بواسطة Narin Derky | مارس 30, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
في كلّ صباح أكتب لك رسالة
أعرف أنها لا تصل باليد
لقد كسر الجليد قلبَ ساعي البريد أيضاً
يا لدماثة الأمس!
كنت أنجذب إليك كما لو كنتَ ناراً متّقدة!
يؤلمني أنك تراني على هذه الحال
وترى بؤسي يتهاطل ويجرف ما كان حبا.ً.
*
الان لديَّ أسى وموتى
وها نحن أولاء ندور في أفلاكنا نبحث عن نهايةٍ ما
نسأل عن إمكانية أن تذرونا الرياح
فننتهي بذرة لا تعرف أمّها ولا أباها
برغم ذلك لا نجرؤ على القفز في الهوة المعتمة.
*
لا تظن أنّ رسالتي يائسة،
إنها بعضُ موتٍ يتنفّس.
الأبدية قطعة من أرضك
ثلج أخرس
وصمت لا يتوقف عن الثرثرة
هناك دائماً عصفور لا يشعر بالبرد
يخفف من جزعنا
عندما أشعر بالعوز أبحث عن فتات الخبز.
*
لم يكن حلماً:
جبل
أصدقاء يرعون تحت الشمس،
واد التقيته صدفة في قرية بعيدة
ساقية تتناوب عليها الحياة بالضفادع واليعاسيب
حب يغمر حقول الأرز.
*
إنما تلك بلاد وهذي بلاد
حياة اليقظة بلاد ثلجها أعمى
والأبدية قطعة من أرضك.
*
تدفعني الريح بهذيان وصفير لايبالي
اتمسك بالشجرة:
كلتانا تسند الحياة
حتى لا تطير في غفلة منا، غباراً…
بعض خيال
أنت تراني من الداخل
قلت لي هذا ثم تركت قلبي ينهشني
أنا التي حلمت مراراً بالعذوبة تعصر كل ما أملك تحت جلدي
لم أعش من الحب سوى بعض خيال
لم يزرني الثلج هذه السنة
برغم كل شيئ،
مازلت أفرك يديّ وأنتظر.
كهفٍ صغير
…..
من مشاكسة المطر لنا
لجأنا إلى كهفٍ صغير،
ماذا لو كنتَ معي،
أيّها البعيد،
أما كنّا وقعنا في حبّ الكهفِ معاً؟
*
الطريق تحتضن مسافرينَ غيري،
وأنا وحيدة بصحبة الأفكار
بعضها أفكارُك،
وبعضها يرفعنا معاً فوق غيمة
*
وأعرفُ كم سأُعاني بعد عودتي
فالفرحُ لا يكون أخضرَ إلّا في أوَّله.
جسارة أولى
ريح هذا الصباح شريدة على آخرها
حمّالة أرواح الأولين
أحياناً تربك اللغة بصفعاتها
وأحياناً تئن مثل عذراوات المعابد
طفل طري الملامح
مذهول الحواس
يدور حول نفسه في الحي
لا بأس فالريح تعدي
ولابد من جسارة أولى
الشجر ينفخ في خفة وريقاته دونما اتجاه
والصغير
يلاحق هياج قطعانها
محاولاً احتضانها بين ذراعيه
لكنه لا يدرك أنها من روحه ولو بعد حين
وأنه منذ صرخته الأولى، فصل من فصول الخريف.
محاذاة النهر
يصدح النهر بأجمل موسيقاه كلما حاولت الصخور كسره.
*
إن حملت في إحدى يديك رغيفاً ترفق باليد الثانية، ربما تكون باردة.
*
بينما يتهادى نهرٌ ويتباهى فوقه جسرٌ عتيق
أنحني على صفحة الماء،
فأراك.
*
التشبث،
يالها من كلمة مؤلمة.
بواسطة Lubna Abu Khair | مارس 29, 2018 | Roundtables, غير مصنف
مطار مدينة فرانكفورت- ألمانيا، موجودة للعبور لمدينة أخرى، وبعد انتظار قصير للوصول إلى نافذة ختم العبور Check in، ميلان صغير للرأس مع ابتسامة في صورة جواز السفر تثير الشكوك والقلق، لأنها لا تناسب المعايير الدولية لصور جوازات السفر التي تتطلب جديّة وحياديّة في النظرة في آن معا، بالنسبة لي الأمر في غاية الصعوبة فهويتي كأنثى لا تسمح لي بأن أكون قبيحة ولو لدقيقة واحدة، فما بالكم في صورة سترافقني لمدة لا أعلم أقصاها؛ يدقّق الشرطي في جواز السفر لأكثر من عشر دقائق، وأخيرا سأل:
هل معك نقود؟ أجيب: نعم، يطلب المحفظة… يرى فيها بعض الدولارات الأميركية، هنا المصيبة الكبرى! كيف أحمل دولارات وأنا عربية؟ أو بمعنى أدّق كيف يحق لي امتلاك الدولارات؟ شرحت له أنني قمت بتبديلها منذ مدة في مدينة بيروت، يسأل مرة أخرى: “لكنها تحمل أرقاماً متسلسلة” أنا لا أعرف ما القصد أو التهمة الكامنة في الأرقام المتسلسلة؟ لأن ما يهمني كما الآخرون أن يكون في حوزتي مال ليس إلّا، وبذلك نكون بوضع آخر مثير للشك: بيروت مدينة عربية وليست أوروبية أو أميركية لتكون عملتها الدولار! فمن أين لي هذا؟ هو لم يسأل لكن التعجب يقول مافي صدره، و لحسن الحظ كانت تقف خلفي امرأة من لبنان فأجابت بالنيابة عني وأنقذت الموقف وقالت: “نعم نحن نتعامل بالدولار وهذا أمر طبيعي في بلدنا” وبعد أن تبدّدت الشكوك وتبيّن أن جواز السفر نظامي بالرغم من الابتسامة- وأن المال ليس مسروقاً أو مزوّراً، خُتِمَ جواز السفر وعبرت المطار بمعادلة بثلاثة مجاهيل: صورة جواز سفر جميلة، نقود بأرقام متسلسلة، و بيروت مدينة عربية تتعامل بالدولار! ولا دليل للإدانة للتهم المذكورة آنفا.
الحمدالله أن الشرطي لا يملك صلاحية تتعدى حدود الختم وإلا كنا علقنا بشرح أسئلة عمر أجوبتها عشرات السنين، و اضطررنا لشرح آلية عمل شؤون الهجرة والجوازات في سوريا منذ عام 1970 وصولا لصورة جواز السفر الخاص بي، وتعليل قيام وفصول الحرب الأهلية في لبنان وصولا لهبوط الليرة اللبنانية أمام الدولار.
كيف كُسِرت الهوية السوريّة؟
أكاد أقارب ما حصل في مطار فرانكفورت في ذات المعطيات، ذات الحالة و ذات الخوف والاضطراب مع اختلاف الأشخاص وفقر المكان على حواجز النظام في سوريا، عندما يفتح باب الحافلة أحد جنود جيش النظام و يطلب البطاقات الوطنية من المواطنين، بما يُعرف في لغة المواطن بالـ “هَوية”، وبلغة العسكر “الهواوي” أو “الهوايا” كلمتين لا معنى لهما في قواميس اللغة العربية، وفي الحقيقة أصبحت الهوية السورية على الحواجز العسكرية التابعة وغير التابعة للنظام لا معنى لها، الانكسار الأوّل للهويّة السوريّة كان مع بداية العام 2011 وبداية العام 2012 عندما نصح الشيخ “عدنان العرعور” الثوار بكسرها -البطاقة الوطنية- كشكل من أشكال التعبير عن رفض النظام الحاكم، لتصبح فيما بعد ذريعة لجنود النظام بالتمييز بين من هو معارض ومن هو مؤيد للنظام، و حجّة للذل والاعتقال الذي لا يُعرف متى ينتهي.
الانكسار الثاني
عبور البحار والمحيطات للحصول على الأمان، في أوروبا غيرها من القارات، لتصبح الهوية السوريّة أعلى سعراً في عقليّة تجّار البشر و “المهربين”، ومن قِبَل من لديه الرغبة من غير السوريين الراغبين في تغيير حياتهم لتكون جواز سفرهم إلى أوروبا.
الحاصِل وما حصَل هو أنّ السوريين عبروا البر والبحر والجو بأوراق أوروبيّة أو ماشابه ذلك ليصلوا لبر الأمان، وذلك بسبب رفض الحكومات الأوربيّة منحهم تأشيرة الدخول “الفيزا” مما اضطرّهم أن يبدّلوا في اليونان -غالباً- وجودهم من مواطنين سوريين إلى مواطنين X أو Y.
أمّا غير السوريين فدفعوا الغالي والنفيس من أجل البطاقة الوطنيّة السوريّة قبل جواز السفر السوري لأنّ هذا ما يضمن بقاءهم الحتمي في البلد الذي يريدون الوصول إليه.
ترنّح الهوية أمام الهجرة
طبيعة المجتمعات الأوروبيّة يرفضها أغلب العرب المهاجرين عمومًا و السوريين خصوصاً، ولا سيما ممّن يتمسّكون بطبيعة دينيّة أو اجتماعيّة محافظة، وفي الوقت ذاته يرفضون غالباً الاجتماع بأبناء بلدهم أو دينهم أو قوميتهم لعدم شعورهم بالراحة أو لأسباب أخرى اجتماعية منها أو سياسيّة، ورغبةً منهم بعدم الاقتراب من المجتمع الذي دفعهم للاغتراب؛ عندما وصلت أوروبا كانت أوّل النصائح الموجّهة لي هي أن أتجنّب الاحتكاك بالسوريين خوفا من الأذى أو الإزعاج أو لأسباب أخرى يرفض الناصح الإفصاح عنها، وبهذه الحالة لم يحقق السوري شروط الاندماج الاجتماعي مع المجتمع الأوروبي، ولا يستطيع أن يحافظ أو يعبّر عن هويته بالاجتماع مع أبناء بلده في اجتماعات ثقافيّة أو عائليّة، وبالتالي شكله كوافد جديد في المجتمع الأوروبي مجهول المعالم تماما، فلا هو بظرف اجتماعي يسمح له بممارسة لغته وثقافته، و لا هو متقن للغة وعادات البلد المضيف، ممّا يجعل الطرف الآخر (المضيف) يتعامل بحذر لأنّه أمام معادلة مجهولة من كل الأطراف، فعلى سبيل المثال المهاجرون الأتراك أثبتوا أنفسهم بقوة في أوروبا فلم يغيّروا عاداتهم الاجتماعيّة و جعلوا هويتهم حاضرة من خلال تصديرها عن طريق الفن أو المطاعم المنتشرة بكثرة و اندمجوا وأتقنوا لغة وقوانين المجتمع المضيف.
أمّا السوريون في غالبيتهم فيعانون من الاغتراب بكافة النواحي، مع العلم أنّنا كسوريين أبناء حضارات مختلفة ومتنوّعة وإذا صدّرنا هويتنا بالطريقة الصحيحة فغالبًا نضيف لأي ثقافة نندمج معها، وأكبر دليل على ذلك هو الإقبال الأوروبي الكبير على الموسيقى والمسرح العربي ولا سيما من المغرب وسوريا.
أمّا من جهة أخرى و التي تعتبر أحد أهم المشاكل التي يعاني منها السوريون في أوروبا هي الانشقاق الأسري، المتمثّل في حالات الطلاق والعنف الذي يصل للقتل أحياناً، كما حصل خلال الشهر الجاري عندما استفاق السوريون على جريمة “أبو مروان” الذي طعن زوجته بطريقة وحشيّة وظهر معلنا عن جريمته ببث مباشر على موقع ” الفيس بوك”، وسبقته بأشهر حادثة في السويد مع عائلة سوريّة عندما سحبت الحكومة السويديّة الوصاية منها على أطفالها، نتيجة الضرب المبرح للأطفال من قبل الوالدين، ممّا أثار حفيظة السوريين وغيرتهم على عاداتهم وتقاليدهم في التربيّة الصارمة أو العنيفة واعتبروها تعدّياً على ثقافتهم وخوفاً بأن يتعلّم أطفالهم الثقافة الأوروبية، مع العلم أنّ أغلب العائلات السورية المحافظة الموجودة في أوروبا لا تمارس ثقافتها العربيّة أو السوريّة فلا أدري أين العائق أو المشكلة بأن تتعلّم الأجيال القادمة عادات المجتمع الذي ستعيش فيه وتصبح من مكوناته الأساسية؟
الهويّة الهجينة
الشعوب العربيّة بعد أن صارعت أشكالاً كثيرة من الاحتلال وتأثّرت بثقافات جزء منها تركي وجزء منها فرانكفوني، أنتجت اضطراباً عند عدة أجيال حيال البحث عن نفسها، فلنأخذ سوريا ولبنان كمثال، فبعد انتهاء فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا لم تستطع أن تصيغ دستوراً وقوانين جديدة بشكل كلّي، بل اكتفت بترجمة القانون الفرنسي وممارسته بطريقته الخاطئة حتّى اليوم، إضافة إلى المناهج المدرسيّة التي لم تكرّس الهويّة الاجتماعية بقدر ما كرّست الهوية الدينيّة والقوميّة التي تعلّم الولاء للقائد الخالد، فعاش الشعب السوري على مدى عقود يجهل هويته و قومياته ودياناته ولغاته الجميلة المختلفة، حتى أصبح اليوم وبعد حرب داميّة، إمكانيّة مناقشة تدريس اللغة السريانيّة في برلمان النظام أمر متاح، في حين كان قبل سنوات جرماً يعاقب عليه القانون بتهمة الخيانة للعروبة، ممّا أدّى لانقطاع طويل مع الهوية الأم، والميول لتعلّم لغات أخرى كالفرنسيّة والانكليزيّة كشكل من أشكال التباهي بقدرة الفرد على تحدّث لغة أخرى.
أمّا في لبنان فالحالة أعقد، هناك تعطّش غريب لإتقان اللغتين الفرنسيّة الإنكليزيّة في تغييب شبه كامل للغة العربيّة وذلك لميل اللبنانيين بطبيعتهم إلى الغرب وذلك لاعتبارهم أن لبنان هو باريس الشرق من الناحيتين الجغرافية والثقافيّة. كذلك الأمر في المغرب العربي لكن مع فارق أن الهويّة الهجينة بين الغرب والشرق ظاهرة بأوضح أشكالها، مع وضوح ملامح كل واحدة منها.
التفكير في هذه النقطة يجعلني أتّخذ من القوميّة الكرديّة في سوريا مثالا مهماً للهوية المزدوجة إذا صح التعبير، فهي من أكثر قوميات المنطقة وضوحاً في المعالم، ويجمع الأكراد بين إتقان اللغة العربيّة وتعصبّهم للغتهم الأم، فرفضهم وحرمهم في آن معاً من حمل الجنسيات العربية جعلهم يحافظون على جمالية ثقافتهم وتميّزها، و “اللكنة” السوريّة الكردية المميزة أبرز ملامحها.
حالة الأنا
في النهاية كل شخص يحدد هويته بالطريقة والظروف الذي نشأ وترعرع فيها، لأنه بطبيعة الحال التجربة هي كلمة الفصل في تقرير الإنسان لمصيره، أنا عن نفسي أتحدّث كأنثى تشكّل حالة استفهام لدى الأشخاص المحيطين بي، فأنا عربيّة غير محجّبة تتحدث لغات بلباس قصير.
غير تقليديّة ومتمرّدة بالنسبة للمجتمعات العربيّة، لأنّني أبدي رأيي الصريح في السياسة والحريّة، ولباسي غير محافظ بالقدر المطلوب، وبالنسبة للأوروبيين امرأة محافظة لأنني أحتفظ بملامح شرقيّة شكلا ومضموناً، ولا أستسيغ فكرة المساكنة، و أحرص أن أصدّر أصولي في الدرجة الأولى، ومن ثمّ تحصيلي العلمي، لأنّي ببساطة بين يدي ثقافة تقيمني على أساس ثقافتي.
أمّا أنا شخص عربي سوري، نشأت في بيئة أقليّة دينيّة محافظة أحملها داخلي للآن، مستعدة للتأقلم والاندماج عن طريق ثقافتي و أناي بأي مجتمع كان… وهذه هويتي.
بواسطة Alia Ahmad | مارس 29, 2018 | Roundtables, غير مصنف
تشكل الهويات ما قبل الوطنية، في سوريا، كما في غيرها من البلدان ذات التنوع، عقبةً كبرى في طريق تشكيل هوية وطنية جامعة، فسياسات ما يسمى بـ”الهويات الجزئية”، إثنية كانت أو قومية أو دينية، تنطوي على التطرف وإقصاء الآخر المختلف وشيطنته وإنكار كرامته الإنسانية، تبريرا للعنف الموجه ضد هذا الآخر، بغية إلغائه وتدميره حسبما يحدده صراع المصالح، قاطعة بذلك السبل المؤدية لانضواء الأجزاء المتعددة تحت سقف وطني واحد.
الهوية نوعان، هوية ثابتة تخلق بالولادة، ينسب إليها أفرادها عنوة، مضطرين لا مختارين، كالهوية الجنسية أو الدينية أو القومية أو المذهبية، حتى لو عمد الإنسان إلى “تغييرها”سيبقى هناك ماضٍ يُحبس فيه، في كلمة “الأصل” على أقل تقدير، كالإنسان الذي يجرى عملية تحول جنسي، يبقى أبداً “المرأة التي كانت في الأصل رجلاً” أو العكس، أو المسيحي/ة عند تغيير دينه/ا تصبح “المسلم/ة من أصل مسيحي.”
وهوية متغيرة يصنعها الفرد بإرادته الحرة، من خلال تجاربه، فتأتي معبرة عن فرديته واستقلاله، هوية اختيارية، واعية، منفتحة على الآخر، مستزيدة من غناه، ومتسعة لأفق رحب يتسع للمختلف، بل يطالب لأنه يعتبر وجوده إثراء له لا تهديداً يخشاه، هذه الهوية تتطور، تتخذ أشكالاً أكثر غنى تنظر إلى المستقبل وتشد أفرادها إليه، فالمحدد الأساسي فيها هو الإنسان المستقل المسؤول عن اختياراته، بغض النظر عن انتماءاته الأولى.
في غياب الذات الإنسانية المتفردة والحرة، تعزز العلاقات الاجتماعية كالقرابة والنسب والعقيدة الهويات الأولية، وتتحول إلى عصبيات، ملبية الحاجة إلى الانتماء، وإن اتخذت أشكالاً جديدة كالهوية العقائدية والإيدولوجية، إلا أنها تبقى منغلقة على ذاتها، الأمر الذي يجعلها تشبه نفسها في كل وقت، وتكمن الكارثة في بقائها مُحدداً أساسياً للعلاقات بين أفراد المجتمع رغم تغير الزمن وتطور الحياة، تشدهم إلى الماضي وتعيد إحياء موتاه، رافضة أي انفتاح على الآخر، ومعتبرة أي تغير جديد مهدد لكيانها فلابد من محاربته ودحره حماية لوجودها.
كشفت الثورة السورية في آذار عام 2011 وجود كل من الهويتين لدى السوريين في تعيينهم لذواتهم، ولكن تبين للأسف أن سنيناً طويلة من الاستبداد والقمع الممنهج أتت أُكُلها السام، فالانطواء على الهويات الأولية هو ما استسلمت له الغالبية العظمى بدلالة مآلات الثورة السورية بحد ذاتها، وكذبة التعايش السلمي والشعب السوري الواحد باتت نيسانية ممجوجة، ورغم معرفة وقناعة كثير من السوريين بتعدد أشكال الهوية واختلاف معانيها، وتعاملهم مع الآخرين في محيطهم اليومي، على أسس أخرى مختلفة للهوية كالأنماط الشخصية، أو العلاقات الإنسانية، أو حتى الموقف السياسي من الثورة ، إلا أن الهويات الأولية “القاتلة” تحضر بقوة عند أول نزاع أو صراع مصالح ، لتسحق وجه الهوية الوطنية ومعانيها تحت بسطار الطائفة أو الانتماء السياسي أو القومي أو الديني…الخ
يقول أمين معلوف: “إن نظرتنا هي التي تحتجز الآخرين في انتماءاتهم الأضيق، في أغلب الأحيان. ونظرتنا هي القادرة على تحريرهم أيضاً.”
الآراء والنظرة المسبقة حول هوية الآخر الغريب غالباً ما تؤدّي دوراً حاسماً في رفضه أو قبوله، ولغة التعميم السائدة في المجتمع تساهم في حصر كل “آخر” في جزء محدد من هويته الأولية، وهي غالباً ما تنحصر بأصوله الدينية أو الطائفية، هذا ما تشهده مناطق عدّة من سوريا خلال الصراع الدائر حالياً وموجات النزوح الداخلي، كأن يصبح في لحظة ما “كل السنة القادمين من حلب إلى اللاذقية هم متزمتين دينياً ومتطرفين”، وفي المقابل يغدو “كل العلويين في اللاذقية مؤيدين للنظام ومستفيدين منه”، على سبيل المثال لا الحصر.
وإن لعب النزوح الداخلي دوراً مهماً في فتح إمكانية التعارف والتواصل بين أبناء البيئات السورية المختلفة، لكن هذا التواصل والتعارف لم يكن في ظروف طبيعية ومشجعة على تقبل الآخر، وإنما حدث وسط حرب تستنزف الطاقات والأرواح وبسببها تزداد مآسي الناس يومياً، مما عزز الشعور بالخوف من هذا الآخر ورفضه، وفي مواقع شتى بالاغتراب والقلق الوجودي والانزواء في الهوية الأولية، ورغم تنبه الجميع لخطورة خطأ التعميم، إلا أن الغالبية تقع فيه مختارة.
في ظل المعطيات الحالية تتمايز الهويات المختلفة أكثر في سوريا وتتصارع محاولة إلغاء بعضها بعضاً، حيث يسعى النظام لقسر هويته على السلطة، وفرض طابعها على جميع مناحي الحياة، في حين يؤمن أصحاب الهويات الجزئية الآخرى وأفرادها المحتميين بعصبياتهم، أن التخلي عن الهوية الأولية التي يختصرون ذواتهم فيها، يعني ضياعهم ودمارهم، الأمر الذي سيستمرون بالحرب من أجله في صراع يقتل أي بارقة أمل في تحقيق هوية وطنية سورية جامعة.
لابد من عقد اجتماعي جديد يضع المواطنة والعدالة الاجتماعية كأساسٍ لا بديل عنه، ويعتمد آليات العدالة الانتقالية لإعادة بناء هوية وطنية جامعة، في دولة يحكمها القانون وتقوم على أسس العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان، وبالتالي يُلغى التنافس بين الهويات الأولية العصبية، وتتاح الفرصة لتطوير الهويات المتغيرة الديناميكية، من خلال تشكيل مجتمع مدني يعمل على تأصيل وتجذير ثقافة الديمقراطية والمواطنة، محل المجتمع التقليدي البطركي بهوياته الثابتة الموروثة وسلطاته المستبدة.
بواسطة Ibrahim Hamidi | مارس 29, 2018 | News, غير مصنف
المفاوضات المباشرة بين الجيش الروسي و«جيش الإسلام» محتدمة لمستقبل دوما في غوطة دمشق. كما أن المحادثات بين الجيشين الروس والتركي مكثفة لتقرير مستقبل تل رفعت في ريف حلب، ما ذكر بالمفاوضات غير المباشرة سابقاً لتقرير مستقبل القطاع الجنوبي من الغوطة بالتزامن مع تقدم قوات «غصن الزيتون» التركية من مركز عفرين، شمال حلب، الأمر الذي أوحى بأن عمليات توزيع قطع سوريا بين القوى الخارجية مستمرة.
وإذ تجري مفاوضات مستقبل دوما على وقع تعزيز الحكومة السورية قواتها حول المدينة مع أنباء عن نية روسيا قيادة هذه العملية، فإن الحديث بات يتناول «مرحلة ما بعد الغوطة» وما إذا كانت ستنتقل قوات الحكومة وروسيا أولاً للهجوم على «الجيب المعزول» في ريف حمص أولاً أم إلى «هدنة الجنوب» حيث تقوم ترتيبات روسية – أميركية – أردنية، مع وجود قناعة بأن مرحلة شرق نهر الفرات مؤجلة إلى مرحلة بعيدة، بسبب القرار السياسي الأميركي بـ«البقاء إلى أجل مفتوح».
وتحت وطأة خسارة القطاع الجنوبي وتهجير آلاف المقاتلين من «فيلق الرحمن» و«أحرار الشام» من شرق دمشق إلى الشمال، دخل «جيش الإسلام» مفاوضات مباشرة مع الجيش الروسي لتقرير مصير آخر جيب للمعارضة شرق العاصمة. وبحسب المعلومات، فإن هناك الكثير من التعقيدات في هذه المفاوضات حيث سعى ضباط مصريون للوصول إلى تسوية ما استكمالاً لدورهم في عقد اتفاق «خفض التصعيد» صيف العام الماضي.
«جيش الإسلام» يريد البقاء في دوما بسلاحه ومؤسساته المدنية مع وقف للنار مع دمشق، مقابل السماح بوجود رمزي لمؤسسات الدولة وصولاً إلى تحول مقاتلين معارضين إلى قوات شرطة والتخلص من السلاح الثقيل وإيجاد صيغة للتعاطي مع الخدمة الإلزامية للشباب في دوما بـ«حماية روسية» مع «إصدار عفو عام»، والسماح بحرية الحركة من وإلى المنطقة.
لكن الجانب الروسي، الذي كان يبدي بعض المرونة، بات ميالاً إلى التشدد والاقتراب من موقف دمشق وخيّر «جيش الإسلام» الذي يضم نحو ثمانية آلاف مقاتل بين «الهجوم العسكري أو اللحاق بركب المناطق الأخرى والموافقة على الإجلاء».
وبرزت عقدة أخرى هنا، هي الوجهة التي يمكن أن يذهب إليها بعض قيادات «جيش الإسلام»، ذلك أنهم يرفضون الذهاب إلى إدلب بسبب المعارك السابقة بين «جيش الإسلام» و«جبهة النصرة» التي تلعب دوراً أساسيّاً في «هيئة تحرير الشام» في إدلب. كما أن أنقرة وفصائل متحالفة معها رفضت استقبال قيادات من «جيش الإسلام» بسبب اعتراض تركي على عقد فصائل اتفاقات عقد التصعيد مع روسيا برعاية مصرية.
عقدة وجهة المقاتلين المهجرين من الغوطة برزت قبل يومين، إذ إن فصائل «درع الفرات» التي تسيطر بدعم تركي على مناطق بين الباب وجرابلس في ريف حلب، رفضت استقبال «فيلق الرحمن» الذي كان ينسق مع «النصرة» في وسط وجنوب الغوطة. ونقل عن قيادي معارض قوله: «يجري الحديث عن استقبال ألفي مقاتل وعائلاتهم في درع الفرات، لكن التخوف أن يدعو فيلق الرحمن موالين من إدلب إلى مناطق درعا الفرات لاحقاً».
