تدريباتنا

مهن تقاوم الاندثار في إدلب

بواسطة | يوليو 2, 2022

في زقاق الحمام داخل حارات مدينة إدلب يعمل عبدو دهنين (70 سنة) في محله التقليدي لكي الملابس. صباح كل يوم يسخن مكواته على منقل الفحم أو موقد الغاز، في حال نفاذ الفحم الموجود لديه، ويجلس بانتظار احضار الزبائن لملابسهم، ليقوم بكّيها.

عن عمله، يقول عبدو لـ“صالون سوريا“: ”ابدأ بتغطية الملابس المراد كيها بقطعة قماش، للحفاظ عليها ومنع احتراقها بسبب حرارة المكواة، وحرق الملابس يعد عيب بحق المحترف، و اليوم إذا أحرقت أي ثياب سأخسر ما بقي لدي من زبائن، وأعدادهم تتناقص أصلاً فهم جميعاً من كبار السن الذين لا تستهويهم التكنولوجيا“.

بدأ عبدو العمل بممارسة مهنته منذ كان صغيرا، بعد أن تعلمها على يد والده، لتصبح مصدر دخله الوحيد بعد أن اكتسب فيها خبرة كبيرة، كما قام بتعليمها لعدد من أبنائه وأخوته، إلا أنهم تركوا جميعاً الكي على الفحم، وتوجهوا نحو الكي على البخار والكهرباء، كما فتح بعضهم محلات لصباغة الملابس. بينما بقي عبدو متمسكاً بمكواة الفحم التي ورثها عن والده، والتي يتجاوز عمرها الـ 75 عاماً، حيث تعود تاريخها لفترة جلاء الانتداب الفرنسي عن سوريا. 

أما عن سبب عدم مواكبة عبدو لتقنيات الكي الحديث، فهو حبه لتفاصيل مهنته التي تعود عليها، بالإضافة ”لضعف إمكاناته المادية وعدم قدرته على شراء الأدوات الجديدة الباهظة الثمن“ بحسب قوله.

نول أريحا

ومن إلى أريحا، حيث مهنة تقليدية أخرى على شفا الاندثار، وهي الحياكة على النول. يمضي إبراهيم الحسين (64) السّاعات الطّوال أمام النول الخاص به، وهو يعمل على إنهاء بساط يدوي ينوي هديته لأحد قريباته بمناسبة زفافها. وفي الاستراحة يروي لـ“صالون سوريا“ حكايته مع النول قائلاً ”بدأت العمل مع النول منذ كان عمري 10، حيث بدأت بتدوير دولاب الحياكة وتجهيز الخيوط، و مع التدريب المستمر، تمكنت من الحياكة على النول وهي المهمة الأصعب في المصلحة، وما إن بلغت الـ18 من عمري حتى خضعت لفحص العمل على النول لدى شيخ الكار، وبدأت حينها العمل على النول بشكل رسمي، حتى الآن“.

يتجاوز عمر مصلحة الحياكة على النول مئات السنوات، إلا أن عدد مكنات النول الموجودة في أريحا اليوم لم تعد تتجاوز العشرة، ومعظمها لا يعمل بشكل دائما، بعد أن كانت المدينة تحتضن 100 نول، بحسب ما يقول الحسين.

أما عن السبب فيشير إلى أن ”الحرب ألقت ظللها على المهنة، بعد إن توقفت طرق التصدير، وحتى عند توافرها، تفوق أجور الشحن المربح المتوقع، كذلك الحال مع طرق جلب الخيوط و باقي المستلزمات“.

ورغم ذلك يستمر الحسين بعمله لأنه تراث وإرث من والده وأجداده، ”فمن هذا النول فتحت بيتي، وربيت أولادي ، ورغم كل ما حدث والحمدالله عايشين ومستورين“ يقول الحسين مؤكداً ”شيئان لا يمكن أن أبتعد عنهما: أريحا و النول“.

مكانس القش 

دخلت مهنة صناعة مكانس القش، المعروفة محلياً باسم ”المشباط“ إلى مدينة إدلب قبل مائتي عام، لتتقنها وتتوارثها عائلات خشوف، حربا، خشان، حايك، وزيداني، كما يشير زهير حربا (40سنة) وهو أحد أصحاب ورش صناعة مكانس القش في المدينة.

وعن هذه الصناعة يقول حربا لـ“صالون سوريا“ : ”تمر صناعة القش بعدة مراحل تبدأ بجلب أكوام القش التي تسمى في المصلحة (أبواع القش)، يليها عمليات الفرز لاختيار القش القوي وهو النوع الجيد لصناعة المقشات، ثم نقوم بنقع القش بالماء ليسهل التحكم به، ثم تبدأ بعدها عملية القص وتسويته ضمن حزم متساوية الطول والحجم، وأخيراً يخضع لعملية تبخير ليتخلص من العفن والحشرات في حال وجودها به، كما تكبسه تلك العملية لوناً جميلاً ومميزاً ليجمع بعدها القش في حزم تتم خياطتها“.

تواجه هذه الصناعة التقليدية عدّة تحديات متعلقة بالحصول على القش، فاليوم يجلب القش من منطقة الجزيرة أو يتم استيراده من تركيا، وبالتالي فان سعر القش سيتضاعف، كذلك انعدام طرق التصدير خارج المحافظة ولاسيما لبنان الذي كان المستهلك الأكبر لإنتاجهم، بحسب حربا، لكن انقطاع الكهرباء المستمر، وخسارة العديد من العائلات لمكانسها الكهربائية، نشط سوق المكانس اليدوية بعض الشيء.

وفي الوقت الذي تقضي فيه الحرب على الكثير من معالم سوريا، يصارع حرفيون لإبقاء بعض المهن التراثية حيّة رغم صعوبة العمل وتحدياته الكثيرة، دون أن يتلقوا أية مساعدة أو دعم من الجهات التي تدير هذه المناطق.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

رحلة في عوالم الدهشة

رحلة في عوالم الدهشة

في أسلوب جديد ومختلف عما عهدناه يأتينا طارق إمام بدهشة متصاعدة في عمله الأخير "أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها" الصادر عن دار الشروق 2023، منذ العتبات النصية التي بدأها بإهداء العمل لوالده "أنت فوق التراب وأنا تحته" في سرد يحفل بالثنائيات الضدية الفوق والتحت؛ الولادة...

أسفار تدمير غزَّة

أسفار تدمير غزَّة

ألا يحقّ لنا أن نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذه الوحشّيّة الرهيبة التي تتصف بها الحرب التي يشنّها الصهاينة على غزَّة غير مبالين بقتل عشرات الآلاف من الأبرياء وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها وتشريد الأطفال والنساء والشيوخ؟ ويدفعنا إلى هذا التساؤل وضوح أنَّ ردّة...

الرواية وقضايا النساء

الرواية وقضايا النساء

كانت المرأة حاضرة دوما في الأدب والفن عبر التاريخ ولا شك أن ما عانته من معاملة الجنس الأدنى الملوث بدمه والمرتبط بالخطيئة الأولى والطرد من الجنة وارتباط الإغواء بجسدها والمتع الدنيوية المرفوضة دينياً، سيترك صداه في الإنتاج الأدبي والفني سواء العالمي أو العربي، الذي...

تدريباتنا