في أحد أشدّ أيام سوريا حساسيةً وأكثر مفاصلها تعقيداً، تحديداً في اليوم الرابع...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...

تبرز قضية المقاتلين الأجانب المنتظمين في صفوف عدد من الفصائل المسلّحة الموجودة اليوم على الأراضي السورية، كأحد أبرز القضايا التي وُصفت بـ “الحساسة” في رد القيادة السورية الجديدة على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي في نفس الوقت من أبرز القضايا المختلف عليها على الصعيد المحلي والعربي والإقليمي والغربي، في ظل تعقيدات المشهد الأمني والسياسي السوري خلال الشهور الخمسة الأولى للسلطة الحاكمة برئاسة أحمد الشرع، خاصّة بعد مجازر الساحل التي وقعت بين السادس والعاشر من مارس/ آذار الماضي، والتي أعادت فتح العيون على ملف المقاتلين الأجانب، لا سيّما إثر ثبوت ضلوعهم مع فرق محلية -وصفت من قِبل السلطات السورية بـ “غير منضبطة”، بالوقوف خلف المجازر التي خلّفت أكثر من 1600 قتيل مدني غالبيتهم الساحقة من الأقلية العلوية، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وتحدّث “المرصد” الحقوقي (مقرّه في المملكة المتّحدة)، عن ارتكاب قوات الأمن العام ومجموعات رديفة لها مجازر وعمليات “إعدام ميدانية” بحق الأقلية العلوية، وقعت غالبيتها يومي 7 و8 مارس/ آذار.
وإزاء حساسية هذا الملف الذي يجب حله والبت به سريعاً، جراء وطأة الضغوط المحلية والإقليمية والدولية، التي تضع القيادة السورية الجديدة على محك الاختبار الجدّي لمدى قدرتها على التعامل مع الملفات الشائكة، سعينا في هذا المقال إلى معرفة إلى أي دول ينتمي المقاتلون الأجانب؟ وكم يبلغ عددهم؟ وأين يتوزعون داخل سوريا؟ وما هو مصيرهم مع تضارب الآراء بين الدعوة لدمجهم في المجتمع المحلي، ودعوات لرفض منحهم أي صفة رسمية داخل المؤسّسات الأمنية والعسكرية السورية؟ وكيف ترى الإدارة الجديدة في دمشق صيغة التجاوب مع تخفيف ورفع العقوبات الأميركية لإنعاش اقتصاد البلاد المنهار جراء الحرب التي استمرت لما يقرب من 14 عاماً، والتي فرضت خلالها الولايات المتّحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة على الأفراد والشركات وقطاعات كاملة من الاقتصاد السوري في محاولة للضغط على الرئيس السابق بشار الأسد؟
وفقاً لتقارير صحافية متعدّدة ومصادر بحثية ومنظّمات معنية بمتابعة ملف هجرة المتطرّفين، فإنّ نسبة المقاتلين الأجانب من مجموع مقاتلي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، التي سيطرت على زمام الحكم في البلاد بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تبلغ نحو 30%. وقد جاءت هذه النسبة المئوية على لسان زعيم (جبهة النصرة) في حينها عام 2015 خلال لقاء تلفزيوني، إذ قال أحمد الشرع، الذي كان يعرف بـ “أبي محمد الجولاني” حينها، إنّ “من بين المهاجرين أوروبيون وقلّة أميركية مع وفرة في الآسيويين وتواجد لشيشان وروس وعرب”، وتابع: “هؤلاء أناس مسلمون أحبّوا أن يناصروا أهلهم والإسلام، ولا ينازعون أحداً في ملك أو شيء، وهم يتقدّمون الصفوف الأولى ويقاتلون، وكل الساحة بكل فصائلها تشهد للمهاجرين في شجاعتهم وتقدّمهم”.
وبعد انتصار الثورة السورية، قال الشرع لوسائل إعلام عربية ودولية: إنّ “المقاتلين الأجانب كانوا ركيزة أساسية في النصر، ويجب مكافأتهم لقاء ما بذلوه”، وعليه أجرى خلال وقت مبكر من وصوله إلى الحكم تعيينات وترفيعات لضباط أجانب إلى مناصب عسكرية عليا، شملت رتب عقيد وعميد ولواء، أثارت استغراب وقلق السوريين والقوى الإقليمية والدولية على حدٍّ سواء.
تشير معلومات متقاطعة عن مصادر مطّلعة، أنّ من بين الذين نالوا رتباً عالية كل من “كلمن عبدل بشاري” (خطاب الألباني)، وهو ألباني الجنسية ويقود منذ أعوام “جماعة الألبان” في سوريا، و”ذو القرنين زنور البصر عبد الحميد”، المعروف باسم (عبدالله الداغستاني)، وهو قائد “جيش المهاجرين والأنصار”، والتركستاني “عبد العزيز داوود خدابردي”، والطاجيكي “مولان ترسون عبد الصمد”، والمصري “علاء محمد عبد الباقي”، والطبيب الأردني من أصل فلسطيني، “عبد الرحمن حسين الخطيب”، وكان يعرف سابقاً بلقب (أبو حسين الأردني)، الذي مُنح رتبة عميد، وفي ما بعد عهد إليه قيادة “فرقة الحرس الجمهوري السوري”، وهي فرقة ضاربة في الجيش السوري، عدداً وعتاداً، وإليها تُنسب مواجهات الحدود اللبنانية خلال الأسابيع الماضية. الخطيب طبيب تخرج في جامعة عمان واعتقل هناك بتهمة الانتماء لـ “التيار السلفي” قبل أن يغادر السجن ويتّجه إلى سوريا ملتحقاً بصفوف (جبهة النصرة) عام 2013.
علاوة على هؤلاء هناك التركي “عمر محمد جفشتي” الملقب بـ (مختار التركي)، الذي أسندت إليه مهمة قيادة “فرقة دمشق” أو ما يعرف بـ “حامية دمشق”، وهي فرقة عسكرية ضاربة أيضاً. و”جفشتي”، وعلى رغم أنّه مطلوب من الجانب التركي، فإنّه تولى دور الوسيط في ملفات عدّة بين “هيئة تحرير الشام” والقيادة التركية خلال أعوام الثورة السورية! وقد تولى أيضاً نحو خمسين شخصية أخرى من قيادات المقاتلين الأجانب مهام ومسؤوليات أقل في “غرفة العمليات العسكرية” لكن خروج أسماء التعيينات اللاحقة لـ “مؤتمر النصر” شكّل مزيجاً من صدمة وخيبة للسوريين بمختلف أطيافهم من جهة، ولأوساط المراقبين للشأن السوري من جهة ثانية، وللغرب الذي رأى بعض مسؤوليه في عدد من التعيينات تحدّياً للمجتمع الدولي، على قاعدة أنّ بعض من تسلّم المناصب الكبرى مدرج على لوائح العقوبات الأوروبية والأميركية، ومدان بمجازر حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية.
- خريطة تمدّد المقاتلين الأجانب في الأراضي السورية
نظراً إلى السرية الواسعة التي كانت تحيط بملف المقاتلين الأجانب في سوريا، فقد كان يصعب-ولا زال استخلاص أرقام دقيقة لعددهم، فيما ترجّح التقارير الصحافية أن يكون بالآلاف.
وبحسب تلك التقارير، يبرز عناصر الإيغور (تركستان) كأوسع وأكثر شريحة تشدّداً في صفوف المهاجرين، ومعظمهم منظّم في صفوف “هيئة تحرير الشام”، وترجّح مصادر مطّلعة أن يراوح عددهم ما بين 1500 و2000 مقاتل من دون إحصاء رسمي. ويتمركزون بصورة أساسية داخل مدن جسر الشغور في ريف إدلب وداخل جبلي التركمان والأكراد شرق محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا. وينشطون تحت اسم “الحزب الإسلامي التركستاني”، وحيالهم تبدي الصين تخوّفات وتهديدات ومواقف حاسمة لخصوصية ملفهم القومي في سياق محاربتها للإرهاب وخشيتها من إعادة تصديرهم.
وتضم كتيبة “فرقة الغرباء” بين 300 إلى 400 مقاتل من الطاجيك والأوزبك، واندمجت مع “هيئة تحرير الشام” عام 2017، وأسهمت معها في معاركها تحت مسمى “لواء عمر بن الخطاب”.
ويقدّر عدد كتائب “أجناد القوقاز” بالمئات، وهم من جنسيات شيشانية توزعوا بين كتيبتي “أجناد القوقاز” و”جند الشام”. كذلك هناك “ملحمة تاكتيكال” التي تضم مقاتلين إيغور شديدي التدريب والخبرة ويطلق عليهم اسم “العصائب الحمراء”.
وهناك تنظيم حراس الدين (فرع القاعدة) تأسّس عام 2018 من مقاتلين أتراك وعرب من تونس ومصر والأردن والمغرب وغيرها، وما زالت حتى اليوم تستهدف قوات التحالف الدولي تحركاتهم في مدينة إدلب، إضافة لمهاجرين تركمان وغيرهم تأسّسوا عام 2013 وانضموا إلى كتائب متفرقة، وجميعها شاركت في معركة “ردع العدوان” (التي بدأت في شمال سوريا ثم وصلت دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024)، والتي شاركت في إسقاط نظام بشار الأسد.
ومع الإطاحة بالأسد، تحرّرت تلك الكتائب جغرافياً وتمكّنت من الخروج جزئياً من ريفي إدلب وحلب والتمركز في جبهات أبعد على الخريطة السورية، فقد استقرّت كتائب أجنبية في ريف جبلة قرب اللاذقية، وفي مناطق متفرقة من اللاذقية وريفها وقرب قرية الحميدية جنوب محافظة طرطوس الساحلية، وفي مناطق مجاورة للعاصمة دمشق ومحافظتي حمص وحماة وسط البلاد، متّخذة من معسكرات لكتائب وألوية سابقة للجيش المنحل مقاراً لها، وجميعها تُنسب إليها الاستفزازات والانتهاكات وحالات القتل والخطف والسلب التي يتعرّض لها أبناء وبنات الطائفة العلوية بالدرجة الأولى، إضافة لوجودها المستمرّ في إدلب وحلب بصورة رئيسة.
- ضغط أميركي وتمنع سوري
من المطالب الأميركية الثمانية من القيادة السورية الجديدة لـ “بناء الثقة” بين البلدين، والبدء في تخفيف العقوبات وإعطاء رخصة لمدّة سنتين، مطلب ذو صلة مباشرة بملف المقاتلين الأجانب، وهو “تشكيل جيش مهني وعدم وضع أيّ من المقاتلين الأجانب في مناصب قيادية أو أمنية حساسة داخل أجهزة الدولة السورية”، وذلك بحسب ما جاء في رسالة تسلّمها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني من نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي، ناتاشا فرانشيسكي، في لقاء جمعهما على هامش “مؤتمر المانحين لسوريا” في بروكسل في 18 مارس/ آذار الماضي.
الردّ السوري على مطالب الإدارة الأميركية، جاء برسالة مكتوبة بعثت بها الخارجية السورية إلى واشنطن، قالت فيها إنّها طبقت معظم المطالب، لكنّ البعض الآخر يتطلّب “تفاهمات متبادلة” مع واشنطن، التي عكفت بدورها على دراسة ما ورد بالرسالة.
وتعهدت سوريا في رسالتها بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، كما تورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيماوية، ومنها تعزيز الاتصال بمنظّمة حظر الأسلحة الكيماوية. لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسة أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب والسماح لأميركا بشن ضربات لمكافحة الإرهاب.
بحسب وكالة “رويترز”، فقد أكدت الرسالة التي تم توجيهها في 14 أبريل/ نيسان المنصرم، أنّ المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنستاين لكنّ المسألة “تتطلّب جلسة مشاورات أوسع”.
كما ذكرت الرسالة أنّ ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي هو أنّ إصدار الرتب العسكرية تم تعليقه بعد الإعلان في وقت سابق عن ترقية عدد من الضباط الأجانب في مناصب عليا بالجيش السوري، في إشارة واضحة إلى تعيين ضباط أجانب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ولم تذكر الرسالة ما إذا كان قد تم تجريد هؤلاء الضباط الأجانب من الرتب التي حصلوا عليها، ولم تشر أيضاً إلى الخطوات التي سيتم اتّخاذها في المستقبل.
وذكرت الخارجية السورية في رسالتها أيضاً، أنّها تأمل في أن تؤدّي الإجراءات المتّخذة، التي وصفتها بأنّها “ضمانات”، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.
وقالت المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن، دوروثي شيا، في 25 الشهر المنصرم، إنّ السلطات الجديدة في سوريا مسؤولة عن مكافحة الإرهاب، وعدم الاعتداء على دول الجوار، وإبعاد المقاتلين الأجانب.
“رويترز” نقلت عن مصدر مطّلع على نهج الحكومة السورية بهذا الشأن، عقب توجيه الرسالة للإدارة الأميركية، أنّ دمشق ستؤجل التعامل مع هذه القضية قدر الإمكان نظراً لأنّها ترى أنّ المقاتلين الذين ساعدوا في الإطاحة بنظام الأسد من غير السوريين يجب أن يعاملوا معاملة حسنة.
ورغم جهود دمشق المعلنة، لاحظ مراقبون وجود بعض الثغرات في رسالة الخارجية السورية، أبرزها عدم تقديم تفاصيل دقيقة بشأن خطط إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، أو آلية التعاون العملي مع واشنطن في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب. وتبقى هذه القضية وغيرها من القضايا العالقة بمثابة اختبارات حقيقية أمام أيّ تقدّم في المحادثات غير الرسمية بين الطرفين.
تحدّيات وعوائق متعدّدة تقف أمام القيادة السورية الجديدة، لجهة إعادة بناء جيش سوري وطني جامع يمثّل جميع السوريين بكافة طوائفه ودياناته وأعراقه، وقد جاء تعيين قائد الإدارة السياسية أحمد الشرع، للقائد العسكري لـ “هيئة تحرير الشام”، المهندس مرهف أبو قصرة، وهو من خارج المؤسّسة العسكرية، وزيراً للدفاع، بعد التشاور مع قادة فصائل المعارضة السورية، التي انضوت في عملية “ردع العدوان” دون بقية الفصائل، سواء في “الجيش الوطني”، أو في درعا والمنطقة الجنوبية، ما أثار حينها مخاوف من استئثار “تحرير الشام” بالسلطة، لا سيّما أنّها وضعت قياديين فيها، في مفاصل القرار السياسي والاقتصادي ولاحقاً العسكري، منذ تسلّمها السلطة في البلاد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.
منذ اليوم الأول لتسلّمه وزارة الدفاع وجد مرهف أبو قصرة نفسه في مواجهة ملفات عسكرية معقدة، لعلّ أبرزها ملف دمج عشرات الفصائل التي ينضوي أغلبها في “الجيش الوطني السوري”، الذي شكّلته تركيا قبل أعوام عدّة، في الجيش السوري الجديد للقضاء نهائياً على الفصائلية التي تُعدّ بمثابة قنبلة موقوتة سيؤدّي انفجارها إلى تأزيم الأوضاع الأمنية. وكذلك ملف استيعاب المقاتلين الأجانب في الجيش السوري المقبل، بالإضافة إلى تركة ثقيلة تركها النظام المخلوع الذي حوّل الجيش إلى مليشيات تقاتل من أجل بقاء بشار الأسد في السلطة لا أكثر.
باحثون عسكريون وضباط منشقّون عن جيش الأسد يرون، أنّ أهم التحدّيات التي ستواجه وزارة الدفاع السورية المقبلة، هي “إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه على أسس سليمة، خصوصاً أنّ القدرات والمقدرات التسليحية البرّية والبحرية والجوّية قد دمّرها الجيش الإسرائيلي بنسبة قد تصل إلى أكثر من 80%. وأنّه يجب دمج الفصائل في الجيش السوري بشكل مدروس جيداً، وأن يكون كاملاً، بحيث ينصهر الجميع في المؤسّسة المقبلة، ولا يكون دمجاً شكلياً بحيث تبقى بعض الفصائل بمسمّياتها الحالية ويكون ولاؤها لقائد الفصيل أو لقوى خارجية أو إقليمية”.
كما تبرز معضلة التعامل مع مصير صفّ الضباط والضباط المنشقّين عن جيش الأسد خلال سنوات الثورة، وإعادة الاعتبار لهم ومنحهم حقوقهم المادية والمعنوية المصادرة منذ بداية انشقاقهم، وترفيعهم إلى الرتب التي يستحقونها، ودمجهم في الجيش المزمع تشكيله من قِبل وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
فوضى الإعلام والحاجة إلى شاشاتٍ وطنيةٍ موثوقة
في أحد أشدّ أيام سوريا حساسيةً وأكثر مفاصلها تعقيداً، تحديداً في اليوم الرابع...
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...