بواسطة Ghaida Al Oudat | مارس 25, 2018 | غير مصنف
في ظاهرة اللجوء الصعبة وتشرد السوريين وانتشارهم حول العالم بحثاً عن الأمان، يَعلق السوريون بين مجتمعين، فلا هم في المجتمع الأم الذي تعودوا عليه ورضخوا لشروطه وقوانينه، ولا هم قادرون على الخطو نحو المجتمع الجديد والتأقلم معه والتعوّد عليه ومعرفة قوانينه. تقل معرفة الدول الغربية بكيفية دفع الأسر القادمة للتأقلم مع المجتمع الجديد، خاصة فيما يتعلق بشؤون الأسرة وعلى رأسها النساء. فمثلاَ الكثير من السوريات لا يعرفن واجباتهن وحقوقهن الجديدة التي لم يتمتعن بها في بلدهن الأم، فالكثيرات تحملن إرثاً طويلاً من القهر لا يستطعن التخلص منه بسهولة. هناك حاجة لإعادة تأهيل الكثير من السوريين ليتمكنوا من قبول قوانين بلدان اللجوء الجديدة والاعتياد على أعراف المجتمعات المستضيفة بما يمكنهم من تجنب التقوقع في تجمعات منغلقة على نفسها.
من الضروري للدول المضيفة أن تحيط علماً بالسياق الاجتماعي والقانوني لحياة النساء السوريات في سورية قبل رحلة اللجوء. فقد تضافرت جهود المجتمع السوري مع الدولة السورية عبر سنوات طوال لانتهاك حقوقهن ووضعهن في مرتبة مواطنة متأخرة. فمثلاً الدولة السورية حرست لعقود قانون أحوال شخصية يمعن في انتهاك حقوق النساء وتهميشهن. لعل المعرفة تمكن تلك الدول من اتخاذ إجراءات مناسبة لتمكين المرأة اللاجئة من حقوقها، وردع الرجال عن انتهاك تلك الحقوق. هذا سيسهم في تجنب مخاطر عديدة كتعرّض الأطفال اللاجئين لمضار شديدة نفسية وجسدية وحياتية تكرّس جدار موجود أصلاً بين المجتمعين.
لعل أهم ما يمكن ان تقوم به الدول المضيفة لتستبق الكثير من الكوارث هو تنظيم دورات إلزامية يرضخ لها الأزواج والزوجات لمحاولة إعادة بناء الأسرة بشكل قويم، ومعرفة العلل والعيوب، والتعريف بالحقوق والواجبات في العلاقة الزوجية وفي علاقة الأبوين بالأبناء، ومعالجة المشاكل بكل الوسائل الممكنة. ويمكن أيضاً ترتيب جلسات رعاية نفسية وإعادة تأهيل للأزواج والزوجات سعياً لتكون الأسرة متماسكة وعلاقة الشراكة متساوية.
أمّا في حال فشل الإجراءات المقترحة أعلاه من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار بعض النقاط التي تساهم في تحسين أداء النساء اللاجئات أسرياً ومجتمعياً، تلك التي تؤثر بطريقة مباشرة على آلية تفكيرهن لتمكينهن من وعي امكانية تغيير أوضاعهن وتدارك سوء حالتهن النفسية ويأسهن من التغيير. حملت السوريات معهن مفاهيم للعلاقة الزوجية وأعرافاً وتقاليد من وطنهن الأم تُعد مستهجنة في الكثير من المجتمعات الغربية، لكنهن تابعن مسيرهن وفق العادات والتقاليد والقوانين السورية. سوريات كثيرات هن منهكات مما حملنه من وطنهن في مجتمع غريب عنهن يضع نصب عينيه الحرص على حقوق النساء وتطبيق المساواة الكاملة بين الجنسين.
من أهم ما يجب إدراكه أن كثيرات من اللاجئات تزوجن زواج قاصرات، وأن زواجهن تم تحت نظرالمشرّع السوري وبموافقته، منهن من تزوجن بسن الـ17 سنة وهو السن المسموح فيه الزواج قانونياً بسوريا، ومنهن تزوجن بسن الـ 13 فما فوق شرعياً ثم تولى أولياء أمورهن تقديم طلب للقاضي ليأذن بزواج الطفلات بحجتي صدق الدعوى واحتمال الجسد متجاهلين أهم معايير الزواج كامتلاك العقل الراشد لتدبير أمور الزواج وشؤون الأسرة والقدرة على تربية الأطفال. تجاهلت ترتيبات زواج قاصرات في سوريا المعايير الصحية للنساء، حيث يعرض الزواج المبكر الطفلات لمخاطر انهيار صحتهن نتيجة حملهن وإنجابهن وهن قاصرات.
لنا أن نتخيل إذاً كيف سيكون وضع الطفلة كزوجة وكيف يتم انتزاعها من طفولتها وهي بعد بلا إرادة ولا عقل تستطيع بهما أن تدير شؤون حياتها، وبلا قدرة على حماية نفسها لتصبح ملكاً للزوج. زواج القاصرات هو أشبه بعملية انتقال صك ملكية من الذكر الأب إلى الذكر الزوج. هذه الحالات ستنتج غالباً أسراً مفككة،غير قائمة على الوعي والتفاهم والاحترام والثقة، وتكون النساء فيها قاصرات عن امتلاك زمام أمورهن ولا يستطعن تربية أطفالهن بطريقة سليمة. فتتحول الأسرة كلها إلى ملكية خاصة للزوج ابتداءً من الزوجة المطيعة وانتهاء بالأبناء، وتجهل معظم تلك النسوة أنهن يستطعن التخلص من تلك التبعية في دول اللجوء الجديدة وتحت القوانين الجديدة التي تحميهن وتدعمهن.
تحتل حضانة الأطفال حيزاً خاصاُ في مواضيع الزواج والطلاق؛ فالنساء غالباً ما يرضخن لسوء المعيشة والمعاملة حرصاً منهن على حضانة أبنائهن. وهذا الخوف من خسارة الأبناء كرسه المشرّع السوري بتحديد سن الحضانة ومجرد أن يعرفن أن الحضانة في الدول المضيفة منوطة بقدرة الحاضن على التربية والرعاية، وأنها ليست محصورة بسن أو جنس، ستتمكنّ نساء كثيرات من التفكير جدياً باتخاذ قرار في حال كان وضع الأسرة سيئاً دون الخوف من خسارة الأطفال. إن جهل النساء بقوانين الحضانة في الدول المضيفة يجعل من القانون الجديد وحشاً مرعباً ويتخيلن أنه يهدف فقط إلى انتزاع أبنائهن، هذا الخوف يدفع العديدات للرضوخ لكل الشروط الحياتية السيئة والصمت عن انتهاكات الزوج بحقها وحق أطفالها ويحولها لشريكة تتستر على سوء المعاملة مقابل الحفاظ على الأطفال.
ولا نستطيع تجاهل الوضع الاقتصادي وسلطة المال، فلم تكن الدولة السورية تكفل حياة الأطفال والأم الراعية لهم، وهذا كان يشكل خطراً على مستقبل الأطفال والأم الذي يصبح مرهوناً حسب هوى القاضي وما يحدد لهم من نفقات. ويدّعي الرجل غالباً ضعف موارده ومحدوديتها ليتهرب من أعباء النفقة، وبحال عدم عمل الأم تصبح رهينة لإرادة الزوج أو أهله الذين يتحكمون بقرارها ويفرضون عليها شروطهم كحرمانها من حضانة أطفالها بحجة عدم قدرتهم على استقبالهم. لهذا على الدول المضيفة أن تُعلم النساء أنهن قادرات على الاحتفاظ بأطفالهن إن لم يكن هناك سبب صحي أو استثنائي، وأن الدولة مسؤولة عن تأمين متطلباتهم بشكل يُمكن الأم من إدارة شؤون أسرتها دون خوف على نفسها وعلى الأطفال. هذا من جانب ومن الجانب الآخر فإن الكثير من الرجال وفي حالات الوفاق يتعاملون مع المساعدة الشهرية المقدمة للنساء اللاجئات وكأنها ملك خاص بهم، يتم تسليمها للرجل دون وعي لطريقة تعامله مع تلك الأموال وكأنها ملكه، رغم أنه من المفروض أن يتم تسليمها للنساء فهذا سيُكون نوعاً من الاستقلال الاقتصادي لهن بشكل يمنع تحكم الزوج بشؤونهن الخاصة ويمنحهن الشعور بالقوة والاستقلالية.
أما بالنسبة للطلاق فقد سن المشرع السوري شروطاً قاسية له في حال طلبته المرأة. أيضاً هناك نظرة مجتمعية سيئة للطلاق خاصة حين تطلبه المرأة وكأنه جرم ترتكبة النساء. ففي حال تجرأت المرأة على طلب الطلاق كانت تحتاج وقتاً طويلاً جداً حتى يتم البت به، وتتكبد تكاليف مالية باهظة لا تستطيع في أحيان كثيرة تأمينها. وتختلف قوانين الطلاق في دول اللجوء عما كان عليه الحال في سوريا وتخلو من التحيّز. وفي حال عرفت النساء شروطه وإمكانية حدوثه بناء على الأسباب الموجبة، وعلمن الجهات التي يمكنهن عبرها طلب المساعدة والدعم سيتمكن من اتخاذ القرار المناسب للأسرة وفق القوانين الجديدة في دول اللجوء، دون الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي كن يواجهنها في الوطن الأم والتي كانت تدفعهن للخشية من القيام بهذه الخطوة.
نأتي إلى أهم ما يواجهنا الساعة من جرائم تحدث بحق نساء لاجئات في دول اللجوء وهي الجرائم التي يسميها القانون السوري “جرائم الاعتداء على العرض” ويسميها المجتمع السوري “جرائم الشرف.” هذا النوع من الجرائم يسهل به اتهام النساء بأخلاقهن، ووسمهن بالزنا والخيانة لتبرير قتلهن ومن ثم النجاة من العقوبة. وهذا أمر معتاد في سوريا كون النساء ضعيفات بدون حماية القانون، وقضية الشرف قضية حساسة في المجتمع السوري ، فهي جريمة يتم استثمار أسبابها المخففة للعقوبات لتكثر الجرائم المرتكبة باسمها حتى عندما لا تكون نابعة من حجج مثل “الزنا” أو “الخيانة.” مثلاً تحت حجة “الشرف” يتم قتل الفتيات اللواتي تسوّل لهن أنفسهن الزواج من طائفة مختلفة، أو دين مختلف، أو عندما يحدث الزواج بدون موافقة الأهل ومباركتهم، أو لأن الفتاة قد أقامت علاقة جنسية مع حبيبها “القتل للدفاع عن الشرف.” تكون الحجة دائماً “غسل العار” الذي لحق بأسرة الفتاة، ومجرد اتخاذ الفتاة قرار مستقل بالزواج أو إقامة علاقة، تصبح هدفاً محتملاً للقتل وتغدو بنظر المجتمع السوري “عاراً” يلتصق بالأسرة حد توريثه. وحسب إحصائيات تقارير ومنظمات حقوقية فإن من 200 إلى 300 “جريمة شرف” تحصل سنوياً في سوريا تحت ذريعة رد فعل الرجل على المساس بمحرماته وغسل عاره. وربما يستغل البعض القانون ليقتل الرجل من يريد قتلها والتخلص منها (أم أو أخت أو ابنة أو قريبة) لأسباب مختلفة بعيدة عما يسموه “عاراً”، وكم ارتكبت تلك الجرائم بمباركة المجتمع ورعاية القانون الذي يفتح نوافذ الهرب من تبعاتها ويخفف بثغراته الحكم على الجاني تحت تلك الذرائع.
يحفل تاريخنا الماضي والحاضر بهذا النوع من الجرائم التي وضعت النساء في خانة اتهام وجرم مطلق بدعم من المجتمع والقانون حتى دون التوثق والتأكد من تلك التهم. والمؤلم في الأمر أنها دوماً موجهة ضد النساء دون أن ينال الطرف الذكر في العلاقة أي عواقب أو اتهامات. يتكرر حدوث “جريمة الشرف” في دول اللجوء كردة فعل ناتجة عن ضيق بعض الرجال من بدء الكثير من النساء وعي حقوقهن وإدراكهن امكانية المطالبة بها بجرأة في البلدان الجديدة. وبناءاً على تراث عرفي وقانوني حمله معه هؤلاء الرجال فإنه لا يمكن التصريح بحقيقة الخلاف، بل يتم اتهام الزوجة بشرفها وأخلاقها كتهم الزنا والخيانة ليكسب الرجال دعم الناس له كما اعتادوا ونشأوا في الوطن الأم.
يحتاج الكثير من الرجال السوريين اللاجئين أن يتعلموا القانون في البلاد الجديدة، ويعلموا علم اليقين أن قوانينها لا تشابه القوانين السورية من حيث التحيّز لجندر معين ولا تأخذ بعين الاعتبار ما كان يأخذه القانون السوري من أسباب مخففه لـ”جرائم الشرف.” فهذه الجرائم تُعد جرائم قتل كاملة الأركان دون أي تخفيف أو تلطيف لها. لعل الوعي بهذا الوضع القانوني الجديد من شأنه أن يقلل من ارتكاب “جرائم الشرف” في المجتمعات اللاجئة.
قد يبدو للكثيرين أن كل ما سبق ليس واجباً على دول اللجوء إدراكه ووعيه، وقد يتساءل البعض عن أهميته وجدواه، وربما يقول قائل إنها شؤون تعني السوريين ولا تعني غيرهم، لكننا بالمنطق سنجد أن المجتمعات المضيفة أكبر المتضررين من هذا الواقع إن لم تستدرك الوضع وتعمل على تغييره. فالأطفال السوريون الذين ينشؤون في أسر لاجئة هشة، غير سوية، وعنفية سيحملون معهم أمراضها للمجتمع الذي يعيشون به (المدرسة، الشارع، العمل..). ولهذا فمعالجة الداء مبكراً ومسبقاً أفضل للشفاء منه، والمصلحة بيننا مشتركة، فنحن أيضاً كسوريين وسوريات نريد أن تكون أسرنا سليمة وأن نتشارك احترام متبادل مع المجتمعات المضيفة كي ينشأ أطفالنا نشأة صحيحة ويكونوا خيراً للمجتمعات التي تحضنهم ولمجتمعنا السوري.
بواسطة Salon Syria Team | مارس 25, 2018 | News, غير مصنف
يهدف “صالون سوريا” إلى بناء وتطوير منبر إلكتروني باللغتين العربية والانكليزية يكون اداة لنشر القصص الصحافية ومنبراً يخدم فضاء للتواصل والنقاش بين شريحة واسعة من وجهات النظر في مكونات الطيف السوري.
يعلن “صالون سورية” عن دورة تدريبية لصحافيين سوريين مقيمين في سورية او الدول المجاورة. “ورشة صالون سورية”، مبادرة سورية ترمي الى دعم العمل الصحافي بعيداً من الاستقطاب. هي جزء من منتدى الكتروني باسم “صالون سورية” www.SalonSyria.com.
تستمر الورشة لمدة يومين في مقر الجامعة الأميركية في بيروت، باشراف زملاء مدربين سوريين وعرب وأجانب لتمكين الصحافيين السوريين الشباب في أربعة محاور: المهنية والسياسة، الصحافة زمن الحرب، الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، الانواع الصحافية.
الورشة تشكل فرصة لصحافيين سوريين للحوار فيما بينهم حول الكتابة الصحافية ومهارات العمل الفريقي واختبار الرغبة والقدرة على العمل الصحافي، اضافة الى التشبيك مع صحافيين ومؤسسات عربية وعالمية. في ختام الورشة، ان الصحافيين الذين يظهرون قدرة مهنية ستتاح لهم فرصة التعاون مع “صالون سورية” من داخل سورية او الدول المجاورة.
“صالون سورية” يتكفل بتغطية المصاريف المرتبطة بالورشة من سفر وإقامة.
مكان وزمان الورشة: الجامعة الاميركية في بيروت
٢٦ و ٢٧ نيسان ٢٠١٨
المواصفات المطلوبة:
1- صحافيون / صحافيات من سورية, يقيمون في سورية ودول الجوار.
2- العمر بين ٢٠ و٣٩ سنة.
3- لديهم الخبرة في مجال الكتابة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والمسموع والمرئي.
4- لديهم خبرة في كتابة الانواع الصحافية.
5- لغة التدريب والكتابة، هي العربية مع تفضيل اجادة اللغة الانكليزية.
يجب على جميع المتقدمين إكمال الطلب والرد على جميع الأسئلة، بما في ذلك تحميل السيرة الذاتية، رسالة توضح اسباب الاهتمام بموضوع الورشة، و ارفاق مقالة او عينة كتابية. يرجى
الضغظ على الرابط هنا:
اخر موعد للتقديم: ٣٠ اذار ٢٠١٨
بالشراكة مع معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأمريكية في بيروت
بواسطة Rateb Shabo | مارس 23, 2018 | Roundtables, غير مصنف
هل توجد اليوم هوية اجتماعية وسياسية سورية، أو هوية وطنية سورية؟ ليس من الفراغ أن السوري، حين يبحث عن تعريف لنفسه أو عن هويته، يميل إلى التاريخ القديم. يعود إلى دمشق، المدينة المأهولة الأقدم في العالم. ينسب نفسه إلى شعوب اخترعت الأبجدية الأولى والنوتة الموسيقية الأولى، يبحث عن التميز في أقوال الآثاريين عن سورية الوطن الثاني لكل إنسان مهما كان وطنه الأم …الخ، أو على الأقل يسند السوري الحالي هويته إلى دمشق الأموية، إلى “بستان هشام” القادر على استتباع الدنيا وإلحاقها به، دون الانتباه إلى أن في كل ذلك مفارقة ومصادرة للتاريخ، لأن الأمجاد “السورية” القديمة هذه لا تخص سورية بالمعنى المعاصر.
فقد المجتمع السوري الحديث السيطرة على تاريخه الخاص سواء في إنتاج النظام السياسي الذي يمثله أو إنتاج العلم والمعرفة، أو في الإنتاج التقني، وفقد، بالتالي، قدرته على صناعة هويته الخاصة. هذا ما يبرر طرح السؤال الذي بدأنا به.
المجتمع الذي لا يختار تمثيله السياسي، كحال المجتمع السوري، سيكون شكل الحكم المفروض عليه غريباً بدرجة ما عن هويته، أو لا يعكس هويته تماماً. ولكن الحديث عن الهوية، بوصفه حديثاً شاقاً وغامضاً مهما سعى إلى الوضوح، يفرض على المرء سلسلة تساؤلات لا تنتهي مثل: أليس عجز المجتمع عن اختيار تمثيله السياسي، هو جزء من هويته؟ أو بطريقة أخرى، ألا يمكن معرفة خصائص شعب ما (ماهيته أو هويته) من خلال الحكم أو النظام السياسي المفروض على هذا الشعب، على مبدأ “كما تكونون يولى عليكم”؟ لكن لماذا نفترض أن النظام السياسي المستبد مفروضاً على الشعب؟ ألا يمكن أن يكون الشعب في غالبيته راضياً بهذا الشكل من الحكم، معتبراً أن السياسة شأن النخبة وأن دخول العامة في المجال السياسي لا يولد إلا الفوضى؟ عندها ألا يمكن أن يكون القبول بهذا الشكل من الحكم جزءاً من هوية الشعب المعني؟ أليست فكرة المستبد العادل هي الوليد الشرعي لشعوب “الاستبداد الشرقي”؟
من الناحية السياسية حين يذكر الشرق يذكر الاستبداد، وسوريا من هذا الشرق الذي يشكل الاستبداد المعلم الأهم في هويته السياسية. طوال تاريخه لم يفلح المجتمع السوري في الخروج من الاستبداد السياسي، بقي رهين هويته السياسية الاستبدادية، منتقلاً من نظام ديكتاتوري عسكري إلى آخر. والحق إن محاولات المجتمع السوري في تجديد هويته السياسية لم تكن محاولات عميقة، أقصد ذات ثقل أو عمق شعبي. المحاولة العميقة الأولى هي ثورة 2011 (يبقى لمآلات هذه الثورة ما تقوله فيما يخص هذه المحاولة). ليس مفاجئاً أن السوريين الغائبين لزمن طويل وبشكل شبه تام عن صناعة هويتهم ، تعثروا في محاولتهم العميقة هذه التي من المعقول تناول موضوع الهوية السورية على ضوئها.
