بواسطة عزام النجمي | ديسمبر 15, 2021 | News, العربية
حان وقت تدخين سيجارة على الشرفة المطلّة على قطعة عسكرية قريبة من المنزل. أغنية للياس خضر تصدر في كل مرة من ذات الغرفة المحصّنة التي نجت من أثار الحرب خلال سنوات مضت. ليس مستغرباً أن تسمع نغمة حزينة قادمة من نقطة عسكرية، فيها جنود منسيون لا يعزّيهم سوى الألحان الحزينة التي تؤنس وحدتهم، ومن يجيد العزف على تلك الأوتار أكثر من ياس خضر.
ساعات مرت على موعد السيجارة التالية، لا يزال صوت خضر يصدح في المكان، وكأنه يقيم حفلاً في تلك الغرفة الإسمنتية ذات المظهر الباهت. فضولٌ يلازمني على مدى أيام، من هو ذا صاحب الذوق الرفيع المشبع بالأحزان الذي يُطرب ليالي هذه المنطقة المهجورة؟
مضت أيام. أشتري بعض رُزم “الخبيّزة” والبصل؛ لأعد غداء اليوم. يقف إلى جواري شاب يبدو وأن وجهه اسمرّ مؤخراً، لا تتناسب البدلة العسكرية التي يرتديها مع معالمه الطفولية التي تدعوك للصراخ في وجهه “اخشوشن يا فتى!”.
يشتري ذاك الفتى البرتقال وبقايا عنب تتواجد لدى البائع، رغم أننا دخلنا في أوائل أيام الشتاء. يقول البائع إن هذا الصنف من العنب الأحمر يبقى “على أمّه” حتى وقت متقدم من السنة، إذ يلتقي مع موسم النبيذ. يتحدث الجندي عن النبيذ بحسرة “فمن من الممنوع شرب الخمور في القطعة العسكرية”، وتبدو في حديثه رغبة في ثمالة تُذهب عقله لساعات فينسى قيود البدلة التي يرتديها والحُجرة التي يمكث فيها.
“يبدو أنه جندي غرّ مبتدئ” -يهمس البائع في أذني-. لكن ما بدا لي أن صدفةً ما، جمعتني بذاك الذي يستمع إلى ياس خضر دوماً، لحقتُ به، وناديته، ولم يخذلني حدسي.
تُخفي تلك الغرفة الإسمنتية الباهتة خلف جدرانها قصة جندي لم يتبقَ له من الذاكرة سوى شريط “كاسيت” يضم 23 أغنية للمطرب العراقي الياس خضر، يشغّله عبر آلة عفى عليها الزمن، لكنها لا زالت تستطيع تشغيل ذاك الشريط الذي يحتفظ به الجندي من منزله الذي دمرته الحرب فوق رؤوس عائلته.
نجا من المنزل القليل من الأثاث غير المهم، وذاكرة حزينة انتشلها من تحت الأنقاض وقرر الهروب بها إلى حيث لا خراب ولا دماء، لكنها كانت بمثابة لعنة وسوء طالع، أحبط آماله بالسفر لاستكمال دراسته واستعادة حياته السليبة.
الشاب الطري الرقيق، الذي اشتد عوده واسمرّ جبينه بفعل القسوة التي تجرّع كأسها حتى التخمة، ابتداء من خسارة عائلته إلى ضياع أحلامه، وليس انتهاءً باستبدال الآلة التي كانت تلامسها أصابعه، فبغضون سنوات بات زناد البندقية هو الشيء الوحيد القريب من ملمس يديه، بعد أن كان معتاداً على مداعبة أوتار العود في سهرات الطرب مع أصحابه وعائلته.
“وضعتني هذي السنوات في حجرة منسية، لا أجني منها سوى الوحدة والحزن والعجز، لم أتخيل يوماً أنني سأخدم بهذي الطريقة، بأن أكون عاجزاً إلا عن البكاء والاستماع لشريط الياس خضر، كل ما تبقى لي من أبي”.
يقول “صاحب الذوق الرفيع” بأنه لم يرغب منذ بداية الحرب بأن يُحسَب على أي طرف أو حتى يوضع بمواجهة أيّ منهم، معتبراً أنه يقضي مع رفاقه الجنود سنوات الخدمة دون أي جدوى، بل وتأخذ “نوبات الحرس” من عمرهم ربيعه. وفوق هذا كله “نُحسب لدى شريحة واسعة من أبناء البلد على أننا أعداء ومجرمون، فماذا اقترفنا لنحاسب بكل هذه القسوة؟”.
يقول “صاحب الذوق الرفيع” بأنه لم يرغب منذ بداية الحرب السورية بأن يُحسَب على أي طرف أو حتى يوضع بمواجهة أيّ منهم. معتبراً أنه يقضي مع رفاقه الجنود سنوات الخدمة دون أي جدوى، بل وتأخذ “نوبات الحرس” من عمرهم ربيعه. وفوق هذا كله “نُحسب لدى شريحة واسعة من أبناء البلد على أننا أعداء ومجرمون، فماذا اقترفنا لنحاسب بكل هذه القسوة؟”.
شريطٌ قديم حزين، “تعلكه” آلة التسجيل كل يوم، تماماً كما نجترّ أيامنا هنا -يصف الجندي حاله-.. ويتابع: “تذهب بنا ذاكرتنا برحلة يومية طويلة، تأخذني هذه الآلة إلى حيث أبي كان يُغذّينا بمخزونه الموسيقي الرهيب.. أستذكر كل تلك المشاهد فتستيقظ الأبوّة في داخلي. تدفعني لتسجيل شريطي الخاص عندما أهدم جدران هذه الحجرة الكئيبة.”
يتوجه لي بالكلام: ” لن أورث لابني شريطاً حزيناً كهذا، هو العهد الذي أحيا لأجله، ولكن إن حدث وسردتَ قصتي لأحد ف “احكي لهم يا صاحبي.. ما ظل صبر عندي”.
وهاج عزام
بواسطة إنصاف سليطين | ديسمبر 14, 2021 | العربية, غير مصنف
ولدت في ثمانينيات القرن الماضي لأسرة متوسطة، تعيش من راتب معيلها الشهري. قضيت طفولتي بين شوارع مدينة ساحلية صغيرة وصخور قرية نائية في اعالي الجبال. بيت في المدينة وآخر ريفي مع بستان كبير كان جنتنا الصيفية.
كلها كانت بتدبير والدي الموظف الحكومي العتيق. ورغم محدودية الدخل، كان كل شيء مؤمنا لنا تقريبا نحن أبناؤه السبعة. كلنا على مقاعد الدراسة حتى دخولنا الجامعة وتخرجنا منها. مصاريفنا مقدور عليها، لا ينقصنا شيء سوى بعض الكماليات الممكن الاستغناء عنها.
قضيت شبابي كله بين عشريتي الألفية، الأولى والثانية. والآن، لدي عمل الخاص ودخلي الذي يفترض انه خرج من إطار المحدود، لكن هذا الدخل يتسرب قبل ان انتهي من التفكير في تأمين اللوازم وسد النواقص، الحاجات الأساسية قبل الكمالية. العاملون معي، أسرتي الثانية اشتدت عليهم ضغوط الحياة ولم تترك لهم سوى خيار السفر.
المنطق يقول مع مرور الزمن و التطور الذي طرأ، يجب ان يكون الأمر افضل من قبل، لكنني كل يوم احسد أبي. اربعة عقود، يفترض أنني تقدمت فيها إلى الأمام. المس مع مرور كل ثانية فيها كم تراجعت للخلف.
انني واحدة من ملايين صار المستقبل وراءهم. كيف يمكن ان اعيش اليوم بلا ماء ولا كهرباء ولا وقود للمواصلات الا بتكاليف تفوق قدرتي على البقاء! التفكير بزيارة الطبيب هم، وتأمين تعليم الابناء قضية كبرى. شراء مستلزمات المعيشة صخرة تجثم على صدورنا، واشعال شمعة في الظلام صار ترفا. هل سأقضي ما تبقى من عمري و انا ألعن الظلام لان تكلفة الشمع تفوق ما في جيبي؟
هل بت امام خيارين اما ان أغادر خارج الحدود او اغادر خارج الحياة؟ انا أحب الحياة واحب ان اكمل طريقي فيها فوق أرض تعنيني كل ذرة من ترابها وغبارها. كيف احل هذه المعادلة ؟
نريد ان نستمر. نريد ان نبقى. نريد ان نعمل. نريد ان نقضي أعمارنا فيما يفيدنا ويفيد الآخرين لا ان نفنيها في اللهاث وراء سراب لا يمكن ان يتحقق. نريد ان نبقى هنا. أعيدوا لنا بلادنا التي نشعر باغتراب عن كل ما فيها.
