تدريباتنا

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

بواسطة | مارس 25, 2024

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه العلامة الكبرى التي كرست سوريا كسيدةٍ في الأعمال التاريخية التي لا تشوب نصها ونطق حروفها وأدواتها شائبة، وكان ذلك واضحاً وجلياً في ثلاثية حاتم علي (صقر قريش–ربيع قرطبة–ملوك الطوائف).

أما في عام 2010، العام الذي سبق الحرب السورية مباشرة فقد أسدلت الستارة على النتاج الضخم والمشبع فنياً وحركياً وبصرياً وذهنياً مع مسلسل “لعنة الطين” للكاتب سامر رضوان صاحب “ابتسم أيها الجنرال” وثلاثية “الولادة من الخاصرة” للكاتب نفسه و”تخت شرقي” للكاتبة يم مشهدي وغيرهم.

في هذا العقد قدمت سوريا ثورةً في الدراما الاجتماعية التي تخطت ما عداها لتلامس شرائح المجتمع كله تاركةً خلفها سبلاً وأدوات وحكايات تنطلق من البيئة التي جاءت منها بأسلوب تنفيذ سلس ومباشر وبسيط كان كفيلاً بصنع النجوم، نجوم اليوم.

سادة الدراما

لا يزال السوريون يعتقدون أنّهم سادة الدراما، يقدمون هذه المعلومة في كل موسم رمضاني خلال العقد الفائت، ويقولون بلا تفكير بأنّهم قدموا دراما اجتاحت الوطن العربي وعلمته كيف تكون الصنعة. ولكن ماذا يعرف العرب من المحيط إلى الخليج عن الدراما السورية؟

يعرفون شيئاً واحداً (شبرية أبو شهاب) في باب الحارة، وتلك الطامة الكبرى التي أغرقت سوريا في فخّ التجهيل وأوصلت للسوريين معلوماتٍ مغلوطة عن أنّ أعمالاً كزمن العار وأحلام كبيرة وغيرهما كانت تجعل العربي يتسمر خلف الشاشة، والعربي لم يسمع أساساً بتلك الأعمال، إلا ما ندر.

صراع سوريٌّ – مصري

يتجه السوريون هذا العام في جلساتهم وعبر منتديات النقاش في مجموعات التواصل الاجتماعي بصورة غريبة لمناقشة ومقارنة الفرق بين الأعمال السورية والمصرية واضعين عشرات الملاحظات على الأخيرة موجهين انتقادهم اللاذع إلى مسلسل “الحشاشين” بطولة “كريم عبد العزيز” وإخراج “بيتر ميمي”.

ينطلق هجومهم من إشراك اللغة العربية الفصحى باللهجة المصرية في سياق العمل، لتبدأ مواجهة حامية الوطيس يبدو فيها المدافعون عن الإنتاج المصري أكثر من الرافضين له، ويبدو هذا منطقياً لبلدٍ يملك شركات إنتاج تحقق شرطاً فنياً عالي الجودة ويمكن لشركات بلدهم تقديم ما يحاكيه لولا أنّ مزيجاً من الاستسهال والمبالغة والاستعراض جمع بين شركات سوريا ومخرجيها وممثليها، على ما يقوله مهتمون بالمتابعة.

مصر قدمت هذا العام مسلسلات: الحشاشين – العتاولة – المعلم – الكبير أوي 8 – المداح – أشغال شاقه – بابا جه – أعلى نسبة مشاهدة – امبراطورية م – بيت الرفاعي – بدون سابق إنذار – جودر – كوبرا – حق عرب – خالد نور – رحيل – سر إلهي – صيد العقارب – صدفة – صلة رحم – عتبات البهجة – 100 راجل وغيرهم.

وباتت المسلسلات المصرية تبدو وكأنها تحلق وحيدة كما تفعل منذ عقود في فضاء الفن العربي متفهمةً أخيراً أنّ الجمهور لا يحتاج عملاً من ثلاثين حلقةً، وبأنّ 15 حلقة كافية وتزيد عن حاجته وتشبع ذائقته الفنية.