لا يعيب سوريا أنها وطن رسمت حدوده “مؤامرة” ما، قليلة هي الدول التي رسمت الطبيعة حدودها. حدود البلدان مرسومة في غالبية الحالات بفعل توازن قوى، فيه من القسر الخارجي أكثر مما فيه من الإرادة الداخلية. غالبية الحدود السياسية تحمل بصمات لقوى خارجية. تبدأ المشكلة السورية من الإنكار الصارخ لهذا “العيب”، الشيء الذي جعل الوطن السوري “قطراً”، أي حالة مؤقتة، ولكنها دامت على هذا.
تخجل سوريا من تعريف نفسها كبلد ناجز مستقل ونهائي كي لا يبدو ذلك “خيانة” لانتماءاتها الأوسع، القومية أو الإسلامية، وكي لا يبدو ذلك رضوخاً لإرادة المستعمر. ربما لم يكن من السهل أن يقبل السوريون بهوية خاصة تميزهم كسوريين عن العرب، أو تميزهم كعرب سوريين عن بقية المسلمين، ولا شك إن مثل هذا الشعور كان يمكن أن يشكل دافعاً مهماً لتجاوز التقسيم المفروض، ولكن هذا لم يتحقق، وسنرى أنه حين مال السوريون إلى “سوريتهم”، في غضون ثورة 2011، وجدوها بعيدة وعسيرة كما كانت طموحاتهم العروبية والإسلامية من قبل.
الزمن وموازين القوى، قبل ثورة 2011، أديا إلى خلق بنية قطرية سورية، فيها عوامل سياسية واقتصادية، وحتى اجتماعية أو شعبية، تصد عن تجاوز القطرية أو التقسيم أكثر مما تدفع لتجاوزها. وقد أثبت الواقع ذلك مبكراً، في مجريات فشل الوحدة مع مصر 1958. رغم ذلك لم يكن متاحاً لسوريا أن تتعرف على نفسها كما هي. كانت سوريا موزعة دائماً بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وكان دائماً ما هو كائن واقعاً مؤلماً للسوريين، ليس فقط بمعنى داخلي، أقصد سيادة الاستبداد، بل وبمعنى آخر هو العجز عن تحقيق “الأماني” القومية أو الإسلامية. بين كائن مؤلم وتطلعات بعيدة المنال لا تتحقق، عاشت سوريا قلقاً دائماً جعلها غريبة عن ذاتها، تلك الغربة التي تساهم في إعاقة إنتاج هوية مميزة.
سوريا هي “قلب العروبة النابض” لأنها لا تتطابق مع ذاتها، ولأنها مستعدة لأن ترمي نفسها في حضن مصر الناصرية، وجاهزة لأن تدفع “خرجيات” تلامذتها الصغار لدعم حرب تحرير الجزائر، ولأن تكون فلسطينية إلى جانب الفلسطينيين. هي قلب العروبة النابض لأن قلبها لم يكن سورياً بل عربياً، أو لأنها عربية أكثر مما هي سورية، لأنها ترى هويتها في أفق عربي مأمول، ترى هويتها خارجها.
لكن هذا القلب القومي النابض، هو في الوقت نفسه جزء من انتماء آخر غير قومي ولا يعترف بالقومية، جزء من انتماء إسلامي حرصت كل دساتير الدولة السورية، بما في ذلك أكثرها ديمقراطية كدستور العام 1950، على تأكيده وإعلائه فوق كل انتماء آخر.
إذا كان يمكن اعتبار النزوع والتطلع جزءاً من الهوية فلا شك أن النزوع القومي يشكل أحد مكونات الهوية السورية، المفارقة هنا هي أن يكون الميل إلى تجاوز الذات جزءاً من هوية الذات، على هذا يبدو كأن هذه الهوية السورية هي في الواقع هوية مضادة. الشيء نفسه ينطبق على التطلع الإسلامي الذي لم يتمكن من الاندماج في الوطنية السورية، ويبقى طاقة تحطيم كامنة لكل الأطر الوطنية.
نزوع التجاوز المخفق دائماً، عدم الركون إلى ما هو كائن والبقاء على قلق، المؤقتية الدائمة، التطلع إلى هوية متجاوزة للذات، البحث عن هوية خارج الذات، تلك هي ملامح من الهوية السورية قبل ثورة 2011.ولكن ينبغي أن نضيف هنا أن هذه الهوية تنتمي إلى مجال الوعي السوري العام الذي كانت أنظمة الحكم الاستبدادية المتلاحقة تأخذه في الحسبان وتستثمر فيه لا لكي تسعى لتحقيق أمانيه بل لكي تعزز هويتها الاستبدادية التي وصلت مع نظام الأسد إلى حدود الأبدية. في هذا تعزيز للتباين بين الوعي السوري العام والواقع السوري، وفيه لهذا إعاقة لنشوء هوية وطنية محددة.
هل كان يمكن لثورة 2011 أن تشكل بداية هندسة هوية سورية خاصة؟
شاع في سوريا، في سنوات ما قبل “الثورة المغدورة”، تعبير سياسي لمّاح يقول: إن المجتمع السوري ليس متماسكاً بل ممسوكاً، أي إن عدم تفجر المجتمع السوري يعود إلى الاستبداد، إلى وجود قوة قاهرة تفرض على المجتمع الانصياع لسلطة مركزية تستمد شرعيتها من قوتها وليس من آلية محددة تنتج الشرعية السياسية في المجتمع السوري، ذلك أن مثل هذه الآلية لا وجود لها في سوريا.
إذا صح هذا القول، وهو برأينا صحيح إلى درجة لا بأس بها، فإنه يعطي الأساس لاستنتاجين ثقيلين على النفس: الأول هو أن شرط إنتاج الهوية، أقصد قدراً من التماسك المجتمعي، غير متوفر في المجتمع السوري الذي كان يضمحل حضوره تحت ثقل السلطة السياسية الكتيمة، ولا يظهر إلا على مقاسها. والثاني هو أن تحرير المجتمع السوري من الاستبداد (إسقاط النظام) ينطوي على المغامرة بتفكك هذا المجتمع الذي عبر عن ضعف تماسكه أكثر فأكثر مع استمرار الصراع، أو يمكن القول إن أحد أهم أسباب استمرار الصراع على هذا النحو المأساوي هو عدم تماسك المجتمع السوري.
ألا يبدو أن ميل السوريين إلى الابتعاد عن “سوريتهم” يعادل أو يفوق ميلهم للحفاظ عليها؟ بكلام آخر، هل يتفوق التعريف السوري الوطني على التعريف القومي الكردي أو العربي أو على التعريف الديني الإسلامي أو حتى على التعريفات الطائفية؟ هذه البيئة الاجتماعية السياسية التي تنطوي على نزوع مستمر للتجاوز أو للنكوص هي بيئة غير منتجة لهوية محددة لها مقدار من التبلور.
كان من نتائج تحطم ثورة 2011 أن حرر هويات عديدة من سوريا أكثر مما أعلى من شأن الهوية الوطنية السورية. لم تشكل الوطنية السورية انتماء جامعاً قادراً على الصمود في وجه الانتماءات الهوياتية الأخرى. برزت الهوية القومية الكوردية وكان ثقلها الأكبر باتجاه غير متضافر، ومتعارض في أحيان كثيرة، مع قوة الثورة “الوطنية السورية” ضد الاستبداد. المطلب القومي الكوردي تغلب على المطلب الوطني السوري في قلب الثورة. كما برزت الهوية الإسلامية السنية العالمية التي تقاتل ضد نظام مستبد محدد ولا تقاتل ضد الاستبداد لأنه جزء أصيل من منظومتها السياسية، فضلاً عن أنها لا تعترف بالوطن السوري أصلاً. وبرزت الهويات الطائفية والمذهبية الأخرى التي وجدت في النظام السوري قوة حماية في وجه انزياح جهادي سني، الأمر الذي جعلها تغمض العين عن وحشية هذا النظام ضد أبناء “الوطن” الواحد، وعن استبداده ضدها بالذات.
الذي حدث هو أن الدفاع الوحشي لنظام الأسد عن وجوده عرّض تماسك المجتمع السوري، الضعيف أصلاً، لقوى شد عنيفة أدت إلى تفككه، فكان أن انبثقت هويات مختلفة ومتعارضة بين بعضها البعض، ما أدى إلى تراجع الوطنية السورية في المحصلة وليس العكس، ذلك أن تلك الهويات تفيض أو تقل عن سورية المعروفة. الوطنية السورية التي حاولت الثورة، في بدايتها، أن تُعليها، تضعضعت في غضون صراع الهويات الأخرى. التنوع السوري الذي يمكن أن يشكل جانباً من الهوية السورية، يشكل اليوم أحد مصادر استمرار المأساة السورية. تسييس التنوع السوري القومي والمذهبي تسبب في ضعف التماسك الوطني، ثم شكل تالياً محطات استقبال “متنوعة” لقوى وتأثيرات خارجية ثانياً.
كان بروز الهويات المختلفة (قومية ودينية ومذهبية) في سوريا مع تحطم ثورة 2011، على حساب خفوت هويتين اثنتين فيها هما الهوية القومية العربية، والهوية الوطنية السورية التي كان يمكن تعزيزها بفعل الثورة، الشيء الذي لم يحدث، والتي هي المظلة الوحيدة التي يمكن التعويل عليها في استيعاب الهويات الأخرى حين تكف هذه عن السعي إلى كسر محيطها الوطني.
بواسطة Amarji | مارس 23, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
من نصٍّ طويلٍ بعنوان (فيلُولوجيا الأزهار)
لماذا لا نؤقِّتُ أعمالَنا على السَّاعةِ البسيطةِ في زهرةِ السَّاعة؟
ماذا تتعبَّدُ في اللَّيلِ زهرةُ عبَّاد الشَّمس؟
ألَمْ يَفِضْ حليبُ المجرَّةِ مِن زهرةِ أفيون؟
لأجلِ أيِّ قدَّاسٍ مسائيٍّ ترنُّ زنابق الوادي؟
أليست النَّيلوفراتُ هي المآوي البيضاء التي تهبطُ فيها جفونُ اللَّيل؟
هل قشَّرَ أحدٌ السَّماءَ والقشرُ المنفوضُ على الأرض هو أزهارُ الونكة؟
أليست أزهارُ البنفسج وثائق شعريَّة؟
أثمَّة في الأرض موقدٌ أبسطُ من زهرةِ خشخاش؟
كم غسقاً حُوصِرَ في زهرةِ زعفران؟
أليست في آنٍ واحدٍ قنديلاً ودَلْواً زهرةُ التَّوليب؟
هل انتبهَ أحدٌ إلى الزَّورقِ في كلمةِ خُزامى؟
كيف لا نرى أنَّ هناك وحدةً بين تثاؤب طفلٍ وتَفَتُّحِ زُهيرة آستر؟
من أين تفقسُ النُّجومُ إن لم يكن من زهرة فاوانية مُنتفخة؟
كم ضعفاً تُكبِّرُ أزهارُ الختميَّةِ الصَّيفَ؟
كيف تحوَّلَتْ أزهارُ البهشيَّةِ من حبَّاتِ زَبَدٍ إلى قطراتِ دم؟
أتريدُ أن تغترفَ من الأبديَّةِ، زهرةُ القبَّار، بكلِّ هذه الأذرع الممدودة؟
أرأيتُم كيف يعانقُ الجرحُ أجنحتَه في زهرةِ بخور مريم؟
إذا أمسكتُ أقحوانةً بيضاءَ بيميني وأقحوانةً صفراء بشِمالي، هل سأدورُ كَكَوكب؟
أيتهادى العاشقان في أزهار الدَّهليَّةِ نجومَ الشَّيطان؟
أيُّ مفاتيحَ أفضَلُ لأقفالِ الشِّتاء من أزهارِ السُّورنجان؟
ماذا تريدُ أن تمحوَ أزهارُ الصَّاصَلِ البيضاءُ في حديقةِ المقبرةِ المظلمة؟
أهناك حقَّاً وحدةُ دمٍ بين القرنفل الأحمر وشِفاه العاشقين؟
كيف استطاعت الوستارية هكذا، أن تصنعَ مِن نفسِها كاتدرائيَّةَ نفسِها؟
أيُّ نهارٍ في خاصرةٍ في قبَّةٍ في سحابةٍ محضونٌ بلا حدٍّ في الأرطاسيا؟
* * *
إلى أطفالِ سوريا
ثمَّةَ، بينما تموتون، طائرُ حُمَيراء
يضعُ مُنتشياً، في جوفِ حورةٍ سوداء،
بيضتَه الزَّرقاء الأولى.
بينما تموتون، يَدخلُ قلبي معكم
في الغيمةِ الأخيرةِ لِعالَمٍ بدأ مُنتهياً،- أدخلُ معكم
في الخشخاشِ الأبيضِ، في البحر المتباطئ.
بينما تموتون، الله والقاتلُ،
على شرفةٍ واحدةٍ، يشربان النِّسكافيه ويضحكان.
فقط؛ يشربان النِّسكافيه ويضحكان.
* * *
في هذه البلاد
في هذه البلاد، اللَّيلُ
لا يهبطُ على نهارٍ،
النَّهارُ لا يطلعُ مِن ليلٍ،
اللَّيلُ لا يُولَجُ في النَّهارِ،
النَّهارُ لا يُولَجُ في اللَّيلِ،
في هذه البلاد، اللَّيلُ
يهبطُ على ليلٍ آخر،
اللَّيلُ الآخرُ يطلعُ مِن ليلٍ قبلَه،
اللَّيلُ يُولَجُ في ليلٍ
داخلَ ليلٍ
داخلَ ليلٍ
داخلَ ليل.
* * *
نصوصٌ متفرِّقة
ما اسمُ اليَنبوعِ
قبلَ أن يُباشِرَ انبجاسَه؟
طائرُ الصُّفَيرِ الذَّهبيِّ، ما اسمُهُ
وهو بَعْدُ فرخٌ أخضر؟
ماذا كان يُسَمَّى اللونُ البنفسجيُّ
قبلَ أوَّلِ زهرةِ بنفسَج؟
ومِن دون الخريفِ ما اسمُها
شجرةُ القيقبِ الأحمر؟
*
هل الزَّنابقُ السَّوداءُ في الشَّمس
دُفعاتٌ صغيرةٌ من الليل؟
وهل أزهارُ الجِربارةِ الصَّفراءُ في الليل
لمساتٌ مُخَفَّفَةٌ من الشَّمس؟
*
مَن يئنُّ في الوادي؟
شجرةُ الحورِ التي تنهشُها الرِّياح
أمِ الرِّياحُ التي عَلِقَتْ
شجرةُ حَورٍ بأسنانها البيضاء؟
*
لا أعلمُ أبندقيَّتان أم كستنائيَّتان
عيناكِ: أعلمُ
أنَّ قلبي أمامَهما يقفزُ كَسِنجاب.
*
تتدحرجُ مع الليلِ وتعذِّبُني
فكرةُ الضَّوءِ
في المصابيحِ المُطْفَأة.
*
هل تنظرُ السَّماءُ في الليل
إلى بآبئ عيونِ القِطَط
كما ننظرُ نحنُ إلى النُّجوم؟
*
لا أتخلَّصُ أبداً
مِن حُزنِ بكرةِ التَّحبير المعطَّلة
في آلةٍ كاتبةٍ قديمةٍ ومُهمَلَة.
*
لكي أصنعَ ليلي
أرمي قلبي كلَّ غروبٍ في الزَّبَدِ الأحمر
وأنتظرُ فَحْمَتَهُ
أنْ تأتي إليَّ
بالغابةِ الخرِبَةِ المدلهمَّة.
*
لا أفعلُ في الرَّبيع
سوى أنَّني أَخرُجُ
لأساعدَ الاحتقانَ الورديَّ
في كلِّ الأكمامِ الزَّهريَّةِ
على التَّشقُّق.
*
اللَّيلُ كاتدرائيَّتي الكبيرة
حيثُ كلُّ الآلهةِ
تدخلُ بِظِلالٍ مُرتعشةٍ لِتَعبُدَني
وأنا البسيطُ
أتثاءبُ مُشيحاً بوجهي عنها
نحوَ نجمةٍ مُحتارةٍ
بين ثوبٍ بنفسجيٍّ وآخرَ أحمر.
*
لماذا أيَّتُها اللغةُ
كلُّ بابٍ أحرِّرُكِ منهُ
تحبِسينني خلفَه؟
بواسطة Fawwaz Haddad | مارس 22, 2018 | Roundtables, غير مصنف
أُتيح للنظام العسكري الدكتاتوري نحو نصف قرن ليحقق وعوده وطموحاته، حصل خلالها على فرصته كاملة لقيادة البلد نحو الحرية والاشتراكية والوحدة، ولقد فشل. النجاح الذي أحرزه، كان في تحويل سورية إلى بلد مدمر، وزراعة الموت، فلا بقعة تخلو من المقابر. هذا حال سورية التي جلا عنها الفرنسيون في عام ١٩٤٦، ترضخ اليوم في عام ٢٠١٨ تحت عدة احتلالات: إيرانية، روسية، أمريكية، تركية، وأذنابهم، إضافة إلى المليشيات المذهبية والفصائل الإسلامية المعتدلة والمتطرفة.
أما الشعب، فملجوم عن الفعل، وعن التفكير بالمصير، مجرد البقاء على قيد الحياة، بعد سبع سنوات من الجحيم، لا يريد سوى الخلاص من الحرب، منهكاً يعاني من القتل والنهب والقصف والغلاء واللصوص والمحتالين… وإذا كان لهذا الشعب بلوغ أقصى أحلامه، فالعيش بكرامة، وليس تحت ظل الأجهزة الأمنية، والشبيحة النتاج الفريد الحامل لملامح النظام الأكثر ابتذالاً.
سواء اتفقنا أو لم نتفق، يقاتل النظام من أجل بقائه، وفي حال انتصاره، سوف يفرض هوية سورية، تتلخص بكلمة واحدة “منحبك” وسوف يقود الرجل المحبوب السوريين إلى حرب أخرى، إن لم تستمر الحرب الحالية إلى ما لانهاية، ما دام لديه عشاق أوفياء وعميان توافقوا على نهب البلد والتعيش على مآسيها.
هذه المقدمة لا بد منها. فالخلاف الجوهري ليس على الهوية، وإنما هي ذرائع وحجج ومزاعم الأطراف المتقاتلة للاستيلاء على السلطة، وبناء سلطات موازية على مناطق متفرقة من الأرض السورية. إذا أردنا تعيين من نحن، فلن نعود الى ما قبل الصفر لنبحث عن هوية. فإذا لم نكن عرباً، فماذا نكون؟ ولماذا عليَّ أن أعيد النظر بعروبتي؟
فإذا كنت أتكلم اللغة العربية، والتاريخ والماضي، وتراثي ورموزي ومشاعري مشتبكة بالعروبة، هذا عدا العادات الاجتماعية وما تعنيه بالنسبة إلينا المساجد والكنائس والشعائر المقدسة وغير المقدسة، إضافة الى المطبخ والطبيخ… كلها تدور في نطاق دمشقيتي السورية المنتمية إلى فلك العروبة، فلماذا أبحث عن هوية أخرى؟ ولماذا أختلق ما يربطني مع شعبي، مادامت هذه العناصر تجمعني معه؟
العروبة، لا تجعلني أتنازل عن ديني، ولا تضطر غيري إلى التنازل عن أديانهم ولا مذاهبهم، ولا تلزم الكردي بالتنازل عن قوميته ولا حقوقه. جميع هذه الانتماءات سواء كانت شخصية أو غير شخصية بالوسع الاعتقاد بها وممارستها. المطلوب ديمقراطية تحفظ حقوق الجميع كاملة، وعلمانية تحمي هذه الانتماءات تحت السماء السورية. هل نبتدع فيدراليات وإمارات ومحميات ومناطق آمنة وغير آمنة وسورية مفيدة وغير مفيدة لكي نخوض في خلافات لا أول لها ولا آخر، مشكلتنا هي النظام الذي استعبد الشعب وأهانه تحت شعارات جائرة، كرسها لاستباحة حياة الناس وحرياتها.