نحن أبناء النور لا يمكن ان نحيا في العتمة. حين امشي في العتمة لو لدقائق قليلة، المس انني عجوز في الثمانين تتمسك بما حولها وتحاول التقدم ببطء وهي تفتح عينيها عن آخرها ولا تكاد ترى، ترعبها فكرة السقوط والكسر والرضوض فلا طاقة لاستطباباتها ومعالجتها.
نريد ان نحيا شبابنا بحيوية، لا بعجز. نريد قوانين واجراءات داعمة لا محبطة مقيدة.
نريد من القائمين على القطاعات المختلفة ان يبتكروا وسائل تعيننا على الإنجاز و البناء، لا ان يتفننوا في إعاقة كل ما نقوم به، لأن تفكيرهم لا يسعفهم و يجربون بنا مرارا و تكرارا حتى يتأكد فشلهم. نحن لسنا فئران تجارب، نحن لسنا “هامستر”، إننا بشر.
كتبت هذه في أواخر ٢٠٢١ ، و كل المعطيات تقول اننا في ١٩٤٠. افيدوني في اي عام نعيش؟
* صورة، محمد الرفاعي، أ ف ب
بواسطة يمامه واكد | ديسمبر 13, 2021 | العربية, مقالات
“إذا ضل الدولار يطلع نحن بالداخل رح نبيع أعضاءنا”، بهذه الجملة علق أحد المتابعين على التقرير الصادم الذي عرضته قناة أميركية عن حالات بيع الأعضاء من لاجئين سوريين في تركيا.
يبدو أن الإرتفاع الكبير لأسعار صرف الدولار في سوريا وسوء الأوضاع الاقتصادية مهدا الطريق لكثير من السوريين لبيع أجزاء من أجسادهم مقابل مبالغ مالية حدّ آلاف الدولارات، علّه يخفف من مرارة الأيام قادمات الأيام، إذ لا شيء ينبئ بأنّ القادم يكون خيراً، فهل يصل السوريّ وقتاً يصير فيه باب الرزق الوحيد له هو بيع كلية أو سواها من جسده الغض الذي زادته هموم العيش نحولاً.
الكلية مقابل العيش
“بعت كليتي لشخص محتاجها، أنا فيني عيش بكلية وحدة وخلي عيلتي كلها تعيش، بحق الكلية التانية”. يقول مازن ف ( 50 عاماً) لـ “صالون سوريا”. مازن يعمل كسائق سيارة أجرة في مدينة دمشق. باع كليته بمبلغ 18 مليون سوري (5.200 دولار أميركي)، عبر وسيط لم يرغب بتسميته، “إذا بحت بتفاصيل عنه قد أضرّه، وبالتالي أضرّ نفسي، لأنني أعلم جيداً أنّ هذه التجارة ممنوعة، ولكن هل ظل أمامي حل آخر؟”.
مازن تعرف على الوسيط عن طريق سائق أجرة آخر باع كليته بذات الطريقة وتم الأمر خلال ليلة وضحاها.
يقول مازن: “اشتريت بالمبلغ الذي حصلت عليه سيارة الأجرة التي أعمل عليها الآن، كان ذلك في صيف العام ما قبل الماضي”، يخبر “صالون سوريا” أنّه تمكن من سداد جميع ديونه، وبالتالي أيضاً تمكن من تحسين مستوى حياة أسرته، “اشتريت السيارة بسبعة ملايين، والباقي وفرته لمصاريف أخرى، اليوم سيارتي يتعدى ثمنها ثلاثين مليون ليرة سورية، الحمدلله”.
ربما يكون حظ مازن أفضل من حظ كثر لا زالوا يبحثون عن مشترٍ ليبيعوا أعضاءً من أجسادهم مقال مبلغ مادي، إن كبر أو صغر، إلا أنّه لا شك سيحل مشاكل كبرى.
“أبو عرب” أحد هؤلاء “الغلابة”، يتنقل من منشور إلى آخر في موقع “فيسبوك” عارضاً كليته للبيع عبر تعليق مختصر “متبرع كلية زمرة الدم A+ مقابل تعويض مادي يلي بيعرف حدا يخبرني، للتواصل خاص”. لا يخشى الرقابة والوقوع في أخطار الملاحقة الأمنية وقرارات منع تجارة الأعضاء، قام بوضع مناشدته تلك على واحد من منشورات مشفى الكلية الجراحي. ويصطلح فعلاً على تسميتها مناشدة، فهو ككثر من السوريين عزيزي النفس، يطلب ما يسميه “تعويضاً”.
