“رموز الدولة” السورية تُفجر “الدستورية”

“رموز الدولة” السورية تُفجر “الدستورية”

كشفت الأوراق والمداخلات التي قُدّمت في الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وحصلت «الشرق الأوسط» على نصّها، أن الورقة التي قدّمها الوفد «المسمى من الحكومة» برئاسة أحمد الكزبري عن «رموز الدولة» فجّرت خلافاً مع وفد «هيئة التفاوض» المعارضة، برئاسة هادي البحرة، وشخصيات تمثل المجتمع المدني، المحسوب أيضاً على المعارضة.
وتنتهي اليوم (الجمعة) الجولة السابعة من «الدستورية»، بتقديم المشاركين مقترحات وتعليقات خطية إلى مكتب المبعوث الأممي غير بيدرسن الذي يسهل المناقشات بين الكزبري والبحرة لإجراء إصلاحات دستورية بموجب القرار 2254.
وتطلب الاتفاق تقديم مقترحات خطية في اليوم الأخير من أعمال الجولة، وهي جولة مكوكية من بيدرسن إلى دمشق وموسكو وعواصم أخرى، لأن الوفد «المسمى من الحكومة» رفض ذلك في جولات سابقة.
وبموجب اتفاقات سابقة رعاها بيدرسن، كان على كل وفد أن يقدم ورقة خطية عن مبدأ دستوري إلى رئاسة الجلسة، لتتم مناقشته بين المشاركين من وفود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني. وباعتبار أن الجولة السابقة تضمنت بدء وفد الحكومة تقديم مقترحه الأول، فإن الجولة السابعة بدأت بمقترح «الهيئة» المعارضة عن «أساسيات الحكم».

أساسيات الحكم

نصّ الاقتراح، الذي قدّمه البحرة، على أن «نظام الحكم في الدولة جمهوري يقوم على سيادة القانون، واحترام الكرامة الإنسانية وإرادة الشعب، والالتزام الكامل ببناء مجتمع حر وعادل ومتضامن، وأن السيادة للشعب يمارسها عبر وسائل الاقتراع المقررة في الدستور، بما يسمح له بالتعبير الحر والديمقراطي عن إرادته في اختيار من يمارس السلطة نيابة عنه، على المستويين الوطني والمحلي، في إطار التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة». واعتبرت الورقة الأحزاب السياسية «تعبيراً عن التعددية السياسية. ويتم إنشاء الأحزاب وتمارس نشاطها بحرية في إطار القوانين الناظمة لعملها بما لا يتعارض مع أحكام الدستور».
وبعد قراءة المقترح، تركزت مداخلات وفد الحكومة على توضيح المصطلحات و«التركيز على الحرية كمبدأ». كما اعتبر أحدهم أن «النص يوحي باحتكار الأحزاب للعمل السياسي وعدم إيجاد مساحة للأفراد والمستقلين» و«عدم إطلاق الحرية بدون ضوابط قانونية لممارستها».

هوية الدولة

ترأس الكزبري جلستي اليوم الثاني (الثلاثاء)؛ حيث قدم ممثلو المجتمع المدني القادمون من دمشق مقترحاً حول «هوية الدولة»، جاء فيه التمسك باسم «الجمهورية العربية السورية» وأن «العروبة هوية ثقافة حضارية يحكمها الانتماء التاريخي والجغرافي والمصالح والآلام المشتركة للشعب العربي، وأن الجمهورية العربية السورية جزء من الوطن العربي، والشعب السوري جزء من الأمة العربية» وأن العروبة «وعاء حضاري جامع وحاضن لجميع الثقافات بتنوعها وغناها، تتفاعل في إطارها مكونة حضارة هذا الوطن التي أسهمت في إغناء الحضارة الإنسانية، وسوريا دولة ديمقراطية، ويكفل القانون التعددية السياسية والحزبية التي تقود الحياة السياسية» وأن «اللغة الرسمية هي العربية».
خلال المناقشات، حذّر بعض المشاركين من ضرورة «ألا تطغى العروبة على هويات من هم ليسوا عرباً، وأن الاعتراف بدور للعروبة في النص لا يجب أن يكون على حساب هويات وثقافات ولغات مكونات أخرى». وقال أحد المشاركين: «نقاط الخلاف الأساسية بالنقاش هي بين العروبة كهوية مكون ثقافي محدد، مقابل المكونات الأخرى، أو الهوية كمشروع حضاري جامع».

رموز الدولة

في اليوم الثالث، قدّم وفد الحكومة برئاسة الكزبري، في جلسة برئاسة البحرة، مقترحه حول «رموز الدولة»، ونص: «تمثل رموز الجمهورية العربية السورية قيماً وطنية عليا وحضارية راسخة، وتعبر عن تاريخها وتراثها ووحدتها، وهي كل غير قابل للتعديل…
1 – علم الجمهورية العربية السورية الذي يتألف من 3 ألوان؛ الأحمر والأبيض والأسود، وفيه نجمتان، كل منهما ذات 5 شعب لونها أخضر، ويكون العلم مستطيل الشكل، عرضه ثلثا طوله، يتكون من 3 مستطيلات متساوية الأبعاد بطول العلم، أعلاها باللون الأحمر، وأوسطها باللون الأبيض، وأدناها باللون الأسود، وتتوسط النجمتان المستطيل الأبيض.
2 – «حماة الديار عليكم سلام» هو النشيد الوطني للجمهورية العربية السورية.
3 – اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية العربية السورية.
4 – الليرة السورية هي عملة الجمهورية العربية السورية ووحدة قياس نقدها.
5 – شعار الجمهورية العربية السورية هو ترس عربي نقش عليه العلم الوطني للجمهورية العربية السورية بألوانه، ويحتضن الترس عقاب يمسك بمخالبه شريطاً كتب عليه بالخط الكوفي «الجمهورية العربية السورية» وفي أسفل الترس سنبلتا قمح، ويكون العقاب والشريط وسنبلتا القمح باللون الذهبي، وتكون الكتابة وخطوط الأجنحة باللون الفاتح البني.
في المناقشات، أثير جدل موسع حول عبارة «غير قابل للتعديل» في بداية الورقة الرسمية. كما جرى نقاش «أي مواد في الدستور محصنة أم لا». وقال معارضون إن «هذه الرموز اليوم موضع خلاف، وإن إدراجها في الدستور سيكون مرفوضاً أيضاً من أجزاء كبيرة من الشعب». وقدمت مقترحات معاكسة حول معاني وتسلسل الأعلام والرموز السورية، مع اقتراح «تأجيل إدراج الرموز إلى القوانين بعد إقرار الدستور واختيار أول برلمان سوري منتخب بشكل شفاف وعادل».
واستمرت النقاشات مساء اليوم الثالث (الأربعاء)، حول «رموز الدولة»؛ حيث قدمت مداخلات عن تاريخ الرموز الوطنية في الدساتير السورية وفي الثقافة السورية، فيما قال أعضاء من وفد الحكومة إن «المساس بالرموز في هذه المرحلة لا يهدد فقط شعور المواطنين بالأمان، بل يصبّ في صالح المؤامرة القائمة على وحدة البلاد، التي تستهدف الرموز لاستهداف الوطن».
في المقابل، قال معارضون: «الرموز استخدمت أحياناً كثيرة لتشرعن العنف ضد الشعب، وإن عملية كتابة الدستور يجب أن تراعي حساسيات كل الأطراف وحاجتها إلى التطمينات الأساسية لكي يصار إلى عملية إعادة توحيد البلاد شعباً وأرضاً، وإلا فإن الدولة مهددة بالتقسيم».

السلطات العامة

وعرض الكزبري والبحرة صباح أمس (الخميس)، للمشاركين منهجية العمل لليوم الأخير (الجمعة)؛ حيث يمكن لجميع الأعضاء الأفراد تقديم مقترحات تعديلية للمبادئ إلى مكتب المبعوث الخاص، ثم قدّم وفد «الهيئة» مقترحه حول «عمل السلطات العامة»، الذي نص على أن «تُنظم السلطات العامة في الدولة على أساس الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتمارس المؤسسات والهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية سلطاتها ضمن الحدود التي يقرها الدستور، وتخضع في تنظيمها وأداء مهامها لأحكام القوانين والتشريعات، بما لا يتعارض مع أحكام الدستور. كما تلتزم باحترام وإنفاذ الحقوق والحريات الأساسية، المنصوص عليها في الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة السورية».
واعتبر مشاركون «فصل السلطات مفهوماً فلسفياً مجرداً» وأنه في «القانون الدستوري العملي تداخلات كبيرة بين السلطات». وقُدّمت مداخلات حول ضرورة التمييز بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبينهما وبين السلطة القضائية، والتوازن بين السلطات». وقال أحد المشاركين: «احتدم النقاش في بعض الأوقات، لكنه بقي مهذباً، وفي بعض الأحيان تم تبادل أفكار عملية».

“الصلح خير” مقابل الثأر العشائري

“الصلح خير” مقابل الثأر العشائري

بعد انسحاب القوات الحكومية تدريجياً من مناطق عديدة من أنحاء البلاد، بينها ريف دير الزور الشرقي؛ غابت دوائر القضاء والمحاكم الحكومية والشرعية عن معظم هذه المناطق مترامية الأطراف منذ نحو 10 سنوات، الأمر الذي دفع الأهالي وسكانها للعودة طواعية ًالى القانون العشائري العرفي الذي يتيح أن تحل العدالة القبلية محل القوانين المدنية الوضعية عند اندلاع توترات ونزاعات.
فالمنطقة خضعت لسيطرة جهات عسكرية إسلامية متطرفة وفصائل وقوات مسلحة تركت سنوات حكمها موجة من الخلافات والصراعات، وانخرطت فيها عشائر لفرض عرفها كبديل لنظام العدالة الاجتماعية ومحدودية تدخل السلطة أو الحكومة، لكنها وبعد مرور هذه السنين باتت تهدد الاستقرار والسلم المجتمعي نظراً لأن الولاءات العشائرية دعمت بشكل مستتر جهات عسكرية متناقضة بالحرب الدائرة في البلاد.

“الصلح خير”
وفي إطار سعيها إلى إعادة ترميم العلاقات بين أبناء المنطقة وتعزيز التماسك المجتمعي، أطلقت خمس منظمات وجمعيات مدنية حملة بعنوان “الصلح خير” مناصرةً لتعزيز دور “لجان الوساطة المجتمعية” بريف دير الزور الشرقي، واستهدفت المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وتشارك في الحملة جمعيات «ديرنا» و«فراتنا» و«سامه» و«ماري» و«إنصاف للتنمية»، وشكلت هذه المنظمات “لجان الصلح”، وتلعب شخصيات مجتمعية بارزة مثل رؤساء عشائر ووجهاء وقضاة وقانونيين دوراً فعالاً في التسويات العشائرية التي تصدر في بعض الاحيان أحكاما صارمة لمنع الفتنة والاقتتال العائلي لتجنب انتقام أبناء القبائل.
وعن أهمية الحملة ودورها في دعم جهود وصلاحيات “لجان الصلح”، يقول الناشط أيمن علاو لـ “صالون سوريا”، إن الحملة مدعومة من “مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية”، وهدفها حل الخلافات بين الناس بالطرق والأدوات السلمية، “لتخفيف حدّة تلك النزاعات ومنع تفاقمها لأن المنطقة شهدت فوضى سلاح وحروب كثيرة، بغية كسر دائرة العنف التي أحاطت بالمجتمع خلال السنوات الماضية”، ويرى بأن هذه المناطق ذات طابع عشائري وما يزيد من تعقيد الوضع وتأزمه غياب الدوائر والمحاكم المختصة بعد سنوات عجاف من الحرب.
وأوضح بأن المنطقة كان يسودها العرف العشائري حتى بوجود القوات النظامية والسلطات الحكومية، ليزيد: “كان جلياً عندما تتدخل الدولة لحل خلاف عشائري تتصرف وكأنها جزء من المنازعات القبلية، بدلاً من السعي لإيجاد وسائل بديلة لمحاسبة المتورطين الأمر الذي قوض القضاء والحط من شأنه”.

منذ 3 سنوات تخضع هذه المنطقة لـ “مجلس دير الزور المدني” التابع لـ “قسد”، وشكلت بدورها مجالس قضائية وتشريعية لتحل مكان هيئات القضاء ودور المحاكم والسلطة المركزية، وقامت هذه الجمعيات بتأسيس “لجان الصلح” وتعمل منذ بداية العام الماضي ونجحت في حل العديد من النزاعات العشائرية ومشكلات تتعلق بقضايا معيشية في ظل نقص الموارد والأزمة الاقتصادية، الى جانب التدخل في حل خلافات تنظيم توزيع الكهرباء من المولدات الخاصة وتوزيع الماء بشكل عادل وتوزيع مادة الخبز على الأهلي منعاً لحصول أزمات غذائية.
وأخبر أيمن علاو بأنها ساهمت بحل قضايا الخلافات الشخصية بين سكان المنطقة والنازحين من مناطق أخرى، وصولاً إلى المشكلات الناتجة عن حوادث المرور والابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من القضايا التي تُقلق السلم والاستقرار المجتمعيين، لافتاً بأن أعضاء اللجان والمشاركون في “لجان الصلح” هم وجهاء وشيوخ عشائر ونخبة من القانونيين والمحامون وشخصيات فاعلة ممن لديهم خبرة في حل القضايا المجتمعية، ويمتلكون سمعة حسنة وطيبة بين الأهالي: “لجان الصلح لديها مكتب في كل منطقة وبلدة تشارك في كل منها سيدة وفتيات لوجود قضايا ومشاكل تتطلب حضور النساء إلى جانب الرجال لفهم حيثيات الدعوى”.

خلال أحد النزاعات نهاية فبراير (شباط) الماضي في بلدة غرانيج بريف دير الزور الشرقي على خلفية ثأر بينهما، دارت اشتباكات مسلحة عنيفة بين عائلتين من عشيرة الخابور العربية تسببت بوقوع ثلاثة مدنيين قتلى وعشرات الجرحى، وفرضت قوات الأمن الداخلي حالة من حظر التجول غير المعلنة خوفاً من وقوع المزيد من الإصابات، واستخدم الطرفان الأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية، واستنفرت قوى الأمن والقوات العسكرية التابعة لمجلس “دير الزور العسكري” لضبط الحالة وحقناً للدماء خوفاً من اتساع رقعة الاشتباكات لأن أبناء المنطقة أولاد عمومة تربطهم علاقات قرابة الدم.
ونقل تركي وهو من أبناء عشائر العقيدات ينحدر من بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي أن النزاعات العشائرية وقضايا الثأر هي أخطر الظواهر التي تهدد الاستقرار والسلم الأهلي في المنطقة، وقال: “كونها تقع دون تخطيط مسبق نتيجة قضايا تتعلق بالميراث أو انتقاماً لمقتل أحد أبناء العشيرة في وقت سابق، مشيراً الى أن ظاهرة الأخذ بالثأر أو الاقتتال العشائري موجودة قبل عام 2011، “النظام وقتذاك كان يتفرج على الأطراف المتقاتلة دون أن يحرك ساكناً لمنعها، بهدف أضعاف احدها ومحاسبة الثاني، أما اليوم تقف قوات (قسد) عاجزة ولا تتدخل خشيةً من سقوط مقاتليها”.
وتنشب في هذه المناطق بشكل متكرر نزاعات مسلحة بين أبناء العشائر غالباً ما تتطور إلى معارك ضارية، وبفعل هذا العنف الذي يؤدي أحياناً إلى سقوط أبرياء وما يترتب عليه من عمليات ثأر عائلي، تقف القوات الأمنية على حياد خوفاً من الانتقام، ويقول المحامي سعيد القدرة وهو عضو في الأمانة العليا لـ(لجان الصلح) بأنهم يستندون لمزيج من العرف العشائري والقانون السوري التشريعات الدولية ذات الصلة ومواثيق حقوق الإنسان، وأكد في حديث الى موقع (صالون سوريا): “نعتمد على خبرات محلية وتجارب أعضاء اللجان ومعارفهم من وجهاء وأصحاب دراية بالعادات والتقاليد، فالهدف الاسهام في ترسيخ مبدأ الصلح ليكون سيد الأحكام”، ولدى هذه اللجان نحو 40 قضية حالياً منها تتعلق بالملكية والميراث وحدود الأراضي والعقارات ومنها اقتصادية وخدمية وقضايا الثأر والحق الشخصي، وخضع أعضاء اللجان لدوريات واستشارات لمعرفة حيثيات الدعاوي وكيفية حلها بالطرق السلمية.
وتابع الخبير القانوني بأن الجمعيات المشاركة بالحملة تعمل عبر الورشات التدريبية واللقاءات الجماهرية وتوزيع منشورات ورقية ذات صلة، “نحض الأهالي وأبناء المجتمع المحلي التخلي عن العنف وترك السلاح واللجوء الى الحلول السلمية، والمحافظة على النسيج الاجتماعي الذي مزقته سنوات الحرب السابقة”، بحسب المحامي سعيد القدرة.

تبلغ مساحة دير الزور المحاذية للحدود العراقيّة نحو 33 ألف كيلومتر مرّبع، وهي تشكّل 18 في المئة من مساحة سوريا (البالغة 185 الف كلم مربع)، وجغرافية المحافظة باتت منقسمة عسكرياً بعد معركة الباغوز بشهر (آذار) 2019؛ تخضع جهتها الجنوبية وجزء من الشرقية ومركز المحافظة للقوات الحكومية الموالية لنظام الأسد، بينما تخضع المدن والبلدات المحاذية لضفة نهر الفرات الشمالية لسيطرة (قوات قسد)، وتدير المنطقة هياكل حكم محلية ومجالس مدنية وتشريعية خاضعة لـمجلس دير الزور المدني.
وبحسب محمد المحمد مدير منظمة «إنصاف للتنمية» وأحد الشخصيات المشاركة في لجان السلم الأهلي، أن نحو نصف مليون شخص، استفادوا من عمل هذه اللجان بشكل مباشر، وتنشط “لجان الصلح” في مدينة هجين والقرى التابعة لها، وبلدات أبو حمام والكشكية بالريف الشرقي، وبلدة محيمدة والقرى التابعة لها، وبلدة جديد بكارة وما يتبعها، وبلدة البصيرة وما يحيطها من قرى.
وقال لـ “صالون سوريا”: “عقدنا اتفاقات ومذكرات تفاهم مع المجالس المدنية والتشريعية التي تدير هذه المناطق”، كما يقوم فريق المنظمة بمراجعة القضايا التي يتم تدوينها لدى ديوان لجان الصلح): “ثم نعقد ندوات جماهيرية وورشات تدريبية، بهدف نشر أفكار تعزز القيم المجتمعية، واستخلاص العبر والحلول وطرحها على أكبر شريحة من المستفيدين”.
ورغم ان اندلاع العنف العشائري ليس جديداً بهذه المناطق وأصبحت أكثر تكراراً وتجاوزت في بعض الأحيان السلطات الحاكمة لتسفر عن اشتباكات مع قوى الأمن والقوات العسكرية نفسها، ويقول أعضاء الجمعيات المنظمات والمجتمع المدني أن النزعة العشائرية أحد أعراض ضعف سيادة القانون والذي يعود الى ما قبل بداية الاحتجاجات المناهضة لنظام الحكم وانحساب القوات الحكومية، ويقول أحد الناشطين المدنيين: “هنا الانتماء للعشيرة يأتي قبل الانتماء للدولة أو المجتمع الذي نعيش فيه، اليوم نرى احتكاماً أكبر للعشيرة بحل المشاكل الحياتية للناس”.

عن حق السورية في “تجنيس” ابنائها

عن حق السورية في “تجنيس” ابنائها

الأمهات أشبه بوطن نحلم به، وطنا يجمع أبناءه من شتات، ويضمد جراحهم، ويحميهم. وطنا يساوي بين جميع أبنائه، يسهر على راحتهم، يوفر كل أسباب الحياة الكريمة لهم. وطن يستمع لأبنائه ويضمن حريتهم، يخاف عليهم لا يخيفهم، وعندما يكون الوطن بخير تكون الأمهات بخير .
“الوطن ليس بخير”، وأمهاتنا لسن بخير. القضية السورية، ترمي بأعبائها على كاهل الأم السورية أكثر أي فئة أخرى، لقد دفعت الأم السورية ثمن لجوء ونزوح أبنائها في مختلف أرجاء المعمورة، وأصبح حلمها لم شملهم، فقدت الأمهات أبنائها بالحرب والاعتقال والتغييب ألقسري، وتقضي وقتها في البحث عنهم وتنتظر عودتهم مهما طال الزمن.
الأمهات المعيلات لأبنائهن وما أكثرهن، بعد فقدان معيل العائلة يقضين أيامهن، بالبحث والعمل لتامين لقمة عيش أبنائهن. لن يجد الأبناء روابط أقوى وأوثق من الانتماء لأمهن، ومع ذلك تحرم الأم في وطن مثل سوريا من حقها في منح جنسيتها لأبنائها، في حال تزوجت من جنسية غير سورية، أو تزوجت من رجل مجهول الجنسية، حتى لو اختارت سوريامكانا للعيش وليس وطن وزوجها، وأيضا في حال وفاة الزوج، وبعد الطلاق حتى لو كان الأبناء في سن الحضانة ولها حق حضا نتهم، يحرمها القانون السوري حق منح جنسيتها لأبنائها، وما لذلك من مصاعب وتبعات قانونية على تسجيل الأبناء في المدارس وعلى عملهم ومستقبلهم. ما يزيد من أعباء معيشتهم ومعاناة إضافية لأمهن؟

ضغوط واضرار
قبل عام 2011 كانت الأمهات المحرومات من منح جنسيتها لأبنائها تقتصر على النساء المتزوجات من جنسية أخرى، وكانت إعدادهن قليلة، عارضت المنظمات النسائية ومنظمات حقوقية، تحت ضغط الامهات المتضررات قانون الجنسية المعمول به، وطالبن بتغيير القانون الذي يحرم الأمهات منح جنسيتها لأبنائهن، وكانت حالة المتزوجة من جنسية غير سورية وتعيش في سوريا هي وأولادها، أكثر المتضررات، وقد فشلت مطالبتهن بتغيير هذا القانون التمييزي، الذي ينتهك حقوق المرأة، ويتعارض مع حقوق الإنسان.
بعد 2011 حيث انتشرت ظاهرة زواج السوريات من جنسيات الدول التي لجئن إليها، وكانت أعدادا كبيرة منهن قاصرات وخضعن لعقود زواج لا تستوفي الشروط القانونية، منها عدم تسجيل عقد الزواج بشكل رسمي، وفي حال وقوع الطلاق غالبا يتولد عن هذا الزواج أولاد ، ولصعوبة وبسبب من التكاليف الباهظة لرفع دعوى تثبيت زواج و نسب في بلدان اللجوء، في هذه الحالة الأطفال مهددين بانعدام الجنسية، وفي حال عودة الأم إلى سوريا، سوف تواجه صعوبة مرافقة أبنائها لها، حيث أنهم لم يكتسبوا جنسية أبيهم غير السوري، والقانون السوري لا يمنح الأم حق منح جنسيتها لأبنائها.
إن حل هذه المعضلة تقع على عاتق الأمم المتحدة، ممثلة بالمنظمات التي تعمل بين اللاجئين، وضرورة تشكيل هيئة تعنى بوضع آلية لتسجيل واقعات الولادة ومنح نسب وجنسية للأطفال تلحق بالأم ريثما يعود اللاجئين، حتى تتم تسوية الحالات التي طرأت بعد اللجوء منها واقعات الزواج والنسب والجنسية.
والحالة الأخرى التي انتشرت في الداخل السوري أثناء الحرب، حالة زواج سوريات من مقاتلين أجانب، خاصة في مناطق سيطرة “داعش” و “القاعدة” وفق عقود شرعية غير مسجلة، في أكثر الحالات يتم كتمان اسم الأب الحقيقي وجنسيته والتعامل باسم وهمي أبو فلان.
وفي حالة وفاة الزوج او طلاقه او مغادرته سوريا، لن تتمكن إلام من تسجيل أولادها قانونيا ولا تستطيع منح جنسيتها لأبنائها، ويتم تسجيلهم مكتومي الجنسية ، تعمل المنظمات الإنسانية المنتشرة في مناطق شمال شرق والشمال السوري على إعطاء مايثبت نسب الأطفال لأمهم، لغاية تقديم خدمات التعليم والمعونات الإغاثية دون أن تكسب الأم الحق القانوني يمنح جنسيتها لأبنائها. ويتعرض الأطفال الابائهم من دواعش لكثير من التنمر ونكران المجتمع، وتاثير ذلك السيء على معنويات الام المعيلة وعلى الاولاد.

قانون تمييزي
في العودة إلى قانون الجنسية السوري الذي يحرم الأم من منح جنسيتها لأبنائها، فهو قانون تمييزي بكثير من مواده : لكن ما يهمنا في هذا المقال هو التمييز ضد المرأة الام وحرمانها من منح الجنسية السورية لأطفالها. وفق مارود ما في المادة الثالثة من قانون الجنسية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 267 لعام 1969: لى أنه يعتبر عربياً سورياً:
أ ـ من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري.
ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً .
ج ـ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما، ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس .
د ـ من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية .
هـ ـ من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهلة المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة .
منافشة وضوء على المادة الثالثة :
في الفقرة أ : حيث يعد الشخص عربياً سورياً حكماً من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري. أي الأخذ بحق الدم من جهة الأب فقط وبالتالي فإن جنسية الطفل تحدد تبعاً لجنسية أبيه. وينتقص من حق المرأة منح جنسيتها لأبنائها .
الفقرة ب من المادة الثالثة: يعد سورياً حكماً من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه، أي منح الجنسية السورية بناء على حق الدم والإقليم معاً في حالة كانت الولادة في سوريا من أم سورية ولم يثبت نسب الطفل إلى أب شرعي ، لا يؤخذ بهذه المادة عادة لمن تزوجت من داعشي لأنها لا تقبل هي ولا أهلها ولا حتى المجتمع ان يكون الأب غير شرعي حيث تأخذ معنى ولد من الزنا.
كما تمنح الجنسية، أيضاً للطفل بناء على حق الإقليم فقط في حالة كان المولود من أبوين مجهولي الجنسية ، أي حالة الطفل اللقيط وحالة المولود في سورية ولم يكتسب بصلة البنوة جنسية دولة أخرى.
الفقرة ج من المادة الثالثة.
نشير إلى ان الفقرة ج من المادة الثالثة: إن الجنسية تمنح لمجهول النسب إذا ولد في سوريا، أي الولد اللقيط و ولكن القانون لا يمنحها للأم السورية إذا تزوجت من غير سوري.
وبناء عليه فإن حالة الأم التي ولدت أطفالها خارج سوريا ، في دولة لا يمنح الجنسية بالميلاد على إقليمها، يؤدي ذلك إلى انعدام جنسية المولود، وفي هذه الحالة القانون السوري يرفض ثبوت الجنسية السورية ، حتى لو كان الأب مجهول الهوية أو عديم الجنسية.
هذه السياسة التمييزية في القانون السوري تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث جاء في المادة 15 منه : على أن كل فرد له الحق في الحصول على جنسية ، ولا يجوز حرمان أحد من جنسيته بطريقة تعسفية.
وعليه يجب أن تصاغ المادة الثالثة وتعدل على الشكل التالي:
1ـ حيث يعد عربياً سورياً حكماً من ولد في القطر أو خارجه من أب سوري أو من أم سورية.
ويجب تعديل الفقرة ب من المادة 3 لتصبح على الشكل التالي:
2 ـ تمنح الجنسية حكماً لمن ولد لأم سورية داخل أو خارج سوريا ولم يثبت نسبه إلى أبيه قانوناً أو من ولد لأم سورية وأب مجهول الجنسية، أو لا جنسية له ، بحيث تشمل هذه الفقرة جميع أطفال الأم السورية.
ختاماً، فان المشرع السوري لم يعدل قانون الجنسية الذي ينتهك حقوق المرأة،، بل تحفظ على بنود من الاتفاقات الدولية ، مراعاة لقانون الجنسية القائم: هذا ما جرى عليه موقف الحكومة السورية من اتفاقية سيداو حين صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” في عام 2003 لكنها تحفظت على عديد من المواد الجوهرية للاتفاقية منها الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الاتفاقية المتعلقة بحق المرأة في منح جنسيتها لأبنائها. هذا التحفظ جاء لاعتبارات موضوعية، ولمخالفتها الشريعة الإسلامية ، وإن الأخذ بأسباب شرعية في معرض تطبيق الجنسية وفق اعتبارات المشرع السوري هو خلط بين حق النسب والجنسية رغم اختلافهما، النسب في المفهوم الشرعي يعود للأب نتيجة الزواج الشرعي، وما يمنحه القانون من القوامة على المرأة، أما الجنسية فهي أوسع وأشمل ، أنها تتعلق بالانتماء والمواطنة، والإقامة ، وتلعب الاعتبارات الإنسانية والسياسية دوراً كبيراً في منح الجنسية ، وليست محصورة بمؤسسة العائلة التي هي بحاجة أيضا لتغيير التشريعات التمييزية.
سحر حويجة

.

عن حق السورية في “تجنيس” ابنائها

الحزن يكوي قلوب امهات ادلب

“عيدي الحقيقي حين يعود ولدي من ظلام سجنه سالماً، وتراه عيناي قبل أن أموت”. بهذه الكلمات عبرت عائشة القصاص (46 عاماً) من مدينة معرة مصرين عن حزنها في عيد الأم بسبب بعد ولدها عنها، والمجهول الذي يكتنف مصيره، وتضيف: “كان ولدي في طريقه إلى جامعة حلب العام 2018 حين تم اعتقاله من قبل أحد الحواجز الأمنية، ومنذ ذلك الوقت لا أعرف مكانه أو مصيره أو الحال التي آل إليها، إن كان حياً أو ميتاً، فكيف للفرح أن يعرف طريقاً إلى قلبي!”
وتشير الأم أنها وقعت فريسة للهموم والأمراض بعد اعتقاله، فهو لا يغيب عن ذهنها لحظة واحدة، وتضيف: “كان حنوناً وطيباً، يحتفي بي في هذه المناسبة، ويقدم لي الهدايا، ولكن ليته يعلم أن رؤيته هي أعظم هدية بالنسبة لي على الإطلاق .”
ويكتسب عيد الأم رمزية كبيرة لدى السوريين من خلال اجتماع العائلة حول الأم للاحتفاء بها، لكن الحزن يخيم على الكثير من الأمهات في إدلب شمال غربي سوريا بسبب بعدهن عن أبنائهن الذين غيبهم الموت أو الاعتقال أو اللجوء، فلا تكاد تخلو أسرة من أم ثكلى، ليصبح العيد بالنسبة للأمهات يوماً لتذكر الأبناء المبعدين والبكاء على فراقهم، والحنين والشوق لرؤيتهم .
سوسن حاج قدور(51 عاماً) من مدينة إدلب، تفتقد في عيد الأم أبناءها الذين أبعدهم عنها اللجوء. وعن معاناتها تقول: “بالرغم من أنني أم لأربعة أبناء، أعيش مع زوجي لوحدنا بعد أن تفرق أبناؤنا، فاثنان منهم يعملان في تركيا، وابنتي مع زوجها وأولادها في لبنان، وولدي الأصغر في ألمانيا، ولا يمكنني الاجتماع بهم ورؤيتهم إلا عبر الهاتف .”
وتشير حاج قدور أنها تنتظر هاتفاً من أولادها في عيد الأم، وتراه يحمل لها بعض الفرح والمواساة، لكنه بالتأكيد ليس كافياً مقارنة بلمة العائلة وفرحها في مثل هذا اليوم كما اعتادوا سابقاً .
جميع الأعياد من المنسيات لدى منى الدياب (49 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم قريب من الحدود السورية – التركية، بعد أن فقدت ولدها الأكبر في الحرب السورية، وتقضي عيد الأم بالبكاء والذكريات، ولا يسعها إلا الدعاء له بالرحمة، ولقلبها بالصبر والتحمل، وعن معاناتها تقول لصالون سوريا وهي تحتضن طفله الوحيد وتقبله باعتباره الذكرى التي تبعث في نفسها الصبر على فقدانه: ” كان ولدي في السوق الشعبي لمدينة معرة النعمان حين تعرض للقصف بالطيران الحربي عام 2019، فأصابت إحدى الشظايا ولدي وأودت بحياته”. وتؤكد أنها محرومة حتى من زيارة قبره، وتردف: “كنت أقضي عيد الأم بزيارة قبره، لكن النزوح يمنعني من ذلك اليوم”.
كذلك أفرزت الحرب جيلاً من الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم في الحرب، وحرموا من الحنان باكراً، يشتاقون إلى حضن الأم ودفئها، وفلا يجدون ملاذاً سوى الاحتفاظ بصورة لها، أو زيارة المقابر، ليستعيدوا الذكريات الجميلة وآهات القلوب.
رؤى العبسي (15 عاماً) من مدينة سرمين، تقضي يوم الأم مع أختها التي تصغرها بثلاثة أعوام بزيارة قبر أمهما، وتزيين قبرها بالورود والأزهار، وعن ذلك تقول: “لم يعد لعيد الأم مكاناً في هذا البلد الذي أنهكته الحرب .” وتضيف، وهي تغالب أوجاعها التي بدأت تظهر دموعاً على وجنتيها، ومستعيدة لحظات ستبقى في ذاكرتها: “فقدنا أمنا مع أخينا الصغير منذ ثلاث سنوات بإصابة حربية، وفقدنا معهما الحنان والسعادة في هذه الحياة .”
وتقبع الكثير من الأمهات في مخيمات النزوح، ليكون التحدي الأكبر لهن هو جمع شمل العائلة، بعد استبدال البيت بخيام متهالكة، يقاسين فيها كدر العيش والحرمان من أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.
الطفلة نور البلاني (12سنوات) نازحة من مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي تقول بمناسبة عيد الأم: “كنت قبل النزوح أقوم مع أخوتي الخمسة بتزيين المنزل وإعداد الحلوى احتفالاً بعيد الأم، لذا نشتاق لتلك الذكريات الجميلة ونحن نعيش في هذه الخيمة الباردة”. وتضيف: “رغم النزوح والظروف المعيشية القاسية التي نعيشها، سأقدّم لأمي في عيد الأم وروداً، لا أملك المال لأشتريها ولكني سأقطفها من الحقل المجاور، وأقول لها كل عام وأنت بخير في عيدك .”
المرشدة الاجتماعية نور الكيالي(36 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث لـ “صالون سوريا” عن معاناة الأمهات السوريات بقولها: “يوم الأم الذي يحتفل به السوريون في 21 من شهر آذار من كل عام، هو مناسبة اجتماعية تجمع العائلة في أجواء حميمية، لكنه في ظل الحرب لم يعد مناسبة للفرح، لما عانته الأمهات وتعانيه من مصاعب وويلات وفقدان، حيث أصبح مجرد ذكرى وتمنيات بملاقاة الأبناء بعد فراق .وتبين الكيالي أن الكثير من الأمهات السوريات يعانين من الأحزان بسبب البعد عن أبنائهن المعتقلين أو المهجرين فلا تداوي جراحهن احتفالات ولا تخفف من آلامهن هدايا. وتلفت أن وسائل التواصل الاجتماعي غدت تؤدي دوراً في اختصار كثير من المناسبات الاجتماعية والدينية، وتقتصر على إرسال المعايدات والتهاني بطريقة إلكترونية خالية من المشاعر والعواطف .
وتشير الكيالي إلى ضرورة تقديم الدعم والرعاية لكافة الأمهات، وخاصة أمهات الضحايا والجرحى والمعتقلين كأقل واجب يمكن تقديمه، كما أن إرضاءها وطاعتها والامتثال لأوامرها وتقديرها، هي واجب الأبناء تجاهها، ومحاولة رد الجميل لها قدر الإمكان، وخاصة عندما تكبر في السن .
يطل العيد حزيناً على الكثير من الأمهات السوريات اللواتي يعشن تحت ركام هائل من الهموم والآلام والحسرات، يغالبن قهر البعد عن الأبناء والمنازل، وقسوة الحرب التي أطاحت بشباب سوريا وأفراح أهلها .

عن حق السورية في “تجنيس” ابنائها

أمهات يربين أطفالهن وحيدات

تنشأ العديد من المجتمعات العربية على زرع فكرة التضحية في عقول وقلوب الفتيات منذ نعومة أظافرهن. يتم تلقينهن أدوار الأمومة وحمل الدمية بوصفها طفل لها كنوع من تمارين التدريب البريئة على تنمية حس الأمومة والإنجاب.
كما تطالب العديد من البيئات الفقيرة والنائية نساءها بإلغاء حياتهن وحاجاتهن الشخصية والتخلي عن أنفسهن مقابل تربية أبنائهن، إذا ما غاب العنصر الذكوري في حياتهن، قد تصل لدرجة وصم المرأة بصفات قبيحة إذا تزوجت برجل ثان بعد وفاته أو الطلاق منه.
فكرة الغرس هذه كثيراً ما وجدت مفعولها لدى العديد من النساء اللواتي يقررن مواجهة معترك الحياة بمفردهن والتفرغ لتنشئة أولادهم لوحدهن سواء إذعاناً لغريزة الأمومة أو انتصارا لفعل التنشئة معاً، كحال أم جود(41 عاماً) التي اتخذت قرار تربية طفلها لوحدها بعيداً عن كنف رجل. تقول لـ “صالون سوريا”:” أنجبت طفلي الوحيد جود بعد سبع سنوات من المحاولات الحثيثة والمتعبة، إلى أن أنجبته بشق الأنفس بعد أن كُدت أفقد الأمل بتحقيق حلم الأمومة”، تتابع: ” لكن توفي زوجي منذ خمس سنوات. قررت تربية طفلي بعد أن تخلى عنه عائلة والده، لا يقدمون لنا أي مساعدة مالية، لقد لفظوا حفيدهم وقطعوا صلة الدم والرحم بنا إلى الأبد”.
ترفض السيدة عروض الزواج التي تتلاقها منذ وفاة زوجها، تعقب بالقول :”أخشى الزواج برجل قاسي القلب يعذب طفلي، لم أرى الخير والطيبة من جده وجدته، فكيف برجل غريب يحنو عليه؟ لقد اكتفيت بابني وسأغدق عليه الحنان والعطف ما حييت، فهو الرجل الوحيد في حياتي بعد اليوم، سعادته هي الأهم، أما سعادتي فلا تعني لي شيء أبداً”. تعيش أم جود ظروف مادية صعبة للغاية، فراتبها التي تتقاضه من وزارة الاتصالات بالكاد يكفي لسداد أجرة الغرفة التي تقطن فيها في عشوائيات المزة، توضح “اعتاش على الإعانات الخيرية، كما تقدم لي أسرتي بعض المساعدة المالية حسب إمكانياتهم وبعض المؤونة، إلى جانب راتب زوجي التقاعدي”.

زوج على الرف
ريم (35 عاما) ليست أرملة ولا مطلقة ولا زوجة مفقود، بل هي زوجة لظل رجل كسول ونصف مريض يقضي وقته بالتذمر ومطالبتها بإحضار المال وملء معدته بالطعام والدواء، أجبرت السيدة على الزواج من رجل يكبرها بأكثر من خمس وعشرين عاما، أثمر عن طفلين وتولي مهمة الأم والأب معاَ، تقول لـ “صالون سوريا”:” زوجي رجل غير مسؤول ولا يبالي بشؤون أسرته ومتنصل من واجباته كزوج وأب، يتكل علي بكل شيء، بدءا من رعاية الطفلين وتدبر أمور المنزل، وصولا إلى تأمين المصروف والطعام والشراب، هو مجرد هيكل في البيت لا عازة له، زوج على الرف”، تقوم ريم بعدة أعمال دفعة واحدة في سبيل تأمين لقمة عيش طفليها التوأم، إذ تعمل لأكثر من 15 ساعات يوميا، تستطرد قائلة:” في الصباح أعمل موظفة في مؤسسة البريد، لم أترك عملاً إلا وخضت فيه، فقد عملت في التنظيف وحلاقة الشعر وبيع الملابس وبيع الأدوية الأجنبية ومعقبة معاملات وكوي الثياب وسواها، ثم أقضي فترة المساء والليل بالطبخ وتعليم طفلاي وساعات قصيرة للنوم”.

تخلي عن أطفالك أولاً
ليس بإمكان ريم الطلاق والخلاص من إهمال زوجها، لأن ذلك سيعرضها لخسارة طفليها، ليس بسبب تمسك الزوج بهما، بل لرفض والديها احتضان حفيدهما، تقول :” بالرغم من أن زوجي غير متمسك بالطفلين ولا يمانع حضانتهما، لكني لا أستطيع الطلاق وذلك بسبب أهلي الذين يرفضون إحضار طفلاي معي”، تتابع “في أحد المرات كنت أشكو لوالدي أمري وقلت له أنني أفكر بالطلاق، فأجابني تطلقي لكن أتركي ولديك هناك، هذا هو شرطي لتعيشي معنا، فأنا لست مجبر على أن أنفق المال عليهما”، لكن ريم رفضت الأمر بتاتا، تعقب على ذلك :”أفضل الموت على أن أترك أولادي بعيدون عني، هم قطعتا مني ولا أستطيع الفكاك منهما، سأتحمل كل شيء كرمى لعينيهما”.

قرار مفصلي
استقبلت لينا (38 عاماً) خبر وفاة زوجها على وقع سماعها بخبر حملها لمولودها الثاني ليمار، حيث كان يتعين عليها اتخاذ قرار مفصلي بحياتها وهو إما الإبقاء على الحمل أو الإجهاض. تقول لـ “صالون سوريا”: “كنت في حالة يرثى لها وموقف لا يحسد عليه ،مشوشة وضعيفة، حيث كان جرحي مازال طازجا، فلم يمض على وفاة زوجي سوى أيام قليلة”، تتابع حديثها “كان قرارا حاسما في حياتي وسأظل أتحمل مسؤوليته ما حييت، قررت الاحتفاظ بطفلتي لأن شعور الأمومة غلبني وأقسمت على تربيتها لوحدي وتأمين الحياة الكريمة لطفلاي”. لم تلق السيدة بالاً لآراء الناس بخصوص احتفاظها بالطفلة، توضح :” الكثير من الناس ألقوا باللائمة علي لاحتفاظي بالطفلة بحجة أنها مسؤولية مضاعفة وعبء كبير، خاصة أنها فتاة وبحاجة لوالد يحميها، وكيف أستطيع تربية طفلين لوحدي بدون رجل، لكني لم أبالي بكلامهم”.

أسئلة صعبة
لا تنفي لينا مكابدات العيش ومشقة تأمين الحياة الكريمة لولديها، خاصة بارتفاع المعيشة وغلاء الأسعار، لكنها تواجه صعوبات أخرى وهي التورط في متاهة الأسئلة الصعبة التي يطرحها طفلاها على الدوام، تقول:” لا أنكر مشقة تأمين نفقات طفلاي وحمل هم تربيتهما وسعادتهما ومستقبلهما، لكني أواجه أمراً أكثر صعوبة وهو أسئلتهما الوجودية الملحة التي تتعلق بموت والدهما والقدر والسعادة ، ولماذا لا يحظيان بوالد كبقية الأطفال، تطلب مني طفلتي وصف ملامح والدها، بينما طفلي يشتاق له كثيرا”.