في أي عام أعيش؟

في أي عام أعيش؟

ولدت في ثمانينيات القرن الماضي لأسرة متوسطة، تعيش من راتب معيلها الشهري. قضيت طفولتي بين شوارع مدينة ساحلية صغيرة وصخور قرية نائية في اعالي الجبال. بيت في المدينة وآخر ريفي مع بستان كبير كان جنتنا الصيفية.
كلها كانت بتدبير والدي الموظف الحكومي العتيق. ورغم محدودية الدخل، كان كل شيء مؤمنا لنا تقريبا نحن أبناؤه السبعة. كلنا على مقاعد الدراسة حتى دخولنا الجامعة وتخرجنا منها. مصاريفنا مقدور عليها، لا ينقصنا شيء سوى بعض الكماليات الممكن الاستغناء عنها.
قضيت شبابي كله بين عشريتي الألفية، الأولى والثانية. والآن، لدي عمل الخاص ودخلي الذي يفترض انه خرج من إطار المحدود، لكن هذا الدخل يتسرب قبل ان انتهي من التفكير في تأمين اللوازم وسد النواقص، الحاجات الأساسية قبل الكمالية. العاملون معي، أسرتي الثانية اشتدت عليهم ضغوط الحياة ولم تترك لهم سوى خيار السفر.
المنطق يقول مع مرور الزمن و التطور الذي طرأ، يجب ان يكون الأمر افضل من قبل، لكنني كل يوم احسد أبي. اربعة عقود، يفترض أنني تقدمت فيها إلى الأمام. المس مع مرور كل ثانية فيها كم تراجعت للخلف.
انني واحدة من ملايين صار المستقبل وراءهم. كيف يمكن ان اعيش اليوم بلا ماء ولا كهرباء ولا وقود للمواصلات الا بتكاليف تفوق قدرتي على البقاء! التفكير بزيارة الطبيب هم، وتأمين تعليم الابناء قضية كبرى. شراء مستلزمات المعيشة صخرة تجثم على صدورنا، واشعال شمعة في الظلام صار ترفا. هل سأقضي ما تبقى من عمري و انا ألعن الظلام لان تكلفة الشمع تفوق ما في جيبي؟
هل بت امام خيارين اما ان أغادر خارج الحدود او اغادر خارج الحياة؟ انا أحب الحياة واحب ان اكمل طريقي فيها فوق أرض تعنيني كل ذرة من ترابها وغبارها. كيف احل هذه المعادلة ؟
نريد ان نستمر. نريد ان نبقى. نريد ان نعمل. نريد ان نقضي أعمارنا فيما يفيدنا ويفيد الآخرين لا ان نفنيها في اللهاث وراء سراب لا يمكن ان يتحقق. نريد ان نبقى هنا. أعيدوا لنا بلادنا التي نشعر باغتراب عن كل ما فيها.
نحن أبناء النور لا يمكن ان نحيا في العتمة. حين امشي في العتمة لو لدقائق قليلة، المس انني عجوز في الثمانين تتمسك بما حولها وتحاول التقدم ببطء وهي تفتح عينيها عن آخرها ولا تكاد ترى، ترعبها فكرة السقوط والكسر والرضوض فلا طاقة لاستطباباتها ومعالجتها.
نريد ان نحيا شبابنا بحيوية، لا بعجز. نريد قوانين واجراءات داعمة لا محبطة مقيدة.
نريد من القائمين على القطاعات المختلفة ان يبتكروا وسائل تعيننا على الإنجاز و البناء، لا ان يتفننوا في إعاقة كل ما نقوم به، لأن تفكيرهم لا يسعفهم و يجربون بنا مرارا و تكرارا حتى يتأكد فشلهم. نحن لسنا فئران تجارب، نحن لسنا “هامستر”، إننا بشر.
كتبت هذه في أواخر ٢٠٢١ ، و كل المعطيات تقول اننا في ١٩٤٠. افيدوني في اي عام نعيش؟