كما تخوفت فصائل إسلامية و«معتدلة» من انتقال مقاتلين من «فيلق الرحمن» و«النصرة» إلى إدلب لاعتقاد هذه الفصائل أن وصول مقاتلين جدد سيرجح الكفة لصالة «هيئة تحرير الشام» في أي مواجهة مقبلة بين فصائل إسلامية في ريف إدلب. وخرج أكثر من 19 ألف شخص من البلدات الجنوبية للغوطة فقط، بعدما كان تم إجلاء أكثر من 4500 من حرستا. وهناك توقعات بأن يصل العدد إلى 30 ألفاً.
وأمام هذا الواقع بدا أن إحدى المناطق التي يمكن أن يذهب إليها قياديون أو مقاتلون من «جيش الإسلام» هي زاوية أرياف درعا – السويداء – القنيطرة التي تسود فيها اتفاقية «خفض التصعيد» بتفاهم أميركي – روسي – أردني.
ويتزامن هذا الخيار مع بدء إرسال قوات الحكومة بعض التعزيزات إلى الجنوب للتلويح بإمكان الذهاب إليه بعد الغوطة. لكن مسؤولين غربيين ودوليين قالوا: «دمشق تضغط على موسكو للذهاب إلى شن هجوم على جيب ريف حمص في الرستن وتلبسية»، وهي المنطقة التي كان جرى التوصل في القاهرة مع روسيا لاتفاق «خفض التصعيد». وأوضح دبلوماسي: «معركة حمص سهلة وتقع ضمن سوريا المفيدة لدمشق، على عكس جنوب البلاد».
وكانت أميركا وروسيا والأردن توصلوا إلى «هدنة الجنوب» نصت على التزام أميركا بأن تقاتل فصائل «الجيش الحر» التي تضم 35 ألف مقاتل «جبهة النصرة» و«جيش خالد» التابع لـ«داعش» مقابل التزام روسيا بإبعاد «قوات غير سورية» في إشارة إلى «حركة النجباء» و«حزب الله» عن الجنوب في مرحلتين: الأولى بين 5 و15 كيلومتراً والثانية وراء 20 كيلومتراً.
وبحسب مسؤول غربي: «كلما راجعت أميركا روسيا إزاء تنفيذ التزاماتها لإبعاد ميلشيات إيران تطالب موسكو واشنطن بقتال (النصرة)».
عليه، بقي الموضوع معلقاً مع التزام الأطراف وقف النار. وتم خرق الهدنة مرات عدة الأسبوع الماضي من قوات الحكومة. وجرت لقاءات أميركية – روسية في عمان لعودة الأطراف إلى التزام الهدنة. وهناك اعتقاد بأن دمشق تضغط لتحسين الموقف التفاوضي للوصول إلى ترتيبات جديدة، خصوصاً وسط رغبة الأردن بإعادة تشغيل معبر نصيب ورفع العلم الرسمي.
عليه، فإن المرجح هو أن تكون المعركة المقبلة في «جيب» حمص. واستعجل «جيش التوحيد» و«هيئة التفاوض» في حمص الاتصال بأنقرة للوصول إلى تسوية تبعد ريف حمص عن المعارك ونشر نقاط مراقبة تركية شمال حمص. لكن أنقرة لا تزال إلى الآن تعطي أولوية لقضم ريف حلب بعد عفرين.
وبحسب المعلومات، فإن المفاوضات جارية بين الجيشين الروسي والتركي للاتفاق على آلية تسليم تل رفعت إلى أنقرة والاتفاق على خرائط انتشار فصائل معارضة والجيش التركي هناك. وقال مصدر مطلع: «هناك اتفاق على تسليم تل رفعت إلى تركيا، وإن قوات النظام انسحبت من أطراف مطار منغ ومناطق في تل رفعت، وإن الخلاف هو حول مستقبل وحدات حماية الشعب الكردية». ونفى مصدر كردي حصول أي تقدم للجيش التركي في تل رفعت، قائلاً: «الأمر على حاله هي في أيدي النظام وليس الوحدات الكردية التي تركز على حرب كر وفر في عفرين».
وبعد سيطرتها على 2100 كيلومتر مربع في مناطق «درع الفرات» وألف كيلومتر في مناطق عفرين، ترتفع مناطق سيطرة تركيا بعد القبض على تل رفعت لتضاف إلى مناطق أخرى في ريفي إدلب وحماة، حيث نشر الجيش التركي 13 نقطة مراقبة. في المقابل، تسيطر قوات الحكومة على نصف مساحة سوريا مقابل سيطرة حلفاء واشنطن على ثلث سوريا شرق نهر الفرات.
