ظالمة، وأكثرية محكومة مظلومة! مما استقدم أصحاب هذا الفكر من كل أصقاع الأرض للدفاع عن حقوق إخوتهم في الدين (مواطنيهم الدينيين).
وخبت بسرعة، كل الأصوات التي كانت تمتلك خطاباً مدنياً علمانياً، التي كانت تغرد خارج سرب السلطة، وتراجعت لصالح الخطابات الدينية الأقوى والأغنى.
وإذا كنا لا نناقش هنا مسائل دينية أو سياسية، إلا أننا نتوخى الوضوح في تداخل هذا الفكر مع الهوية وغلبته عليها.
سوف تنتهي هذه الحرب الدائرة على الأراضي السورية بالمعنى العسكري، طال أمدها أو قصر، ولكن هل سيتمكن السوريون فيما بعد، أن يتخلصوا من آثارها على المستوى الاجتماعي والنفسي؟ هذا مرهون بسعيهم نحو إعادة ترتيب أوراقهم بشكل منطقي، لتتبلور في أذهانهم مفاهيم المواطنة والانتماء والهوية بصورة أوضح.
بواسطة Zeina Mahmoud | أبريل 17, 2018 | Roundtables, غير مصنف
في ظل الأوضاع السياسية الراهنة وما أنتجته ومازالت تنتجه الحرب السورية القائمة منذ سبع سنوات، ظهر وبشكل جلي الانقسام الكائن ضمن المجتمع السوري والذي بقي خفيا لسنين عدة ما قبل الثورة السورية حتى اتضح للعيان وبشكل ظاهر ما بعدها. للأسف فإن المجتمع السوري أو ما يسمى بالفسيفساء السورية المتجانسة (شكليا) كانت قد بدأت تتآكل وتتباعد لتنتج جيلا منقسما، تائها ومتناثرا ما بين قوميات وطوائف وأديان عدة غير قادرة على التقارب أو الالتقاء بأي شكل من الأشكال ضمن أي إطار واضح التشكيل منذ أربعين عاما وحتى الآن. وبهذا، فإن شكل أو هوية الإنسان السوري كانت وماتزال في خطر الضياع والتناثر قبل وبعد الحرب ولكن وبشكل خاص فإن الأمر قد اشتد ما بعد موجات اللجوء التي قصدت العالم الغربي منذ عامين فأكثر. فهل للإنسان السوري حقا هوية أو مسمى؟ أم أننا تائهون منذ زمن بعيد!
يرى السوري نفسه الآن بلا وطن ولا تشكيل، ما بين من فقد بلاده وبين من فقد أسرته ومن كان قد فقد الإثنين معا، ليغدو تائها غير مستوعب لما يحدث. كما أن الغالبية العظمى من الشعب كانت قد بدأت بالبحث عن وطن بديل منذ بداية اندلاع الأزمة حتى الآن غير مدركة لعواقب هذا الاتجاه الكارثية وغير عارفة بالخلل الحقيقي الذي أصاب الإنسان السوري بالمجمل. يرى السوريون أنفسهم في الوقت الحالي كشعب منفصل وأناني غير قادر على التواصل أو التوصل لأي تفاهم حقيقي ضمن طوائفه ومذاهبه وأعراقه المتعددة.
كما يعرف السوريون أنفسهم كشعب بائس قد تآمر عليه العالم وقد رقص على جثته حيا ليغدو شعبا خارج نطاق الحياة الطبيعية المستمرة من حوله. فعلى المستوى السياسي لا يوجد من يتحدث باسم هذا الشعب كما أنه وعلى المستوى الاجتماعي لا يوجد من هو قادر على تسوية الخلافات أو من هو قادر على الوصول إلى الحلول الوسطى ما بين طرفي نقيض من معارضة سياسية إسلامية إلى نظام حكم عسكري قمعي بحت. فإذا كان الطرفان المتنازعان واللذان من المفترض أن يمثلا الشعب السوري بهذا الإهمال، فهل يلام الإنسان السوري على ما حدث ومازال يحدث؟
هل يلام الإنسان السوري على فشله في استحداث نظام سياسي واجتماعي قادر على رعايته وتمثيله؟ لقد طمح السوريون منذ بداية الصراع إلى بناء مجتمع متعاون ومتكامل وديمقراطي قادر على حماية وخدمة حقوق الأكثريات والأقليات على حد سواء، إلا أنه ومن خلال ما أنتجه الواقع على الأرض، فإن السوريين فضلوا التقوقع على أنفسهم منذ البداية مشكلين كينونات بديلة تمثل كل طرف على حدة: فقد فضل الأكراد الاستفراد بمناطقهم الشمالية الشرقية على الاندماج ضمن الغالبية السنية العظمى والتي يمثلها العرب بشكل عام. كما اختار العرب أو السنة منهم الانكفاء والانطواء ضمن جماعات إسلامية ذات توجهات بعيدة عن تطلعات الفئة الشبابية التي قامت بالثورة. بالإضافة لذلك فضلت الغالبية العظمى من الأقليات الانطواء تحت جناح النظام متعذرة بالخوف من السطوة الدينية للغالبية السنية العظمى. فضلا عن ذلك وقعت خلافات عدة بين أفراد التوجه الواحد معلنة عن ضياع الهدف الحقيقي للثورة بحد ذاتها.
من ناحية أخرى، أدت حملات الهجرة واللجوء إلى ضياع الهوية الحقيقية للإنسان السوري وذلك ابتداءً بالصدمة الحضارية التي تلقاها المهاجر أو اللاجئ في بلاد الاغتراب وانتهاءً بالإحساس الكامن بالدونية وانعدام الهدف أو الهوية ضمن مجتمعات إما قامت بالتقليل من شأن هذا الإنسان أو أنها وضعت له العصى في الدواليب بحجة الاندماج والاندراج ضمن مجتمع يختلف عنه بالثقافة والهوية. من هذا المنظور، فإن جوهر المعضلة أو الخلاف ليس سببه القمع الشديد للثورة فقط ولا سوء التمثيل الذي قامت به المعارضة الإسلامية، لا بل إن الخلاف الحقيقي والجوهري ضمن المجتمع السوري هو عدم وجود تصور مشترك لشكل الدولة ضمن الفئات الاجتماعية السورية بالإضافة لعدم وجود الوعي الكافي بمفهوم العمل السياسي أو العمل المجتمعي ضمن جميع الفئات السورية، المثقفة وغير المثقفة.
انطلاقا من هذا الواقع أيضا فإن الدولة السورية القادمة مهددة بالتشرذم والضياع لفترة من الزمن قد لا تقل عن المئة عام، كما أن شكل الخريطة السورية مهدد بالتغيير والتقسيم لصالح قوى عظمى تدعي التدخل بهدف حماية حقوق الأقليات إنما الأطماع الحقيقية من وراء ذلك اقتصادية للأسف. وبهذا فإن شكل أو إطار الدولة السورية القادمة لن يكون بنفس مكانته السابقة كما أن هيبة وأهمية ومركزية الدولة السورية لن يعود لشكله السابق لكون الدولة قد وقعت تحت السيطرة الاقتصادية والسياسية لعدة دول من ضمنها روسيا والولايات المتحدة وتركيا. أما بالنسبة للهوية السورية فإن الإيجابية الوحيدة التي كشفت عنها الثورة السورية هي حقيقة كون المجتمع السوري مجتمعاً منقسماً وطائفياً غير مدرك لنقاط القوة الكامنة ضمن اختلافاته الدينية والعرقية، كما أنها كشفت عمق التصدع الاجتماعي والعرقي والديني ضمن أفراد الفئة الواحدة والمجتمع الواحد كما والعائلة الواحدة على أبسط نحو.
لكن الأمر المؤسف هو عدم إدراك الشعب السوري لحجم هذا الصدع للأسف لا وبل إصراره في بعض دول الاغتراب أو في الداخل السوري على التمسك بهذه الأوهام البالية والأفكار المهترئة والتي أدت بالمجتمع لهذا التصدع لا بل ولوم جميع الأطراف ماعدا النفس على ما حدث وما سيحدث مستقبلا.
نعم إن الهوية السورية على المحك لا بل وأسوأ من ذلك، ولا يمكن حل هذه المعضلة إلا بتشكيل نواة اجتماعية أو جاليات تعبر عن الإنسان السوري في المهجر والإنسان السوري القابع بالداخل لتديره وتقوم بإعادة توعيته وتوجيهه كي يستطيع التفاعل ضمن مجتمعه الجديد ويستعيد القدرة على تحديد هويته المندثرة منذ أربعين عاما ضمن نظام بالي متحجر أساء للهوية السورية باختلافاتها. على السوريين دحر نعراتهم الطائفية والدينية والعرقية خارج الدولة وداخلها للتوصل لتفاهمات ترضي جميع الأطراف وذلك لبناء شكل موحد لدولتهم المستقبلية وإلا فإنهم معرضون للتشرذم أكثر مما هم عليه الآن.