لايهم ما ينتج عن العملية الجراحية من مخاطر جسدية، بل الأهم بالنسبة لهؤلاء المبلغ المادي الذي يحصلون عليه والكفيل بأن ينسيهم الكابوس الأسود الذي خيم على أيامهم نتيجة سوء المعيشة والغلاء الفاحش للمواد الغذائية والاستهلاكية. لكن السؤال ماذا يفعل مازن وأبو عرب وغيرهما بعد نفاذ المال والعملة الآخذة بالانهيار يوماً تلو آخر؟.
خصية للبيع
رغم أن بيع الكلية والقرنية هو الشائع بشكل أكبر في سوق بيع الأعضاء بسوريا، فإن لبيع الخصية نصيب من هذه التجارة، يخضع الأمر للعرض والطلب، في محاكاة للسوق الاقتصادي العام، الرجال وحدهم هم المستهدفون هنا، وحتى وإن لم يكن لها “زبائن” في سوريا فالعرض قائم في دول مجاورة.
“أنا جاهز للتبرع بخصيتي مقابل مبلغ مادي وأنا في سوريا”. كتب شخص اسمه أبو ثائر هذا التعليق على منشور في صفحة عراقية تبحث عن رواد لبيع الأعضاء في الدول القريبة، وبالمثل قام عبود عبود بالتعليق على المنشور ذاته معلناً جهوزيته الكاملة لبيع خصيته مرفقاً مكان إقامته ورقم هاتفه، كتب: “بدي اتبرع بالخصية وأموري تمام ومتزوج وعندي عيال وأنا من سوريا دمشق”. هل يبدو الأمر جنوناً؟ مغامرة؟ مجازفة؟ كل هذا يصلح لتسمية ما كتبه عبود على العلن، ولكنّها الحاجة، وهل ثمة ما يقهر الرجال أكثر من الحاجة والعجز أمام أولاده.
لا تقتصر مناشدات بيع الرجال للخصية في الصفحات المخصصة لبيع الأعضاء على “فيسبوك” بل تتعدى ذلك للنشر علانيةً في صفحات مخصصة لبيع الأثاث المنزلي والكهربائيات وحتى بيع وشراء الموبايلات. أمر غريب حقاً، ولكن مجدداً هي الحاجة مشفوعة بجهل القوانين.
الفقر في البلاد يجرد الرجولة من مضمونها الجسدي، الحصول على المال بأية طريقة وحده يجسد مقولة الرجال بأفعالها، أن يخسر الشخص عضواً من الجسد ليبقي على شيء من كرامته بسبب قلة موارد الكسب وفرص العمل واستبداد تجار الأزمة بالشعب وقوتهم، وتغافل الرؤية الاستثمارية عن انتشال المساكين من كابوسهم المظلم.
في الطب
“سهى” اسم مستعار لطبيبة جرّاحة تحدثت إلى “صالون سوريا”. الطبيبة لم ترغب الكشف عن اسمها لئلا تطالها المساءلة القانونية أو الطبية العامة عن هويات أشخاص بعينهم، ترى أنّ الوازع الأخلاقي والأمانة الطبية تقتضي صون تلك الأسرار، تحدثت سهى عن تجربتها في هذا النوع المشبوه من الإتجار بالأعضاء، وكشفت أنها عاينت عدة حالات ممن باعوا أعضاءهم وخضعوا لعمليات جراحية ضمن ظروف غير صحية، لكنهم بعد ذلك أخذوا يعانون من مضاعفات كثيرة لازالوا لحد الآن يتلقون علاجاً لها.
سئلت عن مسؤولية الطبيب في إجراء هذا النوع من العمليات ونقل الأعضاء البشرية، أجابت بأنّ الأهم بالنسبة للطبيب هو الحصول على موافقة اللجنة الطبية لإجراء العملية بدافع إنساني، ولايخفى على أحد أن هذا النوع من العمليات يتضمن صفقة مالية كبيرة بين البائع والمشتري!، وأصبحت تلك العلاقة الوطيدة هي التي تؤمن سبل العيش الكريم للفقير وتاجر البيع بالأعضاء على حد سواء، وكل ذلك في مغافلة للقانونين الإنساني الطبي والجنائي.
في القانون
يعاقب القانون السوري جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية بحسب مرسوم مكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص رقم 3 لعام 2010، وتم تحديد العقوبة لمن يقدم على بيع عضو من جسمه ضمن شبكة أو خليه تعمل في هذا الأمر، وفق المادة 10 من المرسوم، بـ “يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرافمة من مئة ألف إلى مئتي ألف ليرة سورية، كل من انضم إلى جماعة إجرامية هدفها، أو من بين أهدافها، ارتكاب جرائم الإتجار بالأشخاص، مع علمه بأغراضها”.
رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق الدكتور حسين نوفل كشف أن هناك عصابات طبية تتعامل مع عصابات عربية ودولية للمتاجرة بالأعضاء وخاصة بقرنية العين، و هناك آلاف الحالات خاصة في بعض المناطق الحدودية وفي مراكز اللجوء.
مضيفاً أن هذا الكشف لا يعكس إلا قمة جبل الجليد لتلك الجريمة المنظمة وشبكتها العنكبوتية وأعمالها التي لا تقتصر في حدود بلد واحد وتطال سرقة الأطفال الرضع من عائلاتهم ضحايا الحرب.
على اتجاهين
كثيرة هي الطرق التي تهدف لاجتذاب الزبائن – بائعي الأعضاء البشرية – ومن وسائل التواصل الاجتماعي إلى الإعلانات المنتشرة في شوارع دمشق وتلك القريبة من المستشفيات والصيدليات، غالبية الإعلانات تعنون الضرورة الإنسانية لإيجاد متبرعين من زمر دم مختلفة أو كلية أو قرنية مع مكافأة مادية، وهذا يؤخذ باتجاهين، حاجة إنسانية في حالات معينة، وحالة مغافلة للقانون في مكان آخر وحالات أخرى، والأكيد أنها تخفي في طياتها كواليس سلسلة صفقات كبيرة لتجارة الأعضاء، الفقر أم الحاجة، والحاجة لمن يدفع المال ويبقي على حياة شخصين حالفهم الحظ ولم يكونوا ضحايا قذائف الحرب التي أزهقت أرواح الألاف بدون أن يدفع لهم أحد!
بواسطة سلوى زكزك | ديسمبر 10, 2021 | العربية, مقالات
ركّز تمكين النساء على البرامج دون المشاريع، ولم يشمل النساء المتميزات أو الحاملات لميزات قيادية أو ريادية.
تنوعت برامج دعم النساء، لكن جلّها ركّز على عناوين نمطية تحت شعار تمكين النساء، مثل الخياطة والتطريز وحياكة الصوف والتمريض والحلاقة والتجميل والدعم النفسي، حتى مشاريع التدريب في العالم الرقمي كانت مقدمة لتنمية الجانب التقني في حياتهن، وليس لإعداد نساء عاملات أو مختصات في هذا الحيّز المهم. فكانت النتيجة: لا النساء تمكنّ ولا المشاريع تجاوزت خانة الأمنيات، وكل ما تحقق اقتصر على قوائم بأسماء مكررة أحيانا للمنخرطات في هذه الورشات.
حافظت الكتابة على وصفها عملاً خاصاً بالنخبة، مع أن الرغبة بأن تصبح بعض النساء كاتبات أوسع من كل الحدود المقيدة لهذا الحلم.
تجدر الإشارة إلى أن حجم المنتج الأدبي بعد العام 2011 وخاصة ما بين 2013 و2019 كان أكبر من المتوقع وخاصة لكاتبات سوريات. نحن هنا لسنا بمجال نقد تلك التجارب من الناحية الأدبية، بل تجب الإشارة إليها كونها شكّلت ظاهرة نوعية اتسعت بسرعة ونمت بغزارة وخاصة لدى الكاتبات المهاجرات واللاجئات.
لم نسأل النساء يوماً عن رغبتهن بالكتابة. وارتبطت في المخيّلة الجمعية رغبة المرأة في الكتابة والتعبير بالعشق وبالخواطر السطحية والعابرة. لم نعترف يوماً بفعل الكتابة خارج أسوار الممنوعات والأسرار بين شابات أو مراهقات، والأهم أننا لم نعتبر فعل الكتابة عملاً يؤمّن مصدر عيش للكاتبات. لطالما شجّع الكثير من السوريين بناتهم على اختيار مهنة التعليم كمهنة حصرية مرغوبة ومناسبة للنساء، حتى عندما يتفوقن ويتمكن من تحصيل معدلات تؤهلهن لدراسة الطب. عائلات كثيرة دفعت بناتهن إلى اختيار اختصاص الطب النسائي أو الجلدية.
الحقيقة المخبأة والمتحايل عليها تقول: بأن الكتابة حلم لكثير من النساء في كافة مراحل أعمارهن، ويرددن عجزهن عن ذلك أو استسلامهن لقرارات العائلة. والحقيقة الأهم أن نساء كثيرات وخاصة الشابات يطمحن لطباعة كتب خاصة بهن!
إذن، تبدو الكتابة أكبر من حلم، ويبدو لقب كاتبة مسعى تتمنى الكثيرات الالتحاق بركبه، حتى الأميات يرددن: (لو أني تعلمت الكتابة لأصبحت شاعرة أو كاتبة سيناريو وقصص وروايات).
الأحلام قصص جاهزة تنتظر النشر
قررت صاحبة إحدى دور النشر المرخصة في دمشق، اللحاق بتلك الأحلام. دعت عشرات من النساء للكتابة. مغامرة، لاقت قبولاً عظيماً. وأتبعت خطوتها بإصدار ثلاث مجموعات متتالية لكاتبات، يكتبن للمرة الأولى عشن حياتهن حالمات بأسمائهن مدونة على صفحة في جريدة يومية أو على على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف بأسمائهن تصير حبراً على ورق!
تحولت الكتابة إلى ورشة تدار بين مجموعة خاصة بالكاتبات الحالمات واللاتي أبدين حماساً منقطع النظير، وتلهفاً للمزيد من الكتابة والتزاماً بالملاحظات والتصحيحات اللغوية.
صدرت المجموعات الثلاث على التوالي في الأعوام،2019، 2020، 2021.
أثناء التدريبات على صفحة كل مجموعة لكل كتاب، تم التعرض لكيفية كتابة نصوص حساسة للنوع الاجتماعي، كيف يمكن للنساء النجاة عبر قصصهن، النجاة من تكرار الأفعال الشاذة التي تنمط النساء في خانة محددة وتنمط الرجال في خانات أخرى. كانت فرصة لتتعرف الكاتبات على الآخر، كيف سيقرأ قصتي، كيف سيفهم ما أقصد، وعبرت الكثيرات عن رغبتهن بالكتابة لمجرد الكتابة.
احتوت المجموعة الأولى على أربع عشرة قصة لأربع عشرة كاتبة وحملت اسم “النقش على جلد المدينة”، تميزت القصص بالوجدانية وبتعدد المواضيع، لكن قضايا النساء كانت مهيمنة على المحتوى وعلى اللغة وانفعالاتها.
أما المجموعة الثانية والتي حملت اسم “نكتب لننجو”، فقد احتوت على خمس عشرة قصة لأربع عشرة كاتبة وكاتب. واللافت أن أحدهم علق بأن قصة الكاتب كانت الأكثر تعرضاً بشكل مباشر لقضايا النساء وخاصة قضية حيازة العائلة ورجالها تحديداً لجسد المرأة وبالتالي فإن الرجل هو الذي سيبرّر القتل فقط من أجل صيانة هذه الملكية وستكون النساء هن الضحايا.
يمكن القول إن المجموعتين الأولى والثانية قد تركتا الخيار مفتوحاً أمام الكاتبات والكاتب حول اختيار مضمون القصة، لكن المجموعة الثالثة شهدت تغيراً جديداً، إذ شارك فيها كاتبان وأربع عشرة كاتبة، وكانت المواضيع محددة مسبقاً وتختصّ بأشكال العنف الواقع على النساء، ويبدو عنوان المجموعة “الاختباء على الحافة” خير إشارة إلى حال النساء في مواجهة عنف متعدّد ومتسلسل ومتأصّل، كما أشارت مقدمة المجموعة إلى نظرية الرواية النسوية الأولى عبر شهرزاد وحكايات “ألف ليلة وليلة” كفعل هروب وليس كفعل نجاة.
لاقت المجموعات الثلاث استحساناً وقبولاً كبيراً، وكانت فكرة الكتابة الجماعية أكثر الأفكار تقديراً، لأنها أكدت على إمكانية المشاركة في النصوص وفي القضايا وضمن غلاف واحد، وهذا بمثابة
حلم أزلي تتوق إليه النساء في سعيهنّ إلى توحيد خطاب نسوي تشارك فيه النساء جنباً إلى جنب مع الرجال لبناء عالم أقلّ عنفاً وهمجية.
لطالما ركّزت عناوين برامج الدعم الموجّه للنساء على الأهداف الآنية وأغفلت الهدف الأسمى وهو تغيير حياة النساء نحو الأفضل.
هل تجاهلت برامج الدعم العناوين الإبداعية عمداً؟ في زحمة الحرب الدائرة يتم تسويف قضايا النساء الأساسية وتصويرها على أنها غير صالحة لهذا الزمان.
تم اختزال كل عناوين الدعم بالإعانات الغذائية المباشرة ووسائل تحصيلها وسبل العيش والدعم النفسي، على حساب عناوين إبداعية مثل الكتابة والمسرح والسينما والعروض الفنية الإبداعية والصحافة، ويمكن التأكيد على ذلك من خلال عدد الورشات وأعداد المشاركات ومن خلال النتاجات المباشرة لهذه العناوين.
السؤال: كيف يمكن تحويل الأفكار الإبداعية إلى منتج مادي تستفيد منه النساء مادياً؟ لقد أفرزت السنوات العشر الماضية مواهب خلاقة وخاصة في الإعلام المرئي والمسموع والتصوير والتحقيقات الصحفية، وقد أثبتت النساء حضوراً متكاملاً من حيث الدوافع والالتزام والعمل الجادّ على تطوير المهارات.
الحرب والخسارات، تشكّلان طاقة محفزة للحياة في مواجهة الموت. هل يمكن لفعل غير الكتابة أن يجابه الموت بالإبداع؟ إنه ليس سؤال عرضي، بل دعوة لإعلاء شأن الكتابة، لربطها بالحقوق، ولدمج الأهداف بالمشاريع.
راوغت شهرزاد عبر الحكايات لتحفظ رأسها من الجز، لكنها بقيت أسيرة القصر وأسيرة الملك.
الكتابة كفعل للنجاة، ليس لحفظ الرأس ملتصقاً بالجسد فحسب، بل لحفظ الحياة في أعلى الخيارات وأكثرها قيمة، نكتب لننجو؟ نعم وستنجو معنا الحياة بأبهى وأكثر تجلياتها عدالة، خارج حدود الجدران والصمت والتغييب.
دمشق، الأول من كانون الأول 2021
بواسطة جوان حبيب | ديسمبر 9, 2021 | العربية, غير مصنف
في سوريا تبدلت عادات الناس الشرائية خلال سنوات الحرب، إذ أفقد الانهيار المستمر لقيمة الليرة الكثير من السوريين أمنهم الغذائي وسط أزمات اقتصادية ومعيشية وضعتهم تحت نار اللجوء للاستدانة أو الاقتراض مما توفره مؤسسات الحكومة من قروض حياتية.
“لم نشتر زيت الزيتون هذا العام” تقول هدى صافي، الخمسينية التي تعيش مع عائلتها في العاصمة دمشق. “وصل سعر صحيفة الزيت لحوالي الــ 300 ألف ليرة (88 دولار أمريكي) وهو ما يفوق دخل أي موظف في سوريا سواء كان عاملاً في القطاع الحكومي أو الخاص”، تضيف هدى. خصوصاً في ظل انفلات الأسواق المحلية من أية ضوابط حكومية وتدهور الوضع المعيشي للسكان.
يلاحظ سكان مدينة دمشق أن سعر زيت الزيتون لهذا العام ارتفع أضعافاً عن العام الماضي، ما يحرم الكثير من الأسر القدرة على شرائه، إذ سجل السعر حوالي 100 ألف ليرة للصحيفة السنة الماضية بحسب عدد من السكان التقاهم “صالون سوريا”. وكشف “خطار عماد” رئيس مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين أن إنتاج الزيتون للعام الحالي أقل من العام الماضي، لافتاً إلى وجود انخفاض في الإنتاج لا يقل عن 20 % عن الموسم الماضي.
وقدرت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في الحكومة السورية إنتاج سوريا من الزيتون بأكثر من 645 ألف طن لهذا الموسم مقابل أكثر من 850 ألف طن إنتاج الموسم الماضي. أما كمية إنتاج الزيت فقدرت بــ 103 آلاف طن علماً أن مردود الزيت يمكن أن ينخفض في حال استمرت درجات الحرارة بالارتفاع عن معدلاتها الطبيعية.
أسعار مرتفعة
تشهد مناطق سيطرة الحكومة السورية ارتفاعاً في أسعار السلع والمنتجات الغذائية ومنها زيت الزيتون الذي وصل سعر الصحيفة منه (16 ليتراً) لحوالي الـ 300 ألف ليرة للنوع الممتاز، وبحدود 250 إلى 200 ألف للنوع العادي.
