بواسطة جوان حبيب | يناير 13, 2022 | العربية, مقالات
أكثر من 700 كيلو متراً، هي المسافة الفاصلة بين شمال شرق سوريا وجنوبها، لكن تلك المسافة ليست المعاناة الوحيدة لعابري ذاك الطريق الملتصقين بكراسيهم طوال الوقت، بل يضاف بينها ما يعانيه المسافرون براً من صعوبات فرضتها ظروف الحرب السورية وتبدل خرائط السيطرة بين أطراف الصراع.
اضطر علام (45 عاماً) وهو من مدينة القامشلي ومقيم في دمشق منذ حوالي العامين، للسفر إلى قريته في ريف القامشلي، ويقول لــ”صالون سوريا”: “خلال سفري شعرت وكأني غريب عن هذه البلاد بدءً من المعاملة السيئة على الحواجز وليس انتهاء بطرق تفتيش أقل ما يقال عنها تشبيحية” من حواجز المسلحين.
حواجز
تنتشر على طريق دمشق -القامشلي حواجز مهمتها “تشليح الناس وليس حمايتها”، بحسب إفادة علام، ويضيف، “أنَّ كل حاجز يتفنن في طريقة إذلال الناس وقهرها ناهيك عن مشقة الطريق وعناء ساعات السفر التي تصل لحوالي الــ 24 ساعة ذهاباً ومثيلتها إياباً”.
ويعاني مسافرون يسكنون في دمشق في تنقلهم إلى مسقط رأسهم في القامشلي وغيرها من مدن شمال شرق سوريا من -فرض الإتاوات عليهم ومن تعرض أمتعتهم الشخصية وما يحملونه من أغراض -للتفتيش من قبل حواجز الجيش السوري بشكل عشوائي يتلف أغراضهم وفقاً لعدد من المسافرين التقاهم “صالون سوريا”. وذكر الرجل الأربعيني أنَّ من بين أغراضه الشخصية التي تعرضت للتمزيق أثناء التفتيش من قبل أحد الحواجز “لحف وبطانيات” بحجة وجود شيء ما بداخلها. وقال: “لم يكلف العنصر نفسه حتى فتح الكيس وإلقاء نظرة عليه بل مزقه بسكين كانت بيده”. ويفيد بأن هذه الأغراض لها قيمة غاليه عنده كونها من تجهيزات عرسه منذ حوالي الخمسة عشر عاماً. لكن لا حول ولاقوه، وفقاً لتعبيره.
مضايقات
علام ليس حالة فريدة، بل هذا حال أغلب العابرين لهذا الطريق، فمنى ابنة مدينة الحسكة لم تنجُ من أسئلة عناصر حاجز أثريا عن سبب ذهابها لمدينتها، وتقول: “تولدي المسجَّل على هويتي مدينة دمشق” لكنها من سكان الرقة منذُ طفولتها حتى غادرت المدينة في العام 2013. وأضافت منى (33عاماً) وهو موظفة بنك خاص في دمشق لــ “صالون سوريا” بأنَّ “أخوها مسافر في الإمارات منذ العشر سنوات وطلب منها إحضار والدتها المقيمة في الرقة إلى دمشق بهدف ذهابها إلى دبي في زيارة لولدها”. وتقول بإنَّ من بين الأسئلة الموجهة لها تدخل في باب التحرش اللفظي والعنصري كــ “صبية حلوة متلك شو بياخدها على الرقة”.
وتذكر بحرقةً أنها لم ترَ والدتها منذ حوالي الثلاثة سنوات تجنباً للسفر إلى مسقط رأسها والمعاناة التي تحصل معها على طريق الرعب كما تصفه الشابة الثلاثينية.
اتاوات
أما خالد الشعيبي ورغم أنه يعمل قاضي في محاكم ريف دمشق بعد تخرجه من المعهد القضائي التابع لوزارة العدل فأن “حصانته القضائية لم تنجه من التفتيش والتفتيش”. يقول لــ “صالون سوريا”، ويضيف، “قام عنصر بتفتيش شنتاية لابتوبي وطلب مني تشغيله كي يرى ما يوجد بداخله”. وأفاد، بأنَّه شهرياً يسافر إلى الرقة ويتعرض لهذه المضايقات التي تختلف في طريق عودته إلى دمشق، إذ يضطر هنا لدفع (أتاوة) على بعض الأغراض التي بحوزته. ويقول لــ “صالون سوريا” ” في إحدى سفراتي جلبت معي تنكة زيت زيتون”، لكنَ العنصر قال له “الزيت ممنوع نقله بالبولمان”، وهي إشارةً إلى أن العنصر يريد “مصاري” بحسب تعبير القاضي الذي اضطر لدفع مبلغاً من المال 16 ألف ليرة”.
لا يختلف الواقع كثيراً على المقلب الآخر، حيث سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنتشر حواجزها على طريق مناطق سيطرتها، ويقول الشعيبي لــ “صالون سوريا” “يمر سكان المنطقة الشرقية على حواجز قسد تقريباً بنفس إجراءات التفتيش وبعض المضايقات للشبان الذين هم في سن التجنيد”. ويؤكد، بأنَّ من يسافر من مناطق سيطرة دمشق وقيده المدني غير تابع للمنطقة الشرقية يحتاج إلى إجراءات روتينية وكأنك داخل إلى دولة أخرى، ومنها “الكفيل والشاهد” من أحد أبناء المنطقة.
طريق دمشق -القامشلي
في العام 2017 أُعيد فتح الطريق البري الوحيد الذي يصل مناطق شمال شرقي سوريا بالعاصمة، وذلك بعد سيطرة دمشق على أغلب المناطق الواقعة على طرفي الطريق والتي خسرتها في العام 2013.
ويشكل هذا الطريق البري منفذاً رئيسياً لأهالي الجزيرة للوصول للمحافظات والمناطق السورية الأخرى، إضافة للطريق الجوي عبر مطار القامشلي في الحسكة.
وتنطلق رحلات الحافلات من دمشق باتجاه القامشلي والرقة عبر طريقين لكل منهما، حيث يمر طريق دمشق -القامشلي من نقطة الانطلاق بدمشق عبوراً بحلب ثم القامشلي -قراقوزات، بينما يمر طريق دمشق -الرقة عبر أثريا وصولاً للطبقة ومنها إلى الرقة.
رحلة طويلة وغالية
قد تستغرق الرحلة من دمشق إلى القامشلي وبالعكس براً حوالي الـــ 18 ساعة، وقد تصل إلى 24 ساعة حسب ظروف الطريق وطريقة التفتيش على الحواجز والمعابر الواصلة بين بداية الخط ونهايته، على أنها كانت تستغرق حوالي الــ 9 ساعات قبل الحرب بالعام 2011.
وتبلغ قيمة التذكرة للشخص الواحد حوالي 32 ألف ليرة بحافلات رجال الأعمال و25 ألف ليرة بالحافلات العادية ويجتاز الراكب أكثر من 15 حاجزاً ونقطة تفتيش إضافة للحواجز الطيارة، أي غير الدائمة والتي تظهر فجأة على الطريق في حين كان سعر التذكرة قبل الحرب 500 ليرة.
بالمقابل، هناك من يسافر عبر الطائرة العسكرية التي تنقل بضائع مقابل 50 ألف ليرة وواسطة كي يحجز مكاناً. وهناك من يضطر نظراً لظروفه لدفع مبالغ مالية تتجاوز الـ 350 ألف ليرة للحصول على حجز طيران عبر شركة أجنحة الشام.
بواسطة رياض الزين | يناير 11, 2022 | مقالات
ظهرت مؤشرات عن تنسيق بين عمان ودمشق بدعم موسكو لمحاربة تهريب المخدرات من سوريا الى الاردن بعدما بات اعلان الجيش الاردني عن احباط عمليات مسألة شبه يومية.
الجديد، ان سكانا محليين من مناطق تقع أقصى جنوب محافظة درعا شاهدوا مؤخراً وفداً روسيا يضم ضباطا وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية وقوة أمنية تابعة للنظام السورية وقوات محلية من فصائل التسويات، تقوم بجولات على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن،لتفقد على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن الممتد من بلدة نصيب والمتاعية جنوب شرق درعا إلى منطقة خربة عواد جنوب السويداء التي شهدت اشتباكات في الأيام الماضية بين حرس الحدود الأردني ومجموعة مهربين، بالقرب من أحد المغافر الحدودية السورية وأودت بحياة جندي سوري واضرار في منازل المدنيين السوريين.
تعليمات روسية
جولة القوات الروسية مع القوات الحكومية والمحلية، جاءت ضمن المنطقة التي تشهد عادة عمليات تهريب باتجاه الأراضي الأردنية وبعد تزايد الحوادث الأمنية والاشتباكات في تلك المنطقة. وبحسب “شبكة درعا24” المحلية، فإن اجتماع أردنيا – سوريا عقد في الأردن بتاريخ 30 ديسمبر (كانون الاول) الماضي، لبحث تطورات المنطقة الجنوبية وملفات كان أبرزها الوضع الأمني في الجنوب السوري، وملف تهريب المخدرات على الحدود السورية- الأردنية، وضم الاجتماع مسؤولين من الأفرع الأمنية في درعا.
وابلغ مصدر خاص “صالون سوريا”، أن قادة الشرطة الروسية التي قامت بالجولة الميدانية على المخافر الحدودية مع الأردن مؤخراً، “وجهوا تعليمات لقوات الجيش السوري الموجودة في المخافر الحدودية مع الأردن بضرورة التصدي للمهربين وعمليات التهريب التي تتم في المنطقة، بينما تحدث عناصر الجيش للقوات الروسية عن ضعف الإمكانيات اللوجستية لديهم مثل أجهزة كشف حرارية أو كمرات مراقبة أو مراصد معزولة وغيرها من التجهيزات الضرورية في النقاط الحدودية”.
وأشار أن “عدة جولات روسية شملت مؤخرا نقاط حرس الحدود جنوب محافظتي درعا والسويداء، وأن الزيارة الروسية ليست الأولى من نوعها، علما ان الواقع لم يختلف في المخافر الحدودية أو تجهيزاتها. كما تصل دائماً برقيات استنفار للنقاط الحدودية في جنوب سوريا، لكن ضعف الإمكانيات والتقنيات وحتى تجهيزات المحارس ضعيفة تؤثر على قيام حرس الحدود بواجبها بحسب تعبيره”.
طرق التهريب
وتقوم عمليات تهريب المخدرات في الجنوب السوري، عبر منافذ غير شرعية وتعتبر المنطقة الممتدة من ذيبين شرق درعا إلى خربة عواد بالسويداء أبرزها والمنطقة الممتدة شرق خربة عواد والتي تشهد بشكل متكرر احباط محاولات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، بحسب تقارير إعلامية رسمية سورية وأردنية، وكانت تتم بواسطة سيارات أو عبر تحميلها على حيوانات أو بواسطة طائرات الدرون، أما من جهة معبر نصيب الرسمي فغالباً يتم تغليف المخدرات المهربة التي تضبط بعلب منتجات غذائية سورية.
وافادت “شبكة درعا24 ” المحلية بأن شحنات المخدرات تصل جنوب سوريا إلى منطقة اللجاة قادمة من لبنان أو من العراق، ويتم نقلها للجاة في درعا عبر سيارات لا تتعرض للتفتيش على حواجز النظام السوري، ومثل هذه الشحنات كان يصل من العراق عبر صحراء دير الزور إلى منطقة الميادين ومنها إلى اللجاة في درعا، إلى قرية كريم وجدل تحديداً في منطقة اللجاة، وأن الطريق الأشهر في نقل المخدرات هو طريق البادية الواصل إلى الحدود العراقية، وأن شحنات المخدرات التي كانت تصل إلى اللجاة لم تكن تتعرض للتفتيش رغم مرورها في مناطق وطرقات فيها حواجز تابعة للنظام أو مجموعات محسوبة على إيران، وأن المخدرات جزء منها يصل خام ويتم تجهيزه في مصانع محلية في منطقة اللجاة على شكل كبسولات ومكعبات لتصبح جاهزة للتهريب الخارجي والتوزيع المحلي.
عرض كبير
وبحسب ناشطين في جنوب سوريا، لو سألت عن مادة الحشيشة محليا في درعا والسويداء تستطيع الحصول عليها بكل سهولة، وانتشارها بات لافتا وعلنيا في المنطقة، وأنه ليس من المهم الأن الحديث عن المصدر الخارجي لهذه المواد أو طريقة جلبها للمنطقة، وخاصة أنه بات معروفا على مستوى العالم. وقال احدهم: “ما يهم المجتمع المحلي اليوم هو معالجة المشكلة الداخلية الأن بعد تفشي انتشار هذه المواد بشكل سهل، وذلك عبر تفعيل المحاسبة سواء للمصدر المحلي أو المروج، وأن تشمل المحاسبة كل الأطراف حتى إذا كانت محسوبة على سلطات أو شخصيات نافذة فيها”.
وقال خبراء ايضاً، أن الموقع الجغرافي لمحافظتي درعا والسويداء والانفلات الأمني الذي تشهدة المنطقة، و “غياب المحاسبة وانتشار الفقر والبطالة، والمحسوبيات سواء للسلطة أو شخصيات اجتماعية كان له السبب المباشر في انتشار وجلب المخدرات إليها، حيث تلاصق هذه المنطقة السورية الشريط الحدودي مع الأردن ومنها باتجاه دول الخليج العربي”. وافاد احدهم: “رغم أن عمليات التهريب موجودة منذ سنين وحتى قبل عام ٢٠١١، إلا أنها تزايدت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد عام ٢٠١٨، في ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تشهدها المنطقة الجنوبية وعموم سوريا، وأن المشكلات الاجتماعية التي أوجدتها المخدرات تصاعدت مؤخراً في المنطقة منها عمليات قتل واغتال وخطف وكشفت إحصائيات محلية في درعا والسويداء عن ارتفاع معدل ارتكاب الجريمة بسبب تعاطي المخدرات والادمان، حيث وثق ناشطون عمليات قتل قام فيها مدمنين على المخدرات ضحاياها أطفال تحت سن السادسة ونساء زوجات وشقيقات لمدمنين”.
بواسطة علياء الأمير | يناير 10, 2022 | العربية, غير مصنف
كشفتْ دراسة نشرتْها مُؤخَّراً صحيفة “قاسيون” التّابعة لـ “حزب الإرادة الشعبية في سورية” أنَّه مع انقضاءالعام 2021، وصل وسطي تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد إلى أكثر من مليوني ليرة ، أي مايعادل600 دولار أميركي، وهو مايزيد عمق الفجوة بين التكاليف المعيشيَّة والحد الأدنى لأجر العامل الذي “ارتفع ” بموجب المرسوم الأخير ليصل إلى مايقارب /93/ ألف ليرة ، أي أقل من 30 دولاراً.
أمام هذه الوقائع يتبادر إلى الذّهن سؤال عن الطريقة التي يدير فيها المواطن السوري نفقاته لردم هذه الفجوة ، الإجابة على هذا السؤال تكشف الحالة المزرية من الجوع والفقر والحرمان التي وصل إليها السواد الأعظم من الناس.
مشاهداتٌ مؤلمة
من المشاهد التي صادفتنا، امرأة تقف أمام بائع الخضار تتوسّل إليه ليعطيها حبة ليمون واحدة لتكمل طبخة “الملوخية ” لكنَّه يرفض ، بينما “ينتخي ” زبون أخر يقف في نفس المكان مُطالِباً البائع إعطاءها ما تريد وأنَّه سيتكفَّل بالحساب .
وبجانب إحدى الصيدليات، تقف فتاة صغيرة لاتتجاوز 12 عاماً تتوسل إلى رجل كبير أنْ يعطيها مبلغ خمسة الاف ليرة لتشتري لوالدتها المريضة الدواء، وعندما يعطف الشخص على الفتاة ويلبي طلبها يقوم الصيدلاني بتمزيق كرتونة الدواء حتى لاتفكر الفتاة ببيع الدواء لصيدلية أخرى وتقبض ثمنها.
اللافت في الأمر ، أنَّ البعض لا يبدو عليهم هيئة التسوُّل ، وربما لاتكون حرفتهم الأساسية، لكن الحاجة دفعتهم لطلب المساعدة. تقترب امرأة في عقدها الأربعين ثيابها نظيفة ومرتبة وبشرتها مرتاحة على عكس الصورة النمطية لغالبية المتسولات. تهمس في أذن أحد المارَّة تطلب مساعدة مالية لشراء طعام لعائلتها ، والبعض الآخر يستوقفك ليطلب منك ثمن “سندويشة فلافل” أو مبلغ 200 ليرة لأنه لايملك ثمن تذكرة للصعود في النقل الداخلي الذي يشبِّه أغلب السوريين الصعود فيه “بقطرميز المكدوس”، نظراً للكم الهائل من الازدحام في هذه الوسائل .
في دمشق كما في باقي المحافظات، ليس مستغربا ، أن تركب سيارة أجرة وتكتشف أن السائق خرّيج جامعي، أو موظف في جهةٍ حكومية، فرواتب الحكومة لا تكفي لسد نفقاتك ليومين.
“وما حدا عايش على راتبه اليوم”، هذا ما يؤكده طارق خرِّيج علم الاجتماع، فهو يعمل يوميا حوالي8 ساعات بعد الانتهاء من عمله في إحدى المؤسسات الحكومية لتأمين متطلبات عائلته، بينما لارا طالبة الهندسة المدنية ، تعلمت فن الوشم وهي تعمل في مركز تجميل تقول :”هذا العمل يؤمّن لي دخلاً مقبولاً لتغطية نفقات دراستي ومساعدة عائلتي” .
ارتفاع تكاليف المعيشة ، دفعت بعض العائلات لتوجه كامل أفرادها إلى العمل ، كما هو الحال مع عائلة أبو فراس الذي يعمل في أحد المطاعم بدمشق القديمة، بينما وجد عمل لابنه القاصر الذي لايتجاوز 15 عاماً عملاً في ورشة لتصليح السيارات. أما الزوجة فتعمل في تنظيف المنازل ، يقول لـ “صالون سوريا” : نزحتُ مع عائلتي خلال الأحداث من إدلب إلى دمشق واستأجرتُ منزلاً في ضواحي دمشق ، رغم كل ذلك فدخلُنا بالكاد يكفي تغطية نفقات الإيجار والدواء والطعام ،ومع أننا نتبع سياسة التقشّف فهناك الكثير من المواد الغذائية اُلغيَت من قائمة المشتريات كاللحوم والفاكهة وحتى منتجات الحليب والبيض.
“طوقُ النَّجاة ”
يساهم المغتربون وخاصة مَنْ هاجروا خلال الحرب بإيقاف نزيف أسرهم المالي في الداخل. وبحسب مصدر رسمي فإن نسبة كبيرة من المواطنين يعتمدون على ما يرسله أقاربهم المتواجدين في الخارج لتحسين أوضاعهم المعيشية. ورجَّح المصدر أنَّ مبلغ الحوالات التي تدخل سوريا خلال اليوم الواحد يصل لما يقارب5 ملايين دولار. كما أنَّ الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي الذي يصل لـ2500 ليرة والسوق السوداء الذي تجاوز عتبة الـ/2500 / ليرة شجَّع على تسليم الحوالات خارج القنوات الرسمية ، وتحاول الحكومة باستمرار ضبط هذه الظاهرة وملاحقة المتعاملين بها نظراً لما يضيع على الخزينة العامة من القطع الأجنبي بهذه العملية.
أمَّا حسام، فلديه ابن في أوروبا يرسل له أموالا عن طريق أحد الوسطاء، يرفض استلامها عبر شركة الصرافة بسبب الفارق بين سعر السوداء والسعر الرسمي، مُعتَبِراً أنَّ هذا الفارق يساعده كثيراً في تغطية نفقات المعيشة المرتفعة، وهذه الأموال هو الأحقُّ بها من غيره .
“أم سعيد”، لديها أخٌ مُقيمٌ في بلجيكا يرسل لها بشكل شهري مبلغ/ 300 / دولار يساعدها في تسديد إيجار المنزل الذي تسكنه ونفقات لعلاج ابنها الذي يحتاج إلى غسل كلى. تقول :”أدعو لأخي بالتوفيق ليل نهار. لولاه كنت تبهدلت وعم أشحد بالشوارع وأمام باب الجامع”.
شرعنة الفساد
الهوَّة الكبيرة بين الإيرادات والنفقات شجَّعتْ موظَّفي القطاع العام وخاصة الخدمية على “الرشوة ” فيكفي أن يدفع طالب الخدمة مبلغاً من المال لموظف حكومي ليمُنَح استثناءً ويحصل على الخدمة التي يريدها بزمن قياسي.
أحد الموظفين فضَّل عدم الكشف عن اسمه قال: “الراتب لايكفي، نعمل حوالي 8 ساعات مقابل أجر زهيد ،الزيادة الأخيرة على الرواتب لا تكفي لشراء فروج وصحن بيض ،لذلك أقوم بتسهيل معاملة البعض مِمَّن يطلبون السرعة في الإنجاز ولا يريدون الانتظار لوقت طويل ، ويصل ما أتقاضاه من المتعاملين 5 أضعاف دخلي الشهري ،ربما لاتكون هذه الطريقة سويَّة ومُوافِقة للقوانين والأخلاق ولكن لدي أطفال أريد تربيتهم”.
شهدتْ في الآونة الأخيرة أغلب المناطق السورية ازدياداً في جرائم سرقة المنازل والدَّراجات النارية وإطارات السيارات والأجهزة الخليوية ، إضافة إلى جرائم القتل بدافع السرقة ، إذ أعلنتْ وزارة الداخلية السورية مؤخرا ، تفاصيل جريمة قتل أب على يد ابنه المُدمِن، بدافع سرقة مبلغ زهيد يبلغ أقل من 100 دولار أميركي.
كما سجل قسم الإحصاء في إدارة الأمن الجنائي منذ بداية العام الحالي وحتى شهر آب (اغسطس) الماضي 366 جريمة قتل و3663 حالة سرقة، وبعض الجرائم بقيادة نساء .
بعض السوريات لم يجدن سبيلاً للعيش سوى بيع أجسادهن مقابل المال، وتتحدث وسائل إعلام محلية باستمرار عن تفشّي ظاهرة الدعارة، كما أعلنت وزارة الداخلية أكثر من مرة إلقاء القبض على شبكات دعارة.
باحث اجتماعي أشار أنَّ انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع نسبة البطالة دفع البعض للبحث عن مصادر غير مشروعة لتأمين دخلهم، لافتاً أنَّ غياب الرقابة الأسرية والتنشئة الاجتماعية الخاطئة للأبناء والتفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق دفع الأبناء للوقوع فريسة الجريمة والدعارة ، مُشدِّداً على ضرورة تطبيق أحكام القوانين الرادعة تجاه كل فعل جرمي يمس الحق العام للمجتمع وأفراده ومكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي وزرع القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية منذ مرحلة الطفولة المبكرة .
تؤكد الجهات الحكومية أن تداعيات الحرب والحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، إضافة إلى سيطرة القوى المدعومة من الخارج على الثروات الزراعية والنفطية في شرقي الفرات وشمال إدلب ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي على حد كبير. وبحسب المعلومات، كانت سورية في تصدِّر القمح الفائض بإنتاج /4 /ملايين طن وتستهلك مليونين ونصف طن، وتنتج زيت الزيتون والخضار والحمضيات ،والتي كانت تمثِّل 10% من صادراتها. أما القطن والصناعة النسيجية فكانت تشكل نسبة 20% من الصادرات. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أنَّ تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع الأسعار الجنوني ، وهجرة الكوادر العاملة في القطاع الزراعي والصناعي زاد من ارتفاع كلف الإنتاج ،مما ساهم إلى حد كبير بتدني الإنتاج والأجور .
بواسطة طارق ميري | يناير 7, 2022 | العربية, غير مصنف
لا يذكر كامل المرة الأخيرة التي جالس فيها أطفاله الثلاثة خلال أيام الأسبوع. فهو بالكاد يلتقي بهم يوم الجمعة. كأنه مغترب داخل وطنه، يمضي كامل نهاره وجزءاً من ليله متنقلاً بين عمل وآخر، عله يتمكن من توفير المال لتأمين احتياجات عائلته.
يغادر منزله في منطقة معضمية الشام بريف دمشق السادسة والنصف صباحاً، ليتسنّى له الوصول إلى عمله بوزارة التربية في الثامنة وسط أزمة نقل خانقة.
ويعاني السويون في مناطق الحكومة السورية من تدهور الوضع الاقتصادي بشكل حاد، ما دفعهم إلى العمل في أكثر من مكان على فترات مختلفة من أجل تأمين الحاجات الأساسية للعيش.
يمضي كامل عدة ساعات في الوزارة ثم يتسلّل إلى سيارة الأجرة التي يجول فيها شوارع دمشق بحثاً عن الزبائن. يأكل السندويشة التي أعدّتها زوجته وأحياناً تفاحة إن توفرت في المنزل، قبل أن يصل إلى المطعم الذي يعمل فيه “جرسون” حتى الواحدة بعد منتصف الليل. يعود بعدها لمنزله ليجد زوجته في انتظاره بينما يكون أطفاله نائمين. يغط كامل بالنوم ويستيقظ صباحاً ليبدأ دورة حياته المرسومة بالقلم والمسطرة بعيداً عن أي راحة.
ارتفعت تكاليف المعيشة في مناطق الحكومة السورية إلى حدّ لا يطاق، حيث تحتاج أسرة من خمسة أشخاص لمليون و800 ألف ليرة سورية شهرياً كحدّ أدنى، لتأمين ثماني احتياجات أساسية: الغذاء والسكن والنقل والصحة، واللباس والتعليم والأثاث والاتصالات، يضاف إليها نسبة 8% لحالات الطوارئ الأخرى، حسب تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية. وأكدت الصحيفة أن هذه التكاليف عن شهر أيلول الماضي، بعد أن كانت مليون و240 ألف ليرة في حزيران، مما يعني أن هذه التكاليف قد تغيرت حالياً ووصلت لرقم أكبر، في ظل ارتفاع الأسعار المستمر.
هذا ما دفع السوريين للعمل في أكثر من مكان في سبيل تأمين لقمة العيش. ويوضح كامل أنه برغم عمله في أكثر من مكان إلا أن ما يحصل عليه آخر كل شهر يصل إلى قرابة الـ 350 ألف ليرة سورية أي 100 دولار، وهو غير كافٍ لتأمين احتياجات أطفاله وزوجته من طعام وشراب، كما يضطر إلى الاستدانة من بعض أصدقائه ليتمكن من إكمال مصروفه الشهري، والذي يتجاوز ما يحصل عليه بضعف أو أكثر حسب كل شهر.
“ما عم نصرف إلا للشغلات الأساسية والأسعار كل يوم بترتفع، ومن 5 شهور ما أكلنا لحمة.. ما عاد أعرف شو اشتغل أكتر من هيك”. ويذكر كامل أن الجهات التي يعمل لديها استغلالية ولا تراعي أحوال الناس، مضيفاً: “السوري عم يستغل السوري بيربحوا كتير وبيعطونا الفتات وإذا تركنا نفس الحالة.. كل الناس عم تدور على شغل، بيعرفوا رح يجي غيرنا فوراً”.
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، قدر أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90%، وأن كثيراً منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
كامل ليس حالة استثنائية بل حاله يشبه حال الكثير من السوريين في بلاد تعاني حرباً، ومنهم رغدة أستاذة المدرسة التي قررت ترك وظيفتها بمدرسة حكومية، والانتقال إلى أخرى خاصة كونها أفضل من ناحية الراتب.
تنهي رغدة دروسها في المدرسة وتصل إلى بيتها لتأكل على عجلة، ثم تتنقل بين منازل الطلاب لتعطي دروساً بالفيزياء والكيمياء، حيث يتراوح سعر الدرس في دمشق بين 15 و20 ألف ليرة.
وتبين رغدة أنها تحصل على مبلغ جيد، ولكنها تكاد تخسر صحتها نتيجة العمل المجهد، الذي يصل إلى أكثر من 15 ساعة يومياً حتى يوم العطلة. وتضيف “برجع على البيت بأقصى درجات التعب، ولازم اطبخ ونضف واعتني بأهلي لأنهن كبار بالعمر.. ما عاد طلعت مشوار أو زرت أي شخص.. حياتي شغل بشغل”.
أما سائق السرفيس أبو محمد فيخرج من بيته السابعة صباحاً ولا يرجع إليه حتى التاسعة والنصف، ويوضح أن لديه ولدان بالجامعة وثالث في المدرسة ويحتاجون إلى 150 ألف ليرة كمصروف شهري، إضافة إلى تأمين الأكل والحاجات الأخرى للمنزل. ويقول: “إذا ما عملت هيك منموت من الجوع.. عم اشتغل أكتر من 12 ساعة وعمري 50 سنة وصحتي على قدي”. وذكر أبو محمد أن ولديه بدآ البحث عن عمل لمساعدته، وعرضا عليه ترك الجامعة لكنه رفض رغم إلحاح زوجته.
ووفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمي يعاني حالياً نحو 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة قدرها 4.5 مليون شخص خلال العام الماضي وحده.
ويقول برنامج الأغذية العالمي “يكافح الآباء أكثر من أي وقت مضى لإطعام أطفالهم، بعدما أصبح سعر المواد الغذائية الأساسية الآن أعلى بـ 29 مرة من متوسط أسعارها قبل الأزمة”.
ولم ينجُ طلاب المدارس من حتمية العمل لتأمين لقمة العيش، فطالب المدرسة بالمرحلة الثانوية توفيق، ينهي دوامه ثم يعمل على بسطة بمنطقة قريبة من منزله، حيث ساعده أحد أصدقائه بالمدرسة على تأمين هذا العمل.
يعود توفيق إلى بيته في التاسعة والنصف مساء، ثم يبدأ بتحضير دروسه لليوم التالي، رافضاً ترك مدرسته مثل بعض أصدقائه رغم طلب والده منه ذلك بحجة أن “العلم ما بطعمي خبز ببلدنا”. ويقول: “لازم ساعد أهلي شايفين الحياة صارت صعبة.. وكتار من رفقاتي عم يشتغلوا لهيك تشجعت”.
وجميع الحالات التي تحدثنا إليها كان خوفها الوحيد هو ما يمكن أن تتعرّض له من مشاكل صحية، وهنا يؤكد الطبيب هيثم حنا أن خطر الإصابة بالمشاكل الصحية وخاصة أمراض القلب والجلطات الدماغية، يزداد بنسبة 10% لمن يعمل بحدود 40 ساعة أسبوعياً، و30 % في حال العمل لـ 54 ساعة، و60% في حال العمل 100 ساعة في الأسبوع.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أن العمل لساعات طويلة يقتل مئات الألوف من الأشخاص سنوياً.
في الوقت الذي تسعى فيه دول العالم لتقليل ساعات العمل واستقطاع يوم راحة إضافي أسبوعياً، يجد السوري نفسه أمام خيار وحيد وهو العمل والعمل دون أن يعرف سبيلاً للراحة، ليس حباً بالحياة وبحثاً عن الطموح، وإنما لتأمين لقمة عيشه التي أصبحت عبئاً كبيراً في دوامة النزاع الحاصل بالبلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
بواسطة محمد الواوي | يناير 5, 2022 | العربية, غير مصنف
“هل تغير خمسة دولارات من الواقع المرير شيئاً؟”، بهذا السؤال يعلّق علي (موظف حكومي وأب لطفلين) على أنباء زيادة الرواتب والأجور الحكومية في البلاد، ويعرب عن حزنه العميق لما آلت إليه أحوال الموظفين الحكوميين، حيث لا يشتري راتبه الشهري كاملاً سوى “زوج من الأحذية”! ويعتمد علي في تحمل تكاليف المعيشة على حوالة شهرية يرسلها أخوه المقيم في الإمارات.
صدر في 15 كانون الأول/ديسمبر 2021 مرسوم يقضي بزيادة قدرها 30% على الرواتب والأجور لكل من العاملين المدنيين والعسكريين، وفي الوقت ذاته صدر مرسوم آخر بزيادة المعاشات التقاعدية للعسكريين والمدنيين بنسبة 25%.
إلا أن هذه الزيادة أثارت زوبعة من الانتقادات بين السوريين؛ إذ لم تلبِّ الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية للعيش وسط ارتفاع هائل في الأسعار لم تشهده البلاد من قبل.
ويرى علي أن الزيادة الأخيرة المقدرة بـ 20 ألف ل.س (5 دولارات) امتصتها الحكومة مسبقاً عبر رفع أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي؛ فضلاً عن سعر المواد الأساسية المدعومة عبر البطاقة الإلكترونية مثل السكر والأرز.
وتأتي الزيادة الأخيرة للمرة الثانية خلال العام الجاري 2021؛ إذ صدر مرسومان تشريعيان في تموز/يوليو الماضي، بموجبهما زادت رواتب العاملين في الدولة بنسبة 50%، كما زادت معاشات المتقاعدين بنسبة 40%.
وبصدور المرسوم التشريعي رقم 29 لعام 2021، ارتفع الحد الأدنى العام للأجور في سورية إلى 92 ألف ل.س (26 دولاراً) بدلاً من 71 ألف ل.س سابقاً.
ومع نهاية 2021 تراجع سعر صرف الليرة السورية إلى أكثر من 3400 ل.س مقابل كل دولار أمريكي في السوق السوداء، في حين حافظ السعر في “مصرف سورية المركزي” على 1256 ل.س وفق نشرة الأسعار الرسمية، كما يقترب من 2500 ل.س لكل دولار أمريكي للحوالات الواردة من الخارج، بحسب نشرة المصارف والصرافة الصادرة عن “المركزي” أيضاً.
تقول المدرسة المتقاعدة هيفاء (اسم مستعار) لـ “صالون سوريا”، إن الزيادة التي حصلت عليها لن تحقق لها أي فائدة شخصية، الأمر لا يتعلق بالراتب الشهري مهما بلغ؛ بل بالقدرة الشرائية، ففي عام 2011 كان راتب المعلمين في المدراس الحكومية يقترب أو يزيد عن 20 ألف ل.س؛ أي ما يعادل 400 دولار أمريكي، أما اليوم فلا يعادل 29 دولاراً رغم تضاعفه 5 مرات تقريباً.
وتضيف هيفاء: “سيرفع التجار أسعار منتجاتهم بعد هذه الزيادة وسنتحمل أعباء إضافية، هذا ما اعتدنا حصوله غالباً”.
وانتقد صحفيون وناشطون سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي قيمة الزيادة المتدنية في الرواتب بالمقارنة مع الزيادات المماثلة التي حصلت في دول الجوار.
وفي وقت سابق طالب عدد من أعضاء “مجلس الشعب” في جلسة 12 كانون الاول، برفع مستوى الرواتب والأجور بنسبة 300% لتقليص الفجوة بين الدخل والإنفاق، بخاصة بعد رفع الحكومة أسعار البنزين والغاز المنزلي والمازوت، كما نقلت وكالة “سانا” الحكومية للأنباء.
واعترف وزير المالية كنان ياغي في وقت سابق -قبل صدور المراسيم الأخيرة- أن الزيادة المرتقبة للرواتب والأجور لن تلغي الفارق الكبير بين الرواتب ونسب التضخم الحالية.
ولم تتوقف زيادة الأسعار على المواد والأغذية التي تدعمها الحكومة، إذ طالت أسعار المواد والمنتجات لدى التجار في الأسواق، وشملت كذلك زيادة أسعار النقل الخاص مثل سيارات الأجرة وغيرها، واستجابت “وزارة الصحة” حديثاً لمطالب أصحاب معامل الأدوية في البلاد عبر رفع أسعار 12 ألف صنف دوائي بنسبة 30%.