تدريباتنا

الابتزاز الالكتروني.. محرّك حالات طلاق وانتحار وجرائم القتل

by | Aug 20, 2022

تواجه النساء في شمال غرب سوريا جرائم الابتزاز الالكترونية بمفردهن، وسط غياب القوانين الرادعة وأساليب التوعية، وندرة الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها النساء في مجتمع ذكوري يضع اللوم دائماً على المرأة، ويحملها مسؤولية كل مايحدث لها من جرائم وممارسات وتجاوزات.

لم تتوقع حنان الصطوف (٢٢ عاماً) أن تواجه أختها ريما (١٨ عاماً) تهديد أحدهم بنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي بالانتحار. قتلت ريما نفسها بتناول حبة غاز” فوستوكسين“ بتاريخ ٢٤ يوليو/تموز ٢٠٢١، ووضعت نهاية لحياتها بعد أن حاصرها هاجس ”الفضيحة والعار“ الذي ممكن أن تجلبه لأهلها إن نفذ الرجل تهديده لها.

” لن يصدقني أحد، رغم أنني لست مذنبة، ولا علم لي كيف وصل ذاك الشخص لصوري الشخصية” كلمات رددتها ريما خفية لأختها حنان قبل أن تقتل نفسها على غفلة من الجميع. 

تقول حنان متأثرة بما حدث مع أختها “المجتمع لا يرحم عندما يتعلق الأمر بالنساء، والجانب الذي يروى لصالح الضحية غالباً لا يتم تصديقه“، وعما دفعها للانتحار تشرح بأن أختها كانت خائفة من إمكانية تنفيذ المتحرش لتهديده، وعبثاً كانت تحاول الوصول إلى مساعدة، ورغم أن حنان نصحتها بالهدوء من أجل البحث عن حل ما، غير أنها سارعت بوضع حد لحياتها بهذه الطريقة المأساوية.

قبل ذلك بشهر واحد، أنهى فايز السرحان حياة ابنة عمه تيماء السرحان (٢٢ عاماً) مع والدتها في مخيم إحساس الحدودي في ريف إدلب الشمالي بحجة ”الشرف“، وذلك في تاريخ ١٢ حزيران/يونيو ٢٠٢١ حين أطلق الرصاص عليهما، على خلفية نشر صورة لتيماء من دون حجاب، على مواقع التواصل الاجتماعي قيل إنها “مسروقة”.

ولأن فايز، هو الرجل الأكثر قرباً من العائلة، كان عليه ارتكاب جريمته لـ”غسل عار العائلة والوصم الذي سيرافقهم مدى الحياة”، وفق ما أكدته عمة الضحية سميرة السرحان.

سميرة استنكرت الجريمة وتنفيذها على مرأى من ساكني المخيم، الذين لم يفاجئوا بفعلة المجرم، واعتبروها ردة فعلٍ طبيعية، وأمر “متوقع لفورة دم شاب على عرض ابنة عمه”.

من جهتها صدمت شيماء المحمد (٢٧ عاماً) بطلاق زوجها لها بعد محاولة ابتزازها من قبل أحد الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي إثر رفضها إقامة علاقة عاطفية معه، فما كان منه إلا أن تواصل مع زوجها عبر صفحته الشخصية مهدداً إياه بنشر صور زوجته، وهو ما دفع الزوج لتطليق زوجته, رافضاً تصديق عدم إقامتها لعلاقة جنسية معه.

تقول شيماء وهي من ريف إدلب الجنوبي وأم لطفلين أن قصتها بدأت حين قبلت صداقة أحد الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي والذي راح يستدرجها في الأحاديث العادية، حتى وصل لتفاصيل حياتها وحساب زوجها، ليستخدم كل تلك التفاصيل ضدها حين رفضت الانصياع لتهديداته، عندها خيرها بين الفضيحة وإقامة علاقة حميمية معه.

تقول شيماء ”دفعت ثمن قبولي لصداقة ذاك الشخص بطلاقي وخراب بيتي وحرماني من أطفالي وتشويه سمعتي، فقط لأنني رفضت تهديدات وابتزاز ذاك الشخص الذي تمكن من تخريب حياتي ودمرها“، مضيفة “أياً كان موقف الفتاة سواء مذنبة أو لا، الكل هنا يضع اللوم عليها ويحملها كامل المسؤولية في حال تعرضها لأي تحرش أو مضايقات إلكترونية، بدعوى أنها أقامت علاقات عاطفية مع أشخاص وأرسلت لهم صورها ومعلوماتها الشخصية“.

وتوضح شيماء أن الأمر أبسط مما يتوقعون، ويمكن للكثيرين الوصول إلى تلك المعلومات عبر بروفايل الملف الشخصي أو عبر عمليات القرصنة والاختراق للأجهزة الإلكترونية، أو عبر أحاديث الصداقة العادية كما حدث معها.

خبيرة الأمن الرقمي علا حاج حسن (٣٦ عاماً) قالت إنه آن الأوان لنشر التوعية الرقمية ونشر ثقافة الحفاظ على أمن المعلومات وكيفية التعامل مع الجرائم والابتزاز الالكتروني، وخاصة بعد استفحاله في المنطقة من جهة، وجهل الكثيرات بكيفية التصرف ومواجهة تلك التهديدات من جهة أخرى.

مشيرة إلى أن الخوف من طلب المساعدة من قبل ضحايا الابتزاز الإلكتروني ومحاولاتهن لحل مشكلتهن بأنفسهن عادة ما يزيد الأمر سوءاً، ويعطي المبّتز ”فرصاً أكبر للتمكن من فريسته، وخاصة مع عدم معرفة هؤلاء بآليات الحماية، وخوفهم من ردة فعل المجتمع حولهم مما يفاقم من مستوى تورطهم“ بحسب قولها.

ويعتبر اللجوء للقضاء في مثل تلك الحالات أمر بالغ الصعوبة، وخاصة حين لايمكن الوصول للاسم الحقيقي للمبتز أو عنوانه لاسيما وأن معظم هؤلاء يستخدمون حسابات وأسماء وهمية، كما يكون مكان إقامتهم خارج المنطقة، ولذا يصعب مقاضاة هؤلاء ومحاكمتهم.

المحامي عادل الويس (٤٠ عاماً) يرى أنه على الفتاة سواء أكنت قاصرة أو بالغة، أن تستشير من هو قريب إليها وخاصة أحد والديها حتى يحاولان إيجاد حل للمشكلة قبل أن تتفاقم ويصبح حلها معقّدًا، وعدم التكتم على التهديد وتقديم شكوى وتنظيم الضبط وستعمد الجهات المختصة للتواصل مع الجاني وإيقاعه في كمين.

وينصح الويس بعدم الرضوخ و دفع أي مال للمبتز لأن ذلك لن يجعله يتوقف عن الابتزاز، وأن تحاول الفتاة قدر الإمكان التعرف على أي تفاصيل عن المبتز مثل الهوية، والحساب، الموقع، وأي دليل يدعم جريمة الابتزاز.

مشيراً إلى أنه وفي حال كان الابتزاز الالكتروني نتيجة عملية اختراق، فيتوجب الاستعانة بأحد المختصين لتوثيق عملية الاختراق تلك، لدعم موقف الضحية أمام ذويها ومجتمعها على الأقل.

وينصح الويس باتباع أعلى درجات الوقاية وحماية المعلومات الرقمية والوثائق والصور الشخصية، عبر تتبع دورات وتدريبات الأمن الرقمي سواء كان ذلك عبر دورات فيزيولوجية تقيمها بعض المراكز والمنظمات أو تكون أونلاين غبر شبكة الإنترنت، وبالتالي تجنب الوقوع في شرك عمليات التحرش والابتزاز والجرائم الالكترونية، التي راحت تنتشر بشكل كبير مؤخراً مودية بمستقبل وأحلام الكثيرات.

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

حول المشروعية في مراسيم العدالة الانتقالية السورية


حول المشروعية في مراسيم العدالة الانتقالية السورية


شكّل سقوط النظام السوري لحظة انعتاق سياسي كبيرة؛ لقد كان بمثابة مرآة عاكسة لانهيارٍ طويل الأمد في معنى الدولة ومفهوم الجماعة. انكشفت البلاد على تيهٍ سياسي لم يصنعه الحدث وحده، بل راكمته سنوات القمع، حتى بات غياب السياسة هو السياسة، وغياب العقد هو قاعدة العيش. انحسرت...

من سوريا إلى برلين: سرديات الحياة والموت في كتابات هنادي زرقة

من سوريا إلى برلين: سرديات الحياة والموت في كتابات هنادي زرقة

صدر للشاعرة السورية هنادي زرقة هذا العام كتابين في فترة متقاربة عن دار أثر وهما ديوان شعر بعنوان "مثل قلب على مدخل البيت" والثاني بعنوان "ماذا تعرف أنت عن الحرب".  جمعت زرقة في كتابها الثاني مقالات كانت قد كتبتها خلال الحرب السورية بعين الشاعرة الحساسة والواعية...

متحوّر البعثية في سورية اليوم

متحوّر البعثية في سورية اليوم

خلّفت الحقبة الأسديّة حُطاماً ثقافيّاً ولغويّاً ثقيلاً، إذ وجد السوريون أنفسهم محاصرين داخل منظومة خطابية مشوّهة، نشأت على مدى عقود من هندسة المعاني وتزييف المفاهيم. لم تكن اللّغة مجرّد وسيلة للتعبير، بل تحوّلت إلى أداة ضبط وهيمنة، تجاوزت دورها الطبيعي، لتُعاد صياغة...

تدريباتنا