إذا أردنا البدء مما قبل الصفر، فلنتخيل بلداناً أخرى وهويات ثانوية وفرعية تطمس هوية لم تتمزق إلا بسبب صراعات لا تتعلق بالهوية بقدر ما تتعلق بالسلطة والانحيازات الطائفية ضيقة الأفق
التأسيس على الهويات الفرعية أو القبول بها خطأ قاتل، إنها فرعية ويستحسن إبقاؤها فرعية، إنها تخصني كما تخص أفرادا وجماعات، لا تجمع بقدر ما تشرذم. إن العروبة الجامع الأكبر للشعب السوري لا يمكن إنكار الصلة القوية لكل قومية في سورية بالعروبة، ألم تشارك القومية الكردية في صناعة التاريخ السوري والعربي؟ لا معنى لافتعال عداوة مع الأكراد، إن كانت حقوقهم محفوظة بالكامل ضمن سورية عربية. وإذا كان لديهم أحقاد مشروعة فضد الأنظمة. وإذا كان لكل جماعة الحق بالاستقلال عن سورية الوطن الأم، فإرضاء الأكراد، يشجع على مطالبة العلويين بدولة، والدروز بدولة، وعلى هذا المنوال تتقاسم سورية؛ كانتونات للكاثوليك والأرثوذكس والسريان والتركمان والشركس، وإمارات إسلامية بالعشرات.
لسنا على خلاف جوهري، إنما هو التطرف العربي والكردي والعلوي والدرزي والسني، إذا كانت هناك إرادة للعيش المشترك، فالعائق الآن هذا النظام المسلط فوق رؤوسنا، بوجوده، لا هوية ولا حرية ولا سلام ولا أمن.
بواسطة Ibrahim Hamidi | مارس 22, 2018 | News, غير مصنف
حض وزير الخارجية الياباني تارو كونو في حديث إلى «الشرق الأوسط» جميع الأطراف إلى «التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس، وإلى وقف فوري وغير مشروط للنار»، مشدداً على وجوب أن «تحترم جميع الأطراف سيادة ووحدة أراضيه، وأن تدعم العمليات السياسية في جنيف، وتبذل جهوداً لإيجاد حل شامل» لتحقيق السلام والاستقرار.
وقال كونو، إن الأزمة السورية «لن تُحل بوسيلة عسكرية، بل يجب علينا أن نسعى إلى حل سياسي… ولا بد من وقف الإجراءات العسكرية»، لافتاً إلى أن «إعادة إعمار سوريا بشكل فعلي تحتاج إلى تقدم عملية جنيف والمصالحة الوطنية والاستقرار الأمني في كل أنحاء سوريا».
وأكد وزير الخارجية الياباني، أهمية «التعاون الأميركي – الروسي من أجل تحقيق وقف النار في سوريا وتحقيق تقدم في العملية السياسية» في سوريا.
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» خطياً عبر البريد الإلكتروني:
– كيف ترى التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جرت في السعودية السنة الماضية؟ وما رؤيتك لمستقبل العلاقات مع السعودية؟
– زرت السعودية في سبتمبر (أيلول) الماضي بعد تولي منصب وزير الخارجية في أغسطس (آب) الماضي. وخلال الزيارة، أتيحت لي فرصة لقاء خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان، لتكون زيارة مثمرة جداً.
وفي الحقيقة، قمت قبل تولي منصب وزير الخارجية بزيارات عدة إلى الشرق الأوسط بصفتي نائباً برلمانياً ولي أصدقاء كثيرون، حيث حاولت تعزيز علاقات اليابان بالشرق الأوسط. وبالنسبة إلى السعودية، لم أزر العاصمة الرياض مراراً فحسب، بل زرت مدينة جدة مرات عدة أيضاً؛ مما جعل السعودية بلداً مألوفاً بالنسبة لي.
وأشير إلى أن الشرق الأوسط منطقة تقع في مركز التطورات العالمية السياسية والاقتصادية، وإن السعودية مفتاح استقرار الشرق الأوسط وازدهاره. وبصفتي وزير الخارجية هذه المرة، سأستمر في بذل قصارى جهودي لتطوير العلاقات اليابانية – السعودية. والسعودية شريك مهم جداً تتعاون معه اليابان في مختلف المجالات، منها التجارة والاستثمار والسياحة، والتعليم، والبنى التحتية، والتكنولوجيا، والتبادل الثقافي.
– وما دور اليابان في «رؤية 2030»؟
– يتابع العالم باهتمام شديد مبادرة السعودية الهادفة إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية من خلال «رؤية السعودية 2030» بقيادة الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد، التي تؤيد اليابان اتجاهاتها وستساهم في تحقيقها. وعلى أرض الواقع، أكدت اليابان والسعودية على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية» فأعدتا «الرؤية اليابانية – السعودية 2030» بوصلةً توجهِ التعاون الثنائي نحو أفق جديد، وتسعى إلى إحداث تآزر بين اتجاهات البلدين الإصلاحية الرامية إلى الخروج من الاعتماد على النفط وتوفير الوظائف وغيرها و«الاستراتيجية التنموية» اليابانية؛ ما سيمكننا من القيام بالإصلاح والتنمية معاً.
انهيار «داعش» والحل السياسي
– بعد انهيار «داعش» في العراق وسوريا، هل تعتقد أن حكومتي هاتين البلدين تتخذان إجراءات كافية لمنع إعادة ظهور قوى متطرفة مثل «الدواعش»؟
– في الجانب العسكري، تكاد مواجهة «داعش» في سوريا والعراق تصل إلى المرحلة النهائية. ومن الضروري أن نمنع إعادة انتشار التطرف العنيف من خلال معالجة آثاره وبناء مجتمعات متسامحة تحترم التعددية. وأعلنتُ في مؤتمر الحوار العربي – الياباني السياسي الذي عقد في القاهرة سبتمبر الماضي، عن «مبادئ كونو الأربعة»، وهي المساهمة الفكرية والإنسانية أولاً، والاستثمار في الكوادر البشرية ثانياً، واستمرارية الأعمال ثالثاً، وتعزيز الجهود السياسية رابعاً. وتعتبر هذه المبادئ اتجاهاً أساسياً لسياسات اليابان تجاه الشرق الأوسط، وستقوم اليابان من خلاله باتخاذ إجراءات تدعم التعايش في مجتمعات الشرق الأوسط من أجل إحلال الاستقرار في المنطقة.
– ما الوسيلة المناسبة لمواجهة الإرهاب على المدى الطويل؟
– هناك بعض الإجراءات التي قد تمنع إعادة انتشار التطرف. ومنها تعاون اليابان في خلق نظام استعادة السلاح الذي ستعمل عليه حكومة العراق، من خلال التدريب المهني، وتسهيل البحث عن الوظائف. وستقدم اليابان كذلك برنامجاً لدعوة رجال دين وموظفي حكومات، ممن يعملون على مواجهة التطرف العنيف، إلى اليابان حيث سيتعلمون موضعات، منها كيفية تمكن اليابان من إعادة الإعمار بعد دمار الحرب العالمية الثانية. ونحن نود استخدام تجارب اليابان وخبراتها من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط.
– وسوريا؟
– سوريا وضعها أصعب. فرغم تراجع قوة «داعش»، لم تنته الأزمة السورية بعد. ومن الضروري أن نشجع تقدم العمليات السياسية والمصالحة الوطنية؛ ما سيؤدي أيضاً إلى بناء مجتمع لا يولّد التطرف. إن اليابان تعرب عن قلقها إزاء كل التأثيرات السلبية التي خلفتها الأزمة السورية، وتدعو الأطراف كافة إلى التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس، وإلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وإلى السماح بالوصول الإنساني الآمن والمستمر من دون عوائق لكل المحتاجين إلى المساعدات. والهدف من ذلك إنساني يهدف إلى منع وقوع المزيد من الضحايا والجرحى من المدنيين الأبرياء.
«سوتشي» ومفاوضات جنيف
– كان هناك مساران للحل السياسي: «مؤتمر الحوار الوطني السوري» الذي عقدته روسيا في سوتشي وعملية جنيف. وفي اعتقادكم، ما الشروط المناسبة لحل سياسي للأزمة السورية؟
– صحيح أن القوى الرئيسية للمعارضة لم تشارك في مؤتمر سوتشي، لكني أعتقد أن هناك نقاطاً عدة تستحق التقدير، منها مشاركة قوى سورية لم تشارك في المفاوضات في الفترات الأخيرة. وفي ذلك المؤتمر، تم الاتفاق على إقامة لجنة دستورية. وأتمنى أن تؤدي هذه الأمور إلى تقدم العمليات السياسية.
وفي الوقت نفسه، يجب عليها أن تتقدم من خلال عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة؛ لذلك نحن نترقب كيف سيتم وضع نتائج المؤتمر في إطار عملية جنيف؛ ما قد يؤدي إلى تشكيل لجنة دستورية. وإن اليابان مصممة على الاستمرار في تأييد ودعم جهود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.
علاوة على ذلك، تأمل اليابان بشدة أن تحترم الأطراف كافة أمان الشعب السوري، وسيادة ووحدة أراضيه، وأن تدعم العمليات السياسية في جنيف وتبذل جهوداً لإيجاد حل شامل من أجل إحلال السلام والاستقرار في سوريا برمتها بناء على قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
– وما دور اليابان؟
– قررت اليابان مؤخراً تقديم مساعدات جديدة إلى سوريا والعراق والدول المجاورة بقيمة 220 مليون دولار أميركي؛ إذ وصلت قيمة المساعدات اليابانية المقدمة إلى تلك البلدان منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 إلى 2.2 مليار دولار العام 2018. واليابان عازمة على تقديم مساعدة مناسبة، متمنية أن تبذل الأطراف كافة في سوريا قصارى جهدها من أجل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا.
– لكن التصعيد قائم في سوريا. حصلت مواجهة بين إيران وإسرائيل، وهجوم أميركا على جزء من القوات الروسية وعملية تركية في عفرين… ما الإجراءات الضرورية لاستعادة عملية السلام وتشكيل اتفاق سياسي من أجل السوريين؟
– تعرب اليابان عن قلقها إزاء أوضاع سوريا الحالية المتوترة عسكرياً، كما تعرب عن قلق عميق إزاء ما يجري في الغوطة الشرقية لدمشق التي تتعرض للضربات الجوية والقصف؛ ما يؤدي إلى سقوط كثير من الضحايا والجرحى المدنيين. إننا لا نرى أي مؤشر لهدوء الأوضاع رغم اتخاذ مجلس الأمن الدولي القرار 2401. ويشهد الشمال السوري في إدلب وعفرين تصعيداً عسكرياً، حيث ينتشر الجيش التركي مع الفصائل المعارضة ويقوم بشن عمليات عسكرية، وازدادت مؤخراً حدة ذلك التصعيد في عفرين. وفي الوقت عينه، يشهد جنوب سوريا تصعيد التوتر بين الجانب الإسرائيلي والجانب السوري الإيراني، حيث تم إسقاط المقاتلة الإسرائيلية.
– كيف يمكن استعادة مبادرة البحث عن حل سياسي؟
– كما ذكرت قبل وقت مضى، فإن الأزمة السورية ليست مشكلة يمكن أن تحل بوسيلة عسكرية، بل يجب علينا أن نسعى إلى حل سياسي. ومن المهم أن تلعب الدول المعنية كافة دوراً بنّاءً، ونتمنى أن تؤدي جهود هذه الدول إلى وقف أعمال العنف في سوريا وتحسين الوضع الإنساني الفظيع. ودعت اليابان وما زالت تدعو جميع الأطراف إلى وقف الإجراءات العسكرية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى بذل جهود من أجل تقدم العمليات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. وستستمر اليابان في التعاون مع المجتمع الدولي من أجل وقف جميع أعمال العنف في سوريا.
إعادة الأعمار
– اليابان مرت بتجربة إعادة الأعمار بعد الحرب. هل من دروس إلى السوريين؟ أفضل طريق لإعادة إعمار سوريا؟
– استمرت اليابان في تقديم أكبر ما تستطيع تقديمه من المساعدات من أجل تحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا، وهي قلقة قلقاً عميقاً من تدهور الوضع الإنساني الناتج من الأزمة السورية. واليابان مصممة، كما ذكرت سابقاً، على تقديم المساعدات الإنسانية لكل السوريين المحتاجين إليها.
في الوقت نفسه، فإن إعادة إعمار سوريا في شكل فعلي تحتاج إلى تقدم عملية جنيف، والمصالحة الوطنية، والاستقرار الأمني في كل أنحاء سوريا. وستشجع اليابان الحوار بين السوريين أنفسهم.
– ودور اليابان؟
– لليابان خبرات في إعادة الإعمار؛ إذ بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ورغم أن البنى التحتية كانت مدمرة تماماً، حققت إعادة إعمار نفسها بشكل سريع لتصبح ثالث أكبر القوى الاقتصادية العالمية حالياً. وساهمت اليابان في إعادة إعمار العراق وأفغانستان. وفي حال توجه سوريا إلى مرحلة إعادة الإعمار الفعلي، ستكون اليابان مستعدة لمساعدتها مستغلة المعارف والخبرات والدروس التي اكتسبتها في الماضي.
– ماذا عن دور موسكو وواشنطن. لليابان علاقات خاصة مع أميركا، كيف تتعامل مع دور روسيا المتصاعد في الشرق الأوسط؟
– نرى أن روسيا تلعب دوراً مهماً تجاه حل الأزمة السورية. وأشير إلى أن إقامة مناطق خفض التصعيد التي ساهمت في تقليص أعمال العنف حصلت بفضل ما تم الاتفاق عليه في عملية آستانة التي تقودها روسيا وتركيا وإيران، إضافة إلى أن روسيا استضافت مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي. وستستمر اليابان في العمل على تنشيط الجانب الإيجابي لدور روسيا.
وفي السياق نفسه، أؤكد أن دور الولايات المتحدة أيضاً لايستغنى عنه. وباعتقادنا لا بد من التعاون الأميركي – الروسي من أجل تحقيق وقف اطلاق النار في سوريا، وتحقيق تقدم في العملية السياسية. وخلال زيارتي روسيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قمت بإبلاغ وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي لافروف بتطلعاتنا إلى حسن التعاون بين أميركا وروسيا من أجل تقدم عملية جنيف.
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»