بواسطة Mustafa Taj El Deen El Mousa | أبريل 16, 2018 | Roundtables, غير مصنف
لا أعتقد أنه لدينا في سوريا فعلاً هوية وطنية، رغم توفر بعض شروطها من أرض ولغة وعادات وتاريخ مشترك، وذكريات متشابكة…الخ. أعتقد أننا كنا نعيش في مجتمع هش للغاية سطحه عبارة عن صور براقة للقائد يتوسط مجموعة رجال دين وقوميات وإثنيات، بينما أعماق هذا المجتمع هي مجموعة براكين قد تنفجر بين بعضها البعض بأي لحظة، وقد جاءتْ هذه اللحظة في عام 2011 لتنفجر صراعات دموية لهويات لم تعمل هذه الأنظمة على انسجامها من خلال المواطنة فتضمن استمرار مصالحها الضيقة مع مصالح الوطن والشعب، صراعات تبدو وكأنها متناقضة بين انتماءات و ولاءات متعددة لكنها في الوقت ذاته تمثل مصالح متعددة ومتنوعة لجهات خارجية وداخلية.
مع بداية الثورة السورية، كانت الهوية الوطنية السورية في مواجهة امتحان تاريخي صعب للغاية، وأعتقد أنها قد فشلت في هذا الامتحان فشلاً مؤلماً، يدل على حجم الكذبة والخديعة التي كان يعيشها الشعب، لأن الوطن أصلاً كان بلا مواطنة حقيقية تعمل على تهذيب هوياته وتداخلها وتفاعلها معاً بشكلٍ ايجابي، يخيلُ لي أننا في سوريا بعد سنوات الحرب هذه، أننا أمام موت وطن قديم ونشوء وطن جديد، الوطن القديم جثم بكل ثقله فوق أنفاس الناس وخنقهم لعقود طويلة، أما عن الوطن الجديد: هو الآن في حالة نشوء، لكن، ما مدى إيجابية هذا الوطن الجديد؟ لا نعرف، ثمة من يتحكم خارجياً بهذه الولادة الجديدة محاولاً اختصارها إلى ما يتناسب مع مصالحه وانتماءاته الخاصة، وأعتقد أنه من المبكر تبلور جواب واضح حول الوطن الجديد.
غياب المواطنة والديمقراطية وتفاعل الهويات في المجتمع السوري، مع بداية النظام الاستبداي، أدى حالياً إلى حرب كارثية كانت بمثابة مستنقع تنمو فيه الجوانب المظلمة من كلّ الهويات، وهذه الجوانب المظلمة للهويات قضت على كل جانب مضيء بكل هوية ودخلت فيما بينها بصراع مرير.
كان يمكن للمواطنة والديمقراطية خلال عقود (لو أنها وجدت كما حدث في بعض التجارب العالمية التي خاضتها بعض الشعوب المشابهة لشعبنا بمجرد تحررهم من الاستعمار الخارجي) من أن تعلي القيم الإنسانية والأخلاقية واحترام الآخر وتقبله والتفاعل معه ضمن هوية جديدة جامعة تضمن مصالح الكل، إلا أن أنظمة الاستبداد، كانت جداراً صلباً أمام مثل هكذا مشروع لأنه لا يتناسب مع مصلحتها، وبالتالي غيبت هذه الأنظمة الاستبداية مفاهيم وقيم الديمقراطية والمواطنة إلا من الشعارات التي تُكتب على حيطان المؤسسات الحكومية، وحافظتْ على الجدران بين الهويات، وافتعلت أحياناً هذه الأنظمة بعض المشكلات بين هذه الهويات، لتطمئن أنه لا يوجد انسجام بين هويات الوطن، وبالتالي تكون الحاجة لهذه الأنظمة الاستبداية ضرورية لأنها وحدها من يحمي المجتمع من صراع الهويات.
تراجع الوعي خلال هذه العقود، مما أدى بشكل غير معلن وواضح قبل الحرب، وبشكل معلن وواضح بعد الحرب، إلى النكوص إلى هويات قديمة، تشكلت منذ عصور بعيدة ضمن مصالح وتطورات خاصة بأزمنتها لا تتفق مع هذا الزمن.
