تدريباتنا

عيد الفطر في سوريا زمن الكورونا: فرحة مقننة

by | May 26, 2020

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات

“عيد بأي حال عدت يا عيد”، هذا مطلع من قصيدة للمتنبي في هجاء أحواله التي تزامنت مع قدوم العيد، ويبدو أن معظم السوريين يتبنون بحسرة هذه المقولة التي تعكس بدقة سوء أوضاعهم في ظروف الحجر الصحي وسط مخاوف من انتشار كورونا الذي اتفق حدوثه مع أهم مناسبة يحتفل بها السوريون في عيد الفطر. وقد غيرت ضرورة اتباع إرشادات السلامة العامة من عاداتهم المحلية وفرضت عليهم واقعاً جديداً وعادات معينة تُغير من طقوس الاحتفال بالأعياد وكل ما اعتادوا عليه خلال عقود، من زيارات أهلية وعناقات بالجملة وقبلات حارة والتنزه في الحدائق، جميعها عادات نسفت من قاموس السوريين هذا العام، ليقتصر الوضع على رسائل معايدات من خلف شاشة الجهاز الخليوي والاستعانة بإيموجي العناق الافتراضي الذي أدرجه مؤخراً الحائط الأزرق كبديل للعناق الحي.  ناهيك عن الأعباء المادية لتكبد نفقات الحلوى وملابس العيد، حيث أصبحت هذه الأشياء صعبة المتناول لا يصل إليها إلا بمشقة شديدة قليلٌ من الناس. وأكثر من يعاني العوز والقلة جراء الظروف الحالية هم الشريحة التي تعمل في وظائف مياومة حيث يحصل هؤلاء الناس على قوت عملهم يومياً وانقطع مصدر رزقهم بسبب جائحة كورونا.

اضطرت سماهر التي تعمل سكرتيرة في عيادة الطبيب إلى أخذ سلفة مالية من عملها لكي تتمكن من شراء ملابس جديدة لابنتها الوحيدة فراتبها لا يصمد حتى منتصف الشهر، لكنها لم توفق كثيراً فاضطرت إلى أن تقصد سوق البالة، وتقول عن وضعها: “ذهبت أمس إلى السوق بعد أن أخذت سلفة بقيمة 15 ألفاً على راتبي عند طبيب العيون الذي أعمل لديه واشتريت بها بنطال، جينز بـ 10 آلاف ليرة، أما الباقي فاشتريت به قميصاً قطنياً من سوق الملابس المستعملة لأن ثمنها أرخص”.

 أما سلمى فليست بأفضل حال، فقد اشترت ثياب العيد لطفليها بالتقسيط بعد معركة طويلة خاضتها في إقناع البائع الذي استسلم أخيراً ووافق على بيعها رأفة بحالها، وتوضح معاناتها: “لم يتوفر معي المال الكافي لشراء الملابس، إلا أن البائع وافق على بيعي إياها بالتقسيط على دفعتين بعد أن أعطيته مبلغ 10 آلاف ليرة كدفعة أولى، والثانية بعد العيد مباشرة”.

 أما رهف فلم تتمكن من اقتناء ثياب جديدة لابنتيها بسبب توقف زوجها عن العمل على خلفية جائحة كورونا، وتُفسر حالها: “لم أشتر لطفلتَي أي ملابس جديدة هذا العيد، واكتفيت بثيابهما القديمة، فلدينا أولويات أخرى كدفع أجرة المنزل ومصاريف الطعام والشراب، لاسيما أن عمل زوجي تراجع كثيراً خلال فترة الحجر الصحي، حيث يعمل خياطاً وبقي محله مغلقاً لمدة شهر ونصف، أما راتبي الذي لا يتجاوز 25 ألف ليرة كسكرتيرة طبيب نسائية لا يكفي لسد نفقات أول أسبوع من الشهر”.

 وبالنسبة لفراس الذي يعمل في مكان يحسده عليه الكثيرون، وهو موظف في بنك خاص، فقد اضطر إلى المفاضلة بين صيانة سيارته وشراء الملابس، مرجحاً الكفة الأولى، علاوة على الأسعار الجنونية التي تحتاج إلى راتب بأكمله لشراء بدلة كاملة (بنطال ـ كنزة ـ حذاء)، ويعقب بالقول: “بالرغم من أن راتبي يُعد جيداً، لكنني لا أستطيع تحمل نفقات تصليح السيارة وشراء الملابس في آن معاً، فالأخيرة أصبحت غالية جداً لا تتوافق مع نوعيتها الرديئة التي تهترئ بسرعة، وفي حال قررت شراء ثياب فستكون حتماً من البالة لسعرها المناسب وجودتها المتميزة ناهيك عن التزامات أخرى أكثر أهمية كدفع أجرة المنزل أو توفير بعض النقود للزواج”.

سياسة التقنين لحلوى العيد 

اعتاد بعض السوريين على شراء حلويات العيد من المحلات، إلا أن البعض منهم تخلى عن هذا الخيار خوفاً من انتشار فيروس كورونا أولاً، ولغلاء سعرها ثانياً. أما من كان معتاداً على صنع الحلوى في المنزل فاتبع سياسة التقنين في المقادير بسبب كلفتها الباهظة، كسمر التي قلصت كمية الحلوى إلى النصف، حيث تَعَوَّدَت على إعداد كميات كبيرة إلا أن هذا العيد كانت تجربتها مختلفة وعن هذا تقول: “لا قيمة للعيد بدون حلوى، لم أعتد على صنع كميات صغيرة منه، ولكن يبقى أفضل من صنع لا شيء، فأسعار مكونات الحلوى باهظة للغاية لا يمكن تكبدها، أما شراؤها جاهزة فسعرها مضاعف، حيث بلغ سعر كيلو المبرومة 35 ألف ليرة “. في حين استبعدت شيرين مادة الفستق الحلبي من لائحة حلويات هذا العام نظراً لكلفتها العالية التي يصل سعر الكيلو الواحد منها إلى راتب موظف لمدة شهر والاستعاضة عنها بالتمر: “اكتفيت هذا العيد بصنع الحلويات المحشوة بالتمر والجوز فقط وبكميات مقننة على غير العادة، أما تلك المملوءة بالفستق فنسفتها من قائمتي فور علمي بسعر الكيلو الذي بلغ 45 ألف ليرة”.

هذا واتجهت بعض العوائل السورية ممن لا يستطيعون تكبد نفقات الحلويات إلى ابتكار وصفات تقشفية والاستعانة بالمواد الأولية وتقديمها إلى مائدة الضيوف كحلوى تقول لانا وهي أم لثلاثة أطفال: “استعنتُ بوصفة جدتي البدائية وغير المكلفة والتي تُدعى التمرية حلوى الفقراء، وهي عبارة عن كرات من التمر يوضع معها ملعقة من السمن لجعلها متماسكة، ثم دحرجتها بوعاء من السمسم أو جوز الهند، بعد ذلك توضع  في الفرن ثم  يرش عليه بعض السكر، فالرمد أفضل من العمى”.

مسافة أمان

قررت ميس شراء منامة للمنزل لكونها على يقين بأنها لن تخرج خلال أيام العيد، فساعات حظر التجول تبدأ من الساعة السابعة مساء وهو الوقت الأمثل للخروج، لينحصر الأمر على استقبال الضيوف من المقربين، وهو ما يستدعي شراء منامة بمظهر لائق، بينما تؤيدها نيرمين فتنشر منشور على (الفيسبوك) تسأل فيه بجدية بالغة عن محل لبيع ملابس نوم أنيقة وبأسعار مناسبة واتخاذها كملابس للعيد.

أما فيما يتعلق بالزائرين فأعدادهم انخفضت هذا العام، واقتصرت لائحة الضيوف على المقربين جداً ورافقها إرشادات بإطلاق القبلات الهوائية دون لمس الشخص وعدم المصافحة مع الحرص على ترك مسافة أمان بين الضيوف. ويقول غيث عن واقع العيد في زمن الكورونا: “فرض علينا فيروس كورونا عادة جديدة مغايرة لتلك التي اعتدنا عليها وهي المصافحة والتقبيل المبالغ فيه، خاصة وأن هذه العادتين تدلان في مجتمعنا على التعبير عن مشاعر الود والمحبة للآخر، كنا جالسين ومسافة متر تفصل بين أفراد عائلتي، فنحن مجبرون على تفهم الواقع المفروض، لكننا في الوقت ذاته تعودنا عليه”.

مواضيع ذات صلة

إلياس مرقص فيلسوف المثال والواقع السوري

إلياس مرقص فيلسوف المثال والواقع السوري

إلياس مرقص مفكر وفيلسوف سوري معاصر، ويعدُّ من أبرز المفكرين اليساريين العرب. ومع أنه ماركسي شيوعي، إلا أن فلسفته اتسمت بطابع توفيقي جمع فيها بين، المادية والمثالية، إذ جعل من الفلسفة المثالية أو الهيجيلية مدخلاً ضرورياً للمادية أو الماركسية. لم تقف شخصية مرقص...

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

مواضيع أخرى

جورج طرابيشي بين الفلسفة والأدب

جورج طرابيشي بين الفلسفة والأدب

جورج طرابيشي فيلسوف وأديب سوري، يُعدُّ من أبرز المفكرين اليساريين والقوميين العرب. ومن أكثرهم غزارة في إنتاجه الفكري وترجماته. وقد مرَّ في حياته - كما يروي هو - بست محطات كانت فارقة في مشواره الشخصي والفكري. أول تلك المحطات تجاوزه أو تحرره من ربقة المسيحية، التي تجعل...

ارتفاع تكاليف التربية ترهق مربي الأغنام في سورية

ارتفاع تكاليف التربية ترهق مربي الأغنام في سورية

يواجه مربو الثروة الحيوانية عموماً، والأغنام على وجه الخصوص تحديات تهدد مصدر رزقهم نتيجة ارتفاع تكاليف التربية مثل الأعلاف والأدوية البيطرية، إلى جانب الجفاف؛ العدو الأخطر على الزراعة والثروة الحيوانية في البلاد. يقول علي وهو مربي أغنام (عواس) في بلدة أبو الظهور بريف...

رحلة في عوالم الدهشة

رحلة في عوالم الدهشة

في أسلوب جديد ومختلف عما عهدناه يأتينا طارق إمام بدهشة متصاعدة في عمله الأخير "أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها" الصادر عن دار الشروق 2023، منذ العتبات النصية التي بدأها بإهداء العمل لوالده "أنت فوق التراب وأنا تحته" في سرد يحفل بالثنائيات الضدية الفوق والتحت؛ الولادة...

تدريباتنا