وفيما اعتاد السوريون على أن يكون زيت الزيتون من أهم المواد الغذائية على موائدهم، قررت هدى وعائلتها الاستغناء عنه لهذا العام والاستعاضة بالزيت النباتي الذي تحصل عليه من إحدى الجمعيات الخيرية التي تؤمن لها كرتونة مساعدات شهرية تتضمن مادة الزيت النباتي. وتقول لــ “صالون سوريا”: حتى الزيت النباتي لم نعد نستطيع شراءه نظراً لسعره المرتفع، إذ يبلغ سعر العبوة واحد ليتر 8500 ليرة.
أما عائلة أبو خالد التي كانت تشتري زيت الزيتون بكميات كبيرة في السنوات السابقة، فقررت هذا العام اقتصار الشراء على 16 لتراً فقط، وتقنين استهلاكها بالحد الأدنى، واستخدام الزيت لصنع سندوتشات الزعتر للأولاد في المدرسة.
يقول لــ “صالون سوريا”: كتر خير الله استطعنا شراء بيدون واحد هذا العام بعد استدانة ثمنه من عدة أقارب. مضيفاً أنَّ أسعار الزيت لهذا العام غير منطقية نهائياً.
قروض لشراء الزيت
فيما استدان أبو خالد ثمن صحيفة زيت الزيتون، قررت سامية (44عاماً) الموظفة الحكومية الحصول على قرض لشراء 16 ليتراً من زيت الزيتون. صرّح رئيس مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أن الاتحاد سيقوم باستجرار زيت الزيتون من المحافظات المنتجة خلال مدة شهر تقريباً بعد الانتهاء من عصر الزيتون بهدف بيعه لموظفي القطاع العام بالتقسيط.
تقول سامية لــ “صالون سوريا”: قررت التوجه نحو القرض الحكومي كي أستطيع تأمين زيت الزيتون لأسرتي وقمت بإجراء معاملة القرض بضمانة راتبي للحصول على 16 ليتر من زيت زيتون بثمن 150 ألف ليرة. وتضيف أن قرض شراء الزيت مدته ثلاثة سنوات مع فوائد. “تخيل صرنا نقترض لحتى نشتري زيت زيتون!”.
أما سامر (33عاماً) وهو موظف حكومي أيضاً فقرر وعائلته شراء زيت الزيتون لهذا العام حسب حاجته الشهرية وحسب ما يتوفر لديه من نقود، ويقول لــ “صالون سوريا”: نشتري نصف كيلو من الزيت وأحياناً نشتري بــ ألفين ليرة فقط. ويرفض سامر التقدّم بطلب قرض من مؤسسته لشراء زيت الزيتون، معتبراً أن هذا القرض “مسخرة”، إذ يحتاج لمعاملة طويلة كي يحصل عليه وإحدى شروطه هو رهن الراتب لمدة ثلاث سنوات. “ناهيك عن أنك لا يمكن أن تثق بأن يكون هذا الزيت غير مغشوش”.
المزارع غير راضٍ
يشتكي مزارعو الزيتون من ارتفاع التكاليف السنوية للعناية بحقولهم، إذ تصل كلفة الهكتار الواحد سنوياً إلى ثلاثة ملايين ليرة، إضافة إلى تكاليف السقاية ومواد مكافحة الحشرات والأسمدة والأدوية الزراعية الأخرى التي أصبحت تكاليفها عشرات الأضعاف عما كانت عليه قبل الحرب.
يقول خالد (55عاماً) وهو مزارع من ريف دمشق لــ “صالون سوريا”: إنَّ موسم هذا العام تعرض لآفة الذبابة البيضاء ما أدّى لإسقاط زهر الشجر قبل أن تنتقل لمرحلة النمو التالية. ويضيف أن الظروف المناخية كالجفاف ساهمت في تخفيض نسبة نضج ثمار الزيتون.
ويشرح لــ “صالون سوريا” أن أجور اليد العاملة في الزيتون وأجور عصره، كلها ارتفعت بشكل كبير ما ساهم في رفع سعره. ويشير إلى أنه رغم ذلك لا زالت أسعار بيع الزيت لا تغطي كافة مستلزمات إنتاجه وفي بعض الأحيان لا تغطي التكاليف التي ينفقها المزارع في حقله.