“بوجقة وردح”

حتى الآن لا يمكن فهم أدوات عمل الممثل السوري وثباتها في مكان اللا تطور، حيث يحافظ على مبالغات في الأداء والصياح والاستعراض تجاوزتها مدارس التمثيل، فاليوم يتجه هذه المضمار لإبكاء المشاهد بلقطة يبدو فيها البطل حزيناً بنظراته لا حزيناً لأنّه يصيح ويمزق ثيابه. وهنا يمكن فقط استحضار مشهد المصري “سيد رجب” في فيلم “وقفة رجالة” إذ استطاع إبكاء المشاهدين في صالات السينما دون أن يذرف دمعةً واحدة حين توفيت زوجته وشريكه عمره.

حتى نهاية الأسبوع الأول من رمضان كانت معظم الأعمال السورية تقوم على التنميط، واستنساخ منشورات الفيس بوك، وأحاديث الشارع الممجوجة، وما يقال عنه بالعامية الشامية “البوجقة والردح” من قبل ممثلين محترفين يفترض أنّهم قاماتٌ كبرى متناسين أنّ قسطنطين ستانيسلافسكي” صاحب فلسفة إعداد الممثل قد علمهم أهم قاعدةٍ جوهرية وهي: “تحدثوا للعين وليس للأذن، فالعين هي العضو الأكثر حساسية الذي يقود معنى الفكرة.”

تصويبٌ لا هجوم

ما يحصل الآن ليس هجوماً على الدراما السورية، بقدر ما هو محاولة تصويب للأخطاء التي تكررها كل عام، فالفرنسي المحتل حاضر على الدوام بعمل أو أكثر كل موسم، ودمشق القديمة حاضرة كما المعتاد، والفتيان الزعران وبنات الليل والراقصات حاضرات أيضاً، وكما كلّ عام يتغير اسم الكاتب وتظلّ خطوط الحبكة متشابهة.

لا يمكن القول هنا إنّ ذلك يعود لخطورة مقصّ الرقيب، فالجميع بات يدرك أنّ الرقابة على الدراما باتت أقل ممّا كانت عليه، وإنتاج عملٍ اجتماعي لا يحتاج مغامرةً أصلاً! ومن أنتج وعرض “غزلان في غابة الذئاب 2006” وثلاثية “الولادة من الخاصرة 2011-2012-2013” وغيرهم يدرك جيداً أنّ السقف يمكن أن يكون عالياً والدليل الأمثل مسلسل “الخربة – 2011” للكاتب “ممدوح حمادة” والمخرج “الليث حجو” بكل إسقاطاته السياسية الشديدة والذي عرض ولا زال على الشاشات المحلية بين وقت وآخر، إذ لا ينسى السوريون أنّ “بقرة معلم أكرم” أهم من كل شرائع وقوانين ودساتير وحياة الإنسان في بلدهم.

مقارنة ظالمة

في هذا العام حضرت سورية بجملة من المسلسلات التي تفاوتت الآراء حولها، وما قد يظلمها هو مقارنتها بأعمال أخرى صنعت خلال الحرب.اليوم ينكب جزء من السوريين على مشاهدة أعمال هذا الموسم كـ: ولاد بديعة – كسر عضم (السراديب) – مال القبان – تاج – وصايا الصبار-بيت أهلي – الوشم. وكما في كل عام عانت هذه الأعمال على قلتها من الشرط التسويقي القاسي في السوق الخليجي والذي كان أساس ازدهار الصنعة السورية مطلع الألفية الحالية.

ممثلٌ مرغم على التمثيل

تعتقد رقيّة ميمون الخريجة الجامعية أنّ أعمال هذا العام جاءت متدنية المستوى، وفي قسم كبير منها لا تناسب المشاهدة العائلية، معلّلة ذلك بكم التناول الواسع لمواضيع حساسة تتعلق بالجنس وفتيات الليل والرقص وما شابه ذلك.

تقول: “هناك كميّة لا تصدق من النكد والحزن والانحدار الفني على مستوى النص المجتر والمكرر، لنتذكر قليلاً مشاهد مرّت في تاريخ درامانا ثم لنقارن، مشهد بكاء خالد تاجا في التغريبة الفلسطينية، الحلقة الأخيرة من أسعد الوراق، الاغتصاب في زمن العار، اجتماع العائلة في أحلام كبيرة، مقتل كليب في الزير سالم، مشاهد الأصدقاء في تخت شرقي، الخازوق في إخوة التراب، كل ذلك كان قبل 2011، أما بعده فصرنا نحسّ أنّ الممثل يؤدي وظيفته مرغماً”.