* صورة، محمد الرفاعي، أ ف ب

سوريات تواجهن الموت… بالكتابة

سوريات تواجهن الموت… بالكتابة

ركّز تمكين النساء على البرامج دون المشاريع، ولم يشمل النساء المتميزات أو الحاملات لميزات قيادية أو ريادية.
تنوعت برامج دعم النساء، لكن جلّها ركّز على عناوين نمطية تحت شعار تمكين النساء، مثل الخياطة والتطريز وحياكة الصوف والتمريض والحلاقة والتجميل والدعم النفسي، حتى مشاريع التدريب في العالم الرقمي كانت مقدمة لتنمية الجانب التقني في حياتهن، وليس لإعداد نساء عاملات أو مختصات في هذا الحيّز المهم. فكانت النتيجة: لا النساء تمكنّ ولا المشاريع تجاوزت خانة الأمنيات، وكل ما تحقق اقتصر على قوائم بأسماء مكررة أحيانا للمنخرطات في هذه الورشات.
حافظت الكتابة على وصفها عملاً خاصاً بالنخبة، مع أن الرغبة بأن تصبح بعض النساء كاتبات أوسع من كل الحدود المقيدة لهذا الحلم.
تجدر الإشارة إلى أن حجم المنتج الأدبي بعد العام 2011 وخاصة ما بين 2013 و2019 كان أكبر من المتوقع وخاصة لكاتبات سوريات. نحن هنا لسنا بمجال نقد تلك التجارب من الناحية الأدبية، بل تجب الإشارة إليها كونها شكّلت ظاهرة نوعية اتسعت بسرعة ونمت بغزارة وخاصة لدى الكاتبات المهاجرات واللاجئات.
لم نسأل النساء يوماً عن رغبتهن بالكتابة. وارتبطت في المخيّلة الجمعية رغبة المرأة في الكتابة والتعبير بالعشق وبالخواطر السطحية والعابرة. لم نعترف يوماً بفعل الكتابة خارج أسوار الممنوعات والأسرار بين شابات أو مراهقات، والأهم أننا لم نعتبر فعل الكتابة عملاً يؤمّن مصدر عيش للكاتبات. لطالما شجّع الكثير من السوريين بناتهم على اختيار مهنة التعليم كمهنة حصرية مرغوبة ومناسبة للنساء، حتى عندما يتفوقن ويتمكن من تحصيل معدلات تؤهلهن لدراسة الطب. عائلات كثيرة دفعت بناتهن إلى اختيار اختصاص الطب النسائي أو الجلدية.
الحقيقة المخبأة والمتحايل عليها تقول: بأن الكتابة حلم لكثير من النساء في كافة مراحل أعمارهن، ويرددن عجزهن عن ذلك أو استسلامهن لقرارات العائلة. والحقيقة الأهم أن نساء كثيرات وخاصة الشابات يطمحن لطباعة كتب خاصة بهن!
إذن، تبدو الكتابة أكبر من حلم، ويبدو لقب كاتبة مسعى تتمنى الكثيرات الالتحاق بركبه، حتى الأميات يرددن: (لو أني تعلمت الكتابة لأصبحت شاعرة أو كاتبة سيناريو وقصص وروايات).
الأحلام قصص جاهزة تنتظر النشر
قررت صاحبة إحدى دور النشر المرخصة في دمشق، اللحاق بتلك الأحلام. دعت عشرات من النساء للكتابة. مغامرة، لاقت قبولاً عظيماً. وأتبعت خطوتها بإصدار ثلاث مجموعات متتالية لكاتبات، يكتبن للمرة الأولى عشن حياتهن حالمات بأسمائهن مدونة على صفحة في جريدة يومية أو على على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف بأسمائهن تصير حبراً على ورق!
تحولت الكتابة إلى ورشة تدار بين مجموعة خاصة بالكاتبات الحالمات واللاتي أبدين حماساً منقطع النظير، وتلهفاً للمزيد من الكتابة والتزاماً بالملاحظات والتصحيحات اللغوية.
صدرت المجموعات الثلاث على التوالي في الأعوام،2019، 2020، 2021.
أثناء التدريبات على صفحة كل مجموعة لكل كتاب، تم التعرض لكيفية كتابة نصوص حساسة للنوع الاجتماعي، كيف يمكن للنساء النجاة عبر قصصهن، النجاة من تكرار الأفعال الشاذة التي تنمط النساء في خانة محددة وتنمط الرجال في خانات أخرى. كانت فرصة لتتعرف الكاتبات على الآخر، كيف سيقرأ قصتي، كيف سيفهم ما أقصد، وعبرت الكثيرات عن رغبتهن بالكتابة لمجرد الكتابة.
احتوت المجموعة الأولى على أربع عشرة قصة لأربع عشرة كاتبة وحملت اسم “النقش على جلد المدينة”، تميزت القصص بالوجدانية وبتعدد المواضيع، لكن قضايا النساء كانت مهيمنة على المحتوى وعلى اللغة وانفعالاتها.
أما المجموعة الثانية والتي حملت اسم “نكتب لننجو”، فقد احتوت على خمس عشرة قصة لأربع عشرة كاتبة وكاتب. واللافت أن أحدهم علق بأن قصة الكاتب كانت الأكثر تعرضاً بشكل مباشر لقضايا النساء وخاصة قضية حيازة العائلة ورجالها تحديداً لجسد المرأة وبالتالي فإن الرجل هو الذي سيبرّر القتل فقط من أجل صيانة هذه الملكية وستكون النساء هن الضحايا.
يمكن القول إن المجموعتين الأولى والثانية قد تركتا الخيار مفتوحاً أمام الكاتبات والكاتب حول اختيار مضمون القصة، لكن المجموعة الثالثة شهدت تغيراً جديداً، إذ شارك فيها كاتبان وأربع عشرة كاتبة، وكانت المواضيع محددة مسبقاً وتختصّ بأشكال العنف الواقع على النساء، ويبدو عنوان المجموعة “الاختباء على الحافة” خير إشارة إلى حال النساء في مواجهة عنف متعدّد ومتسلسل ومتأصّل، كما أشارت مقدمة المجموعة إلى نظرية الرواية النسوية الأولى عبر شهرزاد وحكايات “ألف ليلة وليلة” كفعل هروب وليس كفعل نجاة.
لاقت المجموعات الثلاث استحساناً وقبولاً كبيراً، وكانت فكرة الكتابة الجماعية أكثر الأفكار تقديراً، لأنها أكدت على إمكانية المشاركة في النصوص وفي القضايا وضمن غلاف واحد، وهذا بمثابة
حلم أزلي تتوق إليه النساء في سعيهنّ إلى توحيد خطاب نسوي تشارك فيه النساء جنباً إلى جنب مع الرجال لبناء عالم أقلّ عنفاً وهمجية.
لطالما ركّزت عناوين برامج الدعم الموجّه للنساء على الأهداف الآنية وأغفلت الهدف الأسمى وهو تغيير حياة النساء نحو الأفضل.
هل تجاهلت برامج الدعم العناوين الإبداعية عمداً؟ في زحمة الحرب الدائرة يتم تسويف قضايا النساء الأساسية وتصويرها على أنها غير صالحة لهذا الزمان.
تم اختزال كل عناوين الدعم بالإعانات الغذائية المباشرة ووسائل تحصيلها وسبل العيش والدعم النفسي، على حساب عناوين إبداعية مثل الكتابة والمسرح والسينما والعروض الفنية الإبداعية والصحافة، ويمكن التأكيد على ذلك من خلال عدد الورشات وأعداد المشاركات ومن خلال النتاجات المباشرة لهذه العناوين.
السؤال: كيف يمكن تحويل الأفكار الإبداعية إلى منتج مادي تستفيد منه النساء مادياً؟ لقد أفرزت السنوات العشر الماضية مواهب خلاقة وخاصة في الإعلام المرئي والمسموع والتصوير والتحقيقات الصحفية، وقد أثبتت النساء حضوراً متكاملاً من حيث الدوافع والالتزام والعمل الجادّ على تطوير المهارات.
الحرب والخسارات، تشكّلان طاقة محفزة للحياة في مواجهة الموت. هل يمكن لفعل غير الكتابة أن يجابه الموت بالإبداع؟ إنه ليس سؤال عرضي، بل دعوة لإعلاء شأن الكتابة، لربطها بالحقوق، ولدمج الأهداف بالمشاريع.
راوغت شهرزاد عبر الحكايات لتحفظ رأسها من الجز، لكنها بقيت أسيرة القصر وأسيرة الملك.
الكتابة كفعل للنجاة، ليس لحفظ الرأس ملتصقاً بالجسد فحسب، بل لحفظ الحياة في أعلى الخيارات وأكثرها قيمة، نكتب لننجو؟ نعم وستنجو معنا الحياة بأبهى وأكثر تجلياتها عدالة، خارج حدود الجدران والصمت والتغييب.

دمشق، الأول من كانون الأول 2021

لماذا يسافر السوري… الى الصومال؟

لماذا يسافر السوري… الى الصومال؟

“لماذا سافرت برأيك؟، هل هو ترف السياحة؟، أم هي الحاجة للعيش؟، نعم أنا طبيب، قضيت عمري أدرس حتى اتخرج، ثم هات حظاً لأفتح عيادة واتعاقد مع مستشفى ثم أن يكون لديّ مرضى أو لا يكون، ثم ما هو مستقبلي في البلد؟، ومهما جنيت كم سأجني؟، الصومال ليست الخيار الذي كنت أطمح إليه، ولكن للأسف صارت وجهتنا كأطباء مكره أخانا لا بطل”، يقول طبيب دخل عامه الثاني في مقديشو، يرفض الكشف عن هويته، يقول أنّه يخاف تبعات ما قد يقوله لشدة ما وصل إليه من إحباط، قبل أن يودع حواري الشام، على حد تعبيره.
وبلهجة لا تخلو من الحزن يكمل: “شباب ضائع، حاضر سيء، مستقبل غامض، لا أدعي أنني تأقلمت في الصومال، ولكن على الأقل لست نادماً على هذه الخطوة بقدر ما أنا حزين أنّها خطوة لم تكن اختيارية بالمطلق، الظروف المادية والنفسية والمعنوية، وفوقهم الحرب، ومخاطر ما بعد الحرب، وضيق الحال، وضعف الاقتصاد، وانعدام فرص العمل، كل هذا بعض من العوامل التي جعلتني أكون حيث أنا الآن، وحيث أنا الآن هناك الكثير من أقراني السوريين، جميعنا نسأل بحرقة، أما كان يمكن ألّا يقدر لبلادنا كل هذا العذاب؟”.

جهاراً نهاراً
“هام: فرص عمل مميزة برواتب ومزايا عالية في قطر واليمن والصومال، للأطباء الأخصائيين من كافة الاختصاصات، وحسب توافر الشاغر، لتصلك عروض التوظيف مباشرة، أرسل سيرتك الذاتية وصورة عن الشهادات الدراسية والخبرة على واتس اب، وسنتواصل معك قريباً جداً”.
هذا نص لمنشور وضعته صفحة اسمها “فرص العمل للسوريين في الخليج والصومال” على موقع “فيسبوك”، وختمت منشورها بوضع رقم عائد لشخص يسمى الدكتور ميخائيل من حمص، يعمل ضمن شركة اسمها موارد تأسست في عام 1999 كما جاء في النص.
انهالت التعليقات على المنشور، ايمان درويش قالت: “هل هناك شروط خاصة للعمر”، فيما طلب منذر منذر فرصة عمل لشيف شرقي، أما أمينة زهرة فقد قالت أنها مهندسة وتريد السفر، وصادق البشاري قدّم نفسه على أنّه فني أسنان مهتم بالفرصة، وآخرون راحوا يشيرون لأصدقائهم في التعليقات.
لا يمكن وصف الحالة بالطبيعية، فأي شيء وصله السوري حتى يسعى للسفر إلى الصومال؟، هذا سؤال تبدو الإجابة عليه أعقد من الإيجاز فيها.

