تدريباتنا

بين تهديدات أردوغان وتغريدات ترمب.. ماذا ينتظر أكراد سوريا؟

بواسطة | مارس 1, 2019

“مع كل تغريدة للرئيس الأميركي، دونالد ترمب، نوضب أغراضنا الشخصية في حقائبنا، لكننا لا نعرف إلى أين سنمضي؟”. يقول أحد أكراد سوريا المقيمين شمال شرق سوريا، و التي تتمتع بشبه حكمٍ ذاتي منذ أكثر من ست سنوات، تعليقاً على تهديدات أنقرة المستمرة ومواقف واشنطن المحيرة التي ترد فيها على الأولى.

وتغير تغريدات الرئيس الأميركي المزاج العام للسكان الأكراد وغيرهم في تلك المناطق، فإذا كانت التغريدة لصالحهم، تعود الحقائب لأماكنها، وإن لم تكن كذلك، فالحقائب في متناول اليدّ دوماً، خشية من موجةِ نزوحٍ أو لجوءٍ مُحتمل قد يخلّفه الهجوم البرّي التركي المقرر شنّه في وقتٍ غير محدد.

ويرى العديد من سكان هذه المنطقة في وجود القواعد العسكرية الأمريكية، والتي يبلغ عددها 21 قاعدة في مناطق أكراد سوريا، عاملاً إضافياً لاستقرار المنطقة وحمايتها من التهديدات التركية المستمرة باجتياحها برّاً، ويربطون ذلك بمصالح واشنطن على الأرض في أغنى المناطق السورية التي تشكل نحو 52% من ثروات البلاد الطبيعية كالغاز والنفط والزراعة. ويعتقد العديد أن أمريكا لن تتخلى عن المنطقة بالرغم من إعلانها عن سحب قواتها العسكرية من المنطقة في الوقت الذي مازال فيه الأكراد وحلفاؤهم المحليون في قوات “سوريا الديمقراطية”، يحاربون تنظيم “داعش” في آخر جيوبه الصغيرة بالقرب من الحدود السورية ـ العراقية.

ولا يقتصر القلق من هذا الانسحاب على الأهالي فحسب، فالجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية الّذي يمثّله “مجلس سوريا الديمقراطية”، كثّف جهوده الدبلوماسية منذ اللحظات الأولى للإعلان، ووصل وفده العاصمة الفرنسية باريس بعد أيامٍ لكسبِ حليفٍ جديد، واستقبلتهم فرنسا في قصر الإليزيه مؤكدة دعمها لـ”سوريا الديمقراطية” في حربها ضد “داعش”.

وبالإضافة لكسب حليف جديد، هدفت هذه الزيارة الدبلوماسية لمجلس سوريا الديمقراطية لمنع تكرار تجربة مدينة عفرين الّتي سيطرت عليها أنقرة بالتعاون مع فصائل من المعارضة السورية المسلحة في آذار/مارس الماضي. إذ نجم عن سيطرة أنقرة ومواليها على عفرين فرار أكثر من نصف السكان لخارجها، بالإضافة لعملياتٍ تطهير عرقي وديموغرافي لا تزال مستمرة في هذه المنطقة.
ولهذا يخشى المسؤلون الأكراد من الاجتياح التركي لمناطق نفوذهم شرق نهر الفرات، وغربه بمدينة منبج التي ترفض أنقرة وجود مقاتلين أكرادٍ فيها. وبالإضافة لفرنسا ، وصلت وفود أخرى من “مجلس سوريا الديمقراطية” إلى قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري، ومن ثم مضوا نحو موسكو وواشنطن أيضاً.

ويحاول مجلس سوريا الديمقراطية من خلال جوالاته ومباحثاته الديبلوماسية هذه، المحافظة على حالة الاستقرار التي تتمتع بها مناطقه والتي يقطنها ملايين السكان وآلاف النازحين، ولهذا فاوضوا النظام السوري عبر “خارطة طريق كُردية” قدّمها المجلس لموسكو بغية إقناع النظام السوري بشروطه، والتي تتمثل بالاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتية وضمان حقوق مختلف السكان وفي مقدمتهم الأكراد، مع إمكانية ضم مقاتلي “سوريا الديمقراطية” للجيش السوري في المستقبل.

لكن في الوقت ذاته، يؤكد مسؤولون أكراد أنه لا يمكن للنظام أن يعود إلى مناطقهم بالشكل الّذي كان عليه قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد منتصف آذار/مارس من العام 2011.

وبالرغم من ترحيب وزارة الخارجية السورية بالمفاوضات مع الأكراد، إلا أن الملف مجمد ولم يشهد أي تقدم للآن، فالنظام يحاول تجريد مجلس سوريا الديمقراطية من صلاحياته وضمه إلى صفوفه على غرار عمليات المصالحة الوطنية التي عمل عليها في مناطق للمعارضة المسلّحة بالقرب من دمشق، الأمر الّذي يرفضه الأكراد، حتى لو كلفهم ذلك صراعاً طويلاً مع تنظيم “داعش” وأنقرة معاً بحسب تصريحات بعض مسؤوليهم.

وبالرغم من معارضة بعض الكيانات الكردية للتفاوض مع النظام فإن تفاوض سوريا الديمقراطية مع دمشق يعد “إنجازاً كُردياً” كما وصفه بعض المسؤولين، سيما وأن النظام حتى الأمس القريب، لم يكن يقرّ بوجود الأكراد على الأراضي السورية أبداً.

من جهة ثانية ، يبدو أن مختلف فصائل المعارضة السورية تقف مع أنقرة ضد أكراد سوريا، وهو ما يبدو واضحاً في بيانات الهيئة العليا للتفاوض وكذلك في بيانات الائتلاف السوري المعارض و”الجيش الوطني” الّذي تدعمه أنقرة. الأمر الّذي لا يترك خياراتٍ كثيرة أمام الأكراد، فإما سيناريو عفرين أو الوصول مع النظام لحلولٍ تجبنهم الدخول التركي، حتى لو كلّفهم ذلك خسارة سياسية معنوية وكذلك فعلية لمكتسباتهم.

ولا يمكن تصنيف المجلس أو الإدارة كمعارضة أو موالاة، فموقفهما من النظام  واضح وعلني، وكان الرئيس المشترك الحالي لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار، معتقلاً لسنوات نتيجة معارضته للنظام.

وبهذا يبدو أن أمام مناطق أكراد سوريا حلّان لا ثالث لهما، عودة النظام وأعلامه وراياته لمناطقهم بشكلٍ رمزي خاصة على الحدود مع تركيا، وذلك بالتنسيق مع الجانب الروسي، لحمايتها من تهديدات تركيا، أو بقاء الأمريكيين في هذه المنطقة إلى أجلٍ غير مُسمى.

مواضيع ذات صلة

إلياس مرقص فيلسوف المثال والواقع السوري

إلياس مرقص فيلسوف المثال والواقع السوري

إلياس مرقص مفكر وفيلسوف سوري معاصر، ويعدُّ من أبرز المفكرين اليساريين العرب. ومع أنه ماركسي شيوعي، إلا أن فلسفته اتسمت بطابع توفيقي جمع فيها بين، المادية والمثالية، إذ جعل من الفلسفة المثالية أو الهيجيلية مدخلاً ضرورياً للمادية أو الماركسية. لم تقف شخصية مرقص...

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

مواضيع أخرى

جورج طرابيشي بين الفلسفة والأدب

جورج طرابيشي بين الفلسفة والأدب

جورج طرابيشي فيلسوف وأديب سوري، يُعدُّ من أبرز المفكرين اليساريين والقوميين العرب. ومن أكثرهم غزارة في إنتاجه الفكري وترجماته. وقد مرَّ في حياته - كما يروي هو - بست محطات كانت فارقة في مشواره الشخصي والفكري. أول تلك المحطات تجاوزه أو تحرره من ربقة المسيحية، التي تجعل...

ارتفاع تكاليف التربية ترهق مربي الأغنام في سورية

ارتفاع تكاليف التربية ترهق مربي الأغنام في سورية

يواجه مربو الثروة الحيوانية عموماً، والأغنام على وجه الخصوص تحديات تهدد مصدر رزقهم نتيجة ارتفاع تكاليف التربية مثل الأعلاف والأدوية البيطرية، إلى جانب الجفاف؛ العدو الأخطر على الزراعة والثروة الحيوانية في البلاد. يقول علي وهو مربي أغنام (عواس) في بلدة أبو الظهور بريف...

رحلة في عوالم الدهشة

رحلة في عوالم الدهشة

في أسلوب جديد ومختلف عما عهدناه يأتينا طارق إمام بدهشة متصاعدة في عمله الأخير "أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها" الصادر عن دار الشروق 2023، منذ العتبات النصية التي بدأها بإهداء العمل لوالده "أنت فوق التراب وأنا تحته" في سرد يحفل بالثنائيات الضدية الفوق والتحت؛ الولادة...

تدريباتنا