تدريباتنا

السوريون يعيدون إحياء أدوات أجدادهم المنزلية

بواسطة | مايو 21, 2022

تردي أوضاع السوريين وتراجع قدرتهم الشرائية، بفعل التضخم وارتفاع الأسعار بشكل كبير، دفع الكثير من الأسر إلى تغيير أنماط عيشها وتسوقها، وتحوّلت للعمل بمبدأ شراء الضروري فقط وعند الحاجة الملحة بما يُعرف باللهجة المحلية بـ”التسكيج”، فإذ يصبح شراء أساسيات الحياة لرفاهية، يتحول شراء أثاث البيت وأدوات المطبخ لتبذير.

أجبرت غالبية الأسر السورية على رثي الثياب التي ترتيدها، تصليح أحذيتها، إضافة لتصليح وتلميع أدوات المطبخ من طناجر أباريق وصحون، بعد أن أزالت الغبار عن “بوابير الكاز” وأعادتها للخدمة بعد صيانتها وتلميعها.

وبهذا عادت مهن كانت منسية، إلى العمل بنشاط، ومنها تلميع الأدوات المنزلية المعدنية مثل الطناجر وأباريق الشاي بالإضافة لإصلاح المدافئ و “بوابير الكاز” .

سوق النحاسين

عندما تدخل سوق النحاسين بجانب سوق المناخلية في شارع الملك فيصل بدمشق، تتوقع أن تسمع أصوات الطرق على النحاس، لكن الأصوات خجولة ومتباعدة، فقد خف الاقبال على الصناعة والشراء، وبات الاصلاح والتبييض سيدا الموقف.

يقول ابو عمر الميداني أحد الحرفيين القدامى في السوق :” الرائج اليوم هو التصليح لارتفاع اسعار الادوات الجديدة، فمجموعة طناجر الستانلس ستيل يتجاوز450 الفا بعد أن كان قبل 2011 بين 4500-5000 آلاف، و سعر قاظان النحاس وزن 15 كغ كان عندها حوالي ألفي ليرة، وبات اليوم مليون ونصف، لذلك من الطبيعي ان تلجأ الناس إلى الاصلاح”.

 ويرى الميداني أن أكثر الأواني اصلاحا هي الطناجر والاباريق ودلات القهوة، ويعتبر هذا العمل في ظل انقطاع الكهرباء لساعات طويلة غير مجد ويضيف ” أجر تركيب يد لأبريق شاي هو 2000-2500، تلحيم  يد دلة قهوة 500-1000، وهذه الأسعار”معقولة ومقبولة أمام الارتفاع الكبير لأسعار الأدوات الجديدة.”

ويدفع أبو عمر ضريبة سنوية لا تقل عن مليون ليرة في السنة عن محله الذي لا تتجاوز مساحته 9م مربع، علما انه كان في 2011 يدفع 8 الالف ليرة فقط.

بدوره يقول أحمد الذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل :”عملت بتبييض الاواني منذ 30 عاماً، توقفت لفترة بسبب التهجير، لأعود منذ عامين تقريباً. لكن ارتفاع أسعار المواد الأولية يجعل المردود ضعيفا، فزبائننا من محدودي الدخل الذين يلجؤون للتصليح والصيانة لعدم قدرتهم على شراء الجديد”. ويتم التلميع عن طريق ماكينة كهربائية مرتبطة بفرشاة من الكتا،ن تدهن بصابون خاص، أما أكثر الأدوات طلباً للإصلاح فهي اباريق الستانلس والطناجر.

مصلحة على البركة

حسين صالحة 34 عاما يعمل أيضاً بمهنة تلميع الأواني وهو يعيش في ضاحية حرستا 10كم شرقي دمشق يروي لـ”صالون سوريا” :”عملت  بهذه المهنة منذ كان عمري خمسة عشر عاما، زبائننا من الناس الدراويش يفضلون دفع مبلغ 30- 50 الف لاصلاح جميع الأدوات بدلاً من شراء الجديد الذي يتراوح سعره ثلاثة او اربعة اضعاف هذا المبلغ”.

