تدريباتنا

أكيتو ثورة الربيع المتجذرة تاريخياً

by | Apr 5, 2019

بمراسم احتفالية وعروض مسرحية وغنائية ودبكات شعبية، أحيا الآشوريون ذكرى السنة البابلية الآشورية في أحضان الطبيعية بأزيائهم الفلكلورية كما يفعلون في الأول من نيسان من كل عام  في مناطق الجزيرة وعموم سورية كبداية عامهم الجديد الذي يعرف بعيد “أكيتو”.

وتعنى “أكيتو” الحياة الجديدة باللغة السريانية، و يستمر الاحتفال بها ١٢ يوماً، يبدأ بمرحلة خلق جديدة كما جاء في ملحمة الخلق الأولى ’إينوما إيليش‘ السومرية المكتملة في ملحمة جلجامش.

وعن رمزية مدة عيد أكيتو البالغة ١٢ يوماً يقول الباحث والكاتب ركيس دنحو أنها تساوي أشهر السنة الأثني عشر، “فكل يوم كان يقابل شهراً واحداً مرتبطاً بالسنة الجديدة، ويرتبط الرمز الكامل بالمفهوم الأسطوري للأشهر الاثني عشر للخصوبة والوفرة، ومفهوم مشابه يرتبط بالأعياد الشهرية بأساطير النجوم والأبراج”.

ويربط الكاتب الآشوري دنحو احتفالات الآشوريين والبابليين بمناسبة دينية هامة هي انتصار الإله “مردوخ” الذي كان يعتقد أنه من خلق الحياة والطبيعة على الآلهة “تيامات” حيث تخصص الأيام الأربعة الأولى من الاحتفال لممارسة الطقوس الدينية، وتقديم الصلوات، والقرابين وقراءة قصة الخلق (إينوما إيليش) التي تحكي كيف جرت عملية اتحاد الآلهة ليكون “مردوخ “ملكهم، أما الأيام المتبقية فتتضمن بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية إضافة إلى الطقوس الدينية.

وقد مضى على هذا العيد 6769 عاماً بحسب تقويمهم الآشوري البابلي، إذ يعود تاريخ الاحتفال به إلى الألف الثالث قبل الميلاد، واستمر حتى القرن الثاني قبل الميلاد، ليظهر بعد ذلك في أعياد واحتفالات أخرى في العراق وسورية وايران وآسيا وبلدان البلقان بعدما طرأت على طقوس الاحتفال بعض التغيرات.

يصفه الكاتب ورئيس الجمعية الثقافية السريانية حنا حنا ابو تغلات أكيتو بأنه “انتصار الخير على الشر” فهو بحسب قوله “يمثل إرثاً حضارياً وثقافياً لبلاد ما بين النهرين الذي يعود لآلاف السنين للعهد السومري الأكادي البابلي الآشوري السرياني، والذي لازال يستأثر باهتمام الباحثين والأدباء وعلماء الآثار لما يشكله من أهمية بالغة في إغناء مختلف جوانب الحضارة الإنسانية”.

ويوضح تغلات أن الاحتفال بعيد رأس السنة الجديدة يعود إلى عصور مبكرة من حضارة بلاد الرافدين، فقد وردت إشارات في النصوص المسمارية إلى أن هذه الاحتفالات كانت معروفة في المدن العراقية القديمة، وأصبحت شائعة في كل بلاد بابل وآشور في نهاية العصر البابلي القديم.

وتحضر حكاية أعياد الربيع وطقوس الاحتفال بها في السهول والجبال والوديان في ذاكرة نيمو سركيس السيدة السبعينية المنحدرة من مدينة “عين كاوا” من كردستان العراق والمتزوجة  في مدينة القامشلي والتي انضمت لجموع المحتفلين في قرية “محركان” في ريف مدينة القامشلي.

تتذكر سركيس خروج الناس من كل القوميات والأديان إلى الطبيعة المغطاة بالعشب الأخضر والمزركشة بزهور برية بمختلف الألوان والأحجام تحيطها غابات كثيفة، وتضيف: “منذ حلول ساعات الفجر الأولى تعلق كل عائلة آشورية حزمة من العشب الأخضر في أعلى مدخل البيت  قبل استيقاظ الأطفال وتسمى (دقنا دنيسان)، و تحضر النسوة للمناسبة ما لذ وطاب من المأكولات و الحلويات والثياب الفلكلورية للجنسين وبمختلف الأعمار، وترتدي المرأة فستاناً طويلاً وتحته سروال طويل تتزنز بحزام قماشي، وتغطي رأسها بقلنسوة وتلفها بمنديل أبيض يغطيها وتبقي وجهها مكشوفاً،  ويضع الرجل على رأسه قبعة على شكل نصف كرة مصنوعة من الصوف عليها ريش من ريش النعام ويرتدي قميصاً أبيضاً وفوقه كنزة مصنوعة من الصوف و بنطالاً ملوناً ومزركشاً عريضاً من أسفله”.

خارج المنزل تتشابك الأيادي في رقصات فلكلورية على نغمات موسيقية في حلقات الدبكة، وتشعل نار” نينوى” بشعلة تصفها نيمو بالكبيرة.

وتتابع سركيس: “في نهاية آخر يوم من أيام الاحتفال تعود كل عائلة مصطحبة معها باقات الزهور البرية التي تتشارك أفراد العائلة بجمعها، وتعلق باقة منها بجانب باب البيت تعبيراً عن الفرح بقدوم الربيع واستقبال الخير، ويرمي كل أفراد العائلة بقية الزهور مع قطع نقدية في حلة ماء كبيرة، ويطلب من أصغر أفراد العائلة أن يغمض عينيه ويغمس يديه في الحلة ليجمع النقود المعدنية لتنعم العائلة ببركة السنة”.

وتعتبر الاحتفالات بالسنة الجديدة (الأكيتو) “واحدة من أكثر الأعياد والمهرجانات الدينية الاجتماعية الشعبية قدماً وعالمية بمناسبة مرور الفصول أو عودة الشمس” كما تشير صباح شابو مسؤولة الاتحاد النسائي السرياني في القامشلي، مبينة أن الاحتفال بالعيد في العصر السومري  كان طبقاً للدورة النباتية لموسم الحصاد والبذار وكلاهما كان يشير لبداية السنة.

وتضيف شابو “جرت العادة على إقامة الاحتفال بعيد ’أكيتو‘ كل عام حسب التوقيت البابلي القمري في الأول من نيسان، وابتداء من العصر البابلي القديم أغنى عيد “أكيتو” الخيال الديني لشعب حضارة بلاد الرافدين لأكثر من 2500 سنة، لأنه كان غنيا على نحو غير اعتيادي بالطقوس والرموز الدينية والأسطورية والاجتماعية والسياسية”.

وبالنسبة لها فإن هذا العيد “رمز للنضال الشعبي من أجل الحرية من أجل نهضة ثقافية متعددة وديمقراطية في المنطقة والشرق الأوسط”.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

الشّتات يطارد اللاجئين السوريين مجدداً في قبرص!

يعيشُ اليوم آلاف السوريين في قبرص خوفاً اجتماعياً من فقدان فرصة العيش في الجزيرة، بسبب التحريض الذي يتعرض له المهاجرون السوريون الواصلون حديثاً إلى قبرص، والذين أعُيد معظمهم إلى لبنان بعد قرار مفاجئ اتخذته قبرص بخصوصهم. "خلال الثلاثة أشهر الماضية، كان السوريون يصلون...

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

تدريباتنا