وطبيعي أن القتل والدمار والانهيار والنزوح والتشرد والجروح لن تسمح للوعي ضمن هذه الشروط القاسية بأن يعيد تشكيل مفهوم حديث للهوية الوطنية.
دولة بلا سيادة على جزء واسع من أرضها، بنظام شمولي استبدادي، دون عقدٍ اجتماعي واضح يعكس مصالح الفئات الاجتماعية ويضمن الحريات ويحميها، كل ما سبق أدى إلى تلاشي الشعور بالوطنية الذي يقوم عادة على هوية عصرية متناسبة مع عصرها ومفاهيمه العلمية.
لم تستطع هذه الأنظمة الاستبدادية خلال عقود من ترسيخ شعور المواطنة لدى الإنسان، لهذا لم تستطع أن تنتج مفهوماً أخلاقياً جديداً للهوية الوطنية، ينافس وينسجم ويتفاعل مع الهويات القومية والدينية والطائفية والإثنية.
وحتى المعارضات لم تخرج عن التصور الخاص بالنظام للهوية، إنما أعادتْ إنتاجه بشكلٍ جديد. لتظل بهذا عاجزة (غالباً) عن إنتاج مفاهيم جديدة للهوية الجديدة (باستثناء نخب لا تمثل الواقع إلى حدٍ كبير)، وبهذا ظلتْ المعارضات مجرد (رد فعل سلبي) على فعل سلبي (نظام استبدادي) فقط لا غير.
الآن لدى السوريين مقاربات مختلفة ومتناقضة ومتصادمة حول الهوية، وكل طرف فصل ولبس هوية على قياس أحلامه وأوهامه وآلامه ونكوصه، وصار لكلّ سوري تعريف خاص نوعاً ما لسوريته الخاصة به.
أعتقد أن الأطراف المتصارعة تُمثل جزءاً جيداً من الشعب السوري، من نظام وميلشياته حتى الفصائل الإسلامية.
أعتقد أن كلّ السوريين رغم كل الاختلافات يتفقون معاً على ضرورة إنهاء الحرب، بالقوة لدى البعض أو بالمصالحات أو بالتقسيم لدى بعضهم الآخر.
ثمّة طموحات غير متشابهة لدى السوريين، لكن هناك جزءاً ليس بقليل يطمح لدولة عادلة وديمقراطية تقوم على المواطنة واحترام الإنسان.
الصراع في سوريا هو بالدرجة الأولى صراع مصالح ومشاريع مختلفة يتم إلباسها مفاهيم دينية أو قومية أو وطنية بغية تلميعها لاستمرار تسويقها لدى الناس لجني المكاسب على حسابهم، لا يمكن حصر دوافع الصراع في سوريا لأنها متعددة ومختلفة، ثمّة هدف لكل فئة ولكلّ طرف، وبعض هذه الأهداف قد تكون نبيلة لبعض هذه الأطراف.
لا يوجد الآن في سوريا إجماع على هوية معينة، هذا يحتاج لعقد اجتماعي جديد… يوجد الآن مجموعة هويات منقسمة على بعضها ـ متناحرة أحياناً متحالفة أحياناً أخرى، بحسب الحرب وتشعبها.
لا أعرف كيف سيكون شكل الهوية مستقبلاً في سوريا، من الصعوبة التنبؤ بهذا، لكن على الأقل أتمنى أن تكون هوية وطنية ديمقراطية متعددة، وألا نصل إلى ما يشبه نموذج الهوية الوطنية الطائفية كما هو الحال في لبنان و العراق الآن.
جزء جيد من الفصائل الإسلامية المعارضة تقاتل في سبيل هوية إسلامية وفي سبيل فرضها على البلاد كلّها، ثمّة فصائل أخرى قد تقاتل تحت عنوان الهوية الإسلامية، لكنها فعلياً تقاتل في سبيل منفعة سياسية واقتصادية (أمراء الحرب مثلاً).
ليس لدى النظام أي تصور مستقبلي لمفهوم الدولة سوى تصوراته القديمة والسلبية، التي لا يستطيع أن يتخلى عنها، لأنه بتخليه عنها يلعن نهايته، ويدق في تابوته المسمار الأخير.
كما قلتُ منذ قليل، ثمّة شيء يجمع عليه أغلب السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومواقفهم وتوزعهم الجغرافي، وهو إنهاء الحرب وإعادة الإعمار(طبعاً باستثناء قلة من أمراء الحرب وتجار الحرب لأن إيقاف الحرب يضر بمصالحهم الاقتصادية والربحية).