لا يتجاوز دخل حسين الشهري مبلغ 60 الفاً وهو يعمل لساعات قليلة بحسب توفر الكهرباء، ويعتمد على الاصلاح اليدوي أثناء انقطاعها، يصف حسين مصلحته بأنها “على البركة “بسبب ضعف الحركة في حرستا أثر ما عانته خلال الحرب، مضيفا ” لا استطيع رفع الأجرة لأن الناس وضعها الاقتصادي معدوم.”

وارتفعت اسعار الادوات المنزلية الجديدة إذ يترواح سعر ابريق الستانلس ستيل بين 18- 85 الف ليرة، وهي صناعة سورية أو صينية . دلات القهوة يبدأ سعرها من 2500 ليرة وصولا إلى 26 الف أما طناجر الستانلس فيبدا سعرها من 30 الف وصولا الى 200 الف للطنجرة الواحدة، في حين يصل سعر طقم طناجر الغرانيت حتى 575 الف ليرة.

عودة بوابير الغاز

الأسر السورية تحصل بالكاد على أسطوانة غاز كل ثلاثة أشهر تقريباً، ومع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة في اليوم اضطر السوريون لإحياء “بوابير الكاز” التي كانت تستخدم قبل مئة عام، وأسعارها تتراوح مابين 50-90 الفا.

ويرى الدكتور وائل الدغلي مدير الرعاية الصحية في مديرية صحة دمشق، أن استخدام وسائل الطبخ القديمة ينطوي على مخاطر و مشكلات جمة، “فاستعمال المحروقات السائلة مثل الكاز والمازوت في المطبخ بشكل متكرر، يرفع بشكل كبير احتمال حدوث حرائق، نتيجة سوء الاستخدام او سوء التخزين” ويضيف “تصميم البيوت في وقتنا الحاضر غير مخصص لاستخدام هذه المحروقات، فلا يوجد مكان آمن مخصص للتخزين أو لاستعمال البوابير، كما كانت البيوت عندما كانت هذه الادوات مستعملة.” .

كما ان احتراق هذه المواد يخلف أدخنة أحيانا لاترى بالعين، لكنها قد تسبب تسمم بغاز اول أكسيد الكربون، وقد يودي بحياة المصاب، خاصة اذا استعملت هذه الأدوات ضمن المطابخ صغيرة المساحة التي لا توجد فيها تهوية.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

أسفار تدمير غزَّة

أسفار تدمير غزَّة

ألا يحقّ لنا أن نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذه الوحشّيّة الرهيبة التي تتصف بها الحرب التي يشنّها الصهاينة على غزَّة غير مبالين بقتل عشرات الآلاف من الأبرياء وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها وتشريد الأطفال والنساء والشيوخ؟ ويدفعنا إلى هذا التساؤل وضوح أنَّ ردّة...

الرواية وقضايا النساء

الرواية وقضايا النساء

كانت المرأة حاضرة دوما في الأدب والفن عبر التاريخ ولا شك أن ما عانته من معاملة الجنس الأدنى الملوث بدمه والمرتبط بالخطيئة الأولى والطرد من الجنة وارتباط الإغواء بجسدها والمتع الدنيوية المرفوضة دينياً، سيترك صداه في الإنتاج الأدبي والفني سواء العالمي أو العربي، الذي...

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

يعيشُ اليوم آلاف السوريين في قبرص خوفاً اجتماعياً من فقدان فرصة العيش في الجزيرة، بسبب التحريض الذي يتعرض له المهاجرون السوريون الواصلون حديثاً إلى قبرص، والذين أعُيد معظمهم إلى لبنان بعد قرار مفاجئ اتخذته قبرص بخصوصهم. "خلال الثلاثة أشهر الماضية، كان السوريون يصلون...

تدريباتنا