فلسفة مريبة

فيما تتساءل ناهلة عويتي الطالبة الجامعية عن السرّ الذي يجعل كل الحوارات في المسلسلات السورية مغرقة في الفلسفة والسفسطائية والغرابة والابتعاد عن طبيعة المجتمع وتكوينه البسيط، دون أن تنسى استذكار مسلسل “تخت شرقي – إخراج رشا شربتجي 2010″، والذي قدم في حينه صورة أكثر قرباً من يوميات الناس في بلدهم هذا. وتعبر عن رأيها: “الراقصة لديها فلسفتها الأفلاطونية، عامل الصيانة، الطبيب، الدهّان، القاتل، الضابط، الجميع يملك فلسفة مريبة وكذلك الطفل الصغير، أليس هذا نقلاً غير مفهوم في مستوى الدراما من الإمتاع العائلي الترفيهي البسيط إلى دائرة الانعزال عن القضايا اليومية التي تخلق بيئة العمل الدرامي كما يقول صناعه؟”.

بين الواقع والامتنان والإعجاز

في خضم ذلك يرجو الشاب محمد محمد أن تعود الدراما لواقعها بعيداً عن المبالغة المهولة في ترتيب المنازل وديكورها، قائلاً: “نريد شيئاً يشبه حياتنا وبيوتنا الفقيرة لتعود الدراما ملكاً لنا”.

ومن بين تلك الآراء يظهر رأي الأكاديمي معين نصراني مغايراً  إذ يقول إنه ممتن أنّ الشركات لا زالت قادرة على أن تنتج أعمالاً في بلد حطمته الحرب، ويُشدد على فكرته: “13 عاماً من الحرب ولا زلنا ننتج فناً، هل من بلد آخر يستطيع فعل ذلك!”

من سوء حظ معين أنّ جواب سؤاله جاء سريعاً من صديقه الواقف قربه، إذ قال بعفوية: “الرحابنة فعلوا ذلك في حرب لبنان”.

ثمّة نجوم من ذهب

لم يكن غريباً أنّ معظم من التقينا بهم لم يبدوا حماساً للأعمال الدرامية السورية، وهذا طبيعي ومفهوم، فالكثير من الناس في سوريا يملكون قدرةً تحليليةً على تمييز المنتج الرديء من السيء وإجراء مقارناتٍ تأخذهم دائماً نحو طلب الأفضل في ظلّ واقعٍ فعلي يسيطر عليه الاستسهال في معظم مناحيه. إلا أنّ ذلك بطبيعة الحال لا يمكن تعميمه، ففي سوريا نجوم من ذهبٍ قادرون على المنافسة شرقاً وغرباً، ولكنّ هؤلاء النجوم يخضعون لشروط مركبة، فإما شرط إنتاجي سيء، أو أجور قليلة، أو أدوار سيئة يضطرون للقبول بها لئلا يختفوا عن الشاشة. تلك وغيرها عوامل جعلت ولا زالت من الدراما السورية منكسرةً حزينةً لا ترضي صناعها قبل جمهورها.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

رحلة في عوالم الدهشة

رحلة في عوالم الدهشة

في أسلوب جديد ومختلف عما عهدناه يأتينا طارق إمام بدهشة متصاعدة في عمله الأخير "أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها" الصادر عن دار الشروق 2023، منذ العتبات النصية التي بدأها بإهداء العمل لوالده "أنت فوق التراب وأنا تحته" في سرد يحفل بالثنائيات الضدية الفوق والتحت؛ الولادة...

أسفار تدمير غزَّة

أسفار تدمير غزَّة

ألا يحقّ لنا أن نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذه الوحشّيّة الرهيبة التي تتصف بها الحرب التي يشنّها الصهاينة على غزَّة غير مبالين بقتل عشرات الآلاف من الأبرياء وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها وتشريد الأطفال والنساء والشيوخ؟ ويدفعنا إلى هذا التساؤل وضوح أنَّ ردّة...

الرواية وقضايا النساء

الرواية وقضايا النساء

كانت المرأة حاضرة دوما في الأدب والفن عبر التاريخ ولا شك أن ما عانته من معاملة الجنس الأدنى الملوث بدمه والمرتبط بالخطيئة الأولى والطرد من الجنة وارتباط الإغواء بجسدها والمتع الدنيوية المرفوضة دينياً، سيترك صداه في الإنتاج الأدبي والفني سواء العالمي أو العربي، الذي...

تدريباتنا