تدريباتنا

ميشيل بطرس.. آخر مسيحيي إدلب 

بواسطة | يونيو 11, 2022

في أزقة إدلب الواصلة بين ساعة المدينة و“بستان غنوم“، وفي أحد الزواريب الضيقة التي تتلاصق منازلها، يعيش ميشيل بطرس الجسري في منزله العربي القديم. ميشيل البالغ من العمر 90 عامًا تقريبًا، فضّل البقاء في المدينة وعدم الخروج منها ”إلا إلى القبر“ بحسب قوله، رغم مغادرة باقي المسيحيين منها خلال السنوات الماضية.

يعيش ميشيل الملقب بـ”أبو بطرس“ وحيداً منذ سنوات بعد وفاة شقيقته الذي كان يعيش معها، فهو لم يتزوج وليس لديه أطفال، ويمضي أيامه بممارسة هوايته القديمة في تربية الحمام.

يتكون منزل ”أبو بطرس“ من غرفة يعيش فيها، وعليّة يضع بها الحمام الذي يملكه، كما يتقاسم فسحة المنزل ”أرض الديار“ مع حمامه، الذي يعتبره عائلته الثانية. ”أحبها جميعاً ولكن الأورفلي الأسود له مكانة خاصة في قلبي، لأن هذا النوع من الطيور هو من أول الطيور التي امتلكتها“ يقول لـ“صالون سوريا“.

في غرفة أبو بطرس الوحيدة سرير وعدد من الاغطية والاسفنجات، إضافة لبعض أيقونات دينية و صلبان، وعلى جدرانها علّق أيضاً صوراً لأفراد أسرته التي تشتت في العديد من الدول والقارات وانقطع اتصالها به.

من يدخل بيت أبو بطرس لا يمكن أن يخرج دون ان يشرب خلطته الخاصة من “الزهورات” التي يعدها ميشيل على غاز أرضي موجود على أحد أطراف غرفته، واثناء اعداده لها يحدث أبو بطرس ضيوفه عن مكونات الزهورات التي يعدها يدوياً منذ أربعين عاماً، فهو يقطفها يدوياً من مزرعة أحد أصدقائه، ويمزج بدقّة وحرفية كميات معيّنة ومحددة من أنواع الورد والنباتات ليصل إلى الطعم المرجو، وقبل أن يطفئ الغاز يلتفت إلينا قائلا ”بما انه هي الزهورات مقطفينها من أرض بلادنا فستكون طيبة فتراب بلادنا طيب ولا يخرج الا طيب“.

تجمع أبو بطرس علاقات وديّة مع جيرانه، يلقّبه بعضهم بالـ“حجّي“ ويتبادلون معه أطراف الحديث عندما يخرج في مشواره اليومي للتجول في شوارع مدينته إدلب. كما يزور متاجر بعض جيرانه ليتحدثوا سوية عن أحوال المدينة وأخبارها.

أحمد، جار أبو بطرس يروي أن ميشيل اعتاد على زيارة محل والده بعد الظهر يومياً منذ حوالي 25 سنة ليشربا الشاي معاً، ”وبعد وفاة والدي استمر في زيارتنا لليوم“ يقول أحمد.

يعاني أبو بطرس من ضعف حاد في السمع بالإضافة لعّدة أمراض أخرى، وهو لا يملك سوى غرفته التي يقيم بها ولا يستطيع العمل، مما يضطره للاعتماد على المساعدات الإنسانية بشكل كامل، كذلك يقدّم له الجيران ”سكب“ الطعام ويشاركونه بما تنبت لهم أراضيهم الزراعية من منتجات غذائية.

يتمنى أبو بطرس ان تنتهي الحرب، ويعود جميع المهجرين والنازحين إلى بلادهم، أما عن امنيته الخاصة فهي ”أن أموت دون أن أؤذي أحداً، وأن أدفن في مدينتي إدلب“.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا