تدريباتنا

” فجّة خُرق”: الأيادي الناعمة تعيد للبساط اليدوي حضوره في سوريا

بواسطة | سبتمبر 28, 2023

على الطاولات وعلى الحوائط والأرضيات تتوزع البسط التقليدية الملوّنة بأشكال مختلفة، متسيّدة أثاث المكان وزينته، في ورشة “فجّة خُرق”، الواقعة في محافظة السويداء جنوب سوريا، تُطلق نساء سوريات العنان لأيديهن وخيالهن عبر حياكة بسط تراثية تكاد صناعتها تندثر في عصر السرعة، بدأت فكرة المشروع مع ازدياد حركة الوافدين والوافدات إلى المحافظة، ومع ظهور الحاجة لخلق فرص عمل جديدة تتماشى مع حركة النزوح.

في مبنى الورشة المشيد من الحجر الأسود القديم الذي يميز بيوت السويداء، تجلس صاحبة المشروع السيدة خلود هنيدي بأناقة سيدة سورية واثقة، تتدلى النظارة الطبيّة على قماش فستانها الأبيض، وتزين جيدها وأذنيها بحليّ من الأحجار الطبيعية الملونة، تلخص هنيدي التي عملت سابقاً كأخصائية نفسية ماهيّة المشروع وتقول في تصريحات خاصة لموقع صالون سوريا، “فجة الخرق تعني البساط المصنوع من بقايا الأقمشة، جمعت الورشة سيدات من مختلف المدن السورية بالإضافة إلى نساء من المجتمع المحلي، فكانت أشبه بسوريا مصغّرة”.

تعتبر فجج الخرق إحدى الصناعات شبه المنقرضة، تشرح هنيدي “رغم أنها ليست الحرفة الوحيدة المهددة بالانقراض إلا أنها تكتسب أهمية خاصة لسهولة الحصول على المادة الأولية وتوافرها في كل منزل، كما أنها تحقق بإنتاجها كلا الجانبين: الخدمي والجمالي ويمكن تطويرها بما يخدم احتياجات البيوت المتنوعة، ويقوم أساس الحرفة على استخدام بقايا الأقمشة لتصنيع العديد من القطع الجديدة مثل البُسط، وأغطية الأرضيات، ولوحات تزيين الجدران”.

قديماً كان أفراد الأسرة يحوّلون كل ما لديهم من أقمشة لشرائح ويأخذونها الى النوّال ليعيدها إليهم بساطاً، تضيف هنيدي “بحسب معلوماتي يعود تاريخ صناعة البساط اليدوي في بلاد الشام والعراق والجزيرة إلى القرن الثامن عشر، وأعتقد أن بداية صناعة فجّة الخرق تعود إلى الفترة ذاتها”.

وجود نساء من خلفيات جغرافية وثقافية متنوعة، وسياقات اجتماعية مختلفة ساهم في إغناء التجربة وإخراجها من حدود العمل اليدوي فقط. تشير هنيدي، “لعب هذا دوراً في بناء علاقات حقيقية اتسمت بالفضول والرغبة بالمعرفة، حيث لا تعرف معظم السيدات الوافدات عن مدينة السويداء أكثر من موقعها على الخريطة ربما، وفي الوقت نفسه استطاعت نساء المحافظة من مجتمع السويداء في أقصى الجنوب السوري أن يتعرفن على ظروف الحياة في المدن السورية الأخرى وهذا ما خلق ألفة كدنا نضيعها في ظروف الحرب وتداعياتها”.

بات مشروع “فجة خرق” الذي أبصر النور عام 2017، يوفر مساحة آمنة للنساء للتعبير عن أفكارهن ومخاوفهن ومشاكلهن، لاسيما أن هنيدي بالأساس أخصائية نفسية، وفي ذلك تقول ” وفّر المكان الأليف للورشة والجو المبني على المحبة فرصة للبوح ومشاركة المتاعب اليومية بين السيدات. وهذا ما جعلنا نتجاوز حدود العمل اليدوي وأن نُوجد هامشاً مشتركاً لتبادل المشاعر والأفكار، من خلال جلسات الدعم النفسي التي ترتكز على واقع الحياة اليومية، ومشكلات التهجير والأوضاع المادية والتعامل مع الأطفال، وتطورت الفكرة فيما بعد لتصبح نهجاً دائماً ما زال مستمراً حتى اليوم”.

يحقق المشروع عدة أهداف معاً، فهو مكان لتمكين النساء مهنياً من جهة، ومشروع صديق للبيئة من جهة أخرى، تضيف هنيدي “إعادة التدوير هي إحدى طرق حماية البيئة من التلوث بالإضافة لما تحققه من ترشيد، عبر إعادة إنتاج قطع للاستخدام المنزلي بأسعار معقولة وبمستوى فني جيد وبمواد آمنة، مشروع فجج الخرق غير مكلف مادي لذلك يمكن اعتباره بديلاً مناسباً”، وتختم هنيدي “يعّبر المشروع عن التماسك المجتمعي المفقود في سوريا اليوم، حيث استطاعت الجلسات النسائية الناعمة تجاوز أشكال الخلافات اللي فرضتها النزاعات”.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا