تدريباتنا

أزمة رغيف على تخوم حقول الجزيرة

بواسطة | فبراير 3, 2022

أعلنت الرئاسة التنفيذية للإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا تشكيل خلية أزمة بهدف وضع خطة لحل الأزمات التي تعصف بالمنطقة وعلى رأسها تأمين رغيف الخبز، وعقدت الشهر الماضي سلسلة اجتماعات مع هيئات ورؤساء التموين والمطاحن وشركات التطوير الزراعي؛ وأعلنت عن خطة لشراء 100 ألف طن من القمح من خارج مناطق نفوذها في سابقة هي الأولى منذ سنوات، في وقت عادت أزمة السكر لتطل برأسها من جديد وسط تذبذب توفر المادة واسعارها في أسواق مناطق الإدارة شمال شرقي سوريا.
وهذه الأزمات دفعت رواد مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل معها بعد قرار هيئة الاقتصاد بإنتاج الخبز ممزوجاً بـ 20% من دقيق الذرة أزمة حادة، ونشروا صوراً تظهر رداءة رغيف الخبز الجديد والتي أشعلت منصات “سوشيال ميديا”، التي تشير الى أن الكميات أكبر من تلك المعلنة؛ تزامنت مع مرور المنطقة بسنة ثانية من الجفاف عصفت بعاصمة سوريا الغذائية، ورفعت أسعار رغيف الخبز الواحد إلى 3 أضعاف وشهدت المخابز العامة والخاصة والحجرية وقوف طوابير طويلة للحصول على قوتهم اليومي.

يقول نقل عبد حامد المهباش رئيس المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، إن “الادارة”، شكلت خلية أزمة لمعالجة القضايا الخدمية والمعيشية في المنطقة. وقال لـ “صالون سوريا”، أن قرار تشكيل اللجنة الفنية “يهدف لمراقبة عمل الأفران والمطاحن وكانت هذه أهم مخرجات الاجتماعات الطارئة للإدارة الخاصة بالجوانب الخدمية المتعلقة بحياة الناس”، وأقرت الإدارة بتراجع جودة الخبز ومدى توفر المادة في مراكز التوزيع والمخابز العامة والخاصة ولفت المهباش أن: “أعضاء الخلية سيعملون على مراقبة جودة الخبز وتلافي حدوث أزمات معيشية مستقبلاً”.
وبات مشهد وقوف طوابير من السكان أمام أبواب الأفران العامة والخاصة والحجرية مألوفاً في منطقة تحتوي على 80 بالمائة من المخزون الاستراتيجي لمحصول القمح، وتضاعفت سعر ربطة الخبز المكونة من 700 غرام من 700 ليرة سورية الى ألفي ليرة (تعادل 6 سنت أمريكي)، أما رغيف الخبز الحجري يباع حجم المتوسط بـ 500 ليرة اما الكبير يتراوح سعره بين 700 وألف ليرة.
وسوريا التي كانت تنتج قبل عام 2011 نحو 4 ملايين طن قمح تكفي الاحتياجات الذاتية غير أن هذه الأرقام تراجعت بعد سنوات الحرب وبلغ إنتاجها في موسم العام الفائت أقل من مليون طن، وتقدر احتياجات البلاد بنحو 2.5 مليون طن ولسد العجز الحاصل في مناطق نفوذها، قررت الإدارة الذاتية خلط 20 بالمائة من دقيق الذرة مع عجينة القمح لإنتاج رغيف الخبز، وأوضحت أمل خزيم الرئيسة المشاركة بهيئة الاقتصاد لـ “صالون سوريا”، أَن جودة الخبر تراجعت بعد إضافة دقيق الذرة الصفراء إلى طحين القمح وتعزو السبب الى نقص كميات القمح بسبب موجة الجفاف للسنة الثانية على التوالي. وتابعت: “احتياجات سكان مناطق شمال وشرق البلاد تقدَّر بـ 700 مائة ألف طن من القمح، والهيئة اشترت نحو مائتي ألف طن وكان هناك مخزون احتياطي يبلغ 200 ألف طن”، الأمر الذي دفع القائمين على الهيئة الايعاز الى المطاحن بخلط الطحين بدقيق الذرة بنسبة لا تتجاوز 20 بالمائة ولفتت قائلة: “لتفادي العجز ووقوع نقص في توفير الخبز للأهالي، لذلك قمنا بخلط 20 بالمائة من دقيق الذرة الى طحين القمح لإنتاج الخبز”.
وبحسب مسؤولي الإدارة، يقدر العجز في دقيق القمح بنحو 300 إلى 400 ألف طن لوجود أكثر من 4 ملايين نسمة في مناطق نفوذها شرقي الفرات، وانتشار مخيمات في معظم مناطقها أكبرها مخيمي الهول ورأس العين بالحسكة، وأوضحت خزيم بأن الإدارة تخسر 90 بالمائة عن كل 1 طن من القمح، “إذ يبلغ السعر الوسطي لطن القمح 350 دولارا أميركيا، يُستخرج 750 كلغ طحين و230 كلغ نخالة و20كلغ نواتج غربلة ويباع الكيلو غرام الواحد من الطحين المدعوم للأفران بستين ليرة سورية”، وأكدت أن الهيئة شكلت لجنة تفتيش من أصحاب الخبرات للإشراف بشكل مباشر على رقابة معايير مطاحن الذرة الصفراء والتأكد من نظافتها ونسبة الخلط مع الطحين، لتزيد: “وضعنا خطة إسعافيه لشراء كميات من القمح بموجب عقد مبرم بين الإدارة وجهات أخرى وقدرها مائة ألف طن، للاستغناء عن خلط الذرة بالقمح مما يساعد في تحسين جودة الخبز المدعوم”.

وللتعبير عن رفضهم لتدهور الأوضاع المعيشية والأزمات الأمنية بعد أحداث سجن غويران جنوبي مدينة الحسكة نهاية الشهر الماضي، تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير مع الأحوال السيئة التي تؤول إليها مناطق نفوذ الإدارة والتي لم يسلم منها حتى رغيف الخبز، حيث جاءت أغلب التعليقات والصور المنشورة “معارضة” لقرار الهيئة خلط دقيق الذرة بطحين القمح.
ونشر الناشط جابر جندو المتحدر المنحدر من بلدة عامودا شمالي محافظة الحسكة على صفحته بموقع “فيسبوك”: “الناس قبل 2010 كانت تقول كل خيرات الجزيرة تذهب للداخل وعدم التساوي بين المحافظات في توزيع الخيرات، لكن الإدارة عاجزة اعطاء تفسير لجودة الخبز وانقطاعه”، ونشر صوراً للخبز الجديد وأضاف قائلاً: “قلنا راح نقبل بالذرة تخلط مع الخبز بس الشباب استعجلوا وحطو محارم كمان بخبز القامشلي”.
وكانت محافظات الحسكة والرقة ودير الزور تؤمن احتياجات البلاد من طحين القمح والبذار بنسبة 90 بالمائة، وتعتبر سابقة خلال سنوات حكم سلطات الإدارة على هذه المناطق الغنية بالنفط والطاقة والغاز بعد لجؤها الى شراء القمح وتلقي المساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية في تأمين البذار لسد احتياجات سكانها، وبحسب أرقام هيئة الاقتصاد والزراعة لدى الإدارة لموسم القمح الفائت قامت بشراء نحو نصف مليون طن من القمح من المزارعين لتأمين احتياجات أبناء المنطقة، وبحسب مصادر وتقارير أخباريه فقد باعت الإدارة جزءاً من إنتاجها وقدرت الكميات بنحو 300 ألف إلى شخصيات وشركات تجارية على صلة بالحكومة السورية.
أما الإعلامي والمصور إيفان حسيب المتحدر من مدينة الحسكة، نشر صوراً لرغيف خبز على صفحته في “فايسبوك”، تظهر رداءة رغيف الخبز وبداخلها كتل من العجين وعلق عليها: “المسؤولين ما ينفوا صحة رداءة نوعية الخبز وكم منافق وانتهازي مستعد يكذب كل الشعب كرمال يثبت لأسياده بأنه ملتزم بخط سير القطيع”.

ورغم أن مناطق الإدارة تعد عاصمة سوريا الغذائية غير أن انعدام الهطولات المطرية للعام الثاني على التوالي والجفاف تسبب بتفاقم شحّ مادة الطحين المدعوم لدى مطاحنها العامة والخاصة، ودعا الخبير الاقتصادي الدكتور شوقي محمد سلطات الإدارة الذاتية إلى الامتناع عن استيراد الطحين التركي والإيراني بغية ضبط السوق وأسعار الطحين، “فالمطلوب إعداد حسابات تكلفة حقيقية لمادة الطحين وفقاً لأسعار القمح والمازوت بالمنطقة”، لافتاً الى إنه ليس من المهم توفر الموارد الاقتصادية، “بل الأهم هو إدارة هذه الموارد وفق أسس علمية صحيحة ومنظومة قوانين اقتصادية متكاملة”.
فيما سخر الناشط عكيد جولي على صفحته الزرقاء أن مكونات الخبز الجديدة بعد قرار هيئة الاقتصاد خلط الذرة بطحين القمح تكون كالتالي: “5 بالمائة طحين، و40 بالمائة ذرة صفراء، و40 بالمائة نخالة، و15 بالمائة شوائب وماء وملح، قد يتم استعاضة الطحين بالشعير في قادم الأيام”، واتفق معه الناشط زبير الشواخ من أبناء مدينة الرقة ونشر صورة للخبز الجديد على صفحته بموقع الفيسبوك وكتب تحتها: “اكتشاف لقى أثرية ولوحات موزاييك في شمال وشرق سوريا تعود لعصور مختلفة، ملاحظة 1 الصورة لبعض القطع الأثرية المستكشفة بالرقة، ملاحظة 2 هذا ليس خبزاً وشكراً”.
غير أن الصحفي جمعة عكاش المتحدر من بلدة المالكية أو (ديريك) بحسب تسميتها الكردية ويعمل مراسلاً لقناة “العربية”؛ قال على صفحته أن أغلب صور الخبز التي نشرت خلال الأيام الماضية غير صحيحة، “بعض الصفحات والاشخاص ارادت الاساءة للإدارة الذاتية، ووقع الكثيرون في فخ النشر دون التوثيق والتأكد لكن هذا ليس كل شيئ”، وأكد في منشوره أن الخبز الذي تنتجه أفران الادارة سيئ ورديء في نوعيته لدى أغلب الأفران والبلدات، ليضيف: “الادارة تخسر حوالي ألف ليرة بكل ربطة خبز تنتجه هذه الافران، لأن اغلب كميات الخبز تستخدم كعلف للمواشي والدواجن خاصة في القرى”، لحيث تباع ربطة الخبز (300 ليرة) وهي أرخص بكثير من سعر كيلو العلف الذي يبلغ 1600 ليرة.
وذكر بأن الادارة تستنزف احتياطي القمح وتخسر سمعتها لدى الناس وهي غير قادرة على تحسين نوعية الخبز رغم المحاولات لسنوات، وطرح بعض الحلول من بينها: “تزويد الافران السياحية بكميات القمح التي تخصصها للأفران العادية مقابل تخفيض ربطة الخبز السياحي لـ 500 ليرة”، حتى يصبح هذا الخبز المنافس متاحا للجميع وانتهاء عصر الخبز المشؤوم على حد تعبيره، “أو تخصيص الافران الحكومية وتسليمها للقطاع الخاص بحيث يستطيع ان يديرها ويستثمر فيها ويجددها بشروط”.

*صور كمال شيخو

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

يعيشُ اليوم آلاف السوريين في قبرص خوفاً اجتماعياً من فقدان فرصة العيش في الجزيرة، بسبب التحريض الذي يتعرض له المهاجرون السوريون الواصلون حديثاً إلى قبرص، والذين أعُيد معظمهم إلى لبنان بعد قرار مفاجئ اتخذته قبرص بخصوصهم. "خلال الثلاثة أشهر الماضية، كان السوريون يصلون...

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

تدريباتنا