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Mays Al Reem Qarfool | مارس 28, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
رائحةُ البرتقال مع البرد تذكّرني بالحقل
الذي يمتدُّ خلفَ بيتنا
فقط في فصل الشتاء
رائحةُ البرتقال مع البرد جرحٌ
كلُّ رائحة يمكنُ أنْ نتذكّرها هي جرحٌ في الزمن
أولئك الذين يمشونَ من دون أنْ يتوقفوا عند الروائح يمضُون نحو الغد
عمياناً.
الجرحُ عينٌ
وأنا محاطةٌ بكلّ أصنافِ العميان
أحياناً أشعرُ بأني وحدي مجروحةٌ
ولا أعرفُ كيف أنقلُ صوتي من تلك البُحّة العميقة إلى البُحّة التي يتكلّمون بها
بلا خلفيةٍ
وبلا سماءٍ
بلا ذلك الجرح الذي يحدثُه البردُ في البرتقال
أو تلك اللذة.
* * *
قـش
لي أختٌ محبوسةٌ خلف قضبانٍ من حديد
تنمو فوق المجازر
تبقرُ بطنَها بيديها ثم تملؤهُ بالقشّ
انقطعَ حليبُها
وامتلأ صدرُها بالدم
تنامُ قربي الآن
أنا أغفو
وهي تحفرُ الحلمَ بأسنانها
* * *
بواسطة Manahil al-Sahwe | مارس 28, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
على الفِراشِ الرقيق أتمدّدُ بحزنٍ
أديرُ وجهي نحو الحائط
أبتسمُ
أرسمُ اسمكَ بإصبعي على الجدار
أُغمضُ عينيَّ مع صوتِ انفجارٍ بعيدٍ،
أستطيعُ الآن النوم دون أنْ أحلم بشيء
دون أنْ أنتظر شيئاً.
أعلمُ أنّ كثيرينَ مثلكَ
رحلوا إلى أوروبا
رحلوا لأجل الذلّ والموت،
لكن بعد سنين
حين سيسألُ أطفالهم عن سببِ قدومهم
سيقولون:
لأنَّ أجسادَ الأوروبياتِ أكثرُ دفئاً من نسائنا،
نسائنا اللواتي مُـتْـنَ وحيداتٍ هناك.
* * *
حين يأتي الموت
حين يأتي الموتُ
سيسحبُ كلَّ الرجال
الواحدَ تلو الآخر من أصواتنا
لننكسرَ كغصنٍ طريٍّ تحت قدميّ عصفور،
حين يأتي الموتُ
“لن تكونَ لهُ عيناكَ“
ولن يتلمّس أجسادنا
بحثاً عن شهوة مخبّأةٍ في البطن،
سنكون نساء قبيحاتٍ
بأصواتٍ مشوّهة
تُخرِجُ طيوراً مُختنقة
وأوجاعاً باردة.
كلُّ الرجال الذين عرفناهم
وخبّأناهُم في خلايا صوتِنا
ليرمّمُوا جُملَنا الناقصة في الوحدة
سيسحبونَ ما تبقّى من الكلام داخلنا.
حين يأتي الموتُ كاملاً
أو ربما بلا ثقلٍ
حين يأتي في وقته أو بعده
أو متأخراً جداً..
سيكون حنوناً
أكثر من كلِّ الرجال في أصواتنا
سيضمُّنا ويزجرهم بعيداً..
لنبتسمَ بخبثِ النساء
حين يطردنَ رجُلاً ويستبدلنَ آخرَ به.
* * *
الرجال وحسب
في المساء تتمدّدُ النساءُ على ظهورهنّ،
الظهورُ أحواضُ وردٍ
وعشبٌ تحت أقدامِ الرجال،
في المساء تتمدّدُ النساءُ على ظهورهنّ
ينظرنَ إلى فوق
الطائرةُ تستعدُّ لقصفِ مدينة
السماءُ تشدُّ أطرافها
كفتاةٍ تستحييْ من عُريٍ أسودَ كهذا،
يتابعنَ النظرَ إلى ما فوقهنّ
الرجالُ يمرّون
والطائراتُ
والألمُ الذي يزحفُ
كدبابةٍ تجعلُ الأرضَ تحتَها أكثرَ قسوةً…
هكذا أدركتُ أنّ كلَّ الرجال
يتحوّلونَ فجأةً
إلى آلةٍ ضخمةٍ
بعضُهم يُسمّيها دبابةً
وآخرونَ طائرةً
وقليلونَ مثلي
يعرفون أنهم الرجالُ وحسب.
* * *