2200 دولار
“الغريب أنّ التعاقد صار الآن يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، يقول الطبيب شادي حلوم لـ “صالون سوري”، ويكمل: “عرض عليّ أكثر من مرة السفر والعمل في الصومال ولكنني بالطبع رفضت وسأظل أرفض، تخيل يتم التواصل معي عبر فيسبوك مرة وعبر واتس آب مرة أخرى، وضمن هذه المرات كانت شركة طبية هي من تتواصل، بالتأكيد لن أهرب من سوريا لأموت في الصومال، نحن هنا جائعون ولا عمل يفي بالمطلوب ولا فرص كنا نسعى إليها سنصلها، وصحيح أنّني سأخدم عسكريتي ولكن لقد حددت مدتها لي كطبيب وهذا أمر ممتاز، بالمختصر لم أمت في عشر سنوات من الحرب السورية، لن أذهب لأموت في لحظة اشتباك أو تفجير في الصومال، ثم لنسأل هل نحن حقاً نعرف الوضع في الصومال؟، كم هرمنا وتعبنا وهزمتنا الظروف حتى صرنا نهرب من بلد حرب، إلى بلد حرب آخر!”.
علي طبيب آخر في دمشق، لا يزال يفكر في عرض قُدِمَ إليه للسفر والعمل في الصومال، “لقد قدم لي عرض للسفر والعمل في أحد مستشفيات مدينة بيلدوين الصومالية مقابل راتب 2900 دولار شهرياً، وعلاوةً على ذلك الراتب قابل للزيادة، والسكن مؤمن، والطعام، والإجازة السنوية شهر كامل مدفوعة الأجر، وقيل لي أنّ تعداد سكان هذه المدينة أقل من مليون نسمة وأنها آمنة نسبياً، لذا، لا زالت أدرس العرض، ربما أوافق، بالنهاية لا يوجد عمل في بلدنا، والخيارات والسبل والدروب باتت شبه مسدودة في أوجه الشباب”.
يمكن للطبيب نفسه أن يبحث عن فرص عمل للسوريين في الصومال عبر الانترنت، بعض المنشورات تقدم رواتباً تصل حدّ خمسة آلاف دولار، وهو ما يحتاج السوري لسنين لجمعه في بلده، على اعتبار أنّه مقابل كل طبيب يعمل هناك عشرة لا يعملون، وهذا طبيعي بالسياق المهني العام، ولكنّه غير طبيعي إذا ما خضع لمبدأ ترغيب الأطباء بالهجرة مقابل المال، إفراغ سوريا من أطبائها ومهندسيها وشهاداتها بصورة عامة، سيجعل تعافي هذا البلد بطيئاً أكثر من المتخيل، هذا في حال تعافى، وهذا رأيٌّ يذهب إليه جمهور يدعي الواقعية لا السوداوية.

جار عليهم الزمن
صفحة أخرى على موقع “فيسبوك” تقول في تعريفها إنّها غير ربحية وإنما الهدف منها هو التواصل والتعاون بين الأطباء السوريين في الصومال بعد أن “جار عليهم الزمن”، وبدورها تبدو هذه الصفحة سخية، إذ تقدم رواتب تصل حتى 3500 دولار مع نسبة 10% للطبيب، وبسهولة يمكن البحث وإيجاد عشرات وربما مئات فرص العمل للسوريين في البلد الشقيق لشامهم، الشقيق في الحرب وعداد الموت المطرد مع الأيام.
“لم أكن أريد بأي شكل لولدي أن يسافر، وإلى أين؟، إلى الصومال!، إلى بلد آخر مزقته الحرب، أمسك له كلما استطعت الصلاة النارية، وأذكره بالدعاء مع كل قيام ليل، ماذا بيدي أن أفعل؟، أتواصل معه كلما سنحت له الفرصة، والله لا أفوت لحظة دون دعاء له، ختمت القرآن على نية عودته سالما، ولكن ماذا بعد؟، إلى متى سأعيش هذا الجحيم من الخوف عليه؟”، تقول أم سامر والدة طبيب هاجر قبل ثمانية أشهر إلى الصومال، تقول ذلك وهي تدرك بكل ثقة أنّه ما من مستقبل لابنها الوحيد هنا، “لكنه قلب الأم.. ما باليد حيلة”.

خسارة الأطباء
وافادت صحيفة “الشرق الأوسط” في مادة نشرتها الشهر الماضي أنّ سوريا خسرت 400 من كادرها الطبي بينهم 230 طبيباً نتيجة تفشي فايروس “كورونا”، بينهم عدد من أهم وأكفئ الأطباء المختصين، وهو –والكلام للصحيفة- ما أثار مخاوف العاملين بالقطاع الصحي ودفع كثيرين منهم للتفكير لمغادرة سوريا.
مصدر في وزارة الصحة أكد لـ “صالون سوريا” دقة أعداد الوفيات، مبيناً أنّ سوريا اليوم تدق ناقوس الخطر بفعل النقص الفادح بأعداد الأطباء، الأطباء الذين نالت منهم الحرب خلال السنوات الماضية، والمهاجرين الجدد، والذين قضوا في أزمة كورونا.
يبقى أنّ نقيب الأطباء السوريين اعترف في حديث سابق أنّ الأطباء يهاجرون إلى الصومال لأنّ الرواتب هناك أفضل، وفي الإطار قالت مصادر متقاطعة لـ “صالون سوريا” أنّ المعيشة في الصومال رخيصة جداً قياساً بدخلهم بالدولار الأميركي، وبأنّ الشعب الصومالي ودود و”معشراني” ويحب السوريين، ربما يحبهم على قاعدة أشقاء الدم والعذاب في الأرض، وقليل من الاحترام لوافدين من بلد كان يحتل مرتبة متقدمة في الأمن وضمناً الغذائي والمائي، وصار اليوم أكثر من 83% من سكانه تحت خط الفقر.. ولولا أنّ السوريّ جاع لما كان سافر إلى الصومال التي ما كان يعرف عنها غير الخوف عبر ما كان يُعرَض في نشرات الأخبار قبل أن تصير سوريا عنوان المشهد المستمر في نشرات الأخبار.

السوريون و “رحلة الموت” الى بيلاروسيا… بحثاً عن الحياة

السوريون و “رحلة الموت” الى بيلاروسيا… بحثاً عن الحياة

“لن تصدق، هي رحلة إلى الموت حرفياً”، يقول عامر وهو اسم مستعار لناشط سوري تحدث لـ “صالون سوريا” عن رحلته إلى أوروبا عبر بيلاروسيا. الناشط المعروف في مدينته رفض الكشف عن اسمه، لما أسماه تخوفاً من السلطات الألمانية التي وصل بلدها أخيراً. وقال: “خمسة عشر يوماً، لن أنساهم ما حييت”. لا شك، انه لا يرغب الخوض في التفاصيل الدقيقة، فالشاب الواصل حديثاً إلى ألمانياً يقول إنّ السلطات هناك ستسحب الهواتف منهم لبضعة أيام كإجراءات احترازية وروتينية في ذات الوقت.
يقول عامر بأنّ رحلته إلى ألمانياً كانت محفوفة بالمخاطر والمجازفات، واصفاً إياها بالأهوال. خلال الحديث معه، سرعان ما راح يشرح سبب سفره، متناسياً لوهلة عناء ما كابده حتى وصل، ذلك أنّ السوريّ ما كان ليسافر لولا أنّه ضاق ذرعاً بما يحصل حوله، ولكلّ مهاجر أسبابه المقنعة.
“صالون سوريا” خاطبه خلال الحديث الالكتروني عبر أحد وسائل التواصل الاجتماعي بـ”الاستاذ”، ليحتد عامر ويجيب بكلمات غاضبة: “لا أستاذ ولا طالب. الوضع كان صعبا، وصار في كتير ضغط عليّ، واضح أنه اللي بيشتغل نظامي بيطحنوه وبيحرقوه، وفي أفضل الأحوال يقصوه ويحطوه على الهامش”. لم يشرح الناشط أيّ نوع من الضغط يقصد، ولكنه استطرد: “ضيعت عشر سنين من عمري في سوريا”.
يؤكد الآن أنّه في أفضل حال: “وصلت من أيام إلى ألمانيا. الآن ولدت من جديد”. ويضيف: “اليوم حددوا لنا مقابلة بعد خمسة أيام، لا زلت في الكامب، اليوم وضعوا الأرقام والأسماء، طبعاً هناك عدة لقاءات، من أجل اللقاح، ومعاينة طبيب، وأشياء أخرى، وقد تتطلب الأمور نحو شهرين، قبل الاستقرار، لذا يظلّ الواصل خائفاً هذه الفترة، فمن الممكن أن تتعقد الأمور، أو أن تمرّ بخير وسهولة”، يتعمد عامر أنّ يهرب من تفاصيل مرّ بها في الفترة الأخيرة، ربما هي نشوة الفرح بالوصول، وربما هو الحلم ببداية حياة جديدة لا ذكرى فيها لأيّ حزن مرّ، وقد يتفق ذلك الطرح مع ملهم الجاني وهو مهندس آخر قد وصل ألمانيا بذات الطريقة، يقول باقتضاب ل”صالون سوري”، “وصلت وفقط، ليكن الله بعون العالقين هناك”.
يبدو حال عامر وملهم أفضل من آلاف العالقين في العراء، في البرد، في مواجهة مصير غامض حتى الآن على الحدود البيلاروسية. لكنّهما بحظ السوري، وللسوري حظ واضح، إذ أنّه من نجا من الموت لعشرة أعوام، لا شك يملك من الحظ الكثير، من لم يمت هنا، اختار، بعضهم على الأقل، تجربة فرصة النجاة والمقامرة على الموت، على حدود دولة، كثرٌ منهم، وربما معظمهم، لم يكن يعرف مكانها أو حدودها على الخريطة، قبل عشرة أعوام وبضع.
وقبل عشرة أعوام، كان بلدهم يتصدر قائمة الدول الأكثر أمناً على الخارطة، أما اليوم وبكل بساطة فإنّه يتذيل قائمة الدول الآمنة، وعلاوةً على ذلك، ليس أصعبّ من أن يجد السوريّ نفسه لاجئاً داخل بلده، ونازحاً، ومعدماً، وفقيراً، وغريباً.

تفاصيل اليوم
تواصل “صالون سوريا” خلال الأيام الحالية مع عدد من العالقين على الحدود البيلاروسية – البولندية، أكدّوا أنّ الوضع يفوق الخيال. مأساويٌّ للغاية، وفي ذات الوقت فإنّ البيلاروسيين والبولنديين أيضاً، لم يقصروا في هذا الإطار، يحاولون تأمين الأغطية وشيء من التدفئة البسيطة، وكذلك مدّ العالقين بالأخشاب الناشفة لاستخدامها في التدفئة، وهذا الخشب سريع الاشتعال، يستخدمه العالقون للتدفئة طوال الليل، في ظل درجات حرارةً باردة جداً، وآخذة بالتناقص في هذه الفترة من العام.
مازن (34 عاما) واحدٌ من العالقين هناك، يقول: “ننتظر أن يكون هناك حل من الجانب الأوروبي لاستقبالنا، نحن نتجمد هنا، وقد نموت من قلة الغذاء والبرد إذا طال وقت مكوثنا القسري”.
ويشترك الجميع، العالقون والواصلون، في مخافة إرسال صور ومقاطع فيديو توثق وجودهم وأوجههم، خشية أي طارئ غير محتمل.

الرحلة
“صالون سوريا” تتبع خط سير رحلة السوريين التي تبدأ من مطار دمشق الدولي، بحجز رحلة إلى دولة بيلاروسيا، تحديداً إلى العاصمة مينسك، ومن هناك باتجاه الحدود البيلاروسية – البولندية وهناك منطقتان حدوديتان مستهدفتان، منطقة بريست، ومنطقة هيلدونا، هناك يوجد مثلث حدودي بين ليتوانيا وبيلاروسيا وبولندا، ومن جهة الجنوب أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا، ومن مينسك يستقل السوري سيارة تكسي توصله إلى غابة تحاذي السياج البيلاروسي.
المنطقة العازلة بين بيلاروسيا وبولندا تمتد بنحو 450 كيلو متر، وعلى طول هذه الحدود تنتشر حواجز أمنية، أحياناً يكون بين الحاجز والآخر عشرات الكيلومترات، وأحياناً عشرات الأمتار، على حسب وصف دقيق قدمه عالقون هناك لـ “صالون سوري”، فضلاً عن الأنهار والسواقي والمستنقعات والغابات الكثيفة التي يواجه المهاجرون خطر الضياع فيها في حال لم يمتلكوا دليلاً محلياً مرافقاً أو خدمة gps، لذا فإنّ هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر.

المهاجرون
بعد قرار الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشنكو السماح للمهاجرين بعبور أرضه بدأت موجة كبيرة جداً بالتدفق إلى الحدود عبر دولته، ولم يكن هؤلاء المهاجرون من حملة الجنسية السورية فقط، بل إلى جانبهم عراقيون ويمنيون وصوماليون وجيبوتيون وسودانيون وأفارقة وآسيويون آخرون، فباتت بيلاروسيا تحتضن الناس من كل حدب وصوب، وبين كل أولئك الأكثر هم السوريون والعراقيون واليمنيون.
مصدر في أوروبا أشار لـ “صالون سوري” أنّ المهاجرين ليسوا أفراداً فقط، بل يتميز هؤلاء المهاجرون، بأنّهم أسر بأكملها، بمن فيهم من أطفال ونساء وشيوخ ورجال، ويلاحظ ذلك بشكل جليّ في العوائل العراقية على وجه الخصوص. وأوضح أنّ وصول المهاجرين إلى المنطقة الحدودية يجعلهم خارج القانون، وبالتالي لا يمكن لهم العودة من حيث جاؤوا، حيث انّهم دخلوا بيلاروسيا بطريقة شرعية، لكنهم اتجهوا إلى حدودها بطريقة غير شرعية، والجيد أنّ البولنديين يتعاملون بشيء من الإنسانية مع العالقين، البولنديون يسيرون سيارات ليلية بمكبرات صوت تقول: “أنتم المهاجرون القادمون من جنسيات متعددة، أنتم جئتم بطريقة غير شرعية، كان عليكم الحصول على فيزا من بلدك، أو القنصليات المتواجدة في البلدان القريبة منك”.
البولنديون حذوا حذو البيلاروسيين في تقديم الماء والخبز والأخشاب وبعض وسائل التدفئة إلى المهاجرين، البيلاروس بشكل مباشر، والبلونديون من فوق السياج عبر رميها للعالقين.

قليل من كثير
كثير من التفاصيل التي قد يبدو لا حصر لها يمكن كتابتها عن المهاجرين العالقين على حدود بولندا، إلّا أنهم وباختلاف مشاربهم لا شك كانوا ضحايا، مرة ضحايا الحرب، ومرة ضحايا الاستثمار السياسي البيلاروسي.
يبقى أنّ كل ما ورد من معلومات في هذه المادة، على كثرتها أو قلتها، هي بعض من مأساة بشر يدفعون ثمن حروب بلادهم، عالقون تحت المطر وفي أشد ظروف الطقس برودة، ومع شبه انعدام لموارد الماء والغذاء الكافيين، لذا، فكل ما رود هنا، هو جزء يسير من شهادات أناس لا زالوا عالقين، أو آخرون حالفهم الحظ ووصلوا البرد الأوروبي.
كل ما ورد هنا هو روايات انسانية لا سياسية جاءت على لسان المهاجرين، مهاجرون كل همهم أن يصلوا بلداً جديداً ليحيوا حياةً جديدة لا خوف فيها ولا قتل ولا دماء.. ولا جوع أو فقر.

ماهي الشروط  السرية لـ”التطبيع العربي” مع سوريا ؟

ماهي الشروط السرية لـ”التطبيع العربي” مع سوريا ؟

كشفت الوثيقة الأردنية وملحقها السري، اللذان حصلنا لى نصهما، أن الهدف النهائي من الخطوات العربية للتطبيع مع دمشق هو «خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011»، بما في ذلك «انسحاب القوات الأميركية والتحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف الأميركية» قرب حدود الأردن والعراق، بعد سلسلة خطوات وفق مقاربة «خطوة مقابل خطوة» تشمل بداية «الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا»، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية لروسيا».

وتشكل هذه الوثيقة، التي سُميت «لا ورقة» ولاتتضمن جدولاً زمنياً، أساس الخطوات التي تقوم بها دول عربية تجاه دمشق وشمل ذلك لقاء وزير الخارجية فيصل المقداد تسعة وزراء عرب في نيويورك وزيارات رسمية أردنية – سورية واتصالات بين قادة عرب والرئيس بشار الأسد ولقاءه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في دمشق الثلاثاء.

وأعد الجانب الأردني هذ الخطة قبل أشهر، وناقشها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز)، والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب. وتضمنت الوثيقة، التي تقع مع ملحقها في ست صفحات، مراجعة للسنوات العشر الماضية وسياسة «تغيير النظام» السوري، قبل أن تقترح «تغييرا متدرجا لسلوك النظام» السوري بعد «الفشل» في «تغيير النظام».

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لشبكة «سي إن إن» الأميركية أمس، إن «الأردن يتحدث مع الأسد بعد عدم رؤية أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري». وأضاف أن «التعايش مع الوضع الراهن ليس خيارا»، مضيفا: «ماذا فعلنا كمجتمع عالمي لحل الأزمة؟ 11 عاما في الأزمة ماذا كانت النتيجة؟ الأردن عانى نتيجة الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقها عبر الحدود، وتستضيف البلاد 1.3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدمه العالم من قبل».

وكشف الصفدي أن «الأردن أجرى محادثات مع الولايات المتحدة حول جهود التقارب»، ذلك في إشارة إلى زيارة العاهل الأردني. كما أن مدير المخابرات الأردنية اللواء أحمد حسني حاتوقي أعلن أن الأردن يتعامل مع الملف السوري كـ«أمر واقع». وتتطابق تصريحات الوزير الصفدي مع «الوثيقة الأردنية»، وهنا نصها:

بعد مرور عشر سنوات منذ اندلاع الأزمة السورية، تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها. ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح. ولا يمكن للنُهُج الضيقة المعنية بمعالجة مختلف جوانب الأزمة ونتائجها على أساس المعاملات وعلى أساس الأغراض المحددة أن تُحقق الحل السياسي اللازم. يتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة. وتغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضا مؤثرا في حد ذاته. والهدف المعلن، هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بيد أنه لا يوجد تقدم ذي مغزى على هذا المسار. فالوضع الراهن يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري وتعزيز مواقف الخصوم. لقد أثبت النَهج الحالي في التعامل مع الأزمة فشلا باهظ التكلفة:

– الشعب السوري: بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، هناك 6.7 مليون لاجئ سوري، مع 6.6 مليون نازح داخليا، و13 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك 6 ملايين مواطن في حالة عوز شديد، و12.4 مليون سوري يكابدون انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع 2.5 مليون طفل خارج نظام التعليم في سوريا، بالإضافة إلى 1.6 مليون طفل معرضين لمخاطر التسرب من المنظومة التعليمية.

– الإرهاب: لقد هُزم تنظيم «داعش» الإرهابي لكنه لم يُستأصل بالكامل. ويحاول أعضاؤه إعادة ترتيب الصفوف، وهم يعاودون الظهور في أجزاء من البلاد التي طُرد منها «داعش»، مثل جنوب غربي سوريا. كما يعملون على توطيد وجودهم في مناطق أخرى مثل الجنوب الشرقي. وتستمر تنظيمات إرهابية أخرى في العمل في أجزاء مختلفة من سوريا، حتى إنها تستفيد من الملاذات الآمنة في الشمال الشرقي.

– إيران: تستمر إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري، وعلى أجزاء حيوية عدة في سوريا. من استغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، ويزداد وكلاؤها قوة في المناطق الرئيسية، بما في ذلك جنوب البلاد. وتُدر تجارة المخدرات دخلا معتبرا لهذه الجماعات، كما تُشكل تهديدا متزايدا على المنطقة وخارجها.

– اللاجئون: لا يرجع أي من اللاجئين – أو حتى عدد متواضع منهم – إلى سوريا بسبب عدم تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد. ويتناقص التمويل الدولي للاجئين، فضلا عن المجتمعات المضيفة، مما يهدد الهياكل الأساسية لدعم اللاجئين.

> ما ينبغي فعله؟

من اللازم اعتماد نهج فعال جديد يعيد تركيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والأمنية. ينبغي للنهج المختار أن يتحلى بالتدرج، وأن يركز في بدايته على الحد من معاناة الشعب السوري. كما يتعين كذلك تحديد الإجراءات التي من شأنها تعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني المتنامي، ووقف المزيد من التدهور الذي يضر بمصالحنا الجماعية.

ومن شأن ذلك النهج أن يستهدف تغييرا تدريجيا في سلوك النظام الحاكم في مقابل حوافز يجري تحديدها بعناية لصالح الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين. السبيل إلى ذلك:

1) وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254.

2) بناء الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل.

3) السعي إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا.

4) الاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري.

5) التنفيذ.

> المقاربة

نهج تدريجي يتبناه جميع الشركاء والحلفاء لتشجيع السلوك الإيجابي والاستفادة من نفوذنا الجماعي لتحقيق ذلك. فهو يقدم حوافز للنظام مقابل اتخاذ التدابير المنشودة والتغييرات السياسية المطلوبة التي سيكون لها أثرها المباشر على الشعب السوري. وسيتم تحديد «العروض» المقدمة إلى النظام بدقة في مقابل «المطالب» التي سوف تُطرح عليه. وسوف ينصب التركيز الأولي على القضايا الإنسانية في كل من العروض والمطالب. مع التقدم التدريجي على مسار القضايا السياسية التي تُتوج بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254. وسوف يتم الاتفاق على العروض والمطالب مع الأمم المتحدة، استنادا إلى بياناتها الخاصة بالاحتياجات الإنسانية.

1) بناء الدعم: من الأهمية أن يدعم الحلفاء العرب والأوروبيون الرئيسيون هذا النهج. وسوف يضمن ذلك صوتا جماعيا في المحادثات مع النظام وحلفائه. وسوف يضمن أيضا ألا نفقد نفوذنا نتيجة لفتح بعض البلدان قنوات ثنائية مع النظام السوري.

وسوف نتفق على البلدان التي نتقارب معها في بداية الأمر بغرض التشاور والدعم. وسوف تتلخص الخطوة التالية في تأييد هذا النهج ضمن (المجموعة المصغرة) قبل السعي إلى الحصول على تأييد الحلفاء كافة.

2) إشراك روسيا: إن كسب موافقة روسيا على هذا النهج هو عامل أساسي من عوامل النجاح. ومن الممكن الاستعانة بالاعتراف بالمصالح الروسية «المشروعة» وتضمينها في إطار «العرض» لضمان قبول وتنفيذ هذا النهج من قبل النظام السوري. إن تحديد الأرضية المشتركة مع روسيا أمر ضروري لضمان التقدم نحو حل سياسي. كما أنه من اللازم لنجاح الجهود الرامية إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي. وقد كانت روسيا منفتحة على العروض الخاصة بالقضايا الإنسانية مقابل إجراءات عملية من جانب النظام الحاكم.

3) إشراك النظام: يمكن أن تتم المشاركة من خلال قنوات متعددة:

– المشاركة غير المباشرة عبر روسيا.

– المشاركة المباشرة من مجموعة من الدول العربية. (هذا من شأنه رأب التصدعات في الموقف العربي، ومعالجة المخاوف بشأن غياب الدور العربي الجماعي في الجهود الرامية إلى حل الأزمة، والاستفادة من المشاركة العربية مع النظام من أجل الحصول على الحوافز مع تأطيرها ضمن الجهود الرامية إلى إحداث تغييرات إيجابية). ويمكن أن تقود الأردن تواصلا مبدئيا مع النظام لضمان الالتزام قبل بدء الاتصالات الموسعة.

4) التنفيذ: سوف توضع آلية رسمية لرصد التنفيذ والامتثال. وسوف تتولى الأمم المتحدة مسؤولية تقديم جميع المساعدات الإنسانية. وسوف يؤخذ تجسيد الاتفاق ضمن قرار صادر عن الأمم المتحدة في الاعتبار.

الخطوات التالية (لتطبيق المبادرة):

1) مناقشة النهج والاتفاق عليه.

2) الاتفاق على قيام الأطراف بصياغة المطالب والعروض.

3) الاتفاق على خريطة الطريق وكيفية المضي قدما.

من شأن هذا النهج أن يواجه العقبات بكل تأكيد. بل وربما يصل إلى طريق مسدود مع بدء المرحلة السياسية. ومع ذلك، فإن تركيزه الأولي على البُعد الإنساني سوف يخفف من معاناة السوريين، وسيدعم الجهود الرامية إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية، ويقلل من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا. كما أنه سوف يعيد بناء الصوت الجماعي الموحد بين الشركاء والحلفاء إزاء الأزمة، مع استعادة زمام المبادرة في محاولة لإيجاد حل سياسي ووقف الكارثة الإنسانية.

> جدول الخطوات

وتضمن الوثيقة ملحقا سرياً يتضمن شرحا لمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يشمل البند المحدد و«المطلوب» من دمشق و«المعروض» من الآخرين. وتبدأ الخطوة الأولى بـ«ضمان وصول المساعدات الإنسانية والاتفاق على تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود مقابل تسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا، وإرسال المساعدات الصحية إلى سوريا».

وتشمل الخطوة الثانية تهيئة دمشق «البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين ومنح المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم» مقابل خطوات غربية تشمل «اعتماد خطة المساعدة المرحلية للسوريين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع النظام، وتمويل مشاريع الإنعاش المبكر، وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار وتنفيذها وتمويل برامج التعافي المبكرة الخاصة بالمساعدة لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم ومدنهم وصياغة البرامج ودعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تساعد على استعادة نوع من الحياة الطبيعية في سبل عيش الشعب السوري بشكل عام».

تتعلق المرحلة الثالثة بـتطبيق القرار 2254 و«المشاركة الإيجابية من دمشق في اللجنة الدستورية المؤدية إلى إصلاح الدستور»، و«الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، وتحديد مصير المفقودين والاتفاق على تشكيل صيغة حقيقية للحكومة تؤدي إلى حكم أكثر شمولا في سوريا وإجراء الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة».

في المقابل، توافق دول عربية وغربية على «التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا. بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي، والكيانات الحكومية، والمسؤولون الحكوميون، ورفع العقوبات القطاعية، وإجراء التقارب الدبلوماسي التدريجي لاستعادة العلاقات مع سوريا، وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في دمشق والعواصم المعنية، وتسهيل عودة سوريا إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية».

> ماذا عن {داعش}؟

أما المرحلة الرابعة من البرنامج، فتشمل «مكافحة داعش والجماعات الإرهابية، والتعاون في التصدي لتنظيم (داعش) والعناصر الإرهابية المماثلة، بما في ذلك في شرق سوريا، والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في جنوب سوريا والصحراء السورية، والتعاون في مواجهة المقاتلين الأجانب، وتبادل المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية، والروابط مع عناصر التجنيد الدولية، وشبكات التمويل، ووقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا»، مقابل «التعاون مع النظام السوري وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سوريا، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرق سوريا والتنسيق بين النظام و(قوات سوريا الديمقراطية) في التعامل مع سكان مخيم الهول، والمقاتلين الأجانب، وعناصر (داعش) المعتقلين وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار والتعافي المبكر في المناطق المحررة من (داعش) والخاضعة لسيطرة النظام السوري».

في المرحلة الخامسة، يتم «إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، مما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى وإعلان وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات ووقف جميع العمليات الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم يكن ذلك في إطار عملية وقف إطلاق النار، واالتزام الشركاء على الأرض في سوريا والحلفاء الإقليميين (بما في ذلك تركيا) بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد».

وفي المرحلة السادسة والأخيرة، يتم «انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوفاء بالالتزامات بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما بعد عام 2011، وانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف»، في المقابل يتم «فتح قنوات تنسيق بين الجيش السوري والأجهزة العسكرية والأمنية في دول الجوار لضمان أمن الحدود مع سوريا».